بريد الجمعة يكتبـه : أحـمــد البـــرى
الأفعى الناعمة!لا تخلو كل البيوت من الخلافات والشجارات بين زوجات الأبناء وحمواتهن،لكن هذه المتاعب تختلف من بيت إلى آخر، وتزداد حدتها عندما تعيش زوجة الابن مع حماتها فى بيت واحد، فى الوقت الذى يعجز فيه الابن عن مواجهة تصرفات أمه، والتوفيق بينها وبين زوجته.
هنا تتفاقم الأزمة والضحية هم الأولاد الذين يتجرعون مرارة التمزق بين أبويهم وجدتهم، وتصبح الحياة الزوجية مستحيلة، وتظن الحماة أنها ستعوض ابنها بزوجة مطيعة لها، وأفضل من سابقتها، وهو يدرك أنها المخطئة ولكن ليس فى يده حيلة إزاء ممارساتها غير المقبولة، فتتفكك الأسرة ويتشرد الأبناء، وإليكم الرسالة التالية:
أنا سيدة عمرى ستة وأربعون عاما، نشأت فى أسرة بسيطة لأب يعمل موظفا فى الحكومة وأم ربة منزل، وتربيت على الإيمان والطاعة والإخلاص، وكرس أبواى كل جهدهما لتنشئتى تنشئة صالحة، ولم يشغل بالهما سواى، إذ ليس لى أشقاء ثم تزوج أبى بسيدة أخرى جمع بينهما، ولم تتضايق أمى، وعاشا معا فى هدوء وأمان، ولى أخ غير شقيق منه باعدت بيننا السنوات، ولا التقى به إلا بالمصادفة، فيلقى كل منا على الآخر تحية عابرة ثم ينطلق إلى سبيله، وكبرت وحصلت على مؤهل جامعى تربوى وعملت مدرسة للمرحلة الإعدادية، وكعادة البنات فى مقتبل العمر جاءنى أكثر من عريس، وكان بينهم من يناسبني، لكن خوفى من ألا أشعر بالسعادة مع كل واحد منهم جعلنى أرفضهم جميعا.
وذات يوم طرق جار قديم لنا باب منزلنا، وقال لأبى إنه جاء لزيارته بحكم العلاقة التى تربطهما منذ سنوات، وأفضى إليه برغبته فى أن يزوجنى لابنه الذى يعمل فى دبى بالإمارات، ويعيش مع أمه وزوجها، ولم نكن وقتها نعرف أى تفاصيل عنه، فرحب به أبى من حيث المبدأ على أن تكون هناك لقاءات أخرى للحديث فى هذه المسألة، ولم أعلق على ما قاله أبى، وانتظرت أن أعرف المزيد من المعلومات عن الشاب الذى سأتزوجه دون أن أراه، فمن الطبيعى أن ألتقى به، وأجلس معه، ونتحاور معا لنتأكد من أن بيننا خيوطا مشتركة تساعدنا على النجاح فى الحياة الزوجية، وأن أعرف حكاية زواج أمه من غير أبيه وطبيعة العلاقة التى تربطهما، لكنى فى الوقت نفسه خشيت أن أتطرق إلى جوانب فى الموضوع ستكون محل ضيق، وربما شجار بين الأسرتين إذا وجهت أسئلة مباشرة إلى أهله فى هذه الناحية التى يتكتم الجميع الحديث فيها، واعتبرت الأمر عاديا، فأبى تزوج من أخرى فى وجود أمي، ومضت حياتهما على مايرام، وربما يكون مثل ذلك حدث لحماتى المستقبلية، وترقبت مجيئها إلينا، وفى أول لقاء أخذتنى بالقبلات والأحضان، وأثنت على جمالي، وحضوري، وبثتنى كلمات الإعجاب التى تدغدغ مشاعر أى فتاة، وقد جاءتنا فى هذه الزيارة بصحبة ابنها وزوجها السابق، ولاحظت أن الحديث بينهما عادي، ولم ألمح أى علامات تدل على وجود خلافات بينهما برغم طلاقهما، وبدا فتاى هادئا، ودودا، وهو يكبرنى بعشر سنوات، واعتبرت هذا الفارق مناسبا، وأن خبرته فى الحياة سوف تيسر لنا أمورا كثيرة، وتساعده على معالجة ما قد يطرأ من مشكلات مستقبلية وتمت خطبتى له وبعدها اشترى شقة فى القاهرة، وجهزنا بيت الزوجية، وأقمنا حفل زفاف حضره الأهل والأصدقاء، ولم يمض شهران حتى استخرج لى جواز سفر، وأخذنى معه إلى دبى، وانضممت إلى بيت العائلة، وهناك تعرفت على زوج أمه وهو مهندس فى شركة كبرى، ويقضى اليوم كله فى العمل، وأنجب منها ولدا وبنتا، وتربطه بزوجى علاقة قوية، فهو الذى أخذه منذ زواجه بأمه لكى يعيش معهما، وألحقه بعمل خاص هناك. ولزوجى شقيقتان متزوجتان فى القاهرة، ومنذ اللحظة الأولى لى هناك أدركت أن حماتى هى كل شيء فى حياة زوجها وأولادها، خصوصا زوجى، وأنها إذا أرادت شيئا لايهدأ لها بال حتى تحصل عليه، وبمرور الوقت تبينت لى حقائق مثيرة عن قصة طلاقها من زوجها الأول، وارتباطها بالثانى، فزوجها الحالى كان يسكن فى نفس العمارة التى يقطنون بها، وهو أصغر منها، وبعد أن أنجبت أولادها الثلاثة «زوجى وشقيقتىّ» فى سن مبكرة، قالت لزوجها الأول أنها تتعب من أقل مجهود، وأن هناك شيئا غامضا هو السر وراء تعبها، وأنهما اذا إنفصلا عن بعضهما قد تتحسن الأحوال، وحينئد يمكنه أن يتزوج بمن تسعده ولن تقطع صلتها به، من أجل الأولاد الذين سيكونون فى رعايتها، وهكذا حصلت على الطلاق فى الوقت الذى إحتفظت فيه بعلاقة طيبة به، وبعدها ارتبطت بزوجها الحالى وهو مهندس بينما هى لم تحصل على أى شهادة، وهكذا نالت ما أرادت دون أى خسائر.
وتصورت أننى سأعيش فى شقة مستقلة بعيدا عنها، لكنى اكتشفت أن بيتا واحدا سيجمعنا ولكل منا حجرة فيه، فلى أنا وزوجى حجرة، ولها وزوجها حجرة، ولابنيها الآخرين منه «ولد وبنت» حجرة، وكل حجرة مزودة بحمام، والبيت كله به تكييف مركزى، وهناك ضوابط صارمة يجب الالتزام بها بكل دقة. وإلا فالويل كل الويل لى إن خالفت تعليماتها، فهى التى تحدد كمية الطعام الذى سأتولى طهيه، ونوعيته، وحجم كل قطعة لحم، وعدد القطع المطلوبة، وأننى مطالبة بأن أضيف إلى اللحم الذى سأصنع به الكفتة بعض الخبز لكى تصبح الكمية كبيرة على السفرة، ولا أتناول من الطعام إلا ما تشير به عليّ، أما غسل الملابس فيكون فى حوض الحمام وباليدين، فلم تدخل بيتها أى غسالة، لا يدوية ولا أتوماتيكية، ويكون المسحوق المستخدم فى أقل الحدود الممكنة، كما أن كل الأطعمة والعصائر موجودة فى الثلاجة، ولا أحد يقربها، ولا أجرؤ على أن أطلب طعاما إضافيا، أو أن أشكو من الجوع، ولا أخرج من المنزل، وليس معى أى نقود يمكن أن أشترى بها ما أريد, وحتى لو أخذتها من زوجى فلن أهنأ بها، فهى معى فى المنزل «ليل نهار»، وتراقب كل خطوة من خطواتى ويعرف زوجى ما تفعله أمه لكنه لا يستطيع أن يتفوه بكلمة واحدة، وكل ما استطاع أن يفعله هو أنه كان يشترى عدة بيضات، ويسلقها فى مكتبه ثم يخفيها فى بنطلونه، ويعطيها لى لكى آكلها بعد أن نغلق علينا حجرتنا ليلا، أو أن أتناولها فى الحمام بعيدا عن عينى أمه!
ربما تقول عنى ياسيدى إننى أبالغ فى مساوئ حماتى، لكننى والله لا أذكر لك إلا جزءا من الحقيقة التى أعجز عن وصفها. ولايتحملها بشر، ولم أجد حلا سوى أن أسلم أمرى لخالقي، وأكتم أحزانى فى نفسى خشية أن تثور عليّ وتطردنى وأنا حامل، فلقد حملت فى ابنتى الكبرى بعد أربعة أشهر من زواجي، ولم تلق بالا بي، بل إنها زودت الأعباء الملقاة على عاتقى، وحرمتنى من الأطعمة التى تحتاجها الحامل ومنها اللبن، فكانت تعطينى نصف الكوب فقط، وتقول لى إن الله يبعث بالغذاء إلى الجنين من عنده!.. يعنى شرب اللبن أو تناول الطعام والفواكه لايفيده، ولكن يرهق ميزانية البيت!.. وقد تسألنى أين زوجها، وابن زوجى؟، فأقول لك إنهما مشغولان بعمليهما، ولايجرؤ أحدهما على الحديث معها فى شئ، وربما يأكل كل منهما فى مكتبه أو أن لهما حياتهما الخاصة، وهى أيضا بحوزتها كل شئ ومفاتيح الثلاجة والدواليب المغلقة، أما الأموال التى تحصل عليها من زوجها وابنها فإنها تشترى بها شققا وشاليهات فى مصر، ولايمكننى أن أحصى عدد العقارات التى تملكها بطول البلاد وعرضها، وكلها مغلقة ومسجلة باسمها، فعندما تأتى لزيارة مصر تنفذ خطتها لشراء المزيد!
لقد خارت قواى وانهارت معنوياتى، وتحطمت أحلامى منذ وصولى إلى هذا البيت، بسبب امرأة لاتعرف الرحمة، ولاتبالى بمتاعب الآخرين، كل ما يهمها نفسها فقط، وليذهب الكل إلى الجحيم، ويعرف زوجى كل شىء من أفعالها وأقوالها لكنه لايجرؤ على أن يفاتحها وتستغل ذلك فى الضغط عليّ، وعلى ابنتى ثم ابنى الذى رزقت به بعد شقيقته بحوالى عامين، وبلغ التقشف مداه بأنها طلبت منى ألا أطبخ على شعلة البوتاجاز الكبيرة لتوفير الغاز، فامتثلت لما طلبته، ثم فوجئت بأنها خلعت هذه الشعلة، فلم أعر الأمر أى اهتمام، فإذا بها تسألنى أين الشعلة؟!.. فسكت ولم أجد ما أرد به عليها!
وبعد فترة طويلة جئت إلى القاهرة فى زيارة للاطمئنان على أبى وأمي، وزارت هى الأخرى أهلها، ولم أبح بأى سر لأهلي، حتى تمضى الأمور على مايرام، وعزائى أننى أسعى للحفاظ على زوجى وأسرتي، ولما كبر إبناى وأصبحت لهما مطالب من لعب وملابس وغيرها، كنت أحاول أن أشغلهما بأى شيء آخر، لأننى لا أجرؤ على الكلام معها أو أن أقول لها ذلك، فإذا بها تبث الكراهية فى نفسيهما تجاهى، وفى أحد الأيام أخذتهما إلى متجر شهير بالمنطقة التى نقطن بها، وظللت بمفردى فى المنزل لأنها رفضت أن أكون بصحبتهم، وحسب تعليماتها لم يكن باستطاعتى فتح جهاز التكييف، فخرجت لأداء الصلاة فى شرفة المنزل التماسا لبعض الهواء الرطب، وكانت وقتها قادمة من بعيد، فلمحتنى وأوعزت إلى ابنتى وابنى بأننى أراقبهم لكى أعرف ما الذى تحمله! فرد عليها ابنى الصغير «ماما بتصلى»، فثارت ضده «يعنى أنا كدابة»، ولما دخلت البيت دفعتنى إلى تعنيفه، وضربه لكنى لم أفعل، وحاولت فقط أن أرضيها، فانهار الطفل وأخذته إلى حجرتها لكى تمارس هوايتها فى إبعاده هو وأخته عنى، وما أكثر المواقف التى أعجز عن روايتها لك عما فعلته حماتى بى.
وتوالت المآسى التى عشتها معها، إذ تفتق ذهنها عن كتابة ورق عليه كلام غير مفهوم وأوعزت إلى زوجى أننى أتيت به لكى أجعله يكرهها ويصدق ما أقوله له، واستغرب زوجى ذلك فى أول الأمر لكنه لم يعلق، ولما تكرر ادعاؤها علىّ دون وجه حق، حاول الحديث معها فاتهمتنى بأننى أحرضه عليها، وضاق زوجى بما يحدث فغادر جلستنا، وعدت إلى الصمت لكى أتفادى الصدام فأنهزم أمام جبروتها، وعندما حان موعد صيانة التكييف المركزى للبيت، طلبت حماتى من الفنى أن ينظف الأجهزة بالبيت كله ماعدا حجرتى!. ولما تأخر فى تنظيف الجهاز الموجود بها، سألته عن سبب عدم مجيئه فرد علىّ بما قالته له حماتى، فقلت له: أرجوك نظف هذا الجهاز أيضا دون علمها فوعدنى بذلك، وعندما خرجت لقضاء مشوار من مشاويرها المعتادة، جاء الفنى لتنظيف الجهاز، وما إن وضع يديه لخلع بعض الأجزاء وإعادتها بعد تنظيفها. حتى وقعت ورقة مطوية عدة طيات على الأرض، ففتحها، فإذا بها كلام غير مفهوم، ومدون عليها بخط واضح «توضع فى مكان بحجرة النوم دون علم الزوج والزوجة»!!
يا الله إنها هى التى تلجأ إلى الأعمال السحرية للتفريق بينى وبين زوجى لكى تجعله يحبها ويكرهني، فلماذا تريد أن تخرب بيت ابنها؟.. وهل هناك أم تفعل ذلك؟.. لقد أخذت الورقة وأعطيتها لزوجى، ولما واجهها إذا بها تقلب المنضدة ضدى مثل كل مرة، واعتبرتها وسيلة منى لإحداث الوقيعة بينها وبين ابنها، وبالطبع هى التى تكسب دائما!، وبعدها صرت منبوذة فى المنزل، فلقد تعددت الفسح والرحلات إلى مدن الإمارات، ودور السينما، وكانوا يخرجون معا، ويتركوننى وحيدة فى المنزل أبكى حالي، وأتحسر على شبابى الضائع مع حماة لامثيل لها ولاحتى فى الخيال!
وبينما أنا على حالى هذه جاءنى هاتف من أبى بأن والدتى مريضة، وتريد أن تراني، فأدركت أن الحدث جلل، وتحدثت حماتى معه كلمات قليلة، ثم أغلقت الهاتف وطلبت منى أن أعد بعض الأطعمة لكى تحفظها فى الثلاجة، إلى حين عودتى بعد زيارة أمي، ونفذت ما طلبته، وأنا فى منتهى التوتر، وأخذت حقيبة ملابسى والتذكرة وجواز السفر، وأسرعت إلى المطار، وقد اتصلت هى ببنت أختها فى المنصورة للمجىء إلى دبى لمساعدتها فى شئون المنزل، ولما نزلت مطار القاهرة، وجدت فى انتظارى مندوبا من طرف زوجى فأخذ منى جواز السفر وأنهى الإجراءات ثم اختفي. وحاولت أن أعرف أين مكانه فلم أتوصل إليه؟ وأدركت أنها لعبة من حماتى لكى لا أعود إلى دبى مرة أخري. ولم أتبين وقتها ما إذ كانت تذكرة السفر التى جئت بها إلى مصر ذهابا فقط أم ذهابا وعودة، حيث كانت التذكرة إلكترونية وأخذ ذلك المندوب صورتها التى كانت معى ولما وصلت إلى بيتنا وجدت أن أمى ماتت، وتم دفتها فى مقابر الأسرة قبل وصولى، وانخرطت فى بكاء مرير، واسودت الدنيا فى عينى، وتعالت صرخاتى، وزادت حسرتى على ما أنا فيه من عذاب أليم، ومرت أيام لاأدرى ماذا أفعل، وحاول أبى تهدئتى، فاحتضنته وأنا منهارة فسالت دموعه على خديه، وابتهلنا إلى الله أن يخفف عنا ما نحن فيه، وبعد أن هدأت الأمور بعض الشىء اتصلت بزوجى فتنصل من مسئولية ضياع جواز السفر وكذلك أمه، ثم توقفا عن الرد على اتصالاتى المستمرة، ولم أعرف ماذا جرى لابنيَّ، وكيف أطمئن عليهما؟.
وسلمت أمرى إلى الله وعدت إلى عملى كمدرسة، ولكن الحزن لم يفارقنى وأصبحت أكلم نفسى كثيرا، ولم تفلح محاولات قريباتى فى إخراجى من الدوامة التى أعيش فيها، وقد روت لى ابنة خالتى التى تصغرنى بسنوات أنها كادت أن تقع فى مشكلة مماثلة بسبب حماتها، لكن رجلا فاضلا تدخل لدى زوجها، وطلب منه أن يعقل الأمر، ولايترك الحبل على الغارب لأمه فتربك حياته مع زوجته، وبالفعل استمع إلى النصيحة، وتسير الأمور الآن بشكل طبيعى بعد أن وضع زوجها حدودا فاصلة بين زوجته وأمه، فهل لى أن أجد من يتدخل من الجهات المسئولة فى مصر والإمارات ولو على سبيل «الجلسات العرفية» لإصلاح ما أفسدته حماتي، فأرى إبنيَّ وأتواصل معهما مثل كل الأمهات؟.. وهل يستجيب زوجى لنداء أم تموت فى اليوم ألف مرة حزنا على ما آلت إليه علاقتها بابنتها وابنها؟
فهما ابناه، ولن يرضيه أبدا ما تفعله أمه دون ذنب أو جريرة؟ وهل تستمع هى لنداء الحكمة والعقل، فالدنيا لاتدوم لأحد، وقد مات أبي، وصرت وحيدة بلا سند ولا معين، وفوضت أمرى إلى الله، ولا حول ولا قوة إلا به سبحانه وتعالي، وقد خطر لى أن حماتى ربما تزور مصر هذه الأيام، فكلفت شقيق زميلة لى بتتبع قوائم الوصول فى المطارات المصرية، ففعل ذلك ثم قال لى إن ابنىّ وحماتى موجودون الآن فى مصر، وقد جاءوا عن طريق مطار برج العرب، فهل تساعدنى فى الاطمئنان على ابنيَّ وآخذهما فى أحضانى بعد كل هذا الغياب الطويل، ولو لبضع ساعات؟.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
هناك صنف من البشر لا يهدأ لهم بال إلا اذا أحالوا حياة من يعيشون معهم ويرتبطون بهم إلى جحيم لا يطاق، ومنهم بعض الحموات أمثال حماتك التى اتبعت معك أسلوبا ناعما فى البداية، ولما تمكنت منك امتصت دماءك ثم ها هى تلفظك من حياة ابنها بهذه الطريقة التى لا تخطر على بال أحد، عندما سحبت جواز السفر منك عن طريق أحد معارفها.. إنها انتهجت ما يمكن أن أسميه «دبلوماسية الأفعى الناعمة» التى لا يشعر الآخرون بأخطارها، وقد يأنسون إليها، أو على الأقل يلتزمون إزاءها الصمت ويمتثلون لما تمليه عليهم من فرمانات، فبالأسلوب الناعم أقنعت زوجها الأول بتطليقها عسى أن يجد هو من يرتاح إليها، وتلتقط هى أنفاسها، من منطلق أن ابتعادهما عن بعضهما كفيل بأن تعيد المياه الى مجاريها فيما بعد، لكنها كانت فى الوقت نفسه تخطط للزواج من الجار القديم الذى لم يكن قد تزوج وقتها، فنصبت شباكها حوله، وبثته مشاعر الحب، وأوهمته أنها ضحت بحياتها وزوجها من أجله، ولذلك وقع فريسة ثانية لها بعد مطلقها، وبنفس المنهج أخذ ابنها صفها، وصار زوج أمه كل حياته، خصوصا بعد أن أحضر له عقد عمل فى دبى، وأخلى له مكانا فى بيته ليعيش فيه، ولكى تؤكد أنها لم تأخذ ابنها من أبيه ظلت على تواصل مع مطلقها، وأدخلته فى كل ما يتعلق بزواجه.. وهكذا صاروا جميعا رهن إشارتها، تأمر فتطاع، وكان طبيعيا والحال كذلك أن تنضمى الى قائمة المخدوعين بها، لكنك اكشفت فيما بعد خطتها اللعينة، ليس فقط فى التضييق عليك فى الطعام وانما أيضا فى النزهات، واعمال المنزل، وهو الأسلوب الذى لا يرضى به أى إنسان، ثم اكتملت دائرة السيرة على ابنيك بانجرافهما نحوها.
وتناست أن «على الباغى تدور الدوائر»، وأنه كم من طغاة على مدار التاريخ ظنوا فى أنفسهم القدرة على مصارعة الكون فى ثوابته، فصنعوا أفخاخهم بأفعالهم، وكانت نهايتهم الحتمية هى الدليل الكافى على بلاهتهم وسوء صنيعهم، فلا تغرن حماتك الأموال التى جمعتها، ولا العقارات التى اشترتها، ولا صحتها، ولا وجود زوجها وابنها فى صفها، فسوف تفاجأ ذات يوم بأن كل شىء قد زال، وأصبحت خالية الوفاض، ولن ينفعها الندم بأى حال.
إنها مازالت تعتقد أن لديها القدرة على أن تفعل ما يحلو لها، ولن تحار فى البحث عن الذرائع التى تبرر بها ما تصنع لكنها تنسى أن الله يراقبها، وسينزل الجزاء العادل بها، ولعلها تنتبه إلى قول على بن أبى طالب رضى الله عنه:
لا تظلمن إذا ما كنت مقــتدرا فالظلم مرجعه يفضى الى الندم
تنام عيناك والمظـــلوم منتبه يدعــو عــليك وعـــين اللــــه لا تنــم
والحقيقة أن زوجك يتحمل الجانب الأكبر بصمته على ممارسات أمه تارة، وتأييدها تارة أخرى، ونسى «أن المصيبة ليست فى ظلم الأشرار بل فى صمت الأخيار»، على حد تعبير مارتن لوثر كينج، واذا كان قد سكت طوال سنوات زواجكما على أفعال أمه ضدك من باب أنها أمه ولا يريد أن يرد عنك ولو بكلمة، فإنه قد آن الأوان لوضع النقاط على الحروف بكل دقة وهدوء، فيسأل أمه عما فعلته بها، ويطلب منها بدء صفحة جديدة معك بعد مواجهتكما معا فى جلسة مصالحة، ثم يستقل ببيته بعيدا عنها، وأحسب أن لديه المال الذى يكفيه لشراء أو استئجار بيت آخر، ومهما تطل سنوات الغربة فإن المرء سوف يعود الى أهله وبلده، ولن ينفع ابناه أن يعيشا بعيدا عنك فحنان الأم لا يعوضه أى حنان من غيرها، وسوف يدركان الأمور على حقيقتها عندما يكبران إذ يمكن حشد الطفل نفسيا ضد أمه فى مراحل عمره الأولى، لكنه عندما يكبر ويفهم دروس الحياة ويستفيد من خبراتها، يدرك أنها كانت مظلومة، وأن كل ما سمعه ضدها من وحى خيال من بثه فيه.
إن الانتصار على الظلم آت لا محالة، وإنى أسأل حماتك: هل تجمدت فى قلبك مخافة الله فتتلذذين بظلم زوجة ابنك، ثم ألم تسألى نفسك يوما عن سبب القسوة الكامنة فى قلبك، والظلمة التى تعلو وجهك؟ وهل أنت راضية عن نفسك، ثم ألم يئن لقلبك أن يفيق من الظلم؟ وهل تظنين أنك بمعزل عن عذاب الله وعقابه؟ وألا تعلمين أن سنة الله الغالبة هى الجزاء من جنس العمل؟ وأن ساعته باتت وشيكة؟ ليتك تدركين أن ما فات من العمر الكثير، وما بقى منه سوى القليل فاعملى الخير، وضمى زوجة ابنك من جديد، فهو يحبها، ويرغبان معا فى تنشئة ابنيهما نشأة سليمة فى أسرة مستقرة، فلا تفسدى عليهم متعة الحياة.
وبصراحة شديدة فإننى أتعجب من أن تفعل حماتك ذلك، ولا يتدخل زوجها، وابنها لوضع حد لتعسفها ضدك، وليس بغائب عنهما أنه لا توجد فى البيت غسالة، وأن «عين البوتاجاز» الكبيرة غير موجودة، فما ذكرتيه من وقائع يومية واضح أمامهما فلماذا لم يواجهاها منذ البداية؟.. إن أبسط شيء هو أن يتناول المرء ما يناسبه من طعام وبالكميات التى يحتاجها، ولديكم الخير الكثير الذى يوفر لكم حياة هانئة، فلماذا كل هذا البخل والتقتير الذى نهى الله عز وجل عنه فى كتابه الكريم فى قوله تعالى «ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل السط فتقعد ملوما محسورا»، فالوسطية هى الميزان العادل الذى يجعلنا نعيش فى راحة وطمأنينة دون تفريط أو مغالاة.
ولعل زوجك وأهله يستمعون الى صوت الحكمة، بتدارك ما فات، فيسارع الى احتوائك وضمك الى ابنيه فى سكن مستقل بعيدا عن أمه، فهى لن تتغير، ولن تدعه لحياته، وحتى إذا تزوج من أخرى فالمصير المؤلم فى انتظارها، ويبقى النداء الإنسانى الى اللواء طارق عطية مساعد وزير الداخلية للعلاقات الإنسانية بأن يتحرى وجود الجدة مع الطفلين خلال زيارتهما الحالية لمصر، وأن يسعى الى مد جسور التواصل بين الأم وابنيها، فهذا العمل الجليل سوف يخفف متاعب أم تريد أن تطمئن على فلذتى كبدها، ويتواصل النداء الى السفير وائل جاد سفير مصر فى الإمارات والسفير طارق عبد الحميد نور الدين قنصل عام مصر فى دبى، فأرجوهما أن يمدا يد العون لهذه الزوجة بترتيب لقاء مع زوجها وبحث الأمر فى نطاق ودي، فربما ينجح «لقاء المصالحة» فى تضميد جراح الأسرة بعيدا عن المحاكم التى لن تصل هذه الأم من خلالها الى الحل الذى يرضيها.
ويبقى أن تدرك حماتك وأمثالها أن من يحيا على حرمان غيره من شيء ما، فإن الله سوف يحرمه هو أيضا مما حرم الآخرين منه، وإن غدا لناظره قريب، فاعتبروا يا أولى الألباب.