بريد الجمعة يكتبه: أحـمد البـرى
الحيلة الماكرة!
أبعث إليك برسالتى وكلى أمل فى أن أجد من نصائحك ما ينير حياتي،
ويساعدنى على اتخاذ القرار المناسب الذى يضع حدا لمتاعبى وآلامي، فأنا سيدة فى الثانية والأربعين من عمري، نشأت فى قرية صغيرة بإحدى المحافظات لأب موظف بمصلحة حكومية، وأم ربة منزل، وخمسة أشقاء «ثلاثة ذكور وبنتين»، ولم تخل حياتنا من المشكلات والمنغصات مثل كل الأسر التى تعانى ضيق الحال، وساهمت فيها عمتى التى تكبر أبى ببضع سنوات، إذ كانت تحرضه ضدنا بلا أسباب، فلم يعرف سوى الضرب وسيلة للتعامل معنا، وصارت فى كل زيارة تبث فيه سموم كراهيتها لأمي، وحاولت كثيرا أن أفهم مراميها وأهدافها مما تفعله فينا، فلم أفلح، وكم استغربت التصاقها به وانسياقه إليها لدرجة أنه فى كل زيارة لها إلينا لا يغادر مجلسها، وعندما يحين موعد عودتها إلى بيتها لابد أن يوصلها بنفسه آخذا معه زيارة تستنفد راتبه كله، بل وكان يستدين أحيانا لتلبية ما تطلبه منه!
فى هذا الجو غير الطبيعى نشأنا، ولم نلتفت كثيرا لذلك، فقد كنا صغارا، وشغلتنا الدراسة عن أى شيء آخر، وتفوقت فى الابتدائية والإعدادية، ولما وصلت إلى الثانوية العامة، وفى خضم الاستعداد للامتحانات، جاءتنا عمتي، وفاجأتنا بطلب يدى أنا أو أختى التى تصغرنى بعامين للزواج من ابنها الفاشل، وكاد أبى أن يوافق على طلبها لولا أمى التى رفضت مجرد الحديث فى هذا الموضوع، ولم تبال برد فعله، إذ انهال عليها ضربا مبرحا، ثم طلقها على مرأى ومسمع من الجميع، فخرجت أمامنا وظللنا نبكى ونصرخ، وحاولنا أن نستعطفه، فلم يلن له جانب، وصار البيت نكدا فى نكد، ولم أذاكر كلمة واحدة بعدما خلا المنزل علينا من أمي، ورسبت فى امتحان ذلك العام، وظن المعارف والأقارب أن رسوبى معناه أننى لن أكمل تعليمي، وأن أبى سيوافق على أى شخص يطلبنى منه للزواج، فجاءنى من يريد خادمة لأمه وإخوته، حيث إنه يسافر للعمل بالخارج، ويأخذ إجازة شهرا واحدا فى السنة، ودارت مناقشات لا حصر لها فى أمره، وكان أبى قد رد أمى إلى عصمته، وانتهيا إلى موافقتهما عليه، لكنى تصديت لهما بكل قوة، وساندنى أخى الأكبر الذى عانى الكثير هو الآخر، والتحق بمدرسة ثانوية فنية، ولولا أننى هددت الجميع بالانتحار لما تراجع أبواى عن رأيهما، ولتزوجت ذلك الشخص رغما عني، وأعدت العام الدراسي، وحصلت على مجموع أهلنى لدخول كلية عملية لها مدينة جامعية، واجتهدت فيها، ودبرت حالى بالمصروف الزهيد الذى كنت أحصل عليه من أبي، والتحقت وأنا فى السنة الثالثة بعمل إلى جانب الدراسة، واستغنيت عما كنت أحصل عليه من أبي، وتباعدت زياراتى إلى المنزل، فكنت أذهب إليهم مرة كل شهر لمدة يومين، والتحق جميع اخوتى بالمدارس الثانوية الفنية، ووافقت أختاى على أول من تقدم للزواج بهما، ولم تنس عمتى أننا رفضنا ابنها، فناصبتنا العداء، أما أنا فرفضت مجرد التفكير فى الارتباط، ورفضت كل من تقدموا لخطبتى بحجة الدراسة والعمل معا، وكرهت أن يتحكم رجل فيّ، أو أن أجد من هى مثل عمتى التى لا تستطيع أن تتحملها أى زوجة لابنها!
ومرت سنوات وبلغت سن السابعة والعشرين، وركزت كل جهدى فى العمل، أما الحبوالزواج فلم يكن لى نصيب فيه، ولم يجذبنى أحد طوال تلك الفترة، ثم ارتحت إلى زميل لى حدثنى عن رغبته فى أن يتزوجني، وتقدم لي، وقرأنا الفاتحة، وظلت الأمور بيننا على ما يرام حوالى ثلاثة شهور، ثم تهرب منى وتوقف عن زيارتنا، واكتشفت أنه ارتبط بفتاة أصغر وأغنى مني، وفسخنا الخطبة فى هدوء، وبعد هذا الموقف العصيب الذى مازال يلازم مخيلتى حتى الآن، اضطربت حياتى تماما.. صحيح أن كثيرين أرادوا الارتباط بى لكن الأمور سارت على نحو غريب، فعندما كنت أوافق على أحدهم، يذهب ولا يعود مرة أخري، وعندما أرفضه يتمسك بي، لكنى أتجاهله ولا ألتفت إليه! وهكذا سارت بى الأيام إلى أن وجدتنى فى سن السادسة والثلاثين، وحدثتنى صديقة لى أن حياتى لن تستقيم بهذه الطريقة التى أعيشها، وأنه يجب أن يكون لى زوج وبيت مثل الأخريات وأشارت عليّ بعمل إعلان فى موقع للزواج، وستكون أمامى فرص كثيرة لاختيار من يناسبنى من رواد الموقع، ففوجئت بعدد كبير من راغبى الزواج، وطالعت بيانات الكثيرين، ومضت ستة أشهر دون اتصال مع أى منهم، ثم تعرفت على رجل أرمل توفيت زوجته قبل معرفتنا بعام، ولديه بنت عمرها أربعة عشر عاما، وولد عمره ثمانى سنوات، وهو يعمل فى السعودية، ويقطن فى مدينة بعيدة عن بلدتنا، ويعيش ابناه مع خالتهما التى لم تنجب، وتعتبرهما ابنيها بوصية من أختها الراحلة، وألح عليّ فى الزواج به، فعرضت الأمر على أمى وأختىّ، فحذرننى من هذه الطريقة فى الزواج، وقلن لى إن لم تقبلنى ابنته وهى فى هذه السن، فسوف تكون حياتى جحيما، ثم اننى لم أعرفه ولم أدرس طباعه، فكيف سأتزوجه وأنا التى أضعت سنوات طويلة بحثا عن الزوج المناسب؟!
ويبدو أن هذا الرجل هو قدرى فى الدنيا، إذ وجدتنى أوافق عليه، وليكن ما يكون، واتصل بأبى وشقيقى الأكبر، وحدد موعدا معهما لكى يزورنا إخوته لقراءة الفاتحة، إلى أن يعود من سفره بعد عدة أشهر للاتفاق على التفاصيل والشبكة وموعد الزفاف، ومضى كل شيء على ما يرام، وقال إنه سوف يجهز حجرة نوم جديدة، وأن ابنيه سوف يعيشان مع خالتهما، وطلب منى أن أوفر له مصاريف الزواج ومستلزماته بأن أدخله فى «الجمعيات» التى أنظمها، فأدخلته فى جمعية ثم أخري، وكان يرسل لى حوالة بالمبالغ المطلوبة منه، وقبضت له أكثر من جمعية، وأعطيتها له عندما عاد من السفر، وحجز أخى الأكبر قاعة الأفراح والبوفيه، ووجه الدعوات إلى الأقارب، وقبل الزفاف بثلاثة أيام اتصلت بى ابنته، وباركت زواجنا، وقالت لى إنها سوف تعيش معنا فنزل الخبر عليّ كالصاعقة، فلقد كان اتفاقنا أن نعيش بمفردنا، ولا يشاركنا حياتنا أحد وأن يقيم ابناه لدى خالتهما التى يحبانها كثيرا، تحقيقا لرغبتها وامتثالا لوصية أمهما، وسرحت بخيالى وسألت نفسي: كيف تكون حياتى مع بنت يتيمة الأم فى سن المراهقة، ثم تداركت الأمر سريعا، ورحبت بها، ولما التقيت أباها أبلغته بمكالمة ابنته، فرد عليّ بأنه عجز عن أن يرفض طلبها، بل إنها تشاجرت مع خالتها وتركت بيتها، وتقيم معه الآن.. أما شقيقها فسوف يظل عند خالته، ووجدتنى فى موقف صعب، ولا أدرى هل أكمل هذه الزيجة، أم أنهى خطبتى له، «فالجواب باين من عنوانه» كما يقولون، وفى النهاية امتثلت للأمر الواقع، وأنا أشعر بغصة فى حلقي، وانسقت إلى إتمام الزفاف وظللت أفكر دائما فى المجهول الذى أسير إليه بإرادتي، وفى يوم الزواج بادرت احدى عماتها بأخذها لديها خمسة أيام انقاذا للموقف، ولما دخلت الشقة لأول مرة، لم أجد حجرة النوم الجديدة التى اتفقنا عليها، واكتشفت أنه لم يجدد العفش القديم الموجود فيها، فانتابنى ضيق شديد، وظهر الغضب على وجهي، فأحس بالخجل، وبادرنى بقوله إنه لم يكن معه المبلغ الذى يكفى لشراء أثاث جديد، ووعدنى بأنه عندما يعود إلى عمله، سوف يرسل لى نقودا لأشترى الأثاث الذى أريده، وفى اليوم الثانى جاءنى أهلى وبعض أقربائي، فلم أعط فرصة لأحد للتعليق على الشقة ومحتوياتها.
ومرت الأيام الخمسة الأولي، وجاءت ابنة زوجى فإذا بها ضرة حقيقية مدللة جدا، فطلباتها مجابة، ولا تؤدى أى عمل فى المنزل مهما يكن صغيرا، فإذا أرادت أن تشرب، تنادى أباها لكى يحضر لها كوبا من الماء، وإذا رغبت فى أى شيء فإنها تأمره فيأتيها بما تريده، وهى جالسة أمام التليفزيون، وتتعمد شغله بكل ما أوتيت من حيل ودهاء، وتلاصقه فى كل حركة، وحتى عندما يدخل الحمام تظل واقفة أمام الباب، وتفتعل أى موضوعات للحديث معه فيها إلى أن يخرج، فتتعلق به ولا تغادر المكان الذى يجلس فيه، وعندما تجده يتحدث معي، تسرع إلى ارتداء ملابس أمها التى تحتفظ بها حتى قمصان النوم والملابس المثيرة، وتنخرط فى بكاء مرير، فيلازمها أبوها طول الليل، ويتبادلان الأحضان والقبلات كأنهما عاشقان محرومان من بعضهما، والتقيا فجأة!
وإذا خرج زوجى من البيت تدخل حجرتها، وتغلق الباب على نفسها، وأسمعها مندمجة فى الضحك وهى تحادث شخصا ما فى التليفون، فإذا جاء أبوها وطرق الباب عليها يعاودها البكاء والنحيب وتتورم عيناها فى دقائق، وتظل إلى جواره إلى أن يغط فى نوم عميق، فتنصرف إلى حجرتها، وبعد ساعة تعود إلينا مرة أخرى لتتبين ما إذا كان نائما أو مستيقظا، يعنى لا تترك لنا فرصة لنكون معا بمفردنا، وليس لدينا «ليلة خميس» ولا أى ليلة مادامت هى موجودة بالمنزل، ولا نغلق على نفسينا بابا إلا فى الأيام المتناثرة التى تدعوها فيها احدى عماتها للمبيت معها اشفاقا منها علينا، ولا يجمعنى بها حوار، وإذا تصادف ولفت نظرها إلى أمر ما، تتصل بأبيها وتغير الكلمات التى نصحتها بها، ثم تبكى كعادتها فمثلا عندما أنصحها بأن تغطى شعرها، ولا ترتدى الملابس الضيقة، حتى لا يعاكسها أحد، أو يقول إنها «بنت صايعة»، تقصر شكواها على اننى أصفها بأنها صايعة!، فتنهال عليّ الاتصالات من كل صوب، الكل يعاتبني، ويصبح عليّ أن أقدم تفسيرا مفصلا لكل كلمة أنطق بها، إن أفعالها وتصرفاتها توترني، وتستعمل أشيائى دون اذني، حتى تليفونى المحمول أفاجأ فى أحيان كثيرة بأن رصيدى انتهي، وكذلك تليفون أبيها، وتمسح الأرقام بعد كل مكالمة فلا نعلم بمن اتصلت، وتنكر دائما استعماله، ولم تسلم حقيبتى من التفتيش، حيث تأخذ منها بعض النقود، وأحيانا تأخذ من نقود أبيها ويعتقد اننى التى أخذتها، كما شككت فى أنه هو الذى يفتح حقيبتى ويتجرأ على ذلك، وحدث كل هذا خلال الشهر الأول من زواجنا!
وأنهى زوجى عمله بالخارج، والتحق بعمل فى مصر، لكن حياتنا لم تعرف طعم الاستقرار بسبب ابنته، وبمرور الأيام اكتشف بالمصادفة أنها على علاقة بشاب يبتزها، ويأخذ منها كل ما تطوله يداها من أموال، فقرر معاقبتها بعدم الخروج من المنزل وأخذ الدروس الخصوصية فيه، فلجأت إلى حيلة غريبة، إذ تفتق ذهنها عن أن تذهب إلى قسم الشرطة، وتحرر محضرا ضد أبيها بأنه تخلى عنها لينعم بزواجه من أخرى بعد وفاة والدتها، ويريدها أن تعيش مع خالتها التى تذلها وتضربها باستمرار!! نعم قالت ذلك وهى متأكدة من أن أحدا لن يكذبها أو يفشى ما تفعله، واستسلم أبوها وخالتها للأمر الواقع، وعادت إلى البيت من جديد، ولم تتوقف مشكلاتها، وكلما افتعلت مشاجرة أو مشكلة يكتفى زوجى بالصمت بعض الوقت، ثم سرعان ما يعود إلى الضحك والقبلات، فابنته خط أحمر، لا تُعاقب ولا تُعاتب حتى لو سرقت وكذبت واتهمت الناس بالباطل، أو دخلت فى علاقات مشبوهة مع شباب لأنها يتيمة.
وقد افتتح زوجى مشروعا، ساهمت فيه بأخذ قرض من البنك على راتبى على أن يسدده من عائد المشروع، لكنه لم يفعل، وظل يعاملنى باحترام، ولم يصدر منه لفظ يضايقنى لمدة عامين، وفى الوقت نفسه ترك الحبل على الغارب لابنته التى ارتبطت بعلاقة مع أكثر من شاب، وكلما مر بضائقة مالية فى المشروع، ولا أستطيع تدبير المبلغ الذى يريده، يصيبه الضيق والضجر، ثم تبدلت معاملته لي، وعندما أعاتبه يتطاول عليّ بألفاظ جارحة، وظهرت فى حياته نساء أخريات يتبادل معهن الضحكات، ويتحدث بالساعات، ونحن جالسان معا، ويدّعى أنهن أمهات زميلات ابنته ويأخذ آراءهن فى مشكلات البنات!، وشكوت صنيعه هو وابنته إلى شقيقاته فوعدننى بالتدخل والصبر، ثم أفاجأ بأن النتيجة مزيد من العناد والمضايقات، وصار عليّ أن أجارى ابنته فى الكذب، وإلا فلا مكان لى فى بيته!
ولقد بدأت رحلة البحث عن الحمل والانجاب حتى تهدأ نفسي، وليس لدى أى مانع عضوي، وأجريت لى عملية حقن مجهرى ولكن لم يحدث الحمل، ووصلت إلى مرحلة من الضيق الشديد، ولم أعد أطيق الحياة على هذا النحو المرير، وأتحجج بأى مناسبة عند أهلى لكى أخرج من البيت، فتتاح لى رؤية وجوه باسمة عدة ساعات قبل أن أعود إلى الدائرة نفسها من المضايقات التى لا نهاية لها، والحقيقة اننى لم أبح لأحد من أهلى بظروفي، فلقد حذرونى من هذه الزيجة، لكنى أصررت عليها وأتممتها رغما عنهم، ومر على زواجى حتى الآن أربع سنوات، وازدادت حالة ابنته سوءا بعد التحاقها بالجامعة، وحقوقى كزوجة مرتبطة بمشكلاتها، ومع كل يوم جديد أشعر بالحسرة والندم، وأفكر فى الخلاص مما أعانيه بطلب الطلاق، فهل أكون مخطئة إذا أقدمت عليه؟ وما الذى يمكننى أن أفعله حتى تستقر حياتي، وأشعر بالهدوء والسكينة اللذين لم أعرف إليهما طريقا حتى الآن؟
ولكاتبة هذه الرسالة أقول :
من ترتبط برجل سبق له الزواج ولديه أبناء صغار، يجب أن تدرك أن أبناءه سيعيشون معه إن آجلا أو عاجلا، ولذلك تحفظت أمك وأختاك على هذه الزيجة، لكنك أصررت على إتمامها، وفى يقينك أن زوجك سوف يلتزم بما وعدك به من أن ابنه وابنته سوف يعيشان مع خالتهما، لكنه لم يفعل ذلك، وأوعز الى ابنته أن تحدثك فى الهاتف، وتبارك لك زواجك من أبيها من أجل أن تزيل من نفسك ما يعلق بها تجاهها، وهو تصرف لا أعتقد أن البنت أتته من تلقاء نفسها، وإنما دفعها إليه أقاربها وربما خالتها، وعماتها بالاتفاق مع أبيها، فالبنت فى سنها الصغيرة من الصعب أن تفعل ذلك بمفردها، كما أن والدها لم يلتزم أيضا بما وعدك به من شراء حجرة نوم جديدة، وخلافه، بل إنه استغل عملك فى الحصول على قرض للمشروع الذى أسسه بعد إنهاء عمله بالخارج.. لقد كان عليك أن تدركى ذلك منذ البداية، فتقبلين ابنيه كما هما أو ترفضينهما، ويبدو أن هناك جوانب أخرى لم تذكريها تتعلق بابنه، وكيف يعيش هو مع خالته، ويترك أباه، وكيف تمضى الحياة به بعيدا عن أبيه، ولماذا لم ينضم الى أخته؟.
لقد تصور زوجك أن موقفك من ابنيه سيتغير بمرور الأيام، لكنك لم تفعلى ذلك ومازلت برغم مرور أربع سنوات على زواجك على نفس موقفك الرافض لابنته، وهى نفسها تعى ما يكنه صدرك تجاهها، وأحسب أنها تتعامل معك على هذا الأساس، ولذلك تفننت فى إبعادك عن أبيها من منطلق نفسى بحت، فهى عندما ترتدى ملابس أمها، فإن عقلها الباطن يرى أنها تؤدى نفس الدور المطلوب منك، وبالتالى سوف يتخلى أبوها عنك تدريجيا، ليعيش أجواء الماضى التى عاشها مع أمها، وكذلك حديثها الدائم له، حتى وهو فى الحمام، وهى تصرفات كان ينبغى عليك تجاوزها واحتواؤها فى مهدها، فتظهرين لها عدم ضيقك أو امتعاضك مما تفعله، ولو أنك فعلت ذلك، لتوقفت هى عن تكرار ما تفعله، لكن حالة الضيق والتبرم والغضب التى تعتريك عندما تفعل ذلك هى التى جعلتها تتمادى فى تقليد دور الزوجة.
وفاتك أيضا أن تعطيها هى وشقيقها الذى استقر مع خالته العاطفة والحب والحنان، فالوضع المعتاد بين زوجة الأب وابنائه يظل بين مد وجزر الى أن تكسب ثقتهم، وتقترب منهم، وتدخل الى عالمهم، وبالتأكيد سوف تنجح محاولاتها مع الزمن خاصة اذا عرفت أن مرحلة المراهقة تحتاج الى الكثير من الصبر والتفاهم، وهى مرحلة قد تعجز الأم نفسها عن حل مشكلاتها أحيانا، ومن هنا يمكن أن تكون زوجة الأب صديقة قاسية عند اللزوم، وحنونة دائما، لكى يتقبلها أولاد زوجها، مما يضفى على العائلة الاستقرار، والحقيقة أن هناك الكثيرات من زوجات الآباء يجسدن نموذجا حقيقيا للعطف والحنان والحب والتقدير والاحترام، بل إن زوجة الأب تتفوق أحيانا على الأم عندما تكون أكثر واقعية وتعليما وخبرة ومهارة.
وإذا كان قد فاتك حتى الآن أن تبثى ابنيّ زوجك الحب والعاطفة، فلتسارعى الى ذلك، فالحقيقة أن الزوجة التى يفتقر قلبها لأى عاطفة أو حب تجاه أبناء زوجها، فإنها تكون قد فقدت أهم الصفات البشرية، ألا وهى صفة الإنسانية، وأنت لو فعلت ذلك سوف تظهرين لابنة زوجك الجوانب الحسنة فيك، وينبغى أن تؤكدى لها أنك تتمنين لها السعادة والنجاح، وتعتبرينها ابنتك، فإذا لم يقدر الله لك الإنجاب، فلتكن هى وأخوها ابنين لك، إذ أن استمرارك على هذا النهج الرافض لهما لن يزيدك إلا هما وغما وغضبا، أما اذا ألنت جانبك تجاههما، فسوف تتسلل السعادة الى قلبك، وستدركين وقتها أنك أخطأت فى حق نفسك.
ولا شك أن تنشئتك الاجتماعية وسوء المعاملة من جانب أسرتك، هما اللذان جعلاك أكثر حقدا وكرها للآخرين، ومن ثم جاءت طريقتك فى التعامل على هذا النحو، ويمكنك مع زوجك فى جلسة من المصارحة التامة أن تتبينا خطوط حياتكما من جديد، ولتبادرى بطلب أن يكون الابنان معك وتحت رعايتك، وأن تراعى الله فى معاملتهما، وتلتزمى بما أمرنا به من الإحسان الى الصغير، وتحوّلى شعورك بالخوف والضعف والعجز وغيرها من الأحاسيس المتضاربة الى مشاعر محبة وعطف وحنان، وعلى زوجك أيضا مد جسور التواصل بينك وبينهما، وإقامة علاقة قوية معهما، ولتتخذا من التحاور والتشاور أسلوبا للتفاهم فى الأساليب المناسبة لتربيتهما.
وأراك قد امتلكت الحلم منذ ارتباطك بزوجك فى تعاملك مع ابنته، فلا تضيعى جهدك الآن بالغضب، وطلب الطلاق وتحضرنى كلمة بليغة لعبدالله بن عمر رضى الله عنهما، قال فيها «إياك وعزة الغضب فيصيرك الى ذل الاعتذار»، فالإنسان حين يغضب يتصور نفسه فوق الآخرين، وقد يأتى تصرفا يجبره على الاعتذار عنه عندما يفيق من غضبه، وقال الشاعر أيضا:
وفى الحلم ردع للسفيه عن الأذى
وفى الخرق إغراء فلا تك أخرقا
فتماسكى وافتحى صفحة جديدة مع زوجك الذى يجب عليه أن يدرك أنه اذا فقدك فلن يهدأ له بال، وليعلم أن معظم النار من مستصغر الشرر، فليتوقف عن الحديث مع من يدعى أنهن أمهات صديقات ابنته، وليتق الله فيك وفى ابنيه، وأرجو أن تعيدا النظر فى فلسفتكما معا فى الحياة، وتقربا المسافات بينكما، ولتحتوى ابنيه، وسوف تسعدين بهم جميعا بإذن الله