شراء مسكن عن طريق البنك
السؤال: فضيلة الشّيخ، السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أستسمحك أن تنفعنا بما علّمك المولى تبارك وتعالى بتبيين حكم الشّرع في المسألة التّالية:
أنا أب لعشرة أطفال (٤ ذكور و٦ إناث) تتراوح أعمارهم ما بين (٢٥) سنة و(٨) سنوات، اثنتان من البنات متزوّجات والباقي غير متزوّجات، ساكن عند حماتي (أمّ الأهل) منذ (٢٠) سنة في بيت ومطبخ، دفعت عدّة طلبات للحصول على سكن طيلة هذه المدة (٢٠ سنة) لكن دون جدوى، والأولاد منهم من بلغ (٢٣) سنة ومنهم من بلغ (٢٢) سنة ومنهم من بلغ (٢١) سنة ومنهم من بلغ (٢٠) سنة، وأختهم الكبرى (٢٥) سنة متزوّجة -والحمد لله- كذلك صاحبة (٢٠) سنة فالحمد لله، لكن البقيّة لم يتزوّجوا بعد، فالإناث أسأل الله أن يفرّج عليهن بالأزواج الأكفاء، أمّا ابني صاحب (٢٣) سنة فهو خاطب منذ (٧) أشهر لكن بسبب السّكن تعسّر عليه القيام بالعرس، وهذا الأخير قام بعدة محاولات لكراء أو شراء مسكن لكن لم يستطع لغلاء أسعار المساكن حتى جاء اليوم الذي طرح عليه أحد أصحابه أمرا -وهو بيت القصيد- حيث أنّ هذا الأخير تنازل له عن نصيب من التراب الذي أعطتهم إياه الشّركة التي يعمل فيها، وهو عبارة عن قطعة أرض يتكفل بها الصّندوق الوطني للتوفير والاحتياط (C N E P) أي تمويل مشروع بناء هذه السّكنات بحيث تدفع مثال (١٠) ملايين لبناء السّكنات والباقي تتكفل به (C N E P) وهو عبارة عن قرض يعوّضه أو يسدّده المستفيد من مرتّبه الشّهريّ لكن بالفوائد الرّبويّة -انتهى ذكر المسألة-
السؤال: ما حكم الشّرع في شراء هذا النّوع من المساكن مع العلم بأحوال العائلة المذكورة أعلاه ؟ وبارك الله فيكم.
ملاحظة: أرفق بيانا بأنّ السائل لا يملك أيّ ملكيّة سكنيّة غير التي يقطن فيها حاليا لا هو ولا زوجته ولا أبناؤه عبر القطر، والله عز وجلّ على ما أقول شهيد.
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فإنّ الاقتراض من البنوك أو ما يماثلها من المصارف المالية الحالية المؤسسة على التّعامل الرّبوي حرام قطعا بنصّ الآيات القرآنيّة المنزلة على هذا النّوع من ربا الدّيون الذي آذن الله الذين يتعاملون به بحرب من الله ورسوله، والأحاديث النّبويّة الكثيرة التي تنهى أيضا عنه.
غير أنّ مثل هذا الحرام القطعيّ يُجوِّزه العلماء لضرورة حادثة أو حاجة ملحة اقتضت اللّجوء إليه بعد تعذُّر كافّة السّبل للخروج من الضّيق الماديّ والمأزق الاجتماعيّ كالقوت الضّروريّ لنفسه ولأولاده لدفع المجاعة عنهم، والملبس والمسكن الواقيان، والعلاج الضّروريّ الذي يخشى تفاقم المرض إن لم يعالج في الحال ونحو ذلك مما يبلغ فيها العبد حالة إذا لم تراع لجزم أو خيف أن تضيع مصالحه الضّروريّة من حفظ الكليّات الخمس على أن تكون هذه الضّرورة قائمة بالفعل لا متوهّمة أو متوقّعة، وتقدير الضّرورة موكول لدينه، فإذا تحقّقت الضّرورة انتفت عنه الحرمة بمقدار ما يدفع الضّرورة بناء على ما تمليه القواعد المبنيّة على النّصوص الشّرعيّة منها: «الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ» وقاعدة «إِذَا ضَاقَ الأَمْرُ اتَّسَعَ» مصداقًا لقولِه تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾[الحج: ٧٨] وقولِه تعالى: ﴿مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ﴾[المائدة: ٦].
هذا، ولا يفوتني أن أذكر بأنّ الضّروراتِ و الحاجيّاتِ المنزّلةَ منزلتَها يجب أن تكونَ بقدرها أخذًا بقاعدةِ «الضَّرُورَاتُ تُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا» وقاعدة «إِذَا اتَّسَعَ الأمرُ ضَاقَ» وقاعدة «إِذَا زَالَ الْخَطَرُ عَادَ الْحَظْرُ».
على أنّه -أخيرًا– إذا أقدم عليه يكون له كارهًا له ساخطًا عليه غيرَ باغٍ ولا عادٍ والله غفور رحيم(١).
والله أعلم بالصواب وفوق كلّ ذي علم عليم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: ٢٦ شعبان ١٤١٥ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٨ يناير ١٩٩٥م
(١) انظر ضوابط الضّرورة الشّرعيّة على الموقع، الفتوى رقم: (٦٤٣) الموسومة ﺑ: «في ضوابط قاعدة «الضّرورات تبيح المحظورات»».