الشاعر عبد القوى الأعلامى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالأحداثموسوعة الأعلامى الحرةأحدث الصورالتسجيلدخول

شاطر
 

 بريد الأهرام ( بريد الجمعة )

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1 ... 44 ... 84, 85, 86, 87, 88  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
مظلومة بس مسامحة
عضو متميز
عضو متميز
مظلومة بس مسامحة

ذكر
عدد الرسائل : 532
بلد الإقامة : مصر
نقاط : 6826
ترشيحات : 5

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 I_icon_minitime5/12/2016, 12:41

بريد الجمعة يكتبه : أحمـد البـرى
وداعا أيها اليأس!

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 2016-636162241436683191-668

أكتب إليك قصتى التى ظلت محبوسة داخلى ثمانى سنوات لم أبح بها لأحد، وقد ترددت كثيراً فى اطلاعك عليها ظنا منى أننى كأخصائية اجتماعية قادرة على أن أحل مشكلتى بنفسى دون اللجوء الى أحد،
لكنى أيقنت تماما ان الاستعانة بآراء من لهم خبرة فى الحياة تساعد المرء على تخطى العقبات التى تعترضه، وتفتح له آفاقا جديدة من الأمل، فودعت اليأس، وقررت أن أواجه الصعاب، وها أنا أرسل بها إليك حيث إننى فتاة فى الثانية والثلاثين من عمرى، جميلة إلى حد ما، ويقول الآخرون إننى اتسم بخفة الظل ودماثة الخلق، فلا أفتعل شيئا فى تصرفاتى، وأتعامل بتلقائية مع من حولى، ولا أضمر حقداً لأحد، ولما أنهيت دراستى الجامعية التحقت بشركة قطاع خاص، وعملت بها تحت رئاسة أخى، وأغلب العاملين بها من الرجال، وقد اكتسبت بعض صفاتهم ولم أحس بأنوثتى إلا عندما طرق بابى من طلبونى للزواج، وبرغم العروض الكثيرة فإن أحداً منهم لم يعجبنى، إذ أردت أن يكون زوجى قوى الشخصية، وهذا هو سبب رفضى كل من تقدموا لى، وركزت فى عملى، وحققت فيه نجاحات كبيرة ونلت تقدير الجميع، وأصدقك القول إننى لم أكن سعيدة لهذا الرفض المتكرر، ولا تتخيل أن صنيعى هذا معناه عدم اهتمامى بالزواج والاستقرار، فليست هناك من تريد الانعزال عن الآخرين إلى هذا الحد، وإنما كان بداخلى شىء غامض، وحزن دفين، لأننى لم أجد الشخص الذى يحتوينى، وأشعر معه بالراحة والأمان، أما حلم الزواج والأسرة فقد كان هدفى الأسمى الذى أسعى إليه، وكم تمنيت أن أترك العمل وأتفرغ لتأسيس أسرة صغيرة مع زوج أحبه، وننجب أولاداً أتفانى فى رعايتهم، فأنا ممن يؤمنون بأن النساء خلقن لرعاية الأسرة، والقيام بمتطلبات المنزل والأبناء.

وذات يوم جاءنا شاب يتحدث بلباقة وثقة، ويبدو من مظهره أنه ذو شأن كبير، وله مكانة خاصة فى الشركة، وتكررت زياراته، ووجدتنى مرة بعد أخرى أتعلق به، وأنتظر مجيئه بفارغ الصبر، فإذا جاء والتقت عينانا، تتسارع دقات قلبى وتظهر علىّ علامات الاضطراب، ولا أستطيع أن أنطق كلمتين على بعض، ويكسو وجهى الاحمرار، واعتقد زملائى أنه خطيبى، فرددت عليهم بأنه مجرد «عميل» يجىء إلى الشركة لطلب أو لآخر، وأننى أتعامل معه مثل أخى، ولست مخطوبة لأحد، ولم أكن حتى تلك اللحظة أعرف أى معلومات مؤكدة عنه، وقيل لى إنه حاصل على دبلوم المدارس التجارية، لكنه «شاطر فى شغله»، ولم أعر ذلك اهتماما، برغم أننى حاصلة على مؤهل عال، وأستكمل الدراسات العليا سعيا للحصول على الدكتوراه، فهدفى الأسمى أن أحقق حلمى الذى طالما تمنيته فى البيت والأسرة والأولاد.

وجاءتنى زميلة تقتضى طبيعة عملها أن تحتك به أكثر منى، وقالت لى إنه يشبهنى فى الطباع و «التركيبة العامة» إلى حد كبير، ومناسب لى، وهو ميسور الحال، فرددت عليها بتلقائية وقد علت وجهى ابتسامة لاحظتها زميلتى : «ليس عندى مانع من الارتباط به، وإذا أرادنى فليطلبنى من أخى»، وفى زيارته التالية، انتحت به جانبا فى الحجرة المجاورة للحجرة التى أعمل بها، وحدثته فى أمرنا، ورشحتنى زوجة له، فإذا به ينتفض من مكانه قائلا لها : «مستحيل.. روحى الله يبارك لك»، وغادر المكان على الفور، وكنت أتابع حديثهما دون أن يشعرا بى، فاسودت الدنيا فى عينى، ورحت أتأمل وجهى فى المرآة، فربما لم يعجبه شكلى أو طريقة كلامى، أو قد لا أكون «الاستيل» المناسب له، ومع كثرة التفكير انهرت وخارت قواى، ولزمت الفراش شهراً كاملاً، وسيطر علىّ اكتئاب شديد، وسألت نفسى : ما الذى لا يعجبه فىّ حتى يرفضنى بهذه الطريقة المهينة، فحالة الانزعاج التى بدت على وجهه وقتها تشى بأننى إما دميمة أو لست من مستواه، وحدثت أمى فى أمرى، وبحت لها بمكنون صدرى، فحاولت إثنائى عن التفكير فيه، وقالت لى «لا تشغلى بالك يا ابنتى، سيأتيك من هو أفضل منه، فلا تعيريه أى اهتمام من اليوم»، فرددت عليها بأن مشاعرى ليست فى يدى، إذ يجذبنى إليه خيط سحرى لا أجد له تفسيراً، وأصررت على أن أعرف حقيقته، والأسباب التى جعلته ينزعج من الزواج بى، ولما تحريت عنه كانت المفاجأة أنه مهندس وأحد أصحاب الشركة التى نعمل بها، فقررت أن أفوق من خيالاتى، وأعود إلى واقعى، وأهتم بعملى، وأضع كل جهدى وهمى فيه، وبينما كنت على هذه الحال، تقدم شقيق صديقة أختى لخطبتى، وأقنعنى أهلى به، فهو ميسور ويشترك مع أبيه فى عمل يدر عليه دخلا كبيرا، فوافقت عليه إرضاء لنفسى بأننى ارتبطت بمن لا يقل مستوى عن فتاى، وهو يحمل نفس اسمه، وتمت خطبتنا، لكنى لم أشعر بالسعادة، ولم أحس بذرة من شعورى الجارف نحو فتاى الذى فشلت حتى ذلك الوقت فى معرفة سبب موقفه منى، وزاد من تعاستى تدخل أهل خطيبى فى كل شىء حتى أبسط الأمور، فهو بلا شخصية، لكنى لا أنكر عليه أخلاقه وتدينه الواضح، وكلما رأيت فتاى فى الشركة يغلبنى البكاء، وأحدّث نفسى بأنه السبب الذى جعلنى ارتبط بخطيبى، كما أنه السبب أيضا الذى يدفعنى إلى إنهاء هذه الخطبة على غير رغبة أهلى، ونفذت ما اقتنعت به، وفسخت خطبتى له وكتمت أحزانى، وظلت نظراتى الصامتة إلى فتاى بديلا عن عتابه لموقفه منى، وطاردنى فى أحلامى، فكنت كلما حلمت بأننى سألتقيه، وجدته أمامى بالشركة فى اليوم التالى، ولازمنى هذا الاحساس فترة طويلة، إلى أن جاء يوم كدنا ننطق فيه نحن الاثنان بمكنون نفسينا، لكن كلينا لاذ بالصمت، وبعد عودتى إلى المنزل فوجئت برسالة منه على هاتفى المحمول فشعرت بأن الأرض تهتز تحت قدمىّ، ثم هاتفنى بعدها واتسم كلامه معى بمنتهى الأدب والأخلاق، لكنه لم يحدثنى عن الارتباط، فاستغربت ذلك، وقلت له : ما سبب اتصالك بى؟.. فرد علىّ بأنها آخر مرة يكلمنى فيها ثم أغلق الهاتف، وبعدها بعث برسالة يبثنى فيها حبه، وأنه لم يصادف قبلى من هى فى مثل أخلاقى، وأنه يعلم حبى له، وكان يتمنانى زوجة له، وتحدث مع والدته فى خطبتى، لكن قضاء الله فوق كل شىء!، فتوقعت من رسالته أنه مطلق مثلا ولديه طفل أو أكثر، أو أنه تعرض فجأة لضائقة مالية أطاحت بأحلامه، أو حكم عليه بالسجن فى قضية ما.. إنها تهيؤات صورها لى خيالى وأنا أبحث عن أى سبب يجعله يتراجع عن زواجنا.. وفى اليوم نفسه اتصلت بى والدته، وقالت والبكاء يغلب على صوتها : «إدعى له يا ابنتى ربنا يشفيه.. ابنى عنده سرطان فى المعدة، ويصارع المرض منذ فترة، ولا يريد أن يظلمك معاه»، فصرخت صرخة مدوية، نزلت على أثرها جارتى من الشقة التى تعلو شقتنا لتستطلع الأمر وتجمع أهلى حولى، وهم واجمون لا يدرون ماذا يقولون لى ..

ومنذ تلك اللحظة كرهت الحياة، وسيطر الحزن على كيانى، ولم أشعر بطعم نجاحى فى دراساتى العليا، واتصلت به وقلت له : لا يهمنى المرض، ولست خائفة منه، ولابد أن ننتصر عليه بالأمل وبفضل الله، لكنه ظل على حاله من الانطواء قائلا إنه لا يريد أن يظلمنى، أو أن يتركنى أرملة، وأنه يفضل أن نبقى أخوين وصديقين، ومازال على اتصال بى حتى الآن ولا يريد أن يغير موقفه..لقد تلقى العلاج وتحسنت حالته كثيراً، لكنه لا يفكر فى الزواج خوفا من المجهول، وكم أردت أن يعرف أن السرطان لا يميت أحداً، ولا غيره من الأمراض، وإنما يموت الإنسان عندما ينتهى أجله، وليس كل من أصيب بهذا المرض مات به.

إنه الأمل الذى أحيا بنوره، ولقد ودعت اليأس إلى غير رجعة، لكن ما ينقصنى هو أن أقنعه بالزواج حلم العمر الذى يجمعنا، وتكفينى فرحتى بوجودى إلى جواره، إلى آخر العمر، فهل أنا على صواب ؟.. وبماذا تشير علينا ؟.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

فى الحقيقة هناك غموض يكتنف موقف هذا الشاب من مسألة الزواج سواء بالنسبة لك أو للأخريات, وتعلم أمه بالأسباب التى تقف وراء عدم زواجه إلى الآن، وحتى لو أن أحدها إصابته بالمرض اللعين، فإن تحسن صحته، وفعالية العلاج الذى تلقاه, كفيلان بأن يغير نظرته التشاؤمية من الحياة إلى نظرة تفاؤل، واضعا ثقته فى الله عز وجل، وهو لم يغرر بك ولم يخف عنك مرضه، وأنت راضية بما شاءت الأقدار به, فما الذى يجعله يتراجع عن الارتباط بل ويدفع أمه إلى الاتصال بك لكى تقول لك إنه مريض ولن يتزوج خوفا من أن تصبح شريكة حياته أرملة بعد وقت قصير؟.. إن أى أم تحلم باليوم الذى يصبح فيه لابنها بيت وزوجة وذرية تحمل اسمه، ولذلك أتحفظ على الموقف برمته، وربما يكون متزوجا، وله حياته وأسرته، ولا يريد أن يجرحك أو أن يخبرك بالحقيقة لكى يحتفظ بالصورة الذهنية التى كونتها عنه!

وإنى أستغرب أيضا أن ترهنى نفسك ثمانى سنوات من أجل أوهام وخيالات، فإذا كان خطيبك السابق الذى لم تنكرى عليه أخلاقه وتدينه ووضعه الاجتماعى وحالته المادية الميسورة, لم يرق لك بسبب تدخل أهله، فلم يكن معنى ذلك أن تغلقى قلبك، وترفضى الارتباط بأى شاب آخر، فالعاطفة وحدها ليست وحدها معيارا للزواج الناجح الذى يرتبط بعوامل كثيرة أخرى منها التوافق الأسرى، والنفسى والمادى والاجتماعي، وأحسب أنه مازال بإمكانك وقد نحيت اليأس جانبا وودعته من حياتك أن تنظرى إلى الدنيا بعين جديدة ملؤها التفاؤل والأمل فى المستقبل.

وحتى لو سلمنا بأن كلامه صحيح، وأنه يخاف مما تخبئه الأقدار خصوصا لمن هو مصاب بهذا المرض، فإنى أراه خوفا غير طبيعى، دفعه إلى اليأس والقنوط، وجعله فى حالة عصبية، فمرة يكلمك، وأخرى يبعث برسالة إليك عبر المحمول، وثالثة يدفع أمه إلى الاتصال بك، ورابعة يختفى لفترة ثم يظهر من جديد، لكن من يؤمن بالله لا يخاف إلا منه, حيث يقول تعالى «فالله أحق أن تخشوه، إن كنتم مؤمنين»، كما أنه لا يهاب الموت، ولا المرض ولا أى شيء من عوارض الدنيا، ولا يدرك الكثيرون أنه كلما ارتفعت معنويات الإنسان أصبح أكثر قدرة على مقاومة الأمراض، وتحضرنى هنا واقعة عشتها منذ سنوات بعيدة فى وحدة طب الأورام بجامعة عين شمس مع الدكتور على خليفة رحمه الله، حيث جاءه مريض مسن بالسرطان يسأله العلاج، فأجرى له التحاليل والفحوص اللازمة، ووجد أنه بالمقاييس الطبية لن يعيش هذا الرجل أكثر من شهرين، فسكت قليلا، ثم قال له: «استمر على علاجك وعليك بأن تنطلق فى رحلات إلى الحدائق والمتنزهات، وتقضى وقتا ممتعا بين أولادك وأحفادك، وإذا التزمت بما أشير به عليك تعال إليّ فى الوحدة لنقرر باقى العلاج»، وخرج الرجل من عنده، ودمعت عينا الدكتور خليفة، فسألته، ما يبكيك يا دكتور: قال: لعلها المرة الأخيرة التى أراه فيها! ثم كانت المفاجأة الإلهية عندما جاءه الرجل فى الموعد الذى حدده له، فاستقبله بحرارة، وأعاد فحصه، فإذا بالخلايا السرطانية تتلاشى وقد حلت محلها خلايا سليمة!.. إنها الارادة الإلهية التى نعجز نحن البشر عن فهمها أو إدراكها، لقوله تعالى «وما أوتيتم من العلم إلا قليلا»، ونبنى دائما حساباتنا بطريقة خاطئة.. فهذا رجل مريض ينتظر الموت، وذاك رجل فى أتم صحته, وفجأة يموت السليم، ويعيش المريض.

وعلى فتاك أن يدرك ذلك، وأن يعلم أن المرض لا يعنى قرب الموت، وليس من المعقول أن يربط الإنسان نفسه بهذه الأوهام، فلكل أجل كتاب، وكل نفس ذائقة الموت، والموت سيأتينا جميعا سواء أردنا ذلك أو لم نرد حيث يقول تعالى «قل إن الموت الذى تفرون منه فأنه ملاقيكم»، ومادام الأمر كذلك فلماذا لا ينفض عنه غبار الأحزان، ويبدأ صفحة جديدة من حياته، وليفعل ما يتهيبه فإن الموت محقق، وقد قيل «اطلب الموت توهب لك الحياة»

لقد حان الوقت لأن تضعى النقاط على الحروف مع فتاك، فإما أن تكللا علاقتكما بالزواج وإما أن تغلقى صفحته إلى الأبد، وتفتحى قلبك لمن يستحقك, وعليك بالأدعية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن على رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم أمتعنى بسمعى وبصرى، وعافنى فى دينى وجسدى». كما روى ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «اللهم انى أسألك العفة والعافية فى دنياى ودينى وأهلى ومالى.. اللهم استر عورتى وآمن روعتى واحفظنى من بين يدى ومن خلفى، وعن شمالى ومن فوقى، وأعوذ بك من أن أُغتال من تحتى»

وأرجو أن تكونى قد ودعت اليأس إلى الأبد، وأقبلت على الأمل والتفاؤل، وأسأل الله لك التوفيق، وهو وحده المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
moon14
عضو محترف
عضو محترف
moon14

انثى
عدد الرسائل : 485
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 Profes10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 8010
نقاط : 6977
ترشيحات : 0
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 I_icon_minitime9/12/2016, 12:51

الطلب الغريب
أكتب إليك عن ظاهرة طرأت على مجتمعنا ولم تكن معروفة من قبل وهى أن هناك شبابا يطلبون من البنات فى مرحلة التعارف أن تجارينهم بالأحضان والقبلات والتخيل فى التليفون وألا تكون هناك حدود للكلام فيما بينهم، وكنت أتصور أن هذه الطلبات قاصرة على من يرتبطون بعلاقات عن طريق الانترنت مثلا، ولكنى فوجئت بشباب يطلب من الفتاة التى تعرف عليها عن طريق أناس محترمين هذا الطلب الغريب وهما فى مرحلة التعارف، وهى ليست مراهقة أو فتاة صغيرة؟ إنها شخصية محترمة فى سن الأربعين، وهو مطلق فى نفس عمرها،
وقد انفصل عن زوجته بناء على طلبها، ولديه منها بنات، وبدأت علاقتهما جادة ومحترمة وتولدت لديها مشاعر قوية تجاهه، ولما سمعت منه هذا الكلام ظنت أنه يختبرها أو أنه يريد أن يتأكد من أخلاقها وهل ستستجيب له بسهولة أم لا، ولما رفضت ما طلبه منها قال لها إنه يريد أن يكون مع الإنسانة التى سيرتبط بها على راحته، فأكدت رفضها لما يطلبه لأن أخلاقها ودينها يمنعاها من مجاراته، فإذا به يتركها.. فهل هذا الشخص غير طبيعى، أم أن هناك نوعية من الرجال بهذا الاسلوب؟، المدهش حقا أنه شخصية جادة جدا كما يبدو للآخرين، وملتزم فى عمله إلى حد الصرامة، ويؤكد أنه لا يطلب منها ذلك إلا فى التليفون فقط، أما وجها لوجه فلن يفعل ذلك!!

وما عرفناه هو أن تجربة زواجه من مطلقته استمرت أكثر من خمسة عشر عاما، وكانت تجربة قاسية له. إذ أنها كانت متسلطة ولا تحترمه، ولا تحترم أهله، والفارق المادى بينهما هائل، فهى من أسرة غنية جدا، وهو فى مركز مرموق ومن أسرة متوسطة.. لقد فسرت طلبه الغريب بأنه حيلة دفاعية بعد أن اصابته عقدة من الزواج، بمعنى أنه يطلب الارتباط أمام الناس، لكنه لا يرغب فيه، وهو يعلم أنه لن يجد من تتجاوب معه، وأعتقد أيضا أنه لو وجد من تتجاوب معه لن يثق فيها ولن يتزوجها، فهل تفسيرى صحيح؟.. وهل هو مريض نفسيا؟ أم أنه ليست لديه القدرة الجسدية على الزواج؟.. والشىء الذى لا نجد له تفسيرا أيضا هو أن هذه الفتاة استراحت له وتجد نفسها مشدودة إليه دون من تقدموا إليها على مدار عمرها وكانت قد وصلت إلى قناعة بأنها لن تتزوج فى هذه السن حتى ظهر فى حياتها هذا الشخص فكيف ترى هذا الرجل وبماذا تنصحها؟

ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

بكل تأكيد فإن عدم استجابتها لما يطلبه منها هو عين الصواب فلقد كشف عن حقيقته التى كانت غائبة عنكم، وربما يكون سلوكه هذا هو الذى دفع زوجته إلى طلب الطلاق بعد خمسة عشر عاما من الزواج، ولا شك أنه يعانى متاعب نفسية، وربما يكون قد أدمن العلاقات الهاتفية، وعلاقات الإنترنت، فتركت تأثيرها عليه، فما يجده المرء فى الأفلام التى تعج بها بعض القنوات الإباحية على الأقمار الأوروبية، يحاول تقليده متجاهلا أن الوضع الطبيعى بين الزوجين من المستحيل أن يكون بنفس ما يراه، حتى بين الأزواج فى الدول التى تبث هذه الأفلام.

ولا أدرى ما الذى جعل هذه الفتاة تقع فى حبه أو ترتاح إليه إذ أى حب وأى ارتياح هذا مع شخص بهذا الوصف، وسواء كان يفعل ذلك من باب الاختبار أو أنه يريده فعلا فإنه لا يصلح زوجا بكل المقاييس، وعليها أن تبتعد عنه فورا. أما مسألة السن، فهى لا تمثل عائقا لزواج الرجل أو المرأة، وسن الأربعين ليست سنا كبيرة أبدا ويستطيع الإنسان أن يبدأ مشواره فى الحياة فى أى عمر، فلتحسن الاختيار من بين من يتقدمون لها، وسوف يوفقها الله إلى من ترتاح إليه ويكون لها سندا وعونا فى الحياة بإذن الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
moon14
عضو محترف
عضو محترف
moon14

انثى
عدد الرسائل : 485
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 Profes10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 8010
نقاط : 6977
ترشيحات : 0
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 I_icon_minitime9/12/2016, 12:52

جسر التواصل
ر. م. ت.: انفصلى عنه بلا تردد، فمن يصنع هذا الصنيع لا يؤمن له جانب،وحتما سوف تنتهى حياتكما معا بالطلاق، فليكن الانفصال من الآن وقبل قدوم أولاد يتشردون فيما بينكما، واعلمى أن ما بنى على خطأ فهو خطأ، ولا تكررى الزواج مرة أخرى إلا بعد التأكيد من سلوك من يريد الارتباط بك، وتكون فترة خطبة وتعارف كافية لكى يتعرف كلاكما على طباع الآخر.
> محمد ن. أ.: لا تيأس وحاول مع أهلها مرة أخرى مادمت متأكدا من عاطفتها نحوك، ولكن لا تفكر فى مسألة الخطبة أو قراءة الفاتحة بينك وبينها، فهذا نوع من العبث، سوف تترتب عليه نتائج وخيمة، وأعلم أن مثل هذا الزواج بعيد عن الأهل محكوم عليه بالفشل، فالبنت بأهلها والشاب بأهله، وإذا لم يوجد التوافق بين الجميع تأكد أن المصير فى النهاية هو الفشل والطلاق.

> طالبة الثانوية: ركزى فى مذاكرتك وابتعدى عن هذا الشاب المستهتر فالمشوار أمامك طويل وسوف تقعين فيما لا تحمد عقباه إذا استمررت فى صلتك به، وبمرور الأيام سيتبين لك أنك كنت تعيشين الوهم مع من لا قيمة له ولا أخلاق، وإذا لم يبتعد عنك هدديه بابلاغ أهلك، وتأكدى أنه سوف ينسحب فى هدوء، لأنه لا يريد إلا التسلية.

> محمد عبدالرحيم: أشكرك على كلماتك الرقيقة وأهلا بك صديقا لبريد الأهرام ويمكنك إرسال مساهماتك الفكرية، والحلول التى تقترحها للقضايا والمشكلات إلينا وسوف ننشرها فى البريد اليومى بإذن الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
moon14
عضو محترف
عضو محترف
moon14

انثى
عدد الرسائل : 485
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 Profes10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 8010
نقاط : 6977
ترشيحات : 0
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 I_icon_minitime9/12/2016, 12:55

بريد الجمعة يكتبه :أحـمــد البــــــرى
أحلام البيت القديم !


بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 2016-636168298695103816-510

تستحق دنيانا بأن نعيشها بحلوها ومرها، وألا نفقد الأمل فى غد أفضل وأجمل وأكثر إشراقا،وهذا ما أكدته لى تجربتى فى الحياة، فأنا رجل نشأت فى أسرة مترابطة لأبوين متحابين رزقهما الله بسبعة أبناء، خمسة أولاد أنا أحدهم، وبنتين، فكرسا حياتهما لتربيتنا، وأقاما بيتا جميلاً يضمنا جميعا، وبذلا فيه الغالى والنفيس، وذرفا دموعهما وعرقهما ودماءهما فى سبيل إتمام بنائه لدرجة أن أمي اضطرت إلى بيع قرطها الذهبى البسيط الذى زين أذنيها سنوات طويلة إلى أن أصبح جزءاً عزيزاً من تراثها الشخصى المتواضع.. باعته عن طيب خاطر لتسد به ثغرة صغيرة فى تكاليف البيت الذى استنفد كل مليم من دخل أبى المحدود ومدخرات أمى الهزيلة، وفيه تزوجت من فتاة فاضلة، ورزقنى الله بابنتى الوحيدة التى نمت وترعرعت حتى استوت شابة يافعة، وفيه أيضا تزوج جميع أخوتى باستثناء أختى أحلام التى تزوجت فى بيت آخر بعيد عن المنطقة التى نقطن بها من ابن عمنا وابن خالتنا فى الوقت نفسه.
وشاء القدر أن أشهد مولد كل طفل وطفلة من أبناء أخوتى، وتربوا جميعا فى أحضانى، وشبوا أمام عينىّ يوما بيوم، وربط بيننا عقد غير مكتوب بأن يأخذوا منى حبا وعطفا وحنانا، وأنا أنهل من براءتهم ولطفهم وجمالهم ما يضفى علىّ السعادة والراحة والطمأنينة، وكنت الرابح دائما فى هذه الصفقة المجزية، وكبروا مع الأيام فمنهم من أصبحت عروسا جميلة، ومن أضحى شابا يافعا، وهناك من مازال فى مسالك الطفولة البريئة، وكلهم شمس حياتى التى تملأنى نوراً ودفئاً فى الأيام الباردة، أما بيتنا الكبير، فأراه دائما كيانا ينبض بالحب والإيثار والمشاعر الجميلة ولم يتراءى لعينى فى أى يوم من الأيام بناء أصم من طوب وأسمنت، ولكن ــ وكما يقولون ــ ليس كل مايتمناه المرء يدركه، وقد تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، إذ داهمتنا المآسى المفجعة الواحدة تلو الآخرى لتقوض أركان هذا البيت الرائع، وتهدم قواعده المتينة، فرحل أخى الذى يلينى فى السن صغيراً قبل أن ينعم بزوجة وذرية تحمل اسمه، ثم ماتت أمى حزنا وكمدا عليه، ولحق بها أبى، وخيم الحزن على البيت واختفت الابتسامة التى لم تكن تفارقنا.

وفى ليلة سوداء ستظل ذكراها محفورة داخلى، كنت عائداً من عملى، ولمحت عن بعد حركة غير طبيعية أمام بيتنا، ورأتنى زوجتى فأسرعت إلىَّ، وأخبرتنى أن أخى الأكبر مات وكان قد تعرض لبتر إحدى قدميه، قبل رحيله بأيام، ومادت الأرض بى، ونقلونى إلى البيت فى حالة سيئة، ولما أفقت وجدت أمامى أرملته المسكينة وأبناءه الثلاثة، فتاة وولدين أحدهما فى عمر الزهور، فوجهت وجهى إلى المولى عز وجل داعيا أن يعيننا على ما نحن فيه، ويبدو أن المفاجآت لا تأتى فرادى، فلقد ترك أخى الذى يكبرنى مباشرة البيت، وانتقل للاقامة هو وزوجته عند حماته وهى عمتنا، وظلا ملازمين لها أياما طويلة إلى أن رحلت عن الحياة، وبقيا فى مسكنها، ونقلا أوراق ابنهما الوحيد إلى مدرسة مجاورة للمنزل، ولم يعد أخى إلى بيتنا الكبير إلا زائرا وعلى فترات متباعدة.

وحفرت كل تلك الأحداث الدامية، أثراً حزيناً فى أنفسنا أنا وزوجتى وابنتنا، فها هو البيت الذى كان يعج بالبشر، وترن فيه الضحكات، وتحيطه السعادة ليلا ونهارا يتحول إلى سجن كبير تغشاه الكآبة والأحزان، ويكتنفه الصمت والأسى، ثم جاءت القشة التى قصمت ظهر البعير، إذ تزوج أصغر أخوتى فى البيت الكبير، ولم تمض أيام على زواجه حتى دبت الخلافات العاصفة بين زوجتى وزوجته بلا مقدمات منطقية أو أسباب معقولة، فازدادت نفسية زوجتى وابنتى سوءا، وأشارتا علىّ بترك البيت القديم ولو بشكل مؤقت، وفى غمرة حيرتى وأحزانى صادفت رغبتهما هوى فى نفسى الجريحة، فوجدتنى أطاوعهما وألملم معهما الأثاث وكتبى وأغراضى، ثم ودعنا بيت العائلة إلى شقة بالايجار الحديث، وكم كان قرارا مؤلما أن أترك البيت الذى رأت فيه ابنتى الوحيدة النور لأول مرة وكبرت وصارت عروسا بين جدرانه، لكنها الأيام القاسية التى تدفع المرء إلى ما لا يحبه ولا يرغب فيه إلا لتفادى الخلافات والمشاحنات.

ومرت الأيام وكاد الشعور باليأس أن يتملكنى.. يأسا من الإحساس بلحظة ألفة، أو لحظة حب دافئة من لحظات الزمن الجميل، وكدت أوقن بأن الأيام الرائعة قد ولت وانقضت من حياتى، ولا سبيل إلى عودتها مرة أخرى، لولا وجود أختى «أحلام» فى حياتنا، فهى بالفعل اسم على مسمى، وأراها ظل أمنا الراحلة على الأرض، إذ تشع من قسماتها ملامح الوداعة والطيبة والمحبة تماما مثل والدتنا، وهى رمانة الميزان وحجر الأساس ودفة المركب، ووتد الخيمة فى حياة عائلتنا المنكوبة، ولا أبالغ فى وصفها فهى والله مثالية فى كل شىء، إذ تزور مريضنا، وتواسى حزيننا، وتضمد جريحنا، وتجامل الجميع، وتتدخل فى الوقت المناسب لعلاج أسباب أى خلاف قد ينشب بين أفراد عائلتنا التى ابتليت بالمأساة تلو الأخرى، وسبيلها إلى ذلك ما ورثته عن أبوينا من طيبة وحكمة ووداعة وإيثار، ولا تبالى بالتضحية بوقتها وجهدها ومالها لإسعاد الآخرين.

وظل الخلاف الوحيد فى عائلتنا هو القائم بين زوجتى، وزوجة أخى الأصغر، وبمرور الوقت أضحى مشكلة مستعصية على الحل، وعلمت أنها حامل، فزادت أوجاعى، وسألت نفسى، هل سيولد لأخى طفل وأنا بعيد عن البيت الكبير؟.. وهل ستمر الأيام ويكبر دون أن أضمه إلى صدرى كما ضممت كل أطفال أخوتى، ومازالت علاقتى بهم كما هى لم يغيرها الزمان ولا المكان، وأعقد معه الصفقة التى عقدتها مع ملائكة العائلة الصغار، وهى الحب مقابل البراءة، والعطف مقابل اللطف، والحنان مقابل الجمال ؟.. وإذا بأختى أحلام تتدخل لإزالة هذا الجفاء، فشحذت أسلحتها، واستعانت بما ورثته عن أبوىّ من طيبة ووداعة ومحبة فى حل الخلاف المستعصى مع أخى وزوجته، وعلاج أسبابه، ولن أنسى ما حييت هذا اليوم الجميل، فلقد كنت فى عملى حين اتصلت بى زوجتى تزف الىّ بشرى جعلت قلبى يطير فرحا ونشوة، بأن أختى أحلام فى شقتنا وبصحبتها أخى الأصغر الذى جاء معها لكى يعتذر لزوجتى عما حدث بين زوجته وبينها، ويدعوها إلى حضور «سبوع» مولوده الذى أطلق عليه أسم شقيقنا الراحل الذى لم يتزوج لكى يبقى اسمه مترددا على ألسنتنا جميعا.

وفى يوم السبوع سبقتنى زوجتى وابنتى إلى البيت القديم، أما أنا فقد استأذنت من عملى مبكرا لألحق بهما، وحين دلفت إلى شارعنا وقعت عيناى على البيت فإذا به محاط بالأنوار المتلألئة، وتنبعث من داخله صيحات الفرح والسرور، فوجدتنى رغما عنى أتذكر تلك الليلة المشئومة التى عدت فيها إلى البيت نفسه لأصطدم بخبر وفاة أخى الأكبر وأجتر المآسى التى حلت به، وهتفت هتافا صامتا، آن الأوان يا بيتنا العزيز لأن تسطع فيك الأنوار، وترن الضحكات بعد زمن من المرارة والأحزان، وجمعتنا جلسة رائعة التف فيها الأولاد حولنا، وكانت بصحبتنا خالتى الوحيدة، وجاءت جلستى فى مواجهتها، فرحت اتفرس فى ملامحها باحثا فى رحاب وجهها عن وجه أمى الحبيبة، ومن وسط الزحام والأصوات الصاخبة أتانى صوت أحلام، وهى تضحك من قلبها فخيل الىّ أنه صوت أمى، فلقد أثرت السعادة الطاغية على مداركى فاختلطت المشاهد أمام عينىّ، لكن ما كنت متيقنا منه فى تلك اللحظة الرائعة هو أن أرواح أحبائنا الذين تركونا ورحلوا عن الحياة تطل علينا الآن من عليائها لتشاركنا أفراح جمعنا الذى اكتمل، وجرحنا الذى اندمل، وأن المعانى والقيم الجميلة الرفيعة التى ربانا عليها أبوانا مازالت موجودة، وأن المشاعر الدافئة التى ظننت فى غمرة أحزانى أنها ذهبت ولن تعود أبداً، قد عادت إلينا من جديد، عادت أجمل وأقوى مما كانت عليه، فلقد أعادت أحلام إلى جو أسرتنا الدفء والحب والحميمية بعد عهد طويل من الفرقة والشقاق والخصام والأحزان، وهاهى تجسد أمامى صورة والدتنا الراحلة بحنانها وطيبتها ووداعتها، وتعيد على مسامعنا المشتاقة مسيرة الحب والتضحية ونكران الذات والوفاء الجميل، لتؤكد لى أنها ظل أمنا الراحلة على الأرض، وليتعلم كل فرد من أسرتنا درسا جديدا فحواه أن دنيانا عذبة وجميلة، وتستحق أن نحياها بحلوها ومرها، وألا نفقد الأمل فى غد أجمل وأكثر إشراقا.

ولكاتب هذه الرسالة أقول :

لم تشغلك أنت ولا أختك أحلام مصالحكما الشخصية الضيقة، وآثرتما عليها علاقتكما بأشقائكما وأفراد عائلتكم، وهو المنهج الذى رباكم أبواكم عليه، فنشرتما التعاون وحققتما التكامل مع أعضاء البيت الكبير، والحقيقة أنك اخترت الطريق الصحيح منذ البداية برابطة المحبة والاخلاص والتضحية تجاه أشقائك وأبنائهم فزرعت الحب فى نفوس الجميع، وكان طبيعيا والحال كذلك أن يأتيك جزاؤك العادل وتعود علاقتك بأخيك الأصغر وزوجته إلى ما كانت عليه قبل تفجر الخلافات بينها وبين زوجتك، فالخلافات أمر طبيعى وتنشأ عادة من تباين وجهات النظر، لكن يجب ألا تصل إلى حد القطيعة، وهو ما أيقن به أخوك الأصغر على يد أختكما الفاضلة، وهكذا اخترتم الأفضل، وحزتم خير الدنيا بالعلاقة الطيبة الصالحة وخير الآخرة برضا الله عز وجل، والعاقل هو الذى يخبر الدنيا ويختبرها مصداقا للقول المأثور «مثل الدنيا كماء البحر، كلما شرب منه العطشان، ازداد عطشا حتى يقتله، ويقول عنها الشاعر:

هى الدنيا تقول بملء فيها... حذار حذار من بطشى وفتكى

ومادام الإيثار هو ديدنكم ، فلقد كان الأحرى بأخيك الأصغر أن يتفاهم مع زوجته ويتعرف منها على أسباب الخلافات التى نشبت بينها وبين زوجتك، وأن يتحدث معك بشأنها، وان تبادر أنت أيضا بوضع حد لشقاقهما منذ البداية، عن طريق التعامل الايجابى بينكما وتذكر ما ساقه الله، على لسان موسى عليه السلام فى قوله «واجعل لى وزيرا من أهلى، هارون أخى»، فالروح المتسمة بالحكمة هى صميم الدين، وأحسب أنك بما ورد فى رسالتك تتمتع بالهدوء والبصيرة، وتظللكم جميعا مظلة الحب التى أرسى قواعدها أبواكم رحمهما الله، والدليل على ذلك أن أختك استطاعت أن تضمد الجراح، وأن تقنع أخاك بالمجىء معها إلى بيتك لإزالة ما علق بثوب علاقتكم البيضاء من شوائب، والاعتذار لزوجتك، وهو موقف يحسب له بكل تأكيد.

وإنى أتأمل شجرة الحب والإخاء التى تجمع أولادكم، وقد التفوا حولكم، وعلت وجوههم الابتسامة التى تصنع المعجزات، وهى درس كبير لنا جميعا، فعلاقة المودة، وإدخال السرور والبهجة على الآخرين صدقة يحبها الله، وإن خير الصدقة هو ما كان على الأهل، وإن خيرية المرء مرهونة بخيريته لأهله، كما قال رسول الله «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى» وإن إعطاء أخوتنا قدرا من المسئولية والصبر على أخطائهم مع تقويمها برفق وتؤدة وروية، خير وأبقى من البت والقطع، وإن الخلافات المستمرة والشكاوى الدائمة تفسد كل علاقة, وتجهز على كل محاولة إصلاح وبناء، فالتربص والترقب والتعقب ليست من ديدن من يريد الاصلاح ما استطاع إليه سبيلا، بل إنها من قبيل الفوضى الذاتية التى تهدم وتخرب كل مسببات النجاح المأمول، فلنعلم أخوتنا وأبناءنا خلق الأنبياء، ونصبر عليهم حتى يفتح الله قلوبهم.

إن رابطة الاخوة بين الأبناء تقوم على أسس العلاقة النسبية والعقيدية، والعيش فى ظل الأبوين ببيت واحد، ولذلك هى علاقة متينة، ويعد تعميقها وترسيخها دليلا من الأشقاء على تفهمهم معنى الأخوة، ورقى وضعهم الأخلاقى، ولذلك من الضرورى أن تواصلوا سعيكم، وأن تتكاتفوا وتكونوا معا يدا بيد حتى تصلوا إلى بر «الأمان الأخوى»، فرغم أن الاخوة فى الأسرة متفاوتون فى السن والجنس «ذكورا وإناثا» وفى المستوى الثقافى والفكرى والتعليمى، والنواحى النفسية والميول والمؤهلات الذاتية، فإن حياتهم تحت سقف واحد، وفى ظلال أسرة واحدة تتطلب منهم أن يكونوا منسجمين، ويتحقق الانسجام فى الحب والإيثار والتحية والهدية والاحترام المتبادل والتعاون، وتناول الطعام فى مآدب مشتركة كلما سنحت الفرصة لذلك، والتفاهم من خلال الأحاديث الودية والعفو عند وقوع مشكلات بينهم فالتسامح والسيطرة عند الغضب، وكظم الغيظ صفات تؤكد سلامة النفس من الحقد والروح العدوانية، ولقد امتدح القرآن الكريم الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، واعتبر ذلك إحسانا منهم وعطفا على الآخرين. فقال تعالى «الذين ينفقون فى السراء والضراء، والكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين»، كما أن الهدايا بين أفراد العائلة تجلب المحبة، وتوطد العلاقة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم «تهادوا تحابوا»، وأتذكر قول أحد السلف رحمهم الله عندما سئل أيهما أحب إليك.. صديقك أم أخوك ؟.. فأجاب: إنما أحب أخى لأنه صديقى !

وسوف تتحقق أحلام بيتكم القديم تباعا بعد إزالة حالة الجفاء والخصام التى إعترت علاقة أسرتك بأسرة أخيك الأصغر، فالأخوة غير معصومين من الزلل، ويتعرض كل منهم للخطأ، ويقع فى الخلل وتصدر منه الهفوة، وقد يرتكب أخطاء كبيرة، فإذا بدر من أحدهم شىء من ذلك، فليزم الباقون جانب العفو معه، فإن العفو من شيم المحسنين، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وقبول عذره إذا أخطأ، فلقد فعل اخوة يوسف عليه السلام معه ما فعلوا، وعندما اعتذروا، قبل عذرهم، وصفح عنهم، ولم يوبخهم، بل دعا الله لهم بالمغفرة، فقال تعالى فى كتابه الكريم على لسان يوسف «قال لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين»، وعليكم ياسيدى أيضا المداومة على التزاور، وصلة ارحامكم، حتى لو قاطع أحدكم آخر، إذ يجب أن يكون الأخ جواد النفس, كريم العطاء مع أخيه لقوله عز وجل : «وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض فى كتاب الله, إن الله بكل شىء عليم»، والحمد لله أن عادت الأمور بينك وبين شقيقك الأصغر إلى ماكانت عليه، ولتتعلم زوجاتكما العفو والصفح، فهما من الوصايا الإلهية مصداقا لقوله تعالى «فاصفح الصفح الجميل»، و«ليعفوا وليصفحوا»، فما أفضلها من وصية تذيب الخلافات وتقرب القلوب، وترسم الطريق نحو السعادة.

وأرجو أن تنفض عنك غبار الحزن الذى نهى عنه الله فى قوله تعالى «ولا تهنوا ولا تحزنوا، وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين»، وكان من دعاء رسول الله «اللهم انى أعوذ بك من الهم والحزن, فاسعد باخوتك ياسيدى، وبارك الله فيكم، وسدد خطاكم على طريق السعادة وراحة البال.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عريس لقطه
عضو فضى
عضو فضى
عريس لقطه

ذكر
عدد الرسائل : 1383
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 210
بلد الإقامة : الجيزه
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 21010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 Broadc10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 1410
نقاط : 8142
ترشيحات : 5
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 I_icon_minitime17/2/2017, 17:04

بريد الجمعة يكتبه احمد البـرى
الحمقاء والانتهازى!


بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 2017-636228791962983384-298

أنا رجل جمعتنى علاقة طيبة بجيرانى منذ سنوات طويلة،
وبينهم صديق فاضل له إبنة بذل كل ما فى وسعه لإسعادها بعد رحيل أمها، وشاءت الأقدار أن يرحل عن الحياة هو الآخر فى سن الشباب، وصارت إبنته وحيدة بلا سند ولا معين، فاعتبرت نفسى مسئولا عنها أدبيا وماديا، وتولت جارة لنا رعايتها وتعليمها، وأصبحت لها أما تلازمها فى كل خطواتها، ولم تشعر باليتم أبدا فى وجودنا بجوارها، ولكن لم يمض وقت طويل حتى توفيت جارتى، فوجدتنى كل شىء بالنسبة لها، وقدرنى الله على استكمال رسالتى معها، فتخرجت فى إحدى الكليات الجامعية، وعملت فى شركة ألحقتها بها عن طريق معارفى، وتقدم لها شاب بدا لنا أنه مناسب ولا غبار عليه، وشعرت بارتياحها له فتزوجته، ولكن ظننا خاب فيه، إذ سرعان ما تبين أنه خائن، وله علاقات نسائية كثيرة تسببت فى إصابته بأمراض عديدة، وكلما حدثته فى هذا الأمر انهال عليها ضربا وركلا بقدميه، فلجأت إلى أهله لإنقاذها منه، والحق أنهم أناس طيبون، فلاموه على صنيعه معها، وأجبروه على تطليقها، وساءت حالتها النفسية تماما ولازمها البكاء، وفقدت الثقة فيمن حولها، وبينما هى على هذه الحال، قابلها زميل لها من أيام الثانوية وحاصل على مؤهل فوق المتوسط، وقال لها إنه يعمل فى شركة خاصة بعد عودته من دولة عربية سافر إليها منذ تخرجه فى معهده، وأنه كان يحبها فى صمت، وتمنى وقتها أن يتقدم للارتباط بها لكنه خشى أن ترفضه لفارق التعليم بينهما، وعرض عليها الزواج بعد أن علم بكل التفاصيل التى استجدت فى حياتها، ورجاها أن تفكر فى الأمر، ولا ترفضه لمجرد الرفض، فأخبرتنى بأمره، وقالت أنها تستشعر صدقه، وتفكر فى الموافقة عليه، فلم أقف فى طريقها، وقلت لها: «أنت أدرى بمصلحتك، وأنا معك فى أى خطوة تتخذينها»، وبعد أسابيع عقدت قرانها عليه، وانتقلت إلى شقته التى استأجرها للإقامة فيها بعيدا عن بيت أهله وهى تمنى نفسها بالاستقرار، ولكن سرعان ما تكشفت لها مسائل كثيرة غير مريحة، إذ ادّعى أنه اختلف مع صاحب الشركة التى يعمل بها فطرده من العمل، ولم يستطع تقديم شكوى ضده لأنه لا يملك دليلا على تعسفه معه، وضغطا للنفقات وإيجار الشقة المرتفع، عرضت عليه الإقامة فى شقتها التى ساهمت أنا وجارتنا رحمها الله فى تمليكها لها تأمينا لمستقبلها بعد رحيلنا، واستمر هذا الوضع، ولم يتحرك للبحث عن عمل، ثم كانت الكارثة عندما جاءتنى باكية، وأخبرتنى أن زوجها يتعاطى المخدرات، وقد جرّها إليها فصارت مدمنة مثله، بل وأجبرها على أن توفر له ثمنها من مرتبها، واضطرت إلى الاستدانة من زميلاتها لكى تتحاشى غضبه، وتراكم عليها مبلغ كبير لم تستطع تسديده، ولم تجد غيرى لكى يقف بجوارها فى مأساتها، فهالنى تغير طباعها، إذ على مدى سنوات طويلة منذ أن كانت طفلة لم تطلب منى شيئا، وكنت ألمس ما ينقصها دون أن تنطق به، وألبيه لها من تلقاء نفسى، لكنى لم أتوقف عند ذلك طويلا، واستجبت لها فسددت ديونها، وطالبتها بأن تتوقف عن تعاطى المخدرات، وأن تبدأ العلاج على الفور، واصطحبتها إلى مستشفى متخصص فى علاج الإدمان، وقابلنا الطبيب المسئول، وشرحنا له ما حدث، فأشار علينا بضرورة أن يخضع زوجها أيضا للعلاج حتى يتخلصا معا من هذه الآفة الخطيرة، فذهبت معها إلى المنزل، وجلست مع زوجها، وطالبته بالعلاج حتى لا تتفاقم حالته، فأبدى ندمه على ما فات، وقال إنها «غلطة عمره»، وبالفعل حجزت لهما فى المصحة، ومكثا فيها فترة العلاج المقررة، واطمأننت إلى تعافيهما، وعادت أوضاعهما الصحية إلى ما كانت عليه، ولكن للأسف لم تمض أسابيع حتى عاد زوجها إلى سيرته الأولى، وأوقعها معه من جديد فى براثن المخدر اللعين، لكنها أخفت أمره إلى أن فاض بها الكيل، فجاءتنى من جديد، وقد وصلت إلى درجة الانهيار، فانتفضت واقفا، وقصدت بيتها، وعنّفت زوجها بشدة، وطلبت منه أن يطلقها، ويغادر المنزل، فاصفر وجهه ولم يعلق بأى كلمة، وسادت حالة صمت قطعتها زوجته برجائها لى أن أعالجه معها لأنها لن تتحمل الطلاق للمرة الثانية، فرددت عليها بأن الانفصال أجدى وأنفع لها من الاستمرار مع مدمن سوف يدمر حياتها، وهممت بالخروج من منزلهما، فأمسك زوجها بى، وطلب إعطاءه فرصة أخيرة، وأقسم أنه لن يعود إلى طريق الهلاك أبدا، ووجدتنى أعطيهما فرصة أخرى، وأدخلتهما للمرة الثانية المصحة، وأمضيا فترة العلاج، وعند خروجهما إلى المنزل طمأنتنى بأنها لن تعود إلى المخدرات تحت أى ظرف من الظروف، وشكرتنى على صنيعى معها هى وزوجها، فنظرت إليه وهددته بإبلاغ الجهات المسئولة عنه إذا استمر فى تعاطى المخدرات، والتغرير بزوجته، بل إننى سوف أطلقها منه لهذا السبب، فلم يرد، أما هى فقالت إنها مطمئنة إلى وعوده، وذهبا إلى منزلهما، وتابعت أحوالهما وكلى أمل أن يبتعدا عن هذا الطريق، وبعد فترة اكتشفت أنهما عادا للمرة الثالثة إلى الإدمان، وأنها لم تجرؤ على أن تخبرنى بانتكاستهما وأنها تحاول تغطية ثمن المخدرات بديون جديدة، وبالطبع هو قابع فى المنزل ليلا ونهارا لا يغادره إلا إلى جلسات أصدقاء السوء، فثرت عليهما، وصممت على طلاقها منه، وحذرته من الاتصال بها، وبالفعل انفصل عنها، وترك لها شقتها وعاد إلى منزل أهله، وأخذتها للمرة الثالثة إلى المصحة، وصرفت على علاجها الكثير وسط غضب الأطباء الذين عنفوها على ما تفعله بنفسها، إذ تخسر صحتها وسلامها النفسى علاوة على الديون التى تكبلها، وهى مهددة بالسجن إذا لم تسددها، وقالوا لها إنه لولا وجودى فى حياتها وإنقاذها فى الوقت المناسب لهلكت، ولأصبحت مثار حديث وسخرية الناس، وبعد أن تعافت من المرض وعادت إلى حالتها الطبيعية، وانتظمت فى العمل أخبرتنى أن أهله اتصلوا بها، وأبلغوها أنه بدأ العلاج عازما على عدم العودة إلى هذا الطريق المدمر أبدا، وأنه لا يستطيع الحياة بدونها، ويرغب فى الصلح معها بعد إتمام علاجه، وأنها تفكر جديا فى العودة إليه خاصة أن أهله نجحوا فى تدبير عمل له سوف يتسلمه بعد خروجه من المستشفى.

وعندما سمعت كلامها انفجرت فيها تأنيبا، وتحذيرا منه، وذكّرتها بكل مرة كانت تأتينى فيها باكية، وقلت لها ما كانت قد عرفته عنه من قبل لكنها أخفته فى نفسها بأنه خلال العام الذى قضاه فى الدولة العربية التى سافر للعمل بها كان مسجونا هناك بتهمة الإتجار فى المخدرات، ثم طردوه بعد ذلك، بل تردد أنه كان مشتبها فى أنه يعمل بالدعارة، وكان متزوجا من سيدة ليست من نفس هذا البلد العربى، وإنما من دولة أخرى، لكنها تخلت عنه بعد سجنه، بل ويبدو أنه كان يستخدمها فى هذا الغرض والعياذ بالله، واجتهدت فى أن أشرح لها سر إصراره على العودة إلى الإدمان وإعادتها معه إليه فى أنه ربما يسعى إلى أن تنزلق فى هذه البئر السحيقة بعد أن تنسد أمامها كل الأبواب فى تدبير مصاريف إدمانهما معا، فسمعت كل كلامى وبدت وكأنها غير مقتنعة به، ثم ردت علىّ بأنها تحتاج إلى رجل فى حياتها، فهى يتيمة منذ الطفولة، وليس لها أقارب أو أهل يساعدونها وقت الشدة، وأن تدخل أهله هذه المرة قد يدفعه إلى الاستقامة، ونبذ الإدمان إلى غير رجعة، وللأسف فإنها غفلت عن أن رغبته فى العودة إليها سببها أنه سيضمها إلى عصمته من جديد دون أى تكلفة مثلما تزوجها من قبل بلا مهر، ولو فكر فى الزواج من غيرها ما استطاع إلى ذلك سبيلا.

إننى لا أدرى ماذا أفعل لهذه السيدة الصغيرة التى لا تقدر ما هى فيه من ورطة، ولا تعى أن فى عودتها إليه خطرا شديدا عليها، إذ لم يف ولو مرة واحدة بأى وعد لها، ولا شك أن تورطه فى الإدمان للمرة الرابعة أمر وارد تماما فى ضوء تاريخه الأسود مع المخدرات، إلى جانب حرصه المريب على إدمانها معه كل مرة، وقد فشلت تماما فى إثنائها عن طريق هذا المدمن الانتهازى.. فبماذا تنصحها؟، وما الذى يمكننى أن أقدمه لها بعد كل ما صنعته من أجلها؟


ولكاتب هذه الرسالة أقول:

لقد افتقدت هذه السيدة الجو الأسرى منذ صغرها، فنشأت مشتتة بينك وبين جارتك التى رحلت عن الحياة، ثم أديت تجاهها دور الأب والأم والأخ فى آن واحد، وهو أمر يصعب على أى شخص القيام به وحده، ولا أدرى إذا كنت تعيش وحيدا أو أن لديك زوجة وأولادا، فلقد كان الأفضل أن تضمها إلى أسرتك لا أن تعيش فى شقة بمفردها وهى فى سن صغيرة فتتعرض للهواجس والمتاعب النفسية، وربما للطمع من جانب الآخرين، وأحسب أن هذا هو ما انتهت إليه بالفعل، إذ طمع فيها زوجها الأول، ولما اكتشفت أمره انفصلت عنه، وكذلك الثانى الذى مازال يحوم حولها برغم طلاقهما، وأحسب أنها بهذه التركيبة النفسية سوف تعود إليه، وسوف تنجرف معه إلى دائرة الهلاك من جديد.

إننى أقدر موقفك من إبنة جارك اليتيمة، فلقد عالجت انكسارها بمواقف أبوية حانية، ومتابعة من حين إلى آخر، وقدمت لها كل ما احتاجته من عطاء مادى، ولكن فاتك أن تحقق فى تربيتها المعادلة الصعبة التى تتمثل فى الجمع بين الحنان والحزم، فهى لم تكن فى حاجة إلى توفير الإشباع المادى والعاطفى والإحساس بالأمن والأمان فقط، ولكنها كانت أيضا تعانى نقصا فى التوجيه والتربية الحازمة المنضبطة التى تجعل منها شخصية سوية تتمكن بها من التوافق الاجتماعى الجيد، والحياة بصورة طبيعية وسط أقرانها، فهناك فرق بين الترفق باليتيم والإحسان إليه وعدم التعامل معه بقسوة أو إهانة، وهو الأصل الذى أمرنا الله به فى معاملته، وبين تنشئته على التدليل والتراخى فى أمره ونهيه أو عدم زجره عن الأخطاء التى قد يرتكبها فى أثناء طفولته، ولقد سئل ابن سيرين عن ضرب اليتيم فقال: «اصنع به ما تصنع بولدك، اضربه كما تضرب ولدك» .

والغريب حقا هو تدليلك الزائد عن الحد لها حتى بعد تخرجها وعملها وزواجها، فالمفروض أنها صارت عاقلة، وتزن الأمور بميزان دقيق من خلال تجاربها فى الحياة، وقد حذرتها مرارا من هذا الشخص، وانفصلت عنه بعد تكرار إدمانه، ومع ذلك جرها معه إلى هذه البئر السحيقة وهى غائبة عن الوعى وغارقة فى مستنقع الإدمان، حيث يقول تعالى «بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ» [القيامة 14و 15]، فالإنسان وإن حاول المجادلة دفاعا عن أفعاله وأقواله التى يعلم فى قرارة نفسه خطأها، فهو الأبصر بحاله، بمعنى أنه حجة على نفسه، والحقيقة أن محاولاتها الدائمة الدفاع عنه، والانغراس فى «وحل» الإدمان سوف توقعها فى الهلاك المحقق إذا عادت إليه، وعليها أن تدرك عيوب نفسها، وتتعامل معها بما يساعدها على الخلاص من المستنقع الذى وقعت فيه بإرادتها، وأذكر ما جاء على لسان الإمام الشافعى عن التعامل مع النفس حيث قال: «بلغنى أن عبدالملك بن مروان ، قال للحجاج بن يوسف: ما من أحد إلا وهو عارف بعيوب نفسه، فعب نفسك ولا تخبىء منها شيئا»، ولهذا يقول السلف: «أنفع الصدق أن تقر لله بعيوب نفسك».

ومن دلالات هذه القاعدة أن يسعى المرء إلى التفتيش عن عيوبه، والتخلص منها قدر طاقته، وهذا نوع من جهاد النفس المحمود، وألا يركن الإنسان إلى ما فيه من عيوب وأخطاء بحجة أنه نشأ على هذا الخلق أو ذاك، أو أنه اعتاد عليه، إذ لا أحد أعلم منه بنفسه وعيوبها، وما تضمره من خفايا النيات، ولذلك على ابنة جارك أن تتخذ هذه القاعدة نبراسا لها هى ومطلقها إن أرادا خلاصا من الحالة المتردية التى وصلا إليها، وعندما تصبح أمورهما شفافة وواضحة سيكونان أكثر قدرة على استشراف الطريق السليم، فمن أكبر ثمرات البصيرة بالنفس أن يعترف الإنسان بالخطأ، وهذا مقام الأنبياء والصديقين والصالحين، وتأمل قول أبوينا «آدم وحواء» حين أكلا من الشجرة «قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ» [الأعراف 23]، ثم من بعدهما نوح وموسى فى سلسلة متتابعة آخرها ما أثبته القرآن عمن اعترفوا بذنوبهم فتاب الله عليهم لقوله تعالى «وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» [التوبة 102]، وعلى مطلقها أيضا الاعتراف بأخطائه كلها منذ سفره إلى الخارج، وبعد زواجه منها، وإبداء رغبته الصادقة فى العلاج، فهذه الخطوات ضرورية لكى ينجو بنفسه من براثن أفعاله الآثمة، فكل إنسان مسئول عن سلوكه لقوله تعالى «كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ» [المدثر38]، والمدمن لا يعرف طريقا إلى الشفاء إلا إذا طلب ذلك بنفسه، ولتعلم مطلقته أنها ضحية لإدمانه، وشخصيته الهشة وسلبيته، ولهذا فإنه يؤذى نفسه ويضر الآخرين، وعليها ألا تفكر فى العودة إليه أبدا، ولتحمد الله أنه نجاها منه، وليتوقف أهله عن ملاحقتها، وكفاها ما ألم بها من أضرار مادية ونفسية، فإذا استجابت لهذه النصيحة التى أحسبها العلاج الفعّال لمشكلتها، فعليها أن تعطى نفسها مهلة كافية قبل أن ترتبط بزوج ثالث سيئ على غرار زوجيها السابقين، وإذا ركبت دماغها مثلما فعلت من قبل، وعادت إليه بذرائع وهمية، فلتتحمل تبعات قرارها، ووقتها عليك أن تبتعد عنها تماما، فلن تجدى نصائحك لها شيئا مهما فعلت، وهى لم تعد صغيرة، وأصبح بإمكانها أن تتبين النافع من الضار، والصالح من الفاسد.

ويبقى أمر أخير أنبه ابنة جارك إليه، وهو التخطيط القائم على مبدأ التوكل والاعتماد على الله أولا، ثم الأخذ بالأسباب بعد ذلك، وواقعة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الأعرابى معروفة عندما جاءه، وأخبره بأنه ترك ناقته عند باب المسجد دون أن يعقلها بعد أن توكل على الله، ولكنها هربت، فقال له النبى عليه الصلاة والسلام: «اعقلها وتوكل»، أى كان عليه أن يعقل الناقة أولا حتى لا تهرب، ثم يتوكل على الله، ومن صور التخطيط أيضا قوله صلى الله عليه وسلم «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين»، بمعنى الاتعاظ وأخذ العبرة من الماضى، وعدم تكرار الأخطاء، وأن يأخذ المرء الحذر والحيطة فى الأعمال التى يقبل عليها، ولعلها تستوعب الدرس وتنبذ هذا الشخص من حياتها، وسوف يوفقها الله إلى من يكون لها زخرا وعونا على الحياة المستقيمة العامرة بالإيمان والسكينة وراحة البال، والله المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عريس لقطه
عضو فضى
عضو فضى
عريس لقطه

ذكر
عدد الرسائل : 1383
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 210
بلد الإقامة : الجيزه
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 21010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 Broadc10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 1410
نقاط : 8142
ترشيحات : 5
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 I_icon_minitime17/2/2017, 17:05

الحب القاسى


لاقت رسالة «عائد من المجهول» فى بريد الجمعة الماضى، ردود فعل قوية لدى القراء،وهى الرسالة التى يعترف فيها شاب بأخطائه، ويتناول المآسى التى تعرض لها، نتيجة عدم طاعته والديه وانجرافه فى تيار أصدقاء السوء، ويعض نواجذ الندم على ضياع مستقبله، ويحذر كل الشباب من الانسياق وراء أهوائهم، وعدم طاعة آبائهم وأمهاتهم، ومن بين التعليقات التى تلقيتها ما يلى:
> فاطمة محمد المصرى مدرس مساعد بقسم الصحة النفسية بتربية حلوان: أتفق معكم فى ردكم على صاحب مشكلة «عائد من المجهول»، وأضيف إليه عاملاً مهما قد يغفل عنه كثيرون من الآباء فى علاقاتهم بأبنائهم، وهو الضغوط التى يمارسونها عليهم وحرصهم الدائم على وصولهم إلى درجة الكمال، وعدم قبول أى خطأ أو تقصير منهم والإسراف والمتابعة المفرطة لسلوك أبنائهم، فهذه الضغوط هى التى أدت بصاحب المشكلة إلى نتيجة عكسية مخالفة تماماً لتوقعات والديه فبدلاً من حرصه على الحفاظ على تفوقه، فإنه خالف تعليماتهما، وهناك خطأ المقارنة المستمرة بين الأبناء والتفرقة بين الولد والبنت، إذ كان الأب دائم القول لإبنه «أنت الولد» مما جعله أكثر عنادا، ولا يعنى ذلك أنى أعفى الإبن من أخطائه، وإنما أحاول تبصير الآباء بأهمية تشجيع الأبناء وفق قدراتهم دون الضغط المتزايد عليهم الذى يأتى بنتائج عكسية.

> د. عوض حنا سعد ـ الإسكندرية: فى رسالة بريد الجمعة «عائد من المجهول»، يحمل رد أ. أحمد البرى بين طياته عظة قيمة لكل الأسر والبيوت، عبر خبرته المتأصلة، وتحليله العميق لواحدة من أهم وأخطر الآفات الاجتماعية، وهى «التدليل المفرط» فى تربية الأبناء، والذى يؤدى إلى تدهور سلوكياتهم ويعصف بحياتهم، ويوقعهم فى دوامة الإنحراف والفشل الزريع. ولعل ما يجب أن يعرفه الأباء، هو أن صنع القائد لا يتحقق إلا بالتربية القائمة على مبدأ تربية النسور الحانية القاسية إذا أرادوا لأبنائهم أن يحلقوا عاليا، إذ تبنى النسور أعشاشها على قمم الجبال الشاهقة حيث العواصف والثلوج والأمطار، وتضع داخل الأعشاش مجموعة من الحصى والقطع الزجاجية الحادة، وتغطيها بالريش الناعم المريح، وعندما يحل وقت مجئ فراخ النسور الصغيرة، تقدم لهم الأم كل الرعاية والاهتمام، وبعد أن تبدأ الفراخ فى النمو، ويكون لديها الاستعداد والقابلية للاعتماد على النفس تزيد الأم تدريجيا مستوى قسوة الحياة فى العش، فتبعد الريش الناعم، ولا تترك سوى الصخور والحصى والزجاج، فتتسلق الصغار جوانب العش الضخم هربا من هذه القسوة، فتصعد إلى قمة العش، وهنا تدفع الأم واحدا منها ليهوى بسرعة شديدة إلى أسفل حيث الصخور المدببة، والزجاج الحاد، وفى اللحظة المناسبة تندفع وراءه، وتحمله على ظهرها، وتكرر هذه العملية، إلى أن يتعلم كل الصغار الطيران، وفى الحقيقة كم نحن فى حاجة لتربية أبنائنا كما تربى النسور صغارها، ففى أحيان كثيرة يتحتم على أبنائنا تذوق مرارة الحب القاسى حتى يكونوا جاهزين للاعتماد على أنفسهم، وتحمل المسئولية، وهذا هو الأسلوب الأمثل لتربية أجيال من الشباب، فيعتمد كل منهم على نفسه، وتكون لديه الإرادة القوية والشخصية القديرة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عريس لقطه
عضو فضى
عضو فضى
عريس لقطه

ذكر
عدد الرسائل : 1383
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 210
بلد الإقامة : الجيزه
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 21010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 Broadc10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 1410
نقاط : 8142
ترشيحات : 5
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 I_icon_minitime17/2/2017, 17:07

الرقم المجهول


أنا امرأة تعديت سن الثلاثين، وحاصلة على مؤهل عال،
ووهبنى الله قدرا من الجمال كان سببا فى عذابى، ودفعنى إلى الهروب من الحاضر والماضى والذكريات، وحتى الناس والمكان الذى ولدت وعشت فيه، فقط لأننى أريد أن أحيا آمنة فى سلام مثل أى امرأة فى الحياة، ولى ثمانية أشقاء «سبع بنات وولد»، وأنا أصغرهن، وماتت والدتى عندما كان عمرى أربع سنوات، وفقدت حنانها ورعايتها، وعوضنى الله بأختى الكبرى التى وجدت فى حضنها شيئا مما فقدته برحيل والدتى، وكان والدى يعمل فنى اتصالات بالمحافظة التى ولد فيها، ثم سافر إلى دولة عربية، وبنى عمارة من خمسة أدوار، سكنا فى شقة، وباقى الشقق أجرها بعقود قديمة، وعشنا حياة مستقرة، وتخرج أخوتى وتزوجوا، ثم خرج إلى المعاش، وكان كل ما يشغله هو أن يزوجنى ويطمئن علىّ، لكنه رحل عن الحياة قبل أن أتم تعليمى، وخلت الشقة من الجميع، وعشت فيها وحيدة، وبعد تخرجى استأجرت محلا لأبيع فيه «ملابس حريمى»، وبعد عامين طلبت منى صاحبته إخلاءه خلافا للعقد المبرم بيننا، فرفضت تركه، ووكلت محاميا للدفاع عنى فى الدعوى التى رفعتها ضدى صاحبة المحل، فأبدى اهتماما بالغا بى، وطلبنى للزواج، ولما سألوا عنه عرفوا أن لديه شقة وميسور الحال، لكنى لم أرتح إليه، ومع ذلك وافقت على خطبتى له هربا من الوحدة التى أعيشها، وكان كلانا ملاكا فى كل تصرفاته وحديثه مع الآخر، وبدأت أشعر تجاهه بحب مثل البذرة التى تحاول أن تشق التربة لتخرج للحياة، وساعدنى هو على ذلك، وخلال شهور تزوجنا، ولم يمر شهران على الزواج حتى بدأت ألاحظ عليه أشياء غريبة مثل سهره الدائم خارج البيت، ورائحته الغريبة، وإذا بى أكتشف أنه يتعاطى المخدرات، فطلبت الطلاق، وحصلت عليه، وتدخل الكثيرون من معارفنا، وعدت إلى عصمته، لكنه لم يتغير، وتم طلاقى منه للمرة الثانية، فهددنى بإيصالات أمانة مزورة، وذات يوم جاءنى اتصال هاتفى من رقم مجهول، ووجدت على الطرف الآخر امرأة تحدثنى عن حب طليقى لى، وأنه لا يستطيع نسيانى ولا العيش بدونى، وعندما سألتها من تكون للتحدث عنه بهذه الطريقة، فردت على بأنها زوجته، وأنها فعلت ذلك إشفاقا عليه؛ ولا أدرى ماذا يريد منى إذا كان متزوجا وهل هى زوجته أم لا؟.. إننى أعيش مشردة، فماذا أفعل؟.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

لا أدرى كيف تزوجت شخصا لم ترتاحى إليه، وكيف عدت إلى عصمته بعد ما عرفته عن إدمانه، ومصاحبته أصدقاء السوء؟، وأين شقيقك الذى سعى إلى تزويجك له؟.. إن التخبط الواضح فى موقفك منه هو الذى أوصلك إلى ما أنت فيه من ندم، وأحسب أنه ليست له زوجة أخرى، وأن حكاية السيدة التى اتصلت بك، ليست سوى «تمثيلية» يحاول بها شدك إليه، فلا تلقى بالا لها، ولا للإيصالات الوهمية التى يهددك بها ما دمت لم توقعى على أى أوراق من هذا القبيل، بل تستطيعين بمساعدة شقيقك تحرير محضر ضده، وأخذ تعهد عليه بعدم التعرض لك، وإياك أن تعودى إليه، إذ إن مثله لن يتغير أبدا، وليت كل البنات والسيدات يستوعبن هذا الدرس، فيدققن فى اختيار شركاء الحياة، ولا ينجرفن وراء الكلام المعسول، ولله الأمر ولا حول ولا قوة إلا به سبحانه وتعالى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
كابتن أحمد منصور
مشرف
مشرف
كابتن أحمد منصور

ذكر
عدد الرسائل : 6488
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 210
بلد الإقامة : المدينة الفاضلة
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 Office10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 Bookwo11
نقاط : 17057
ترشيحات : 47
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 710

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 I_icon_minitime24/2/2017, 21:49

بريد الجمعة يكتبه : أحـمـد البـرى الناقوس الزجاجى!

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 2017-636234870485155483-515

أنا فتاة فى سن الشباب، لا يشغلنى ولا يؤرق مضجعى شىء سوى مأساة صديقتى فهى على شفا انهيار عصبى بعد أن تحطمت أشياء كثيرة بداخلها،

وصارت حياتها نزيفا متواصلا من الأحزان والآلام، وقد وجدتنى بعد تفكير طويل أكتب إليك حكايتها عسى أن تأخذ بيدها إلى بر الأمان، وتساعدها على الخلاص من العذاب الذى تعانيه بلا ذنب ولا جريرة، فهى فتاة عمرها خمس وعشرون سنة، بدأت رحلتها مع المتاعب عندما كان عمرها أربع سنوات، إذ انفصل أبوها عن أمها التى هربت مع شخص ما، ولا يعلم عنها أحد شيئا منذ ذلك الوقت، وتولى أبوها رعايتها هى وأشقائها «بنتان وولد»، وكان يعمل وقتها موظفا صغيرا بإحدى الجهات نهارا وحارسا لعمارة تملكها مديرته فى العمل ليلا، وأصبحت البنات يجلسن مع والدتها فى العمارة نفسها، إلى أن يعود من عمله، واستمر الوضع على هذه الحال لفترة، وذات يوم اصطحب ابنته الصغيرة إلى العمل، ورأتها سيدة أخرى تشغل منصبا قياديا فى الجهة التى يعمل بها، فاقترحت عليه أن تأخذها وتربيها، فلم يتردد، وفرّط فيها، مع أن هذه السيدة لديها أبناء يعيشون مع أبيهم الذى انفصلت عنه، وتزوجت بآخر لديه أبناء أيضا، وقد تسألنى وما الذى دفعها إلى أن تأخذ هذه البنت؟.. والإجابة ببساطة أنها فكرت فى تسجيلها باسمها هى وزوجها لتكون من ورثته فيما بعد، ولا يأخذ أولاده معظم التركة، والغريب أنه لم يفكر فى هدف زوجته الخبيث ولم يخطر له على بال، وأخذ البنت وعاملها بإحسان، لكنه لم يكتبها باسمه بعد أن تأكد من حرمة التبنى، وهكذا وجدت نفسها وسط عالم آخر بين يوم وليلة.. أب وأم غير الأب والأم الحقيقيين، وأخوة جدد غير أشقائها الذين كانت تعيش معهم، وصار عليها أن تناديهما بـ «بابا» و «ماما»، وأحبها الرجل بشدة، واعتبرها بالفعل إبنة له، لكن بناته كرهنها فى البداية، ثم شيئا فشيئا تعودن عليها، ونجحت هذه السيدة فى تحقيق هدفها، وتحدت الجميع بطفلة بريئة.

وقد تظن أن حياتها أصبحت وردية بعد هذه البداية العصيبة، لكن ما حدث هو العكس، فإذا فعلت أى خطأ كما يخطىء الصغار دائما يكررون على مسامعها الجملة التى دأبوا على ترديدها «حنطردك إلى الشارع»، وعاملتها السيدة التى اعتبرت نفسها أمها بقسوة، أما زوجها فكان هو ملاذها الوحيد، ودافع عنها ووقف فى صفها، وبرغم أن أبناء هذه السيدة يعيشون بعيدا عنها مع زوجة أبيهم، وهم أربعة «ثلاثة ذكور وبنت واحدة هى الكبرى»، فإن إبنتها هذه دأبت على التربص بها، وظل هدفها الوحيد هو أن تحيل حياة الفتاة المسكينة إلى نكد دائم، فى الوقت الذى تحاول فيه أن تبدو طيبة فى نظر الآخرين، وبمرور الوقت صارت إبنة هذه السيدة صاحبة القرار والرأى والمشورة لديها، فإذا ادّعت كذبا أن البنت الصغيرة ارتكبت خطأ أو لم تنفذ أمرا، يكون الرد قاسيا بضربها وسبها.

وبفضل الله وكرمه تفوقت البنت برغم المكائد التى دبروها، ومحاولات إفشالها فى الدراسة، وفى المرحلة الثانوية ضيقوا الخناق حولها بافتعال مشاجرة وألقوا بها فى الشارع، فاستلت سكينا وبدأت فى تقطيع شرايينها سعيا إلى الخلاص من حياتها المؤلمة، ورأى الرجل الطيب هذا المشهد العصيب، فأسرع إليها وحملها إلى المستشفى وسط إصرار زوجته على تحرير محضر ضدها وسجنها أو إيداعها فى ملجأ أو دار أيتام، وبعدها هدأت الأمور قليلا، وبمساعدته أيضا ركزت فى دروسها وحصلت على مجموع كبير أهلها لكلية الهندسة، والحق أنه ساندها حتى تخرجت، ولم تجد عملا لمدة سنتين متواصلتين، ثم التحقت بمكتب هندسى لم تستمر فيه طويلا، وتسارعت الأحداث حولها، إذ مرضت السيدة التى تعيش معها، وخضعت لعملية جراحية، ثم مات الرجل الذى لم يكن لها فى الدنيا سواه، والذى كان يحبها أكثر من بناته، وقد كتب باسمها مبلغا لا بأس به من ماله الخاص حيث أنها لن ترث فيه.

وبعد رحيله ظهرت إبنة السيدة على حقيقتها، وكشفت عن طمعها فى أموال زوج أمها الذى لم تعش معه، ولم تخدمه أو تربطها بأبنائه أى علاقة، وعلا صوتها على الفتاة الضحية، وأحالت حياتها إلى جحيم من جديد، فإذا أتى لها عريس توسم فيها الزوجة الصالحة لا تتركه حتى يخرج ولا يعود مرة أخرى، ولا تكتفى بذكر الحقيقة المجردة عن حياة الفتاة المسكينة، وإنما تزيد من مخيلتها وقائع وأحداثا غير صحيحة للإساءة إليها بأنها ليس لها أهل معروفون، ولا تنطق السيدة متحجرة القلب بحقيقة ما صنعته، كما أن أباها الحقيقى لم يظهر حتى الآن!.

إنها لا تحيا حياة طبيعية مثل كل البنات، والخيط الرفيع الذى يربطها بهذا المنزل الذى تربت فيه هو هذه السيدة دائمة المشكلات معها، فلو ماتت سوف تجد نفسها فى الشارع فعلا، ولن يدعها أحد تعيش فيه.. لا إبنة السيدة ولا أبناؤها، ولا أبناء الرجل.. الكل سوف يتخلصون منها، وهم أيضا يستخسرون فيها زوجا مناسبا، ويعتبرون أن مثلها يجب ألا تنظر إلى أعلى، ولا أدرى ما ذنبها؟، فلقد عاشت فى مستوى راق، ولم يكن بيدها أن تختار من تحيا معهم، وإنما وجدت نفسها مع هذه الأسرة بما فعلته هذه السيدة، أى إنها أجبرت على هذه الحياة، وعاشت مع أناس لا يعرفون سوى الحقد والنفاق والطمع والجشع والغيرة والخداع، وبرغم المآسى والأهوال التى تعرضت لها من الكثيرين حولها فإنها حافظت على نفسها وأخلاقها، ولم تتشبه بهم، ورفضت تماما أن تلعب نفس حيلهم وألاعيبهم، وهناك الكثير من ألوان المعاناة، وتفاصيلها المروعة التى تبين الفظائع التى مازالت تتعرض لها، وقد تسألنى عن أمها الأصلية، فالحقيقة أننى لم أكتب عنها شيئا، إذ ليس لها دور فى قصة إبنتها، وقد حاولت أن أتوصل إليها، فهناك من يقول أنها ماتت، ومن يقول أنها هاجرت إلى مكان غير معلوم، والله وحده هو الأعلم أين تكون، ولكن لا فائدة من أم رمت أولادها، وشردتهم، وكذلك الحال بالنسبة للأب الحقيقى الذى ضحى بابنته، ولم يحاول ان يتصل بها، ولا تعرف له موطنا!.

لقد مرت خمسة شهور على وفاة الرجل الطيب، وتزداد الدنيا سوادا فى عينيها كلما مرت الأيام وهى على هذه الحال، وأحاول يوميا أن أزيل هذا السواد، وأقول لها إن الأمل قائم فى غد أفضل، لكن الموت حاضر بقوة فى حياتها، وقد تقدم على الانتحار من جديد إذ تعتبره أهون من إلقائها فى الشارع، ولا أدرى ماذا أفعل لها بعد أن ترسخت فى عقلها فكرة أن تقتل نفسها، فبماذا تنصحها؟

> ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

هناك مجرمان فى حق صديقتك البريئة التى تتقاذفها الأمواج وتتهددها الأخطار منذ طفولتها وحتى الآن، وتدق أجراس الخطر ناقوس حياتها الزجاجى القابل للكسر فى أى لحظة.. أما المجرم الأول فهو أبوها الذى ضحى بها، وسلمها لمديرته ربما مقابل بعض المال، أو أى ثمن آخر، غير مبال بمستقبلها، ولا بالمتاعب التى ستواجهها، ولا ما سوف تصنعه بها الأيام والليالى، ولم يفكر فى متابعة أحوالها، ولو من بعيد، فهى تحمل اسمه، ومن حقها عليه أن يتابع أحوالها، ويكون على صلة دائمة بها، وأن يمد جسور التواصل بينها وبين أشقائها، والمجرمة الأخرى هى السيدة التى أخذتها لكى تنغص بها حياة أبناء زوجها بعد أن أخذ مطلقها أولادهما، ولكن الله كان لها بالمرصاد، فلقد أحب الرجل الطفلة وكان لها نعم السند والمعين وعرف ربه حق المعرفة، فلم ينسبها لنفسه لحرمة التبنى، وإنما رباها وعلمها وخصص لها مبلغا من أمواله يعينها على متاعب الحياة بعد رحيله، فحقق ما أمرنا به القرآن الكريم، وأذكر فى هذا الصدد تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة الذى أهدته له السيدة خديجة رضى الله عنها، وأطلق عليه اسم زيد بن محمد إلى أن أبطل الله التبنى فى قوله تعالى «مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا» (الأحزاب 40)، وقوله أيضا «مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِى تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِى السَّبِيلَ، ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِى الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا» (الأحزاب 4 ، 5)، وهذا هو الطريق الصحيح الذى سلكه الرجل الطيب معها، فهو وأولاده ليسوا من محارم الفتاة، ومن الممكن أن يتزوجها أحدهم، ولذلك فإن فى الأمر خطرا شديدا لوجودها مع شباب كبار تحت سقف واحد، علاوة على ما فى ذلك من أذى نفسى لها.

والحقيقة أنه أحسن صنعا بكفالته لها وليس بتبنيها انطلاقا من قول الله عز وجل «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (التوبة 71)، كما أن هذه الفتاة تحمل اسمى أبيها وأمها الحقيقيين منذ مولدها، ومن ثم فإن طريق الكفالة كان هو الأنسب لها، ولكن السيدة التى أخذتها من أبيها لم تدرك فداحة جرمها، ولم يفهم هو أن إقصاء ابنته من حياته سيكون وبالا عليها، فليس معنى أن تنضم إلى أسرة ثرية أنها ستكون واحدة منها، فالواقع يقول من خلال التجارب المماثلة أن النتيجة الحتمية لذلك هى رجال ونساء مشوهون نفسيا، يلعنون اليوم الذين جاءوا فيه إلى الدنيا، ويحدث هذا مع «اللقطاء» الذين لا يعرفون لهم أباء ولا أمهات، فما بالنا بمن تدرك أن أباها وأمها قد انفصلا، وأخذ أبوها أشقاءها معه إلى مكان مجهول بعد أن سلمها لسيدة لا تبالى بمستقبلها وتهددها بالطرد إلى الشارع كلما ادّعت عليها ابنتها الكبرى سلوكا لم تأته أو تصرفا فسرته حسب مزاجها!.

ولا شك أن منبع مشكلة صديقتك بدأ منذ طلاق أبويها، فالأم تزوجت بآخر، وانتقلت إلى مكان غير معلوم، والأب تصور أن تخلصه من ابنته الصغرى سيكون فى مصلحتها لأنها ستصبح فى رعاية أسرة قادرة ماديا، ولم يفطن إلى أن «ثقافة الإقصاء» التى تصورها خيرا لها، ستؤدى بها إلى ما هى فيه الآن من اضطراب نفسى شديد قد يؤدى بها إلى الهلاك، وحتى لو ظهر أهلها الآن، فإنها لن تستطيع العودة إليهم والتأقلم معهم، بعد أن قضت كل مراحل تكوينها وحتى الآن فى كنف أسرة اعتبرت أفرادها هم أهلها، ومن هنا فإن علاج مشكلتها يجب فيه مراعاة الظروف التى نشأت وتربت فيها ، وأحسب أنها مكسب كبير لمن سيرتبط بها، فهى ليست مجهولة النسب لكى يبتعد عنها من يرغب فى خطبتها والزواج بها، فالظروف التى أحاطت بها هى التى أوجدت المشكلة منذ البداية، وتتحمل هذه السيدة مسئوليتها كاملة أمام الله، وعليها تكفيرا لذنبها أن تكمل معها المشوار إلى النهاية، وأن تبعد ابنتها الكبرى عن طريقها.

إن ابنة هذه السيدة التى عاشت مع أبيها بعد طلاقهما لم تلق التربية السليمة، ولذلك مارست الحقد على الفتاة المغلوبة على أمرها، وتحاول إلحاق الأذى بها، بالإدعاء عليها كذبا أفعالا لم تأتها، وتهديدها بالطرد إلى الشارع. ولقد سئل رسول الله أى الناس أفضل فقال: «كل مخموم القلب صدوق اللسان»، ثم فسر مخموم القلب بقوله هو النقى التقى، لا إثم فيه ولا بغى ولا غل ولا حسد، فلتعلم أن إيذاءها فتاة بريئة سوف تلقى عنه جزاءها العادل ممن لا يغفل ولا ينام، وعليها أن تراقب نفسها داخليا، وأن يتوافق سلوكها مع منهج الله، والابتعاد عن مهاوى الضلال، إذ يقول تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (الحشر18)، ويقول رسول الله «اتقوا معاصى الله فى الخلوات فإن الشاهد هو الحاكم»، فإذا ضعفت الرقابة الداخلية، فلا نهاية للأفعال الخلوية التى سرعان ما تظهر سماتها الإجرامية والعدوانية تجاه الآخرين، مصداقا لقوله تعالى «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ» (الأعراف 96).

والشخص السوى يحب للناس ما يحبه لنفسه، لكن والد هذه الفتاة التى هى من صلبه لم يتعلم شيئا من ذلك ليضيف آفة جديدة إلى آفات انفصال الأبوين وتشتت الأبناء، والدرس الكبير الذى يجب أن يتعلمه الجميع فى تربية أبنائهم هو ضرورة تنمية الحس والوازع الدينى والضمير وحب الخير من أجل الخير، وليس من أجل المصلحة الشخصية، والعقاب الرادع والحاسم والمؤثر فى حالة الخطأ.

وإنى أتساءل: ألا تدرك الإبنة الكبرى أن كل من حولها يعرفونها على حقيقتها حتى وإن أبدت سلوكيات طيبة بعكس المكائد التى تدبرها فى الخفاء؟، وفى مثلها قال رسول الله «إن من شر الناس عند الله يوم القيامة ذا الوجهين» لأنه يتخذ أسلوب الكذب، والتملق تجارة يحقق من خلالها أرباحه الدنيئة من مصالح دنيوية، ولا يتورع عن ارتكاب أشد المعاصى بحق الآخرين، فيتفنن فى توجيه المكائد من كذب وبهتان، ولم يغفل القرآن الكريم هذا الجانب فقال عز وجل «وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا» (النساء 112).

فكفى صديقتك نصرا أنها ترى هذه السيدة وابنتها تعصيان الله فيها، وعليها أن ترد إساءاتهما إليها بإحسان، وأن تضع نصب عينيها أن عاقبتها عند الله، فالمكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، ويجب ألا تنزل إلى مستواهما، فهى ليست أول ولا آخر من واجه المكائد والحسد.

وكما قال الشاعر:

لولا اشتعال النار فيما جاورت

ما كان يعرف طيب عرف العود

وأرجو أن تضع صديقتك الأمور فى حجمها الصحيح، ولا تبالى بكل ما حولها، وتستطيع أن تبدأ حياة مستقرة فى سكن مستقل، وأن تسعى إلى عمل مناسب، وسوف يأتيها نصيبها العادل فى الحياة، وعليها أن تتقرب من الله سبحانه وتعالى، فيهيئ لها من أمرها رشدا، وهو وحده المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
كابتن أحمد منصور
مشرف
مشرف
كابتن أحمد منصور

ذكر
عدد الرسائل : 6488
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 210
بلد الإقامة : المدينة الفاضلة
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 Office10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 Bookwo11
نقاط : 17057
ترشيحات : 47
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 710

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 I_icon_minitime24/2/2017, 21:50

تباشير الصباح‏

أنا عامل بسيط فى الخامسة والأربعين من عمرى، وقد بدأت قصتى مع الحياة الزوجية المستقرة منذ‏20‏ عاما عندما رشح لى والدى رحمه الله فتاة جميلة ورقيقة من أسرة تربطنا بها صلة قرابة، فأسرعت إلى اتمام اجراءات الزواج، وعشنا فى منزل والدى ومضت بنا سفينة الحياة فى هدوء‏.‏ وكان كل يوم يمر علينا يزيد تماسكنا وحبنا‏.‏ وبعد عام وضعت زوجتى ابنتنا الأولي‏,‏ وبعدها بعامين خرجت إلى الدنيا طفلتنا الثانية‏,‏ فأضافت الى بيتنا سعادة جديدة لم نعرفها من قبل وزاد إحساسى بالأمان والطمأنينة بعد أن أفاض الله سبحانه وتعالى على من رزقه مع قدومهما،

وركزت كل جهدى لإسعاد أسرتى الصغيرة، ولا أنكر أننى كنت أتمنى أن يكون لدى ولد مثل كل الشباب الذين يراودهم هذا الأمل، وعندما حملت زوجتى للمرة الثالثة رحت أترقب ساعة الولادة فإذا بها تضع طفلة ثالثة، فعرفت أن هذا قدرى ورضيت به، وذات مرة سقطت ابنتى الكبرى على الأرض فنقلتها إلى المستشفي، وهناك علمت أنها مولودة بقصور فى الكلي, وأنها سوف تصاب بعد فترة بالفشل الكلوي، ومرت أيام كئيبة لم أذق فيها طعم الراحة, وأنا أنتظر المصير الذى ستؤول اليه, وحانت لحظة بدء جلسات الغسيل الدموى، وأنا أتجرع كأس الألم الذى تعانيه وهى الطفلة التى لم يبلغ عمرها بعد سبعة أعوام، وكانت المفاجأة الثانية أن ابنتى التى تليها فى العمر أصيبت بالمرض نفسه، وأصبحت هى الأخرى تخضع لجلسات الغسيل مع أختها، ولم يمض وقت طويل حتى لقيت ابنتى الكبرى وجه ربها، وارتاح جسدها الصغير من الآلام الرهيبة التى كانت تعانيها، وخيم الحزن على بيتنا، وعم فيه ظلام دامس وليل طويل وضاعف من أحزاننا أن ابنتى الثالثة دخلت دوامة هذا المرض، فأصابنى الذعر وسيطرت عليّ الهواجس فلا يغمض لى جفن وأصبحت أقضى معظم وقتى فى الانتقال بين المستشفيات للبحث عن علاج دون جدوي, وحذرنى الأطباء من الانجاب مرة أخرى لأن كل من سأنجبهم من زوجتى سيكونون مرضى بالفشل الكلوى بسبب صلة القرابة التى تربطنى بها.

لقد عجزت عن التفكير، ولا أدرى ماذا أفعل؟ إذ أخشى من المجهول وأتخيل لو أن لى ابنا يحمل اسمى ويكون لى سندا فى الحياة إذا امتد بى مشوار العمر، ولكن كيف ذلك وقد حكمت عليّ الأقدار بألا أنجب مرة أخرى من زوجتي, وإذا تزوجت غيرها فسوف تطلب منى الطلاق ويزداد بؤسى ومعاناتى فى الحياة.. لقد أمسكت بالورقة والقلم وكتبت إليك هذه الرسالة وكلى أمل فى أن يتبدد الليل الطويل وتظهر تباشير الصباح. فبماذا تشير عليّ؟

> ولكاتب هذه الرسالة أقول:

سوف يتبدد الظلام من حياتك، وتظهر تباشير الصباح التى تتطلع إليها من جديد. حين تدرك أننا لا نملك اقدارنا, وأن علينا أن نسعي، وليس علينا إدراك النجاح, ولقد وهبك الله زوجة صالحة تحملت معك متاعب الحياة وعشت معها أحلى سنوات الشباب يجمعكما الحب وتظللكما السعادة, ثم جاء لحظة الاختبار الإلهى الذى وضعك فى اختبار حقيقى يقيس مدى قدرتك على تحمل الشدائد, وبرغم صبرك فى البداية إلا أنك سرعان ما انهرت وتحولت سفينة حياتك الهادئة إلى ثور هائج يدفعك إلى الإطاحة بكل من حولك, فحتى زوجتك المحبة المخلصة لك, والتى ليس لها اى ذنب فيما ألم ببناتك من مرض تريد أن تضحى بها, وتتزوج من أخرى سعيا لإنجاب الولد الذى تقول انه سيكون لك سندا فى الحياة على حد تعبيرك!

والحق أنك سوف ترتكب خطأ ستندم عليه كثيرا إذا أقدمت على تجربة زواج جديدة, وذلك لاعتبارات عديدة أولها أنك سوف تهدم بيتك وتفقد زوجتك وحياتك المستقرة التى تعترف بأنها لم تشهد اى خلافات, وأنها خلت تماما حتى من المشاجرات البسيطة التى تحدث عادة بين الأزواج.. أما ثانى هذه الاعتبارات فهى أنك لا تضمن ان تنجب لك زوجتك الجديدة الولد الذى تتمناه, ولا تضمن إن رزقت به ان يكون سليما وخاليا من هذا المرض أو غيره من الأمراض الأشد ضراوة, والاعتبار الثالث هو أن ظروفك واحوالك المادية متدهورة إلى الحد الذى لا تستطيع به تغطية نفقات علاج ابنتيك، فما بالك بالوضع الذى ستكون عليه إذا أقدمت على زيجة ثانية، فانفض عنك غبار الهواجس الشيطانية التى تعتريك فى هذه المرحلة من حياتك, وتقرب إلى الله, وسوف يكتب الشفاء لطفلتيك حين يشاء, فامض فى مشوار علاجهما، وانتظر تباشير الصباح، فالفجر قادم ولو بعد حين, والله على كل شىء قدير.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أشرف المنياوي
عضو متألق
عضو متألق
أشرف المنياوي

ذكر
عدد الرسائل : 760
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 210
بلد الإقامة : محافظة المنيا
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 Engine10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 S3eed10
نقاط : 6983
ترشيحات : 5
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 I_icon_minitime1/3/2017, 15:50

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 85 Img_1456605703_299
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
بريد الأهرام ( بريد الجمعة )
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 85 من اصل 88انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1 ... 44 ... 84, 85, 86, 87, 88  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» بريد الجمعة يكتبة : احمد البرى الطفل الكبير !
» سطو مسلح على مكتب بريد في المعادي
» سطو مسلح على مكتب بريد «قها» في القليوبية
» اجعل لك بريد مجاني على الـ hotmail - شرح بالصور
» كيفية حظر بريد الكتروني بسكربت whmcs

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الشاعر عبد القوى الأعلامى :: المنتديات العامة :: المنتدى العام-
انتقل الى: