الشاعر عبد القوى الأعلامى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالأحداثموسوعة الأعلامى الحرةأحدث الصورالتسجيلدخول

شاطر
 

 بريد الأهرام ( بريد الجمعة )

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1 ... 43 ... 83, 84, 85, 86, 87, 88  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
أكرم عبد القوي
__________
__________
أكرم عبد القوي

ذكر
العمر : 57
عدد الرسائل : 23180
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 Profes10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 3011
نقاط : 37123
ترشيحات : 136
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 411

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 I_icon_minitime28/10/2016, 17:08

صاحبة الحظ السيئ


أنا فتاة لم أتزوج برغم بلوغى سن الخامسة والأربعين، ويبدو أننى صاحبة أسوأ حظ فى التاريخ، إنهم يقولون إننى «مليحة» حسب التعبير الدارج، ولكن ماذا يفيدنى جمالى وأنا لا أجد من يهتم بى أو يشعرنى بأهميتى فى الحياة، فلقد ولدت بعد وفاة أبى بخمسة أشهر لأم صغيرة فى السن وفقيرة جدا، ولى أخ وأخت يكبرانى، وقد تركنا الجميع أخوال وأعمام وأقارب، وتعذبت كثيرا، ولم يخرج اليتم من قلبى حتى الآن، وقاسينا الأمرين من أهل أبى وأمى، وكنت أموت فى اليوم ألف مرة، وأنا أرى البنات حولى ينعمن بأبائهن.
لقد انصرف عنا الجميع فكلهم خافوا من الأرملة الجميلة وأطفالها الصغار، ومرت الأيام وسافر أخى إلى الخارج، وكان يزورنا فى الإجازات ولم يأت معه بهدية لى ولا مرة واحدة وتزوجت أختى، وإندلعت مشكلات كثيرة بينها وبين أمى التى لم تستطع أن تنتقم منها فانتقمت منى، واتهمتنى بأننى سأصنع مثل أخى وأختى ولذلك فإنها تأخذ حقها منى مقدما ومرت الأيام بطيئة وتخرجت فى الجامعة، وكان أملى كله فى العمل والسفر إلى الخارج والزواج وبحثت عن فرصة عمل فى أى دولة فلم أجد أى وظيفة فى الوقت الذى سافرت فيه الكثيرات من زميلاتى وبنات الجيران، وتزوجت أخريات وصارت لهن بيوت مستقلة.

وتزوج أخى فى بيت أبى وكلما حدث خلاف بيننا يعلو صوته، وينعتنى بالعانس ويصرخ فى وجهى طالبا منى أن أبحث لى عن مكان آخر لكى لا يرانى مرة أخرى، ورفضوا إعطائى ميراثى، ومر ثلاثة وعشرون عاما وتغيرت الدنيا من حولى وبقيت وحدى ألاطم أمواج الحياة ومازلت فى نقطة الصفر، ولم أبرحها بخطوة واحدة وحاولت أن أحصل على شقة فى أى مدينة فلم يحالفنى التوفيق.

تخيل يا سيدى أن مرتبى بعد ثلاثة وعشرين عاما فى الوظيفة الحكومية لم يتجاوز ألفى جنيه يذهب معظمه فى الملبس والمأكل والمواصلات، وصارت حياتى عذابا لا يطيقه أحد، إذ أهرب من البيت طول اليوم، وأعود للنوم فقط لكى لا أسمع كلمة نابية من أخى، فأنا أعمل مدرسة وكم تمنيت أن أنتقل من المدرسة التى أعمل بها إلى ديوان عام وزارة التربية والتعليم بالقاهرة، وأن يكون لى مسكن مستقل فالحقيقة أننى أريد أن أحافظ على ما تبقى لدى من كرامة بالابتعاد عن هؤلاء الناس الذين لا يمكن أن يطلق عليهم لفظ «أهل» فالأعداء أنفسهم أهون منهم ـ ارجوك أن تشير على بما يساعدنى على تغيير حياتى فلقد فاض بى الكيل من الناس والمتاعب على مدى ما يقرب من نصف قرن من الزمان.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

هونى عليك فالحياة مليئة بالمتاعب، وهى لا تكتمل لأحد وهناك الكثيرات ممن يتمنين أن يحصلن على جزء مما أنت فيه، فتكفيك الصحة، والوظيفة المستقرة والسكن أيضا، وما أكثر المريضات اللاتى على استعداد للتضحية بكل ما يملكن من أموال ومجوهرات فى سبيل نيل الشفاء من أمراضهن، وهناك من تعيش وحيدة ولا تجد وظيفة ولا دخلا تواجه به متاعب الحياة، وكلما رضيت عما منحك الله إياه، سوف تشعرين بالهدوء والطمأنينة فمن رضى فله الرضا، ومن سخط فله السخط، فكونى أكثر إيجابية وقربا من الله، وأحسنى الظن به إذ يقول تعالى فى حديثه القدسى «أنا عند ظن عبدى بى فليظن بى ما شاء» وعندما نحسن الظن بخالقنا تتفتح لنا أبواب السعادة وراحة البال واعلمى أن كل شىء عند الله بمقدار، وسيأتيك رزقك العادل حين يأذن سبحانه وتعالى وأسأله عز وجل أن يرزقك الزوج الصالح فمازال أمامك متسع من الحياة وليست هناك سن للزواج ولا تدرين لعل الله يدخر لك من هو قادر على إسعادك، وتبديل أحزانك إلى أفراح فإنتظرى عطاء من لا يغفل ولا ينام.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أكرم عبد القوي
__________
__________
أكرم عبد القوي

ذكر
العمر : 57
عدد الرسائل : 23180
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 Profes10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 3011
نقاط : 37123
ترشيحات : 136
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 411

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 I_icon_minitime28/10/2016, 17:18

بريد الجمعة يكتبه : أحـمد البـرى
كرسى الاعتراف!
أحـمــد البـــــرى



بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 2016-636132042951252167-125

أنا سيدة فى السابعة والثلاثين من عمري، قاسيت مصاعب جمة، وواجهت أحداثا مؤلمة، ولم أذق طعم السعادة بالرغم من أننى أبدو أمام الآخرين مبتسمة وقوية فأنا الابنة الوسطى بين ولدين، ووالدتى امرأة مكافحة فمنذ أن وعيت على الدنيا، وجدتها ذات بأس شديد، وتحملت والدى بكل جبروته وشدته من أجلنا، وزاد من همها أن شقيقى الأصغر ليس طبيعيا منذ ولادته، ولا يدرك من أمره شيئا، ولم تكن لدينا الامكانات التى تساعدنا على إلحاقه بمدرسة لذوى الاحتياجات الفكرية، واقتربت منه، فلاحظت أنه يستوعب ما أشير عليه به، وليس متخلفا تماما، وأدركت برغم صغر سنى وقتها أن هناك فرقا بين عمره العقلى والزمني، وبذلت جهدا مضنيا لتعليمه القراءة والكتابة والأرقام والجمع والطرح، واستعنت فى ذلك بألعاب المكعبات والمشابك وغيرها، وعندما وصلت إلى الثانوية العامة، لاحت لأمى فرصة الاعارة إلى الخارج، وتزامن ذلك مع مرض والدى وحاجته إلى العلاج الدائم، وأديت واجبى كأم وابنة وممرضة وطالبة، ولما ساءت حالته، قطعت إعارتها، وتفرغت لتمريضه، ثم رحل عن الحياة وهو فى الخمسين من عمره، وتولت مسئوليتنا بجسارة، وقادت سفينة حياتنا باقتدار حتى تخرج أخى فى كلية مرموقة، وتخرجت بعده فى كلية مماثلة، وانتقلنا إلى حى أرقى من المنطقة التى كنا نسكن فيها، وتنفسنا الصعداء، وعملت بعد تخرجي، وكعادة البنات جاءنى كثير من العرسان، لكن لم يحدث وفاق مع أى منهم، أما شقيقى فقد أحب فتاة أبوها سودانى وأمها مصرية، فعارضته والدتى لأن زواجه سوف يؤثر على عمله فى الجهة التى ينتمى إليها، فتعب نفسيا، ودخل فى صراع مع نفسه، وأصيب بالفعل بمرض نفسى جعله يأتى تصرفات غريبة فى عمله، وصدر عليه حكم بالسجن، وانقلبت حياتنا رأسا على عقب، واتشحت بالملابس السوداء، وعندما كنت أزوره فى السجن، أنهار باكية، وأرفع يدّى إلى السماء، وأدعو الله أن يزيل عنا الغمة التى أطبقت علينا ولاندرى كيف نتخلص منها، ولم تهدأ أمى وجابت كل الجهات المسئولة والقضائية لإثبات حقيقة مرضه، وصدر حكم ببراءته، وخرج من الخدمة بمستحقاته وشقته ومعاشه، وكلما نظرت إليه أذرف الدموع على حاله، وأصررت على علاجه، فاستقلت من عملي، ولازمته فى المستشفى ليلا ونهارا، وكنت أغفو بعض الوقت على السرير المقابل لسريره، وأقرأ القرآن بصوت مسموع إلى أن ينام، وخرج من المستشفى بنسبة عجز قدرها ستين فى المائة وفقا للتقارير الطبية.

وبدأنا مرحلة جديدة من العلاج الدائم حتى لا تتفاقم حالته، لكنه رفض تعاطى الدواء فى أحيان كثيرة، وحدثته فى أن نفتتح له مشروعا ونبحث له عن شريك مناسب، لكن ظروفه لم تسمح بالتفكير فى إسناد أى مهمة إليه، وتدهورت حالته النفسية إلى درجة خطيرة، وإنتابته حالات هياج شديدة، وإذا رأى أحدنا أمامه ينهال عليه ضربا مبرحا، فتتعالى صرخاتنا، ونحاول أن نكتمها، واستعنا ببعض معارفنا للجلوس معه، وتهدئته، لكنهم كانوا ينفضون سريعا، وتظل المتاعب لى ولوالدتي، وقد رفضت عروضا للسفر إلى الخارج فى ظل هذه الظروف، وقل عدد من يرغبون فى الارتباط بي، وإذا جاءنى أحدهم فإن أول سؤال يطرحه عليّ عن شقيقىّ الأكبر والأصغر: هل مرض أخى الأصغر وراثي، وما سبب مرض الأكبر، ولماذا لايعمل الآن؟ وكنت صريحة فى إجاباتي، ولم تضايقنى الأسئلة عن أسرتى لكن أكثر ما ضايقنى هو أننى لم تتح لى فرصة التحدث عن نفسى وأحلامي، وأبدو دائما كأنى فى جلسة استجواب على «كرسى الاعتراف»، وكانت النتيجة الحتمية لذلك هى أن كلا منهم تركنى متشككا فى حالي، وضاقت بى الدنيا، ووجدتنى أطلب من أمى زيارة مقابر عائلتها استعدادا لشيء ما لاح فى خاطري، وأصبحت أفكر فى الآخرة، إذ ماذا عساى أن أفعل وليس لى إخوة أشد بهم أزري، وأشركهم فى أمري، وليس لى أخوال على صلة بنا فلقد قاطعونا منذ أن استولوا على ميراث أمي، أما أعمامى فقد ماتوا جميعا، وصرت وحيدة بلا سند ولا معين، وهكذا تكالبت الظروف كلها ضدى ووجدت فى المقابر سلواى، وأخذت مفتاحها بعد عناء شديد مع أمى التى كانت تخشى أن يحدث لى مكروه، وهناك وقفت أتأمل مشاهد الموتى وأتعجب لأحوال الأحياء الذين ينهش بعضهم بعضا بلا رحمة ولا شفقة، وعلق هذا المنظر الرهيب بذاكرتي، وفور عودتى إلى المنزل «أخرجت ثوبا من البفتة كان موجودا بدولابي، وطلبت من والدتى أن تحيك لى كفنا، فرفضت، وقالت لي: أخرجى هذه الوساوس من دماغك، فسكت وأنا أشعر بأن حدثا جللا سوف يهز بيتنا.

وبعد سبعة أيام صحوت على كارثة مروعة، ففى إحدى نوباته المرضية الحادة، ألقى شقيقى الأكبر بنفسه من فوق سطح منزلنا، وأسدل الستار عليه، وتحققت مخاوفي، وأغلقنا بابنا على أنفسنا، وأوكلنا أمرنا إلى خالقنا، فأكرمنا ـ عز وجل ـ بزيارة بيته الحرام، وأديت أنا وأمى وأخى الأصغر العمرة، ووفقنى الله فى الحاقه بجمعية خيرية، وعدت إلى عملى ونصحتنى صديقة لى بالزواج، وأشارت إلى أن هناك خدمة الكترونية لهذا الغرض، فجربت هذه الوسيلة لكنى وجدتهم جميعا كاذبين وسيئى الخلق، ثم تعرفت بطريق المصادفة على شاب مطلق مقيم فى اليونان، وكان متزوجا من فتاة رومانية، لكنها تركته بعد إثنى عشر عاما من الزواج، وعادت إلى بلدها ومعها أبناؤهما، ولم يفلح فى أخذهم منها، ويضطر إلى زيارتهم هناك من حين إلى آخر، وحدثنى عن رغبته فى العودة إلى اليونان، ثم وجدته يفكر فى الهجرة إلى كندا، وقال لى إنه يريدنى أن أكون بصحبته، وأعترف لك بأننى شجعته على السفر إلى الدولة التى يريدها، وبحثت له عن فرصة سفر وعمل، وساندته فى العديد من المقابلات التى شارك فيها، ثم أخبرنى فجأة بأنه لايحبني، وأنه يرغب فى العودة إلى البلد الذى يعيش فيه أولاده، وأغرورقت عيناى بالدموع، فلقد تعلقت به، وشعرت انه آخر فرصة لى فى الحياة التى قبضت يدها عليّ كثيرا، لكن أمى رأت أنه لايصلح لى زوجا، وقالت لى ان كل هدفه أن أساعده من مالي، فقطعت صلتى به.

وبعدها جاءنى قريب لأمى يكبرنى بثلاثة عشر عاما، وتوفيت زوجته بالمرض الخبيث، ولديه أربعة أبناء، وفرش لنا الأرض مهادا، قائلا إنه مدير مصنع، ولديه فيللا فى العبور، ولكل ابن غرفة مستقلة، وسيأتى لى بشغالة مقيمة، وغير ذلك من الوعود التى تلين أى واحدة وتجعلها تميل إليه، مع أننى لم أسترح لشكله العام، إذ يبدو فارق السن بيننا واضحا، لكن أمى رحبت به أيما ترحيب، واعتبرته العريس المنتظر الذى سيحافظ عليّ، واشترت لى غرفتى النوم والصالون، وأوهمها بأثاث فخم لم أجد له وجودا فيما بعد، بل إننى جهزت الأثاث الخاص بى بنفسي، وتولى هو تجهيز أثاث غرف أولاده!

وخلال فترة الخطبة لمست والدتى بخله الشديد، ومع ذلك مضت فى استكمال زواجنا، وأقنعت نفسى بأنه يحبنى وهادئ الطباع، وسوف يتحمل عصبيتى التى أعترف بها، ولم أخفها عنه، كما أنه قريبى وسيسمح لى بزيارة أمى ورعاية أخي، وسأجنى ثوابا كبيرا من الله فى تربية أبنائه، وبعد زفافنا تبينت لى مساوئه العديدة وأبرزها البخل الشديد، فكان يدّعى دائما نسيان حافظة نقوده لكى أشترى كل شيء من مالى الخاص، وظهرت أنانيته الحادة، ولم يأت بالشغالة التى وعدنى بها، ووجدت أولاده مهملين للغاية ويلقون بالأشياء وبقايا الطعام فى أرجاء المنزل، وساءت نفسيتى بسببهم مع أن أعمارهم تتراوح بين تسعة أعوام، وسبعة عشر عاما، وتحاملت على نفسي، وواصلت رسالتى معهم، وساعدت الولد والبنت الصغيرين فى الدروس، وكنت أعنفهما أحيانا على الاهمال فى المذاكرة، فشكيا لأبيهما، فاستشاط غضبا مني. وأهال على كل ما أفعله من أجل أبنائه التراب، وحاولت أن أعوض نفسى عن هذه المرارات، فبحثت عن الحمل عسى أن يرزقنى ربى بطفل يملأ عليّ حياتي، وانصرفت إلى الترجمة من المنزل، لكن ذلك لم يعجبه، وأصر على أن أكون خادمة لأولاده ولبيته، وضيّق عليّ الخناق فى زيارة أمي، وبدأت أقنعته تتساقط يوما بعد يوم، وكلما حدثته فى أى أمر يخصنا لايدع لى فرصة للكلام، وذات يوم طردنى من المنزل، فظللت جالسة طوال الليل إلى أن بدت تباشير الصباح، فذهبت إلى والدتى التى تعدت سن الخامسة والستين، فهدأت من روعي، وتدخلت لاصلاح ما أفسده زوجى من علاقتنا بلا ذنب ولا جريرة.

وحلت بى متاعب صحية جديدة، إذ أصبت بـ«عرق النسا» وعانيت ألامه المبرحة، وأخبرنى الطبيب أن «المشيمة نازلة»، لكن أبناءه لم يرحموني، ويتعمدون معاملتى بإهانة، أما هو فلا يبالى بمتاعبى، وإشتد بى المرض فأبلغته أننى سأزور أمى وأظل معها يومين، ورجوته أن يشترى الدواء الذى وصفه الطبيب ويحضره لى هناك، لكنه لم يعبأ بما طلبته، بل وقال لى إنه يريدنى كزوجة!! فسكت ولم أتكلم، وبمرور الوقت ضقت ذرعا بتصرفات أبنائه الذين صاروا يحدثوننى فى أشياء لا يصح ولا يليق أن تكون مثار حديث الصغار، فلقد سألنى أصغرهم: «إنت حامل فى ولد ولا بنت، عشان أعرف هينام مع مين فينا فى غرفته»، فأجبته: لا أعرف. فنصحنى قائلا: «كفاية واحد، لأن إحنا كده هنبقى كتير، ولما هطلب مصروف زيادة من بابا مش هيرضي»!.. على هذا المنوال تسير حياتي، مع أننى لم أكمل عاما واحدا على زواجي، وأجدنى على يقين من أن طباعه لن تتغير، كما أن أحوال أبنائه تسير نحو الأسوأ، واعترف بأننى عصبية وأن كل ما مررت به فى حياتى يجعلنى فى حالة رعب من القادم المجهول، فبماذا تنصحني؟



ولكاتبة هذه الرسالة أقول :



استوقفتنى صراحتك وتلقائيتك فى سرد أحداث حياتك، فلاشك أنك عانيت ظروفا صعبة، ومتاعب جمة من رعاية شقيقيك، ومساندتك والدتك، وتخليك عن عملك من أجلهم، ثم فشل ارتباطك حتى بلغت سن السادسة والثلاثين، وقبولك زوجك الحالى بأولاده خوفا من أن يفوتك قطار الزواج، وقد انعكس ذلك كله على مزاجك العام فصار مزاجا سيئا، وانتابتك حالة عصبية فأصبحت تثورين لأتفه الأسباب مدفوعة إلى ذلك بما قاسيته من أهوال جعلتك تذهبين إلى المقابر لتتأملى هذا العالم الصامت، بعيدا عن ضجيج الحياة، واستغرقت بكل كيانك فيه، ورحت تتأهبين لدخوله فطالبت والدتك بأن تحيك لك كفنا انتظارا لساعة الرحيل، وفاتك فى صنيعك هذا أن الله عوضك عن سنوات شقائك بهذا الزوج الذى أتصور ـ برغم بخله الذى تتحدثين عنه ـ يحبك ويخاف عليك، كما أن أولاده ارتبطوا بك، وما يحدث منهم من تصرفات ترينها عدائية ضدك يأتيها كثيرون من الأبناء مع أمهاتهم وآبائهم، لكنك لم تجدى فيه ولا فى أولاده سوى الجوانب السيئة المرتبطة بسوء المعاملة والتقتير، ولذلك توترت علاقتكم، وتلاشت المشاعر الطيبة بينكم، بل وفرّغت عصبيتك فى أطفاله، وتراجع اهتمامك بهم، ولازمتك الحدة فى التعامل معهم، وأصبحت تؤدين الواجبات التى تقوم بها كل زوجة على مضض وأخشى أن تصل بك الحال اذا استمررت على هذا النهج إلى الحزن والملل من الحياة.

والحقيقة أن زوجك يتحمل جزءا كبيرا من مسئولية ما آلت إليه أحوالك، فهو رجل ثري، ولديه الكثير من الأموال والأعمال التى تدر عليه دخلا كبيرا، ولا مبرر لبخله الشديد وتقتيره عليك إلى الحد الذى يجعلك تئنين من تجاهله مطالبك البسيطة، كما أنه مسئول عن تحسين صورتك أمام أبنائه، فأنت الآن بمثابة أمهم، ولا تضيقى بكلامهم، ولا بأسئلتهم، واعتبرى حديث ابنه معك عن حملك وأخيه المنتظر كلاما عاديا، واحرصى على عدم تدمير هذا «العش» الذى عوضك عن متاعب السنين وليعلم زوجك أنه إذا فقدك فسوف يخسر الكثير، وبالطبع فإنه يعلم كل شيء عن حياتك وظروف شقيقيك الراحل والحالي، وبقدر الأبعاد النفسية التى انعكست عليك منذ أن كنت طفلة، وليوسع صدره فى تعامله معك، ولا يضيق بتصرفاتك، وعلى كل منكما ألا يقابل السيئة بالسيئة، وإنما يحاول أن يبتعد عن الآخر عند نشوب أى مشكلة، وبعد قليل سوف تراجعان نفسيكما، وتهدأ العاصفة، فالإنسان عند الغضب لا يعى ما يقوله وما يفعله، ويدرك خطأه بعد زوال التوتر والغضب وإياك والعصبية فإنها تنعكس عليك أنت أيضا بالسلب ليس من الناحية النفسية فقط، وإنما أيضا من الناحية الصحية، فسوف يتأثر حملك إذا استمررت فى المشاحنات والخلافات مع زوجك وأبنائه، وقد يصل بك الأمر إلى الانهيار العصبى الذى يستتبعه اكتئاب وقلق دائمان، وأحسب أن انعدام الحوار بينكما يزيد الجفاء، ويدفع حياتكما إلى نفق مظلم، ويتعين عليكما تقريب المسافات، وعليه أن يمنحك مساحة أكبر من المودة والمحبة، وأن يشاركك فى أعباء الحياة ومسئولية البيت بما يبعث فى نفسك الشعور بالرضا والاطمئنان، ويجب أن يتجنب الأسلوب الجارح فى معاملتك، وأن يسعى إلى توفير جو من المرح فى البيت، وهذه كلها عوامل تسعد الجميع، فيشعرون بالسعادة والطمأنينة.

لقد توفرت لكما أسباب الحياة المستقرة الناجحة، ولذلك فإن عناد زوجك من جهة، وعصبيتك من جهة أخرى سوف يؤديان بكما إلى الهاوية، فالزوج العنيد تشعر زوجته بأنه من المستحيل التعامل أو التفاوض معه فى أى شأن يخص حياتهما ولا يتجاوز عن أى هفوة من جانب زوجته، وفى المقابل تزداد عصبية الزوجة ثأرا لنفسها، وهنا تتفاقم الأزمة، وقد ينتهى الأمر بالطلاق، وإذا فتشنا عن أسباب انتشار ظاهرة الطلاق فسوف نجد أن معظم حالاته يرجع إلى سوء التفاهم فى مسائل من السهل احتواؤها لكن المكابرة والعناد، هما اللذان يدفعان كل طرف إلى التمسك بموقفه وليتك تشعريه بمدى سعادتك أنت وأبنائه عندما يشترى احتياجاتكم، وأكدى له أنك تقدرين تعبه وانفاقه عليكم، ولا تسخرى منه، وتجاهلى مواقفه السلبية، وعندما يجدك تنتهجين هذا النهج سوف يتغير تلقائيا، ويتخلى عن عناده.

أما عن أبنائه فكونى لهم قدوة، وعليك الانتباه لما تفعلينه، وما تقولينه لهم، وتجنبى مناقشة أمورك الخاصة أمامهم، واقتربى منهم، فحبهم لك لن يأتى من فراغ، وإنما يتحقق تلقائيا عندما يجدونك حريصة على مصلحتهم، ويلتمسون مودتك لهم، وإياك أن تعاملى ابنك القادم ـ بإذن الله ـ معاملة خاصة فيشعرون بالتفرقة بينه وبينهم، ولو فعلت ذلك فسوف تزيد الفجوة بينكم، وقد يدفع ذلك زوجك إلى اتخاذ قرارات مؤلمة ربما يكون منها الطلاق حفاظا على أولاده الذين رحلت أمهم عن الحياة، ولا تشحنى أبوهم ضدهم، وتجاوزى عما يصدر منهم من مواقف يمكن تجاهلها، ويمكنك بقليل من الصبر والحكمة أن تكسبيهم إلى صفك، وأن يعتادوا وجودك فى حياتهم، وخذى تصرفاتهم دائما بنية حسنة.

إن «النظرة السوداوية» إلى زوجة الأب تحجب الرؤية عن نماذج كثيرة قدمن لأبناء أزواجهن تضحيات كبيرة، وكن لهم أكثر عونا من أمهاتهم، وأظنك نقية السريرة تجاه أبناء زوجك بدليل اهتمامك الكبير بهم، ومذاكرتك للولد والبنت الصغيرين دروسهما، بعد أن اكتشفت ضعف مستواهما الدراسي، وهذه النقطة قد تكون غائبة عن زوجك، أو ربما يكون متأثرا بما يشاع عن زوجة الأب «الساحرة الشريرة» ولو أنه تفرغ لبيته بعض الوقت لاكتشف الجهد الكبير الذى تبذلينه من أجل تربيتهم تربية صالحة، فكونى عند الظن بك، وأسعدى بحياتك، وتجنبى التفكير فيما يعكر صفوها وأجدنى أتذكر هنا قول إبراهام لنكولن «لقد وجدت أن نصيب الإنسان من السعادة يتوقف غالبا على رغبته الصادقة فى أن يكون سعيدا»، فتجاوزى عن كل ما مضي، وليكن اعترافك بعصبيتك وصدقك فى كل كلمة تقولينها هو المفتاح الذى يفتح لك أبواب السعادة والاستقرار، وليكن زادك دائما هو ما تقدمينه لزوجك وأبنائه، فسعادة المرء تتوقف على ما يستطيع إعطاءه للآخرين، لا على ما يحصل عليه منهم، بعكس ما ننشأ عليه من أن السعادة فى الأخذ، فالحقيقة أن الإنسان كلما أسعد من حوله، تنعكس عليه السعادة، وعيشى فى حدود يومك، إذ لا الماضى بآلامه وأفراحه سوف يعيد إليك البسمة ولا الدمعة، ولا المستقبل فى جفوته أو بسمته سوف يسعدك، فاسعدى فى لحظتك الآنية وتقربى إلى الله، واسأله عز وجل أن يلهمك طريق الصواب، وأن يلين قلب زوجك وأولاده لك، وأن يرزقك الذرية الصالحة، وأن يكتب الشفاء لشقيقك والراحة والطمأنينة لوالدتك، ويجعل السعادة من نصيبكم جميعا، إنه على كل شيء قدير.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أيام زمان
عضو فضى
عضو فضى
أيام زمان

ذكر
عدد الرسائل : 1314
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 210
بلد الإقامة : مصر المحروسة
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 Profes10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 510
نقاط : 7937
ترشيحات : 3
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 I_icon_minitime11/11/2016, 22:48

الرائحة العطرة



أنا صحفى شاب نشأت فى أسرة تضم ستة أفراد، وكان أبى مديرا بالتربية والتعليم، وأمى معلمة فى المجال نفسه، وكرسا حياتهما لتربيتنا ورعايتنا، وكان كل همهما أن يجدانا سعداء
وناجحين فى الحياة، وسارت الأمور بلا أى منغصات، وسافرنا إلى دولة عربية قضينا بها أربع سنوات، وتعبت أمى وقتها بالتهابات فى الكلي، وخضعت للعلاج لدى طبيب شهير، ولم يثنها مرضها عن متابعتنا وتوجيهنا، ومرت السنوات واشتد المرض بها، واضطر أبى إلى السفر بمفرده إلى دولة عربية أخري، وكنا وقتها نقترب من الثانوية العامة، وسافرت وقتها معه لأكمل دراستى هناك، وكان شقيقى الاكبر فى الثانوية العامة، فلم يحصل على المجموع الذى يؤهله للالتحاق بكلية الطب التى كانت رغبته ورغبة أمي، فأعاد السنة والتحق بها وكانت فرحة عارمة عمت الأسرة برغم الآلام الرهيبة التى تعانيها، وتبعته بمجموع كبير أهلنى لدراسة الإعلام، ثم التحق أخى الأصغر بكلية السياحة.

وذات مرة وفى أثناء خضوعها للفحص الطبى قرر الطبيب المعالج إجراء عملية زرع كلية جديدة لها من متبرع بعد فشل كليتيها تماما، وبالفعل أجريت لها الجراحة وعادت إلى سابق عهدها تحوطنا بعطفها وحنانها ورعايتها، وعملت صحفيا والتحقت شقيقتى الصغرى بكلية الطب ثم شقيقى الأصغر الذى تخرج أيضا فى كليته، ومرت الأيام وتزوجت وصارت لى أسرة صغيرة، وتزوج شقيقى الأكبر وسافر إلى الخارج لاستكمال دراساته العليا، وبكت أمى كثيرا لبعده عنها، وبعد حوالى عام من سفره، هاجمتها آلام الكلي، ونقلناها إلى المستشفي، ورحت أنا وشقيقتى الطبيبة ننتقل من غرفة إلى أخري، ولم تتوقف دموعنا لحظة واحدة، ونحن نرى أمنا تقترب من الموت، واستجمعت قواي، ودخلت عليها غرفة العناية المركزة، فوجدتها غائبة عن الوعي، فانفجرت فى بكاء مرير، ودخل الطبيب الحجرة فربت على كتفى وأخذنى إلى الخارج، فلقد صمتت أمى إلى الأبد، وأدخلوها إلى المغسلة وتأملت وجهها بعد الغسل، فوجدتها تبتسم.. أى والله العظيم، فقسمات وجهها تظهر نورا شديدا يزداد مع نظراتى إليها فقبلتها وجلست إلى نفسى أستغفر الله، وقضت ليلتها فى قبرها، أما أنا فقد غبت عن الحياة، ومرت الأيام ونسيت طعم السعادة، وسكن سواد الدنيا فى أعماقي، وسرى فى جسدى حزن دفين وكبت عميق، وجفت بداخلى دماء الحياة.

بقى أن أقول لك إنه مرت على رحيل أمى تسعة أعوام لكن رائحتها مازالت عالقة فى «خياشيمي»، ولم أزرها فى قبرها طوال تلك السنوات خوفا من أن تتجدد الأحزان، وأخيرا توجهت هذا الأسبوع إلى محافظتى، وذهبت إلى قبرها، وتذكرت الماضى بكل أفراحه وأحزانه، وظللت أحدثها بصوت مرتفع والدموع تنهمر من عينيّ.. أمى إننى مشتاق إليك، أريد أن أراك، فأنا أشعر بأننى ميت يمشى على قدميه، والله لم تفارق صورتك خيالي، وفجأة أفقت بعد وقت طويل على أننى وحدى وسط المقابر، فجررت جسمى وعدت إلى بيتى لكن صورتها ماثلة أمامى ولا أدرى كيف ستمضى بى الحياة؟.. فماذا أفعل؟.



ولكاتب هذه الرسالة أقول :



فى قصتك مع أمك درس كبير لكل الأبناء بما يجب عليهم تجاه الآباء والأمهات، حتى بعد رحيلهم عن الدنيا، فبر الوالدين يستمر بعد موتهما بالدعاء لهما، وإنفاذ وصيتهما، والصدقة باسميهما، والحج والعمرة إن لم يرزقا حجا أو عمرة، وقضاء الدين عنهما، وإيفاء الحقوق التى عليهما، وصلة الرحم التى لا توصل إلا بهما، وأحسب أنك أديت كل ذلك عن أمك رحمها الله، فاهدأ بالا بما صنعت، وثق أن من أنجبت أبناء بارين بها لن تشقى أبدا فى قبرها، فلقد أدت ما عليها ولقيت وجه ربها آمنة مطمئنة.

والارتباط الروحى بينك وبينها ليس بزيارة قبرها، وإنما بالترحم عليها والدعاء لها، وإذا زار الإنسان القبور، فليزرها متعظا لا عاطفة، فالأولى دائما أن يزورها للعلة التى ذكرها النبى صلى الله عليه وسلم، وهى تذكر الموت والآخرة، فهؤلاء الذين تمتلئ بهم القبور كانوا بالأمس على ظهر الأرض، والآن أصبحوا فى بطنها، مرتهنين بأعمالهم، لا يملكون زيادة حسنة، ولا إزالة سيئة، ويشترط لجواز زيارة القبور ألا يسافر إليها لقوله صلى الله عليه وسلم «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد.. المسجد الحرام، ومسجدى هذا، والمسجد الأقصى».

إن الترحم على والدتك من أعظم أعمال البر التى يمكن أن تقدمها لها، فاستغفر الله عن بكائك ونحيبك الذى لن يفيدك، وربما يؤثر بالسلب على حالتك النفسية، ولتعلم أن زيارة قبرها ليس شرطا فى البر بها، فبإمكانك الدعاء لها وأنت بعيد عنها، وأذكرك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث.. صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»، فادع لوالدتك ـ رحمها الله حيثما كنت بعيدا أو قريبا، وإياك والسقوط فى دائرة الحزن والبكاء، وفقك الله وسدد خطاك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أيام زمان
عضو فضى
عضو فضى
أيام زمان

ذكر
عدد الرسائل : 1314
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 210
بلد الإقامة : مصر المحروسة
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 Profes10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 510
نقاط : 7937
ترشيحات : 3
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 I_icon_minitime11/11/2016, 22:49

بريد الجمعة يكتبه:أحـمدالبرى
ضبـاب الليـل



بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 2016-636144069093356234-335


أكتب إليك حكايتى عسى أن تساعدنى فى الخلاص من مشكلة تحيرني، وتقض مضجعي، وربما تجد لى حلا يريحنى من الألم النفسى الذى أعانيه، وتنقذ الآخرين من عذاب أليم سوف يواجهونه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ودعنى أتحدث عن أبى فلقد نشأ فى ظروف صعبة لأسرة تضم خمسة أبناء وترتيبه الثانى بينهم، وعمل مع جدى منذ صغره لمساعدته فى متطلبات المعيشة، والتحق بالمدرسة الثانوية الصناعية فى حين التحق عمى الأكبر بكلية الهندسة، وتفرغ للدراسة، وحمل أبى المسئولية، وكان يزوره بانتظام فى سكنه حاملا ما يلزمه من طعام ومال، ولم يقصر أبى فى الدراسة، فبذل فيها جهدا كبيرا، وحصل على مجموع أهّله لدخول الجامعة، لكنه فضّل الالتحاق بوظيفة حكومية وقتها نظرا لظروف الأسرة، ومرض جدى واقتضت حالته نقله إلى المستشفي، ورافقه أبى، حيث كان يذهب إلى عمله، ثم يعود إليه فيمكث معه إلى اليوم التالي، بينما انصرف اعمامى إلى انفسهم، ولم يُلق أحد منهم بالا لما يعانيه أبوهم، ولم يمض وقت طويل حتى رحل عن الحياة، وبكاه أبى كثيرا، وكلما تذكر ذلك اليوم العصيب تنهمر دموعه، بلا حساب، وكان عمى الأكبر قد تخرج فى كليته، والتحق بوظيفة كبرى وتزوج وانشغل بحياته.

وحدثنى أبى كثيرا عن تلك الفترة، واثنى على جدى وحسن أخلاقه وتربيته الصالحة لهم، وقال لى إنه كان متزوجا من سيدة أخرى قبل جدتي، وأنجب منها بنتا هى عمتى الوحيدة، وغير الشقيقة لأبي، وتزوجت رجلا محترما عاشت معه حياة رغدة وسعيدة، ولم تكن لدى جدى أملاك أو أموال باستثناء المنزل المكون من عدة شقق، ويعيش فيه الجميع، وتشاور مع كبار العائلة والأقارب فى تقسيم هذا المنزل على اولاده الخمسة الذكور الذين يعيشون ظروفا مادية صعبة، وأن يكتب مقابلا ماديا لحق أختهم الوحيدة، حيث أنها تعيش فى رفاهية وليست فى حاجة للإقامة فى هذا المنزل، وحددوا السنة التى يبلغ فيها أصغر أعمامى سن الرشد موعدا لتسديد المبلغ الذى اتفقوا عليه إليها، ووقعت عمتى على ذلك، وأعطوها كمبيالات به.

ولما مات جدى لم يتحدث أحد فى هذه المسألة، وصار أبى هو المسئول عن جدتى وأعمامى الآخرين باستثناء عمى الأكبر الذى اختفى من حياتهم تماما، ودخل أيضا فى نطاق مسئوليته عمى الذى يليه فى السن، فلقد سافر إلى العراق لفترة، ثم عاد بخفى حنين مكبلا بالديون، إلى جانب توليه أمور عميَّ الصغيرين، واضطر أبى إلى الالتحاق بعمل إضافى لكى يكفى متطلبات المعيشة والمصروفات الدراسية المطلوبة لهما، ومما زاد العبء عليه أن عمى الأكبر انضم إليهم بعد أن واجهته مشكلة فى عمله تسببت فى طرده منه، وساعده أبى لفترة طويلة، وقال عمى له إن ما يأخذه منه، هو على سبيل القرض، وأنه على استعداد لكتابة إيصالات أمانة بما يستدينه منه، وصار عليه مبلغ كبير من المال، ثم انقطعت صلته بأبى الذى لم يكن قد تزوج بعد، برغم بلوغه ثلاثين عاما، وعندما فكر فى الارتباط بأمى لم يكن معه وقتئذ ما يكفى لشراء الأثاث، واشتدت به الحاجة إلى المبلغ الذى اقرضه عمي، فاستعان بصديق له لمفاتحة عمي، والحصول منه على هذا المبلغ، وكانت المفاجأة المحزنة أنه أنكر أن يكون عليه دين لأبى قائلا: إن كان معه ما يثبت أن له «فلوسا» عندي، يطلبها عن طريق المحكمة!! فعقدت الدهشة لسان أبي، إذ لم يتخيل أن يكون هذا رد فعل عمى برغم تضحيته الكبيرة من أجله منذ أن كان تلميذا بالمدرسة، فلم ينطق بكلمة واحدة، وكتم أحزانه فى نفسه، واقترض من البنك مبلغا أتم به زواجه بأمي، وعاشا حياة صعبة عانيا فيها شظف العيش، وتعرضت أمى لظلم بيّن من «سلايفها» زوجات أعمامي، ومن جدتى أيضا، وأنا شاهدة على ذلك، ومازال يدور فى مخيلتى ما عرفته عن زوجة عمى الذى يلى أبى فى السن، والتى كانت تسير فى طريق السحر والشعوذة والكيد لأمي، وكنا دائما نجد ملابسنا ممزقة بماء النار بعد أن ننشرها على حبل الغسيل المشترك فوق سطح المنزل، ومع أن جدى كان حنونا وعطوفا، فإن جدتى كانت عكسه تماما، غليظة القلب، قاسية التصرفات، ولذلك لم نشعر بأى عاطفة نحوها، لا أنا ولا إخوتي، فلقد رزق الله أبى وأمى ثلاث بنات فى بطن واحدة، لكنهن رحلن عن الحياة بعد ولادتهن، بأسبوع واحد، ثم رُزقا بي، ومن بعدى شقيقين «توءم» وعان أبوانا متاعب جمة من أجلنا، وكانا معا يدا واحدة، إذ ربطتهما علاقة يسودها التعاون والاحترام والحب، وانعكس ذلك على تربيتنا، وكانت أمى موظفة، ولم تجد من تتركنا معه، ونحن صغار بعد رفض جدتى مجرد وجودنا بجوارها إلى أن تعود أمى من عملها، وأمام هذا التعنت، اضطر أبى إلى تغيير مواعيد عمله لكى يتناوب معها رعايتنا، ونظرا لأن الحياة المشتركة جحيم وعذاب، فقد اقترض أبى مبلغا من المال، وباع نصيبه فى البيت لعمى الأصغر منه مباشرة، واشترى قطعة أرض، وبنى عليها بيتا مستقلا لنا لكى نرتاح من متاعب «بيت العائلة» وأصدقك القول أن الله فتح لنا أبواب الهدوء والسكينة وراحة البال، وتفوقت فى دراستي، فالتحقت بكلية الطب، وتبعنى أحد شقيقَّىّ «التوءم» فى الكلية نفسها، والتحق الآخر بكلية الحاسبات والمعلومات، وأدركت أن ما أنعم الله به علينا من نعم ظاهرة وباطنة مرده إلى بر أبى بوالديه، أبيه قبل رحيله، وأمه بعد ذلك، فهى برغم أفعالها وتصرفاتها معنا، لم تجد من يبرها سواه، ولكن إحقاقا للحق فإن زوجة أصغر أعمامى كانت ترعاها بالتناوب مع أبي، ومن المفارقات العجيبة، أن عمى الذى يليه فى السن كان يسكن فى الشقة المواجهة لشقة جدتي، ولا يفصلهما سوى بضع خطوات، وللأسف لم يكلف نفسه اعطاءها فتات ما يأكله هو وأسرته، بل إن زوجته دأبت على إغلاق المياه عنها، ولما لاحظ أبى صنيعها، حرص على ملء الأوانى بما يكفيها من المياه إلى جانب الطعام اليومى الذى يحضره لها كل يوم، وحاول اقناعها بالانتقال إلى بيتنا والمعيشة معنا لكى يستريح من المشوار، حيث إننا نسكن فى قرية مجاورة للقرية التى يوجد فيها بيت جدتي، وبعد جهد كبير أقنعها بما يبتغيه لراحة الجميع، وعاشت معنا فترة قصيرة، ثم مرضت، وانتقلت إلى المستشفي، وتجمع أعمامى حولها لماَّ احسوا بخطورة حالتها، ورحلت إلى ربها، ثم حدث أن جاءنا عمى الذى يلى أبى فى العمر شاكيا من زوجته قائلا إنها جعلت حياته تعيسة وكانت تحرضه على جدتي، واعترف بخطئه، وندم على ما اقترفه فى حقها وأخذ يردد بصوت يغلب عليه البكاء بأنه لن يسامح نفسه أبدا على تجاهله لها، أما عمى الأكبر، فهو مريض الآن، وملازم الفراش ويحرص أبى على زيارته باستمرار ناسيا كل ما فعله بنا.

وعلمتنى هذه التجربة صلة الرحم وبر الوالدين، وأن المظلوم سوف ينصره الله، وإن طال الأمد، كل ما عليه أن يصبر إلى أن يقضى الله امرا كان مفعولا، لكن ما يقلقني، وما دفعنى للكتابة إليك، هو حق عمتى غير الشقيقة التى كتب لها أبى وأعمامى مبلغا من المال مقابل حقها فى المنزل، واستحقاقها له بمجرد بلوغ أصغر أعمامى سن الرشد، إذ بلغ هذه السن منذ أكثر من ربع قرن، وجاءتنا عمتى وقتها وطالبت أبى بحقها فوعدها بتدبير ثلث المبلغ، إذ لم يكن باستطاعته وقتها أن يعطيها المبلغ كله، لكنها أرادته بالكامل، وتجاهلوا جميعا مطلبها، وتذكر أبى أن شقيقه الأكبر قد وعده بأن يعطيها حقها من الدين الذى عليه لأبي، وبعد ذلك بخمس سنوات كررت عمتى طلبها، ولم يشأ أبى أن تحدث مشكلة معها، فقال لها إنه سيدبر نصف المبلغ، وهذا أقصى ما فى استطاعته، فالآخرون يماطلونه، ولا يريدون أن يدفعوا شيئا لها، فردت عليه بأنها تعرف طريق المحكمة جيدا!.

ومرت الأيام وبعث إليها أبى وعمى الذى يليه سنا لكى يعطياها حقها، فرفضت، وقالت أريد حقى فى المنزل بسعر اليوم!، واسودت الدنيا فى عيوننا، وصارت هذه المشكلة بالنسبة لى كضباب الليل القاتم الذى لا يتبين المرء فيه أى شيء، وأسأل نفسى كل ليلة، هل أبى مذنب، وهو الوحيد الذى لم يتأخر عن تنفيذ ما كتبه جدى لعمتى لكنها هى التى ترفض الحصول على حقها الذى تكفل به وحده بالتقسيط تيسيرا عليه؟ وما هو الحل الآن، فهذه المسألة تقلقني، وأخشى أن يحُبط عمل أبى الذى عانى متاعب كثيرة فى حياته، ولا أريد أن نأكل أموال أحد، أو أن يكون فى بيتنا مال حرام... إننى أرجو أن تشير علينا بما يُرضى عمتي، ويتمكن أبى من الوفاء به، فنرتاح جميعا، ونزيح هذا الكابوس الجاثم فوق صدورنا.



ولكاتبة هذه الرسالة أقول :



عندما قسَّم جدك منزله بين أبنائه قبل رحيله كان ينبغى أن يخصص لعمتك جزءا منه حسب ميراثها الشرعى وفقا للآية الكريمة «يوصيكم الله فى أولادكم، للذكر مثل حظ الأنثيين»، أو أن يترك الأمر إلى ما بعد وفاته، فيأخذ كل ذى حق حقه بما يرضى الله، ولا يعنى زواج عمتك من رجل ميسور الحال أن يتم حرمانها من الميراث تحت أى ذريعة، كما أن المبلغ المكتوب على أبيك وأعمامك قلت قيمته بمرور الوقت، فهو الآن لايساوى واحدا فى المائة من قيمته وقت كتابة الكمبيالات، وأنتم جميعا تتحملون مسئولية اعطائها حقها بالأسعار الحالية، وهذه هى القسمة العادلة، ولا أدرى كم يساوى حقها فى هذا المنزل لكى يتهرب الكل من مسئوليته، ويلقى باللائمة على الآخرين، فلو دفع كل واحد، خُمس المبلغ لأوفوها حقها، ولما حدثت كل هذه الضغائن بينكم.

لقد أحسن أبوك صنعا عندما تولى مسئولية الأسرة مع جدك، وضحى بفرصته فى التعليم العالى لحساب أشقائه، فعوضه الله خيرا، ويكفيه نجاحكم أنت وشقيقيك فى الدراسة، وهدوء بالكم، وليت أعمامك يتعظون مما آلت إليه أحوالهم، من ضيق الحال وتشتت البال، والأمراض التى لحقت ببعضهم، وليدركوا أن الإنسان يحصد ما يزرع، وهم ابتعدوا عن جدتك، فلم تجد غير أبيك سندا لها، ولم يصلوا رحمهم، بل أكلوا حق أختهم، ولذلك سوف يلقون الجزاء العادل إن عاجلا أو آجلا.

إن محاسبة عمتك بالسعر المكتوب فى الكمبيالات غبن شديد لها، ولا يقبله عقل، ولابد من معالجة الفجوة السعرية، بين السعر الذى كان سائدا وقت تقسيم المنزل، والأسعار الآن، فإما أن يخلى أشقاؤها نصيبها المستحق لها من المنزل لتتصرف فيه كما تريد، أو أن يشتروه منها وفقا لثمنه الحالي، ثم ألا يدرى أبوك وأعمامك أن المماطل فى رد الحق ظالم ومقصر؟ حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار» بمعنى وجوب رفع الضرر وإزالته، ولا يمكن هنا رفعه عن عمتك إلا بتعويضها ماليا عما لحقها من ضرر «المماطلة».

وعلى أعمامك أن يلموا شملهم، وكفاهم ما حدث من شتات بينهم، وكلهم فى النهاية إخوة سواسية، سواء من نال منهم تعليما عاليا أو شغل مركزا مرموقا، ومن لم يتح له ذلك، فمن الوفاء ألا تتغير حال الأخ مع أخيه فى التواضع، وإن ارتفع شأنه، فالإنسان فى الدنيا قد ينتقل من مكان إلى آخر، ومن منصب إلى منصب أعلي، وعليه ألا يتغير أو يتصور نفسه، فوقهم، فالترفع عن الأخوة بما يتجدد من الأحوال لؤم، ولنا فى رسول الله أسوة حسنة، فحينما فتح مكة، ودانت له الجزيرة العربية بأكملها، وخضعت له القبائل، وصار على قمة هذا المجتمع الجديد، خشى الأنصار أن يؤثر النبى عليه الصلاة والسلام البقاء فى مكة بلده، فلما أعلنوا عن قلقهم قال «إنى عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، فالمحيا محياكم، والممات مماتكم»، فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: والله ما قلنا الذى قلنا إلا الضّنّ بالله ورسوله، فقال الرسول: «فإن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم»... هذا عن الأخوة فى الله، فما بالنا بالأخوة فى النسب، حيث يكون الأشقاء يدا واحدة.. إننى أهيب بأعمامك أن يعودوا إلى رشدهم، ويقربوا المسافات مع أبيك عسى الله أن يزيح عنكم الكرب، ويفتح عليكم بركات من السماء، ويرزقكم من فضله، وكرمه، فالقيام بحق الإخوة والأخوات من النسب عبادة، وليس عادة ولا مجاملة، إذ روى الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بر أمك وأباك وأختك وأخاك، ثم أدناك، فأدناك»، فللأخ حقوق كثيرة منها الإحسان إليه، والتلطف فى التعامل معه، ولنا قدوة فى رسول الله فى قصته مع أخته من الرضاع الشيماء بنت الحارث رضى الله عنها، فحينما قدمت إليه بعد انقطاع طويل، بسط لها رداءه، وأجلسها عليه وخيرها قائلا: إن أحببت الإقامة فعندى محببة مكرمة. وأن أحببت أمتعك فترجعى إلى قومك؟ قالت بل تمتعنى وتردنى إلى قومي، فنفذ لها ما أرادت.

وللأخ حق فى الدعاء أيضا لقوله تعالي: «قال رب اغفر لى ولأخي، وأدخلنا فى رحمتك»، وقوله «وأخى هارون هو أفصح منى لسانا، فأرسله معى ردءا يصدقني، إنى أخاف أن يكذبون»، ومن حقه أيضا التغافر والتسامح والتماس الأعذار عند وقوع الأخطاء، فالحياة تعتريها مصاعب ومنعطفات غالبا ما تتباين فيها وجهات النظر، فلا يكن ذلك مدخلا للشيطان فى التفريق وتضخيم القضايا الخلافية، ولنا عبرة أيضا بقصة نبى الله يوسف عليه السلام، وإخوته، مع ما حصل منهم من حسد، وتعريض حياة يوسف للموت والسجن، والإبتلاء الشديد، ومع ذلك صبر وقال لهم: «لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين».

ويخطئ الأخ أو الأخت عندما يظن أن الحياة تصفو دون كدر واختلاف، والموفق هو من يعرف كيف يتصرف أمام مواقف الاختلاف، ويكسب إخوته وأخواته، أما الهجر والخصام، فيزيد الأمور تعقيدا، وأحسب أن أباك كان طول عمره عند الظن به، بالنسبة لإخوته، وقد علمكم صلة أرحامكم التى قال عنها صلى الله عليه وسلم... «ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذى إذا قطعت رحمه وصلها».. فمن المؤسف أن تحدث القطيعة بين الإخوة لاختلاف على مال أو لسوء فهم كلام ما، وليت كل هاجر يتذكر أنه لا يدخل الجنة قاطع رحم.

وأرجو أن يتذكر الجميع قصة ابنى آدم، هابيل وقابيل، فهما أخوان شقيقان وقع بينهما الحسد، عندما قتل قابيل هابيل، وفى ذلك قال رسول الله: «إن ابنى آدم عليه السلام ضربا مثلا لهذه الأمة، فخذوا بالخير منهما» والحقيقة أن الجبين يندى ألما حينما يتنازع إخوة على إرث، أو شركة فى مال، وقد يصل بهم الأمر إلى المحاكم، ولابد أن يكون هناك وضوح شديد فى هذه الأمور، فليتدارك أبوك وأعمامك تقصيرهم فى حق عمتك، وفقا لهذا المنهج القويم، وأسأل الله أن يؤلف بين قلوبهم ويصلح ذات بينهم، ويهديهم إلى الطريق السليم الواضح والخالى من الضباب، وهو وحده المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
كابتن أحمد منصور
مشرف
مشرف
كابتن أحمد منصور

ذكر
عدد الرسائل : 6488
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 210
بلد الإقامة : المدينة الفاضلة
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 Office10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 Bookwo11
نقاط : 17058
ترشيحات : 47
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 710

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 I_icon_minitime19/11/2016, 00:14

القرار الصعب


أنا أرملة عمرى سبعة وخمسون عاما، وأشغل وظيفة مرموقة،
وتوفى زوجى منذ ثمانى سنوات، ولم يرزقنى الله بأطفال، وعشت وحيدة ليس لى سوى أشقائى.. نتزاور أحيانا, لكن وحدة الأيام ثقيلة ومملة وقد تقرب لى زميل فى العمل منذ ثلاث سنوات، لكنه متزوج وله من زوجته ولدان فى مرحلة التعليم الإعدادى، لكنها مريضة وأنه عندما يتبادل الحديث معى يشعر براحة وطمأنينة، وعرض عليّ الزواج بشرط أن يقضى نصف الأسبوع معى، والنصف الآخر مع زوجته وابنيه، ولم يبين لى ماهو مرض زوجته، أو يفصح عن أى تفاصيل خاصة بهذا الأمر، وقد تراجعت عدة مرات عن الموافقة على الارتباط به، لكنى بصراحة أميل إلى الزواج به أملا فى تعويض سنوات وحدتي، وأحس بأنه صادق فى مشاعره تجاهى، وعندما تحدثت مع أخى الأكبر فى هذه الزيجة لم يوافقنى فى رأيى لأسباب كثيرة منها أن هذا الزميل يصغرنى بثلاثة عشر عاما ــ نعم يا سيدى ــ فهو فى سن الرابعة والأربعين! لقد حاول شقيقى إثنائى عن التمادى فى هذا الموضوع مؤكدا أن زميلى يطمع فى شقتى التمليك التى جمعت ثمنها من غربتى وما آل إليّ من زوجى الراحل، وهى فى إحدى المناطق الراقية بالقاهرة، كما أننى ورثت عن أبواىّ ميراثا يدر عليّ دخلا سنويا لا بأس به، وأصدقك القول إننى لا أتميز بجمال ملحوظ، وقد أخبرته أننى متمسكة به، وأرى طوق النجاة فى ارتباطنا، فسن المعاش اقترب، وسوف أتقاعد عن العمل الذى يشغل جزءا من وقتى، وإذا كنت قد رفضت أكثر من رجل تزيد أعمارهم على عمرى فإننى غير قادرة على سماع أى صوت سوى صوت قلبي، فهل هذا الرجل صادق معى أم أنه سوف يستغل ظروفى طامعا فى مالى؟ وهل من الممكن أن يبحث عن زوجة ثانية تكبره بثلاثة عشر عاما لتعوضه عن حنان الزوجة؟ كما أننى لا أكذب عليك فشعورى تجاه أشقائى يجعلنى أظن أنهم لا يحبذون زواجى برغم أنهم أخبرونى بأن لى مطلق الحرية فى اختياراتي، ويكررون على مسامعى أن عدم التكافؤ العمرى عواقبه وخيمة، فهل هم على صواب؟ وما هذا الذى أعيشه ويسيطر على عقلى وقلبى؟

> ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

أخوتك على حق فيما ذهبوا إليه من أن زميلك يستغل ظروف وحدتك، ويطمع فى مالك، فليس معقولا أبدا أن يبحث عن الحنان لدى زوجة ثانية تكبره بثلاثة عشر عاما .. أفهم أن يتزوج المرء بمن تكبره سنا لأسباب متعددة لكن أن يختارها زوجة ثانية بحثا عن الارتواء الجسدى والعاطفي، فإن فى ذلك مبالغة شديدة، بل وتأكيدا أنه ليس صادقا فى ادعاءاته، وبعيدا عما يدور فى ذهن أخوتك سواء بالموافقة الظاهرية على زواجك منه أو بأنهم لا يحبذونه، فإن حديثهم عن عدم وجود تكافؤ عمرى بينكما مع الأخذ فى الحسبان العوامل الأخري، هو عين العقل، لذلك اقطعى علاقتك فورا بزميلك، وافتحى قلبك لمن يرغبون فى الزواج بك، وسوف تجدين بينهم من هو أنسب لك، وأفضل منه بكثير، ستجدين زوجا يريدك لذاتك ويعيش نفس ظروفك، وستكونين معه شريكا أساسيا فى الحياة, لا زوجة على الهامش نصف الوقت، وحتى إشعار آخر. وأكرر لك أن قصر دائرة تفكيرك على زميلك سوف يؤدى بك إلى مالا تحمد عقباه، فكونى صريحة وقاطعة معه، حتى وإن كنت قد تعلقت به، فخير لك أن تقطعى علاقتك به الآن من أن تتمادى معه وتستجيبى لرغبته، فقد يعرض عليك مد أجل التفكير فى الأمر، وأن تعطى نفسك فسحة من الوقت إلى غير ذلك من الأساليب الملتوية التى يلجأ إليها أصحاب الضمائر الخربة، ولكن كونى حاسمة معه، وسيأتيك من يملأ حياتك ويعوضك عن سنوات وحدتك، وسيكون خير شريك لك فى الحياة حين يأذن المولى عز وجل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
كابتن أحمد منصور
مشرف
مشرف
كابتن أحمد منصور

ذكر
عدد الرسائل : 6488
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 210
بلد الإقامة : المدينة الفاضلة
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 Office10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 Bookwo11
نقاط : 17058
ترشيحات : 47
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 710

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 I_icon_minitime19/11/2016, 00:22

بريد الجمعة يكتبه:احـمد البـرى
سـاعة الصفــر!

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 2016-636150182005939288-593

أنا فتاة فى سن الرابعة والعشرين، نشأت فى أسرة متوسطة لأب موظف وأم ربة منزل،ولى أربعة أشقاء «ولدان وبنتان»، وترتيبى الصغرى بينهم، وقد وجدتنا بعيدين عن بعضنا، ولا تربطنا أى علاقة، ولا يجمعنا لقاء، وكل ما بيننا هو صلة الدم لا أكثر، فأبواى غائبان عنا دائما، ولا وجود للألفة والمودة بيننا، وفى ظل هذه التركيبة الأسرية العجيبة انطويت على نفسى، لا أكلم أحدا، ولا أغادر حجرتى إلا للضرورة، وكتمت أحزانى داخلي، وقضيت سنوات الجامعة على هذه الحال، وتكررت محاولات زميلاتى لإخراجى من عزلتي، ثم انصرفن عنى شيئا فشيئا لما وجدننى مصرة على هذه القوقعة، وفشلت مساعيهن لجذبى إلى عالم «الضحك والفرفشة» الذى انخرطن فيه كعادة كل الشباب، ومازالت كلماتهن ترن فى أذنىّ : «يابنتى عيشى لك يومين قبل ما الهم يجيلك ومتعرفيش تعملى إيه» !، وفى الحقيقة كنت أسخر منهن، وأعتبر تصرفاتهن «طيش شباب»، وبمرور الوقت أدركت إن اكتساب خبرات الحياة ليس أمراً سهلاً ، فلقد جعلنى الانعزال عن الآخرين قليلة الحيلة، وغير قادرة على التعامل معهم، وفهم مكنون أنفسهم.
ومرت الأيام وعندما وصلت إلى الفرقة الرابعة فى كليتى اقترب منى زميل فى مثل سني، وألح عليّ فى الحديث معه، وأفضى لى بما يكنه صدره تجاهى بأن شيئا ما يشده إليّ حيث يرانى مختلفة عن بقية الزميلات، وأنه سعى للتعرف عليّ بغرض الزواج وليس التسلية كما يفعل الكثيرون خلال سنوات الدراسة الجامعية، فقابلت كلامه بفتور، ولم استلطفه، ثم سألت نفسى : مادام يقول أنه يريدنى زوجة له، لماذا لا يعطى كل منا للآخر فرصة كافية للتعارف، وألنت له جانبي، وصرنا صديقين نتحدث معا فى الأمور العامة فقط، ووجدته إنسانا محترما جدا، ويتقى الله فى تصرفاته معي، فلا يسلم عليّ باليد، ولا يجلس إلى جواري، ودائما نتكلم معا وجها لوجه فى وجود زملائنا من الطلبة والطالبات، وظللنا على هذه الحال حتى قرب نهاية العام الدراسي، ثم انتابنى فجأة إحساس بالخوف لم أجد له تفسيرا، فتحاشيت لقاءه، وتذرعت بأسباب كثيرة لكى لا ألتقيه، وبعد أن أدينا الامتحان النهائي، قطعت علاقتى به، وغيرت رقم هاتفى، لكنه ظل متربعا على عرش قلبي، وكثيرا ما انخرطت فى بكاء مرير على أننى فرطت فيه، فهو لم يرتكب أى خطأ معي، لا بالفعل، ولا بالقول، وساءت حالتى النفسية، ودعوت الله ليلا ونهارا أن يفك كربي، وأن يهدينى إلى سواء السبيل.

ووجدتنى بعد شهور أبحث عنه، وأؤكد له حبي، وأننى تغيرت تماماً، وأحس بصدق مشاعرى وتعلقنا ببعضنا أكثر من ذى قبل، وحان موعد ارتباطنا الرسمي، فأبلغنى أنه سوف يتقدم لطلب يدي، وكان الطبيعى أن أفرح لذلك، فأى قصة حب يجب أن تتوج بالزواج، فهو غاية المحبين، والهدف الأسمى للعلاقة العاطفية، ولكن ما إن أدركت أننى فى طريقى إلى الزواج حتى انتابنى الرعب من مجرد فكرة أن يجمعنى بيت بأى رجل، تلك الفكرة التى سيطرت عليّ منذ صباي، إذ كنت أرى أبي، وهو يقسو على أمى، ويضربها ويركلها بقدميه، كما عشت تجربة أختى الكبرى المريرة التى ارتبط زوجها بأخرى بلا سبب، ونسى أنها ساندته بمالها وعرقها إلى أن وقف على قدميه، وصار له دخل كبير، ولم يعبأ بكل عطائها ودمر نفسيتها فصارت عجوزا وهى فى سن الشباب، ولا حول لها ولا قوة، وأيضا تجربة أختى التى تليها التى لم يرتبط زوجها بها رغبة فيها، وإنما طمعا فى مساعدة أسرتى لأننا ميسورو الحال، وكان هدفه زيجة جاهزة لا تكلفه شيئا وفى النهاية طلقها، وكذلك شقيقاى لا تنتهى مشكلاتهما مع زوجتيهما، والسبب فيما آلت إليه أحوالهم أن كلا منهم لم يختر شريك حياته، وخضعوا جميعا لإملاءات أبى، فليس بيد أى منهم حيلة، وفى الوقت نفسه وجدوها فرصة للخروج من «شرنقته» والنفاذ من سيطرته، ولم يلتفت أشقائى إلى انعدام التفاهم مع شركاء حياتهم، وتدهورت أوضاعهم إلى الأسوأ نتيجة الاختيار الفاشل منذ البداية، فمنهم من انتهت حياته الزوجية بالانفصال، ومن تزوج للمرة الثانية، وغاب الاستقرار عنهم جميعا.. وقد تركت هذه «الصورة القاتمة» أثارا سلبية غائرة فى نفسى.

وقررت أن أكون مختلفة عنهم، فلا أخضع لاختيار أبي، وإنما أتزوج الشخص الذى أحببته، وحدثت أبى وأمى وأخوتى، عن أن فتاى يريد أن يتقدم لخطبتى، فرفضوا جميعا من باب الرفض دون أن يعرفوا من هو أو أن يسألوا عنه، فأصررت عليه، وواجهت الجميع لأول مرة فى حياتي، وقلت لهم والدموع تنهمر من عينى : أعطونى فرصة لكى أبنى بيتا مستقرا، وأن أتحمل تبعات اختيارى، فأنا أريد حياة هادئة لا تعكر صفوها الخلافات ولا المشاجرات، وأننى سأكون مسئولة عن حياتي، ولن أرضى بغير هذا الشاب بديلا، فهدأوا قليلا ثم تحججوا بأن ظروفه المادية صعبة، فرددت عليهم بأنه فى بداية مشوار حياته العملية، ويبنى نفسه بنفسه دون مساعدة من أحد، وهو أفضل مليون مرة من شاب يتوافر له كل شىء على الجاهز ثم لا يستطيع مواجهة أنواء الحياة، وعددوا لى السلبيات بأنه لا يملك شقة، وأننى لن أتزوج فى البلد نفسه الذى نعيش فيه، وإنما سأنتقل الى مدينة أخرى، وعرضوا عليّ عريسا جاهزا بكل متطلبات الزواج من شبكة ومهر وشقة وغيرها، ويعمل فى دولة عربية، وراحوا يقارنونه بفتاي، وظلت عمليات الشد والجذب بيننا شهوراً عديدة إلى أن انتزعت موافقتهم على من اختاره قلبى وعقلى ولكن بشروط تعجيزية منها شبكة بمبلغ كبير برغم أسعار الذهب التى ترتفع يوما بعد آخر وقائمة منقولات هائلة، وشقة جاهزة، وإذا به يوافق على كل شروطهم! وتمت خطبتى له، ورأيته يسابق الزمن، ويوشك أن ينتهى من كل ما طلبوه منه بالقروض والجمعيات ومساعدة أسرته، وقد عقدنا قراننا فى حفل ضم عائلتينا وبعض الأصدقاء والمعارف، ونستعد للزفاف.

وفجأة اكتشفت ما لم يكن فى الحسبان فلقد ضبطته غارقا فى علاقتين غراميتين مع اثنتين من زميلاته فى العمل، إحداهما أرملة، وهى تلاحقه فى كل وقت ليس خلال ساعات العمل فقط، وإنما أيضا بعد عودته إلى منزله، وكلما اتصلت به عبر هاتفه المحمول أجده مشغولا وظللت فترة أراقب هاتفه دون أن يدرى وعرفت أنه يحادثها باستمرار، وذات يوم استمرت مكالماتها ست ساعات، وكلما فصل الهاتف يعيد الاتصال بها من جديد!، فثرت عليه بشكل هيستيرى، ولم يجد ما يرد به عليّ، ولم يعطنى أسبابا مقنعة لحديثه معها طوال الليل، ووعدنى بألا يكرر ذلك مرة أخري، فطلبت منه أن يقطع علاقته بها نهائيا، لكنه رفض قائلا إننى أعطى الموضوع أكبر من حجمه، وهى فى النهاية زميلته، وتستشيره فى مسائل عامة، ولا يتعدى الكلام حدود العمل.. أما الثانية فهى متزوجة ولها زوج وبيت وأولاد لكنها تكلمه دائما على «الفيس بوك» ولا يتوقف «الهزار والدلع» بينهما، وتبعث له دائما بكلمات حارة، ولما واجهته قال نفس ما قاله عن الأولى، بأنهما مجرد زميلتين، وهنا «بلغ السيل الزبى»، و«اتخنقت وجبت آخرى» كما يقولون، وقلت له إننى على وشك تسلم وظيفة لى مماثلة لوظيفته فى جهة أخرى، وسوف أصنع صنيعه وعليه أن يحدد موقفه من الآن، إذا تصرفت بهذه الطريقة، فرد عليّ قائلا «أنا راجل وانتى ست»، فقلت له إن هذا يعنى أنك لن تتراجع عن الطريق الذى تسير فيه، فلم يرد عليّ !

إن ساعة الصفر تقترب وسوف يحين موعد الزفاف بعد أسابيع، وكلما مر يوم جديد أشعر باضطراب وقلق شديدين، وأفكر فى الانفصال قبل أن تقع «الفأس فى الرأس»، فوعوده كاذبة، وكلامه متناقض، وكلما حاولت إقناع نفسى بأننى أعطى الموضوع أكبر من حجمه، لا أستطيع. فمن يسلك طريق الانحراف السلوكى لا يتراجع عنه، ولو فكرت فى الانفصال وأنا معقود قراني، ماذا أقول لأهلى الذين تصديت لهم جميعا من أجل إتمام زواجى به.. إننى فى حيرة من أمرى, فبماذا تنصحنى ؟

ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

بكل تأكيد فإن استمرار زوجك فى علاقاته النسائية سيؤدى به إلى مالا تحمد عقباه، وإذا كانت علاقته بزميلتيه لا تتعدى حدود الكلام الآن، فإنها حتما ستصل إلى «مرحلة الفعل» غدا أو بعد غد، فالتعود يلعب دورا كبيرا فى تليين القلوب، وتآلف المشاعر والأحاسيس، وستجد الأرملة نفسها واقعة فى شباكه، فإما أن يتزوجها أو تربطها به علاقة غير شرعية، وكذلك المتزوجة التى تسوق نفسها إلى بحر الخطيئة، ولا أدرى كيف ينجرف إلى هذه العلاقات المشبوهة، وفى الوقت نفسه يتزوجك ويبذل كل ما فى وسعه للفوز بك، بل ولا يلمسك, ولا يسلم عليك طوال فترة معرفتك به قبل عقد القران!. فأفعاله متناقضة مع بعضها، وسوف تتسبب هاتان السيدتان فى فشله سواء فى حياته الزوجية أو عمله، ولن تتركاه إلا بعد أن تحصلا على ما تريدان منه، وبقليل من التفكير يستطيع أن يتبين ذلك بوضوح، وأن يدرك أنه يدفعك إلى الحيطة والحذر فى معاملتك له، ولا معنى لأن يقول لك إنه رجل وأنت سيدة، فالخطأ واحد، ومن تخطئ معه هى أيضا سيدة، فالعلاقة دائما بين طرفين كل منهما يريدها من الآخر ويسعى إليها.

وأحسب أنك برغم ما تكنينه من حب لزوجك فإنك تتحرين علاقاته، وتتوقفين فى المحطات التى يجب التوقف فيها لإعادة النظر فى المسائل الخلافية بينكما وبالذات من الناحية العاطفية، فالحب مطلوب فى العلاقة الزوجية، لكنه عندما يصبح حبا مرضيا، وزائدا عن حده يتحول إلى معاناة، ويجعل الزوجة ضعيفة أمام زوجها، ولذلك يستغلها ويفعل ما يحلو له، وهو واثق أنها ستغفر له خطاياه!، ولذلك فإن الحب بين الزوجين يجب أن يكون بشكل متكافئ ومتوازن.. صحيح أن المرأة قد تحب الرجل أكثر قليلا من حبه لها بسبب تكوينها العاطفى المختلف عنه، لكن الحب إذا تحول إلى سلاسل تربط لسانها وعقلها وحكمتها فإنها تصبح كالأسيرة التى تنتظر من الآخرين أن يفكوا قيودها، ويمنحوها الحرية التى لا تأتى بسهولة فى معظم الأحيان، وقد يكون وقتها الانفصال هو النتيجة الحتمية، فالحب الزائد مثل الكراهية الزائدة فقد يدخل حرقة شبه دائمة فى القلب، ويجعل المرء يعانى نفسيا وروحيا.

وربما يكون زوجك قد أصابه الغرور اعتقادا منه أن حبك الكبير له، يعنى أنه الأفضل، كما أسهم فى ذلك انجذاب زميلتيه إليه مع ما قد تتحدثان به عن جاذبيته، وعقله الراجح، وحضوره الطاغي، فمال إلى الإطراء متجاهلا البئر السحيقة التى يساق إليها.

وإذا كان أساس الحب الذى جمعكما سليما من منطلق انه لم يبال بأى صعوبات مع أهلك فى سبيل الفوز بك، فإن علاقتيه مع زميلتيه سرعان ما يفطن إلى أنهما ستورطانه فى الخطيئة، ويعود إليك نادما على ما فعل وساعيا إلى الاستقرار، فالزواج مسئولية مشتركة، ويجب أن يقوم على العقل والقلب معا، وتحمل كل طرف واجباته ومسئولياته تجاه شريك حياته.

وما تفعله زميلتا زوجك معه يدخل فى باب الخيانة الزوجية، فحب المرأة لغير زوجها حب شهوانى مذموم ومحرم، وعلى المرأة المتزوجة أن تكتفى بزوجها وتصبر عليه حتى يكتب الله لها أجر المؤمنات العفيفات، وعلى الأرملة أن تسعى إلى الزواج الحلال، ألا تنخرط فى علاقة آثمة، فالكلام فى حد ذاته والتلذذ به وبالنظرات المتبادلة يسمى «زنا الجوارح» ولا بديل أمام الرجل الذى اخترتيه زوجا لك، وعقدت قرانك عليه وفى طريقكما إلى الزفاف عن أن يستغفر الله عما مضى، وأن يتقيه فيما هو آت، وإذا تاب هو وزميلتاه، فإن الله غفور رحيم, لقوله تعالي: «قل ياعبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون» صدق الله العظيم.

ولتعلم زميلتاه أن الانسانة المتزوجة تحتفظ بمشاعرها وحبها لزوجها، أو من سترتبط به إن لم تكن متزوجة، ولا تجوز أن تكون هذه المشاعر لرجل آخر، فإن فعلت ذلك تكون قد وقعت فى الحرام، حتى وإن أساء إليها زوجها، ففى إساءته خطأ واثم شرعى يعاقب عليه عند الله، ولكنها ليست مبررا لكى تخطئ هى الأخري، وتفضى بمشاعرها تجاه رجل آخر، فالزواج ميثاق غليظ، وله قدسية ولا يجوز التفريط فيه، فالحب الحلال حلال، والحب الحرام حرام، والحلال بيّن والحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات، وما يفعله زوجك مع زميلته المتزوجة يدخل فى باب الإفساد، إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «ليس منا من خبب «أى أفسد» امرأة على زوجها».

إننى أخشى أن يصل زوجك وزميلتاه إلى مرحلة «العصيان» بالاستغراق فى هذه العلاقة حتى يصبحوا عاجزين عن الافلات منها، وهو ما يعبر عنه القرآن الكريم بالختم على القلوب والأسماع، والغشاوة على الأبصار، وفى ذلك يقول الشاعر:

تولع بالعشق حتى عشــق فلما استقل به لم يطق

رأى لجـــــة ظنـها موجـــــــة فلمـــــا تمكن منها غــــرق

فعلى زوجك أن يمتنع عن الحديث مع زميلتيه، وعن كل ما يؤجج علاقته بهما، ولقد قيل «إن البعيد عن العين، بعيد عن القلب، وليدع حجة الزمالة الواهية التى يتذرع بها لكى يستمر فى ممارساته التى ستورده موارد المهالك.

إن زوجك مطالب تماما بالتوقف عما يسير فيه على طريق السوء، وعليك أن تحذريه بأنك سوف تنفصلين عنه إذا أصر على استمرار هاتين العلاقتين المشبوهتين وغيرهما من تجارب، فإذا كان يتصور أن اطمئنانه إلى حبك له، يجعله يبحث عن أخريات لكى يؤكد لنفسه أنه مرغوب فيه منهن، فإنه سوف يفقدك إلى الأبد، فالطلاق قبل الدخول والانجاب أهون مليون مرة من حياة كلها خيانة وعدم اطمئنان لشريك الحياة، وعليه أيضا أن يهتم بالتعاليم الدينية، فالحقيقة أنه ينقصه التدين والخوف من الله. وأن والديك ارتكبا خطأ جسيما فى حقك أنت وأخوتك، بحالة الخرس المنزلى التى انعكست عليكم، وجعلتكم جميعا معدومى الخبرة بالحياة، فالجلسات الأسرية توسع المدارك، وتفتح العقول لاستيعاب الدروس والعبر من التجارب الحياتية. وعلى أبويك أن يستدركا ما فات باحتوائكم ونصحكم إلى ما فيه مصلحتكم، وليس بسياسة الاملاءات التى فرضها أبوك عليكم، وليضبطا مسافة مناسبة معكم، فلا يتدخلان فى حياتكم بالصورة التى تتسبب فى فشل البيوت. ولا يبتعدان تماما فتأتى تصرفاتكم بلاحنكة ولا خبرة، فخير الأمور الوسط. وعليك أن تجلسى مع زوجك قبل الزفاف، أو «ساعة الصفر» كما تسمينها، وضعى معه النقاط على الحروف وأظنه سيتراجع عن طريق زميلتيه بعد أن تبين له الرشد من الغي، وأسأل الله له الهداية ولك التوفيق والسداد، وهو وحده المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
كابتن أحمد منصور
مشرف
مشرف
كابتن أحمد منصور

ذكر
عدد الرسائل : 6488
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 210
بلد الإقامة : المدينة الفاضلة
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 Office10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 Bookwo11
نقاط : 17058
ترشيحات : 47
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 710

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 I_icon_minitime25/11/2016, 18:51

صديقة العمر

سبعة عشر عاما ونحن صديقتان، ولا أستطيع أن أصف لك مدى الطيبة والحنان والعطاء والقناعة التى تتمتع بها هذه الفتاة، وبالنسبة لى فقد أكرمنى الله بنصفى الآخر وحب حياتي، ومشكلتى الوحيدة التى تقض مضجعي، وتنتقص من فرحتى هى صديقة عمري، فلقد رأيتها تقف بجوارنا وتساندنا جميعا من أصدقاء وجيران وأقارب، وكل من تحتاج إلى رأى أو مشورة أو نصيحة، ولم أشاهد إيثارا ولا إنكارا للذات مثلما رأيت منها لكل المحيطين بها، وإننى أشفق عليها من كثرة أعبائها، إذ تعود من عملها كإخصائية اجتماعية لتجد الأعباء المنزلية فى انتظارها من طهو وتنظيف وغسل وشراء ما ينقص المنزل من لوازم وطلبات أبيها وأمها وأشقائها الثلاثة، ولا تكل من خدمتهم، وتظل طول الوقت مشغولة إلى أن تنام خائرة القوى آخر الليل، وتؤدى كل هذه المهام بحب عميق برا بوالديها اللذين تخطيا سن الستين.
وكم تمنيت أن أراها فى بيتها ومملكتها الخاصة، وهى الوحيدة بيننا التى لم تحدث شابا فى الكلية، ولم تضعف أمام وسائل الاتصال الحديثة التى يستخدمها معظمنا للتعارف والتسلية، وكما يقال هى «ست بيت» من الطراز الأول، ومرتبة ونظيفة ومدبرة، ومع أننا صديقاتها تزوجنا جميعا، فإن ذلك لم يترك لديها إحساس اليأس ولم يتسلل الحقد إلى قلبها، وأستغرب كثيرا الصبر والرضا والقناعة التى تملأ قلبها، وأستغرب أيضا سطحية شباب هذه الأيام فى اختيار شريكات حياتهم، إذ يبحثون عن الجمال الصارخ بمقاييسهم المختلفة فى هذا الزمن.

وإنى أسألك: لماذا لا يبحث الشاب عمن تتحمل المسئولية وتشاركه أعباء الحياة؟

إن صديقتى جميلة الملامح والخلق والطباع وسنها ستة وثلاثون عاما، ومن وسط اجتماعى جيد جدا، ومن عائلة مترابطة وتسكن فى منطقة راقية، وهى بدينة وربما يكون هذا هو العيب فى نظر البعض، ولعلها تجد من يناسبها، ويظفر بها وإنى واثقة من أنه سيكون سعيدا معها.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

لا تغيب عن الكثيرين أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أسس اختيار الأزواج والزوجات، وقوله «تنكح المرأة لأربع لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك»، وحديثه عن الزوجة الصالحة بأنها المرأة التى إذا نظر إليها زوجها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا أقسم عليها أبرته، وإذا غاب عنها حفظته فى ماله وعرضه، أما بالنسبة للرجل فقال «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه» وإلا تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير، وأحسب أن صديقتك بما ذكرتيه من صفات جميلة، سوف يهيئ الله لها من أمرها ما يسرها ويطمئنها بإذنه سبحانه وتعالى, وأسأله لها ولكل الصالحات القانتات التوفيق وراحة البال، إنه على كل شيء قدير.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
كابتن أحمد منصور
مشرف
مشرف
كابتن أحمد منصور

ذكر
عدد الرسائل : 6488
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 210
بلد الإقامة : المدينة الفاضلة
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 Office10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 Bookwo11
نقاط : 17058
ترشيحات : 47
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 710

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 I_icon_minitime25/11/2016, 18:52

القلب الخالى



استوقفتنى رسالة «القلب الوحيد» فى بريد الجمعة الماضى، والتى يرغب كاتبها فى تكوين أسرة صغيرة تملأ عليه حياته إذ رحل والداه عن الدنيا، وتبعهما شقيقه الوحيد، وليس له الآن سوى شقيقته المتزوجة بينما يعيش هو فى كندا، ووجدت تقاربا فى قصتى مع ظروفه فأنا سيدة فى الثالثة والأربعين من عمري، أعمل مترجمة فى وزارة الصحة والسكان، وكانت أمى تشغل وظيفة مدير عام للخدمة الاجتماعية الطبية بالوزارة نفسها، وكان أبى كبير مهندسين بالشركة القابضة للكهرباء، ولى أخت تعمل مدرسة بجامعة حلوان، ولديها ولد وبنت، ونعيش معا منذ وفاة والدى قبل أربع سنوات، وكنت قد عملت عقب تخرجى فى كلية الألسن فى أحد مشروعات التنمية الدولية الأمريكية، وتزوجت وقتها من مدرس مساعد بمعهد البحوث الزراعية لمدة عام ونصف العام وانفصلت عنه بعد مشاجرات وخلافات كثيرة، وحمدت الله أن تلك الزيجة لم تسفر عن أطفال، ولم أتزوج بعدها برغم تقدم الكثيرين لى فلقد كان لدى غالبيتهم طفل أو أكثر، إذ رفضت فكرة زوجة الأب لما ألمسه من كراهية شديدة لمن تشاء الأقدار أن ترتبط برجل سبق له الزواج ولديه أطفال، مع أنها قد تقسو عليهم أحيانا مثل الأم من أجل أن يكونوا ملتزمين
وعشت بعد طلاقى مع أبى وأمى إلى أن مرضت ورحلت عن الدنيا والحمد لله كنت بارة بها إلى آخر لحظة، وقسمت وقتى مع أبى وأختى لرعايتها حين مكثت فى العناية المركزة بالمستشفى شهرا كاملا إثر جراحة خاطئة فى الكلي، وبعد رحيلها راعينا أبى إلى أن مات هو الآخر, ولدى أختى ولد فى الصف الأول الإعدادى، وبنت فى الصف الثالث الابتدائى وهما يملآن علينا حياتنا، واعتبرهما ابنىّ اللذين لم أرزق بهما حتى الآن، وقد وجدت تقاربا لظروفى مع صاحب قصة «القلب الوحيد» ولعل الأمر يكون فيه خير لكل منا.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

ما أكثر القلوب الخالية التى تبحث عمن يعمرها من شركاء الحياة، فلقد انهالت الرسائل والاتصالات على بريد الأهرام من سيدات وفتيات فضليات يرغبن فى التعرف على صاحب رسالة «القلب الوحيد» كما تلقيت استجابات كثيرة من قراء أفاضل يعرضون الزواج على كاتبة رسالة «القرار الصعب» التى تعيش وحيدة بعد رحيل زوجها عن الحياة، وبالفعل قدمنا العروض الواردة إلينا لكاتبى الرسالتين وألفت انتباه الكثيرين إلى ضرورة إرسال البيانات الكاملة بوضوح فى مثل هذه المسائل لكى يتسنى لنا الاتصال المباشر بهم، فمسائل الزواج والارتباط لا يمكن أن تتم عبر الإيميل أو الفيس بوك وما شابههما ولابد من أرقام الهواتف حتى يتمكن الطرفان من ترتيب لقاءات التعارف، ومن ثم الزواج إذا اتفقا عليه، وأرجو أن تجدى من يناسبك ويكمل معك مشوار الحياة, وفقك الله وهو وحده المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
كابتن أحمد منصور
مشرف
مشرف
كابتن أحمد منصور

ذكر
عدد الرسائل : 6488
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 210
بلد الإقامة : المدينة الفاضلة
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 Office10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 Bookwo11
نقاط : 17058
ترشيحات : 47
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 710

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 I_icon_minitime25/11/2016, 18:53

بريد الجمعة يكتبه : أحـمــد البــــــرى
مزرعة الدموع !


بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 2016-636156181225645436-564


أكتب إليك قصتى راجية أن تساعدنى فى الخروج من الدوامة التى أعيش فيها، فلقد تعبت نفسيا وجسمانيا، وأشعر أننى كبرت مائة سنة فوق عمرى، وأخشى من تقلبات الدهر، فأجدنى قد وصلت الى طريق مسدود لا يرجى الخروج منه،
فأنا سيدة عمرى سبعة وثلاثون عاما، نشأت فى بيت محافظ، وتربيت على الفضيلة بين أبوين متحابين وأشقاء يجمعهم الحب والتعاون، وركزت فى دراستى، ولم تشغلنى العلاقات التى تنشأ عادة بين الشباب والفتيات فى المرحلة الجامعية، فعزفت عن علاقات الحب والغرام، ولم أسمح لأحد بأن يبثنى أشواقه، ولا أن يردد على مسامعى قصائد المدح والانبهار بشخصيتى وجمالى، وبعد تخرجى فى كليتى التحقت بهيئة مهمة وجمعتنى علاقة مودة بزملائى منذ اليوم الأول لى بها، وبمرور الوقت فاتحنى أحد زملائى فى رغبته الارتباط بى، وعرفت أنه يكبرنى بسبع سنوات، وحاصل على مؤهل فوق المتوسط، ويشغل وظيفة تقترب من وظيفتى، ففرحت به جداً، فهو أول رجل أتكلم معه ولأننى لا أدرى شيئا عن عالم الرجال، فقد اعتبرته نصيبى، وهيأت نفسى على أنه رفيق حياتى، وأسرعت إلى أبوىّ وأبلغتهما بأمره، فرحبا به. ومرت اجراءات الزواج سريعاً، وأصبح هو كل ما لى فى الدنيا منذ لحظة عقد قراننا، ورحت أبثه أشواقى، وأتطلع إلى أن أسمع منه كلمة «بحبك» التى صممت أذنىّ عن سماعها من أحد قبله، ولم أعط أيا ممن حاول التقرب لى الفرصة لأن يقولها لى.. فقط هو زوجى وحبيبى الذى صار من حقه أن يسمعها منى، ومن حقى أن أسمعها منه، وكانت المبادرة دائما من جانبى، فأسرع اليه عندما يدق جرس الباب عائداً من الخارج، فأقبله وأضفى جوا من البهجة والسعادة فى مملكتنا الصغيرة.

لقد تصورت أن الدنيا ابتسمت لى، وأن فارس أحلامى تحقق كما أردته، ولكن هيهات، اذ لم يمر وقت طويل حتى اكتشفت أن زوجى قاسى القلب بطبعه.. صحيح أنه لم تبد عليه أى علامات للقسوة فى الأيام الأولى للزواج، ولكن ماهى الا شهور حتى كشف عن وجهه الحقيقى، فعاملنى وكأنى حجر، ولست انسانة لى مشاعر وأحاسيس، وفى حاجة الى أن يقدرنى زوجى، ويخفف متاعبى لا أن يقابل حبى له بجفاء، ويتعمد اذلالى وتحويل حياتنا الى نكد بلا سبب، فالزوجة فى رأيه بلا قيمة، وعليها أن تنفذ الأوامر فى صمت، ويجب ألا يسمع منها سوى كلمة «حاضر» سواء سعيدة أو حزينة، راضية أو غاضبة، وكلما وجدته على هذه الحال أنهار باكية، وما أكثر الليالى التى بتها والدموع تنسال من عينىّ حتى تبلل فراشى، وتملكتنى الحسرة على ما آلت اليه أحوالى بعد أن كنت ملكة متوَّجة فى بيت أبى، ووجدتنى وسط هذه المآسى أحمل فى ابنى الأول، وبدلا من أن يعيننى على متاعب الحمل، استهان بآلامى، وأخذ يقدحنى بألفاظ قاسية، ويسبنى بكلمات أعف عن ذكرها، وكنت أتحاشى ثوراته وحالات «الهيجان» التى لا مبرر لها بالامتثال لما يطلبه منى برغم آلامى وأوجاعى، فأنهض لترتيب المنزل قبل خروجى إلى العمل، وأعد الطعام، وآخذ طفلنا الى الحضانة، وأكرر هذا الصنيع بعد الظهر.. ولما فاض بى الكيل ذات يوم ذهبت غاضبة عند أهلى، فجاءنى بعد أيام، وقال فى صلف وغرور أنه الرجل، ولابد أن يربينى ـ على حد قوله ـ ! .. تخيل ياسيدى أن يخرج هذا الكلام من زوج جاء لارضاء زوجته التى لا ترجو من الدنيا الا سعادته وراحتها، ومع ذلك تجاوز أبواى ثورته، وتدخلا للصلح بيننا، وكتمت أحزانى فى نفسى، وحاولت زميلاتى أن يعرفن ما ألمّ بى عندما وجدننى منكسرة ولونى شاحبا، فلم أبح لهن بأى كلمة، وظلت نظرات الاستغراب تنطلق من عيونهن، وكأنهن يقلن لى «انتى اللى اخترتيه».

ويبدو أن مثله لا يتغير أبداً، فبعد إتمام الصلح وعودتى إليه طالبنى بأن أضع كل راتبى فى البيت وأتولى مصاريف المعيشة بالكامل، بدعوى أنه يكفيه سداد القروض التى جهز بها شقة الزوجية، وتوفير ثمن سيارة ترحمنا من زحام المواصلات، وتحاملت على نفسى حتى اشترى السيارة التى كان يحلم بها، لكنه استأثر بها لنفسه، فعندما أطلب منه توصيلى إلى السوق لشراء احتياجات المنزل يرد علىّ : «اركبى المواصلات لأننى مشغول»!، أتدرى ما الذى يشغله؟.. إنه المقهى الذى يجلس به معظم الوقت مع أصدقائه، فإذا حاولت أن أحدثه فى هدوء عن أنه غير موجود فى حياتنا لا يرد، ويدير ظهره وينام حتى الصباح، ثم يتذكر فجأة أنه لم يرد علىّ قبل النوم فيكيل لى السباب والشتائم، قبل أن نذهب إلى العمل!.

الغريب أن استهزاءه بى يتكرر معه عند أهله وأصدقائه ومعارفه، فهو الوحيد فى العائلة الذى يسخرون منه، ويلقون النكات عليه، والمدهش أنه يضحك معهم وكأنهم لم يقولوا له شيئا.. وإذا حدث وكان مزاجه معقولا، وقال كلاما فيه قدر من المبالغة، فأعلق عليه بقولى «ياراجل», يتجهم وجهه، ويرد علىّ : هل هذه الكلمة تقولها «واحدة متربية» لزوجها؟!.. وعندما أرغب فى مداعبة طفلى ينالنى كلامه الجارح والقاسى، ويعامل الطفل كأنه رجل ويهزأ به هو أيضا لدرجة أننى أشعر أن الولد لم يعد يثق فى أحد، وأحاول إبعاده عنه، وأؤكد له أنه مهم جداً للجميع وسيكون له مستقبل باهر ومشرق، وأنتظر موعد خروج أبيه لكى نلعب ونضحك، والله وحده يعلم ما بى، وأذكر أننى حاولت أن ألفت نظر زوجى لكى يغير معاملة ابننا ويترفق فى الحديث معه، وأن يشرح له مايريده دون ضرب أو كلام قاس، فردَّ علىّ فى حدة، من أنت لكى تعلمينى مايجب أن أفعله وما لا أفعله، لابد من إجباره على ما أراه صحيحا لكى يتعلم!.

وعلى جانب آخر فإنه يأمرنى بأن أتابع أهله وأتصل بهم يوميا، وأقف إلى جانبهم وأخدمهم، بينما هو لا يفعل شيئا من ذلك بالنسبة لأهلى، بل إنه يقول لى إنه لا يجوز أن يتصل بأمى فى أى مناسبة، ولا يقول لها : كل سنة وأنت طيبة، بحجة أنها أرملة لا يصح الكلام معها لكى لايتصور أحد أن بينهما علاقة وأنه يحبها !!.. منطق غريب وكلام غير معقول، وتصرفات عجيبة، وقد تعبت من معاملته الجافة والقاسية التى زادت حدتها بعد وفاة أبى، وافتقادى الحنان الأبوى الذى كان يعوضنى عن آلامى وأحزانى، وإننى أجاهد كثيراً لكى أحيا سعيدة، وأتذكر الأيام الأولى لخطبتنا عندما وعدنى بأن يكون لى كل شىء، فإذا به الآن «ولا حاجة»، وينتابنى الآن شعور قوى يصل الى حد اليقين بأنه يريد الإبقاء على حياتنا الزوجية لكى أصرف على البيت وأتحمل كل شىء حتى كسوته، ومع ذلك لا أسمع كلمة طيبة منه، ويبدو أن شقيقيه كانا ينتهجان الأسلوب نفسه مع زوجتيهما، إذ أنهما الآن مطلقان وتفككت أسرتاهما، ولا أريد أن يكون مصير بيتنا كذلك، كما أننى خائفة على ابنى، وأخشى أن يتركنى زوجى بعد كبرى ومرضى فمثله لا أمان له !.. وكلما جالت ببالى هذه الهواجس استغفر الله العظيم واستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ثم لا تلبث أفعاله أن تعيدنى إلى التفكير فى المستقبل القاتم، وتنهار دموعى التى لو جمعتها لروت مزرعة كاملة، إنها دموع أذرفها على حالى وخيبة أملى فيمن كنت أتصوره حبيب العمر، فبماذا تشير علىّ حتى أتخلص من هذا العذاب؟.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

هناك كثيرون من الأزواج لا يقدرون الحياة الزوجية حق التقدير، فيحولون بيوتهم إلى جحيم لا يطاق، ويهدمون السعادة ويمحون البسمة، وكل زوج قاس يغيب العطف والحنان من قاموسه، ويكون دائما شديد الغلظة فى معاملاته، ويستمتع بالشدة مع الآخرين حتى مع زوجته وأبنائه، ويتلذذ بإهانتهم وتحقيرهم، ويريد منهم دائما الانصياع لأوامره، بل يميل إلى الكذب ويوظفه فى إشباع رغباته، فإذا كان قدر الزوجة أن ترتبط بشخص من هذا النوع، فإن عليها أن تتحلى بالهدوء التام وضبط الأعصاب، وأن تكون مستعدة دائما للتعامل معه، ولا تحاول إثارته، وأن تصغى جيداً إلى كلماته، ولا تصادر آراءه، ولكن تتبع معه أسلوب (نعم.. ولكن) فهاتان الكلمتان هما مفتاح «كبح جماح» الزوج، بمعنى أنها تبدى تأييدها له، ولكن تضيف بعض الجوانب الأخرى إلى رؤيته، فقد يساعد ذلك على إعادة تهيئة جو الأسرة والبيت فتقل المشكلات, وتتلاشى الخلافات حتى لو تركت الزوجة بعض حقها حسبة عند الله، وصبرت على بعض الشدة التى يتصف بها، فالحقيقة ومن واقع الملايين من حالات الطلاق، والمشكلات الموجودة داخل البيوت، التى أعايش الكثير منها عن قرب أقول: إن من يطلب دنيا بلا منغصات هو شخص لم يعرف ما الدنيا وماذا تكون، ومن تطلب زوجاً، أو من يطلب زوجة بلا عيب ولا نقصان هو شخص لا يعرف من هم بنو آدم، وفى ذلك يقول الشاعر :

إذا كنت فى كل الذنوب معاتبا

صديقك لم تلق الذى تعاتبه

فعش واحداً أو صل أخاك فإنه

مقارف ذنب مرة ومجانبه

إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى

ظمئت وأى الناس تصفو مشاربه

ولهذا قال رسول الله (صلى اله عليه وسلم): «إن المؤمن العاقل، لا تستحكم الكراهة بينه وبين زوجته المؤمنة، وإن المؤمنة العاقلة لا تستحكم الكراهة بينها وبين زوجها المؤمن»...، فمهما ير أحدهما جانبا مظلما، فلابد أنه واجد من الخير، مايعينه على إكمال المسيرة، ومهما يجد من عيوب فإنه واجد من الخير والمصلحة مايحمله على الرضا والصبر والتعايش مع شريك حياته.

وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله قال: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضى بآخر»، فاستعينى بالله وأكملى مسيرتك مع زوجك، فلقد لمست بالفعل «مفتاح التفاهم» بينكما بالحديث معه فى أمور حياتكما عندما يكون هادئا، وعليك أن تؤجلى الحديث فى المشكلات الكبيرة، بحيث يشعر أنه فعلا يتغلب على العقبات، ويعالجها دون إزعاج، وعليك أن تتوقفى عن استجوابه فى كل أمر ترين أنه قد يثير الشك لديه، واتركيه، فهو فى النهاية سيعود إليك ويخبرك بكل شىء.

والحقيقة أن زوجك يحاول بصنيعه معك تصدير سخرية الآخرين منه، إلى السخرية منك فى محاولة لإثبات رجولته، إذ إن بداخله خوفا من المجتمع، ولذلك يستمد أمانه واحساسه بالسيادة بفرض سيطرته عليك وعلى ابنكما الطفل. فيسعى إلى تضييق أفق حياتك وتقليص علاقاتك، وتوجيه أفكارك وآرائك ومشاعرك وتصرفاتك، ويحوّل صلاتك المحببة بالأهل والصديقات إلى عمل كريه، متذرعا بأسباب غير منطقية مثل عدم إتصاله بوالدتك فى المناسبات المختلفة لكى لا يظن الناس أنه على علاقة بها.. أى فكر هذا الذى يدور فى رأسه؟.. إنه لا يجد ما يأخذه عليك، ولذلك يفتعل أى أسباب حتى ولو أنها ليست منطقية لكى يصبغ حياتك وأفكارك بلون غامق كئيب، ولا تجدى ملاذا سواه، وهو يعيش أسير صراع محتدم بين حاجته إليك، وخوفه منك، وربما يرى أن إظهار حبه لك يعطيك القدرة على إلحاق الضرر به بإهماله وهجره ومحاصرته، ولذلك يضاعف ضغطه وسيطرته عليك ليسلبك البقية الباقية من عزمك وثقتك بنفسك، لتصيرى ضعيفة، معتمدة عليه وحده، ولا تستطيعين الاستقلال عنه، وإذا تسلحت بالايمان بالله وبقوة ثقتك بنفسك سوف تصبحين قادرة على تغيير مواقفك وردود أفعالك إزاء تصرفاته، ومن الطبيعى أن تتغير علاقتكما بعد ذلك إلى الأفضل، وبالطبع فإن لك الحق فى طلب الدعم العاطفى منه، والاحتجاج بأسلوب لين على سوء معاملته لك، وعليه أن يعى أنه إذا لم يحسن معاملتك، فسوف يفقدك إلى الأبد، فأى إنسان لديه طاقة محددة، وقدرة معينة فى التحمل، وبعدها لا يكون أمامه إلا الانفصال، ولو فكر قليلا فيما ستؤول إليه أحواله لو انك انفصلت عنه، لتراجع عن ظلمه لك، وجبروته ولسانه السليط.

إن السب واللعن من الأمور التى يجب على المسلم أن يترفع عنها لأنه كما أخبرنا رسول الله ليس بسباب ولا لعان ولا فاحش ولا بذىء، وأرجو أن تتخيرى الوقت المناسب لكى تلفتى نظره إلى انك منزعجة من تصرفاته، و أنك لا تقبلين سبابه لك، ومن المستحيل أن تبادليه هذا السباب، فأنتما شريكان فى الحياة ولكل منكما حقوق وعليه واجبات، وقولى له أيضا: إن اللعن من الكلمات الخطيرة التى قال عنها صلى الله عليه وسلم «لعن المؤمن كقتله، فاللعن هو الطرد من رحمة الله تعالى، وأظنه لايرغب فى أن يكون مطرودا من رحمته عز وجل.

أما بالنسبة لعلاقته بأهلك ورفضه الاتصال بوالدتك فى المناسبات المختلفة ليقول لها «كل سنة وانت طيبة» فى الوقت الذى يأمرك فيه بزيارة أهله والاتصال بهم وتنفيذ ما يشيرون عليك به، فإن العلاقة تبادلية بين الطرفين، ومن الضرورى أن يحتفظ كل منكما بعلاقة طيبة مع أهل الآخر، فالمعاملة الحسنة لأهل شريك الحياة، ترجمة حقيقية لمحبته، فالحب ليس كلمات مزينة جوفاء، بل هو عطاء وبذل وتضحية من أجل راحة المحبوب، وقد قال الامام الغزالى: «المؤمن إذا أحب المؤمن أحب كلبه» نعم, إلى هذه الدرجة يكون الحب,، وليعلم زوجك أنه كما يدين يدان، فما يفعله مع والدتك ورفضه حتى مجرد الاتصال بها، سوف يوفى دينه ويقول رسول الله فى ذلك «لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، فكما يحب أن تبرى أهله وتحترميهم، فإنك تحبين ذلك منه، وأقول له: «دعك من الكلام الذى قلته لزوجتك، عن مبررات خوفك من الاتصال بحماتك، فهذا كلام غير معقول ولا مقبول، وعليك أن تحبها وتعاملها كما تعامل أمك واتبع سلوكيات الذوق واللباقة معها.

إن أبواب إصلاح زوجك مفتوحة وقائمة إذا عقدتما النية على ذلك، ولا داعى لأن تتذكرى أو ترددى على مسامعه أن شقيقيه فشلا فى حياتهما الزوجية، فهذا الكلام يؤجج الصراعات، ويشعل الخلافات، وإنما تناسى هذا الأمر تماما، وعليكما أن تستمعا إلى صوت العقل والحكمة فى تربية ابنكما، وفى تحمل زوجك مسئوليته عن البيت والأسرة، وأن تمدى له يد العون فى إطار من الشفافية والود والتعاون والإيثار، وأسأل الله لكما التوفيق والسداد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مظلومة بس مسامحة
عضو متميز
عضو متميز
مظلومة بس مسامحة

ذكر
عدد الرسائل : 532
بلد الإقامة : مصر
نقاط : 6827
ترشيحات : 5

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 84 I_icon_minitime5/12/2016, 12:40

الشعيرات البيضاء

رسالتى لا تعدو أن تكون وصفا لشعيرات بيضاء لاحظتها فى رأس زوجتي، وكأنها تحادثني، وتحكى لى كيف كانت، وكيف ابيضت.
الأولى: عندما كانت زوجتى دون العشرين كان شعرها أسود فاحما ناعما ينسال على كتف قوية لواحدة من بطلات ألعاب القوى حصلت على بطولات الجمهورية والجامعات خمس سنوات متتالية، وزحفت إليها بياضات الشيب مبكرا بالشعرة الأولى عندما تعرفت عليها فى إحدى كليات القمة التى جئت من الإسكندرية للدراسة بها فى المحافظة التى تسكن فيها، وقد زاملتها ثم أحببتها، وعملنا فور تخرجنا فى مؤسسة صحفية أسسنا بها مركزا للدراسات والأبحاث، وكانت هى الأولى دائما على دفعتنا، وتتناوب هذا الترتيب مع زميل آخر، وكنت أنا فى الترتيب الأخير، ثم بدأنا معا خطوات الترجمة التى احترفتها منذ ذلك الوقت وجمعنا مبلغا لا بأس به دفعناه مقدما لغرفة نوم وسددنا الباقى على ثلاث سنوات، واعتمدنا على أنفسنا دون أن نأخذ مليما واحدا من الأهل، وساعدنا الأصدقاء بما تيسر لكل منهم، وتمكنا من شراء المتطلبات الضرورية، وأخذت حجرتى السفرة والصالون الخاصتين بأبى وأمى وجددتهما وبدأنا مسيرتنا فى الحياة!

الثانية: تسلل إليها المشيب بعد ثلاث سنوات من الزواج، وكانت وقتها معيدة بالجامعة، وسكنا فى شقة بحارة جاد الكريم فى عزبة «أبى قتادة» القريبة من الجامعة، أما أنا فقد عملت من الثامنة صباحا حتى الثانية ظهرا مسئولا عن النشر الثقافى فى دار شهيرة بشارع أحمد عرابي، ثم مترجما فى اتحاد الإذاعة والتليفزيون من الثالثة حتى التاسعة مساء، وأخيرا موظفا باستقبال فندق معروف بالزمالك من العاشرة حتى الرابعة فجرا، وأعود بعدها إلى البيت لأنام ساعتين، قبل أن أصحو لأواصل المسيرة فى يوم جديد، وتحملتنى زوجتى ثلاث سنوات وبعدها استقلت من الفندق، ودب خلاف بينى وبين ابنة صاحبة دار النشر، فأقالونى منها، وقد رزقنا الله بعد تسعة أشهر من الزواج بابنتنا الأولي، وكان الأسبوع كله يمر علينا وليس لدينا من طعام سوى مكعب لمرقة الدجاج، وكسيرات خبز مقدد، وكنا نغلى الماء ونضع فيه المرقة والخبز، ونأكل من هذه الطبخة البسيطة ونحن فى قمة السعادة، وكثيرا ما كنا نلجأ إلى بسكويت ابنتنا بعد أن تنام لنكمل به عشاءنا، ولم ألحظ كيف تسرب المشيب إلى هذه الشعيرة!!

الثالثة: ابيضت بعد ثلاث سنوات من ولادة ابنتنا الثانية التى أصررنا على تسميتها «مصر»، ووقتها دخلت مسابقة فى التليفزيون لأترقى من محرر إلى رئيس تحرير فى قطاع جديد، ورغم اجتيازى كل اختبارات اللغات والحاسب الآلى، فقد تبين أن اللائحة لا تسمح بأن أصبح رئيسا للتحرير لأننى لم أتجاوز سن الثامنة والعشرين، فقدمت استقالتى لكنهم رفضوها، فحصلت على إجازة دون راتب، وسافرت إلى اليونان لمدة عام، ثم إلى إيطاليا أربعة أعوام، وتركت زوجتى وابنتي، وكن يلحقن بى فى الإجازات، ثم انتقلت إلى دولة خليجية رافقننى فيها أربعة أعوام، ثم دولة أخرى لمدة عام، وكانت زوجتى نعم السند والمعين، وظللت فى غفلتى عنها زوجتى، فلم ألحظ شيب الشعرة الثانية، لما ذاقته من متاعب السنين.

الرابعة: عندما مرضت أمى وكبر أبى قررنا أن نترك الغربة، وكان راتبانا وقتها قد وصلا إلى عنان سماء الرواتب فى الخليج، والحقيقة أننى ترددت بعض الشىء فى تقديم استقالتي، فإذا بها تسبقنى إليها، وهنا حدثت نفسي: كيف يتردد الابن، ولم تتردد زوجته فى قرار يتعلق ببره بأبويه، وعدنا إلى مصر، وكان عملنا بالقاهرة، لكن أمى تشبثت بالبقاء فى الاسكندرية، فاشتريت بمدخراتى سيارة، وحولتها إلى الغاز الطبيعي، وكنا نسافر يوميا من الاسكندرية إلى القاهرة من أجل تلبية رغبتها، ثم جاء الفرج ورضيت أمى بالانتقال إلى القاهرة بعد عام كامل، وسكنت فى شقة بمدينة مايو, وتحملت زوجتى كل هذه المتاعب وهى صابرة.

الخامسة: ابيضت حين وقفت زوجتى وابنتاى على غسل أمى عند وفاتها وسترها حتى واريناها الثري، وهى راضية عنى قيراطا، وعن زوجتى أربعة وعشرين قيراطا، وبدأت زوجتى بعدها فصلا جديدا فى خدمة أبى أطال الله عمره.

وإننى اليوم أقف عاجزا أمام انسانية من لا أجد لها مثيلا بين البشر، فلم يعرفها أحد إلا وأحب الدنيا لأنها فيها، ولدى يقين بأننا سندخل الجنة، فلقد ابتلاها الله بمثلى فصبرت، ورزقنى بمثلها فشكرت، والصابر والشاكر فى الجنة بإذن الله.

ولكاتب هذه الرسالة أقول :

إنها الزوجة الصالحة التى قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم» إذا نظر إليها زوجها سرته، وإذا أقسم عليها أبرته، وإذا غاب عنها حفظته فى ماله وعرضه «نعم يا سيدى فزوجتك تتصف بكل الخصال الحميدة، وفوقها علاقتها الرائعة بأبويك، أمك رحمها الله، وأبيك أطال الله عمره، فلقد قدمت لهما الكثير منذ تخليها عن وظيفتها فى البلد العربي، وتحفيزك على أن تصنع صنيعها، وفعلت ذلك ابتغاء رضا الله سبحانه وتعالي، ويكفيها سعادتها الروحية، ونجاحها فى بيتها وعملها، وهى نموذج أرجو أن تحتذى به كل الزوجات اللاتى يسعين منذ اللحظة الأولى للزواج إلى قطع الأواصر والعلاقات مع حمواتهن وأهالى أزواجهن، فكثير من حالات الطلاق يرجع السبب الرئيسى فيها إلى عدم موافقة الزوجات على صلتهم، ويخيرن أزواجهن إما الطلاق، وإما البعد عن الأهل.. أما الشعيرات البيضاء التى تتحدث عنها فلا تدل على شيب، فالشباب هو شباب القلب والروح، ومهما ابيض الشعر تبقى القلوب شابة بعطائها ورضاها.. أسأل الله أن يديم عليك سعادتك مع زوجتك وابنتيك.. إنه على كل شىء قدير.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
بريد الأهرام ( بريد الجمعة )
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 84 من اصل 88انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1 ... 43 ... 83, 84, 85, 86, 87, 88  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» بريد الجمعة يكتبة : احمد البرى الطفل الكبير !
» سطو مسلح على مكتب بريد في المعادي
» سطو مسلح على مكتب بريد «قها» في القليوبية
» اجعل لك بريد مجاني على الـ hotmail - شرح بالصور
» كيفية حظر بريد الكتروني بسكربت whmcs

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الشاعر عبد القوى الأعلامى :: المنتديات العامة :: المنتدى العام-
انتقل الى: