في حكم بيعِ جلود الأضاحي لمصلحة المسجد
السؤال:
نحن لجنةٌ دينيةٌ لبناء مسجدٍ بمدينة س. بلعباس، قُمْنَا بمُناسَبةِ عيد الأضحى المُبارَك بجمعِ جلودِ الأضاحي مِن سُكَّان الحيِّ، وكنَّا قد أَعْلَمْناهم مُسبَّقًا أنَّنا سنقوم بهذه العمليةِ طالبين منهم التصدُّقَ بالجلود لصالِحِ المسجد، حيث تقوم اللجنةُ بجَمْعِها وبيعِها، واستعمالِ هذه الأموالِ في بناءِ المسجد، وكان الأمرُ كذلك.
فنحن نسألُ سماحةَ الشيخِ الفاضل: هل هذا الفعلُ فيه مُخالَفةٌ شرعية؟ فبيِّنوا لنا، جزاكم الله كُلَّ خيرٍ.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فحكمُ هذا التصرُّف يرجع تأسيسُه ـ مِن حيث الجوازُ والمنعُ ـ على حكمِ بيعِ جِلْدِ الأضحية، والفُقَهاءُ في حُكْمِها مُخْتَلِفون على أقوالٍ، أَظْهَرُها عدَمُ جوازِ بيعِ شيءٍ مِن الأضحية: لا جِلْدٍ ولا غيرِه، وهو مذهبُ مالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ في المشهور وأبي يوسف صاحِبِ أبي حنيفة رحمهم الله تعالى، سواءٌ كان بالأصالة أو النيابة أو الوكالة عن صاحِبِ الأضحية؛ لِما ثَبَتَ مِن حديثِ عليٍّ رضي الله عنه قال: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا(١)، وَأَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا، قَالَ: «نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا»»(٢)، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَتِهِ فَلَا أُضْحِيَةَ لَهُ»(٣)، وعليه فلا يجوز التصرُّفُ فيها إلَّا بما أباحَهُ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو الانتفاعُ بجِلْدها أو التصدُّقُ به.
وإذا تَبيَّنَ أنَّ هذا التصرُّفَ لا يجوز أصالةً فلا تجوز النيابةُ في البيع عن صاحِبِ الأضحية أيضًا، أمَّا التصدُّقُ بجلود الأضحية للمساجد فإنما هو مِن جهةِ الوقف لا التمليك؛ ولذلك يَمْتَنِعُ مع الوقفِ البيعُ والهِبَةُ، والغايةُ لا تُبرِّرُ الوسيلةَ؛ فينبغي أَنْ تُسْتَصْحَبَ طهارةُ المساجد في التعمير والبناء، وهي إحدى الطهارتين أُخْتُ الطهارةِ الإيمانية، بل هي وليدةٌ عنها.
وأمَّا بيعُ الفقير أو المسكينِ لجلود الأضحية بعد التصدُّق بها عليه فجائزٌ لتَمَلُّكِها أوَّلًا، ولانتفاءِ عِلَّةِ النهي عن البيع في حَقِّه ثانيًا؛ فجازَ له ما لم يَجُزْ لمن تَعيَّنَتِ الأضحيةُ عليه؛ فإنَّ ما أخرجه المُضحِّي لله لا يجوز له الرجوعُ فيه.
وحريٌّ بالتنبيه: أنَّه ينبغي السؤالُ عن حُكْمِ الفعل قبل الشروع فيه مصداقًا لقوله تعالى: ﴿فَسَۡٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣؛ الأنبياء: ٧]، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا؛ فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ»(٤).
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٢ ربيع الثاني ١٤٢٢ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٢ جوان ٢٠٠٢م
(١) الأَجِلَّةُ: جمعُ الجِلال، وهي جمعُ الجُلِّ والجَلِّ، وهو: ما تُلْبَسُهُ الدابَّةُ لتُصَانَ به مِن ثيابٍ ونحوِها، [وانظر: «الصحاح للجوهري» (٤/ ١٦٥٨)، «القاموس المحيط» للفيروزآبادي (٩٧٨)، «فتح الباري» لابن حجر (١/ ٩٩)].
(٢) أخرجه البخاريُّ في «الحجِّ» باب: لَا يعطَى الجزَّارُ مِن الهدي شيئًا (١٧١٦)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٣١٧)، مِن حديث عليٍّ رضي الله عنه. وانظر: «الإرواء» (١١٦١).
(٣) أخرجه الحاكم (٢/ ٤٢٢)، والبيهقيُّ (١٩٢٣٣)، مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وحسَّنه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٦١١٨).
(٤) أخرجه أبو داود في «الطهارة» بابٌ في المجروح يَتيمَّمُ (٣٣٦) مِن حديث جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما. والحديث حسَّنه الألبانيُّ في «صحيح أبي داود» (٣٦٤) وصحَّحه في «صحيح الجامع» (٤٣٦٢).