استبدال الوقف
السؤال:
هل يصحُّ لمن يمتلك مُصْحفًا بروايةِ ورشٍ عن نافعٍ أن يستبدل به مصحفًا آخَرَ مِن المسجد بروايةِ حفصٍ عن عاصمٍ؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فمسألةُ أن يُبْدَل مكانَ المصحفِ مثلُه أو خيرٌ منه فذلك جائزٌ إذا كان الإبدالُ للحاجةِ أو للمصلحة الراجحة، وبه قال أحمدُ وغيرُه مِن العلماء وهو مذهبُ ابنِ تيمية، خلافًا لمالكٍ والشافعيِّ، وتشهد للأوَّلِ النصوصُ والآثارُ والقياس الصحيح، فمِن ذلك: ما ثَبَتَ في الصحيحين أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال لعائشة رضي الله عنها: «يَا عَائِشَةُ، لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِشِرْكٍ لَهَدَمْتُ الْكَعْبَةَ فَأَلْزَقْتُهَا بِالْأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ: بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا، وَزِدْتُ فِيهَا سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِنَ الحِجْرِ؛ فَإِنَّ قُرَيْشًا اقْتَصَرَتْهَا حَيْثُ بَنَتِ الْكَعْبَةَ»(١)؛ إذ لولا المُعارِضُ الراجح لَغيَّر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بناءَ الكعبة؛ ولذلك يجوز تغييرُ الوقفِ مِن صورةٍ إلى أخرى لأجلِ المصلحة الراجحة. ومِن الآثارِ فِعْلُ عُمَرَ وعثمانَ رضي الله عنهما؛ فإنهما بَنَيَا مسجدَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على غيرِ بنائه الأوَّلِ وزادا فيه.
وعليه، فإذا كان المصحفُ الموقوف مُتعطِّلَ المنفعةِ أو مُهْمَلًا بحيث إنَّ أهلَ البلدِ يُفضِّلون روايةَ «ورشٍ عن نافعٍ» على «حفصٍ عن عاصمٍ» كما هو شأنُ أهلِ المغرب، أو لكونِ الموقوف ممزَّقَ الأوراقِ أو حبيسَ الرفوفِ أو غيرَ مُتماسِكٍ ونحو ذلك؛ فيجوز ـ عندئذٍ ـ أن يُبْدَل مكانَه غيرُه أو خيرٌ منه.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٧ ذو الحجَّة ١٤١٧ﻫ
الموافق ﻟ: ١٤ أفريل ١٩٩٧م
(١) أخرجه مسلمٌ في «الحجِّ» (١٣٣٣)، والبخاريُّ بنحوه في «الحجِّ» بابُ فضلِ مكَّةَ وبنيانها (١٥٨٦)، مِن حديث عائشة رضي الله عنها.