الشاعر عبد القوى الأعلامى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالأحداثموسوعة الأعلامى الحرةأحدث الصورالتسجيلدخول

شاطر
 

 بريد الأهرام ( بريد الجمعة )

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1 ... 44 ... 85, 86, 87, 88  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
كلنا لها
عضو محترف
عضو محترف
كلنا لها

ذكر
عدد الرسائل : 466
بلد الإقامة : مصر
نقاط : 6493
ترشيحات : 0

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 I_icon_minitime3/3/2017, 22:53

قلب من حديد


أنا سيدة عمرى خمسة وخمسين عاما نشأت فى أسرة بسيطة ولم أنل أى قسط من التعليم وقد زوجنى أبى منذ ثلاثين عاما من رجل يكبرنى بثلاثة وثلاثين عاما يعمل بائع حلوى على عربة متنقلة‏..‏ وعشت حياتى فى شقة صغيرة بها بعض الاثاث المتواضع فى منزل يملكه والده، ورغم كل محاولات إعتراضى على زواجى منه‏، فإننى بمرور الأيام رضيت بحالى بل ووجدت أن حياتى مع زوجى أهدأ حالا من حياتى فى بيت أسرتى كثيرة العدد، قليلة الدخل والامكانات‏.‏

وبدأت حياتى الجديدة بجنيهات معدودة كان يمدنى بها زوجى كل أسبوع، وكنت أدبر بها شئون المنزل قدر استطاعتى والحق أننى وجدت زوجى رجلا طيب القلب يحاول إرضائي، ويسعى إلى تلبية احتياجاتى بالرغم من ضيق ذات اليد، ولم يمر العام الأول على زواجنا حتى انجبت طفلا جميلا فرحت به وفرح به زوجي، وعرفت معنى السعادة التى لم أعرفها من قبل حتى فى يوم زفافى، ثم أفاض الله علينا من نعمه فجاءت ابنتى الوسطى كالبدر المنير تحمل ملامح جميلة ولا تشبه أحدا فى عائلتى أو عائلة زوجى وفرحت بها كثيرا، وازددت حبا للحياة, وخرجت إلى العمل لمساعدة زوجى حتى نستطيع توفير مبلغ نلبى به احتياجات طفلينا من الملابس الجميلة التى كنت أراها فى المحلات ولا استطيع شراءها, ومرت سنوات كبر خلالها ابناى والتحقا بالمدرسة، ورحت اراقبهما وهما يذاكران دروسهما، وأدعو الله ان يكونا متفوقين, وان ينعما بحياة أفضل من حياتى أنا ووالدهما, ووجدت أن ابنتى متفوقة بشهادة كل مدرسيها الذين أخذوا يثنون عليها وعلى أخلاقها وجمالها وذكائها, وكنت أخاف عليها جدا من عيون كل من يرونها حتى وهى تسير فى الطريق العام، ولم تدم سعادتى طويلا إذ أننى حملت للمرة الثالثة ووضعت ابنى الاصغر الذى أراد الله أن يأتى إلى الدنيا معاقا ذهنيا، فاصابنى الهم والغم، وتركت عملى وانطفأت شعلة الحماس التى كانت تبعث الأمل فى نفسي, وتحملت حالات هياجه الشديدة التى صاحبته منذ ولادته، وتزامن مع ذلك هبوط المستوى الدراسى لابنى الأكبر فلم يعد قادرا على التحصيل، ولا أعلم لذلك سببا، ولا أدرى ما إذا كان قد تأثر بشقيقه أم أن نسبة ذكائه قد توقفت عند حد معين، وبقيت إبنتى وحدها بنفس مستواها الذهني، وواصلت تفوقها حتى الثانوية العامة والتحقت بالجامعة فشعرت بالمسئولية نحوها، وحاولت ان انفض غبار الأحزان فخرجت مرة أخرى للعمل لكى أوفر لها ما تحتاجه من ملابس وكتب ودروس حتى لا تظهر أمام زملائها فى الجامعة بمستوى أقل منهم، ولكى لا تتأثر نفسيتها ويقل مستواها، واستطعت أن أعثر على عمل لدى سيدة طيبة القلب كانت تشترى لابنتى كل ما تحتاجه هدية لها، بعيدا عن أجرى من العمل لديها. وتخرجت ابنتى فى الجامعة، والتحقت بعمل مناسب لها ومنذ الشهر الأول تعرف عليها أحد زملائها وخطبها ثم تزوجها سريعا، وأصبح البيت كله كئيبا لاحياة فيه ولا سعادة، فقد كانت هى كل أملنا ومصدر سعادتنا وكانت تشعرنا بأننا حققنا نجاحا فى حياتنا ومرت خمس سنوات كاملة لم تفكر خلالها أن تزورنا أو حتى تتصل بنا، ولا أن تتذكر أن لها أبا وأما ذاقا الأمرين من أجلها، ولقد سمعنا من بعض معارفنا أنها أنجبت طفلا, وأنها تحيا حياة سعيدة فهل إلى هذا الحد يكون عقوق الأبناء؟ وماذا أفعل حتى نراها وتزورنا كما تفعل كل البنات مع أمهاتهن وأبائهن، فنحن مستورون ولا نحتاج إلى مساعدة منها، ولا من غيرها؟

> ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

يا الهي، ألهذا الحد يمكن أن يصل جحود الإبنة بأبويها؟.. إننى أتصور أن من عاشت ظروفا قاسية، ولمست بنفسها الجهد الذى بذله أبواها لكى تكون ذات شأن بين زملائها وأقرانها بالرغم من ضيق ذات اليد، تسرع من تلقاء نفسها إلى تسديد جزء ولو يسير من هذا الدين الكبير, لكن إذا بها تتناسى كل شىء وتنغمس فى حياتها الجديدة غير عابئة بما تقاسيه أسرتها من شظف العيش وقلة الحيلة, وسوف تدرك مدى فداحة خطئها يوم لاينفع الندم عندما تشرب من نفس الكأس على يد إبنها الذى سيهجرها عندما يستقل بحياته, فالقاعدة تقول: افعل ما شئت كما تدين تدان. وإنى أسألها: هل نسيت ما أمرنا به الله عز وجل فى كتابه العزيز حيث يقول: «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ» [لقمان14].. وهل نسيت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الجنة تحت أقدام الأمهات»؟، إننى لا أدرى كيف طاوعك قلبك الحديدى الذى لا يعرف المشاعر الإنسانية والأبوية على نسيان أبيك وأمك وشقيقيك، وهم أعز ما لديك، وبرغم المتاعب والأمراض التى يعانونها؟، فلقد أكرمك الله بالصحة والتعليم والزوج.. أفلا تشكرينه على ما أنت فيه من نعم، وتصلين أحبال الود التى قطعتيها مع أسرتك ليجتمع شملكم من جديد؟.. راجعى نفسك وعودى إلى جادة الصواب عسى الله أن ينجيك من غدر الأيام.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
كلنا لها
عضو محترف
عضو محترف
كلنا لها

ذكر
عدد الرسائل : 466
بلد الإقامة : مصر
نقاط : 6493
ترشيحات : 0

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 I_icon_minitime3/3/2017, 22:53

بريد الجمعة يكتبه : أحـمــد البــــــرى
الوعد المستحيل!

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 2017-636240877442643858-264

ترددت كثيرا فى الكتابة إليك، وحاولت أن أحل مشكلتى بنفسى ولكنى واجهت صعوبة شديدة فى التغلب على متاعبى

ووجدتنى غير قادر على تحمل الصعاب التى تدمرنى نفسيا وصحيا، وانتهيت إلى أن أستعين بخبرتك فى معالجة قضايا أسرتى وحياتى الزوجية، فأنا شاب لم أكمل الثامنة والعشرين من عمرى، ويشهد أهالى المنطقة التى أعيش فيها بجنوب الجيزة أننى على خلق، ويعرف زملائى فى العمل عنى الاستقامة والإلتزام، ولم يعكر صفو حياتى شىء إلى أن التحقت بالجامعة ووصلت إلى السنة النهائية فى كليتى إذ فكرت وقتها فى اختيار شريكة حياتى، ووجدت صعوبة بالغة فى البحث عمن تناسبنى فى المجتمع الواسع الذى أعيش فيه، ولازمنى الخوف من التورط فى زواج تقليدى أقبله رغما عنى، بحكم أن دخول بيوت الناس ليس أمرا سهلا بالنسبة على الأقل للتنشئة التى تربيت عليها، وعلاقات المعارف والقرابة والصداقة مع الآخرين، وهادنى تفكيرى إلى التنقيب عن زوجة المستقبل بين زميلاتى، دون الدخول فى علاقة مباشرة مع أى منهن، ثم وقعت عيناى على إحداهن، وظللت أنظر إليها فى صمت كلما التقينا فى الكلية، وفى نهاية العام وقبل أن يذهب كل منا إلى سبيله أفضيت إلى زميلة مشتركة لنا بما فى قلبى من مشاعر تجاه فتاتى، فتكفلت بالحديث معها، ورفع الحرج عنى، وفاتحتها فى أمرى، فقابلت كلامها بسخرية شديدة فى البداية، وبعد أن راجعت موقفها، تحدثت معى فى أمور عامة، وتقابلنا أكثر من مرة خلال تحضيرنا أوراق التخرج، ثم افترقنا، وعرف عدد من أصدقائى حكايتى، فحذرونى من أنها علاقة غير متكافئة من حيث المستوى الاجتماعى، إذ أنها تسكن فى منطقة راقية، وهناك فرق كبير بينها وبين المنطقة التى نعيش فيها، وبعد فترة التقيت بزميلتنا المشتركة، وتجدد الحديث عن فتاتى، وجمعتنا الأقدار من جديد، ووافقت هذه المرة على أن أتقدم لطلب يدها من أسرتها، والتقيت عددا من أهلها، وشرحت لهم ظروفى ووضعى الاجتماعى، وأبلغتهم أننى سأعتمد على نفسى فى تجهيز عش الزوجية، والبحث عن فرصة عمل مناسبة، وزاروا المنطقة التى أعيش فيها، وشاوروها فى الأمر، فرحبت بأن تكون معى فى أى مكان، ومع ذلك حذرونى من تقلباتها، وأكدوا لى أنها لن تتكيف معى، ولن ترضى بالمعيشة فى ظروفى بعد الحياة الرغدة والميسورة التى تحياها مع أسرتها، وتركت لها فرصة الاختيار وتحديد موقفها، فأكدت رغبتها فى الارتباط بى وطلبت منى أن أسعى إلى الانتقال إلى منطقة أخرى غير التى سنتزوج فيها بعد أن تتحسن أحوالى، فوعدتها بأن أبذل قصارى جهدى لإسعادها وتلبية رغباتها، وتزوجنا وسط تحفظ من أسرتينا، وانتقلتا إلى شقة الزوجية، لنبدأ حياتنا معا، وفى الشهور الأولى عمت السعادة بيتنا، ووجدتها رقيقة ومهذبة، وراضية بالمعيشة فى منطقتنا الشعبية، ثم تمردت شيئا فشيئا على المكان والجيران، وحل النكد محل الفرح، وذقت طعم المعاناة لأول مرة فى حياتى، وحاولت أن أتفادى نشوب أى مشكلات بيننا، وقابلت تمردها بصبر وألفة ومحبة، ولكن هيهات لها أن تحيد عن موقفها الرافض لوجودها بين أهلى وجيرانى، وعلى مدى أربع سنوات لم تهدأ، ولم يلن جانبها أبدا، ولم يحل إنجابها طفلتنا الأولى عن افتعال «الخناقات»، ورفعت صوتها علىّ، وسبتنى كثيرا، وقللت من شأن أهلى، وأنا عاجز عن اتخاذ موقف منها، ولم أستطع البعد عنها، أو الرحيل من منطقتنا، والمعيشة بجوار أهلها، فبدأت فى الذهاب إليهم لفترات قصيرة ثم طالت أيام وجودها فى بيتهم، وضغطت علىّ لتلبية رغبتها فى السكن الراقى، فلجأت إلى أمها وأختها وخالها، ولم أجد صدى لشكواى لديهم، بل إن أمها لم تهتم بهذا الأمر فهى تعيش بمفردها، وأغلب ساعات اليوم تكون خارج المنزل، وعلى سبيل التجربة امتثلت لرغبتها فى المعيشة مع أمها إلى أن تتيسر الأحوال حتى تسير عجلة الحياة بنا برغم عدم اقتناعى بهذه الخطوة التى عارضتها والدتى كثيرا، وتصورت أن زوجتى ستهدأ، وستتحسن معاملتها لى بعد أن حققت ما كانت ترمى إليه بوجودها وسط أهلها، لكنها استمرت فى أسلوبها الجاف معى، وذات مرة تعدت علىّ بالقول، وتجمع أهلها، وهممت بمغادرة المنزل، فإذا بها تتعرض لحالة إغماء، فاستدعوا طبيبا من المنطقة وقعّ الكشف عليها، وقال إنها تعرضت لصدمة أفقدتها النطق بعض الوقت، ولم يكن ممكنا أن أتركها وهى على هذه الحال، وظللت إلى جوارها حتى تعافت من أزمتها الصحية، وكانت وقتها حاملا فى إبنى الثانى، وقد زرنا الطبيب لمتابعة حالتها الصحية، وبينما كنا فى انتظار دورنا فى العيادة أصبت بصداع شديد وزغللة فى عينىّ، ولم أدر لذلك سببا، إذ لم أشك من أى أعراض من قبل حيث إننى رياضى، ولعبت كرة القدم سنوات طويلة، وزرت طبيبا متخصصا فى الأمراض الباطنة فى الليلة نفسها فأجرى لى تحليل سكر عشوائيا، ولاحظت عليه الاندهاش والوجوم، فسألته عن التحليل، فقال لى إن الجهاز لا يستطيع قراءة نسبة السكر فى الدم، وربما يكون به عطل، وأشار علىّ بعمل تحليل دم فى أحد المعامل، فنفذت ما طلبه، وإذ بنسبة السكر «ستمائة»، وأننى على وشك الدخول فى غيبوبة، برغم عدم إحساسى بأى متاعب!

وبدأت رحلة العلاج والشفقة من الجميع، وحاولت أن أقنع زوجتى بأن نعيش فى بيتنا خاصة أننى مازلت فى بداية مشوار الكفاح، لكنها أصرت على أن أستأجر لها شقة خاصة بها إلى جوار والدتها لأنها لن تعيش فى منزل أسرتها، ولم أفلح فى إقناعها بأننى لن أستطيع دفع الإيجار ومصاريف العلاج وتلبية متطلبات المعيشة، ولما كانت والدتها تعرف طباع ابنتها المتمردة، فإنها عرضت علىّ المساعدة ببعض المصروفات، فرفضت بشدة، واعتبرت ذلك إهانة لى برغم ما أكنه لها من احترام، فهى سيدة فاضلة بمعنى الكلمة، والحق أنها لم تتركنى فريسة للتفكير القاتل، ورأت أن تساعدنا بصورة أخرى حيث أعطتنا شقة هى نصيب زوجتى فى الميراث، وجهزناها بالأثاث، وصرفنا كل ما معنا من مدخرات، وساعدتنا أيضا فى التشطيبات بصورة غير مباشرة، وقابل أهلى موافقتى على المعيشة فى شقة زوجتى بثورة عارمة، واعتبرتنى أمى ميتا، وعشت صراعا نفسيا عنيفا بينها وهى التى لم أغضبها ولامرة واحدة طول عمرى، وبين زوجتى التى قالت لى أننى ضحكت عليها حين وعدتها بتلبية مطالبها قبل الزواج، وهكذا لم أرض أحدا، مع أننى لم أفكر فى نفسى أبدا، وسعيت دائما لإرضاء الجميع على حساب راحتى وسعادتى، وملت فى النهاية إلى كفة زوجتى واستقررنا فى شقتنا الجديدة، لكن حالها لم تتغير، وتقلل من شأنى دائما، وتعايرنى بأنها هى التى تولت كل شىء بنفسها، وأننى ضعيف الشخصية، ووصل بها الأمر إلى أنها طالبتنى بتوفير شقة أخرى من مالى الخاص بدعوى أن الشقة التى نعيش فيها ملك لوالدتها، وأنها «زعلانة» منها، وترغب فى الانتقال إلى سكن يخصنا وحدنا!، فلم أرد عليها وكتمت أحزانى، ولما وجدتنى صامتا هدأت بعض الشىء، لكن فورانها يتجدد بين لحظة وأخرى، وتقابلنى بتكشيرة يقشعر لها بدنى، ولا ألقى منها أى احترام، وكأنى أعيش مع «ديكتاتورة» تأمر وتنهى كما تشاء، وعلىّ قبول إملاءاتها بلا مناقشة أو قل هى «سى السيدة» فى المنزل، فإذا جاريتها بنفس أسلوبها تغضب وتحيل حياتى إلى نكد لا ينقطع، لدرجة أننى لا أستطيع أن أفعل شيئا دون أمر منها حتى زيارة الأصدقاء أو مجرد الخروج من المنزل، وصرت غير قادر على تحمل هذه الحياة القاسية، وقد لا تصدق أننى أخشى أن أتأخر عن العودة إلى البيت بسبب المواصلات، أو أن أقابل زميلا لى دون علمها، وكل ذلك فوق طاقتى، لكنى أمتثل له رغما عنى حفاظا على البيت والأولاد.. إننى أتمتع بشخصية قوية فى عملى وأمام الناس، لكنى ضعيف تماما فى البيت أمامها، بينما هى تتباهى بأن كل طلباتها أوامر، وأننى لا أرفض لها طلبا، وكلما ضاقت بى السبل ألجأ إلى خالها وأختها، فيقفان معى ويواجهانها بما تفعل، فلا ترد عليهما، ثم تعنفنى بأنى أكسفها وأفضحها أمام أهلها، وأننى أكذب عليهم، وأنه لن يستطيع أحد إثناءها عن موقفها.. لقد فاض بى الكيل وأفكر جديا فى الانفصال عنها، لكنى متردد فى اتخاذ هذا القرار لتداعياته على إبنىّ وحياتى ومستقبل أسرتى، فبماذا تنصحنى؟

ولكاتب هذه الرسالة أقول :

لقد جريت وراء السراب بوعدك المستحيل لفتاتك بالإنتقال إلى شقة فاخرة فى منطقة راقية فى أقرب وقت إرضاء لغرورها، واستجابة لشرطها الأساسى للزواج بك، فأنت تعلم تماما أنه لن يكون بإمكانك تحقيق وعدك لها فى المستقبل القريب، ولن تستطيع أن تخلع رداء أسرتك وأهلك وناسك لترتدى ثوبا آخر ليس بإمكانك الحصول عليه، ومع ذلك مضيت بإصرار نحو الارتباط بها غير مبال بالعواقب الوخيمة التى ستقع حتما بعد انقضاء أيام العسل الأولى للزواج، وهو ما حدث بالفعل، إذ وجدت نفسك تابعا لها، وخاضعا لإملاءاتها عليك، وأنت مسلوب الإرادة، غير قادر على اتخاذ أى قرار حتى فيما يتعلق بتحركاتك اليومية، وعلاقاتك بأصدقائك، ومواعيد عودتك إلى المنزل، فهل يعقل أن تترك لها الحبل على الغارب إلى هذا الحد، وماذا تنتظر بعد ذلك؟.

لقد تعدت الأمور بينكما مرحلة العناد إلى مرحلة سيطرتها عليك، فالتصلب فى الرأى والجحود وعدم المرونة تضفى على الأسرة جوا خانقا، وتنشر فى البيت ظلالا قاتمة، وتهيىء المناخ لنفثات الشيطان وهمزاته، مما ينذر بالاقتراب من الخطر، ولذلك كان يجب عليك أن تعالج هذه المشكلة ولا تدع زوجتك تدفع حياتكما إلى طريق مسدود، فلقد هادنتها فى موقفها المستفز بالسكوت والهدوء والانصياع لأوامرها، أما هى فنسيت أن الزوجة الصالحة تطيع زوجها، وترسم معه خريطة حياتهما، فهو أمانة فى يديها، ومنبع الإحساس والرحمة والمشاعر وتدفق الحنان، وفى ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة، الودود، الولود، الحنون على زوجها، التى إذا آذت أو أوذيت، جاءت حتى تأخذ بيد زوجها، ثم تقول: والله لا أذوق غمضا حتى ترضى، وهذه الزوجة فى الجنة»، ولقد جعل الله تعالى قوامة البيت للرجل فقال فى كتابه الكريم «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا» (النساء 34)، ففى مثل هذا الجو من الصلاح تكون قوامة الرجل بعطفه وحنانه على أسرته، ولا يجوز للمرأة بأى حال أن تحبس زوجها، أو تمنعه من الخروج من البيت، بل ولا يجوز للرجل أن يمنع زوجته من الخروج فى بعض الأحيان للحاجة الملحة، ولكن عندما تنقلب الموازين، فهذا أمر ينهى عنه الإسلام، وقد كره رسول الله «المترجلة» من النساء، فالزوجة تأثم بمثل فعلها، بل توجب غضب الله عليها بمثل هذا الفعل الذى يكاد أن يهدم البيت، ومن هنا فإن زوجتك ترتكب إثما عظيما بموقفها منك، ولا يعنى هذا أن تفعل ما يحلو لك ولا تلقى لها بالا، ولكن عليك أن تراعى التوازن بين خروجك لزيارة أصدقائك، وائتناس زوجتك بك فتخصص وقتا للجلوس معها، ومناقشة أموركما فى هدوء لتكون على بينة من الخطوات التى تتخذها فى عملك وحياتكما معا، وهذا حق لها، فخير الأمور أوسطها، وقد فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك، فكان يداعب زوجاته ويكون معهن فى كثير من شئونهن، وفى الوقت نفسه كان يخرج مع أصحابه، ويتدارس معهم شئون الدعوة إلى الله، فوازن بين الأمور كلها. أما عن سب زوجتك لك، فهذا لا يصح، ولا يجوز بأى حال، لا لك، ولا لها، فالمسلم عفيف اللسان، ويترفع عن فحش القول، ويأمرنا الله سبحانه وتعالى بذلك فى كتابه الكريم «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا» (البقرة83)، فالزوجة يجب عليها القول الحسن لزوجها وأمر الله الرجال بحسن معاشرة الزوجات، فقال «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» (النساء 19)، وفى المقابل فإن للزوج حقا كبيرا على زوجته، فجاء فى الحديث الشريف: «أعظم الناس حقا على المرأة زوجها، وأعظم الناس حقا على الرجل أمه»، ولا شك أن زوجتك هى الأخرى قد أخطأت كثيرا حين اختارتك منذ البداية بشرط الخضوع التام لإرادتها، وتلبية رغباتها وأوامرها، فهى من نوع النساء اللاتى يشترطن فى شريك الحياة أن يكون ضعيفا ومستسلما لرغباتهن دون أن يتأملن عواقب هذا الاستسلام على حياتهن الزوجية، وفى هذا الصدد أقول إن علاقة الزوج بزوجته تتأثر بالتربية الأولى له وبعلاقة أبويه بحيث تنعكس على طبيعته فى الأسرة الجديدة، فأحيانا حينما يعيش الشاب فى أسرة طبيعة العلاقة بين الأب والأم تسلطية، بحيث يكون الأب متسلطا على الأم، فإنها تنعكس على طبيعة أسرة الشاب الجديدة، ويصبح نقيضا لصورة والده فينقاد إلى زوجته، وأحسب أن هذا هو ما حدث معك، وإن لم تشر إليه، ولم توضح طبيعة العلاقة بين والدك الذى لم تذكر عنه شيئا ووالدتك، وهكذا أعطيت صلاحيات أكبر لزوجتك ثم تركت لها الحبل على الغارب، فانتزعت منك كل شىء، وسيطرت عليك سيطرة تامة.

وبصراحة فإن الزوجة التى تحاول أن تفرض شخصيتها على زوجها، وتجعله يخشاها هى شخصية غير سوية وتتصف بالأنانية، لأن المرأة السوية تعى فى داخلها أنها تحتاج إلى رجل قوى تستند عليه، والزوجة الحكيمة هى التى تتوقف أمام خضوع زوجها لها، فالعلاقة بينهما لن تستقيم على هذا النحو، وأرى أن على أى زوجين يعيشان بهذه الطريقة أن يراجعا موقفيهما من بعضهما، ومن هذا المنطلق ينبغى أن تتدرب على كيفية إدارتك بيتك، والتحكم فى ذاتك وزيادة ثقتك بنفسك، وتنمية شخصيتك وردود أفعالك بما يتناسب مع الدور المطلوب أن يكون لك فى حياة أسرتك، ويجب أن تمتثل زوجتك لرؤيتك، وإلا فلن تستقر حياتكما أبدا، فاشرح لها كل شىء بوضوح، وخيّرها بين أن تتكامل قراراتكما، ويكون أمركما شورى بينكما، وبين أن تسرحها بإحسان، فإن اختارت الحل الذى ينقذ حياتكما الزوجية من الفشل، اعطها فرصة أخيرة لعلها تتراجع عن موقفها وتعيد حساباتها، وإن تمسكت بالتسلط وإملاء قراراتها عليك، فلا تتردد فى الانفصال عنها، إذ أن الطلاق حينئذ سيكون هو الحل الوحيد مهما أجلته، ووقتها سيكون عليك أن تتريث قبل الإقدام على زيجة جديدة، وأن تختار شريكة حياتك القادمة على أسس واضحة بعد أن تضع معها النقاط على الحروف، وفقك الله وسدد خطاك، وهو وحده المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
راعي المراعي
عضو مجتهد
عضو مجتهد
راعي المراعي

ذكر
عدد الرسائل : 302
بلد الإقامة : الوديان
نقاط : 6584
ترشيحات : 1

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 I_icon_minitime10/3/2017, 18:42

المسئول الصغير


أنا سيدة نشأت فى إحدى محافظات الصعيد، وتربيت وتزوجت فيها من عامل بسيط بالأجر اليومي‏,‏
كان يعمل فى بعض الأحيان، ولا يجد عملا فى معظمها, ودفعنا شظف العيش إلى التفكير فى الهجرة الداخلية إلى أى مكان آخر طلبا لأى مورد رزق، فسافرنا إلى القاهرة واستقرت بنا الحال فيها, ورزقنا الله بطفلين, جاء الأول سليما, أما الثانى فولد بمرض فى عينيه, وعلاجه مكلف جدا, واضطررت إلى العمل فى المنازل لتوفير نفقات علاجه, ومضت سنوات على هذه الحال, وفجأة أصيب زوجى بضعف حاد فى النظر, وأصبح لا يستمر فى أى عمل بضعة أيام ثم يستغنى عنه صاحبه لهذا السبب, فتضاعفت مسئوليتي, وشاء القدر أن أضع طفلى الثالث مصابا بالصرع.. يا إلهى ماذا أفعل وأنا لا حول لى ولا قوة, وكيف أدبر مصاريف أسرة اختبرها الله بهذه الابتلاءات.. إننا لم نتعود الشكوى ولا يعلم أحد عنا شيئا، وكنت كلما هممت بطلب مساعدة من أحد يرفض زوجى بإصرار، ويطالبنى بالصبر، وكان يتحامل على نفسه، ويشتغل فى أعمال مرهقة من أجل أن يوفر لنا لقمة العيش, وذات يوم صحوت من نومى لأجد زوجى قد فارق الحياة تاركا لى عبئا ثقيلا، ولم نجد حلا أمامنا سوى أن يترك ابنى الأكبر تعليمه لكى يتولى مسئولية الأسرة، وهو يؤدى مهمته تجاهنا على أكمل وجه، وأدعو الله أن يزيده من فضله وكرمه.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

إن معايشة الآلام تزيد الأحزان يا سيدتي, ولقد تعودت على الصبر, ولم تلن عزيمتك أبدا على الرغم من المآسى التى تعرضت لها منذ أن كنت تعيشين فى موطنك الأصلى قبل انتقالك إلى القاهرة مع زوجك بحثا عن فرصة عمل تساعدكما على مواصلة الحياة, ولا شك فى أن إيمانك بالله، ورضاك بما قسمه لك، زادك قدرة على تحمل المصاعب التى شاء سبحانه وتعالى أن تتحمليها بعد رحيل زوجك، ومن ينظر إلى متاعب الآخرين تهون عليه متاعبه, فالدنيا مليئة بالمآسى والأحزان، وما أكثر الحالات القاسية التى أستقبلها يوميا، والتى يعانى أصحابها آلاما ويكابدون أمراضا أتعجب من قدرتهم على تحملها بنفوس راضية وقلوب مطمئنة, وسرعان ما أقول: لا إله إلا الله الذى أنزل السكينة على قلوبهم ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم، وأنت ياسيدتى واحدة من هؤلاء الذين وعدهم الله بحسن الجزاء.

وأقول لابنك الأكبر الذى تحمل المسئولية بعد رحيل أبيه: ثق فى أن ما تفعله لأسرتك سوف يعود إليك أضعافا مضاعفة فى الدنيا والآخرة، وإياك أن تيأس, فالمؤمن الحق يعقلها ويتوكل على الله، فافعل ما تستطيعه، وسوف يوفقك الله فى حياتك، وأرجو أن تكون بما صنعته لأسرتك مثلا يحتذى به الجميع.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
راعي المراعي
عضو مجتهد
عضو مجتهد
راعي المراعي

ذكر
عدد الرسائل : 302
بلد الإقامة : الوديان
نقاط : 6584
ترشيحات : 1

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 I_icon_minitime10/3/2017, 18:44

بريد الجمعة يكتبه : أحـمــد البــــــرى
الجحيم المزدوج!


بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 2017-636246980003205109-320

أعيش فى قلق دائم، وأشعر أننى سائر فى طريق مسدود، ولا أرى حلا لمأساتى،
فقررت أن أبعث بها إليك عسى أن تشير علىّ بما يخرجنى من هذه الدوامة، ويساعدنى على تصحيح مسارى واتخاذ خطوات إيجابية فى نهر الحياة، فأنا شاب عمرى خمسة وثلاثون عاما، ولى شقيقة وحيدة تصغرنى بعام، ونشأنا فى كنف والدين فاضلين ربيانا على الفضيلة والأخلاق الحميدة، وكان أبى يعمل فى جهة سيادية، أكسبته طبيعة عمله بها الصرامة والنظام والدقة، وانعكس ذلك على تصرفاتنا، وقد أحيل إلى التقاعد وأنا فى الخامسة من عمرى، فلم يفكر فى عمل آخر، واكتفى بمعاشه وراتب والدتى فى تدبير متطلبات المعيشة، وتفرغ لتربيتنا، ولاحقنا فى كل تصرفاتنا، وما أكثر المرات التى رفض فيها خروجى من المنزل مع أصدقائى، لأنهم من وجهة نظره لا يصلحون للصداقة، وأذكر عبارته المعتادة التى كان يقولها لى فى لهجة قاطعة «الوحدة خير من جليس السوء»، وبمرور الأيام ضعفت علاقاتى بأغلب أصدقائى وانفضوا من حولى واحدا بعد الآخر إلى أن بقيت وحيدا طوال فترة المراهقة، وعندما خفف والدى قيوده عنى لم أستطع الاندماج معهم، إذ صار لهم أسلوبهم الذى يختلف عن أسلوبى سواء فى الكلام، أو حتى النكات والعبارات التى تتردد على ألسنة الشباب، ووجدتهم يتحدثون عن الأماكن التى يقضون فيها أوقات فراغهم، ويستمتعون بالسهر فيها، وهى أماكن لم أسمع عنها من قبل، وكان طبيعيا وحالى كذلك ألا تكون لى علاقات عاطفية، ولا حتى مجرد الاحتكاك بالجنس الآخر، ولم يكن لنا أقارب فى نفس سننا أنا وأختى، ولذلك كنا نقضى أيام الأعياد فى المنزل، ولا يزورنا أو يطرق بابنا أحد، ومع هذه الحياة المغلقة ركزت فى دراستى، وتفوقت فى الامتحانات، ووفقنى الله إلى دخول الجامعة، وحققت ما كنت أصبو إليه فى التعليم، لكنى لم أنجح كثيرا فى الاندماج مع زملائى، وتكوين صداقات بالمعنى الحقيقى لمفهوم الصداقة، ووجدتنى مشدودا إلى فتاة رأيت فيها زوجة المستقبل، وبذلت محاولات مضنية للتقرب منها، لكنى لم أستطع أن أنال إعجابها، فلم أيأس، وواصلت إلحاحى عليها، حتى وافقت على أن أتقدم لخطبتها، وطرت فرحا برضائها عنى بعد طول معاناة، وأسرعت إلى أبى أزف إليه البشرى السعيدة، فإذا به يصدمنى برفضه لها دون إبداء الأسباب، وبعد صراع طويل معه بين القبول والرفض، استجاب لمبدأ الخطبة أولا لفترة، ثم يكون وقتها لكل حادث حديث، فاعتبرت أن مجرد موافقته عليها إنجاز كبير، وخطبتها، ثم توفى أبى، وأتممت زواجى بها، لكن هذا الزواج لم يدم سوى بضعة شهور حيث طفت إلى السطح مشكلات عديدة نابعة من اختلاف طباعنا، وعدم وجود أى خبرة لدىّ فى «التعامل الناجح» مع الجنس الآخر، ولم تكن هى الأخرى قادرة على الحياة تحت سقف واحد مع شخص لم تحبه قط، وإنما تزوجته مدفوعة بالإلحاح عليها، وظل فى داخلها يقين بأن استقرار حياتنا الزوجية على هذا النحو مستحيل مادامت لا تٌكن لى المشاعر التى تربط بين كل زوجين، وساهم أيضا فى انفصالنا السريع عدم توفيقنا فى علاقتنا الخاصة، وهكذا افترقنا ومضى كل منا إلى سبيله، وقضيت نحو عامين فى معاناة وإحباط شديدين، وأغلقت كل الأبواب على نفسى، وحصرت حياتى فى الذهاب إلى العمل والعودة إلى المنزل والجلوس أمام الكمبيوتر، ثم رشحت لى جدتى لأمى عروسا قريبة لزوجة خالى، ولما التقيتها ارتحت إليها، ووجدتها مطيعة، وهادئة الطباع، وأحسست براحة نفسية تجاهها، وقلت فى نفسى «إننى لست بحاجة لأكثر من ذلك الآن»، وخطبتها ثم جاءتنى فرصة عمل فى دولة خليجية، فسافرت إليها والتحقت بالوظيفة التى تعاقدت عليها، ولم تتح لى الفرصة للعودة إلى مصر سريعا لكى أتم ارتباطى بها، فوكلت من ينوب عنى فى إتمام إجراءات الزواج، ولحقت بى بعد أسابيع، وشعرت لأول مرة بطعم الزواج الذى لم أذقه مع مطلقتى، ورزقنى الله بولد، وظننت أن الدنيا سوف تبتسم لنا، ولكن ذات مرة سألت زوجتى: هل أنت سعيدة ومرتاحة معى؟، فصعقتنى بقولها إنها أغلب الوقت غير مرتاحة، وحاولت جاهدا أن أعرف سبب تغيرها فلم تعطنى جوابا، وكنت كلما أعدت عليها السؤال تٌحول مسار الكلام إلى موضوع آخر، ثم شيئا فشيئا تبدلت تصرفاتها معى، وعرفت العصبية والردود السخيفة طريقها إليها، وتغيرت عاداتها تماما، فأصبحت تستيقظ من النوم متأخرة، وتهمل إعداد الطعام، ولازمها عدم الرضا فى كل خطواتها، وكررت على مسامعى كثيرا أنها لو كانت تعلم بمسئوليات الزواج الثقيلة لما تزوجت، مع أننى أساعدها فى ترتيب المنزل والقيام بشئونه قدر إمكانى، فبعد عودتى من عملى أنصرف من تلقاء نفسى إلى المطبخ، فأجهز الطعام، وأدعوها إلى أن نتناوله معا، وأنا فى قمة الرضا والطمأنينة.

وهناك متغير آخر طرأ عليها هو رفضها علاقتنا الخاصة بدعوى أنها تعانى آلاما لا تتحملها، فحدثتها فى أمورنا بصفة عامة، وبأننا يجب أن نحل ما يعترضنا من عقبات أول بأول حتى لا تتفاقم، ويصبح من المستحيل علاجها، وصبرت عليها عامين عسى أن تعود إلى سابق عهدها معى، ولكن هيهات أن تفعل ذلك، وقاسيت الأمرين من رفضها علاقتى بها حيث تباعدت المسافات بين لقاءاتنا لدرجة أنه لم يعد يجمعنا الفراش سوى مرة واحدة شهريا، وبعد مناقشات طويلة ولين من جانبى إلى أقصى حد، أقنعتها بأن تزور طبيبا متخصصا فى أمراض النساء بالبلد العربى، ثم كررنا زياراتنا إلى أكثر من طبيب فى مصر عندما جئنا لقضاء إجازة الصيف بها، ولم يصل أى منهم إلى سبب محدد لما طرأ على حالتها الجسمانية من تغيرات جعلتها ترفض اقترابى منها، أما رد فعلها لكلام الأطباء فقد تمثل فى جملة واحدة هى «روح اتجوز من واحدة ثانية»، وبالطبع كنت أسمع كلامها ولا أرد عليه، إذ لا أتخيل أن أصنع ما تشير علىّ به، ليس لأننى لا أستطيع الزواج، ولكن لرفضى الارتباط من أجل الغريزة الجسدية فقط، ولما فاض بى الكيل تحدثت مع والدتها فيما تطلبه منى، فحاولت أن تتدخل لمعرفة ما يدور بداخلها، وما استجد عليها فى علاقتنا، لكنها لم تفلح فى إعادتها إلى ما كانت عليه قبل هذا التحّول الغريب.

وذات يوم فاجأتنى برفضها العلاقة نهائيا.. يعنى ولا حتى مرة واحدة فى الشهر، وقالت أنها اتخذت هذا القرار من جانب واحد، ولن ترجع فيه مهما تكن الأسباب، فانفجرت فيها بأن ما تفعله معى لا يتحمله أحد، فلم تهتم أو تلقى بالا لكلامى، فردت علىّ بأن الحل الوحيد هو الانفصال عنها، ثم بعث الله من يصلح أحوالنا، ووجدتها تستجيب لزيارة طبيب شهير أشار علىّ به أحد أقاربنا، فزرناه ووصف لها دواء ساهم فى حل هذه المشكلة بنسبة كبيرة، وعادت معى إلى الدولة الخليجية، وقضينا ستة أشهر فى حياة هادئة، ثم تبين أنها تعانى أنيميا حادة ونزيفا مستمرا، واصطحبتها إلى الطبيب فوصف لها علاجا فعّالا ساهم فى تحسين صحتها، ومضت الأمور على ما يرام، ولما حل موعد إجازتى جاءت إلى مصر قبلى لكى تقضى أيام العيد مع أسرتها، أما أنا فقضيتها بمفردى فى الخارج، ثم عدت إلى مصر، وأمضينا نحو أسبوعين فى فسح يومية بمناطق سياحية وجدت فيها متنفسا من الحياة المغلقة فى الخليج، وفى صباح أحد الأيام فاجأتنى بطلب الطلاق قائلة: إنها عاشت صراعا نفسيا منذ سفرها معى فى الرحلة الأخيرة إلى الخارج قبل تسعة أشهر، وأنها حسمت هذا الصراع بقرار الانفصال!، فمادت بى الأرض وأحسست بدوار شديد، وخارت قواى تماما، فجلست بعض الوقت فى صمت تام، ثم أخذتها إلى والديها، وهما يعرفان الله ويصليان الفروض فى أوقاتها فى حين أنها لم تٌصل أبدا وأفضيت لهما أمامها بكل ما فعلته معى، ثم غادرت منزلهم على أن أعود إليهم بعد يومين، وفى الموعد المحدد كنت هناك، ففوجئت بهجومهما علىّ، وتصيدهما أخطاء لى، منها أننى عصبى، وأقسم بالطلاق كثيرا مع أننى لم أنطق به إلا مرة واحدة فقط طوال زواجنا الذى استمر خمس سنوات، كما اتهمانى بضربها باستمرار، ونسيا أنهما يتحدثان معها يوميا عن طريق «الإنترنت» ويجدانها سعيدة دائما، ولم تشك أبدا منى، ووجدتنى قد تعرضت للخداع والضلال، فانفجرت فيهما وأبلغت أباها بموافقتى على طلبها، وانتظارى اتصالا للاتفاق فيه على حقوقها، وبعد يومين جاءنى رده بالحرف الواحد: « أنا بصراحة مش قادر عليها، وهية مش قادرة تصفى، وانت قلتلى حقوقها مش حتضيع» فرددت عليه بأننى أريد حضانة إبنى، فرفض بشدة، فطلبت منه إمهالى بعض الوقت للمراجعة والوصول إلى قرار نهائى فى هذه المسألة، وفور عودتى إلى منزل والدتى وجدتها منفعلة وتصرخ فى الهاتف، وعرفت أن حماتى تتشاجر معها، فأخذت منها السماعة، وأبلغت والدة زوجتى بأننى اتفقت مع حماى على كل التفاصيل، فسبتنى، فرددت عليها الشتائم بأكثر منها، وسافرت إلى الخارج بمفردى، وفوّضت خالى الأكبر فى التفاوض معهم، ومر شهر دون أن أعرف ما دار بشأن مصير هذه الزيجة، وذهبت والدتى إليهم، والتقت بزوجتى، وسألتها عن سبب موقفها منى برغم أننى لم أخطىء فى حقها أبدا، فردت عليها بأنها تعانى الحرمان من العلاقة الخاصة بين الزوجين، وأننى أمارسها بشكل يحرمه الدين رغما عنها، وأنها تريد نفقة قدرها عشرة آلاف جنيه، ونقلت إلىّ والدتى هذه الأكاذيب، فقلت لخالى بأنها مادامت تريد الانفصال فلتتنازل عن حقوقها وفقا للشرع، لكنه لم يبلغهم بذلك، بل أن أخوالى جميعهم وهم أربعة، مالوا إلى تصديق ما ادعته علىّ بحجة فشل زواجى الأول والتربية المتزمتة التى رباها لى والدى، ووجدتهم يتبادلون الكلام والأحاديث بأن الشاب الذى خرج «ولف ودار» وجرب كل شىء قادر على النجاح فى حياته!.. واندهشت لهذا الكلام، فأنا إنسان طبيعى، وهى تعرف الحقيقة جيدا، وعلى استعداد للذهاب معهم إلى أى طبيب يرغبون فى عرضى عليه، ولكن لا يليق أبدا ما قالته فى حقى لكى تنفى عن نفسها تهمة التقصير فى حقوقى الزوجية.

لقد مر أربعة شهور على وجودى بمفردى فى البلد العربى، وأكتفى بسماع الأخبار عما يحدث من جانب زوجتى وأهلها، وأتألم لمواقف أقاربى المخزية، كما تناثرت أخبار جديدة عن أن زوجتى كانت تبيت النية على عدم العودة إلى الخارج، إذ علمت من صديق لى قولها لزوجته أنها لن تعود معى مرة أخرى، وأنه خجل من أن يبلغنى بذلك، وتأكدت من أنها أرادت البقاء فى مصر لكى تتخلص من مسئوليتها نحو بيتها وزوجها وابنها الذى تركته لأبويها لتعمل فى إحدى الشركات، وأنها بادعائها علىّ ما ليس فىّ، تمنع أى شخص من مواصلة مسعاه معى للصلح، ولكى تكون فى عيون أهلها مظلومة وأنا مفتر عليها، ووجدتنى أتذكر ما قالته مرارا وهى تضحك: «أنا مش لايق عليا الجواز ــ أنا لو أعرف إن الجواز كده، ماكنتش اتجوزت ــ ماكنت بروح الشغل وارجع، وقاعدة عند أبويا وخلاص».

إننى أبعث برسالتى إليك، وأسألك المشورة، فلقد طلبت الطلاق بالفعل، وأرفض تطليقها ليس تمسكا بها، ولكن لأنه لا يعقل أن تحصل المدعية الكاذبة على أموال ليس لها فيها أى حقوق، وكثيرا ما أسأل نفسى: إن حدث وعادت إلىّ، كيف ستكون المعاملة بيننا؟، ثم أفكر فى ابنى، وكيف أرتب مستقبله بعد انفصالنا..إن الخيوط متشابكة، وأعيش جحيما مزدوجا بين فشلى مرتين فى الزواج، ووجود ابنى مع مطلقتى، وموقف أقاربى الذين يصدقون الشائعات والأقاويل بغير سند ولا دليل، وأسأل نفسى كيف سأمضى إلى زيجة ثالثة، وماذا ينتظرنى فيها؟.. أرجوك أن ترد علىّ فى أسرع وقت، فاليأس يكاد يقتلنى.



ولكاتب هذه الرسالة أقول :

عندما تكون البداية خاطئة، فإن الخطوات التى تترتب عليها تصبح غير مأمونة العواقب، وقد أدركت ذلك فور قراءتى السطور الأولى من رسالتك، فالزواج لا يكون أبدا بالإلحاح، وأى علاقة عاطفية من طرف واحد مصيرها الفشل مهما بذل الطرف الراغب فيها من محاولات لنيل رضا الطرف الآخر.. هذه قاعدة بديهية لكنك تجاهلتها تماما وتزوجت زميلتك برغم اعتراض والدك الذى أيقن قبل رحيله أنها لا تصلح لك، لكنه وافق على خطبتكما أمام إلحاحك وهو متأكد أن هذه الزيجة لن تكتمل لعدم التوافق الواجب توافره للارتباط، وشاء القدر أن يلقى وجه ربه بعد فترة من الخطبة، وأصبحت الفرصة سانحة أمامك لتفعل ما يحلو لك، فتزوجت فتاتك التى لم تجد فيك ما يغريها بالاستمرار معك، فانفصلت عنك بعد شهور معدودة، وبدلا من أن تتعلم الدرس وتتريث فى الزواج الثانى، انخدعت فى عروس جديدة لمجرد أنها بدت أمامك مطيعة وهادئة خلال أيام إجازتك القصيرة، وبلغ استعجالك الزواج بها مداه، فلم تنتظر إلى أن تتمم عقد القران والزفاف عند مجيئك فى الإجازة، وإنما أوكلت أحد أقاربك فى القيام بالإجراءات اللازمة للزواج، فكان الخطأ الثانى الكفيل بالإطاحة بالزوجة الثانية، فالأساس الهش لا يتحمل البناء، وينهار مع أول ريح تعصف به، وما أعتى الرياح التى واجهتها نتيجة عدم التخطيط السليم لحياتك ومستقبلك.

وربما تظن أن المال وحده هو الذى يجلب السعادة ويغرى الزوجة بالبقاء مع زوجها، فالحقيقة أن من تنجرف وراء الزواج للسبب المادى وحده، تسعى فى أقرب فرصة للخلاص من زوجها بعد أن تأخذ منه ما تريد إذا استطاعت ذلك، أو تنفد بجلدها من زيجة غير سعيدة، وهذا ما حدث معك، حيث اعتقدت أنك قادر بمرتبك الكبير فى البلد العربى على الزواج بمن تشاء، وأن الغنى وحده يسيل له لعاب البنات، ولكنها رؤية خاطئة جلبت عليك المتاعب من كل جانب.

ومما استوقفنى فى رسالتك أن زوجتك أمضت معك شهورا لم تشك خلالها تصرفا ولا سلوكا منها غير طبيعى، وهذا يعنى أن كلا منكما كان يتجمل أمام الآخر، فلما ظهرت طباعكما الحقيقية، بدأت فى النفور منك، وبدلا من أن تحاول علاج الأسباب التى تدفعها إلى ذلك، ومن ثم طلبها الطلاق، إذا بها تفضحك فى كل مكان، ولدى أهلك وأهلها، فأوصلت الأمور بينكما إلى مرحلة «اللاعودة»، ولعلها هى وغيرها يتعلمن الدرس بأنه لا يوجد رجل تفصيل على مقاس خيال كل امرأة، فهذا الرجل ليس له وجود، ولن تستطيع امرأة أيا كانت أن تجرى عملية تجميل قسرية لنفسية من ارتبطت به، ولابد أن يتم كل شىء بالتفاهم، والتنازلات التى تساعد على استمرار علاقتهما الزوجية.

والحقيقة اننى أجد فى تصرفاتكما معا حماقة لا دواء لها، فلا رأى ولا عقل فى علاجكما الأمور والمسائل والمشكلات التى نشبت بينكما، ولذلك لا حل لها فى ظل هذا التفكير الساذج والتشهير بشريك الحياة، وفى ذلك يقول الشاعر:

لكل داء دواء يستطب به

إلا الحماقة أعيت من يداويها

وترتبط بذلك العصبية المفرطة التى تسيطر عليكما، فلم تستطيعا التحكم فى أعصابكما وتهورتما فى اتخاذ القرارات المصيرية، ومن الصعب ثباتكما على موقف معين، بالإضافة إلى أنه من الواضح أن زوجتك مدللة كما تبين تصرفاتها، ورد فعل أهلها «الطيبين» على حد تعبيرك، فالتدليل يفسد الحياة الأسرية، إذ أن الزواج فى نظر «الدلوعة» يعنى الانتقال من بيت الأهل إلى منزل الزوج فقط مع بعض التغيرات الفسيولوجية التى ستطرأ عليها، وغير ذلك لا تقتنع بأى تغيير، ومن ثم تصبح زوجة بالإسم فقط، وتخشى القيام بأبسط الأعمال المنزلية، ولا تتحمل أى مسئولية من المهام التى تؤديها كل الزوجات، وهذا ما فعلته زوجتك معك، فتحملت عنها الكثير من الأعباء المنزلية، ومع ذلك تمادت فى موقفها المعاند لك، وامتد امتعاضها منك إلى العلاقة الخاصة، فتحولت حياتك إلى جحيم، ومن الطبيعى فى ظل هذه التركيبة العجيبة أن تكون النهاية الحتمية هى الطلاق.

أيضا فات زوجتك أن المرأة سكن للرجل، وأنها المهتمة دائما بشئون زوجها وبيتها لقوله تعالى «هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا» [الأعراف 189]، كما أنكما لم تكتما أسراركما الزوجية، ولم تلتمسا العلاج فى السر، وفى ذلك تدمير لحياتكما معا، وأذكر ما روته أسماء بنت يزيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذلك إذ قال «وكفى بهذا تنفيرا، وأى تنفير»، بمعنى أن افتضاح أمركما تولد عنه النفور وانعدام التوافق النفسى، وانقطاع التواصل الروحانى بينكما، وقد استغرق ذلك وقتا زمنيا طويلا، فالكراهية لا تتولد فى لحظة واحدة، بل تظهر عندما تتوافر أسبابها وبواعثها، وقد حاول كلاكما التغطية على أوجه الاختلاف والشقاق ولكن النار ظلت مشتعلة تحت الرماد حتى تفجرت الخلافات، وبات من الصعب احتواؤها، وعلى جانب آخر فإن الواجب على المرأة أن تمكن زوجها منها على الوجه الذى أباحه الله، فإن لم تفعل من غير ضرر فإنها تكون عاصية لربها، كما أن كرهها علاقتهما الخاصة ليس مبررا لرفضها، وينبغى النظر فى سببه، فإذا كان راجعا إلى الزوج، يجب أن يعمل على إزالته، وإن كان مرضا عضويا أو نفسيا عند الزوجة، لابد من علاجها عند أهل الاختصاص، وعلى الزوج كذلك أن يتحمل مسئوليته، ويتفقد أحوال زوجته وحالتها النفسية والبدنية قبل أن يجمعهما الفراش، وليتعاونا سويا فى هذا الشأن بحب وود، حيث يتطلب الأمر وضوحا وصراحة، وعلى كليهما أن يتفهم حال الآخر، وأن يصلا معا إلى حل يريحهما ويحفظ أسرارهما بعيدا عن تدخلات الأهل التى تعيق «المراكب السائرة» كما يقولون.

وإنى أستغرب موقف أخوالك، فبدلا من أن يؤازروك فى محنتك، انفضوا من حولك، وصارت مشكلتك مع زوجتك على كل لسان، مثلما حدث مع مطلقتك التى لم تقض معها سوى شهور معدودة، وبكل وضوح أقول لك: لا حل أمامك سوى الطلاق، فلا تعاند نفسك، واعلم أن البتر هو العلاج الأمثل لزيجة بهذا الشكل، ولتعطها حقوقها الشرعية، وليس معنى أنها الكارهة أن تصر على أن تطلب هى الخلع، فلو أنك أجبرتها على ذلك سوف تكسب بعض المال، لكنك ستخسر صورتك أمام الآخرين، ولا تنس أن لك ابنا منها يحتاج إلى التربية والرعاية، وأن ينشأ فى كنفكما معا، فاعمل حساب أنكما سوف تلتقيان كثيرا من أجله، ويبقى مهما ألا تتزوج للمرة الثالثة إلا بعد التأنى الشديد، ووضع النقاط على الحروف والتعافى من التجربتين المؤلمتين اللتين خضتهما على غير هدى، وإياك أن تفضى بأى أسرار جديدة إلى أقاربك، واستعن على قضاء حوائجك بالكتمان وفقا لما أوصانا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فآفة الثرثرة هى التى تؤدى بالإنسان دائما إلى الهلاك، وفقك الله، وسدد خطاك، وهو وحده المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حماده قرني صلاح
مراقب عام
مراقب عام
حماده قرني صلاح

ذكر
العمر : 37
عدد الرسائل : 8036
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 Engine10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 8010
نقاط : 19318
ترشيحات : 79
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 111110

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 I_icon_minitime18/3/2017, 00:50

جسر التواصل

الجحيم المزدوج: أعجبنى ردك على رسالة «الجحيم المزدوج» للشاب الذى تربى تربية مغلقة، وأحب أن أوضح نظرة المجتمع لصاحب الرسالة وأمثاله، إذ تربيت مثله تربية صارمة، وكان أبى يقول لنا دائما: «الوحدة عبادة»، والحقيقة أننا نريد أن يهتم بنا الآخرون، ولكن لعدم الاهتمام بنا فإن النظرة إلينا تكون خاطئة،
وموقف أخوال صاحب الرسالة طبيعى جدا من جانبهم، ويرون أن من يتلق تربيتنا لا يمكن التأقلم معه، وهذا خطأ آخر.. إننا نريد من يفهمنا، وليت كل الآباء يدركون ذلك، فيربون أبنا ءهم تربية متوازنة.

> أهل الخير: يمكن لأهل الخير تقديم تبرعاتهم نقدا فى خزينة بريد الأهرام بالدور الخامس حجرة 526 ـ جريدة الأهرام ـ شارع الجلاء ـ القاهرة والحصول على إيصال معتمد بذلك أو إيداع تبرعاتهم فى حساب رقم 01041914315 ـ بالبنك الأهلى المصرى من أى فرع للبنك، وأشكر الشباب الذين جاءونى بأجزاء من مصروفاتهم الشخصية للإسهام فى تخفيف متاعب البسطاء, وأسأل الله أن يثيبهم من فضله وكرمه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حماده قرني صلاح
مراقب عام
مراقب عام
حماده قرني صلاح

ذكر
العمر : 37
عدد الرسائل : 8036
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 Engine10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 8010
نقاط : 19318
ترشيحات : 79
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 111110

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 I_icon_minitime18/3/2017, 00:53

بريد الجمعة يكتبه : أحـمــد البـــرى
رجفة خوف!





بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 2017-636252988948830205-883


أكتب إليك هذه الرسالة داعيا الله أن يفرّج كربتى على يديك، وأن تشير علىّ بما يمكن أن أصنعه للخلاص من الكابوس الجاثم فوق صدرى، فأنا رجل فى سن الخمسين وحياتى مليئة بالأحداث المرة والمواقف العصيبة،
ولم تفارقنى المتاعب والأحزان منذ سنوات الشباب، فلقد نشأت لأب يعمل مدرس تربية رياضية بإحدى المدارس، وأم ربة منزل وتسعة أشقاء «ستة ذكور وثلاث إناث»، ترتيبى بينهم قبل الأخير حيث تلينى صغرى أخوتى، ولك أن تتخيل حياة أسرة تضم هذا العدد الكبير بمرتب بسيط يكفى بالكاد احتياجاتهم الأساسية، ولكن بفضل الله وحسن تدبير أمى الأمور رضينا بحالنا، ولم يعكر صفونا شىء، وكنا نسعد بأى طعام تعده لنا مهما يكن بسيطا، إذ إن حلاوته فى أفواهنا كانت تفوق كل ما لذ وطاب من الأطعمة التى يعجز أبى عن توفيرها لنا، ولم تقتصر مهمة أبى على تربيتنا فقط، إذ ساهم بالجهد والمال فى مساندة أخوته، ونال أشقائى جميعا قسطا وافرا من التعليم، وبمرور الوقت صارت لكل منهم حياته الخاصة، أما أنا فقد التحقت بمعهد فوق المتوسط بعد الثانوية العامة، وبعد عام واحد سافرت إلى ألمانيا، واستقررت هناك لفترة عملت خلالها فى عدد من المطاعم والفنادق، ثم عدت إلى مصر، ولم أكمل دراستى فى المعهد، وأديت الخدمة الوطنية، ثم امتهنت أعمالا كثيرة منها سائق سيارة، ومندوب مبيعات، وأمين مخزن، وعامل إنشاءات، وسافر شقيقى الذى يكبرنى مباشرة إلى دولة خليجية، وبعدها أرسل لى تأشيرة زيارة وأتيحت لى فرصة عمل، وحصلت على عقد براتب بسيط، وقررت أن أستقر فى هذا البلد العربى، وكان عمرى وقتها ثلاثين عاما، وبرغم قلة الدخل فإننى فضّلت الإقامة هناك، وبعد حوالى خمس سنوات أفصحت لأخى عن رغبتى فى الزواج، فشاور عددا من أصدقائه، ورشحوا لى فتاة مغربية تصغرنى بحوالى اثنى عشر عاما، وأثنوا على أخلاقها وأنها من أسرة بسيطة، ولن تكلفنى الكثير، فتقدمت إلى أهلها وطلبت يدها فرحبوا بى، وانتقلنا إلى عش الزوجية، ووجدتها «كويسة جدا»، ومريحة، وهادئة، مثلما قيل لى عنها، ولكن بعد حملها فى ابنتى الأولى، تكشفت شخصيتها الحقيقية، إذ اتضح أنها مريضة نفسيا، ولديها عدوانية شديدة وشراسة لا حد لها، ولم تفلح محاولاتى لعلاجها، أو تهدئتها من حالة الهياج التى تنتابها من حين إلى آخر، ولم يقتصر عنفها علىّ وحدى، وإنما امتد إلى أمها أيضا.

وعرف بحكايتها الجيران فى المنطقة التى نقطن بها، فسألونى عما أوقعنى فى هذه الزيجة، ولماذا لم أتزوج من مصر بفتاة تتسم بطباعنا وعاداتنا وتقاليدنا؟.. والحقيقة أن دافعى الأول للزواج منها هو أننى خشيت أن أفعل ما يغضب الله، ولم تكن لدىّ الإمكانات اللازمة للعودة إلى مصر، والزواج من فتاة تكلفنى الكثير، وقد وافقت أسرة زوجتى على ارتباطى بها بإمكانات قليلة وأثاث بسيط للغاية، وكم تمنيت أن تكون هى الزوجة التى تلازمنى مدى حياتى، وأن نبنى معا أسرة صغيرة، ولكنى فجعت فيها بعد أن رأيت منها قسوة وجفاء لم أرهما فى حياتى، ومع ذلك لم أدخر جهدا فى سبيل إرضائها، لكن هيهات لها أن ترضى، وتحملت الحياة الصعبة معها ما يقرب من أربع سنوات دون أن أنطق بكلمة واحدة ضدها، وبرغم هذ فوجئت بها تترك لى ابنتنا، وتذهب إلى بيت أمها، وبلغ صنيعها معارفنا وأصدقاءنا فى الغربة، فتدخلوا بيننا وأعادوها إلىّ، وتكرر ذلك مرات عديدة، وفى كل مرة تهيننى، وتسب ابنتنا، فإذا ذهبت إلى بيت أمها لكى أطلعها على ما فعلته بى، تثور ضدى، وتتفوه بألفاظ صعبة، والحق أن أمها كانت تعنفها، وتطلب منى ألا ألقى بالا لكلامها، ثم توفيت ففقدت برحيلها سندى الأساسى فى محنتى، فى الوقت الذى وضعت فيه زوجتى ابنتى الثانية، وظلت معى شهرا واحدا، ثم حملت المولودة الصغيرة وغادرت البيت، ولم أحاول منعها من الخروج هذه المرة بعد أن فاض بى الكيل، وكرهت وجودها معى، وانفصلنا وذهب كل منا إلى سبيله.

ومرت الأيام وحاولت أن أعرف أخبارها، لكنها لم تستقر فى بيت أمها رحمها الله، وتنقلت من مسكن إلى آخر، وفشلت فى العثور عليها هى وابنتى الصغرى، وظللت عامين على هذه الحال، وساءت حالتى النفسية والصحية، ولم أستمر فى أى عمل نتيجة الاضطراب الذى انتابنى خوفا على ابنتى، ولما ضاقت بى السبل طرقت أبواب أقسام الشرطة والمحاكم، وبكيت بكاء مريرا راجيا أن يساعدونى فى البحث عن ابنتى، وأخيرا استطاع رجال البحث الجنائى التوصل إليها وإحضارها إلى المحكمة، وطالت الجلسات إلى عدة شهور ثم صدر لى حكم بزيارة ابنتى كل أسبوع، فكانت تحضر مرة، وتغيب مرة، واستمر هذا الوضع أكثر من عام تمكنت خلاله من إقناعها عن طريق أفراد تنفيذ الأحكام بضم ابنتى لحضانتى لتكون فى صحبة أختها، على أن تزورها وقتما تشاء، وكانت حجتى فى ذلك أن الطفلة اقتربت من دخول المدرسة، وبالفعل سجلت اسمها فى مدرسة «حضانة»، وفرحت كثيرا بهذا الحل، إذ كنت قد استنفدت جميع الحجج أمام المحكمة من أجل حضانتها، وتنفست الصعداء بعد أن صارت ابنتاى معى، وتبدد الخوف الذى انتابنى على الصغرى، فلقد عشت شهورا من الرعب عندما تأكدت من أن مطلقتى تزوجت بشخص من البلد الذى أعمل به، وقد شاهدته بصحبتها كثيرا، واتصل بى عدة مرات محاولا ابتزازى، وهددنى بأنه سيؤذينى أنا وابنتىّ إذا لم أدفع له مبلغا من المال!، ولاحظت من طريقة كلامه أنه مدمن مخدرات، وازداد غلظة وحدة فى حديثه معى عبر الهاتف بمرور ال، وتحولت حياتى إلى جحيم خوفا من أن يمس ابنتىّ أى مكروه، وانقطعت مطلقتى عن رؤية ابنتيها عدة شهور، وأصبت بإعياء شديد، وعانيت الأمرين من إرهاق العمل وضعف الراتب، وخدمتى ابنتىّ من إعداد الطعام وغسل الملابس وتنظيف البيت، ولم أتركهما لحظة واحدة بمفردهما.

عند هذا الحد قررت العودة إلى مصر، وساعدنى على اتخاذ هذا القرار، الظروف الصعبة التى واجهتها الشركة فى ظل الأزمة الاقتصادية التى تعصف بهذا البلد وإجراءات التقشف التى اتخذتها معظم الشركات، واتجاه عدد كبير منها إلى الاستغناء عن جزء من العمالة لديها، أو تخفيض الرواتب، فقدمت استقالتى، وتأكدت من أنه بإمكانى السفر بابنتىّ إلى مصر دون أن أتعرض للمساءلة من جانب مطلقتى، ولم أحصل من جهة عملى إلا على حوالى نصف المكافأة المفروض أن أحصل عليها، ومع ذلك لم أفكر فى الشكوى إلى مكتب العمل، حيث كان كل همى أن أنجو بابنتىّ من أمهما وزوجها، وأن أعود إلى أهلى وبلدى مهما تكن الظروف، ولم أبال بما أبلغنى به أخوتى عن قلة فرص العمل وارتفاع الأسعار فى مصر، خاصة أننى بلغت خمسين عاما، كما أن إمكاناتى لا تسمح لى ببدء مشروع خاص أو استئجار محل لبيع أى سلعة، ومضيت فى طريقى الذى رسمته لنفسى بعدم العودة إلى هذا البلد العربى، وبعت أثاث منزلى هناك بثمن بخس، وعدنا إلى أرض الوطن، واستقررنا فى بيت العائلة بالإسكندرية، وهو عبارة عن شقة فى عمارة قديمة بإيجار قديم، تسكن فيها شقيقتى الكبرى المنفصلة عن زوجها منذ سنوات طويلة، وهى معلمة على المعاش، وتساعدنى فى تربية ابنتىّ، وبعد أيام خرجت للبحث عن عمل فى محافظتى فلم أجد، وأسقط فى يدى إذ لا أستطيع أن أتركهما من أجل العمل فى محافظة أخرى، كما أن جميع أخوتى يتحملون مسئوليات أسرهم فى حدود إمكانياتهم، ولكل منهم ظروفه الخاصة، ولا يستطيع أحد أن يتحمل عبء البنتين فى الذهاب إلى المدرسة والعودة إلى البيت، ومراجعة الدروس لهما، ولذلك فكرت فى الزواج، ولكن أين هى التى تقدر ظروفى وتساعدنى فى اجتياز هذه الفترة العصيبة من حياتى، وتكون أما لابنتىّ؟.. إننى فى حيرة من أمرى وأجدنى بعد غربة تقرب من عشرين عاما أدور فى حلقة مفرغة، ووصلت إلى طريق مسدود فى حياتى الزوجية، ويقتلنى اليأس والفراغ، وبرغم الحرف العديدة التى أتقنتها، أجدنى عاجزا عن التحرك، وكأن قيودا حديدية تكبلنى، ولا أعرف طريقا إلى التخلص منها، وأملى أن أجد لديك ما ينير طريقى، ويرسم البسمة على شفاه طفلتىّ، فكم يعذبنى أن تطلب منى الصغرى أن تزور أمها وتقول لى بكلمات يملؤها الحزن والأسى «نفسى أشوف ماما»، وللأسف الشديد فإن مطلقتى لا تسأل عن ابنتيها، ولا تعرف عنهما شيئا، وليس بإمكانى السفر إلى البلد العربى ولو لزيارة مؤقتة لكى تتواصلا معها، وتنتابنى رجفة خوف لا تغادرنى، وأقف عاجزا عن اتخاذ أى خطوة على طريق الحياة الآمنة والمستقرة لابنتىّ الحائرتين اللتين لا ذنب لهما فيما صنعته بنا الأقدار، فبماذا تشير علىّ؟

> ولكاتب هذه الرسالة أقول :

فى مسألة الخوف فإن الإنسان مفطور عليه لقوله تعالى «إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا». (المعارج 19 : 21)، وحتى بعض الأنبياء قد أصابهم الخوف فى مواقف تعرضوا لها، فذكر القرآن الكريم خوف موسى وهارون عليهما السلام من مواجهة فرعون، فقال تعالى «قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى قَالَ لَا تَخَافَا، إِنَّنِى مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى»، (طه45، 46)، وتناولت آيات أخرى خوف إبراهيم عليه السلام من الملائكة الذين زاروه فى صورة بشر، ولم تصل أيديهم إلى الطعام الذى قدمه لهم، فقال عز وجل «وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ، فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ»، (هود 69، 70)، فكل إنسان يتعرض للخوف يمكنه التغلب عليه باستحضار معية الله، فهو سبحانه وتعالى يسمع ويرى كل شىء ويوجه الخائف إلى طريق نجاته، وهذا ما حدث مع موسى وأخيه، «فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ، قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّى سَيَهْدِينِ»،(الشعراء 61،62)، وإذا وصل الإنسان إلى هذه القناعة، فإنه سوف يطرد من قلبه خوفا موهوما يوسوس به الشيطان إليه، على نفسه وولده ومستقبله وصحته وغير ذلك، فقال: «إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ»، (آل عمران 175)، فما يصيب الإنسان من مكروه لا يأتى اعتباطا، وإنما هو مقدر من الله لقوله عز وجل «قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» (التوبة 51)، وحينما ينزع المرء الخوف الموهوم يكون قد ولدّ الأمن الذى يطرد القلق.

وهذه هى الخطوة الأولى التى يتعين عليك اتخاذها قبل كل شىء عن طريق اليقين بأن أمر المؤمن كله خير، إن أصابه خير شكر فكان خيرا له، وإن أصابه ضر صبر فكان خيرا له، فإذا وصلت إلى هذه المرحلة من الرضا، ستصبح حياتك مليئة بالسعادة والعمل الإيجابى والعبادة، فإحساس المؤمن بالقرب من الله تعالى هو أقوى سلاح يقاوم به الاكتئاب، وحتى فى أشد حالات الضيق والهم، فإنه عز وجل يأمرنا بعدم الحزن أو الخوف، وهذا لوط عليه السلام عندما ضاق بقومه ذرعا أرسل إليه ملائكة لتوعيته وتهدئته، حيث يقول تعالى: «وَلَمَّا أَن جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ»، (العنكبوت 33)، فعليك أن تتأمل الأمر الإلهى بعدم الخوف والحزن واثقا من أن الله سوف ينجيك من الأزمة التى ألمت بك.

ومن المهم استيعاب الدرس بأن تكون خطواتك محسوبة بدقة، فلا تقبل على أى خطوة غير مدروسة، فالخطوة الخاطئة تترتب عليها نتائج وخيمة، والحقيقة أن الخطوات التى اتخذتها فى بداية مشوار حياتك هى التى أوصلتك إلى الحالة التى أنت عليها الآن، إذ كان الخط السليم الواجب عليك التزامه يتمثل فى أن تنهى دراستك أولا، ثم تلتحق بأى عمل أو مشروع تبنى به مستقبلك، وبعده تفكر فى الارتباط بعد التحرى الدقيق عمن ترغب فى أن تشاركك حياتك، بدلا من أن تلجأ إلى «زواج الفرصة» من باب سد حاجتك الجسدية لا أكثر، فالزيجات من هذا النوع تقوم على أساس هش، وتنهار مع أى خلاف بسيط، وقد ساهم أيضا فى فشل حياتك الزوجية أن من رشحوها لك من دولة أخرى، وتعيش فى البلد العربى كمهاجرة، ولا مجال للود والتواصل بين أهلك وأهلها، وقد نسيت أو تناسيت أن من أهم شروط الزواج أن تتخير المرأة الصالحة من كل الوجوه لقوله صلى الله عليه وسلم «تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس».

ولا شك أن انفصال الأبوين تترتب عليه دائما نتائج سلبية تنعكس على الأبناء، حيث يستقر فى قرارة نفس كل ابن أن الأب والأم هما كل شىء فى العالم، فيستمد منهما العطف والحنان، ويتوجه إليهما للحماية والرعاية، ويلجأ إليهما فى كل صغيرة وكبيرة، وتنساب أسئلته بالاستفسار كالسيل المدرار، ويكون عقله فى مرحلة الطفولة كالطين، يمكن للأب أن يشكله كما يشاء، وتكون نفسه كالصفحة البيضاء تخط الأم فيها ما تريد، وتثبت عليها ما ترغب فيه، وعندما يقع الطلاق بين الأبوين فإنه يتشتت بينهما، ومن هنا فإن غياب أم طفلتيك يعد عقوقا منها لهما، وسوف تتسرب إلى نفسيهما بمرور الوقت رواسب كره وعداء لها، ولن تستطيع فيما بعد أن تستميلهما إلى صفها، فإذا كانت قد تخلت عنهما، فكيف نطلب منهما الاهتمام بها؟.

لقد بات عليها أن تتواصل معهما عبر وسائل التواصل الاجتماعى، وأن تحدثهما باستمرار، وأن ترتب مواعيد دورية لزيارتهما سواء فى مصر أو فى البلد العربى بترتيب مسبق معك، وفى حضور الأهل، على أن تعودا معك إلى مصر بعد إنتهاء الزيارة، وليعلم زوجها أن حرمانها من رؤية ابنتيها فيه إثم كبير، وقد يكون مردوده سلبيا عليه فى الدنيا والآخرة، فليتفق الجميع على منهج محدد فى تربيتهما يكفل سلامتهما النفسية، وعليك أن تختار زوجة مناسبة تكون أما بديلة لهما، وأن تتلمس الخطى نحو عمل مستقر يكفل لك حياة مستورة، وسوف يكلل الله جهودك بالنجاح لنقاء سريرتك وسعيك الدءوب نحو الاستقرار.. أسأل الله لك التوفيق والسداد، وهو وحده المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
nasertoba
مرشح
nasertoba

ذكر
عدد الرسائل : 6343
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 Collec10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 110
نقاط : 17200
ترشيحات : 29
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 222210

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 I_icon_minitime25/3/2017, 00:14

الوصفة الذهبية


أكتب إليك عن سر المائة جنيه التى غيرت مجرى حياتي ، وحولتنى من امرأة تعيسة تشعر بأن أبواب الدنيا مسدودة فى وجهها إلى سيدة أخرى تغمرها السعادة بما أفاض الله عليها من نعمه «ظاهرة وباطنة»، فلقد قرأت فى بابك الشهير قصة الشاب الذى كفل أسرة فقيرة‏,
ولم تمض أسابيع معدودة حتى انهالت عليه جوائز السماء, وزاد مرتبه واتسع رزقه, وكان هذا حافزا له على زيادة عدد الأسر التى يكفلها إلى ثلاث أسر ثم إلى خمس, وترقى فى عمله وزاد دخله, ووصل إلى أعلى الدرجات،وتوقفت أمام هذه الصورة الجميلة, وقررت أن أخوض تجربته برغم ظروفى المادية, حيث إننى مطلقة، ولدى أبناء فى مدارس خاصة, ويحتاجون إلى مصاريف دراسية كبيرة، وقد تلفت حولى فوجدت أسرتين بسيطتين ممن يقول عنهم المولى عز وجل: «لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ»[البقرة 273].. وذهبت إليهما وقررت أن أهدى كلا منهما خمسين جنيها كل شهر مساهمة فى نفقات المعيشة وكنوع من الكفالة مثل التى يتبناها بريد الأهرام، وفعلت ذلك وكلى أمل فى أن أزيد مبلغ المساعدة حين تتيسر لى الأمور.
والحق إننى لم أكن أتصور أبدا العطاء الإلهى الذى تدفق على بعد شهرين فقط من كفالة هاتين الأسرتين بهذا المبلغ البسيط, فلقد كانت لى قضية ينظرها القضاء منذ عدة سنوات, وفجأة صدر الحكم فيها لمصلحتى، بعد أن كدت أفقد مستحقاتى المالية فيها, وكانت هذه هى الجائزة الأولي، أما الجائزة الثانية, فهى أن مطلقى لم يكن ينفق على أولادي، ولا يسأل عنهم, وكنا نلاطم أمواج الحياة بعيدا عنه ولايعرف عنا شيئا.. وذات يوم إذ به يتصل بى ويرسل إلىّ مبلغا من المال لتسديد نفقات الأولاد واحتياجات المدارس, مؤكدا أنه سوف يبعث لى ما يساعدنى على تربية أبنائنا وتعليمهم، وأصبحت لدى وفرة مالية لم تكن متاحة من قبل, وتوقفت عن طلب أى أموال من أشقائى الكرماء الذين لم يدخروا وسعا لمساعدتي، وأما الجائزة الثالثة، فلقد طمأنتنى الفحوص الطبية بأن الشكوك الصحية التى كنت أخاف منها غير صحيحة, وأن حالتى الصحية مطمئنة، وأما الجائزة الأجمل من كل الجوائز فهى حالة الرضا والسعادة التى حلت بى منذ أن بدأت فى الاستعانة بهذه الوصفة الذهبية التى تسميها «الكفالة»، وليت كل الناس يدركون سرها, ويسارعون إلى الانضمام إليها, وإنى أعدهم بأن جوائز السماء سوف تنهال عليهم من حيث لايحتسبون.
> ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

إذا تأملنا الحياة من حولنا فسوف نجد فيها أشياء جميلة, لكن الدنيا تجرفنا دائما بهمومها، ولقد أحسنت صنعا حين نفضت عنك مشكلاتك، واتجهت إلى مساعدة الآخرين، بالرغم من ظروفك المادية الصعبة, إحساسا منك بأن هناك من هم أشد ابتلاء منك، وعندما تقدمت لمساعدة هاتين الأسرتين كان ذلك إيذانا بعهد جديد فى حياتك، فنلت الرضا والسعادة، ورزقك الله من حيث لا تدرين، ووجدت مشكلتك القضائية الحل الذى أعاد إليك مستحقاتك, وأحس زوجك السابق بخطئه فعاد إليك لمد يد المساعدة الواجبة عليه نحو أبنائه, وطمأنك الأطباء على حالتك الصحية.
وفى رسالتك دروس وعبر لمن أراد أن يتذكر ويستفيد من تجارب الآخرين, فهنيئا لك بما فعلت، فنعم عقبى الدار، والحق أن هناك كثيرين من أهل الخير، قد سارعوا للانضمام إلى قافلة الكفالة التى يتبناها «بريد الأهرام»، ولا يمر أسبوع إلا وتنضم فيه مجموعة جديدة إلى القافلة، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «الخير فىّ وفى أمتى إلى يوم القيامة»، والله يجزى المحسنين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
nasertoba
مرشح
nasertoba

ذكر
عدد الرسائل : 6343
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 Collec10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 110
نقاط : 17200
ترشيحات : 29
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 222210

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 I_icon_minitime25/3/2017, 00:15

بريد الجمعة يكتبه : أحـمــد البــــــرى
النفوس الميَّتة!

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 2017-636259050735013417-501

أكتب إليك وقد اقترب العمر من نهايته، وأوشكت على الرحيل ربما أجد لديك إجابة على سؤال يحيرنى منذ سنوات الصبا وحتى الآن، فأنا رجل تعديت الستين ببضع سنوات، وشهدت حياتى الكثير من المآسى والأحداث المروعة، ودعنى أروى لك قصتى منذ البداية، فلقد نشأت فى أسرة ثرية بإحدى قرى محافظة الغربية لأب غنى، ورث ثروة طائلة عن جدى، وكان وحيد أبويه، وأم ربة منزل من أسرة بسيطة،
وكان قد تزوج قبلها مرتين، ولم ينجب من زوجتيه، لا الأولى ولا الثانية، وعندما ارتبط بأمى كان عمرها ثلاثة عشر عاما، وتتمتع بطيبة شديدة، ولا تفهم شيئا فى أمور الدنيا حولها، وقد أثرت نشأة أبى وحيدا عليه بالسلب، إذ تركه أبواه يفعل ما يحلو له فانجرف إلى أصدقاء السوء، وبعد رحيلهما عن الحياة أصبح فريسة سهلة لأتباع الشياطين، وعرف طريق القمار والمخدرات، والسلوك السيىء، وفى تلك الفترة أنجبنى وأختا لى رحلت عن الحياة بعد ولادتها، وبقيت وحدى، وعانت أمى الأمرين معه، لكنها لم تستطع أن تنطق بكلمة واحدة، ولم يجرؤ أحد من طرفها على الحديث معه فيما يفعله، وخلال أربع سنوات باع الأرض، وبعثر الأموال التى ورثها عن أبويه، وشيئا فشيئا انفض الجميع من حوله، فانتابته حالة ضيق شديدة، فطلق والدتى، وباع البيت وطردنا إلى الشارع، ثم غادر القرية إلى غير رجعة، وحاولت أمى بكل السبل أن نظل فى مكاننا لكن أصحاب المنزل الجدد رفضوا إعطاءنا ولو حجرة واحدة إلى أن ندبر أمورنا، فحملتنى والدتى، وسارت فى الشوارع هائمة على وجهها بعد أن مات أبواها، ولم يعد لها هى الأخرى أى سند فى الحياة، إذ ابتعد عنها أشقاؤها، وفور أن رأوها أغلقوا الباب فى وجهها، ولم تجد لقمة عيش واحدة تعطيها لى وأنا أبكى من شدة الجوع، وكان عمرى وقتها ثلاث سنوات، بل إننى عرفت فيما بعد أنها أكلت «طوبا أحمر» فى تلك الليلة وربطت بطنها الخاوى من الطعام لعدة أيام، وانتحت جانبا من الشارع ونامت وهى جالسة، وما أن بدت تباشير الصباح، ورآها عمال اليومية الذين يعملون فى الحقول حتى عرضوا عليها أن تعمل معهم ففرحت وأخذتنى معها إلى «الغيط»، واستأجرت حجرة بسيطة فى منزل قديم، ومر عام كامل على هذه الحال، وذات يوم شاهدها رجل فاضل كان يتردد على القاهرة لشراء بضاعة لمحل يملكه، فأبلغها أنه باستطاعته توفير عمل لها فى العاصمة بدلا من البهدلة والذل ليلا ونهارا، فاستجابت على الفور، وعملت خادمة عند أناس محترمين، ومر عامان آخران، وهى تتطلع إلى غد أفضل، وتتضرع إلى الله بالدعاء أن يلهمها الصبر، وأن يكتب لنا الفرج من حالة الضيق، فأصعب شىء على المرء ألا يجد من يأنس به أو يبثه همومه وأحزانه، ويسترشد برأيه فيما يعانيه من مشكلات، وكانت ـ برغم هذه المتاعب ـ جميلة، يرتاح لها كل من ينظر إليها، فجذبت برقتها وجمالها الهادىء رجلا يعمل فى «بنزينة»، ولمّا عرف حكايتها طلبها للزواج، لكنها رفضت خشية أن تتكرر حكايتها مع أبى، ولم ييأس، وواصل إلحاحه عليها مرات عديدة، وأخذ يبثها قصصا ومواعظ تدل على أنه رجل تقى يخاف الله، وأنه سوف يعوضها عما لاقته من عذاب، ويعاملها معاملة حسنة، فأخبرته من باب «جس النبض» أن معها خمسة أولاد من مطلقها، فقال لها: «مهما يكن عددهم سيكونون أولادى»، فاطمأنت إلى أنه سوف يعاملنى، وأنا ابنها الوحيد، كإبن له، وكان عمرى وقتها ست سنوات، وانتقلت معها إلى بيت زوجها، والتحقت بالمدرسة، ومر عام بدا فيه الرجل عند الظن به، ثم أنجبت أمى منه أخا لى، ولم تمض أسابيع على ولادته حتى انقلب الملاك إلى شيطان، وأذاقنى أشد ألوان العذاب بلا ذنب ولا جريرة، وحاولت أمى أن تعرف ما حدث، وما الذى تغير فيه لكى يتحول هذا التحول الرهيب، فلم تفلح، ثم تبين لها أنه أدمن المخدرات، وأصبحت تنتابه هذه الحالة إذا لم يأخذ المخدر فى موعده، وكان «يكتفنى» بالحبل ويعلقنى فى السرير، فإذا تدخلت أمى لإنقاذى منه ينهال عليها ضربا وركلا، فتصرخ بأعلى صوتها، وتتقطع أنفاسها ولكن من يسمعها وقد كتم أنفاسها وأنفاسى، وهددنا بالموت إذا أحس أحد من الجيران بما يفعله بنا؟!.

وخشيت أمى أن يفتك بى بعد أن وجدت فى عينيه نظرة الغدر، فطلبت من صاحب ورشة خشب أن أعمل لديه بعد خروجى من المدرسة، وأن «أبات» عنده حتى الصباح، فوافق الرجل مشكورا، وبدأت حياتى الجديدة، فكنت أستيقظ مبكرا فأفتح الورشة، وبعد أن يأتى صاحبها أسلمها له، وأذهب إلى المدرسة، وبعد عودتى منها أتأكد أولا من أن زوج أمى غير موجود، فأسرع إلى المنزل أبدل ملابسى، وأتناول بعض الطعام، وهو غالبا «العيش الحاف»، وأعود إلى الورشة، ويعطينى صاحبها آخر اليوم وجبة طعام ثم يغلق علىّ بابها حتى الصباح!.. إنها حياة مؤلمة لكنى تعودت عليها، واستمررت على هذه الحال إلى أن وصلت إلى الصف الخامس الابتدائى، ففى ذلك الوقت كانت والدتى قد أنجبت من زوجها ثلاثة اخوة لى، فضاق ذرعا بها وبأولادهما وتركهم لمصير مجهول، وخرج إلى مكان غير معلوم، فأخرجتنى من المدرسة، وتوليت مهمة الجلوس مع اخوتى الثلاثة، وخرجت هى للعمل فى البيوت، ومرت سنوات أخرى على وضعنا الجديد، ثم ظهر زوجها مرة أخرى، فتوقفت عن العمل، ودفعتنى مكانها فى خدمة البيت الذى كانت تعمل فيه، فعرفت مسح البلاط، وكنس البيت، وأبلغتنى صاحبته أن والدتى تأخذ راتبى منها، ثم أنجبت أمى أختا رابعة لى، وإذا تصادف ورأتنى فى إحدى زياراتها لهذه السيدة تقول لى: «معلش يا ابنى، كان لازم أضحى بواحد علشان أربعة، بس أخوتك مش حينسوا جميلك أبدا ولا حيسيبوك».. واستمررت فى المعيشة فى كنف صاحبة المنزل، وتحسست منها أخبار أمى واخوتى وزوجها، وعرفت أنها تحيا معه فى غير استقرار، فتارة يتركها، وتارة أخرى يعود إليها، ورضيت بما قدره الله لى، ولم أتذمر، ولم أحمل حقدا ولا غلا لأحد، ولم يكن معى أى «فلوس»، حتى ولا قرش صاغ واحد، وحدث بعد ذلك أن والدتى غابت أربعة شهور لم تطرق خلالها باب صاحبة المنزل التى أعمل عندها، وكان عمرى وقتها خمسة عشر عاما، فطلبت هذه السيدة الفاضلة أن أسأل عن أمى، فربما يكون قد أصابها مكروه، وأعطتنى العنوان الذى كانت تحتفظ به، فذهبت إلى هناك ولم أجدها، ولما سألت الجيران عنها أبلغونى أن زوجها أخذها إلى أهله فى عزبة بإحدى المناطق الشعبية، ووصفوا لى الطريق إليها، فقصدتها، وهناك التقيتها، وإذ بى أجدها «ذابلة» و«منكسرة» تماما، وشرحت لى بعض مشاهد العذاب التى تعرضت لها، فأهل زوجها أخذوا منها أولادها، وحبسوها فى حجرة طوال المدة التى غابت فيها عنى، وأرادوا الخلاص منها بأى شكل، فهدأت من روعها، وقلت لها: لن أتركك، فقالت لى: «ابعد عن المكان ده لأنهم ممكن يموتوك، ومحدش حيعرف عنك حاجة، ودى مشكلتى وأنا ححلها»!، فخرجت من عندها باكيا على حالها، وساخطا على حالى لأول مرة فى حياتى، فلقد كان مشهدا داميا ذلك الذى رأيتها عليه، وعدت إلى السيدة، ورويت لها ما حدث، وظللت مستمرا فى المعيشة والعمل معها، ولم أنس أمى فتابعتها، وعرفت أن اخوتى الأربعة «ثلاثة أولاد وبنت» تفوقوا فى دراستهم، وعندما بلغت ثمانية عشر عاما، وجدتنى مضطرا للعودة إلى بلدى فى الغربية، وعملت بالفلاحة، وعشت فى منزل بالإيجار، ثم استقررت فى مزرعة، وصار لى دخل لا بأس به، وتزوجت بفتاة بسيطة وطيبة رضيت بظروفى، وشاركتنى «الحلوة والمرة» فى حياتى، ولم تنقطع صلتى بأمى وأخوتى، فكانوا يزوروننى باستمرار، وواصلوا تفوقهم، ولم أبخل عليهم بشىء برغم بساطة حالى، وكثيرا ما رددت أمى على مسامعهم ألا يتركونى وحدى، وأكدت عليهم أن وصيتها الوحيدة لهم ألا يقطعوا صلتهم بى، وألا يتركونى وحدى، وأفاضت فى شرح ما قدمته من أجلهم، وتعاهدت معهم على ذلك، ثم رحلت عن الحياة.

وكان زوجها حتى ذلك الوقت هائما على وجهه، ثم هداه الله واستقام وعمل على «تاكسى»، واحتوى أبناءه، لكنه ظل معاندا لى، ولم يسأل عنى مرة واحدة، ومرت الأعوام وتخرج اخوتى جميعا فى الجامعة، والتحقوا بوظائف مهمة، وصار لكل منهم زوجة وبيت وأولاد، كما تزوجت أختى من رجل مهم، وفتح الله عليهم أبواب الرزق، ويوزعون الأموال من زكاة أموالهم على الفقراء والمساكين بينما ينسون أخاهم الذى ذاق الأمرين من أجلهم.. أتتخيل يا سيدى أننى لم أر أيا منهم منذ وفاة أمى؟.. إنهم لا يريدون أن يعرف أحد أننى أخوهم وتبرأوا منى خوفا من العار الذى يظنون أنه سيلحق بهم لو ظهرت الحقيقة للناس!.. لقد تحملت العذاب والهوان طول عمرى وعجزت فى الفترة الأخيرة عن علاج زوجتى من السرطان الذى أصيبت به وأظهرته الأشعات والفحوص، وظننت أننى سأجد العون من أخى الذى يلينى فى السن، وكان يشغل مركزا مرموقا بجهة كبرى قبل إحالته إلى التقاعد، فذهبت إليه لكى أبلغه بأن زوجتى مصابة بمرحلة متقدمة من سرطان الكبد، وأن الدواء الذى وصفه لها الأطباء لا طاقة لى بثمنه الباهظ، وعندما طرقت باب شقته فى العنوان الذى وصفه لى أحد معارفنا، فتحت لى سيدة سألتها عن أخى، وقلت لها اننى أخوه، ونظرت إلى داخل الشقة ووجدته جالسا فى مواجهتى، وما أن سمع إسمى حتى أصابته حالة هلع، واختبأ وراء الستارة وأشار إليها بيده لإبلاغى أنه «مش موجود»، أى بدلا من أن يتذكر جزءا مما فعلته من أجله هو واخوتنا، ويأخذنى بالأحضان، إذا به يتنكر لى، وعدت أجر أذيال خيبتى فى اخوتى، والندم على عمرى الذى راح فى خدمة من تركونى نهبا للزمن.

إننى أعيش حياة قاسية فى الوقت الذى ينعم فيه اخوتى بمناصبهم، وقد صار لهم أحفاد وأسر مستقرة، أما أبوهم فمازال موجودا على قيد الحياة، وتزوج من سيدة تصغره بعشرات السنين، لكنه غير مرتاح البال، بعد أن تركوه هو أيضا يصارع الحياة، فهم أصحاب «نفوس ميَّتة» لا يتخيلون أنهم سوف يتجرعون كأس المرارة التى تجرعتها مهما تطل السنين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
nasertoba
مرشح
nasertoba

ذكر
عدد الرسائل : 6343
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 Collec10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 110
نقاط : 17200
ترشيحات : 29
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 222210

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 I_icon_minitime31/3/2017, 23:10

القصاصة القديمة


قرأت فى بريدكم قصة أم أصيب ابنها فى طفولته بمرض أثر على مستوى ذكائه‏ ,‏ فلم تيأس ووقفت الى جواره وساندته بكل الطرق حتى وصلت به الى بر الأمان‏..‏ وقد احتفظت بقصاصة الورق التى تضم قصته‏.‏ وكلما ضاق صدرى أفتحها وأعيد قراءتها‏,‏ وأدعو الله ان يعيننى كما أعان هذه الأم‏,‏ فأنا أم لطفل يعانى من صعوبة التكيف والاختلاط بأقرانه‏,‏ حيث يستلزم ذلك بعض الوقت لكى يتعود على المكان والاشخاص المحيطين به‏,‏ وهناك فئة من هذه النوعية موجودة بيننا‏,‏ ولكن الكثيرين لايعرفون طريقة التعامل معهم‏، فعلى سبيل المثال فإننا نعانى أشد المعاناة من المسئولين فى مدارسنا حيث انهم لا يعرفون طباع هؤلاء الأطفال ولا يعيرونهم أى اهتمام‏,‏ بالرغم من وجود اخصائى نفسى فى كل مدرسة‏,‏ فهذا الاخصائى يصنف التلاميذ بشكل خاطئ الى قسمين طبيعى وغير طبيعي‏.‏
إن الاطفال الذين يعانون متاعب هذا المرض فى حاجة الى تعاون المجتمع والأسرة, فهم ليسوا وصمة عار, لكن بعض ضعاف النفوس يتفكهون بهم ويجعلونهم مثار نكات وضحك وسخرية, وفى ظل هذا الجو الخانق أعانى أشد المعاناة مع بداية كل عام دراسى جديد, وأحاول أن أكبح رغباته وأبحث عن السبل التى تجعله يشعر بالأمان والطمأنينة, وأسأل الله ان يرقق قلوب من يتعاملون معه. ولقد استشرت الكثيرين من الأخصائيين حول الظروف التى يتأثر بها هؤلاء الأطفال فأفادونى بأن تغيير المدرسة أو الفصل أو حتى المكان فى نفس الفصل يعرضهم لقلق شديد وتوتر جديد، واننى اتوسل إلى العاملين فى مجال التربية والتعليم بأن يعينوا هؤلاء الأولاد وان يعتبروهم مثل أبنائهم فإن لم يستطيعوا مساعدتهم, فلا يكونون حجرا عثرة فى طريقهم.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

من أبسط قواعد التربية والتعليم أن نختار من يصلحون لهذه المهمة الخطيرة، ذلك أن الأمر بالنسبة للتلاميذ الصغار لا يتعلق فقط بشرح المادة العلمية لهم، وإنما ينصرف ايضا الى حسن معاملتهم واكتشاف شخصياتهم، ويقتضى ذلك ان يكون القائمون على العملية التعليمية دارسين لمادة علم النفس، ومدربين على التعامل مع مختلف التركيبات الشخصية للأطفال، لكن المؤسف أن هذا المفهوم غائب تماما عن فكر المسئولين عن التعليم فى مصر, فيتصورون أن مهمة المدرس هى حشر المعلومات فى ذهن الطفل، وأنه لا علاقة لهم بما يسمى النواحى النفسية والسلوكية، بل ويعيب بعضهم على الطفل إذا تصرف تصرفا معينا رأى فيه المدرس خروجا على المألوف، وهنا يصبح مادة للسخرية بين أقرانه فينعزل عنهم وتتدهور حالته.

وأحسب أن عبء معالجة هذا السلوك من جانب المدرسين يقع على عاتق وزارة التربية والتعليم، فعليها أن تعيد النظر فى فلسفة التربية بالمدارس, ودور الاخصائيين النفسيين فيها، مع طرح رؤية شاملة للأخذ بأيدى هؤلاء الأطفال الذين يندرجون بطبيعة الحال تحت ذوى الاحتياجات الخاصة.. ولعل الفرصة متاحة للبدء فى وضع هذا المنهج النفسى الشامل للمدرسين خلال الإجازة الصيفية تمهيدا لبدء التعامل به مع مطلع العام الدراسى المقبل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
nasertoba
مرشح
nasertoba

ذكر
عدد الرسائل : 6343
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 Collec10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 110
نقاط : 17200
ترشيحات : 29
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 222210

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 86 I_icon_minitime31/3/2017, 23:14

الأمنية الغالية



أنا سيدة لم أنجب، وقد طفت على العديد من دور الأيتام والملاجئ،
لكى آخذ منها طفلا صغيرا أربيه، وأكون مسئولة عنه، فلم يستجب لى أحد، وساقوا أسبابا غير مقنعة، فماذا أفعل؟، ثم أليس فى ذلك مصلحة للطفل؟، فهناك الكثيرات من أمثالى يرغبن فى كفالة أطفال،فلماذا لا يتم منحهن هذا الحق مع أخذ كل الضمانات والتعهدات عليهن لضمان الرعاية المطلوبة؟

ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

خير لأى طفل أن ينشأ وسط أسرة تحبه وترعاه من أن يعيش فى جمعية لسن معينة، ثم يجد نفسه فجأة يلاطم أمواج الحياة وحده بلا سند ولا معين، وبالطبع فإننى لا أقلل أبدا من الدور الرائع والمهمة الإنسانية التى تقوم بها الجمعيات الخيرية تجاه من لا أحد يرعاهم, لكن إذا وجد الراعى والأسرة بطلت كل الوسائل الأخري.

وأحسب أن الدور الأهم للجمعيات الخيرية هو متابعة الأطفال لدى الأسر التى تكفلهم, وليكن هذا حقا للجمعيات ومسئولية على كل أسرة ترعى طفلا, ولا أدرى لماذا لا يعمم هذا النظام بحيث تتاح الفرصة للأسر المحرومة من الإنجاب لرعاية طفل يظل فى كنفها إلى أن يشتد عوده, ويشق طريقه فى الحياة, فهكذا يتحقق المراد وننتشل أطفال الشوارع من الضياع. وأشير هنا إلى دور مهم آخر ينبغى أن تؤديه هذه الجمعيات, وهو أن تنقب عن هؤلاء الأطفال الذين ينامون تحت الكباري, وفى الحدائق, وعربات السكك الحديدية, فهؤلاء هم الخطر الحقيقى الذى يواجه مجتمعنا, ومن الواجب أن نجد لهم حلا ينقذهم من الضياع ويحمى الآخرين من شرورهم وممن يتربص بهم من التوربينى وأمثاله. وآمل أن يحيى ندائى الأمل فى أن يجد كل طفل بلا عائل من يهتم بأمره ويأخذ بيده إلى شاطئ الأمان فى بحر الحياة.

وإذا كان من حق هذه الدور أن تدقق فى اختيار الأسر المناسبة لكفالة الاطفال والالتزام بالاجراءات المتبعة فى هذا الشأن, فإنه من الواجب عليها أن تيسر الأمر للجادين فى رعاية هؤلاء الأطفال, مادام ذلك فى مصلحتهم, ويجعلهم يعيشون حياة أكثر استقرارا.

إن قضية أطفال الملاجيء شائكة, ويجب أن توليها وزارة التضامن الاجتماعى أولوية قصوى، وإننى أؤيد مطلبك يا سيدتى بتسليمك أى طفل لكى ينشأ تحت رعايتك، ولكن مع مراعاة أن يحتفظ الطفل باسمه, وأن يعرف منذ البداية أنه ليس ابنك وإنما هو قريب لك حتى لا يصطدم بالواقع المر عندما يكبر، فكم من مشكلات تسببت فيها مسألة التبني، كمسائل الميراث والسكن وغيرها.

وإننى أهيب بالسيدة غادة والى وزيرة التضامن الاجتماعى أن تعيد دراسة أوضاع دور الرعاية الاجتماعية, فالحقيقة أن واقعها مر, ولا أرى داعيا لإقامة دور جديدة، والأفضل هو تدعيم ما هو موجود منها, والارتقاء بمستواها لكى تصبح قادرة على القيام برسالتها على الوجه الأكمل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
بريد الأهرام ( بريد الجمعة )
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 86 من اصل 88انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1 ... 44 ... 85, 86, 87, 88  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» بريد الجمعة يكتبة : احمد البرى الطفل الكبير !
» سطو مسلح على مكتب بريد في المعادي
» سطو مسلح على مكتب بريد «قها» في القليوبية
» اجعل لك بريد مجاني على الـ hotmail - شرح بالصور
» كيفية حظر بريد الكتروني بسكربت whmcs

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الشاعر عبد القوى الأعلامى :: المنتديات العامة :: المنتدى العام-
انتقل الى: