الشاعر عبد القوى الأعلامى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالأحداثموسوعة الأعلامى الحرةأحدث الصورالتسجيلدخول

شاطر
 

 بريد الأهرام ( بريد الجمعة )

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1 ... 45 ... 86, 87, 88  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
nasertoba
مرشح
nasertoba

ذكر
عدد الرسائل : 6343
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 Collec10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 110
نقاط : 17200
ترشيحات : 29
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 222210

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 I_icon_minitime31/3/2017, 23:16

بريد الجمعة يكتبه : أحـمــد البــــــرى
القلوب السوداء!

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 2017-636265089301711876-171

تستوقفنى مآسى وتجارب قراء بريد الجمعة، وأستنير بما تشير به عليهم من آراء وأفكار تأخذ بأيديهم إلى بر الأمان
، ووجدتنى أنضم إليهم، وأروى لك حكايتى عسى أن أجد لديك ما يعيننى على الخلاص من متاعبى، فأنا شاب فى الثلاثين من عمرى نشأت فى أسرة عادية لأب موظف وأم ربة منزل، ولى شقيقان (ولد يصغرنى بعدة أعوام، وبنت تلينى بعام)، أما أبى فله ثمانية أشقاء «ثلاث بنات وخمسة أولاد»، وقد استقرت إحدى عماتى فى الخارج، ولى عمتان فى مصر، أما أعمامى فقد سافر أربعة منهم إلى دولة أوروبية، وكونوا أسرا هناك، وبقى عمى الأكبر فى مصر، وقد عمل فى إحدى الجهات المهمة، وأعير إلى دولة عربية، وجميعهم يعيشون حياة مستقرة، إلا أسرتنا، وقد بدأت فصول مأساتنا فى غروب أول أيام رمضان منذ ستة عشر عاما، وكنت وقتها فى الرابعة عشر من عمرى، حيث أمطرت السماء بغزارة، فأسرعت والدتى وغطت الغسيل بالمشمع، وعندما تراكمت كميات كبيرة من المياه عليه، أزاحتها لتسقط فى الشارع حتى لا تتسرب إلى داخل الشقة، وتصادف خروج عمى من المنزل فى تلك اللحظات، فرأى أمى وهى تزيح المياه، فعلا صوته عليها وسبها بأحط الألفاظ مدعيا أنها تستهدف سيارته! ولم يلتفت إلى السيول التى تنهال على الجميع، فلم ترد أمى عليه، وأبلغت أبى بأمره عن طريق الهاتف الأرضى، فتعجب من رد فعل شقيقه، ثم إذ بعمى يحاول كسر باب الشقة سعيا للاعتداء على والدتى بالضرب، وتعجبت لما يفعله بسبب بعض مياه الأمطار التى لا حيلة لنا فيها، ومع توالى ضغطه وسبابه، بادلته أمى بعضها، فاستغلها فرصة وحرر محضر سب وقذف ضدها فى الشرطة، وبسرعة البرق جاء رجال الأمن وطرقوا الباب على والدتى، فلم تفتح لهم، وانتظروا أبى إلى أن جاء من عمله، وعند وصوله وجد جدتى وعمى وجمعا من الناس فى انتظاره، ولم يشأ أن يحرج جدتى بما فعله عمى، فكل من حولنا يعرفون أنها تحب أبى الذى لا يؤخر لها طلبا، ويلبى احتياجاتها برغم ضيق ذات يده، حيث انه عامل بالأجر اليومى فى أحد المطاعم، وليس لديه دخل ثابت مثل شقيقه الأكبر، كما أن أشقاءه الذين يعملون فى الخارج لكل منهم حياته الخاصة، ولا يعنيه من قريب أو بعيد مشكلات اخوته ولا حتى أمه، وكان المشهد صعبا، فكل واحد يضمر للآخرين فى صدره ضيقا، وما كان من والدى إلا أن تحدث مباشرة إلى عمى ولامه على ما فعله مع أمى، فإذا به يعتدى عليه هو الآخر بالسباب والضرب، ولم تنطق جدتى بكلمة واحدة خوفا منه حيث انه استولى على عقد البيع الابتدائى الخاص بمنزل الورثة، ثم ذهب إلى القسم وحرر محضرا ضد أبى الذى ألقى القبض عليه وسط ذهول الجميع، وتم اقتياده إلى السجن مع أنه المجنى عليه، وذقنا الأمرين لإثبات براءته بعد الإهانة التى تعرض لها، ولم ينته الأمر عند هذا الحد، إذ استمر تحرش عمى بنا عن طريق زوجته، فاعترضت طريق أمى، وضايقنا أبناؤه لأكثر من ثلاثة شهور.

وخرجنا ذات يوم فى نزهة لتغيير الجو الكئيب الذى نعيش فيه، وعند عودتنا آخر النهار فوجئنا بكمين فى انتظارنا من عمى وعمتىّ وأولادهم، فضربونا أنا وأختى، وأخذوا أمى إلى حجرة جدتى التى أخلوها تماما من الأثاث، وانهالوا عليها ضربا وركلا وسبا، أما والدى فلقد ألبسه عمى صفيحة قمامة فى أثناء صعوده على السلم، فسقط وتدحرج على أكثر من عشرين سلمة، وانكسرت ذراعه، وصرخ بأعلى صوته من شدة الألم، ولم يكتف عمى بذلك بل انهال عليه ضربا عند أسفل السلم بـ «شومة»، وأحدث به جرحا فى رأسه، واستجمعت قواى وجريت ناحية عمى، وضربته بكل ما أوتيت من قوة دفاعا عن أبى، وعشنا ساعات من الرعب والذهول حتى وصلت سيارة الإسعاف التى طلبها الجيران لإنقاذ حياة أبى وأمى، وتم نقلهما إلى المستشفى فى حالة سيئة، وبدت أمى فى قمة البؤس والشقاء بعد أن «بهدلوها»، وقطعوا شعرها وجردوها من ملابسها، وعند عمل محضر تصنعت جدتى المرض، واستغلت عمتى الكبرى جرحا فى يدها من زجاج الشباك الذى كسرته لإصابة أمى، فى الادعاء بأنها هى التى اعتدت عليها وأخذت التحقيقات مجراها، وانتهى الأمر إلى لا شىء!، وتمادت جدتى فى إيذاء أبى ـ برغم حبها له ـ بإيعاز من عمى فزارت صاحب المطعم الذى يعمل به وشكته إليه، فطرده من العمل.. عندئذ قرر أبى ترك منزل العائلة، وبلغ أحد أعمامى بالخارج ما حدث لأبى فأعطاه مبلغا من المال لكى يبدأ به حياة جديدة بعيدا عن منزل العائلة، وذهبنا إلى حلوان وسكنا بها، وتبدلت حياتنا تماما، وتم نقل أختى إلى مدرسة بجوار المنزل، أما أنا فلم أفلح فى ذلك، وظللت فى مدرستى القديمة، وكنت أقطع مسافة طويلة يوميا لكى ألحق بطابور الصباح، ومررت بفترة عصيبة، وبلغ بنا الضيق مداه، ولاحظت الإخصائية الاجتماعية بالمدرسة حالة البؤس والشقاء البادية على ملامحى وملابسى، فنادتنى ذات يوم وطلبت منى أن آخذ من الدولاب ما أشاء من ملابس وأحذية مخصصة للأيتام، فبكيت بمرارة، وانتابتنى حالة نفسية سيئة جعلتنى أكره المدرسة، ورسبت فى ذلك العام، وحاولت أن ألتحق بأى عمل لكن أبى رفض بشدة تحسبا لكلام الناس، وأصبحت أنا وأختى فى عام دراسى واحد، ولم يكن باليد حيلة، فذهبت أمى إلى جمعية خيرية بالمنطقة التى نسكن فيها، وشرحت لمسئوليها ظروفنا فتكفلوا بمصاريف الدروس والكتب إلى جانب مساعدات الجامع، أما والدى فكان يعمل شهرا، ويجلس فى البيت شهرا، وحصلت على معهد فنى تجارى، وتخرجت أختى فى معهد خدمة اجتماعية، وعملت خلال تلك الفترة فى مقهى، وحصلت على دخل لا بأس به، واشتريت ملابس جديدة، ثم تعلمت الكمبيوتر، وأخذت فيه دورات مجانية بالهلال الأحمر ومنحة من اليونيسيف، وأعفيت من الخدمة العسكرية لعدم لياقتى الطبية، والتحقت بشركة لإصلاح الكمبيوتر تعلمت فيها الكثير، ثم انتقلت إلى مجال آخر هو مراقبة الجودة، وبعدها إلى شركة لتصنيع أغطية السيارات، والتحقت أختى معى بالشركة نفسها، وانتظم أبى فى العمل، وأحسست بأن حياتنا اعتدلت قليلا، ثم رحلت جدتى عن الحياة منذ ثلاث سنوات، فطلب أبى منى أنا وأختى أن نعطيه مدخراتنا لكى يعمل «جنازة وعزاء» لجدتنا، فاستجبنا له على الفور، ولم نفكر فى العذاب الذى سنعانيه من جراء ذلك، فلقد انقطع عن العمل، ومنذ ذلك التاريخ وأنا وأختى اللذان نصرف على المنزل ونسدد إيجاره الشهرى البالغ سبعمائة وخمسين جنيها إلى جانب فواتير المياه والكهرباء والمعيشة، وتمت خطبة أختى ثلاث مرات ولكن فى كل مرة افتعل أبى أى أسباب لكى لا يتمم الزيجة، وهدفه الوحيد هو أن يضمن استمرار أن نتولى مسئولية الأسرة بكل أعبائها، ولا يفكر أبدا فى مستقبلنا، وقد بلغت سن الثلاثين، وتلينى أختى بعام واحد.

ولقد فكرت مثل كل الشباب فى الزواج والاستقرار، وخطبت فتاة تعمل معى بالجهة نفسها ومن أسرة بسيطة، وبذلت كل ما فى وسعى لكى أستقر وأجهز نفسى، وبحثت كثيرا عمن يساعدنى فى ظروفى الصعبة، واهتديت إلى مؤسسة خيرية منحتنى قرض زواج حسنا قدره عشرة آلاف جنيه وسوف أسدده على خمسين شهرا، ودخلت فى جمعيات وجمعت خمسة عشر ألف جنيه أخرى ليصبح ما معى خمسة وعشرين ألف جنيه، وكان ذلك قبل تحرير سعر صرف الجنيه، أى أن المبلغ قلت قيمته إلى النصف الآن، وهو لا يكفى شراء كل ما يتطلبه عش جديد للزوجية، وقد طلبت من عمى بالخارج أن يساعدنى على السفر إلى البلد المهاجر إليه. لكنه طلب منى أن أوفر لنفسى سكنا وكل ما يلزمنى لبدء حياة جديدة، ويرفض أن أعيش معه فى منزله لأنى لا يصح أن أكون موجودا مع زوجته بمفردنا مع أنها فى عمر والدتى، ولا يمكننى أن أفكر بهذه الطريقة، فما أريده هو الاستقرار، لكن لا أحد يفكر إلا فى نفسه، وليذهب الآخرون إلى الجحيم بمن فيهم أبى الذى ترك لى المسئولية كاملة، فكيف لى أن أوفر مستلزمات الزواج، ومصاريف المعيشة؟، كما أن أختى هى الأخرى تصرف الآن كل دخلها على نفسها، ولم يعد يهمها إلا مظهرها، ولا تملك ما تجهز به نفسها عندما يأتيها عريس جديد، حتى لو وافق عليه أبى.

إننى أعيش فى حيرة بالغة، ولا أعرف السبيل إلى تجاوز ما أنا فيه، وأتمنى أن يجمعنى بيت صغير مع خطيبتى، وأتعهد بسداد كل ما أنا مدين به عينيا لمن يساعدنى على إتمام زواجى، إذ أننى قاربت على الانهيار نفسيا بعد أن اسودت كل القلوب ولم يعد هناك قلب واحد صاف!، فهل ترانى على حق؟، وبماذا تشير علىّ؟.

ولكاتب هذه الرسالة أقول :

من منا لم تصادفه عقبات فى حياته؟، ومن منا يعيش مطمئن البال، ولا يعكر صفوه شىء؟، فالحق سبحانه وتعالى يقول فى كتابه الكريم «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِى كَبَد»ٍ (البلد 4)، ومعنى الكبد، تعب ومشقة، وقد تكون هذه المشقة مادية أو نفسية، أو مشكلة ما تحتاج إلى صبر ومجهود، وبعدها يسعد الإنسان بحصاده، ويكون تعبه ذكرى عابرة على مر السنين، بل إن الإنسان حينما يجنى ثمار كده وجهده، تتملكه الراحة والطمأنينة، وتحضرنى هنا حكمة أيرلندية تقول «لولا الغيوم ما استمتعنا بآشعة الشمس»، بمعنى لو أن الشمس ساطعة دائما بلا غيوم لن نحس بمتعتها، ولكن عندما تغيب عنا ثم تأتينا ندرك أهميتها، ونستفيد منها، وكذلك الحياة لولا متاعبها وعناءها ما أحسسنا بلذة نجاحنا فيها، فكلما بذلت جهدا للحصول على المال والعمل والدراسة، كان حصادك وفيرا.

وتعتمد نقطة البداية نحو تحقيق الغايات والطموحات على تغيير قناعاتنا بأن «لغة المستحيل» غير موجودة، وأن أى نجاح يتطلب التحضير والعمل الجاد، ومن حق كل واحد أن يحلم بما يشاء، ولكن هناك فرقا بين الحلم والوهم، فالحلم ألا نكون تقليديين فى أفكارنا، فمن السهل الحلم بوظيفة تقليدية، وبيئة عمل لا ابتكار فيها، لأننا لا نحب المغامرة، ولكن من الممتع أن نحلم بمشروع قائم على فكرة معينة، وأن نبذل كل ما فى وسعنا لتحقيقه، ونشعر بأن هناك قيمة للحياة، وليس الراتب هو الهدف، فالراتب استحقاق لا نقاش فيه، ولكن علينا كخطوة تالية النظر إلى قدراتنا الحالية وخبراتنا ومعارفنا ومدى توافقها مع ما نحلم به، وكل ما فى الأمر، اليقين بأن النجاح يحتاج إلى فرد مؤمن بذاته وقادر على خوض التجربة، وسوف يتحقق له ما يريد فيما بعد.

ولقد حققت بعض ما كنت تسعى إليه، ويمكنك أن تبدأ حياتك الزوجية بما هو متاح لك الآن، فليس شرطا أن تدبر كل شىء بالديون والمساعدات، وإنما يكفيك أقل القليل لكى تبنى عش زوجية مستقرا وناجحا، ثم تحقق باقى مطالبك بعد الزواج انطلاقا من الأمل والعمل والأنشطة التى تتقنها، وعليك أن تأخذ فى الاعتبار المسئوليات الجسام الملقاة على عاتقك، وأن تزن الأمور بميزان العقل الدقيق، وألا تندفع فى دروب مجهولة المعالم، وأن توازن الحلم بالواقع حتى لا تقع فريسة لأوهام الخيال، فالحقيقة أن الشاب الذى يعيش حياته دون تخطيط ولا هدف، ويصرف سنوات عمره فى الجرى وراء الملذات، لا يمكن التفاؤل به، ولا عقد الآمال عليه، ولذلك فإننى أستغرب كثيرا من إلقائك باللائمة على أحد أعمامك وحده لأنه لم يوافق أن تعيش معه فى بيته فى الدولة الأوروبية التى هاجر إليها، فهو على حق، ولا يحل لك أن يجمعك بزوجته سقف واحد فى غيابه، كما أنك تريد منه أن يوفر لك كل شىء، وهو أمر غير مقبول وليس فى مصلحتك أبدا، ويكفيه أنه ساند أباك فى محنته عندما وفر له مبلغا معقولا ساعده على انتقالكم إلى السكن الجديد، وبدء حياة مستقرة، ولا أدرى أين أعمامك الآخرون الذين لم تذكرهم، ولا عمتك المهاجرة، كما أن ما قلته عن أبيك دليل كاف لإدانته بأنه لا يميل إلى العمل، ويعتمد على ما يتلقاه من مساعدات من الآخرين, فلقد استشعرت ذلك من كلماتك عنه، لدرجة أنه لا يريد تزويج أختك لكى لا تنقطع مساهمتها فى نفقات المعيشة، كما أنه ترك العمل اعتمادا عليكما، وأخذ منكما ما ادخرتاه من مال بحجة إقامة عزاء لجدتك، وإنى أستغرب ذلك أيضا، فليس معقولا أن عمك الذى يعيش فى الخارج، ولا حتى عمك الذى على خلاف مع والدك سوف يتركان أمهما بلا عزاء، وأغلب الظن أن والدك قد استغل الجميع لكى يبدو أمام الآخرين فى صورة الضحية، وأن أعمامك هم المفترون.

وبصراحة شديدة فإننى أرفض نغمة الضحية بسبب بعض المواقف والعثرات، فما أكثر من تعرضوا لمتاعب يشيب لها الولدان، ومع ذلك تغلبوا عليها، وصاروا ملء السمع والبصر، ولا أحب استسهال الأشياء، لأن ما يأتى بلا جهد يضيع فى غمضة عين أو لمح البصر، فعليك أن تضىء شمعة خير من أن تلعن الظلام، وإذا أردت أن تعيش حياة سعيدة، فاربطها بهدف وليس بأشخاص أو أشياء كما يقول إلبرت اينشتاين.

أما عن علاقة أبيك بأعمامك وعماتك فأحسب أن التعامل الإيجابى بينهم هو الذى سيعمل على تضميد الجراح التى أصابت علاقتهم ببعضهم، فالصبر على أخطاء الاخوة مع تقويمها برفق وتؤدة وروية خير وأبقى من البتر والقطع، وإن الترايب والتشاك بينهم يفسد علاقاتهم، فالتربص والتعقب من قبيل الفوضى الذاتية التى تهدم كل مسببات النجاح، ولذلك أدعو أباك وأعمامك إلى فتح صفحة جديدة، وأن يعفو كل منهم عن الآخر بمن فيهم عمك الكبير الذى أدعوه إلى تحكيم عقله، وكفاه عنادا مع أبيك، فلقد امتدح القرآن الكريم الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، فقال تعالى: «الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» (أل عمران 134)، فليبدأوا صفحة جديدة يرجون بها رضاء الله عز وجل، وما أظن ذلك بالأمر العسير إذا خلصت نياتهم، وصحت عزائمهم.

أما أنت فأؤكد لك ولكل الشباب أن الشعور بالمسئولية والاعتماد على النفس أحد الأركان المهمة لسعادة الفرد والمجتمع، والانتصار فى الحياة يكون دائما من نصيب المجتهدين، فالمساعدات التى تأتى إلى الفرد من الخارج تضعف فيه روح المثابرة والعمل غالبا، لأنه لا يرى وقتها داعيا للجد، خصوصا عندما تتجاوز هذه المساعدات الحد الضرورى، حيث تفقد أعصابه قوتها، وتموت روح العزيمة فى نفسه، ولذلك عليه أن يعتمد على ذاته فى ضمان سعادته المادية والمعنوية، وأن يستند إلى إرادته وعمله، فيقطع الأمل فى الجار والصديق، ولا يلجأ إلا إلى ذاته.

ويقول الحق تبارك وتعالى: «وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى» (النجم 39 و40)، بمعنى أن تبعة الأعمال الصالحة أو الطالحة لكل فرد إنما تعود عليه نفسه، وأن سعادته رهينة بعمله، ويقول الإمام على رضى الله عنه: «قدر الرجل على قدر همته» وفى هذا الصدد يقول الشاعر:

كن كالشمس فى استنادك إلى نفسك

فإن نور الشمس يشع من نفسه

فكل فرد مسئول عن سعادته وشقائه، فهو الذى يستطيع أن يقوم بواجباته خير قيام، فيقود نفسه إلى شاطىء السعادة والنجاح، كما يمكنه أن يحطم شخصيته بالأعمال السيئة والنيات الفاسدة والقلب الأسود، وينتهى بنفسه إلى الشقاء، ولذلك أقول لك: لا تنتظر العون من أحد، وضع يدك فى يد خطيبتك، وابدآ حياتكما الزوجية، وشيئا فشيئا سوف تتفتح لكما أبواب الأمل والنجاح، فاليأس مما فى أيدى الناس عز للمؤمن، والعاقل هو الذى يعتمد على عمله، أما الجاهل فيعتمد على أمله، وأظنك شابا عاقلا، فعليك أن تغير أسلوب تفكيرك، وارسم طريقك إلى المستقبل، فالبدايات تحدد النهايات، وفقك الله وسدد خطاك، وهو وحده المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أم البنات
مشرفة
مشرفة
أم البنات

انثى
عدد الرسائل : 9513
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 210
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 Unknow10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 8010
نقاط : 19671
ترشيحات : 44
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 333310

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 I_icon_minitime7/4/2017, 17:42

اللعبة الجديدة


أنا فتاة جامعية تخرجت وأعمل فى إحدى الوظائف‏,
وأعيش فى أسرة مستقرة إلى حد ما بخلاف المشكلات التى تحدث داخل الأسر, ولم تكن لى علاقات داخل الجامعة سوى مع بعض الزميلات, وعدد محدود جدا من الزملاء, وقد رفضت الدخول فى أى علاقة حب خوفا من الفشل، وفى بداية عملى تقرب لى زميل من فرع آخر للشركة التى أعمل بها. وبدأ يهتم بى وبشئوني, وشيئا فشيئا بدأت أميل إليه وفاتحنى فى الارتباط غير الرسمى أولا عن طريق الاتصال التليفوني, ففهمت مقصده, وعرفت أنه «زير نساء»، وبخبرته عرف أننى بنت خام, فأحب أن يلعب بهذه اللعبة الجديدة, ولذلك تجاهلته, ومرت الأيام، وعلمت أنه تزوج بأخرى، فبكيت بكاء مريرا, إذ أنه أول شخص فى حياتي, وبعد فترة تجاوزت هذه المحنة, وحصرت تفكيرى فى عملي, ثم تقرب إليّ شاب آخر كانت تربطنى به علاقة زمالة, وفاتحنى فى الارتباط بالطريقة نفسها، فلم أثق به, ولم أجد من ناحيتى أى ميول إليه, وقد قابلته أكثر من مرة، وأبلغته بأنه مثل أخي, وصنع نفس صنيع الأول، حيث تركنى ثم حاول العودة إليّ مرة أخرى لكنى لم أرد على اتصالاته المتكررة، وقد أفقدتنى هاتان التجربتان الثقة فى الشباب، والآن يريد شاب ثالث أن يتقدم لخطبتى بشكل مباشر دون «لف ودوران», وهو حاصل على مؤهل متوسط ويعمل بالتجارة, ولا أدرى ماذا أفعل؟ وهل سيكون هناك فارق بيننا فى التفكير؟.. إننى أخشى أن يفوتنى قطار الزواج, وأنا فى سن الخامسة والعشرين، فبماذا تشير علىّ؟

ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

أحسنت أنك لم تنساقى وراء الشباب المستهترين الذين لا غرض لهم إلا التسلية, ولا هدف إلا التغرير بأى بنت تنخدع بأساليبهم غير الأخلاقية، لكنى أراك تبالغين كثيرا فى مسألة السن، فأنت مازلت فى بداية الطريق, وينبغى ألا تتسرعى فى الارتباط بأى شاب، إذ قد تتكشف فيه عيوب خطيرة بعد فوات الأوان، ولذلك أنصحك بالتريث ودراسة الأمر مع أهلك، فإذا كان الشاب الحاصل على مؤهل متوسط جادا فى مسألة الارتباط, فعليه أن يطرق بابكم طالبا يدك بشكل مباشر، وعلى أسرتك أن تتيح لكما الفرصة الكاملة للتعارف، فإذا وجدت فيه الشاب الذى يمكنك أن تبدئى معه حياة زوجية مستقرة فوافقى على الخطبة، وراقبى تصرفاته معك، ودرجة تعلقك به وعلاقاته مع الآخرين، ومن خلال النتائج التى ستتوصلين إليها تستطيعين اتخاذ القرار المناسب بقبول الزواج منه, أو فسخ خطبتك له.. أما مسألة المؤهل العالى أو المتوسط, فلا تكفى وحدها للحكم على الأشخاص, فكم من حاصل على مؤهل عال يشك فيمن حوله ويحيل حياتهم إلى نكد مستمر, وكم من حاصل على مؤهل متوسط يتمتع بثقافة عالية, ويزن الأمور بميزان دقيق، فاحسمى أمرك بالتشاور مع أهلك، وسوف يوفقك الله إلى ما فيه الخير.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أم البنات
مشرفة
مشرفة
أم البنات

انثى
عدد الرسائل : 9513
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 210
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 Unknow10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 8010
نقاط : 19671
ترشيحات : 44
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 333310

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 I_icon_minitime7/4/2017, 17:43

الحب الجارف


أنا سيدة عمرى‏ واحد وثلاثون عاما، وأعمل فى بنك استثمارى‏,
ولدىّ بنت فى المرحلة الابتدائية من زواج سابق, وقد قضيت طفولتى وشبابى فى منزل والدتى التى لم أفارقها يوما واحدا, لدرجة أننى تزوجت بشقتها, وبعد طلاقى بخمس سنوات وبضعة شهور تعرفت على جار لى إثر مكالمة تليفونية معه, ولا أنكر أن صوته جذبنى إليه بشكل غريب, وتعرفت عليه لإنهاء بعض الأعمال الخاصة بي, وبعد ثلاثة شهور فاجأنى بأنه يحبنى وبأنه «يريدني», وفسرت هذه الكلمة بأنه يريد التعرف على مجرد مطلقة, ولكن بمرور الوقت شعرت بحب جارف نحوه.. حب ملك قلبى وعقلي, فتقربت إليه اكثر، وأحسست بصدق مشاعره, فهو إنسان طيب بمعنى الكلمة, بل كله نبل وطيبة ورجولة وإنسانية, يجبرك على حبه فور أن تتعرف عليه, وقد أحبته والدتى وابنتي، وهكذا يا سيدى عشت معه قصة حب كبيرة, وتعجب كل منا كيف كان يعيش دون الآخر, ثم عرض علىّ الزواج العرفى لأن لديه زوجة وأولادا، ولا يستطيع الارتباط الرسمى بأخرى, وبقدر سعادتى برغبته فى الارتباط بى فإن خوفى من الزواج العرفى كان كبيرا, كما أن ظروف عمله تجعله دائم الإنشغال، وبالتالى سوف يعجز عن رؤيتى بشكل يومي.

والحقيقة اننى احترت كثيرا أمام عرضه, وفكرت فى كلماته بأنه سوف يسرق الوقت للحياة معي, وأنه على قدر الشوق والحب تكون المحاولات, وطلب منى أن أقبل هذه الزيجة، فإذا لم أرتح لها يعطينى حريتى ونصبح صديقين!

وبينما أنا على هذه الحال تعرفت على شخص آخر بالصدفة فى سن الأربعين، ولديه طفلة من زوجته الراحلة, ويملك شقة, ووجدتنى أكثر راحة معه, فهو زوج سوف يخصنى وحدي, وسنتزوج زواجا رسميا معلنا أمام كل الناس, وستصبح ابنتى وابنته، أختين وإبنتين لنا نحن الإثنين, وهكذا يتحقق لى الاستقرار الذى أنشده، ولكن قلبى يعتصر ألما وحزنا على حبيبى الأول الذى بات يبكينى ويناجينيى, فلقد عشت معه أجمل ساعات حياتي, وأروع لحظات عمرى, وحبه لى أكبر من أن يوصف, كما أن حبى له كان ومازال أكبر من أى شيء.. أما الرجل الآخر فهو عصبى المزاج, وأشعر أنه بخيل, وقد سألنى كثيرا عن مرتبى, وكيف أنفقه!، والمدهش أن والدتى تفضل الأول برغم أنه سيتزوجنى عرفيا, ولقد عذبتنى الحيرة: أيهما أختار: الحب الصادق مع الزواج العرفى؟.. أم الاستقرار مع الزواج الرسمى بلا عاطفة؟, وقد ترد علىّ بأن الحب قد يأتى مع الزواج الرسمى, فأقول لك: وقد لا يأتى!.. فقل لى رأيك بصراحة؟

ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

وهل تبنى العاطفة وحدها البيوت؟، ثم أيهما أفضل لك أن تعيشى حياة واضحة فى النور مع من جاءك طالبا يدك على رؤوس الأشهاد؟، أم مع من يختلس لحظات كلها قلق واضطراب خوفا من أن يراه أحد، وهو فى زيارتك، فيبلغ زوجته وأولاده، وتقوم الدنيا ولا تقعد بعدها, لإجباره على الانسحاب من حياتك والعودة إليهم, ووقتها لن يتردد لحظة فى أن يتركك لأنه لن يخسر شيئا, بل على العكس سيكون قد حقق كل ما كان يحلم به ويريده منك؟.

لقد تصورت أن والدتك سترفض الزواج العرفي, فانت لست مضطرة إليه, وبإمكان من يريد الإرتباط بك أن يواجه زوجته الأولى برغبته, وبأنه سوف يحتفظ بالأسرتين معا، لكنه لن يفعل ذلك أبدا.. أما عن عصبية الرجل الثاني, فمن الممكن تداركها باللين والود وحسن العشرة، فأعيدى النظر فى ضوء هذه المعطيات وثقى فى أن الزواج الواضح هو الطريق الوحيد نحو السعادة والا ستقرار.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أم البنات
مشرفة
مشرفة
أم البنات

انثى
عدد الرسائل : 9513
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 210
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 Unknow10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 8010
نقاط : 19671
ترشيحات : 44
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 333310

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 I_icon_minitime7/4/2017, 17:44

بريد الجمعة يكتبه : أحـمــد البــــــرى
سجينة الرعب!


بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 2017-636271140115838608-583

أنا سيدة فى مقتبل العمر حاصلة على ليسانس آداب، وقد قاسيت أهوالا جعلتنى أحاول الهروب من الناس والبشر،
وكل شىء فى الحياة، ولم يعد لى أمل ولا مطمع سوى أن أحيا فى هدوء واطمئنان ما بقى لى من عمر فى هذه الدنيا، وأنا أصغر أشقائى حيث أن لى سبع شقيقات وشقيقا واحدا، وبعكس ما هو معروف بأن الأصغر يلقى دائما رعاية وحبا من جميع أفراد الأسرة، ويكون الأوفر حظا بينهم، فإننى لم أعش هذا التدليل، إذ ماتت أمى وأنا طفلة لم أدخل المدرسة بعد، وعوضنى الله بأختى الكبرى التى وجدت فى حضنها شيئا مما فقدته برحيل أعز الناس لى، أما أبى فكان موظفا بإحدى المصالح الحكومية، ثم جاءته فرصة سفر إلى دولة عربية، وتعاقد مع إحدى الجهات بها، وكان فى كل إجازة سنوية يأتينا محملا بالهدايا، وأقام عمارة سكنا فى أحد أدوارها، وأجّر الباقى، وسارت بنا الحياة فى يسر وسعادة، وظل أبى فى هذه الدولة لأكثر من عشرين سنة، وعلمنا فى الجامعة، وزوّج أخوتى جميعا، وعندما بلغ سن الستين ترك العمل ليستريح من عناء الغربة.

والحقيقة أنه برغم طول سنوات سفره، فإننا لم نشعر يوما بأنه بعيد، حيث عوّضنا فى كل إجازة عن العام كله، وحلت شقيقتنا الكبرى مكانه بما جمعته من حنان الأم ورعاية الأب، ولا أستطيع أن أصف مدى سعادتى بتوقفه عن السفر، واستقراره معنا، فلقد تملكنى الفرح والسعادة لأنه لن يتركنى مرة أخرى، وأحسست بالطمأنينة وأنا أجلس إلى جواره، ولمست خوفه علىّ، ورغبته فى أن يزوّجنى ويطمئن على مستقبلى كما فعل مع أشقائى جميعا، واستعجل ارتباطى وهو على قيد الحياة، وبرغم كثرة من طلبوا يدى منه وأنا طالبة، فإننى رفضتهم جميعا لسبب واحد ومهم هو رغبتى فى أن أحصل على شهادتى الجامعية أولا، ولكن عندما وصلت إلى السنة الأخيرة فى كليتى، تدهورت صحته فجأة، ولم يكن لديه أى دخل سوى إيجار المنزل، وهو إيجار قديم قدره اثنان وخمسون جنيها فقط فى الشهر.

وفى ليلة مازالت ماثلة فى ذهنى جلست إلى جواره، وبينما كنت أتبادل أطراف الحديث معه فى أمور شتى قال لى: «سامحينى يابنتى.. كان نفسى أديكى حقك زى اخواتك»، ولمحت الدموع فى عينيه لكنه لم يزرفها، وكأنها تأبى أن تجرح هذا الرجل الصبور المكافح، فاحتضنته وبكينا معا بصوت مسموع، وفى الصباح ذهبت إلى الكلية بعد أن قبلت يديه كعادتى، وما أن وصلت إليها حتى جاءنى اتصال من أختى الكبرى، وقد تحشرج صوتها وغلبها البكاء، وقالت لى بصعوبة بالغة: «بابا مات»، فسقطت على الأرض مغشيا علىّ، وساعدتنى زميلاتى فى العودة إلى المنزل، وأنا لا أصدق أن الدنيا خلت علىّ من أبى وأمى، لكن هذه هى الحقيقة التى لم يكن هناك مفر منها، وواجهت الحياة بمفردى، ومرارة اليتم تسيطر على كيانى، ووجدتنى وحيدة فى بيت كان يضج بالضحك والفرح، ومرح الأحفاد، وأحاديث الأشقاء، وتحولت جدرانه إلى أشباح، ومضت بى الأيام والليالى بين الخوف والذكريات، وكان أخوتى فى الأسابيع الأولى لرحيل أبى يزوروننى بصفة يومية، ثم بدأ مجيئهم إلىّ يقل تدريجيا حتى اقتصرت علاقتهم بى على الاتصال هاتفيا من حين إلى آخر!، وخرجت للبحث عن عمل يدر علىّ دخلا أواجه به متطلبات المعيشة، إذ أن دخل أخى الوحيد كان يكفى بالكاد متطلبات أسرته، ولم أرغب فى أن أطلب منه شيئا أو أحمّله ما لا يطيق، ورأيت أنه يكفينى سؤاله عنى، واستأجرت محلا لبيع الاكسسوارات، وواجهتنى صعوبات جمة فى البداية، وبمرور الوقت نجحت تجارتى، وصار لى دخل يكفينى لأن أعيش حياة مستريحة، وبعد حوالى عام تعرفت على شاب تردد على المحل، وتقرب منى، وبثنى حبه، وقال لى أنه يرغب فى الارتباط بى، ولاحقنى فى كل مكان، وعرفت أنه محام، ويكبرنى بأربع سنوات، فطلبت منه إمهالى بعض الوقت لاستطلاع رأى أخوتى، ونقلت إليهم ما دار بيننا، فسألوا عنه، وكانت النتيجة فى مصلحته، فهو ميسور الحال، ومتميز فى عمله، لكنى عندما فكرت فيه لم أشعر تجاهه بالراحة، وأحسست أن هناك شيئا غامضا يحول بيننا، ومع ذلك وجدتنى أنساق إلى هذه الزيجة أملا فى أن أجد من يؤنس وحدتى، ويكون لى سندا فى الحياة، والحق أنه أحسن التصرف معى خلال الخطبة، واستطاع أن يبدل عدم ارتياحى له إلى حب كبر بمرور الأيام، وخلال شهور أعددنا عش الزوجية ولما حان وقت الزفاف، أقمنا حفلا حضره الأهل والأصدقاء، وبرغم أن كل عروس تنتظر هذا اليوم بفارغ الصبر، فإننى لم أشعر بالفرحة وأنا جالسة فى «الكوشة» إذ لم أجد يد أبى فى يدى، وافتقدت لهفة أمى ومساندتها لى كما تفعل كل أم مع ابنتها، وما أصعبه ذلك الإحساس الذى شعرت به وأنا أفتقد والدىّ فى «ليلة العمر».

ومرت تلك الليلة بحلوها ومرها وتطلعت إلى حياة مستقرة تساعدنى على لملمة شتات نفسى، وتعيدنى إلى الحالة النفسية المستقرة التى طالما تمنيتها بعد رحيل أبى، ولكن لم تمر أسابيع معدودة حتى اكتشفت الوجه الخفى فى زوجى، فهو دائم السهر خارج البيت، وشممت منه كل ليلة رائحة غريبة عند عودته وتكرر المشهد اليومى حيث يلقى بجسده على أقرب أريكة، أو بصعوبة «يتطوح» إلى أن يصل إلى السرير، وهو لا يدرى ما حوله!، فأبكى فوق رأسه وهو يغط فى نوم عميق، وأتحسر على السند والعوض الذى تخيلته وأردته فإذا به سراب!

وأذكر فى أول ليلة كان فيها على هذه الحال، أنه اعتذر لى فى الصباح، وقال إن بعض أصدقائه جرّوه معهم إلى تعاطى المخدرات، وأنه لن يقربها بعد ذلك أبدا، ثم تجاهل وعده لى واستمر عاما كاملا غير مبال بما يفعله وما يرتكبه من معاص، وعندما تحدثت معه عن الإنجاب لم يعطنى اهتماما، وقال بكل لا مبالاة: «مش مهم.. احنا كده عايشين حلو»، فأدركت أنه لا يريد بيتا مثل كل البيوت ولا أولادا يملأون علينا الدنيا مثل كل الأزواج، فطلبت الطلاق وحمدت الله أننى لم أنجب منه، وبعد محاولات عديدة من الأهل والمعارف طلقنى، وذهب كل منا إلى حاله، ومرت شهور جاءنى بعدها عدد من الأهل والأقارب، وطلبوا منى أن أسامحه وأعود إلى عصمته قائلين أنه تغير تماما، وقابلنى أكثر من مرة فى الطريق، وألح علىّ أن أعود إليه، وأمام الضغوط المتتالية وافقت على إعطائه فرصة جديدة عسى الله أن يهديه، لكنه استمر بنفس منهجه فانفصلت عنه، ورأيت أن حياتى أفضل بدونه!

وهنا أيقن تماما أن عودتى إليه مستحيلة، فاستغل التوكيل الذى حررته له فى تزوير أوراق ضدى، ووجدتنى مطلوبة للعدالة فى عدة قضايا لأشخاص غير مصريين، وتعرضت للسجن لمدة شهر فى إحداها، وصرت «سجينة الرعب» وخائفة من كل طارق على باب بيتى، ثم يأتينى صوته عبر الهاتف من حين لآخر قائلا: «كل هذه القضايا ستسقط لو عدت لى»، فأغلق الخط وأنهار فى البكاء.

ومرت الأيام واتصلت بى سيدة، حدثتنى عن زوجى، وكم هى سعيدة معه، فانفجرت فيها غضبا وسألتها من أنت؟، فقالت انها زوجته!، ثم اتصل بى بعدها وقال لى فى حدة: «يا ترجعى لى.. يا أدخلك السجن»، فأسرعت إلى شقيقى وأبلغته بما حدث فتدخل لدى أقارب طليقى لإبعاده عن طريقى، وكاد شقيقى يضربه، وقد أبعده الموجودون عنه منعا للصدام بينهما، لكنه استغل هذه الواقعة وزوّر تقريرا طبيا بأن أخى أوقع به إصابات بالغة، ولولا الأهل والجيران لكان أخى الآن وراء القضبان.

إننى مع مطلع كل يوم أتعرض للمضايقات، وأسمع أخبارا سيئة وأفكر جديا فى البعد عن المكان الذى يعيش فيه حفاظا على نفسى وأخوتى، وأعيش مشردة، ولا أستطيع دخول بيتى أو النوم فيه ليلة واحدة آمنة من شره، إذ افتقد طليقى معنى الرحمة والإنسانية، وهو ليس رجلا بكل ما تحمله هذه العبارة من معنى، ولا أملك ما أنفقه على القضايا وأتعاب المحامين، ولكى لا يتم القبض علىّ أتنقل بين بيوت أخواتى، حيث أقضى عند كل واحدة منهن عدة ليال، وعندما يضيق صدرى أو أحس بأن طليقى يتحسس خطواتى أنتقل إلى مكان آخر، ويضيق الخناق علىّ بمرور الأيام، بعد أن قام بتوزيع القضايا المزورة التى حررها لى على عناوينهن، ولم يترك لى بابا إلا وأغلقه بألاعيبه الشيطانية، وقد فكرت فى اللجوء إلى مجلس حقوق الإنسان، والمجلس القومى للمرأة، لكنهما بعيدان عنى، ولا أستطيع أن أصل إليهما لأسباب كثيرة منها أن خروجى إلى الشارع مغامرة، وكأن هذا الرجل صنع لى سجنا من نوع خاص، فماذا أفعل؟.. وإلى أين أذهب؟.. وإلى متى سأظل هاربة من ذنب لم أرتكبه، ومصير مجهول أنتظره بخوف ولا أستطيع تغييره، وحياة تضج بالمشكلات بينما أستعطف الأيام أن ترحم عزيز قوم ذل؟!.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

لقد ارتكبت خطأ فادحا حينما وافقت على العودة إليه بعد طلاقك فى المرة الأولى، فما اكتشفتيه فيه منذ ليلة الزفاف، من إدمان وسلوك منحرف ومعاملة غليظة، كان كفيلا بأن يجعلك تطوين صفحته إلى الأبد، لكنك بتأثير أخوتك عدت إليه، وكان الواجب عليهم أن ينصحوك بأن مثله لا يتغير، وأن أمامك متسعا من الوقت للارتباط والسعادة مع من يقدرك، ففى مثل هذه المسائل يكون البتر هو العلاج الفعّال للخلاص من المرض خصوصا وأنك أدركت أن حالته تتفاقم بمرور الأيام، وأنه لن يحيد عن السلوك الذى اختاره لنفسه، لكنك أطلقت له الحبل على الغارب لكى يفعل ما يريد، ولم تتنبهى إلى أن التوكيل الذى حررتيه له سوف يستخدمه أسوأ استخدام، ولا أدرى لماذا لم تلغيه؟، ولم تطعنى على الأوراق التى زوّر توقيعك عليها؟، فالتوكيل فى هذه الحالة لن يكون بديلا عن توقيعك.

والحقيقة أن مطلقك نظر منذ البداية إلى الزواج بصفة عامة نظرة خاطئة، باعتبار أن دورك ينحصر فى إعداد الطعام وتنظيف البيت وإشباع رغباته، وتناسى أن الزواج فى مفهومه الصحيح هو المودة والرحمة والمشاركة بين اثنين متساويين فى الحقوق والواجبات والأدوار التى يؤديانها فى الحياة، وحتى فى حالة الطلاق، فإن سعيه للانتقام ممن كانت تشاركه حياته، يعكس شخصيته المضطربة نفسيا واجتماعيا، ويؤكد أنه لا يدرك ما أمرنا الله سبحانه وتعالى به فى قوله: «وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» (البقرة237)، بمعنى أن الخلاف الذى أوصلكما إلى الطلاق ينبغى ألا يفسد للود قضية، وأن يحفظ كل منكما حق الآخر بحكم ما كان بينكما من معروف، وليعلم أن الحياة الزوجية إذا لم تستقم لسبب ما، فهذا هو شأن البشر، أما أن ينقلب الأمر إلى مكيدة، فذلك شىء خطير، ويحرم الإسلام تتبع العورات والأذى والغيبة والتشهير بالناس، بل ويعتبرها من كبائر الذنوب، ومن هنا ينبغى على مطلقك أن يتوب عن أفعاله وأن يطلب العفو منك، إذا كان يرجو مغفرة الله له، وإلا كان محل مساءلة عنده عز وجل، فحقوق الناس أشد حرمة من حقوق الله، لأنها مبنية على استقصاء الحق، فضلا عما فيها من عدم الوفاء، ويجب ألا تحملكما الخصومة إلى نشر الفضائح وبث الشائعات، فكل منكما كان شريكا للآخر وتلحقه معرته وعيبه.

وإذا أصر مطلقك على الاستمرار فى خصومتك، فعليك معاملته بالمثل برفع دعاوى تزوير ضده، واختصامه أمام القضاء، فلك خصوصية ينبغى أن يحترمها.. صحيح أنه لا يوجد لدينا نص قانونى يخص الحريات الخاصة والعامة للمطلقين لكنى أحسب أن بإمكان شقيقك أن يساعدك فى إثبات الأضرار النفسية والمادية التى تنعكس عليك نتيجة ملاحقته لك، وأذكر فى هذا الصدد القوانين المعمول بها فى محاكم أوروبا، فهناك احترام لخصوصية الأفراد، ويوجد نص قانونى بعدم اقتراب المطلق من طليقته أو العكس سواء من بيتها أو مكان عملها، بل ويحدد القانون عندهم مسافة معينة يجب ألا يتعداها أى منهما، ولعل قانون الأحوال الشخصية لدينا يراعى ذلك عند تعديله.

ولتكن فى قصتك عبرة وعظة للأزواج والزوجات، فالحقيقة أن بعضهم يقترنون بالأجساد ويتنافرون بالروح، وفى أحيان كثيرة لا يكون لهم ذنب فى ذلك، وبالتالى فإننى لا أدينهم بل أشفق عليهم، ولا أكرههم بل أكره استسلامهم للرياء والكذب، إذ سوف تتكشف الحقيقة ذات يوم، ويصبح من المستحيل مواصلة رحلة الحياة على هذا النحو، ولذلك فإن إصرارك على الانفصال عنه كان هو عين الصواب، فلا تخوضى تجربة جديدة إلا بعد أن تتعافى تماما من هذه التجربة المؤلمة، ومن الضرورى أن تتحرى كل شىء عن زوج المستقبل، ولتكن هناك جلسات تعارف عديدة مع من يطرق بابك طلبا للزواج، فالتريث يتيح دائما للمرء أن يتخذ قرارات مدروسة، لا قرارات عشوائية نابعة من الانطباعات، وليست لها جذور وأسس راسخة.

ولقد أخطأ مطلقك فى حقك كثيرا ليس بعد انفصالكما فقط، وإنما أيضا عندما كنت فى عصمته بأفعاله وأقواله، فلم يذكر لك كلمة طيبة، مع أن للكلام اللين أثرا فى إمالة القلوب وكسب ودها، فقال تعالى «وَقُل لِّعِبَادِى يَقُولُوا الَّتِى هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا» (الإسراء 53)، ويدعونا النبى صلى الله عليه وسلم إلى الالتزام بذلك التوجيه القرآنى، ويرغّبنا فى التمسك به فى قوله «الكلمة الطيبة صدقة»، وإذا كان هذا مطلوبا مع عموم الناس فإنه يكون بين الزوجين ألزم وأولى، فالكلمة الطيبة والمدح والثناء بينهما من الأمور التى تسعدهما، وتمنح الحياة الزوجية حيوية وتجددا، فكلما شكر الزوج زوجته على جهد بذلته، وكلما امتدحت الزوجة زوجها على عمل قام به، توثقت جذور المحبة بين قلبيهما.

وها هو على بن أبى طالب رضى الله عنه يعبر عن إعجابه بزوجته فاطمة رضى الله عنها عندما دخل عليها وهى تستاك فأنشد قائلا:

ظفرت ياعود الآراك بثغرها

أما خفت ياعود الآراك أراك

لو كنت من أهل القتال قتلتك

لم ينج منى يا سواك سواك

هذه العلاقة الجميلة والمعانى الرائعة غابت عن مطلقك الذى كان بإمكانه أن يحتويك، وسوف يدرك أنه بصنيعه معك فقد المعنى الحقيقى للحياة، وجلب الشقاء لنفسه، وخسر زوجة محبة مخلصة، فاهدئى بالا وسوف يعوضك الله خيرا منه، وخذى بالأسباب برفع دعوى قضائية ضده لتفنيد مزاعمه، وواجهيه بشجاعة، وسيكتب الله لك النصر فى النهاية لأنك صاحبة حق، ونقية السريرة، ولن يخزيك أبدا، فلا تقلقى وتطلعى إلى المستقبل بعين جديدة غير هذه العين اليائسة، وانطلقى فى الحياة بلا خوف ولا رعب، وأسأل الله أن يوفقك إلى الطريق الصحيح، وهو وحده المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
راجي عفو الخلاق
عضو جديد
عضو جديد
avatar

ذكر
عدد الرسائل : 21
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 210
بلد الإقامة : ـــــ
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 Progra10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 1410
نقاط : 6037
ترشيحات : 0
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 I_icon_minitime14/4/2017, 18:41

العبارة البليغة


أنا أب لأربعة أبناء أكبرهم فتاة عمرها‏ اثنا عشر‏ عاما‏,‏
وأخرى تسع سنوات, وثالثة سبع سنوات, وصبى عمره أربعة أعوام، وكنا نعيش حياة حافلة بالبهجة والإثارة والحب والوئام، وكانت زوجتى لهم نعم الأم، فلم تدخر جهدا فى سبيل إسعادهم، ولكن فجأة انقلب وضعنا رأسا على عقب, وواجهتنا أكبر مشكلة يمكن أن تواجه أطفالا أبرياء، وأبا حريصا على أسرته ويذوب فيهم لدرجة العشق, فلقد توفيت زوجتى بعد اصابتها بجلطة فى الرئة, وفقدنا مصدر الحنان والعطف والأمومة الخالصة فكانت الطامة الكبرى والصاعقة والفاجعة لنا جميعا.

وقد فوجئت بما زاد الطين بلة, حيث استغل أحد أخوة زوجتى الراحلة هذا الظرف الحرج الذى نعيشه, لابتزازى فإما أن أعطيه مبالغ مالية دون وجه حق, أو ان يقوم بالتأثير على والدته التى هى جدة أولادى لرفع دعوى ضدى أمام محكمة الأسرة لضم حضانة الصغار إليها أو لإحدى خالاتهم, لأن القانون الأعمى يعطى جدتهم الحق فى ذلك, مع ما يستتبعه من أحكام بالنفقة وخلافه، وطبعا من المستحيل إثبات هذا الأمر على شقيق زوجتى المستغل.

ولا تسألنى عن تدخل الأهل وخلافه حيث أصبح كل إنسان مشغولا بحياته الخاصة, وغير مستعد للتدخل لإصلاح ما قد يطلب منه من تدخل للإصلاح فى مثل هذه الأمور, لكن هل يعقل أن أحرم من رفيقة عمرى ثم إما ان احرم من أطفالى الأبرياء بسبب القانون، أو أن أخضع طوال حياتى للابتزاز الرخيص؟

إننى أرجو من العقلاء، رحمة بالآباء المتوفى عنهم زوجاتهم، أن يطالبوا بتعديل القانون بحيث تتم التفرقة بين من طلق زوجته فيعاقب على هذا الفعل بحرمانه من أطفاله, وبين من توفيت عنه زوجته فتكون الحضانة فى هذه الحالة للأب إلا أن يثبت أنه غير صالح لحضانتهم لسوء سلوكه أو خلافه، وأرجوكم ان ترحمونى فأنا أب مسكين أتعذب وأتجرع مرارة فقدانى رفيقة حياتي, وتهديدى بحرمانى من أطفالي, فأحكام الحضانة وسن انتقال الحضانة فى التشريع الإسلامى لم تحدد بالقرآن, ولا بالسنة وإنما تكون دائما باجتهادات فقهاء المسلمين, وإنى أسألك: ألا من مجتهد يدرك ظروف مجتمعنا، ويعلم أن الرجل خصوصا إذا كان موظفا يقضى أغلب وقته فى البيت ويستطيع رعاية أطفاله رعاية كاملة؟

> ولكاتب هذه الرسالة أقول :

«ِإن لم تستح فافعل ما شئت».. هذه العبارة البليغة تلخص موقف شقيق زوجتك الراحلة من أولاد أخته التى لقيت وجه ربها, فبدلا من أن يساعدهم ويأخذ بأيديهم, ويخفف عنهم آلامهم, إذا به يتخذهم وسيلة للحصول على مال زائل, ونسى أن بطش الله شديد، وبصراحة شديدة فإننى فى مثل هذه الظروف أميل دائما إلى الأخذ بالحلول العرفية وليس الرسمية, فتستطيع أن تستعين بأناس ثقات من العائلة أو الحى الذى تعيش فيه لكى يخاطبوا فى جدة أطفالك الإنسانة التى فقدت ابنتها, وأنها لا ترضى أبدا أن تتألم فلذة كبدها فى قبرها بسبب تصرف أحمق يقلق راحة أبنائها, ويجعلهم يعيشون حياة تعيسة، وكلى ثقة فى أن روح الحب سوف تتغلب على الروح الشريرة التى تسيطر على شقيق زوجتك, وسوف يرتد خائبا بإذن الله، أما عن القانون الذى يحول بين الأب وبين أبنائه فى مثل ظروفك فهو بالفعل قانون جائر لعل المشرعين يتنبهون إليه ويتولون تعديله. ولله الأمر كله وهو وحده فعال لما يريد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
راجي عفو الخلاق
عضو جديد
عضو جديد
avatar

ذكر
عدد الرسائل : 21
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 210
بلد الإقامة : ـــــ
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 Progra10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 1410
نقاط : 6037
ترشيحات : 0
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 I_icon_minitime14/4/2017, 18:43

بريد الجمعة يكتبه: أحمد البرى
أرجوحة المصير!


بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 2017-636277110347762201-776

أتابع بانتظام بابك الشهير، ولم يخطر ببالى أننى سأكون واحدة من بطلات قصصه ومآسيه
، وفجأة وجدتنى ألتقط الورقة والقلم لأكتب إليك لأول مرة بعد أن ضاق صدرى، وارتفع ضغط دمى، وأغلقت كل السبل أمامى للوصول إلى بر الأمان مع ابنى الأوسط، فأنا سيدة متزوجة منذ أربعين عاما من زميل الدراسة، وقام ارتباطنا على الحب والتفاهم، وكافحنا معا من نقطة الصفر وصارت حياتنا سيمفونية رائعة من المودة والرحمة والحب ولم يعكر صفوها شىء، وكانت الخلافات البسيطة التى لا يخلو منها بيت تنتهى على الفور دون أن يحدث ما يكدرنا، فحتى فى الخلاف كنا أحباء، وساد بيننا مستوى راق من التعامل، ولم يرتفع صوت أى منا على الآخر أبدا، أو يتلفظ بكلمة نابية على الإطلاق، وسافرنا إلى دولة خليجية، وفتح الله لنا باب رزق واسعا، وسارت حياتنا هادئة مطمئنة، وأكرمنا سبحانه وتعالى ببنت وولدين هم قرة العين وروح الفؤاد.

ومرت السنوات تباعا وتفوق كل منهم فى دراسته، وتزوجوا جميعا وصارت لهم أسر مستقلة، وأصبح لكل واحد بيته وحياته وعمله، وتظلل روح المودة والتراحم حياتنا وحياتهم، ولكن ظهرت لنا مشكلة وحيدة لا أدرى كيف نواجهها، وهى تخص ابنى الأوسط الذى يعمل عضو هيئة تدريس بجامعة إقليمية، وهو على قدر كبير من الذكاء والوسامة، وقضى عدة سنوات فى دولة أوروبية لنيل درجة الدكتوراه منها، فلقد اضطررنا على عجل إلى تزويجه بإحدى تلميذاته فى الكلية التى يعمل بها، وهى تتميز بالجمال والأخلاق الطيبة، ومن أسرة متدينة ووحيدة والديها، ولأنها صغيرة فى السن وتعودت عدم المسئولية ربما نتيجة التدليل الزائد بحكم أنها وحيدة، تفاقمت المشكلات بينهما فى الغربة، وامتدت إلى ما بعد عودتها إلى مصر، وهى مشكلات تافهة من وجهة نظرى بحكم سنى وخبرتى فى الحياة، ومعظمها اختلاف فى وجهات النظر، وكان من الممكن تداركها سريعا، فكم من مشكلات مشابهة حدثت بيننا أنا وزوجى ولكن سرعان ما كنا نتغلب عليها، ويحتوى كل منا الآخر، لكن ابنى وزوجته لم يستوعبا هذا الدرس الذى رددناه عليهما كثيرا، وأخذت أمورهما حجما أكبر من حجمها الأصلى بلا داع، ويكمن السبب فى مشكلاتهما معا إلى أنها قليلة الخبرة بالأعمال المنزلية، وكسولة إلى أقصى درجة يمكن أن تتخيلها، وتعشق النوم والمكياج والملابس الأوروبية الضيقة والإكسسوارات، وتهمل واجبات المنزل، ورعاية الأطفال، وتعتقد أن غاية واجباتها هى إرضاء الزوج فى العلاقة الخاصة فقط، واكتشفنا أن عقلها فارغ ولا يشغلها شىء مفيد، ولا تستطيع أن تتحاور مع زوجها فى أى موضوع أو تبادله الحديث فى أى أمر من الأمور، وكل هذا كان يمكن تحمله أو إصلاحه لو أنهما تداركا خلافاتهما وامتثلا لنصائحنا بعدم توسيع دائرة المشاحنات، ولكن للأسف الشديد انحدرت علاقتهما إلى تبادل الألفاظ البذيئة والسباب الذى لم نعرفه أبدا، واستنجدت بأهلها وإذا بهم يتطاولون على ابنى، ويصرون على أن يطلق ابنتهم، وأن يدفع لها النفقة ويسلمها قائمة المنقولات لأنهم يعلمون جيدا أن ظروفه المالية لا تسمح له بتكبد ما سوف يسفر عنه الطلاق، إذ ليس لديه إيراد خاص سوى ما يتقاضاه من مرتب الوظيفة.

ولك أن تتخيل حالى وأنا أرى ابنى الهادئ المؤدب المتدين يخرج عما تربى عليه، ويبادلهم الألفاظ السيئة، ويضربها بعد أن ضربته.. فعلا شىء لم أتخيله أبدا، وزاد الأمر سوءا أن ابنى استدار إلينا، وأخذ يعدد المواقف، ويقول إننا السبب فيما يعيشه من متاعب لأننا مارسنا عليه ضغوطا لكى يتزوج على عجل، وقبل أن يستقر على فتاة يختارها بنفسه دون توجيه ولا إملاء منا، ولمست الكراهية التى تسللت إلى قلبه تجاهها، وبذلنا كل ما فى وسعنا لإصلاح أمورهما خاصة بعد أن أنجبا طفلين لا ذنب لهما فى خلافاتهما، ولكن دون جدوى، لقد هجر ابنى زوجته تماما، وعندما حدثته فى هذا الأمر، رد علىّ بأنه يريد الارتباط بفتاة أخرى تعمل معه فى الكلية نفسها، وهى أقل منها جمالا، ولكن تفوقها ذكاء ولباقة وكياسة، وأصبح قاب قوسين أو أدنى من أن يطلق أم طفليه للزواج بهذه الفتاة، ونحاول جاهدين ألا يطلقها حرصا على مستقبل ابنيه، وسعيا إلى تنشئتهما تحت رعايته، ولكنه يرفض بإصرار لأن ظروفه لا تسمح له بتوفير شقة أخرى للزوجة الثانية كما أنه لن يتمكن من الإنفاق على بيتين، أما أهل زوجته فيتعاملون معه من منطلق أن القانون فى صف ابنتهم، وأن الشقة من حق الزوجة، وغير ذلك من التبعات التى سوف تترتب على طلاقها، وهذا فى حد ذاته يزيد الأمور تعقيدا، فماذا نفعل؟.. هل نوافقه على زواجه الثانى؟، وهل يطلق زوجته الأولى والدة ابنيه، أم يجمع بين الاثنتين؟.. أرجو أن تساعدنا برأيك للخلاص من القلق والتوتر، والجراح التى لا نعرف سبيلا إلى التئامها.

> ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

فى القرارات المصيرية يجب التأنى دائما، ففى العجلة الندامة، ولذلك أرى أن تسرعكم فى تزويج ابنكم كان قرارا خاطئا، إذ لم يدرس لا هو ولا زوجته طبائع بعضهما، ولم تتح لهما الفرصة الكافية للتعرف على أوجه الاتفاق والاختلاف فيما بينهما، ولا يكفى للدلالة على وجود توافق بين الطرفين ما نراه ونلمسه من صفات كل منهما كالجمال والأخلاق والمؤهل الدراسى، فكيمياء التلاقى بين الطرفين تحكمها عوامل خفية إلى جانب الصفات الملموسة التى يمكن رصدها، ولذلك تكشفت حقائق غابت عنكم عن طباع زوجته، من الكسل والاهتمام بالمظهر والملابس على حساب الأعمال المنزلية، ولم تدرك أن على الزوجة مسئوليات عديدة تجاه بيتها الذى يعد مملكتها الأولى، وأنها إذا لم تهتم به فإنها تهدم عمودا أساسيا فيه مما ينذر بانهيار الحياة الزوجية فى أى لحظة، وبالمثل لم يكن ابنك قادرا على لملمة شتات زوجته واستيعاب تقلباتها، فاصطدم معها بعد أن تبخرت سعادة شهر العسل، وآفاق على أن نجاح العلاقة الخاصة وحدها ليس كافيا لإقامة حياة مستقرة، وبالطبع فإنها لم تدرك هى الأخرى أن صنيعها من هذه الناحية لا يكفى وحده، وإنما هناك نواح أخرى تكتمل بها أركان البيت، وإلا فإن حياتهما الزوجية تكون مهددة بالانهيار فى أى وقت، وما دامت الأمور قد وصلت بينهما إلى ما وصلت إليه، فلن يحلها زواجه بأخرى، وهى على ذمته، ويتطلب الجمع بينهما موافقتها ورضاها، لكنك لم تشيرى إلى ذلك، فربما ترفض هذا الوضع، وترفع دعوى طلاق ضده للضرر، وفى هذه الحالة ستحصل عليه مع احتفاظها بكل حقوقها التى كفلها لها الشرع والقانون، ولذلك فإن مسألة الجمع بين الاثنتين تتوقف على ثلاثة عوامل مهمة هى استعداد زوجته لأن تشاركها أخرى فيه، وقبول الزوجة الثانية احتفاظه بالأولى، وقدرته على العدل بينهما، وإلا فإن حياته ستكون مرشحة لمزيد من المعاناة مع ما يترتب عليها من انهيارات نفسية وأسرية وتأثير على الأبناء.

ومن هنا فإن على ابنك أن يدرس أمره جيدا، وأن يعيد النظر فى موقفه من زوجته مادام لم يحدث بينهما ما تستحيل معه عشرتهما، وألا يظلمها، وأذكره بتحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم من ظلم الزوجة، وضرورة الإحسان إليها بقوله: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى»، ولا يبخسها حقها، فإن رفضت أن يتزوج عليها، فليسرحها بإحسان، فالحقيقة أن الزواج الثانى إذا لم يكن برغبة الزوجة الأولى فإنه يفتح بابا للمنغصات والمتاعب على الزوج لن يتمكن من إغلاقه أبدا، أما إذا قبلت به وقاسمت الثانية حياتها فى رضاء تام مادام زوجها يعدل بينهما، فإن الحياة الزوجية بين الثلاثة تكون مرشحة للاستقرار، إذ أنه حينئذ سيصبح واثقا فى نفسه بدرجة أكبر، ويستطيع تحقيق مشاريعه وأحلامه.

ويجب أيضا أن يهيئ ابنك طفليه على قبول زوجته الجديدة، وعليها هى الأخرى أن تقترب منهما وتشعرهما أنها «مثل» أمهما تماما، وتكون قادرة على استيعاب تقلباتهما إلى أن يطمئنا لها، وعلى أمهما أيضا أن تضع مستقبلهما فى مقدمة الاعتبارات وهى تتخذ قرارها بشأن علاقتها بزوجها، فالوالدان هما القدوة الفاعلة فى نفوس الأبناء، حيث يشعرون معهما بالأمان والرضا والعزة، ورعايتهما لهم لها أثر كبير فى تنشئتهم السوية، ومن هنا ينبغى على إبنك إدراك أن الزواج الثانى أمر قد يكون حلا لبعض المشكلات الاجتماعية، ولكن بشروط إن انسلخ منها فقد يدخل فى دائرة المحرمات، وربما يتسبب فى التفسخ الاجتماعى والأخلاقى وزرع الكراهية داخل النفوس، ومن ثم يصبح سببا فى تدمير حياة أسرة هانئة، فهناك مسئولية كبيرة على الأب مثل وجوب النفقة لقوله تعالى: «وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» (البقرة 233)، وقوله تعالى: «أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى» (الطلاق 6)، كما أن هذا الجانب قد يتأثر لعدم القدرة على الإنفاق على أسرتين فى آن واحد، أو تحريض الزوجة الثانية ضد الأسرة الأولى، وهذا يحدث فى معظم الزيجات, وقد يدفع الزواج الثانى الأب إلى إهمال الجانب التربوى لأبنائه، ويتركه لزوجته الأولى وحدها، وهذا ما حذر منه رسول الله بقوله: «كفى بالمرء إثما أن يضيّع من يعول»، وقوله أيضا «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالأب راع فى بيته، ومسئول عن رعيته»، ولأن الأسرة هى التى تخلق حالة التوازن النفسى لتكوين الشخصية، فإن الشرع وضع شروطا للزواج بأكثر من واحدة حتى لا يسعى إليه الرجل لمجرد أنه يريد إشباع رغبة لديه، ومنها أن يكون قادرا على الإنفاق والعدل بين زوجاته ورعاية أبنائه.. ومن هنا فإنه إذا كان ابنك لا يستطيع الإنفاق على بيتين لأن ظروفه لا تسمح بذلك، وبالتالى لا يريد أن يجمع بين زوجتين، فله ما أراد بشرط أن يعطى زوجته حقوقها الكاملة التى يكفلها الشرع والقانون، وأن يصرف على ابنيه، وأن يحرص على تنشئتهما فى كنفه، فاجلسوا معه وناقشوه بهدوء فى ظل هذه المعطيات ليتخذ قراره وهو على بينة من أمره، فمصيره فى ظل حالة التردد التى تعيشونها أشبه بالأرجوحة التى تتأثر بأى رياح، ولا شك أن وضع النقاط على الحروف سوف يساعده على اتخاذ القرار السليم بموافقة جميع الأطراف بما فى ذلك أهل زوجته الأولى، والعروس المنتظرة، وأسأل الله أن يلهم ابنك القرار السليم فى مشواره مع الحياة، وهو وحده المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الليلة الكبيرة
مرشح
الليلة الكبيرة

انثى
عدد الرسائل : 786
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 210
بلد الإقامة : الفيوم
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 Office10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 110
نقاط : 7011
ترشيحات : 7
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 I_icon_minitime27/4/2017, 21:16

بريد الجمعة يكتبه : أحـمـد البـرى
الناقوس الزجاجى!


بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 2017-636234870485155483-515


أنا فتاة فى سن الشباب، لا يشغلنى ولا يؤرق مضجعى شىء سوى مأساة صديقتى فهى على شفا انهيار عصبى بعد أن تحطمت أشياء كثيرة بداخلها،
وصارت حياتها نزيفا متواصلا من الأحزان والآلام، وقد وجدتنى بعد تفكير طويل أكتب إليك حكايتها عسى أن تأخذ بيدها إلى بر الأمان، وتساعدها على الخلاص من العذاب الذى تعانيه بلا ذنب ولا جريرة، فهى فتاة عمرها خمس وعشرون سنة، بدأت رحلتها مع المتاعب عندما كان عمرها أربع سنوات، إذ انفصل أبوها عن أمها التى هربت مع شخص ما، ولا يعلم عنها أحد شيئا منذ ذلك الوقت، وتولى أبوها رعايتها هى وأشقائها «بنتان وولد»، وكان يعمل وقتها موظفا صغيرا بإحدى الجهات نهارا وحارسا لعمارة تملكها مديرته فى العمل ليلا، وأصبحت البنات يجلسن مع والدتها فى العمارة نفسها، إلى أن يعود من عمله، واستمر الوضع على هذه الحال لفترة، وذات يوم اصطحب ابنته الصغيرة إلى العمل، ورأتها سيدة أخرى تشغل منصبا قياديا فى الجهة التى يعمل بها، فاقترحت عليه أن تأخذها وتربيها، فلم يتردد، وفرّط فيها، مع أن هذه السيدة لديها أبناء يعيشون مع أبيهم الذى انفصلت عنه، وتزوجت بآخر لديه أبناء أيضا، وقد تسألنى وما الذى دفعها إلى أن تأخذ هذه البنت؟.. والإجابة ببساطة أنها فكرت فى تسجيلها باسمها هى وزوجها لتكون من ورثته فيما بعد، ولا يأخذ أولاده معظم التركة، والغريب أنه لم يفكر فى هدف زوجته الخبيث ولم يخطر له على بال، وأخذ البنت وعاملها بإحسان، لكنه لم يكتبها باسمه بعد أن تأكد من حرمة التبنى، وهكذا وجدت نفسها وسط عالم آخر بين يوم وليلة.. أب وأم غير الأب والأم الحقيقيين، وأخوة جدد غير أشقائها الذين كانت تعيش معهم، وصار عليها أن تناديهما بـ «بابا» و «ماما»، وأحبها الرجل بشدة، واعتبرها بالفعل إبنة له، لكن بناته كرهنها فى البداية، ثم شيئا فشيئا تعودن عليها، ونجحت هذه السيدة فى تحقيق هدفها، وتحدت الجميع بطفلة بريئة.

وقد تظن أن حياتها أصبحت وردية بعد هذه البداية العصيبة، لكن ما حدث هو العكس، فإذا فعلت أى خطأ كما يخطىء الصغار دائما يكررون على مسامعها الجملة التى دأبوا على ترديدها «حنطردك إلى الشارع»، وعاملتها السيدة التى اعتبرت نفسها أمها بقسوة، أما زوجها فكان هو ملاذها الوحيد، ودافع عنها ووقف فى صفها، وبرغم أن أبناء هذه السيدة يعيشون بعيدا عنها مع زوجة أبيهم، وهم أربعة «ثلاثة ذكور وبنت واحدة هى الكبرى»، فإن إبنتها هذه دأبت على التربص بها، وظل هدفها الوحيد هو أن تحيل حياة الفتاة المسكينة إلى نكد دائم، فى الوقت الذى تحاول فيه أن تبدو طيبة فى نظر الآخرين، وبمرور الوقت صارت إبنة هذه السيدة صاحبة القرار والرأى والمشورة لديها، فإذا ادّعت كذبا أن البنت الصغيرة ارتكبت خطأ أو لم تنفذ أمرا، يكون الرد قاسيا بضربها وسبها.

وبفضل الله وكرمه تفوقت البنت برغم المكائد التى دبروها، ومحاولات إفشالها فى الدراسة، وفى المرحلة الثانوية ضيقوا الخناق حولها بافتعال مشاجرة وألقوا بها فى الشارع، فاستلت سكينا وبدأت فى تقطيع شرايينها سعيا إلى الخلاص من حياتها المؤلمة، ورأى الرجل الطيب هذا المشهد العصيب، فأسرع إليها وحملها إلى المستشفى وسط إصرار زوجته على تحرير محضر ضدها وسجنها أو إيداعها فى ملجأ أو دار أيتام، وبعدها هدأت الأمور قليلا، وبمساعدته أيضا ركزت فى دروسها وحصلت على مجموع كبير أهلها لكلية الهندسة، والحق أنه ساندها حتى تخرجت، ولم تجد عملا لمدة سنتين متواصلتين، ثم التحقت بمكتب هندسى لم تستمر فيه طويلا، وتسارعت الأحداث حولها، إذ مرضت السيدة التى تعيش معها، وخضعت لعملية جراحية، ثم مات الرجل الذى لم يكن لها فى الدنيا سواه، والذى كان يحبها أكثر من بناته، وقد كتب باسمها مبلغا لا بأس به من ماله الخاص حيث أنها لن ترث فيه.

وبعد رحيله ظهرت إبنة السيدة على حقيقتها، وكشفت عن طمعها فى أموال زوج أمها الذى لم تعش معه، ولم تخدمه أو تربطها بأبنائه أى علاقة، وعلا صوتها على الفتاة الضحية، وأحالت حياتها إلى جحيم من جديد، فإذا أتى لها عريس توسم فيها الزوجة الصالحة لا تتركه حتى يخرج ولا يعود مرة أخرى، ولا تكتفى بذكر الحقيقة المجردة عن حياة الفتاة المسكينة، وإنما تزيد من مخيلتها وقائع وأحداثا غير صحيحة للإساءة إليها بأنها ليس لها أهل معروفون، ولا تنطق السيدة متحجرة القلب بحقيقة ما صنعته، كما أن أباها الحقيقى لم يظهر حتى الآن!.

إنها لا تحيا حياة طبيعية مثل كل البنات، والخيط الرفيع الذى يربطها بهذا المنزل الذى تربت فيه هو هذه السيدة دائمة المشكلات معها، فلو ماتت سوف تجد نفسها فى الشارع فعلا، ولن يدعها أحد تعيش فيه.. لا إبنة السيدة ولا أبناؤها، ولا أبناء الرجل.. الكل سوف يتخلصون منها، وهم أيضا يستخسرون فيها زوجا مناسبا، ويعتبرون أن مثلها يجب ألا تنظر إلى أعلى، ولا أدرى ما ذنبها؟، فلقد عاشت فى مستوى راق، ولم يكن بيدها أن تختار من تحيا معهم، وإنما وجدت نفسها مع هذه الأسرة بما فعلته هذه السيدة، أى إنها أجبرت على هذه الحياة، وعاشت مع أناس لا يعرفون سوى الحقد والنفاق والطمع والجشع والغيرة والخداع، وبرغم المآسى والأهوال التى تعرضت لها من الكثيرين حولها فإنها حافظت على نفسها وأخلاقها، ولم تتشبه بهم، ورفضت تماما أن تلعب نفس حيلهم وألاعيبهم، وهناك الكثير من ألوان المعاناة، وتفاصيلها المروعة التى تبين الفظائع التى مازالت تتعرض لها، وقد تسألنى عن أمها الأصلية، فالحقيقة أننى لم أكتب عنها شيئا، إذ ليس لها دور فى قصة إبنتها، وقد حاولت أن أتوصل إليها، فهناك من يقول أنها ماتت، ومن يقول أنها هاجرت إلى مكان غير معلوم، والله وحده هو الأعلم أين تكون، ولكن لا فائدة من أم رمت أولادها، وشردتهم، وكذلك الحال بالنسبة للأب الحقيقى الذى ضحى بابنته، ولم يحاول ان يتصل بها، ولا تعرف له موطنا!.

لقد مرت خمسة شهور على وفاة الرجل الطيب، وتزداد الدنيا سوادا فى عينيها كلما مرت الأيام وهى على هذه الحال، وأحاول يوميا أن أزيل هذا السواد، وأقول لها إن الأمل قائم فى غد أفضل، لكن الموت حاضر بقوة فى حياتها، وقد تقدم على الانتحار من جديد إذ تعتبره أهون من إلقائها فى الشارع، ولا أدرى ماذا أفعل لها بعد أن ترسخت فى عقلها فكرة أن تقتل نفسها، فبماذا تنصحها؟

> ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

هناك مجرمان فى حق صديقتك البريئة التى تتقاذفها الأمواج وتتهددها الأخطار منذ طفولتها وحتى الآن، وتدق أجراس الخطر ناقوس حياتها الزجاجى القابل للكسر فى أى لحظة.. أما المجرم الأول فهو أبوها الذى ضحى بها، وسلمها لمديرته ربما مقابل بعض المال، أو أى ثمن آخر، غير مبال بمستقبلها، ولا بالمتاعب التى ستواجهها، ولا ما سوف تصنعه بها الأيام والليالى، ولم يفكر فى متابعة أحوالها، ولو من بعيد، فهى تحمل اسمه، ومن حقها عليه أن يتابع أحوالها، ويكون على صلة دائمة بها، وأن يمد جسور التواصل بينها وبين أشقائها، والمجرمة الأخرى هى السيدة التى أخذتها لكى تنغص بها حياة أبناء زوجها بعد أن أخذ مطلقها أولادهما، ولكن الله كان لها بالمرصاد، فلقد أحب الرجل الطفلة وكان لها نعم السند والمعين وعرف ربه حق المعرفة، فلم ينسبها لنفسه لحرمة التبنى، وإنما رباها وعلمها وخصص لها مبلغا من أمواله يعينها على متاعب الحياة بعد رحيله، فحقق ما أمرنا به القرآن الكريم، وأذكر فى هذا الصدد تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة الذى أهدته له السيدة خديجة رضى الله عنها، وأطلق عليه اسم زيد بن محمد إلى أن أبطل الله التبنى فى قوله تعالى «مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا» (الأحزاب 40)، وقوله أيضا «مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِى تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِى السَّبِيلَ، ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِى الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا» (الأحزاب 4 ، 5)، وهذا هو الطريق الصحيح الذى سلكه الرجل الطيب معها، فهو وأولاده ليسوا من محارم الفتاة، ومن الممكن أن يتزوجها أحدهم، ولذلك فإن فى الأمر خطرا شديدا لوجودها مع شباب كبار تحت سقف واحد، علاوة على ما فى ذلك من أذى نفسى لها.

والحقيقة أنه أحسن صنعا بكفالته لها وليس بتبنيها انطلاقا من قول الله عز وجل «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (التوبة 71)، كما أن هذه الفتاة تحمل اسمى أبيها وأمها الحقيقيين منذ مولدها، ومن ثم فإن طريق الكفالة كان هو الأنسب لها، ولكن السيدة التى أخذتها من أبيها لم تدرك فداحة جرمها، ولم يفهم هو أن إقصاء ابنته من حياته سيكون وبالا عليها، فليس معنى أن تنضم إلى أسرة ثرية أنها ستكون واحدة منها، فالواقع يقول من خلال التجارب المماثلة أن النتيجة الحتمية لذلك هى رجال ونساء مشوهون نفسيا، يلعنون اليوم الذين جاءوا فيه إلى الدنيا، ويحدث هذا مع «اللقطاء» الذين لا يعرفون لهم أباء ولا أمهات، فما بالنا بمن تدرك أن أباها وأمها قد انفصلا، وأخذ أبوها أشقاءها معه إلى مكان مجهول بعد أن سلمها لسيدة لا تبالى بمستقبلها وتهددها بالطرد إلى الشارع كلما ادّعت عليها ابنتها الكبرى سلوكا لم تأته أو تصرفا فسرته حسب مزاجها!.

ولا شك أن منبع مشكلة صديقتك بدأ منذ طلاق أبويها، فالأم تزوجت بآخر، وانتقلت إلى مكان غير معلوم، والأب تصور أن تخلصه من ابنته الصغرى سيكون فى مصلحتها لأنها ستصبح فى رعاية أسرة قادرة ماديا، ولم يفطن إلى أن «ثقافة الإقصاء» التى تصورها خيرا لها، ستؤدى بها إلى ما هى فيه الآن من اضطراب نفسى شديد قد يؤدى بها إلى الهلاك، وحتى لو ظهر أهلها الآن، فإنها لن تستطيع العودة إليهم والتأقلم معهم، بعد أن قضت كل مراحل تكوينها وحتى الآن فى كنف أسرة اعتبرت أفرادها هم أهلها، ومن هنا فإن علاج مشكلتها يجب فيه مراعاة الظروف التى نشأت وتربت فيها ، وأحسب أنها مكسب كبير لمن سيرتبط بها، فهى ليست مجهولة النسب لكى يبتعد عنها من يرغب فى خطبتها والزواج بها، فالظروف التى أحاطت بها هى التى أوجدت المشكلة منذ البداية، وتتحمل هذه السيدة مسئوليتها كاملة أمام الله، وعليها تكفيرا لذنبها أن تكمل معها المشوار إلى النهاية، وأن تبعد ابنتها الكبرى عن طريقها.

إن ابنة هذه السيدة التى عاشت مع أبيها بعد طلاقهما لم تلق التربية السليمة، ولذلك مارست الحقد على الفتاة المغلوبة على أمرها، وتحاول إلحاق الأذى بها، بالإدعاء عليها كذبا أفعالا لم تأتها، وتهديدها بالطرد إلى الشارع. ولقد سئل رسول الله أى الناس أفضل فقال: «كل مخموم القلب صدوق اللسان»، ثم فسر مخموم القلب بقوله هو النقى التقى، لا إثم فيه ولا بغى ولا غل ولا حسد، فلتعلم أن إيذاءها فتاة بريئة سوف تلقى عنه جزاءها العادل ممن لا يغفل ولا ينام، وعليها أن تراقب نفسها داخليا، وأن يتوافق سلوكها مع منهج الله، والابتعاد عن مهاوى الضلال، إذ يقول تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (الحشر18)، ويقول رسول الله «اتقوا معاصى الله فى الخلوات فإن الشاهد هو الحاكم»، فإذا ضعفت الرقابة الداخلية، فلا نهاية للأفعال الخلوية التى سرعان ما تظهر سماتها الإجرامية والعدوانية تجاه الآخرين، مصداقا لقوله تعالى «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ» (الأعراف 96).

والشخص السوى يحب للناس ما يحبه لنفسه، لكن والد هذه الفتاة التى هى من صلبه لم يتعلم شيئا من ذلك ليضيف آفة جديدة إلى آفات انفصال الأبوين وتشتت الأبناء، والدرس الكبير الذى يجب أن يتعلمه الجميع فى تربية أبنائهم هو ضرورة تنمية الحس والوازع الدينى والضمير وحب الخير من أجل الخير، وليس من أجل المصلحة الشخصية، والعقاب الرادع والحاسم والمؤثر فى حالة الخطأ.

وإنى أتساءل: ألا تدرك الإبنة الكبرى أن كل من حولها يعرفونها على حقيقتها حتى وإن أبدت سلوكيات طيبة بعكس المكائد التى تدبرها فى الخفاء؟، وفى مثلها قال رسول الله «إن من شر الناس عند الله يوم القيامة ذا الوجهين» لأنه يتخذ أسلوب الكذب، والتملق تجارة يحقق من خلالها أرباحه الدنيئة من مصالح دنيوية، ولا يتورع عن ارتكاب أشد المعاصى بحق الآخرين، فيتفنن فى توجيه المكائد من كذب وبهتان، ولم يغفل القرآن الكريم هذا الجانب فقال عز وجل «وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا» (النساء 112).

فكفى صديقتك نصرا أنها ترى هذه السيدة وابنتها تعصيان الله فيها، وعليها أن ترد إساءاتهما إليها بإحسان، وأن تضع نصب عينيها أن عاقبتها عند الله، فالمكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، ويجب ألا تنزل إلى مستواهما، فهى ليست أول ولا آخر من واجه المكائد والحسد.

وكما قال الشاعر:

لولا اشتعال النار فيما جاورت

ما كان يعرف طيب عرف العود

وأرجو أن تضع صديقتك الأمور فى حجمها الصحيح، ولا تبالى بكل ما حولها، وتستطيع أن تبدأ حياة مستقرة فى سكن مستقل، وأن تسعى إلى عمل مناسب، وسوف يأتيها نصيبها العادل فى الحياة، وعليها أن تتقرب من الله سبحانه وتعالى، فيهيئ لها من أمرها رشدا، وهو وحده المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الليلة الكبيرة
مرشح
الليلة الكبيرة

انثى
عدد الرسائل : 786
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 210
بلد الإقامة : الفيوم
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 Office10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 110
نقاط : 7011
ترشيحات : 7
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 I_icon_minitime27/4/2017, 21:18

بريد الجمعة يكتبه : أحـمــد البــــــرى
الوعد المستحيل!



بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 2017-636240877442643858-264


ترددت كثيرا فى الكتابة إليك، وحاولت أن أحل مشكلتى بنفسى ولكنى واجهت صعوبة شديدة فى التغلب على متاعبى
ووجدتنى غير قادر على تحمل الصعاب التى تدمرنى نفسيا وصحيا، وانتهيت إلى أن أستعين بخبرتك فى معالجة قضايا أسرتى وحياتى الزوجية، فأنا شاب لم أكمل الثامنة والعشرين من عمرى، ويشهد أهالى المنطقة التى أعيش فيها بجنوب الجيزة أننى على خلق، ويعرف زملائى فى العمل عنى الاستقامة والإلتزام، ولم يعكر صفو حياتى شىء إلى أن التحقت بالجامعة ووصلت إلى السنة النهائية فى كليتى إذ فكرت وقتها فى اختيار شريكة حياتى، ووجدت صعوبة بالغة فى البحث عمن تناسبنى فى المجتمع الواسع الذى أعيش فيه، ولازمنى الخوف من التورط فى زواج تقليدى أقبله رغما عنى، بحكم أن دخول بيوت الناس ليس أمرا سهلا بالنسبة على الأقل للتنشئة التى تربيت عليها، وعلاقات المعارف والقرابة والصداقة مع الآخرين، وهادنى تفكيرى إلى التنقيب عن زوجة المستقبل بين زميلاتى، دون الدخول فى علاقة مباشرة مع أى منهن، ثم وقعت عيناى على إحداهن، وظللت أنظر إليها فى صمت كلما التقينا فى الكلية، وفى نهاية العام وقبل أن يذهب كل منا إلى سبيله أفضيت إلى زميلة مشتركة لنا بما فى قلبى من مشاعر تجاه فتاتى، فتكفلت بالحديث معها، ورفع الحرج عنى، وفاتحتها فى أمرى، فقابلت كلامها بسخرية شديدة فى البداية، وبعد أن راجعت موقفها، تحدثت معى فى أمور عامة، وتقابلنا أكثر من مرة خلال تحضيرنا أوراق التخرج، ثم افترقنا، وعرف عدد من أصدقائى حكايتى، فحذرونى من أنها علاقة غير متكافئة من حيث المستوى الاجتماعى، إذ أنها تسكن فى منطقة راقية، وهناك فرق كبير بينها وبين المنطقة التى نعيش فيها، وبعد فترة التقيت بزميلتنا المشتركة، وتجدد الحديث عن فتاتى، وجمعتنا الأقدار من جديد، ووافقت هذه المرة على أن أتقدم لطلب يدها من أسرتها، والتقيت عددا من أهلها، وشرحت لهم ظروفى ووضعى الاجتماعى، وأبلغتهم أننى سأعتمد على نفسى فى تجهيز عش الزوجية، والبحث عن فرصة عمل مناسبة، وزاروا المنطقة التى أعيش فيها، وشاوروها فى الأمر، فرحبت بأن تكون معى فى أى مكان، ومع ذلك حذرونى من تقلباتها، وأكدوا لى أنها لن تتكيف معى، ولن ترضى بالمعيشة فى ظروفى بعد الحياة الرغدة والميسورة التى تحياها مع أسرتها، وتركت لها فرصة الاختيار وتحديد موقفها، فأكدت رغبتها فى الارتباط بى وطلبت منى أن أسعى إلى الانتقال إلى منطقة أخرى غير التى سنتزوج فيها بعد أن تتحسن أحوالى، فوعدتها بأن أبذل قصارى جهدى لإسعادها وتلبية رغباتها، وتزوجنا وسط تحفظ من أسرتينا، وانتقلتا إلى شقة الزوجية، لنبدأ حياتنا معا، وفى الشهور الأولى عمت السعادة بيتنا، ووجدتها رقيقة ومهذبة، وراضية بالمعيشة فى منطقتنا الشعبية، ثم تمردت شيئا فشيئا على المكان والجيران، وحل النكد محل الفرح، وذقت طعم المعاناة لأول مرة فى حياتى، وحاولت أن أتفادى نشوب أى مشكلات بيننا، وقابلت تمردها بصبر وألفة ومحبة، ولكن هيهات لها أن تحيد عن موقفها الرافض لوجودها بين أهلى وجيرانى، وعلى مدى أربع سنوات لم تهدأ، ولم يلن جانبها أبدا، ولم يحل إنجابها طفلتنا الأولى عن افتعال «الخناقات»، ورفعت صوتها علىّ، وسبتنى كثيرا، وقللت من شأن أهلى، وأنا عاجز عن اتخاذ موقف منها، ولم أستطع البعد عنها، أو الرحيل من منطقتنا، والمعيشة بجوار أهلها، فبدأت فى الذهاب إليهم لفترات قصيرة ثم طالت أيام وجودها فى بيتهم، وضغطت علىّ لتلبية رغبتها فى السكن الراقى، فلجأت إلى أمها وأختها وخالها، ولم أجد صدى لشكواى لديهم، بل إن أمها لم تهتم بهذا الأمر فهى تعيش بمفردها، وأغلب ساعات اليوم تكون خارج المنزل، وعلى سبيل التجربة امتثلت لرغبتها فى المعيشة مع أمها إلى أن تتيسر الأحوال حتى تسير عجلة الحياة بنا برغم عدم اقتناعى بهذه الخطوة التى عارضتها والدتى كثيرا، وتصورت أن زوجتى ستهدأ، وستتحسن معاملتها لى بعد أن حققت ما كانت ترمى إليه بوجودها وسط أهلها، لكنها استمرت فى أسلوبها الجاف معى، وذات مرة تعدت علىّ بالقول، وتجمع أهلها، وهممت بمغادرة المنزل، فإذا بها تتعرض لحالة إغماء، فاستدعوا طبيبا من المنطقة وقعّ الكشف عليها، وقال إنها تعرضت لصدمة أفقدتها النطق بعض الوقت، ولم يكن ممكنا أن أتركها وهى على هذه الحال، وظللت إلى جوارها حتى تعافت من أزمتها الصحية، وكانت وقتها حاملا فى إبنى الثانى، وقد زرنا الطبيب لمتابعة حالتها الصحية، وبينما كنا فى انتظار دورنا فى العيادة أصبت بصداع شديد وزغللة فى عينىّ، ولم أدر لذلك سببا، إذ لم أشك من أى أعراض من قبل حيث إننى رياضى، ولعبت كرة القدم سنوات طويلة، وزرت طبيبا متخصصا فى الأمراض الباطنة فى الليلة نفسها فأجرى لى تحليل سكر عشوائيا، ولاحظت عليه الاندهاش والوجوم، فسألته عن التحليل، فقال لى إن الجهاز لا يستطيع قراءة نسبة السكر فى الدم، وربما يكون به عطل، وأشار علىّ بعمل تحليل دم فى أحد المعامل، فنفذت ما طلبه، وإذ بنسبة السكر «ستمائة»، وأننى على وشك الدخول فى غيبوبة، برغم عدم إحساسى بأى متاعب!

وبدأت رحلة العلاج والشفقة من الجميع، وحاولت أن أقنع زوجتى بأن نعيش فى بيتنا خاصة أننى مازلت فى بداية مشوار الكفاح، لكنها أصرت على أن أستأجر لها شقة خاصة بها إلى جوار والدتها لأنها لن تعيش فى منزل أسرتها، ولم أفلح فى إقناعها بأننى لن أستطيع دفع الإيجار ومصاريف العلاج وتلبية متطلبات المعيشة، ولما كانت والدتها تعرف طباع ابنتها المتمردة، فإنها عرضت علىّ المساعدة ببعض المصروفات، فرفضت بشدة، واعتبرت ذلك إهانة لى برغم ما أكنه لها من احترام، فهى سيدة فاضلة بمعنى الكلمة، والحق أنها لم تتركنى فريسة للتفكير القاتل، ورأت أن تساعدنا بصورة أخرى حيث أعطتنا شقة هى نصيب زوجتى فى الميراث، وجهزناها بالأثاث، وصرفنا كل ما معنا من مدخرات، وساعدتنا أيضا فى التشطيبات بصورة غير مباشرة، وقابل أهلى موافقتى على المعيشة فى شقة زوجتى بثورة عارمة، واعتبرتنى أمى ميتا، وعشت صراعا نفسيا عنيفا بينها وهى التى لم أغضبها ولامرة واحدة طول عمرى، وبين زوجتى التى قالت لى أننى ضحكت عليها حين وعدتها بتلبية مطالبها قبل الزواج، وهكذا لم أرض أحدا، مع أننى لم أفكر فى نفسى أبدا، وسعيت دائما لإرضاء الجميع على حساب راحتى وسعادتى، وملت فى النهاية إلى كفة زوجتى واستقررنا فى شقتنا الجديدة، لكن حالها لم تتغير، وتقلل من شأنى دائما، وتعايرنى بأنها هى التى تولت كل شىء بنفسها، وأننى ضعيف الشخصية، ووصل بها الأمر إلى أنها طالبتنى بتوفير شقة أخرى من مالى الخاص بدعوى أن الشقة التى نعيش فيها ملك لوالدتها، وأنها «زعلانة» منها، وترغب فى الانتقال إلى سكن يخصنا وحدنا!، فلم أرد عليها وكتمت أحزانى، ولما وجدتنى صامتا هدأت بعض الشىء، لكن فورانها يتجدد بين لحظة وأخرى، وتقابلنى بتكشيرة يقشعر لها بدنى، ولا ألقى منها أى احترام، وكأنى أعيش مع «ديكتاتورة» تأمر وتنهى كما تشاء، وعلىّ قبول إملاءاتها بلا مناقشة أو قل هى «سى السيدة» فى المنزل، فإذا جاريتها بنفس أسلوبها تغضب وتحيل حياتى إلى نكد لا ينقطع، لدرجة أننى لا أستطيع أن أفعل شيئا دون أمر منها حتى زيارة الأصدقاء أو مجرد الخروج من المنزل، وصرت غير قادر على تحمل هذه الحياة القاسية، وقد لا تصدق أننى أخشى أن أتأخر عن العودة إلى البيت بسبب المواصلات، أو أن أقابل زميلا لى دون علمها، وكل ذلك فوق طاقتى، لكنى أمتثل له رغما عنى حفاظا على البيت والأولاد.. إننى أتمتع بشخصية قوية فى عملى وأمام الناس، لكنى ضعيف تماما فى البيت أمامها، بينما هى تتباهى بأن كل طلباتها أوامر، وأننى لا أرفض لها طلبا، وكلما ضاقت بى السبل ألجأ إلى خالها وأختها، فيقفان معى ويواجهانها بما تفعل، فلا ترد عليهما، ثم تعنفنى بأنى أكسفها وأفضحها أمام أهلها، وأننى أكذب عليهم، وأنه لن يستطيع أحد إثناءها عن موقفها.. لقد فاض بى الكيل وأفكر جديا فى الانفصال عنها، لكنى متردد فى اتخاذ هذا القرار لتداعياته على إبنىّ وحياتى ومستقبل أسرتى، فبماذا تنصحنى؟

ولكاتب هذه الرسالة أقول :

لقد جريت وراء السراب بوعدك المستحيل لفتاتك بالإنتقال إلى شقة فاخرة فى منطقة راقية فى أقرب وقت إرضاء لغرورها، واستجابة لشرطها الأساسى للزواج بك، فأنت تعلم تماما أنه لن يكون بإمكانك تحقيق وعدك لها فى المستقبل القريب، ولن تستطيع أن تخلع رداء أسرتك وأهلك وناسك لترتدى ثوبا آخر ليس بإمكانك الحصول عليه، ومع ذلك مضيت بإصرار نحو الارتباط بها غير مبال بالعواقب الوخيمة التى ستقع حتما بعد انقضاء أيام العسل الأولى للزواج، وهو ما حدث بالفعل، إذ وجدت نفسك تابعا لها، وخاضعا لإملاءاتها عليك، وأنت مسلوب الإرادة، غير قادر على اتخاذ أى قرار حتى فيما يتعلق بتحركاتك اليومية، وعلاقاتك بأصدقائك، ومواعيد عودتك إلى المنزل، فهل يعقل أن تترك لها الحبل على الغارب إلى هذا الحد، وماذا تنتظر بعد ذلك؟.

لقد تعدت الأمور بينكما مرحلة العناد إلى مرحلة سيطرتها عليك، فالتصلب فى الرأى والجحود وعدم المرونة تضفى على الأسرة جوا خانقا، وتنشر فى البيت ظلالا قاتمة، وتهيىء المناخ لنفثات الشيطان وهمزاته، مما ينذر بالاقتراب من الخطر، ولذلك كان يجب عليك أن تعالج هذه المشكلة ولا تدع زوجتك تدفع حياتكما إلى طريق مسدود، فلقد هادنتها فى موقفها المستفز بالسكوت والهدوء والانصياع لأوامرها، أما هى فنسيت أن الزوجة الصالحة تطيع زوجها، وترسم معه خريطة حياتهما، فهو أمانة فى يديها، ومنبع الإحساس والرحمة والمشاعر وتدفق الحنان، وفى ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة، الودود، الولود، الحنون على زوجها، التى إذا آذت أو أوذيت، جاءت حتى تأخذ بيد زوجها، ثم تقول: والله لا أذوق غمضا حتى ترضى، وهذه الزوجة فى الجنة»، ولقد جعل الله تعالى قوامة البيت للرجل فقال فى كتابه الكريم «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا» (النساء 34)، ففى مثل هذا الجو من الصلاح تكون قوامة الرجل بعطفه وحنانه على أسرته، ولا يجوز للمرأة بأى حال أن تحبس زوجها، أو تمنعه من الخروج من البيت، بل ولا يجوز للرجل أن يمنع زوجته من الخروج فى بعض الأحيان للحاجة الملحة، ولكن عندما تنقلب الموازين، فهذا أمر ينهى عنه الإسلام، وقد كره رسول الله «المترجلة» من النساء، فالزوجة تأثم بمثل فعلها، بل توجب غضب الله عليها بمثل هذا الفعل الذى يكاد أن يهدم البيت، ومن هنا فإن زوجتك ترتكب إثما عظيما بموقفها منك، ولا يعنى هذا أن تفعل ما يحلو لك ولا تلقى لها بالا، ولكن عليك أن تراعى التوازن بين خروجك لزيارة أصدقائك، وائتناس زوجتك بك فتخصص وقتا للجلوس معها، ومناقشة أموركما فى هدوء لتكون على بينة من الخطوات التى تتخذها فى عملك وحياتكما معا، وهذا حق لها، فخير الأمور أوسطها، وقد فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك، فكان يداعب زوجاته ويكون معهن فى كثير من شئونهن، وفى الوقت نفسه كان يخرج مع أصحابه، ويتدارس معهم شئون الدعوة إلى الله، فوازن بين الأمور كلها. أما عن سب زوجتك لك، فهذا لا يصح، ولا يجوز بأى حال، لا لك، ولا لها، فالمسلم عفيف اللسان، ويترفع عن فحش القول، ويأمرنا الله سبحانه وتعالى بذلك فى كتابه الكريم «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا» (البقرة83)، فالزوجة يجب عليها القول الحسن لزوجها وأمر الله الرجال بحسن معاشرة الزوجات، فقال «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» (النساء 19)، وفى المقابل فإن للزوج حقا كبيرا على زوجته، فجاء فى الحديث الشريف: «أعظم الناس حقا على المرأة زوجها، وأعظم الناس حقا على الرجل أمه»، ولا شك أن زوجتك هى الأخرى قد أخطأت كثيرا حين اختارتك منذ البداية بشرط الخضوع التام لإرادتها، وتلبية رغباتها وأوامرها، فهى من نوع النساء اللاتى يشترطن فى شريك الحياة أن يكون ضعيفا ومستسلما لرغباتهن دون أن يتأملن عواقب هذا الاستسلام على حياتهن الزوجية، وفى هذا الصدد أقول إن علاقة الزوج بزوجته تتأثر بالتربية الأولى له وبعلاقة أبويه بحيث تنعكس على طبيعته فى الأسرة الجديدة، فأحيانا حينما يعيش الشاب فى أسرة طبيعة العلاقة بين الأب والأم تسلطية، بحيث يكون الأب متسلطا على الأم، فإنها تنعكس على طبيعة أسرة الشاب الجديدة، ويصبح نقيضا لصورة والده فينقاد إلى زوجته، وأحسب أن هذا هو ما حدث معك، وإن لم تشر إليه، ولم توضح طبيعة العلاقة بين والدك الذى لم تذكر عنه شيئا ووالدتك، وهكذا أعطيت صلاحيات أكبر لزوجتك ثم تركت لها الحبل على الغارب، فانتزعت منك كل شىء، وسيطرت عليك سيطرة تامة.

وبصراحة فإن الزوجة التى تحاول أن تفرض شخصيتها على زوجها، وتجعله يخشاها هى شخصية غير سوية وتتصف بالأنانية، لأن المرأة السوية تعى فى داخلها أنها تحتاج إلى رجل قوى تستند عليه، والزوجة الحكيمة هى التى تتوقف أمام خضوع زوجها لها، فالعلاقة بينهما لن تستقيم على هذا النحو، وأرى أن على أى زوجين يعيشان بهذه الطريقة أن يراجعا موقفيهما من بعضهما، ومن هذا المنطلق ينبغى أن تتدرب على كيفية إدارتك بيتك، والتحكم فى ذاتك وزيادة ثقتك بنفسك، وتنمية شخصيتك وردود أفعالك بما يتناسب مع الدور المطلوب أن يكون لك فى حياة أسرتك، ويجب أن تمتثل زوجتك لرؤيتك، وإلا فلن تستقر حياتكما أبدا، فاشرح لها كل شىء بوضوح، وخيّرها بين أن تتكامل قراراتكما، ويكون أمركما شورى بينكما، وبين أن تسرحها بإحسان، فإن اختارت الحل الذى ينقذ حياتكما الزوجية من الفشل، اعطها فرصة أخيرة لعلها تتراجع عن موقفها وتعيد حساباتها، وإن تمسكت بالتسلط وإملاء قراراتها عليك، فلا تتردد فى الانفصال عنها، إذ أن الطلاق حينئذ سيكون هو الحل الوحيد مهما أجلته، ووقتها سيكون عليك أن تتريث قبل الإقدام على زيجة جديدة، وأن تختار شريكة حياتك القادمة على أسس واضحة بعد أن تضع معها النقاط على الحروف، وفقك الله وسدد خطاك، وهو وحده المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الليلة الكبيرة
مرشح
الليلة الكبيرة

انثى
عدد الرسائل : 786
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 210
بلد الإقامة : الفيوم
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 Office10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 110
نقاط : 7011
ترشيحات : 7
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 I_icon_minitime27/4/2017, 21:21

بريد الجمعة يكتبه : أحـمــد البــــــرى
النفوس الميَّتة!



بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 2017-636259050735013417-501

أكتب إليك وقد اقترب العمر من نهايته، وأوشكت على الرحيل ربما أجد لديك إجابة على سؤال يحيرنى منذ سنوات الصبا وحتى الآن، فأنا رجل تعديت الستين ببضع سنوات، وشهدت حياتى الكثير من المآسى والأحداث المروعة، ودعنى أروى لك قصتى منذ البداية، فلقد نشأت فى أسرة ثرية بإحدى قرى محافظة الغربية لأب غنى، ورث ثروة طائلة عن جدى، وكان وحيد أبويه، وأم ربة منزل من أسرة بسيطة،
وكان قد تزوج قبلها مرتين، ولم ينجب من زوجتيه، لا الأولى ولا الثانية، وعندما ارتبط بأمى كان عمرها ثلاثة عشر عاما، وتتمتع بطيبة شديدة، ولا تفهم شيئا فى أمور الدنيا حولها، وقد أثرت نشأة أبى وحيدا عليه بالسلب، إذ تركه أبواه يفعل ما يحلو له فانجرف إلى أصدقاء السوء، وبعد رحيلهما عن الحياة أصبح فريسة سهلة لأتباع الشياطين، وعرف طريق القمار والمخدرات، والسلوك السيىء، وفى تلك الفترة أنجبنى وأختا لى رحلت عن الحياة بعد ولادتها، وبقيت وحدى، وعانت أمى الأمرين معه، لكنها لم تستطع أن تنطق بكلمة واحدة، ولم يجرؤ أحد من طرفها على الحديث معه فيما يفعله، وخلال أربع سنوات باع الأرض، وبعثر الأموال التى ورثها عن أبويه، وشيئا فشيئا انفض الجميع من حوله، فانتابته حالة ضيق شديدة، فطلق والدتى، وباع البيت وطردنا إلى الشارع، ثم غادر القرية إلى غير رجعة، وحاولت أمى بكل السبل أن نظل فى مكاننا لكن أصحاب المنزل الجدد رفضوا إعطاءنا ولو حجرة واحدة إلى أن ندبر أمورنا، فحملتنى والدتى، وسارت فى الشوارع هائمة على وجهها بعد أن مات أبواها، ولم يعد لها هى الأخرى أى سند فى الحياة، إذ ابتعد عنها أشقاؤها، وفور أن رأوها أغلقوا الباب فى وجهها، ولم تجد لقمة عيش واحدة تعطيها لى وأنا أبكى من شدة الجوع، وكان عمرى وقتها ثلاث سنوات، بل إننى عرفت فيما بعد أنها أكلت «طوبا أحمر» فى تلك الليلة وربطت بطنها الخاوى من الطعام لعدة أيام، وانتحت جانبا من الشارع ونامت وهى جالسة، وما أن بدت تباشير الصباح، ورآها عمال اليومية الذين يعملون فى الحقول حتى عرضوا عليها أن تعمل معهم ففرحت وأخذتنى معها إلى «الغيط»، واستأجرت حجرة بسيطة فى منزل قديم، ومر عام كامل على هذه الحال، وذات يوم شاهدها رجل فاضل كان يتردد على القاهرة لشراء بضاعة لمحل يملكه، فأبلغها أنه باستطاعته توفير عمل لها فى العاصمة بدلا من البهدلة والذل ليلا ونهارا، فاستجابت على الفور، وعملت خادمة عند أناس محترمين، ومر عامان آخران، وهى تتطلع إلى غد أفضل، وتتضرع إلى الله بالدعاء أن يلهمها الصبر، وأن يكتب لنا الفرج من حالة الضيق، فأصعب شىء على المرء ألا يجد من يأنس به أو يبثه همومه وأحزانه، ويسترشد برأيه فيما يعانيه من مشكلات، وكانت ـ برغم هذه المتاعب ـ جميلة، يرتاح لها كل من ينظر إليها، فجذبت برقتها وجمالها الهادىء رجلا يعمل فى «بنزينة»، ولمّا عرف حكايتها طلبها للزواج، لكنها رفضت خشية أن تتكرر حكايتها مع أبى، ولم ييأس، وواصل إلحاحه عليها مرات عديدة، وأخذ يبثها قصصا ومواعظ تدل على أنه رجل تقى يخاف الله، وأنه سوف يعوضها عما لاقته من عذاب، ويعاملها معاملة حسنة، فأخبرته من باب «جس النبض» أن معها خمسة أولاد من مطلقها، فقال لها: «مهما يكن عددهم سيكونون أولادى»، فاطمأنت إلى أنه سوف يعاملنى، وأنا ابنها الوحيد، كإبن له، وكان عمرى وقتها ست سنوات، وانتقلت معها إلى بيت زوجها، والتحقت بالمدرسة، ومر عام بدا فيه الرجل عند الظن به، ثم أنجبت أمى منه أخا لى، ولم تمض أسابيع على ولادته حتى انقلب الملاك إلى شيطان، وأذاقنى أشد ألوان العذاب بلا ذنب ولا جريرة، وحاولت أمى أن تعرف ما حدث، وما الذى تغير فيه لكى يتحول هذا التحول الرهيب، فلم تفلح، ثم تبين لها أنه أدمن المخدرات، وأصبحت تنتابه هذه الحالة إذا لم يأخذ المخدر فى موعده، وكان «يكتفنى» بالحبل ويعلقنى فى السرير، فإذا تدخلت أمى لإنقاذى منه ينهال عليها ضربا وركلا، فتصرخ بأعلى صوتها، وتتقطع أنفاسها ولكن من يسمعها وقد كتم أنفاسها وأنفاسى، وهددنا بالموت إذا أحس أحد من الجيران بما يفعله بنا؟!.

وخشيت أمى أن يفتك بى بعد أن وجدت فى عينيه نظرة الغدر، فطلبت من صاحب ورشة خشب أن أعمل لديه بعد خروجى من المدرسة، وأن «أبات» عنده حتى الصباح، فوافق الرجل مشكورا، وبدأت حياتى الجديدة، فكنت أستيقظ مبكرا فأفتح الورشة، وبعد أن يأتى صاحبها أسلمها له، وأذهب إلى المدرسة، وبعد عودتى منها أتأكد أولا من أن زوج أمى غير موجود، فأسرع إلى المنزل أبدل ملابسى، وأتناول بعض الطعام، وهو غالبا «العيش الحاف»، وأعود إلى الورشة، ويعطينى صاحبها آخر اليوم وجبة طعام ثم يغلق علىّ بابها حتى الصباح!.. إنها حياة مؤلمة لكنى تعودت عليها، واستمررت على هذه الحال إلى أن وصلت إلى الصف الخامس الابتدائى، ففى ذلك الوقت كانت والدتى قد أنجبت من زوجها ثلاثة اخوة لى، فضاق ذرعا بها وبأولادهما وتركهم لمصير مجهول، وخرج إلى مكان غير معلوم، فأخرجتنى من المدرسة، وتوليت مهمة الجلوس مع اخوتى الثلاثة، وخرجت هى للعمل فى البيوت، ومرت سنوات أخرى على وضعنا الجديد، ثم ظهر زوجها مرة أخرى، فتوقفت عن العمل، ودفعتنى مكانها فى خدمة البيت الذى كانت تعمل فيه، فعرفت مسح البلاط، وكنس البيت، وأبلغتنى صاحبته أن والدتى تأخذ راتبى منها، ثم أنجبت أمى أختا رابعة لى، وإذا تصادف ورأتنى فى إحدى زياراتها لهذه السيدة تقول لى: «معلش يا ابنى، كان لازم أضحى بواحد علشان أربعة، بس أخوتك مش حينسوا جميلك أبدا ولا حيسيبوك».. واستمررت فى المعيشة فى كنف صاحبة المنزل، وتحسست منها أخبار أمى واخوتى وزوجها، وعرفت أنها تحيا معه فى غير استقرار، فتارة يتركها، وتارة أخرى يعود إليها، ورضيت بما قدره الله لى، ولم أتذمر، ولم أحمل حقدا ولا غلا لأحد، ولم يكن معى أى «فلوس»، حتى ولا قرش صاغ واحد، وحدث بعد ذلك أن والدتى غابت أربعة شهور لم تطرق خلالها باب صاحبة المنزل التى أعمل عندها، وكان عمرى وقتها خمسة عشر عاما، فطلبت هذه السيدة الفاضلة أن أسأل عن أمى، فربما يكون قد أصابها مكروه، وأعطتنى العنوان الذى كانت تحتفظ به، فذهبت إلى هناك ولم أجدها، ولما سألت الجيران عنها أبلغونى أن زوجها أخذها إلى أهله فى عزبة بإحدى المناطق الشعبية، ووصفوا لى الطريق إليها، فقصدتها، وهناك التقيتها، وإذ بى أجدها «ذابلة» و«منكسرة» تماما، وشرحت لى بعض مشاهد العذاب التى تعرضت لها، فأهل زوجها أخذوا منها أولادها، وحبسوها فى حجرة طوال المدة التى غابت فيها عنى، وأرادوا الخلاص منها بأى شكل، فهدأت من روعها، وقلت لها: لن أتركك، فقالت لى: «ابعد عن المكان ده لأنهم ممكن يموتوك، ومحدش حيعرف عنك حاجة، ودى مشكلتى وأنا ححلها»!، فخرجت من عندها باكيا على حالها، وساخطا على حالى لأول مرة فى حياتى، فلقد كان مشهدا داميا ذلك الذى رأيتها عليه، وعدت إلى السيدة، ورويت لها ما حدث، وظللت مستمرا فى المعيشة والعمل معها، ولم أنس أمى فتابعتها، وعرفت أن اخوتى الأربعة «ثلاثة أولاد وبنت» تفوقوا فى دراستهم، وعندما بلغت ثمانية عشر عاما، وجدتنى مضطرا للعودة إلى بلدى فى الغربية، وعملت بالفلاحة، وعشت فى منزل بالإيجار، ثم استقررت فى مزرعة، وصار لى دخل لا بأس به، وتزوجت بفتاة بسيطة وطيبة رضيت بظروفى، وشاركتنى «الحلوة والمرة» فى حياتى، ولم تنقطع صلتى بأمى وأخوتى، فكانوا يزوروننى باستمرار، وواصلوا تفوقهم، ولم أبخل عليهم بشىء برغم بساطة حالى، وكثيرا ما رددت أمى على مسامعهم ألا يتركونى وحدى، وأكدت عليهم أن وصيتها الوحيدة لهم ألا يقطعوا صلتهم بى، وألا يتركونى وحدى، وأفاضت فى شرح ما قدمته من أجلهم، وتعاهدت معهم على ذلك، ثم رحلت عن الحياة.

وكان زوجها حتى ذلك الوقت هائما على وجهه، ثم هداه الله واستقام وعمل على «تاكسى»، واحتوى أبناءه، لكنه ظل معاندا لى، ولم يسأل عنى مرة واحدة، ومرت الأعوام وتخرج اخوتى جميعا فى الجامعة، والتحقوا بوظائف مهمة، وصار لكل منهم زوجة وبيت وأولاد، كما تزوجت أختى من رجل مهم، وفتح الله عليهم أبواب الرزق، ويوزعون الأموال من زكاة أموالهم على الفقراء والمساكين بينما ينسون أخاهم الذى ذاق الأمرين من أجلهم.. أتتخيل يا سيدى أننى لم أر أيا منهم منذ وفاة أمى؟.. إنهم لا يريدون أن يعرف أحد أننى أخوهم وتبرأوا منى خوفا من العار الذى يظنون أنه سيلحق بهم لو ظهرت الحقيقة للناس!.. لقد تحملت العذاب والهوان طول عمرى وعجزت فى الفترة الأخيرة عن علاج زوجتى من السرطان الذى أصيبت به وأظهرته الأشعات والفحوص، وظننت أننى سأجد العون من أخى الذى يلينى فى السن، وكان يشغل مركزا مرموقا بجهة كبرى قبل إحالته إلى التقاعد، فذهبت إليه لكى أبلغه بأن زوجتى مصابة بمرحلة متقدمة من سرطان الكبد، وأن الدواء الذى وصفه لها الأطباء لا طاقة لى بثمنه الباهظ، وعندما طرقت باب شقته فى العنوان الذى وصفه لى أحد معارفنا، فتحت لى سيدة سألتها عن أخى، وقلت لها اننى أخوه، ونظرت إلى داخل الشقة ووجدته جالسا فى مواجهتى، وما أن سمع إسمى حتى أصابته حالة هلع، واختبأ وراء الستارة وأشار إليها بيده لإبلاغى أنه «مش موجود»، أى بدلا من أن يتذكر جزءا مما فعلته من أجله هو واخوتنا، ويأخذنى بالأحضان، إذا به يتنكر لى، وعدت أجر أذيال خيبتى فى اخوتى، والندم على عمرى الذى راح فى خدمة من تركونى نهبا للزمن.

إننى أعيش حياة قاسية فى الوقت الذى ينعم فيه اخوتى بمناصبهم، وقد صار لهم أحفاد وأسر مستقرة، أما أبوهم فمازال موجودا على قيد الحياة، وتزوج من سيدة تصغره بعشرات السنين، لكنه غير مرتاح البال، بعد أن تركوه هو أيضا يصارع الحياة، فهم أصحاب «نفوس ميَّتة» لا يتخيلون أنهم سوف يتجرعون كأس المرارة التى تجرعتها مهما تطل السنين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.



> ولكاتب هذه الرسالة أقول:

فى قصتك عبر ومواعظ كثيرة، أهمها ضرورة أن يتخير الأهل لابنتهم زوجا مناسبا قادرا على إقامة بيت ناجح، وأسرة مستقرة، فلا يهم أن يكون ثريا ومرتاحا ماديا فقط، وإنما الأهم من ذلك أن يكون ذا شخصية سوية، وقادر على تحمل المسئولية، وهو ما لم يكن أبوك مؤهلا له منذ البداية.. صحيح أنه كان من أعيان قريتكم، وكان يملك الكثير من الأراضى والأموال الطائلة، لكن أبويه لم يحسنا تربيته، وتركاه فريسة لأصدقاء السوء وأهوائهم فانصاع لهم وانجرف فى تيارهم، فأضاع كل شىء، ثم خرج بلا عودة حتى إنك إلى الآن لا تعلم له مكانا، ولا تعرف هل مازال على قيد الحياة أم رحل بلا رفيق ولا أنيس، ولا حتى مقبرة معلومة له؟!

أيضا فإن إقدام المطلقة التى معها أولاد من آخر، على الزواج له محاذيره الكثيرة، وينبغى أن يكون مقرونا بحسابات كثيرة فى حضور أهالى الطرفين، فزوج الأم ليس ملزما بتربية أبنائها وحبهم، كما أن إعادة ترتيب العائلة معه مرهونة بتوافر المحبة والحنان اللازمين لتحقيق الثقة المتبادلة والعيش المشترك بين الجميع، فهناك أبناء كثيرون يرفضون زواج أمهاتهم مرة أخرى خوفا من أن يحل رجل آخر محل أبيهم، ويعتبرون سلطته عليهم غير شرعية، كما يغيرون على أمهم بعد أن أصبحت تحت هيمنة رجل غريب، وقد تتركهم لتعيش مع زوجها الجديد كما فعلت أمك معك، وهى وإن كانت الظروف قد لعبت دورها ضدها فإنه كان يتعين عليها ألا تترك الحبل على الغارب لإنجاب الأطفال وإلقاء المسئولية كلها عليك لتربيتهم، فعندما أذاقها العذاب بعد أن وضعت ابنها الأول منه، كان ينبغى عليها أن تتريث بعض الشىء ولا تنجب آخرين، وأن تدرك أن لها ابنا آخر وقفت ظروف الحياة ضده، فذاق مرارة الحرمان منذ سن الطفولة، ولا يدرى أين أباه، ولا ما هى عائلته، ولا ما الذى أدى به إلى الحرمان والذل الذى يعيشه؟، ولو أنها أخذت ذلك فى الحسبان لتغيرت الأوضاع وربما أنقذتك من المصير الذى انسقت إليه رغما عنك، فلم يكن معقولا ولا مقبولا أن تخرجك من المدرسة، وأن تجعلك خادما فى البيوت من أجل أن تصرف عليهم، وكان ينبغى عليها ـ إن لم تعاملك مثلهم على قدم المساواة ـ أن تدعك وشأنك، وقد كنت كفيلا بفعل عوامل الزمن أن تتعلم وتخدم السيدة التى عشت فى كنفها، وما كنت أظنها ستتخلى عنك أبدا، ولكن على أى حال مادمت قد قدمت تضحيتك الكبيرة لأخوتك فإن عليهم أن ينزلوك منزلة الأخ الأكبر الذى يفخرون به لا أن يتخلوا عنك، وان يستجيبوا لوصية أمكم بأن يؤازروك فى محنتك، ويمدوا جسور التواصل معك، ويوفروا العلاج لزوجتك على الأقل من زكاة أموالهم، فمن حقك أن تنال قسطا منها، إذ لا مانع من دفع الزكاة للأخوة والأخوات ماداموا يستحقونها بصفة من الصفات المذكورة فى الآية الكريمة «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» (التوبة 60)، بل إن دفع الزكاة لهم فى هذه الحالة صدقة وصلة، وخير الصدقة ما كان على الأهل، وإن خيرية المرء مرهونة بخيريته لأهله، فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «خيركم، خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلى»، كما أن رابطة الأخوة متينة وتعميقها وترسيخها دليل على تفهم الجميع معنى الأخوة، وبرهان على رقى وضعهم الأخلاقى، ولذلك أحسب أن عليهم الآن وقبل فوات الأوان، السعى إلى أن يطرقوا بابك وأن تتكاتفوا معا للوصول إلى «بر الأمان الأخوى»، وتصبحوا منسجمين برغم تفاوت مستوياتكم الثقافية والفكرية، والنفسية والصحية والميول والمؤهلات التعليمية والذاتية، ويتحقق هذا الانسجام بالحب والإيثار والتضحية، والتعاون والاحترام، والعفو والتسامح، ففى ذلك بركة للجميع.

وأقول لكم: إن السيطرة على النفس من أن ترتكب بحق الأخوة حماقات، كما فعل أخوك معك، أو تضمر الكراهية لأحدهم، هذه السيطرة تعد نقطة البداية نحو تسوية ما يعلق بالنفوس، وجعلها تحيا من جديد، لا أن تصبح نفوسا ميَّتة، كما هى حال أخوتك الآن، فلو أن أخاك استقبلك، وأعطاك مما أفاض الله عليه من نعمه لهدأت نفسك تجاهه تماما، ولاعتبرت ذلك إحسانا منه وعطفا عليك، وفى ذلك يقول تعالى: «الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» [ال عمران 134]، وقد سئل أحد السلف رحمهم الله تعالى: «أيها أحب إليك.. صديقك أم أخوك؟، فقال إنما أحب أخى لأنه صديقى».

ومن هذا المنطلق أدعوكم جميعا إلى تجاوز الماضى بكل ما فيه، فلسنا اليوم بصدد إلقاء اللوم على أحد، فالأخوة أيا كانوا غير معصومين من الذلل، ويتعرضون للخطأ، وتصدر عنهم الهفوة، ويقعون فى الكبيرة، فإن بدر منهم شىء من ذلك فتلتزم جانب العفو معهم، فإن العفو من شيم المحسنين، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، مع قبول عذرهم إذا أخطأوا، فلقد فعل أخوة يوسف عليه السلام ما فعلوا به، وعندما اعتذروا له قبل عذرهم، وصفح عنهم الصفح الجميل ودعا الله لهم بالمغفرة حيث يقول تعالى «قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» (يوسف 92)، وإنى أطالب أخوتك بأن يبادروا بالاتصال بك، ولا تأخذهم العزة بالإثم، فأنت أخوهم، وكل من حولك يعلمون ذلك، ولن يتنصلوا من هذه الحقيقة أبدا، وعليهم أن يعودوا إلى رشدهم، وليتقوا الله فيك، وأذكرهم بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق» رواه مسلم، و»الكلمة الطيبة صدقة» متفق عليه، و«من كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجته» متفق عليه، و«لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» رواه البخارى، وأطالبهم بأن يحسنوا إليك بزيارتك، وتفقد أحوالك حتى يوسع الله عليهم ويزيدهم فى العمر، ويجعل نفوسهم آمنة مطمئنة.. وليعلموا أن الإنسان كما يدين يدان، فلا بقاء لحال، وليتذكروا دائما قول الحق تبارك وتعالى: «وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ» (ال عمران 140).. أسأل الله أن يحيى نفوسهم الميَّتة، وأن يسارعوا إلى علاج زوجتك، وهو وحده المستعان
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الليلة الكبيرة
مرشح
الليلة الكبيرة

انثى
عدد الرسائل : 786
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 210
بلد الإقامة : الفيوم
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 Office10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 110
نقاط : 7011
ترشيحات : 7
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 I_icon_minitime27/4/2017, 21:23

بريد الجمعة يكتبه : أحـمــد البــــــرى
القلوب السوداء!



بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 87 2017-636265089301711876-171


تستوقفنى مآسى وتجارب قراء بريد الجمعة، وأستنير بما تشير به عليهم من آراء وأفكار تأخذ بأيديهم إلى بر الأمان
، ووجدتنى أنضم إليهم، وأروى لك حكايتى عسى أن أجد لديك ما يعيننى على الخلاص من متاعبى، فأنا شاب فى الثلاثين من عمرى نشأت فى أسرة عادية لأب موظف وأم ربة منزل، ولى شقيقان (ولد يصغرنى بعدة أعوام، وبنت تلينى بعام)، أما أبى فله ثمانية أشقاء «ثلاث بنات وخمسة أولاد»، وقد استقرت إحدى عماتى فى الخارج، ولى عمتان فى مصر، أما أعمامى فقد سافر أربعة منهم إلى دولة أوروبية، وكونوا أسرا هناك، وبقى عمى الأكبر فى مصر، وقد عمل فى إحدى الجهات المهمة، وأعير إلى دولة عربية، وجميعهم يعيشون حياة مستقرة، إلا أسرتنا، وقد بدأت فصول مأساتنا فى غروب أول أيام رمضان منذ ستة عشر عاما، وكنت وقتها فى الرابعة عشر من عمرى، حيث أمطرت السماء بغزارة، فأسرعت والدتى وغطت الغسيل بالمشمع، وعندما تراكمت كميات كبيرة من المياه عليه، أزاحتها لتسقط فى الشارع حتى لا تتسرب إلى داخل الشقة، وتصادف خروج عمى من المنزل فى تلك اللحظات، فرأى أمى وهى تزيح المياه، فعلا صوته عليها وسبها بأحط الألفاظ مدعيا أنها تستهدف سيارته! ولم يلتفت إلى السيول التى تنهال على الجميع، فلم ترد أمى عليه، وأبلغت أبى بأمره عن طريق الهاتف الأرضى، فتعجب من رد فعل شقيقه، ثم إذ بعمى يحاول كسر باب الشقة سعيا للاعتداء على والدتى بالضرب، وتعجبت لما يفعله بسبب بعض مياه الأمطار التى لا حيلة لنا فيها، ومع توالى ضغطه وسبابه، بادلته أمى بعضها، فاستغلها فرصة وحرر محضر سب وقذف ضدها فى الشرطة، وبسرعة البرق جاء رجال الأمن وطرقوا الباب على والدتى، فلم تفتح لهم، وانتظروا أبى إلى أن جاء من عمله، وعند وصوله وجد جدتى وعمى وجمعا من الناس فى انتظاره، ولم يشأ أن يحرج جدتى بما فعله عمى، فكل من حولنا يعرفون أنها تحب أبى الذى لا يؤخر لها طلبا، ويلبى احتياجاتها برغم ضيق ذات يده، حيث انه عامل بالأجر اليومى فى أحد المطاعم، وليس لديه دخل ثابت مثل شقيقه الأكبر، كما أن أشقاءه الذين يعملون فى الخارج لكل منهم حياته الخاصة، ولا يعنيه من قريب أو بعيد مشكلات اخوته ولا حتى أمه، وكان المشهد صعبا، فكل واحد يضمر للآخرين فى صدره ضيقا، وما كان من والدى إلا أن تحدث مباشرة إلى عمى ولامه على ما فعله مع أمى، فإذا به يعتدى عليه هو الآخر بالسباب والضرب، ولم تنطق جدتى بكلمة واحدة خوفا منه حيث انه استولى على عقد البيع الابتدائى الخاص بمنزل الورثة، ثم ذهب إلى القسم وحرر محضرا ضد أبى الذى ألقى القبض عليه وسط ذهول الجميع، وتم اقتياده إلى السجن مع أنه المجنى عليه، وذقنا الأمرين لإثبات براءته بعد الإهانة التى تعرض لها، ولم ينته الأمر عند هذا الحد، إذ استمر تحرش عمى بنا عن طريق زوجته، فاعترضت طريق أمى، وضايقنا أبناؤه لأكثر من ثلاثة شهور.

وخرجنا ذات يوم فى نزهة لتغيير الجو الكئيب الذى نعيش فيه، وعند عودتنا آخر النهار فوجئنا بكمين فى انتظارنا من عمى وعمتىّ وأولادهم، فضربونا أنا وأختى، وأخذوا أمى إلى حجرة جدتى التى أخلوها تماما من الأثاث، وانهالوا عليها ضربا وركلا وسبا، أما والدى فلقد ألبسه عمى صفيحة قمامة فى أثناء صعوده على السلم، فسقط وتدحرج على أكثر من عشرين سلمة، وانكسرت ذراعه، وصرخ بأعلى صوته من شدة الألم، ولم يكتف عمى بذلك بل انهال عليه ضربا عند أسفل السلم بـ «شومة»، وأحدث به جرحا فى رأسه، واستجمعت قواى وجريت ناحية عمى، وضربته بكل ما أوتيت من قوة دفاعا عن أبى، وعشنا ساعات من الرعب والذهول حتى وصلت سيارة الإسعاف التى طلبها الجيران لإنقاذ حياة أبى وأمى، وتم نقلهما إلى المستشفى فى حالة سيئة، وبدت أمى فى قمة البؤس والشقاء بعد أن «بهدلوها»، وقطعوا شعرها وجردوها من ملابسها، وعند عمل محضر تصنعت جدتى المرض، واستغلت عمتى الكبرى جرحا فى يدها من زجاج الشباك الذى كسرته لإصابة أمى، فى الادعاء بأنها هى التى اعتدت عليها وأخذت التحقيقات مجراها، وانتهى الأمر إلى لا شىء!، وتمادت جدتى فى إيذاء أبى ـ برغم حبها له ـ بإيعاز من عمى فزارت صاحب المطعم الذى يعمل به وشكته إليه، فطرده من العمل.. عندئذ قرر أبى ترك منزل العائلة، وبلغ أحد أعمامى بالخارج ما حدث لأبى فأعطاه مبلغا من المال لكى يبدأ به حياة جديدة بعيدا عن منزل العائلة، وذهبنا إلى حلوان وسكنا بها، وتبدلت حياتنا تماما، وتم نقل أختى إلى مدرسة بجوار المنزل، أما أنا فلم أفلح فى ذلك، وظللت فى مدرستى القديمة، وكنت أقطع مسافة طويلة يوميا لكى ألحق بطابور الصباح، ومررت بفترة عصيبة، وبلغ بنا الضيق مداه، ولاحظت الإخصائية الاجتماعية بالمدرسة حالة البؤس والشقاء البادية على ملامحى وملابسى، فنادتنى ذات يوم وطلبت منى أن آخذ من الدولاب ما أشاء من ملابس وأحذية مخصصة للأيتام، فبكيت بمرارة، وانتابتنى حالة نفسية سيئة جعلتنى أكره المدرسة، ورسبت فى ذلك العام، وحاولت أن ألتحق بأى عمل لكن أبى رفض بشدة تحسبا لكلام الناس، وأصبحت أنا وأختى فى عام دراسى واحد، ولم يكن باليد حيلة، فذهبت أمى إلى جمعية خيرية بالمنطقة التى نسكن فيها، وشرحت لمسئوليها ظروفنا فتكفلوا بمصاريف الدروس والكتب إلى جانب مساعدات الجامع، أما والدى فكان يعمل شهرا، ويجلس فى البيت شهرا، وحصلت على معهد فنى تجارى، وتخرجت أختى فى معهد خدمة اجتماعية، وعملت خلال تلك الفترة فى مقهى، وحصلت على دخل لا بأس به، واشتريت ملابس جديدة، ثم تعلمت الكمبيوتر، وأخذت فيه دورات مجانية بالهلال الأحمر ومنحة من اليونيسيف، وأعفيت من الخدمة العسكرية لعدم لياقتى الطبية، والتحقت بشركة لإصلاح الكمبيوتر تعلمت فيها الكثير، ثم انتقلت إلى مجال آخر هو مراقبة الجودة، وبعدها إلى شركة لتصنيع أغطية السيارات، والتحقت أختى معى بالشركة نفسها، وانتظم أبى فى العمل، وأحسست بأن حياتنا اعتدلت قليلا، ثم رحلت جدتى عن الحياة منذ ثلاث سنوات، فطلب أبى منى أنا وأختى أن نعطيه مدخراتنا لكى يعمل «جنازة وعزاء» لجدتنا، فاستجبنا له على الفور، ولم نفكر فى العذاب الذى سنعانيه من جراء ذلك، فلقد انقطع عن العمل، ومنذ ذلك التاريخ وأنا وأختى اللذان نصرف على المنزل ونسدد إيجاره الشهرى البالغ سبعمائة وخمسين جنيها إلى جانب فواتير المياه والكهرباء والمعيشة، وتمت خطبة أختى ثلاث مرات ولكن فى كل مرة افتعل أبى أى أسباب لكى لا يتمم الزيجة، وهدفه الوحيد هو أن يضمن استمرار أن نتولى مسئولية الأسرة بكل أعبائها، ولا يفكر أبدا فى مستقبلنا، وقد بلغت سن الثلاثين، وتلينى أختى بعام واحد.

ولقد فكرت مثل كل الشباب فى الزواج والاستقرار، وخطبت فتاة تعمل معى بالجهة نفسها ومن أسرة بسيطة، وبذلت كل ما فى وسعى لكى أستقر وأجهز نفسى، وبحثت كثيرا عمن يساعدنى فى ظروفى الصعبة، واهتديت إلى مؤسسة خيرية منحتنى قرض زواج حسنا قدره عشرة آلاف جنيه وسوف أسدده على خمسين شهرا، ودخلت فى جمعيات وجمعت خمسة عشر ألف جنيه أخرى ليصبح ما معى خمسة وعشرين ألف جنيه، وكان ذلك قبل تحرير سعر صرف الجنيه، أى أن المبلغ قلت قيمته إلى النصف الآن، وهو لا يكفى شراء كل ما يتطلبه عش جديد للزوجية، وقد طلبت من عمى بالخارج أن يساعدنى على السفر إلى البلد المهاجر إليه. لكنه طلب منى أن أوفر لنفسى سكنا وكل ما يلزمنى لبدء حياة جديدة، ويرفض أن أعيش معه فى منزله لأنى لا يصح أن أكون موجودا مع زوجته بمفردنا مع أنها فى عمر والدتى، ولا يمكننى أن أفكر بهذه الطريقة، فما أريده هو الاستقرار، لكن لا أحد يفكر إلا فى نفسه، وليذهب الآخرون إلى الجحيم بمن فيهم أبى الذى ترك لى المسئولية كاملة، فكيف لى أن أوفر مستلزمات الزواج، ومصاريف المعيشة؟، كما أن أختى هى الأخرى تصرف الآن كل دخلها على نفسها، ولم يعد يهمها إلا مظهرها، ولا تملك ما تجهز به نفسها عندما يأتيها عريس جديد، حتى لو وافق عليه أبى.

إننى أعيش فى حيرة بالغة، ولا أعرف السبيل إلى تجاوز ما أنا فيه، وأتمنى أن يجمعنى بيت صغير مع خطيبتى، وأتعهد بسداد كل ما أنا مدين به عينيا لمن يساعدنى على إتمام زواجى، إذ أننى قاربت على الانهيار نفسيا بعد أن اسودت كل القلوب ولم يعد هناك قلب واحد صاف!، فهل ترانى على حق؟، وبماذا تشير علىّ؟.

ولكاتب هذه الرسالة أقول :

من منا لم تصادفه عقبات فى حياته؟، ومن منا يعيش مطمئن البال، ولا يعكر صفوه شىء؟، فالحق سبحانه وتعالى يقول فى كتابه الكريم «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِى كَبَد»ٍ (البلد 4)، ومعنى الكبد، تعب ومشقة، وقد تكون هذه المشقة مادية أو نفسية، أو مشكلة ما تحتاج إلى صبر ومجهود، وبعدها يسعد الإنسان بحصاده، ويكون تعبه ذكرى عابرة على مر السنين، بل إن الإنسان حينما يجنى ثمار كده وجهده، تتملكه الراحة والطمأنينة، وتحضرنى هنا حكمة أيرلندية تقول «لولا الغيوم ما استمتعنا بآشعة الشمس»، بمعنى لو أن الشمس ساطعة دائما بلا غيوم لن نحس بمتعتها، ولكن عندما تغيب عنا ثم تأتينا ندرك أهميتها، ونستفيد منها، وكذلك الحياة لولا متاعبها وعناءها ما أحسسنا بلذة نجاحنا فيها، فكلما بذلت جهدا للحصول على المال والعمل والدراسة، كان حصادك وفيرا.

وتعتمد نقطة البداية نحو تحقيق الغايات والطموحات على تغيير قناعاتنا بأن «لغة المستحيل» غير موجودة، وأن أى نجاح يتطلب التحضير والعمل الجاد، ومن حق كل واحد أن يحلم بما يشاء، ولكن هناك فرقا بين الحلم والوهم، فالحلم ألا نكون تقليديين فى أفكارنا، فمن السهل الحلم بوظيفة تقليدية، وبيئة عمل لا ابتكار فيها، لأننا لا نحب المغامرة، ولكن من الممتع أن نحلم بمشروع قائم على فكرة معينة، وأن نبذل كل ما فى وسعنا لتحقيقه، ونشعر بأن هناك قيمة للحياة، وليس الراتب هو الهدف، فالراتب استحقاق لا نقاش فيه، ولكن علينا كخطوة تالية النظر إلى قدراتنا الحالية وخبراتنا ومعارفنا ومدى توافقها مع ما نحلم به، وكل ما فى الأمر، اليقين بأن النجاح يحتاج إلى فرد مؤمن بذاته وقادر على خوض التجربة، وسوف يتحقق له ما يريد فيما بعد.

ولقد حققت بعض ما كنت تسعى إليه، ويمكنك أن تبدأ حياتك الزوجية بما هو متاح لك الآن، فليس شرطا أن تدبر كل شىء بالديون والمساعدات، وإنما يكفيك أقل القليل لكى تبنى عش زوجية مستقرا وناجحا، ثم تحقق باقى مطالبك بعد الزواج انطلاقا من الأمل والعمل والأنشطة التى تتقنها، وعليك أن تأخذ فى الاعتبار المسئوليات الجسام الملقاة على عاتقك، وأن تزن الأمور بميزان العقل الدقيق، وألا تندفع فى دروب مجهولة المعالم، وأن توازن الحلم بالواقع حتى لا تقع فريسة لأوهام الخيال، فالحقيقة أن الشاب الذى يعيش حياته دون تخطيط ولا هدف، ويصرف سنوات عمره فى الجرى وراء الملذات، لا يمكن التفاؤل به، ولا عقد الآمال عليه، ولذلك فإننى أستغرب كثيرا من إلقائك باللائمة على أحد أعمامك وحده لأنه لم يوافق أن تعيش معه فى بيته فى الدولة الأوروبية التى هاجر إليها، فهو على حق، ولا يحل لك أن يجمعك بزوجته سقف واحد فى غيابه، كما أنك تريد منه أن يوفر لك كل شىء، وهو أمر غير مقبول وليس فى مصلحتك أبدا، ويكفيه أنه ساند أباك فى محنته عندما وفر له مبلغا معقولا ساعده على انتقالكم إلى السكن الجديد، وبدء حياة مستقرة، ولا أدرى أين أعمامك الآخرون الذين لم تذكرهم، ولا عمتك المهاجرة، كما أن ما قلته عن أبيك دليل كاف لإدانته بأنه لا يميل إلى العمل، ويعتمد على ما يتلقاه من مساعدات من الآخرين, فلقد استشعرت ذلك من كلماتك عنه، لدرجة أنه لا يريد تزويج أختك لكى لا تنقطع مساهمتها فى نفقات المعيشة، كما أنه ترك العمل اعتمادا عليكما، وأخذ منكما ما ادخرتاه من مال بحجة إقامة عزاء لجدتك، وإنى أستغرب ذلك أيضا، فليس معقولا أن عمك الذى يعيش فى الخارج، ولا حتى عمك الذى على خلاف مع والدك سوف يتركان أمهما بلا عزاء، وأغلب الظن أن والدك قد استغل الجميع لكى يبدو أمام الآخرين فى صورة الضحية، وأن أعمامك هم المفترون.

وبصراحة شديدة فإننى أرفض نغمة الضحية بسبب بعض المواقف والعثرات، فما أكثر من تعرضوا لمتاعب يشيب لها الولدان، ومع ذلك تغلبوا عليها، وصاروا ملء السمع والبصر، ولا أحب استسهال الأشياء، لأن ما يأتى بلا جهد يضيع فى غمضة عين أو لمح البصر، فعليك أن تضىء شمعة خير من أن تلعن الظلام، وإذا أردت أن تعيش حياة سعيدة، فاربطها بهدف وليس بأشخاص أو أشياء كما يقول إلبرت اينشتاين.

أما عن علاقة أبيك بأعمامك وعماتك فأحسب أن التعامل الإيجابى بينهم هو الذى سيعمل على تضميد الجراح التى أصابت علاقتهم ببعضهم، فالصبر على أخطاء الاخوة مع تقويمها برفق وتؤدة وروية خير وأبقى من البتر والقطع، وإن الترايب والتشاك بينهم يفسد علاقاتهم، فالتربص والتعقب من قبيل الفوضى الذاتية التى تهدم كل مسببات النجاح، ولذلك أدعو أباك وأعمامك إلى فتح صفحة جديدة، وأن يعفو كل منهم عن الآخر بمن فيهم عمك الكبير الذى أدعوه إلى تحكيم عقله، وكفاه عنادا مع أبيك، فلقد امتدح القرآن الكريم الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، فقال تعالى: «الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» (أل عمران 134)، فليبدأوا صفحة جديدة يرجون بها رضاء الله عز وجل، وما أظن ذلك بالأمر العسير إذا خلصت نياتهم، وصحت عزائمهم.

أما أنت فأؤكد لك ولكل الشباب أن الشعور بالمسئولية والاعتماد على النفس أحد الأركان المهمة لسعادة الفرد والمجتمع، والانتصار فى الحياة يكون دائما من نصيب المجتهدين، فالمساعدات التى تأتى إلى الفرد من الخارج تضعف فيه روح المثابرة والعمل غالبا، لأنه لا يرى وقتها داعيا للجد، خصوصا عندما تتجاوز هذه المساعدات الحد الضرورى، حيث تفقد أعصابه قوتها، وتموت روح العزيمة فى نفسه، ولذلك عليه أن يعتمد على ذاته فى ضمان سعادته المادية والمعنوية، وأن يستند إلى إرادته وعمله، فيقطع الأمل فى الجار والصديق، ولا يلجأ إلا إلى ذاته.

ويقول الحق تبارك وتعالى: «وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى» (النجم 39 و40)، بمعنى أن تبعة الأعمال الصالحة أو الطالحة لكل فرد إنما تعود عليه نفسه، وأن سعادته رهينة بعمله، ويقول الإمام على رضى الله عنه: «قدر الرجل على قدر همته» وفى هذا الصدد يقول الشاعر:

كن كالشمس فى استنادك إلى نفسك

فإن نور الشمس يشع من نفسه

فكل فرد مسئول عن سعادته وشقائه، فهو الذى يستطيع أن يقوم بواجباته خير قيام، فيقود نفسه إلى شاطىء السعادة والنجاح، كما يمكنه أن يحطم شخصيته بالأعمال السيئة والنيات الفاسدة والقلب الأسود، وينتهى بنفسه إلى الشقاء، ولذلك أقول لك: لا تنتظر العون من أحد، وضع يدك فى يد خطيبتك، وابدآ حياتكما الزوجية، وشيئا فشيئا سوف تتفتح لكما أبواب الأمل والنجاح، فاليأس مما فى أيدى الناس عز للمؤمن، والعاقل هو الذى يعتمد على عمله، أما الجاهل فيعتمد على أمله، وأظنك شابا عاقلا، فعليك أن تغير أسلوب تفكيرك، وارسم طريقك إلى المستقبل، فالبدايات تحدد النهايات، وفقك الله وسدد خطاك، وهو وحده المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
بريد الأهرام ( بريد الجمعة )
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 87 من اصل 88انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1 ... 45 ... 86, 87, 88  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» بريد الجمعة يكتبة : احمد البرى الطفل الكبير !
» سطو مسلح على مكتب بريد في المعادي
» سطو مسلح على مكتب بريد «قها» في القليوبية
» اجعل لك بريد مجاني على الـ hotmail - شرح بالصور
» كيفية حظر بريد الكتروني بسكربت whmcs

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الشاعر عبد القوى الأعلامى :: المنتديات العامة :: المنتدى العام-
انتقل الى: