الشاعر عبد القوى الأعلامى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالأحداثموسوعة الأعلامى الحرةأحدث الصورالتسجيلدخول

شاطر
 

 بريد الأهرام ( بريد الجمعة )

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1 ... 42 ... 80, 81, 82 ... 84 ... 88  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
أم البنات
مشرفة
مشرفة
أم البنات

انثى
عدد الرسائل : 9513
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 210
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 Unknow10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 8010
نقاط : 19672
ترشيحات : 44
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 333310

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 I_icon_minitime20/5/2016, 16:09

النصيب العادل


أنا فتاة فى الثالثة والثلاثين من عمري، ومن أسرة متدينة، وأنتمى لأبوين متعلمين، وترتيبى الأخيرة بين إخوتي، وقد تخرجت فى الجامعة منذ ثلاثة عشر عاما، وبدأت البحث عن فرصة عمل مناسبة، والتحقت بالعديد من الدورات التدريبية، ثم عملت بالقطاع الخاص، واكتسبت خبرات جيدة فى العمل، وأيضا فى التعامل مع الآخرين،
والمدهش أننى لم ألفت نظر أحد من الشباب طول عمري، فلم يحاول شاب ولو مرة واحدة أن يقترب منى أو يحدثنى فى أمر ما، سواء كان مناسبا لى أو غير مناسب، ولم يطرق بابى خاطب، ولم أجد لحالتى مثيلا، فحتى فى الأعمال الفنية، ومنها مسلسل «نعم مازلت آنسة» للفنانة إلهام شاهين هناك عرسان يتقدمون للفتيات، إلا أنا!

وفكرت كثيرا فى أمري، ولم أجد سببا لذلك، فلقد أنعم الله علىّ بصفات حميدة منها الانتظام فى الصلاة، ومقبولة الشكل لدرجة أننى أبدو أصغر كثيرا من سني، وأتمتع بأخلاق حميدة يشهد بها الجميع، وخطر ببالى أن أغير وضعي، وأن أبحث لنفسى عن سبيل جديد لحياة مختلفة، فسافرت إلى إحدى الدول العربية، وعملت مدرسة لمدة عامين، والغريب أن كل من عملن معى من المدرسات قد تزوجن، ونحن فى الخارج، وشعرت بالخجل من صديقاتي، فالعمر يمر سريعا، وأنا فى نفس حالي، ثم انتهى عقدي، وعدت إلى مصر، وبقيت الحال على ما هى عليه، وكثرت أسئلة الناس عن سبب عدم زواجي، وظن الكثيرون أننى أرفض من يتقدمون لي، وهذا غير صحيح، فأنا قنوعة إلى أقصى الحدود ولا أطلب شيئا مستحيلا، أو قل إننى لا أريد سوى إنسان جاد يتحمل المسئولية.

إننى أعرف جيدا أن المال والزواج والأولاد رزق من الله، لكن مجرد عدم تقدم أى شخص لي، أو حتى إعجابه بي، يزيدنى عدم ثقتى فى نفسي، وحيرة ودهشة من أمري، وأشعر بأنى أعانى مشكلة غير ملموسة لى قد يكون للسحر دور فيها، وإننى أقرأ القرآن بانتظام، وأواظب على الدعاء بأن يسهل الله أمري، ودائما أردد قول الله تعالى فى سورة يس: «إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون»، وفى سورة البقرة: «وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم».. وأتمنى أن تهدأ نفسى وتستقر حالي.. فبماذا تشير عليّ؟.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

قد يكون عدم زواجك فيه خير لك، فلو اطلع الإنسان على الغيب لاختار الواقع، وأتذكر قول الشاعر:

قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت

ويبتلى الله بعض القوم بالنعم

فمن أدراك أنك لو تزوجت، وصار لك زوج وأبناء، كنت سترتاحين؟.. فقد يكونون سببا للشقاء، حيث يقول تعالي: «فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها فى الحياة الدنيا»، فكل ميسر لما خلق له.. وأرجو أن تضعى الأمور فى موضعها الصحيح، وتعيشى حياتك كما هي، فلديك جوانب إيجابية كثيرة فى كل شيء، لديك المال والصحة والستر، والقرب من الله، والعلاقات الطيبة مع الآخرين، وفوق كل ذلك سيأتيك نصيبك العادل بالزواج حين يأذن الله، وكم من سيدات تزوجن بعد أن تجاوزن سن الأربعين، وأحيانا الخمسين، وعشن حياة سعيدة وهنيئة.

ولا تدعى الوساوس تدخل فى قلبك، وتتخيلى أن عدم زواجك تقف وراءه أعمال سحر وشعوذة، وثقى فى الله.. وكلى يقين بأن الفرج سوف يأتيك قريبا بإذنه تعالي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أكرم عبد القوي
__________
__________
أكرم عبد القوي

ذكر
العمر : 57
عدد الرسائل : 23180
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 Profes10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 3011
نقاط : 37123
ترشيحات : 136
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 411

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 I_icon_minitime27/5/2016, 16:21

بريد الجمعة يكتبة : احمد البرى الطفل الكبير !

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 2016-635998993895910110-591

يتلقى «بريد الجمعة» يوميا رسائل القراء التى يروون فيها تجاربهم فى الحياة بكل ما تحمله من دروس وعبر يستفيد منها الآخرون فى مواجهة ما يمرون به من شدائد ومتاعب.. ومنهجى دائما فى تناول قضاياهم ومشكلاتهم أنه لا يأس مع الحياة، وأن كلا منا مطالب بأن يتطلع إلى الأمل وهو يستشرف المستقبل، وأن يفكر بجدية فى أى مشكلة يواجهها، ويفاضل بين البدائل المتاحة لحلها، وأن يدرك أن المشوار مهما يكن طويلا يبدأ بخطوة واحدة، وإليكم الرسالة التالية:
أكتب إليك بعد أن وصلت إلى طريق مسدود، فلقد تشتت عقلى من كثرة الأفكار التى تتصارع فيه، وساد ليلى سهر طويل، وقلق وتوتر ومعاناة نفسية رهيبة، وما أقسى على الانسان أن يعيش هذه الحالة ولا يجد من يسمعه، ويأخذ بيديه، ويسانده حتى يتجاوز ما ألم به من متاعب وآلام، فأنا سيدة فى الخامسة والثلاثين من عمري، وأعمل فى السلك الجامعي، بإحدى الجامعات المصرية، وترتيبى الثانية بين خمسة أشقاء «ثلاث بنات وولدان»، ونشأت وتربيت فى دولة عربية كان والدى يعمل فيها، وكان رجلا عصاميا بنى نفسه بنفسه بالحلال، إذ نشأ يتيما وواجه الحياة بكل مصاعبها، وتغلب على العقبات التى واجهها بصبر ودأب، وكوّن ثروة كبيرة. وهو حبى الأول ومثلى الأعلي، وقد رحل عن الدنيا منذ اثنى عشر عاما، وافتقدت برحيله السند والصديق، وتخبطت بى السبل لعدم وفاقى مع أمى فى كثير من الآراء.

ولم تكن لى أى تجارب عاطفية، ولم يشغلنى شيء سوى دراستى التى تفوقت فيها، وعينت معيدة بكليتي، وطلب يدى شاب رأى والدى أنه مناسب لي، فوافقت عليه، وتمت خطبتنا، واستمرت علاقتنا عدة شهور، وقبل أن يكتمل عام على الخطبة رحل أبى بعد معاناة من مرض عضال، ثم تخلى عنى خطيبي، فلم أحزن عليه، بل واحتقرته، إذ عرفت من المحيطين بى أنه كان على علاقة بفتاة أخرى فى أثناء خطبتنا، وأن له علاقات نسائية متعددة، وحمدت الله أن نجانى منه، وبعدها تقدم لى آخرون فلم أشعر بالقبول تجاه أى منهم، ثم مرت أربع سنوات حاولت خلالها أن أستعيد توازنى بعد ما حدث مع خطيبى السابق، وأحكّم عقلى فى اختيار شريك حياتي، ولا يتكرر ما تعرضت له من قبل، ثم جاءنى شاب كنت أعرفه معرفة سطحية، ولم تدع أمى لى فرصة لكى تعرف رأيى فيه، وتمسكت ببعض الأمور المتعلقة بالزواج، والأسرة، ولم تكن أمورا مادية، ولكن يبدو أن والد هذا الشاب رأى أن ابنه لن يكون مرتاحا فى هذه الزيجة، فأشار عليه بعدم إتمامها وخرج بلا عودة، ودخلت فى نقاش حاد مع أمى حول رؤيتها للزواج، وما تريده فى العريس الذى ترغب فى ارتباطى به، وتحديتها وتحديت نفسى بأن أوافق على أول طارق لبابى بعد ذلك أيا كان، وجاءنى شاب يكبرنى بعام واحد خطبت له، ولاحظت اعتماده الكلى على والده ماديا ومعنويا وحتى فكريا، وكان مبرره أنه ليس لديه المال الذى يكفينا، ولظروف عمله فإنه لا يتواجد فى القاهرة كثيرا، ووقعت بعض المشادات بيننا فى الخطبة، ورأيت منه العصبية والصوت العالي، ولا يحاول أن يجد حلولا للمشكلات التى تقع عادة فى كثير من البيوت، ويتفاداها الطرفان بقليل من الحكمة، فرأيت فسخ الخطبة، ولكن أمى وأختى الكبرى والتى لم تكن وقتها قد خطبت بعد، اعترضتا طريقى من باب أنه ليس من المعقول أن أخطب كثيرا ثم أنهى الخطبة فى كل مرة، فاستسلمت لرغبتهما، وحاولت أن أقنع نفسى بأن خطيبى ربما يكون طيبا جدا، وليس ممن يقيمون علاقات مع الفتيات بعكس خطيبى السابق، وأن حاله سوف تنصلح بعد الزواج، وإذا كان الله قد اختاره لى زوجا، فهو الأصلح، وعرفت أنه ثانى إخوته بعد أخته الكبري، ويليه ثلاثة إخوة، وترجع جذوره إلى إحدى محافظات الصعيد، ويعتمد على أمه وأخته فى كل شيء، وقد لازمتاه طوال حياته، فلم ينفصل عنهما ولم يتخذ قرارا فى أى أمر يخصه دون أن يرجع إليهما، وتزوجنا وأنا أتطلع إلى أن ينفض عن نفسه غبار «التبعية» لهما، لكن ذلك لم يحدث إذ زادت تدخلاتهما فى حياتنا، خصوصا وأنه مريض بحب الكلام، ويروى كل كبيرة وصغيرة دون أن يسأله أحد، وصار برنامجه اليومى ينصب على الحديث فى الهاتف عنا، وبعد فترة اجازة قصيرة من عمله عاد إلى نظامه الذى يسير عليه فى عمله بالشركة خارج القاهرة، حيث يظل هناك خمسة أيام ونصف يوم، ويأتينا يوما ونصف يوم، وخلال هذه الساعات نذهب إلى أسرته ونقضيها معهم، حيث إنهم يسكنون بالقرب منا فإذا وصلنا إلى بيتهم يتركني، ويخرج ليلعب كرة القدم مع أصدقائه ولم أكن أرى أمى كثيرا لأنها تسكن فى مكان بعيد عن محل سكننا.

ولم يمر على زواجنا ستة أشهر حتى بدأ سلسلة العنف الجسدى ضدي، فتطاول عليّ بيده مما كسر شيئا كبيرا بداخلي، وعاب أهلى عليّ الحساسية المفرطة ـ كما يقولون ـ ولكنى لم أتصور أبدا أن يحدث لى ذلك، وعرفت أن وراء تصرفه هذا والدته التى تحرضه ضدى بلا أسباب واضحة، وشددت رحالى إلى بيت أهلي، فجاءنى معتذرا، وقال إنه معترض على خروجى من البيت، وأقسم ألا يعود إلى التطاول عليّ أبدا، فعدت إليه على أمل أن تنصلح حاله، وللأسف ظل على أسلوبه الغريب فى الحياة، فهو يتصرف كشاب صغير، ولا يفكر إلا فى مباريات كرة القدم التى يتابعها أو يلعبها، ويشترى دائما أحدث أجهزة المحمول والحاسب الآلى ليشاهد عليها الأفلام، ويمارس الألعاب الالكترونية، وأصبحت حياتنا تصفو يوما، وتتعكر أياما، ولا يشغله شىء فى حياته بعد أداء عمله سوى الطعام والنوم والعلاقة الجسدية كأى مراهق.

وبعد عام ونصف العام منّ الله علينا بطفل جميل هو قرة عيني، وتصورت أن حال زوجى سوف تتغير، وأنه سيشعر بالمسئولية، لكنه لم يفق من طفولته ولا يحق لى أن أعترض على تصرفاته من منطلق أنه يكفينى ما يقوم به من عمل وما يصرفه على الطعام والشراب، والمدرسة التى التحق بها ابننا، وعلى مر الأيام لم يتوقف عن إيذائه لي، وعاد الى العنف الجسدى معي، واستفحل أمره من هذه الناحية منذ عام، فغادرت بيته الى منزل أسرتي، وظللت هناك ثلاثة أشهر كاملة، وأصررت على الطلاق حتى لو تنازلت عن كل شيء، بل وقلت لأهلى إننى على استعداد لأن أعطيه ما هو أكثر مما لى عنده فى سبيل الخلاص منه، لكن والدتى ضغطت علىّ بشدة ألا أنفصل عنه لخوفها من كلام الناس، وقالت إنها لا تقبل بأى حال أن أحمل لقب «مطلقة»، وهددتنى بطردى من بيتها، فعدت أجر أذيال الحسرة إلى زوجى الذى لا يعرف أى قدر من المسئولية!

وقد تظننى مدللة، ولكنى أشهد الله أننى أتحمل أسرتى بكل مشاغلها ومتطلباتها، وأرعى ابنى الذى يبلغ من العمر الآن سبع سنوات، وأحفظ غيبة زوجي، وأحترم وجوده، لكننى لا أشعر به، وتصيبنى تصرفاته بالخجل، ولكم شعرت بالأسف، وتصببت عرقا عندما كنا عند أهلى أو أهله، إذ يفتح هاتفه ويمارس ألعابه الإلكترونية غير مهتم بما يقوله الآخرون أو ينصت إليهم من باب الاحترام والاهتمام، وتجد الجميع فى واد، وهو فى واد آخر، ولا يعبأ بأى نظرات استغراب لما يفعله، ولا يلقى بالا لما أشير عليه به، ويبدو لى دائما أنه مازال طفلا لم يتجاوز اثنى عشر عاما.. نعم حاله وتصرفاته تؤكد ذلك، وإذا ضقت ذرعا، وأعربت عن اعتراضى على أسلوبه، وطريقة معاملته للآخرين، يعنف ابننا، ويثور عليه، ولا أدرى لماذا يفعل ذلك؟.. وأضطر فى النهاية الى السكوت التام.

وهكذا تمضى حياتنا على وتيرة واحدة، وليس لدى زوجى أى طموح أو أحلام مستقبلية أو حتى رغبة فى تغيير عمله، وتحسين أحوالنا، وأجزم بأنه بعد عشر سنوات من الآن لو طال بنا العمر، فسيكون على نفس حاله التى هو عليها الآن، وأحيانا أحدث نفسى بأن الله رحيم بنا، وربما لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى لم ننجب أطفالا آخرين حتى لا يتعذبوا فى حياتهم!

إننا نعيش فى منطقة شعبية، ولا يريد أن ننتقل منها الى أى مكان هادئ لمجرد أن يظل إلى جوار أهله الذين اتخذوا مسكنا بعيدا عنا منذ عامين، وانشغلوا قليلا فى تزويج شقيقيه اللذين يليانه فى السن، وليست لدينا سيارة، وابننا فى مدرسة سيئة يتعرض فيها للضرب بلا سبب، وكلما حدثته فى هذه المسألة يماطل ويجادل، وما أدراك ما المجادلة فى كل محاولة منى لتغيير الوضع، وأتولى شراء الكثير من مستلزمات الأسرة من مالى الخاص، وكأن لدى طفلين يجب أن أتحمل مسئوليتهما، فزوجى يعيش معنا، وكأنه يأتى إلى فندق للمبيت لمدة يوم ونصف اليوم مع وجود امرأة له فى الحلال!، فلقد مضى على زواجنا ثمانية أعوام وعدة أشهر، ولكنى لا أحس بأى مشاعر تجاهه، ولم يصل فى نظرى حتى إلى شخص جدير بالاحترام والتقدير، ويحزننى كثيرا أن ما كنت أحلم به صار سرابا، إذ ظللت طول عمرى أحلم بأب لأولادى يعينهم على حفظ كتاب الله، وحب القراءة والرياضة، وأن تكون لديه خطط وأحلام مستقبلية لهم.. لكن شيئا من ذلك لم أجده فيه أو حتى يحاول الوصول إليه، وإذا ضغطت وألححت عليه أن يشاركنى بعض الأعباء المنزلية، يستجيب أحيانا فيساعدنى فى ترتيب البيت!، وليست له أى علاقة نسائية، ولكن ينتابنى الخوف على ابنى من أن يتشبه بأبيه، ولقد رفضت أى علاقة جسدية مع زوجي، وصار الخرس الزوجى هو السائد فى الساعات التى يقضيها معي، وأكاد أختنق كلما تخيلت أننى سأظل على هذه الحال إلى أن أموت، وأخشى أن ألقى الله على معصية، ولذلك طرقت باب شيخ جليل منذ أشهر وأبلغته بحالي، فلامنى على هذا الوضع، وبينّ لى أن دور زوجى سيأتى عندما يكبر ابني! ولكنه لم يوضح متى يكبر زوجي؟!فهل تكمن المشكلة فى زيادة نضج المرأة، أم أن رجال هذا الزمان صاروا أشباه رجال؟ ثم هل ترانى على صواب؟ أم أن ما أطلبه من حياة زوجية مشتركة وواعدة وأطفال يرون أباهم مثلا يحتذى به هو درب من الخيال؟.. إننى أضع مشكلتى بين يديك راجية أن أجد لديك حلا يريحنى من ليالى العذاب التى أحياها بلا أمل فى أن تشرق شمس الطمأنينة فى أسرتنا.



ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

مع التسليم بخطأ المنهج الذى يسير عليه زوجك من انصرافه إلى نفسه، وانخراطه فى الألعاب التى يهواها ويمارسها فى أثناء لقائه مع الأهل والأصدقاء، والحديث الدائم عن الأمور الزوجية الخاصة مع أمه وأخته، فإن أسلوبك فى معالجة أخطائه ليس هو الطريق الصحيح لتقويمه، ولفت نظره إلى ضرورة أن يغير نفسه وإلا سوف يخسر أسرته، فالواضح أنك تتطاولين عليه بالكلام، مما يدفعه إلى إيذائك الجسدى على حد تعبيرك، ولم تكتف بذلك وإنما منعت نفسك عنه تماما، فهل تتصورين أن أى رجل يرضى بذلك؟.

إننى أفهم أن يلجأ زوجان متخاصمان إلى الهجر الشامل والامتناع عن أن يكلم أحدهما الآخر، ويطول الهجر ثم تهدأ النفوس، ويصبح سبب المشكلة والخصام من الماضى، ويتبين لكليهما أن الأمر لا يستحق ما يفعلانه، لكن الكبرياء والعزة بالإثم تجعل كلا منهما ينتظر الآخر ليكون البادئ بالصلح، أى ليكون هو المتذلل والمتنازل، ولذلك يطول الهجر وتضطرب حياة الأسرة، ولقد حرم الله على الزوجة أن تمتنع عن زوجها إذا دعاها إلى فراشه حتى لو كانت تخبز خبز العائلة على التنور كما جاء فى الحديث الشريف، بينما أذن للزوج أن يهجر زوجته فى المضجع إن هى نشزت، ولم يفعل جل جلاله ذلك محاباة للرجل أو تمييزا ضد المرأة، أو لأن شهوة الرجل إن ثارت فلابد له من إشباعها على الفور وإلا كانت الكارثة، إنما فعل ذلك ليحمى الزوجة من عواقب المشاعر التى يثيرها امتناعها عن زوجها فى نفسه، فمشاعر الانتقام إن هى لم تدفعه إلى ضربها وشتمها وكرهها لأنها سبب ما هو فيه من مذلة، فقد تدفعه إلى محاولة الاستغناء عنها جنسيا ليسترد كرامته وقدره والبحث عن أخرى لينزلق إلى الحرام أو قد يتزوج عليها ليشعرها بالمهانة كما أشعرته بها، وقد يلجأ إلى تحطيم ثقتها بنفسها وجمالها بانتقاد عيوبها الجسدية والجمالية، وكما أنه لا تخلو امرأة من لمحة جمال، فإنها نادرا ما تكون خالية من شىء تراه عيبا فى شكلها، وحتى إن كان جمالها كاملا، فإن جمال الدنيا لا يدوم، ولابد للسنين أن تترك أثرها فيه.

ومن أجل دوام المودة والرحمة بين الزوجين حرّم الله على الزوجة أن تمتنع عن زوجها، أو أن تهجره فى المضجع، والغريب هو عدم إدراكك أنك بامتناعك عن علاقتك الجسدية به تدفعينه نحو الهاوية، فتقولين إنه ليست له علاقات نسائية وتطمئنين لذلك، وأنت لا تدرين الخراب الذى يحل بأسرتك بسبب أفكارك التى ليس فيها أى شىء من النضج الذى تتحدثين عنه باعتبار أنك أكثر نضجا منه إذ أن فارق العمر بينكما عام واحد، ولذلك فإن تصرفاته لا تتناسب مع تفكيرك، وهذا القياس خاطئ تماما، فلكل شخص تفكيره وفقا لتربيته وتركيبته وثقافته، وليس هناك إنسان كامل إذ يوجد نقص لدى كل واحد فى بعض الجوانب، ويكون التعامل الأمثل معه مبنيا على ذلك، فتستطيعين أن تتخذى الصفات الطيبة والنواحى الإيجابية فيه مدخلا إليه لتحقيق ما تريدين وتغيير الصفات السلبية الموجودة لديه، فأنت قادرة على معرفة مفاتيح زوجك والطرق التى تعينه على التغلب على ما يسيطر على سلوكه من الانشغال بالألعاب الإلكترونية، خصوصا فى حضرة الأهل والأسرة، وليتركها إلى وقت الفراغ الذى يكون فيه بمفرده بعد انتهاء عمله طوال خمسة أيام فى الأسبوع، خصوصا أنه يعيش وحيدا فى مقر عمله خارج القاهرة، وليخصص اليوم الوحيد للأسرة، فيستعرض معك فيه ما مررت به من أحداث، ويأنس بابنكما الذى يجب أن تعالجا مشكلاتكما بعيدا عنه.

وأرجو أن تتخلى عن نبرة اليأس البادية فى كلماتك، وازرعى الثقة فى نفسك، واحتوى زوجك، ولا تعطى المشكلات التى تتحدثين عنها أكبر من حجمها، ولا تكثرى الشكوى منه، واعلمى أن الوقت جزء من الحل، وارفعى معنوياته، وسلطى الأضواء على إيجابياته، وإياك ومقارنته بالآخرين، فإن المقارنة فيها ظلم، وأنت لا تعرفين عن الآخرين إلا ما ظهر، وعليك عامل كبير فى استيعاب تصرفاته، فالواضح أن تأثير أمه وأخته عليه سوف يتلاشى بمرور الزمن.

والحقيقة أن أكثر ما يقلقنى فى حكايتك هو أنك تعيشين مع زوجك لكى تحافظى على صورتك أمام الآخرين، ولا أتصور فرض بقاء أى امرأة مع رجل لا تطيقه، ولقد قيل فى ذلك «إن من أعظم البلايا مصاحبة من لا يوافقك ولا يفارقك»، وقال المتنبى:

ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى

عدوا له ما من صداقته بد

ولذلك يجب أن تنزعى عن نفسك الغشاوة التى تظلل عينيك، وأن تتنبهى إلى أن حياتك الزوجية مهددة بالانهيار إذا لم تقربى المسافات مع زوجك، ويجب أن يضبط أهلك وأهله مسافة مناسبة فى علاقتهم بكما فلا يبتعدوا تماما، ولا يقتربوا أكثر من اللازم، إذ أن استسلام أى زوجين لتدخلات الأهل يترتب عليه ضياع خصوصية الحياة الزوجية، وضعف الحميمية، ونمو الجفاء بينهما، وتنامى الغضب المكبوت داخلهما، ومن ثم قد يحدث الطلاق فى أى لحظة.

وأحسب أن زوجك يدرك ذلك تماما، وحتى إن بدا أمامك أنه غير مكترث لكلامك، وإياك أن تبوحى بأسرارك إلى أهلك، أو أن يبوح هو بأسراره إلى أهله، وعليكما بدء صفحة جديدة قوامها الحب والتقارب والحوار الإلحاحى من كل منكما للتعبير عن حبه للآخر، وحينئذ سوف تصفو نفساكما، ويمكنكما الانتقال إلى منطقة أخرى غير التى تعيشان فيها ويجب أن تحذرى الحديث عما تشترينه من مالك، والمساهمات التى تقدمينها فى المعيشة، فمثل هذه الأمور البسيطة تساعد على ترسيب الاحتقان فى النفوس.

ويبقى أن ترتبى لقاءات مستمرة مع زوجك، وتتخيرى الوقت المناسب لها، ولا تخبرى أحدا بذلك، وليفعل هو أيضا الصنيع نفسه ويسعى لاحتوائك دون تدخل من أحد، ولتعملا دائما بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان»، وقوله أيضا «إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يفضى إلى امرأته، وتفضى إليه، ثم ينشر سرها»، وقيل فى الأمثال الشعبية «الرجل وزوجته مثل القبر وصاحبه»، وهو كناية عن السرية التامة، بمعنى أنه لا يوجد أحد منا يعلم ما يحدث لسكان القبور حتى أقرب الأقربين، ولا يعلم حالهم إلا الله، وكذلك ينبغى أن تكون الحال بالنسبة للحياة الزوجية، فالبيوت أسرار.. أسأل الله أن يثبتكما على الحق، وأن يكف زوجك عن الألعاب التى تلهيه عن بيته، وأن يدرك قيمته وقدره بين الناس، وأن تتفهمى أوضاعه، وأن ترسما معا منهجا جديدا يساعدكما على الإبحار بنجاح فى نهر الحياة.. وهو وحده المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
nasertoba
مرشح
nasertoba

ذكر
عدد الرسائل : 6343
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 Collec10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 110
نقاط : 17201
ترشيحات : 29
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 222210

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 I_icon_minitime10/6/2016, 18:04

بريد الجمعة يكتبه: أحـمد البرى
الآلام العميقة !



بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 2016-636010989064837187-483

فى الحياة جوانب كثيرة منها الاستقرار والاضطراب، والفرح والحزن، والحيرة والثبات، واليأس والتفاؤل، ومن المشكلات التى تبعث على القلق والكآبة عندما تفاجأ المرأة بأن الرجل الذى أحبته، وخاضت حروبا كثيرة ضد أهلها من أجله لا يستحق هذه التضحية لأنه كان يتسلى بها، ويريد تركيعها أمامه انتقاما من أهلها الذين سبق أن رفضوه عندما تقدم للارتباط بها، وعندما يحدث ذلك فإنها تنهار ويصيبها الإحباط، وتحيطها الوساوس، وربما تفقد حيويتها وبريقها وتتراجع صحتها وتنعزل عن الآخرين، والعاقلة هى من تنظر إلى الأمور نظرة موضوعية وتضع كل خطواتها فى نصابها الصحيح، وإليكم الرسالة التالية:
استوقفتنى رسالة «السنبلة الفارغة» التى بعثت بها إليك سيدة روت لك فيها قصتها مع خطيبها الأول الذى كان يريد أن يتزوجها فى بيت العائلة، وأن تتولى مع زوجات أشقائه أعمال الفلاحة بالرغم من أنها كانت وقتها طالبة فى الجامعة، وهو طبيب. وقد فسخ أهلها الخطبة لما تبين لهم أنه ليس صاحب قرار. وبلا شخصية، وسطحى التفكير، ثم مرت الأيام وتزوجت بشخص آخر وتزوج هو بأخري، ولكن شاءت الأقدار ألا تتوافق طباعها مع زوجها فانفصلت عنه، وعاد خطيبها الأول يلح عليها فى الارتباط بها كزوجة ثانية، ولما وافقت عليه من حيث المبدأ ماطلها فى التقدم لطلب يدها من والدها، فتأكدت أنه غير جاد، فأبلغته عن طريق زوج صديقتها بأن يقطع صلته بها تماما وأعادت إليه ثمن هديته لها، والحق أنها اتخذت القرار السليم بعد أن فهمت مراميه وأهدافه، ولم تقع فيما وقعت فيه من أخطاء فأنا أستاذة بكلية الطب فى الخمسين من عمري، نشأت فى أسرة مرموقة لأب يعمل باحثا فى أحد مراكز البحوث، وأم وصلت إلى درجة «وكيل وزارة»، وأنا الابنة الوحيدة لهما، ولى أقارب يعيشون فى محافظات أخري، ونزورهم من حين إلى آخر. وأحاطنى أبواى منذ صغرى بالحب والحنان، ولم يدخرا وسعا فى سبيل إسعادي، وتلبية مطالبى وبرغم تدليلى الزائد، فإننى تربيت على أيديهما أحسن تربية، وتفوقت فى دراستى والتحقت بكلية الطب وتفوقت فيها وصرت معيدة بها، وواصلت دراساتى إلى أن حصلت على الدكتوراه، ولم تشغلنى العلاقات العاطفية التى تسيطر على أفكار البنات فى سن الشباب.

وبعد تخرجى ببضع سنوات افتتحت عيادة فى مكان شهير بالقاهرة، وقسمت وقتى بين الكلية والعيادة، وذات يوم جاءنى بين المرضى مهندس شاب كان يشكو من بعض المتاعب البسيطة، ووصفت له الدواء اللازم، فتوقف أمامى عدة دقائق وهو يحاول أن يطيل أمد الكلام معى، لكننى لم أفهم ما يريده، ودعوت له بالشفاء، فخرج، ثم عاد مرة أخرى فى موعد الاستشارة، وبعد أن اطمأن على صحته، فاجأنى بأنه يريد أن يرتبط بي، وطلب منى أن أسمح له ببضع دقائق لكى يحدثنى فيها عن ظروفه، فأمهلته إلى ما بعد مواعيد العيادة فى اليوم التالي، وحضر فى موعده، وروى لى نبذة عن حياته، فهو ابن لأب موظف بإحدى المصالح، وأم ربة بيت، وله خمسة أشقاء «ولدان وثلاث بنات»، وأن ترتيبه الثالث بينهم، وأنهم يعيشون حياة بسيطة، فلم التفت إلى المسائل المادية، وقلت فى نفسى إنه يكفينى ما يكنه لى من حب، من منطلق أن البيوت العامرة بالحب تكون أيضا مملوءة بالسعادة وراحة البال، وعدت إلى والدتى فأفضيت إليها بما قاله لي، فروت ما حدث لأبى الذى رحب بلقائه من حيث المبدأ، وفرحت كثيرا بموقفه، وسارعت إلى فتاى أطمئنه إلى استعداد أبى لمقابلته، وجاء إلى بيتنا فى زيارة استغرقت نحو ساعة، وانصرف دون أن أعرف نتيجة المقابلة، وبعدها قالت لى أمى إن هذا الشاب غير مناسب، فبرغم أنه مهندس إلا أنه ليس صاحب قرار، وأن حياتى معه ستكون جحيما لا يطاق، وبكيت كثيرا، ورجوت أبى أن يعيد التفكير فى موقفه منه إذ أننى لم ألحظ عليه أى عيوب، وأن كل شاب فى بداية حياته ربما يواجه بعض العثرات ثم سرعان ما يتغلب عليها، لكن أبى تمسك برأيه فى فتاي، وقال لى إنه يرى ما لا أراه، وأن هذا الشاب غير مناسب لي، وهكذا رحل أول شاب طرق قلبى ولم أره مرة أخري.

ومرت سنوات تقدم لى خلالها الكثيرون لكنى لم أرتح لأى منهم، ومن وافق عليهم أبواى رفضتهم واحدا بعد الآخر، وكنت دائما أقارن كل من يطلب يدىّ بفتاى الأول الذى كسر أبى قلبه وقلبي، ومرضت أمى مرضا شديدا، وطفنا بها على الأطباء والمستشفيات ثم فاضت روحها إلى بارئها، وأغلقنا أنا وأبى بابنا وطوينا صفحة الماضي، وحاولت أن أخفف أحزانه بعد فراق والدتى التى حزن لرحيلها حزنا شديدا، ورفض تماما الارتباط بأخري، وقمت بمهامها فى المنزل، وأصبحت أحارب فى ثلاث جبهات، الجامعة والعيادة والمنزل، ولم أكن أجد وقتا أقضيه مع أبى الذى انشغل بأبحاثه والمؤتمرات العلمية التى يشارك فيها بانتظام، ونظرت إلى نفسى فوجدتنى وحيدة بلا زوج ولا أنيس، وتساءلت كثيرا: هل سأظل على هذه الحال؟.. أليس من حقى أن أكون زوجة وأما مثل كل الأمهات اللاتى يترددن عليّ فى العيادة، وقد علت الفرحة وجوههن وهن يصطحبن أبناءهن وأزواجهن للاطمئنان عليهم؟.. وكسا الحزن ملامحي، وسيطر اليأس على قلبى من أن أجد الشخص المناسب الذى يؤنسنى فى وحدتي، ويشد على يدى كلما عصفت بى أمواج الحياة.

ويالها من حياة تعيسة أن يعيش المرء بمفرده، فلا يجد من يشكو إليه أحواله، ويتلمس معه خطواته، ويستعين به على مواجهة نوائب الدهر، وذات يوم سرحت بخيالى فى الماضى البعيد عندما طرق بابى المهندس الشاب الذى رفضه أبي، وأفقت على طرقاته على باب المكتب قبل أن يدخل لتوقيع الكشف الطبى عليه وفقا لدوره، وأذهلتنى المفاجأة، فقد ظهرت عليه بعض علامات الزمن، لكن يبدو مرتاحا، ولا يوجد ما يعكر صفو حياته، ووقعت الكشف الطبى عليه، وكتبت له روشتة العلاج وأنا صامتة تماما، ففتح الكلام سائلا عن أحوالى، فقلت له أننى بخير، لكنه واصل حديثه قائلا إنه يعلم عنى كل شيء، وأننى لم أتزوج، وإنه برغم زواجه من طبيبة مثلي، وإنجابه ثلاثة أولاد إلا أنه يحس بأن لدى شيئا ينقص زوجته، وأنه لم يتسنى ولا يوما واحدا منذ أن افترقنا، وألح عليّ بأن يلقانى فى مكان عام بعيدا عن العيادة لأنه يريدنى فى أمر مهم، ورجانى ألا أرفض طلبه، وأن ادع الفرصة لكلينا لكى يعرف كل ما يدور داخل الآخر، ولما عدت إلى المنزل فكرت فيما قاله، وأرجأت الحديث مع أبى فيه إلى ما بعد اللقاء المنتظر.

وظللت أفكر طوال الليل فيما سيقوله لي، وبماذا أرد عليه، وعندما ألتقيته لم يترك لى فرصة للكلام، وقال إنه يريد أن يتزوجني، وإننى ستكون لى حياتى المستقلة بعيدا عن زوجته، وأنه لا يخشى شيئا سوى أن يرفضه أبى إذا تقدم لى مرة أخرى خصوصا بعد أن صار لديه بيت وأولاد، وأصدقك القول إننى لم أجد أمامى خيارا من أن أواجه والدى بأننى أحبه، ولن أرضى بغيره بديلا، فتسمر فى مكانه وأنا أخبره بموافقتى على أن أكون زوجة ثانية للشخص الذى رفضه من قبل، ولاحظت الدموع تترقرق فى عينيه، وهو يهز رأسه بالموافقة دون أن ينطقها لسانه، وسارعت إلى حبيبى كما كان يحلو لى أن أسميه فى داخلي، وطلبت منه أن يزور والدى فى اليوم نفسه، فحاول فى البداية أن يؤجل الموضوع، ولما أصررت على مجيئه حضر وتحدث مع والدى بطريقة غريبة، وقال إنه سوف يتزوجنى إرضاء لى، ولكن لكى يحافظ على بيته فإنه سيعقد قرانه عليّ عرفيا عند محام، وليس عند المأذون لكى لا تعلم زوجته، فأصابنا الذهول من كلامه، ووقتها التفت أبى إليّ وهو لا يصدق ما قاله، فسكت، وأطرقت برأسى فى الأرض، فاعتبر سكوتى هذا علامة رضا، ولم يكن أمامى خيار آخر بعد أن تقدمت بى السن، وفجأة سقط أبى على الأرض مصابا بجلطة فى المخ، وصار قعيدا، فانهرت باكية، وأتى هذا المهندس بسيارة اسعاف حملت أبى إلى المستشفى وظل به لمدة تزيد على عشرة أيام وبعدها انتقل إلى المنزل وبدأ رحلة طويلة مع العلاج الطبيعي، وظل الرجل الذى طلب يدى يتردد علينا، ويطمئن أبى بأنه سيجده إنسانا آخر وأن الظروف التى عاشها منذ أن رفضه عندما تقدم لى لأول مرة هى التى تفرض عليه ذلك، وأخيرا امتثل أبى لفكرة الزواج العرفى عند محام، وهو يبكى بمرارة وأنا أيضا، لكنى وجدتها الفرصة الأخيرة لكى أرتبط بمن ارتاح إليه.

وصار لى بيت مستقل، وحرص زوجى على أن يزورنى يوميا بانتظام لبضع ساعات ثم أعود لأبيت مع أبى حتى لا أتركه وحيدا، ولم يمض شهر واحد، حتى وجدت زوجى شاردا، ومضطربا، فسألته عما به، فأخذ يبكى ويقول إن زوجته علمت بزواجنا، ولذلك سوف يطلقني، ونقوم بتقطيع ورقتى الزواج العرفى الموجودتين مع كل منا، لفترة حتى تهدأ الأحوال ثم نعود كما كنا، واننا وقتها سوف نتزوج رسميا، فارتميت تحت قدميه أرجوه ألا يهيننى أكثر من ذلك، فلقد عرفت «البهدلة» على يديه وتزوجته بهذه الطريقة رغما عن أبى الذى يعيش أسير الجلطة التى تعرض لها بسبب هذه الزيجة، ولم تفلح محاولاتى معه، وبالفعل فتح الدولاب وأتى بالورقتين ومزقهما أمامي، وألقى عليّ يمين الطلاق، وجمع متعلقاته البسيطة التى كانت موجودة فى الشقة، وخرج بلا عودة!

ولم أجد ما أقوله لأبي، وكتمت هذا السر فى نفسي، وبمرور الأيام سألنى أبى عما بي، فارتميت عليه، وبكيت بحرقة وألم، ففهم الموضوع، وقال لى إن هذا هو ما كان يخشاه، فمثل هذا الرجل لا أمان له، وقد أراد أن ينتقم من أبى فى شخصي، ولا أدرى لماذا فعل بى ذلك؟.. وأغمى على أبى مرات عديدة، فعاودت عرضه على مستشفى الجامعة الذى أعمل به، ونصحه الأطباء المتخصصون فى حالته بالراحة التامة، وأكدوا لى أنه أصيب بصدمة عصبية ولابد أن يستريح تماما، ولا يتعرض لأى أخبار مزعجة، وكنت أسمعه وهو ينطق اسمى فى أثناء نومه، ويقول «ليه يابنتى عملتى كده»، ومضى شهر كئيب ثم فاضت روحه إلى بارئها ليلحق بأمى وليتركنى أواجه مصيرى المحتوم فى انتظار الموت.

لقد كرهت كل الرجال، وزهدت فى الدنيا وما بها من بشر، وأتصور أن كل الرجال كذابون، وبالذات فيما يتعلق بمشاعرهم، فهم لا يعرفون الحب، وإنما يسعون إلى الاستمتاع بالغريزة الجنسية، وإننى نادمة أشد الندم على أننى فرطت فى نفسى لهذا الشخص معدوم الضمير، وأثنى على كاتبة رسالة «السنبلة الفارغة» التى عملت بمشورة صديقتها فكشفت هذا الشخص عديم الأخلاق قبل أن تقع فى فخه، وهى رسالة مهمة لكل البنات والسيدات بألا ينسقن وراء الكلمات المعسولة، وبأن يعلمن إن بناء حياة زوجية سعيدة لا يحتاج إلى مال ولا جاه، وإنما يحتاج إلى الأخلاق الحسنة والسلوك الحميد، وفوق كل ذلك موافقة الأهل فهم يرون ما لا تراه ابنتهم، كما أنهم يريدون مصلحتها، وأن تعيش فى سعادة وراحة وأمان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.



> ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

ذكرتنى رسالتك بالقول الألمانى المأثور: «نسمع سقوط المطر، ولا نسمع هبوط الثلج.. نسمع عجيج الآلام الخفيفة، ولا نسمع صمت الآلام العميقة»، إذ تكتمين فى داخلك بركانا من الأحزان لا يشعر به من حولك، وإنما تعانينه وحدك، فلقد دفعك الوضع الذى تعيشينه الآن إلى التشاؤم من كل شيء فى الحياة، وفاتك أن التشاؤم علامة العجز، وأننا نصبح متشائمين عندما نشعر بعجزنا، وأحسب أن مثلك بكل ما أوتيت من صبر وجلد على تحمل الشدائد قادرة على أن تتجاوزى المحن التى تعرضت لها فى الحياة، فالحقيقة أنك لم تخطئى عندما قررت الزواج بفتاك الأول الذى تقدم إليك للمرة الثانية طالبا يدك كزوجة ثانية، فهذا حقك، ولكنك أخطأت تقدير موقفه، إذ جاء إليك هذه المرة للزواج منك ليس رغبة فيك لاقامة بيت وأسرة وأولاد،، وإنما انتقاما من رفض أبيك له من قبل، وزاد فى انتقامه باشتراط الزواج عرفيا، ولو تمهلت قليلا لادركت الفخ الذى نصبه للايقاع بك، وإذلال أبيك، فكان هذا السيناريو الذى رسمه بدقة مستغلا حالة التحفز من جانبك ضد أبيك، وعدم وجود من تستشيرينه بعد رحيل أمك، وبعد أقاربكم عنكم، فوجدك فريسة سهلة، ولكن ليس معنى ما وقعت فيه من أخطاء أن تتقوقعى داخل نفسك، إذ عليك أن تستفيدى منها فى المستقبل، فربما يكون تصرف هذا «الشخص التافه» قد جرحك، لكن تذكرى دائما أن الصواعق لا تضرب إلا القمم، فأنت أكبر وأعظم منه، ولم يكن يستحقك منذ البداية تماما مثل الخطيب الأول لكاتبة رسالة «السنبلة الفارغة» لكن الفرق بينكما هو أنها وجدت من يبصرها بأمرها ويبعدها عنه خصوصا بعد التجربة الفاشلة التى مرت بها.

ولا تجهدى عقلك، وتسألى نفسك عن الطريقة الصحيحة لكى تثأرى لنفسك منه، فأكبر صفعة توجهينها إليه، هى ألا تردى عليه بتاتا، وأن تمحيه من ذاكرتك فلا يخطر لك على بال، فقد تمر سنوات ويأتيك نادما على ما فعله معك، وربما يسوق إليك أسبابا واهية لكى يستدر عطفك، فحذار منه ومن أمثاله من الخبثاء ليس فى مجال الزواج والارتباط فحسب، ولكن أيضا من مجرد التعامل معهم، ورحم الله الإمام الشافعى الذى تعب من خبث بعض هذه الشخصيات فكتب بيتى الشعر الشهيرين.

إذا نطق السفيه فلا تجبه

فخير من اجابته السكوت

فإذا أجبته فرجت عنه

وإذا تركته غيظا يموت

والحقيقة انك لو ظللت تعيشين فى الماضي، فسوف تخسرين الكثير صحيا ونفسيا، وأفضل وسيلة لذلك هى «التطنيش»، ومعنى ذلك ألا تبالى بالحوادث والمنغصات ويقول أبو الطيب المتنبي:

فعشت ولا أبالى بالرزايا

لأنى ما انتفعت بأن أبالي

إن الحياة مليئة بالحجارة، فلا تتعثرى بها، بل اجمعيها وابنى بها سلما تصعدين به نحو النجاح، فلقد حققت نجاحك بالفعل وصرت طبيبة شهيرة وأستاذة جامعية مرموقة، فلا تهزك الصغائر، وعليك أن ترتفعى فوقها، وليس معنى أنك لم تصادفى نجاحا فى حياتك الزوجية، أو أنك لم تجدى الشخص المناسب إن هذا فشل، بل معناه أن الله يقسم الأرزاق، ويصرف الأمور كيف يشاء، وعلينا دائما أن نرضى بمشيئته، وأن نوقن بأن اختياره هو الأصوب لنا، ومن يثق بالله يغنه، ومن يتوكل عليه يكفه، فاسعدى بحياتك بالابتسامة بدلا من أن تملئيها بالدموع، ولا تثقلى يومك بهموم غدك، فقد لا تجيء هذه الهموم، وتكونين قد انحرمت من سرور يومك، ولعل فضفضتك فى سطور رسالتك فيها العلاج الناجح لحالة القلق التى تعتريك، وإياك وكراهية الرجال التى تسربت إليك بعد تجربتك المريرة، فالتعميم خطأ فى كل الأحوال، إذ ليس كل الرجال من نوعية هذا الرجل الذى أساء إليك بزواجه العرفى منك، ثم نبذك من حياته بعد أن نال منك غرضه بعد شهر واحد من الزواج، فما حدث معك ومع بعض الأخريات هو نتيجة ظروف معينة، وكما يقول «مارك توين»: «عندما تكره المرأة رجلا لدرجة الموت، فإن ذلك يعنى انها كانت تحبه لدرجة الموت»

والحقيقة التى تغيب عن الكثيرات هى أنه لو فى قلب من تحبه ذرة واحدة من الحب، لكان آخر ما يفكر فيه هو الابتعاد عنها، كما أن الحب الجميل الصادق تبقى ذكراه إلى الأبد، أما الحب الكاذب فينتهى إلى آخر نقطة فى قاع الجرح، فليكن الدرس البليغ لكل من تثق فى إنسان لا يستحق هذه الثقة بأن تضعه فى حجمه الصحيح. وأن تحمد الله أن نجاها من شروره، فانفضى عنك غبار الأحزان، واقبلى على حياتك بكل اطمئنان فإن مع العسر يسرا، كما يقول الله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم، ولتعلمى أنه إذا أشتد الظلام وزمجر الرعد، وقصفت الريح، استيقظت الفطرة «جاءتها ريح عاصف، وجاءهم الموج من كل مكان، وظنوا أنهم أحيط بهم، دعوا الله مخلصين له الدين»، وعلى المرء أن يدعو ربه فى الشدة والرخاء، والسراء والضراء» فلولا أنه كان من المسبحين للبث فى بطنه إلى يوم يبعثون» فلا تحزنى على عدم زواجك المستقر حتى الآن، فلعل الله يدخر لك ما هو أفضل منه، ومن يقلق من تأخر رغباته، كمن يسابق الامام فى الصلاة، ويعلم أنه لا يسلم إلا بعد الامام فالأمور والأرزاق مقدرة، والسعادة هبة ربانية، ولقد منحك الله الكثير فاستثمرى ما أنعم به عليك فى الحياة الطيبة الخالية من المنغصات، وقولى دائما «الحمد لله رب العالمين»، فبها تتفتح لك الأبواب المغلقة، وتكونين مرتاحة البال فالحزن ليس فيه فائدة، وقد استعاذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم انى أعوذ بك من الهم والحزن». فهو قرين الهم، والفرق بينهما أن المكروه الذى يرد على القلب، إن كان لما يستقبل أورثه الهم. وإن كان لما مضى أورثه الحزن، وكلاهما مضعف للقلب عن السير، ومفتر للعزم، والحزن تكدير للحياة وتنغيص للعيش، وهو مصل سام للروح تنطفيء به عند مباهج الحياة، فتحتسى كأس الحسرة والألم، ولذلك يقول أهل الجنة عندما يدخلوها «الحمد لله الذى أذهب عنا الحزن»

لكل ذلك أرجو أن تستعيدى ثقتك بنفسك، وأن تتطلعى إلى الدنيا بعين جديدة غير هذه العين اليائسة، واحمدى ربك أن نجاك من هذا الشخص غير السوى الذى سيكون انتقام الله منه بحسب ما أصابك من غم وحزن، ومازال أمامك مشوار فى الحياة سوف تقطعينه بكل رضا وأمان إذا خلصت نيتك وصدقت عزيمتك على نسيان ما فات، فابدئى صفحة ناصعة البياض تستشرف آفاق المستقبل بعين الرضا والسكينة، وفقك الله وسدد خطاك، وهو وحده المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
كلمة حق
مرشح
كلمة حق

ذكر
عدد الرسائل : 540
نقاط : 6474
ترشيحات : 0

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 I_icon_minitime19/6/2016, 00:36

بريد الجمعة يكتبه:أحـمد البـرى
الليلــة الأخـــيرة!


بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 2016-636017093136281259-628

أحيانا يتوقف المرء لمحاسبة نفسه، فيسترجع شريط ذكرياته على مر السنين، ويصحح خطواته، ويتطلع الى الأمام راجيا عفو الله ورضاه، وأحيانا أخرى يكون أوان المراجعة قد انتهي.. صحيح أنه أدرك فداحة أخطائه, ولكن بعد فوات الأوان، فالإنسان قد تجرفه الدنيا بأطماعها فيتخلى عن أبويه وأقرب الناس إليه، غير مدرك أنه كما يدين يدان، وأن الجزاء من جنس العمل، ولا بديل عن أن يراقب كل منا الله فى خطواته، وأن يستغفره ويتوب إليه، وإليكم الرسالة التالية:
يرتعش القلم فى يدي، وتتبعثر الكلمات من ذاكرتى وأنا أكتب إليك رسالتى الحزينة، التى ربما تكون دافعا لإصلاح بعض ما فسد، حيث إننى محاسب على المعاش، كنت أشغل وظيفة كبيرة بشركة مقاولات، ثم أحلت إلى التقاعد منذ نحو عامين، ولدى ثلاثة أبناء (بنت وولدان)، وتزوجت البنت عقب تخرجها فى كليتها من مهندس شاب، وانتقلت للإقامة معه فى محافظة ساحلية، وفقا لمقتضيات عمله، بينما سافر الولدان إلى دولة عربية ويشغلان موقعين متميزين فى شركتين بها، ونحن ننتمى إلى أصول ريفية، فلقد ولدت فى قرية بوسط الدلتا لأب موظف بجهة حكومية، وأم ربة منزل، ولى ثلاثة أشقاء (بنت وولدان)، وانتقلنا إلى القاهرة حيث اشترى والدى شقة كبيرة، وتبدلت حياتنا فصرنا نعيش على نمط مختلف من الحياة، وكبرنا وتخرجنا فى كلياتنا، وكانت أختى تدرس بالجامعة الأمريكية، وتعرفت على شاب مصرى حاصل على الجنسية الأمريكية، ومن أسرة محترمة، وأبدى رغبته فى الزواج منها، ونقلت رغبتها إلى أبوينا، فسألا عنه وباركا زواجهما، وهكذا سافرت معه، وانشغلت بحياتها الجديدة عنا، واقتصرت علاقتها بنا على الاتصال من حين إلى آخر، وبعدها هاجر أخى الأكبر إلى كندا، وبقيت أنا وأخى الأصغر فى مصر، وظل ارتباطنا كما هو قويا، ولم يعكر صفو حياتنا أى شيء، وبمرور الوقت تباعدت المسافات بيننا، ولم نعد نسمع أى أخبار عن شقيقنا وشقيقتنا المقيمين فى الخارج، وكانت هذه هى نقطة البداية فى الانقطاع المتتالى للخيوط التى تربطنا، وجسور المودة التى تصلنا معا، وكنت ألمح فى عيون أبى وأمى الحزن والخوف والقلق أحيانا، لكنهما كتما هذه المشاعر، وكانا يصطنعان الابتسامة فى وجهى أنا وشقيقى الأصغر.

وعندما أنهيت دراستى الجامعية التحقت بشركة معروفة، وعملت بها محاسبا، وتعرفت فيها على زميلة لي، ووجدت فيها فتاة أحلامي، وأفضيت إليها بما أكنه لها من حب وإعجاب، وشيئا فشيئا وجدتها تبادلنى الشعور نفسه، وألمحت لى إلى أن أزور أهلها بصحبة أبي، وحدثته فى الأمر فلم يمانع، وزارتها والدتى مرتين، وقالت لى إننى مادمت قد اخترتها فإنها تبارك خطوتي، ولم تزد على ذلك، وتخيلت وقتها أن لها ملاحظات على فتاتي، وألححت عليها أن أعرف ما بداخلها، وهل تتحفظ على شيء فى أسرتها ولا تريد أن تبوح به، فردت عليّ بأن الأحاسيس وحدها لا تكفى للحكم على الأشخاص، وأنها لا تنكر عليهم خلقا، إذ يتعاملون بأسلوب محترم، وأن الأيام كفيلة بتقريب المسافات، فكل زيجة فى أولها تكون صعبة ثم لا تلبث مع الأيام أن تتحسن، ويصبح الزوجان أقرب لبعضهما من الأهل، وضربت لى مثلا بها هى وأبى، حيث أصبحا كيانا واحدا فى جسدين، فتزوجت فتاتى وانتقلت إلى شقة فى منطقة بعيدة عن منزلنا، وكان شقيقى الأصغر قد تخرج فى كليته وجاءه عقد عمل فى دولة عربية، واستقرت أوضاعه هناك، وتزوج من معلمة مصرية مسافرة إلى البلد نفسه، وخلا البيت الكبير على أبى وأمي، ولم يكن يطرق بابهما أحد سواى من حين إلى آخر كلما سنحت لى الفرصة لأخذ إجازة من عملى، ولم يدر بخلدى ما تخبئه الأقدار من مفاجآت.

وذات يوم دق هاتف منزلى فى ساعة متأخرة من الليل، وكنت وقتها نائما، فاستيقظت وهرولت إلى الهاتف لأعرف من يتصل بنا، وماذا يريد فى هذا التوقيت غير المناسب، فإذا به أبى، ولم يدع لى فرصة للكلام، إذ قال لى بصوت متهدج: «أمك ماتت».. يا الله.. أمى.. أمى ماتت دون أن أراها، وأسمع صوتها، وأطلب منها أن تدعو لى كما كنت أطلب منها دائما، وأسرعت إلى ارتداء ملابسى، وذهبت إلى المنزل فإذا بى أجد أمى مستلقاه على السرير وقد شحب لون أبى، والدموع تنسال على خديه فى صمت أبلغ من أى تعبير، فخررت على قدميها أقبلهما وأنا فى منتهى الجزع والألم، وفى الصباح ودعناها إلى مثواها الأخير، وجاءت زوجتى وأولادى وأقمنا مع والدى أسبوعين، ثم طلبت منه أن يأتى معنا إلى شقتنا لأننا لن نتركه بمفرده، لكنه رفض تماما أن يغادر منزله أو أن يتزوج من باب «الونس» كما يقولون، أو أن ينتقل إلى الإقامة فى دار للمسنين، وقد أبلغته أننى على استعداد لأن أدفع أى رسوم مهما تكن باهظة فى سبيل أن يجد من يخدمه، ويلبى له طلباته، ويسهر على راحته.

وخرجت ليلتها منكسرا وأنا أشعر بأن شيئا ما لا تحمد عقباه سوف يقع، وأصبحت أزور أبى كثيرا، ولاحقته بالاتصالات اليومية على هاتف المنزل لكى أطمئن عليه، وظللنا على هذه الحال خمس سنوات، ثم سافرت فى مهمة عمل لمدة ستة أشهر، وانشغلت بالمهمة عن أبي، ولم تسأل زوجتى ولا أولادى عنه أيضا، وكست البلادة أذهاننا وقلوبنا، وأعترف بأننى قصرت فى حقه، ويبدو أنه كان يرى أننى الذى يجب أن أتصل به، فى حين لا يبادر هو بالاتصال مهما يطل الوقت، إذ لم يأتنى تليفون واحد منه، وبعد فترة طويلة جاءتنى مكالمة هاتفية من شخص لا أعرفه، وقدم لى نفسه بأنه جار لأبى فى منزل العائلة، وسألنى عن مكاني، وعرف أننى مسافر إلى الخارج، فقال لي: إن أبى مات وحيدا، وإنه لم يعلم أحد بوفاته إلا بعد عدة أيام على رحيله، إذ أبلغوا جهات الشرطة بأن رائحة كريهة تنبعث من شقة جارهم الذى يعيش وحيدا بعد رحيل زوجته، وانصراف أبنائه عن زيارته، وأن رجال الأمن كسروا قفل الشقة فوجدوا أبى رحمه الله ممددا على أريكة فى الصالة، وبالكشف عليه عرف الطبيب الشرعى أن وفاته طبيعية، لكن جثته بدأت فى التحلل.. قال لى الرجل ذلك فى كلمات سريعة ومباشرة، وأغلق بعدها الهاتف، ولم تمض ساعات حتى وصلت إلى القاهرة، ويا هول ما رأيت، فما رواه لى جار أبى أقل كثيرا من الوضع المفزع الذى كان أبى عليه.

وتبدلت حياتى تماما، وانتابنى هاجس بأننى سأموت بنفس الطريقة، فالمرء كما يدين يدان، وساءت أحوالى فى عملي، واضطربت علاقتى بزوجتي، فلقد حملتها المسئولية عن عدم السؤال عن أبى فى فترة غيابى، وكذلك أولادي، وقلت لهم: إذا كنتم تنظرون إلى أبناء أعمامكم فهم يعيشون فى الخارج، أما نحن فنعيش فى القاهرة، وما كان هذا ليحدث لولا إهمالنا فى حق جدكم، فردت عليّ زوجتى بأنها غير ملزمة برعاية أبي، إذ كيف ستزوره وتطمئن عليه والمسافة طويلة بين المنطقة التى يقطن بها، والمنطقة التى نعيش بها أنا وهى وأولادنا، وقد تغيرت طباعها تماما منذ ذلك الوقت، وأصبحت تفتعل أى مشكلات بيننا، ولم أستطع أن أتعامل مع عصبيتها التى ازدادت يوما بعد آخر، ووجدتنى ألقى عليها الطلاق مرتين، وحاولت أن أتماسك حتى لا أفقد آخر أمل فى استمرار حياتنا الزوجية، لكنها تمادت فى العناد، فطلقتها للمرة الثالثة، وتركت المنزل غير نادمة، بل وربما تكون هى التى سعت إلى ذلك بعد أن ملت من الحياة معي.. على حد تعبيرها، وجمعت أولادى الثلاثة، وكانوا وقتها قد تخرجوا فى الجامعة، وتزوجت ابنتنا الكبرى، وشرحت لهم الوضع بأننى لم أقصر فى حق أمهم، فما فعلته بي، وموقفها المعاند لى هو الذى أدى بنا إلى الانفصال، لكنهم هزوا رءوسهم بما يعنى أنهم يميلون إليها ولا يصدقونني، وبعدها توقفت ابنتى عن زيارتى، وتتصل بى من وقت إلى آخر من باب ذر الرماد فى العيون، أما ولداى الآخران فقد سافرا للعمل فى دولة عربية واستقل كل منهما بحياته، وصرت وحيدا، وأصبحت أترقب لحظة النهاية، والليلة الأخيرة لى فى الدنيا، إذ يبدو أن سيناريو أبى سوف يتكرر معي، وأننى سأموت وحيدا، ولن يعرف برحيلى عن الدنيا أحد.. إنه شيء قاس جدا أن يتخلى عنك أقرب الناس إليك، وأن يمحوك أبناؤك من ذاكرتهم، فأبنائى أسقطونى من حساباتهم ظنا منهم أننى تجنيت على أمهم، ويكررون الآن ما فعلته أنا وأشقائى بأبوينا عندما أهملناهما ولم نسأل عنهما باستمرار، وقد خاطبت أخوتى بأن يدركوا أن صلة الرحم أهم من الدنيا بكل ما فيها، وأن يتواصلوا معى, لكن هيهات أن يسمعنى أحد، لا أولادي، ولا أشقائي.

إننى أدرك أن الجزاء من جنس العمل، وإننى حتما سأموت وحيدا، لكنى أرجو أبنائى ألا يكرروا الخطأ الذى وقعت فيه أنا وأعمامهم عندما انشغلنا عن جدهما وجدتهما، وأن يعودوا إلى رشدهم، وأحذرهم بأن الدوائر سوف تدور، وأن ما يفعلونه اليوم سيلقون عليه الجزاء غدا، والجزاء دائما من جنس العمل، فلا يرتكبوا ما ارتكبناه من حماقات وأنانية وانشغال بالذات، وإننى أسألك: هل يغفر الله لى ذنبى الكبير فى حق أبي، فأتفادى أن أموت وحيدا؟ وهل يسمع أولادى ندائى فيسارعون إلى تصحيح وضعهم الخاطئ، ويدركون أننى أحبهم، ولم أقصر فى حق أمهم، ويبقى هناك شيء مهم أرجو إبلاغك به، وهو أننى لن أتزوج لا زواج «ونس» ولا غيره، فقط كل ما أريده هو أن أحتضن أولادى من جديد، وأن يكونوا قريبين مني، فكنوز الدنيا كلها لا تساوى لحظة دفء واحدة بين أحضانهم.

أستغفر الله العظيم.. ولا حول ولا قوة إلا به سبحانه وتعالي.. وإليه المصير.

ولكاتب هذه الرسالة أقول:

من القواعد والسنن الثابتة التى أودعها الله عز وجل هذا الكون أن الجزاء من جنس العمل، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، «جزاء وفاقا»، ولو وضعنا هذه القاعدة نصب أعيننا لزجرتنا عن كثير من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذلك «كما لا يجتنى من الشوك العنب، كذلك لا ينزل الله الفجار منازل الأبرار، فاسلكوا أى طريق شئتم، فأى طريق سلكتم وردتم على أهله» وهذه القاعدة دافعة إلى الأعمال الصالحة، لكنها غابت عنك أنت وأشقائك، فشغلتكم الدنيا عن بر أبويكم وصلة أرحامكم، وأحسب أنك لست وحدك الذى يعانى آلام بعده عن أبويه، فأشقاؤك كذلك يعانون فى دواخلهم الشعور نفسه، وربما يكون الفرق الوحيد بينكم انك عايشت هذا الاحساس قبلهم بحكم الظروف التى واجهتك من انفصالك عن زوجتك، وانصراف أبنائك إلى شواغلهم تماما كما فعلتم من قبل.

وقد ارتكبتم إثما كبيرا بعدم الاهتمام بأبويكم وهما فى سن الجلال والاحترام، فأحوج مايكون المرء إلى أبنائه عندما يكبر فى السن وتتطلب أوضاعه الصحية المتابعة الدائمة، ولذلك قرن الله سبحانه وتعالى حق الوالدين بعبادته، وأكد ذلك فى آيات كثيرة منها «واعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا» وأيضا قوله تعالى: «قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم، ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا..». وجعل كذلك الشكر له مقرونا بالشكر للأبوين، إذ يقول: «أن اشكر لى ولوالديك إلىّ المصير»، وليس العمل فى الخارج أو المعيشة فى أماكن بعيدة مبررا لتجاهل الآباء والأمهات، إذ إن بر الوالدين أفضل عند الله من الجهاد، بل إنه أعلى مراتب الجهاد فى سبيل الله، وذلك لحديث عبدالله بن عمر رضى الله عنهما حيث قال: «جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم يستأذنه فى الجهاد، فقال: أحىّ والداك؟.. قال نعم: قال ففيهما فجاهد، والسبب هو أن بر الوالدين فرض عين بينما الجهاد فرض كفاية، كما تأتى رعاية الوالدين فى المنزلة بعد الصلاة، فحينما سئل رسول الله عن أى الأعمال أفضل، قال «الصلاة لوقتها ثم بر الوالدين ثم الجهاد فى سبيل الله»، وليس هذا فحسب، وإنما أيضا رضا الرب فى رضا الوالد، وسخط الرب فى سخط الوالد كما جاء فى الحديث الشريف،

وعن أبى الدرداء قال: «سمعت رسول الله يقول: الوالد أوسط أبواب الجنة، وإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه». وفى السن المتقدمة تزداد أهمية وجود الابن بجوار أبيه، ويشير الرسول إلى هذه الأهمية بقوله: «رغم أنفه، فرغم أنفه ثم رغم أنفه، قيل من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر, أحدهما أو كليهما، ثم لم يدخل الجنة» رواه مسلم.

ومهما يقدم المرء لأبويه فإنه يظل عاجزا عن أن يوفيهما حقهما، وأذكر عن أبى بردة أنه شهد هو وابن عمر رضى الله عنهما، رجلا يطوف بالبيت، وقد حمل أمه على ظهره، وهو يقول إنى لها بعيرها المذلل، إن أذعرت بركابها لم أذعر، ثم قال: يابن عمر، أترانى جزيتها؟ قال: لا , ولا بزفرة واحدة، لذلك فإنكم لم تقدموا لأبويكم ما يستحقانه من الرعاية والاهتمام، لا أنت ولا إخوتك الذين لا يعفيهم من المسئولية انهم هاجروا إلى الخارج، أو انتقلوا للاقامة فى مناطق بعيدة، فحالة البكاء والقلق التى تعتريك الآن هى الحالة نفسها التى عاناها أبواك قبل رحيلهما عن الحياة، وإذا كانت والدتك رحمها الله قد ماتت وأبوك إلى جوارها يؤنس وحدتها ويمرضها قدر استطاعته، فإنه رحل وحيدا، بعد أن فقد أبناءه، وهم على قيد الحياة، وما أقساه من إحساس يعيشه المرء، وقد انفض من حوله الجميع، ولا أدرى كيف طاوعتكم قلوبكم على هذه القسوة تجاه أعز الناس، وهل هناك من هو أعز من الأبوين؟

ولعل أبناءك يستوعبون هذا الدرس القاسى فيسارعون إلى مد جسور التواصل معك، ويدركون أنهم إذا لم يتجنبوا ما سبق أن وقعت فيه أنت وأشقاؤك من عقوق الوالدين وعدم السؤال عليهما، فسوف يتجرعون الكأس نفسها، وليعلم أشقاؤك وهم الآن فى أعمار متقدمة أن الفرصة مازالت سانحة أمامهم لتدارك ما فات، بالدعوة لأبويهم أن ينزلهما الله منازل الصديقين والشهداء، وأن يستغفروا ربهم على ما اقترفوه فى حقهما من العقوق والتجاهل، وأن يتواصلوا معك، ومع عائلتكم وأقاربكم فى البلد الذى نشأتم فيه، فهناك أرحام لكم لا تعلمون عنهم شيئا، وربما هم فى حاجة إليكم، فصلة الرحم أوصى بها القرآن ولعن من قطعها، فقال تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا».

وقوله أيضا «والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون فى الأرض، أولئك لهم اللعنة، ولهم سوء الدار».

ولاشك أن الأبوين لهما مكانة ومنزلة عظيمة، وقد أدركها أيضا المفكرون والشعراء، وحذروا من سوء عاقبة عقوقهما، وفى ذلك يقول المعرى:

جَنى أبٌ ابناً غرضاً … إن عقَّ فهو على جُرْمٍ يكافيهِ

تَحَمَّلْ عن أبيكَ الثقلَ يوماً … فإن الشيخَ قد ضَعُفَتْ قواهُ

أتى بكَ عن قضاءٍ لم تُرِدُه … وآثَرَ أن تفوزَ بما حَوَاهُ

وكم سهر أبواك على راحتكم، وكم سهرت أنت على راحة أولادك الذين يجب أن يفيقوا من غفلتهم، ولعلهم يتذكرون ما قدمته لهم على مدار عمرك، فقلب الأب لايغفو إلا بعد أن تغفو جميع القلوب على حد تعبير «ريشيليو» فما أكثر الأوقات التى سهرتها على راحتهم وبذلت أقصى ما فى وسعك حتى وصلوا إلى ما هم فيه الآن، فلا يكون جزاؤك أن يتخلوا عنك، فعليهم أن يتوقفوا لمحاسبة أنفسهم على بعدهم عنك، وعن أمهم التى انفصلت عنها ولا رجعة إليها بعد الطلاق الثالث، وقد فات أوان مناقشة ما حدث بينكما لكن ليأخذ الجميع العبرة والعظة بعدم التسرع فى الطلاق، خصوصا بعد أن يقطع الزوجان مشوارا طويلا فى الحياة معا، وليعطى كل منهما مساحة كافية لمراجعة مواقفه، وإعادة ترتيب أموره والتقاط أنفاسه، ويمكن أن يبتعدا عن بعضهما لفترة تهدأ فيها نفساهما، ثم يلتقيان من جديد.

وإنى أذكر أبناءك بالقول الهندى المأثور بأننا نعرف قيمة الملح عندما نفقده، وقيمة الأب عندما يموت، ولعلهم يدركون قيمتك وأنت على قيد الحياة، فتعود علاقتكم معا إلى ما كانت عليه قبل انصراف كل منهم إلى حياته، وتأنس بهم، ولا تقلق فإن الله غافر الذنب، قابل التوبة، وأظنك قد عرفت الطريق السليم، وأتمنى أن يعرفه أيضا أبناؤك حتى ينعموا بالراحة والطمأنينة ولا يتكرر معهم ما حدث فى «الليلة الأخيرة» التى رحل فيها أبوك وحيدا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أم البنات
مشرفة
مشرفة
أم البنات

انثى
عدد الرسائل : 9513
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 210
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 Unknow10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 8010
نقاط : 19672
ترشيحات : 44
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 333310

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 I_icon_minitime24/6/2016, 18:47

بريد الجمعة: يكتبه أحمد البري
الطلاق الغامض!


بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 2016-636023101160573246-57

تواجه زوجة الأب دائما متاعب وعراقيل من أبناء زوجها,
ويكون ذلك فى الغالب نتيجة معاملتها السيئة لهم أو بعدها عنهم أو عدم اهتمامها بهم, بل وتتخذ أحيانا موقفا عدائيا منهم, ولذلك ينتهزون أول فرصة للتخلص منها فيلقون بها خارج منزلهم إذا مات أبوهم أو ألم مرض عضال به, ولو أدركت كل زوجة أب أنها ستحصد ما تزرعه فلن يعرف الشقاء طريقا إليها أبدا, لكن نظرتها القاصرة هى التى تدفعها إلى معاداة أبناء زوجها وهدم جسور التواصل معهم, وإليكم الرسالة التالية:

أنا سيدة فى الرابعة والخمسين من عمري، عشت أياما حلوة عرفت فيها السعادة والأمان، وعانيت فى أيام أخرى الكثير من الآلام والأحزان، وتمكنت بفضل الله من التغلب على مصاعب جمة، ولم يعرف اليأس طريقه إليَّ بالرغم مما واجهته من متاعب وآلام، وأروى لك قصتى منذ البداية، فلقد نشأت فى أسرة متوسطة لأب من الفيوم، وأم من المنصورة، وقد تعرفا على بعضهما عن طريق خالى الذى كان زميلا لأبى فى العمل بإحدى الجهات، ولى خمسة أشقاء «أربعة أولاد وبنت»، ومضت حياتنا على ما يرام، وكبرنا وتخرج بعضنا فى الجامعة، ومنا من اكتفى بمؤهل متوسط وأنا واحدة منهم، إذ حصلت على دبلوم تجارة، واستقر ثلاثة من اخوتى فى مصر، بينما سافر شقيقاى الآخران إلى الكويت وأقاما بها، وكانت طبيعة عمل أبى تقتضى منه الذهاب إلى الخارج فى مهمات كثيرة، واصطحبنى فى احداها ومعى والدتى وأحد أشقائى، وكانت تلك المهمة إلى دولة عربية مجاورة، وهناك تعرفت أسرتى على أسرة من تلك الدولة، وتوطدت علاقتنا بها، واقترب منى شاب منها، وتحدث معى كثيرا فى حضور أسرتينا وأبدى اعجابه بي، وفاتحنى فى الارتباط به، فتوجست خيفة فى البداية، ثم اطمأننت له بمرور الأيام، ووجدت قبولا من أبوي، إذ لم يجدا فيه أى عيوب تجعلهما يرفضان ارتباطى به، فهو يعمل فى مجال المقاولات، ولديه تجارة رائجة، وفوق كل ذلك تجمعنا العلاقة الطيبة التى تعد الأساس فى اقامة زيجة ناجحة، وتزوجته وعشت معه سنوات تملؤها السعادة، ويكسوها الحب والود والسكينة، وظللت هناك، وبعد عودة أسرتى إلى مصر، أصبحت أزورها بانتظام، وأنجبت خمسة أبناء «بنتا وأربعة أولاد»، ثم انقلبت الدنيا رأسا على عقب، ودبت الخلافات مع زوجي، ولا أدرى سببا لتغيره المفاجيء وعصبيته الزائدة عن الحد، فلم أطق الاستمرار معه، وآثرت أن أعيش وحيدة على أن أحيا هذا العذاب الأليم، فليس هناك أقسى من الألم النفسى، إذ إن معاناته أشد من معاناة الألم الجسدى بكثير، ولذلك عدت إلى مصر، وخلعته، وقد أخذ الأولاد معه، وبعد محاولات عديدة تمكنت من أن أزورهم من آن لآخر، وكان هذا التشتت والعذاب أهون عليّ من الحياة مع هذا الرجل، ومرت سنوات ثم أفضى لى أحد أشقائى بأن زميلا له يعمل مديرا عاما بإحدى الشركات، ومتزوجا ولديه خمسة أبناء «ثلاث بنات وولدان» يريدنى كزوجة ثانية، بعد أن هجرته زوجته الأولى ثلاث سنوات وأخذت معها أبناؤهما، وأنه يعيش بمفرده، وطلب منى التفكير فى الأمر بشرط أن يحتفظ بزوجته على ذمته، واستطلعت رأى والدتى وأخوتي، وكان أبى وقتها قد رحل عن الحياة وبكيناه كثيرا، فأشاروا عليّ بقبول الزواج منه، وعقدنا الزواج، وانتقلت إلى أسيوط، وأقمت معه وسارت بنا الحياة على ما يرام لمدة أربع سنوات، لم يحدث خلالها ما يعكر صفو حياتنا، بل إن ولدين من أبنائى زارانى وأمضيا معى فترة طويلة، ثم عادا إلى بلدهما.

ولم يكن زوجى يشكو أى متاعب صحية، ولكنه فجأة أصيب بجلطة فى المخ فقد على أثرها النطق، فحملته إلى كل الأطباء الذين عرفتهم بمهارتهم فى علاج الجلطات، وتمكنت بفضل الله من تمريضه حتى تعافى بعض الشيء وعاد إلى الكلام، ثم انتكست حالته فجأة وأظهرت الفحوص المتوالية التى أجريت له أنه أصيب بتليف فى خلايا المخ، فلم يعد قادرا على تمييز الأشياء، ولا يستطيع أن يتحكم فى أعصابه حتى فى قضاء حاجته فلجأت إلى استخدام «البامبرز»، ولم يكن يغمض لى جفن حتى أطمئن إلى أنه لا يريد شيئا، وأصحو من النوم فى عز الليل عسى أن يطلب منى شيئا وأصبحت أفهم ما يريده بالاشارة وبمجرد النظر إليه.

وغابت الابتسامة عني، وصار القلق والخوف عليه هو الاحساس الذى يتملكني، وأدعو الله فى كل لحظة أن يخفف متاعبه، ويزيح عنه المرض الذى ألم به، فالحق أننى منذ زواجى منه وحتى مرضه الخطير، لم ألمس منه إلا كل طيب، وقررت فى نفسى أن أظل بجواره حتى النهاية ولم أبال بالمصاعب التى تواجه امرأة بمفردها فى هذه الظروف العصيبة، ولأن المصائب لا تأتى فرادى كما يقولون، فقد أصيبت والدتى بالمرض نفسه، ولم يكن معها أحد حيث إن أشقائى متزوجون ويعيشون بعيدا عنها، وبالطبع فإن راحة الأم تكون مع ابنتها، وليست مع زوجات أبنائها، واحترت ماذا أفعل إذ لا يمكن أن أترك زوجى يصارع الموت بمفرده فى أسيوط، وأسافر إلى القاهرة لأكون إلى جوار أمى فى محنتها، ورأيت أن تعيش معى وأمرضها هى وزوجى معا، ورفعت يدىّ إلى السماء، وابتهلت إلى الله أن يخفف متاعب أمى وزوجي، وكانت لحظة دخول أمى منزلى لحظة تقشعر لها الأبدان، إذ جاء بها أخوتي، وهى شبه غائبة عن الوعي، ولم تمر ساعات حتى فاضت روحها إلى بارئها ـ يا الله، ماذا حدث؟ لقد صرخت بأعلى صوتى «أمي.. أمي» وخطرت لى وقتها الآية الكريمة «وما تدرى نفس بأى أرض تموت»، فلقد جئت بها إلى أسيوط لتموت فى هذا المكان الذى قدره الله لها، وأعدت الاتصال بأخوتى الذين لم يكونوا قد وصلوا إلى القاهرة بعد، ولأن مدافن أسرتنا فى القاهرة فإننى أسرعت باستخراج تصريح الدفن، وجئت مع الجثمان حيث تم دفنها فى مقابر الأسرة فى اليوم التالي، وتركت زوجى فى رعاية أبنائه وبينهم طبيبة، وبعد يومين فقط، وقبل أن أعود إلى بيتي، اتصل بى أحدهم وأبلغنى أن زوجى طلقني، وأن قسيمة الطلاق سوف تصلني، ولم يدع لى فرصة للرد عليه، وبالفعل جاءتنى القسيمة، فوجدتها موقعة بتوقيع ليس توقيع زوجى، ولكن عليها بصمة له، فصرخت فى ابنه، كيف حدث ذلك وأبوه لا ينطق وشبه غائب عن الوعي، وهل طلاق كهذا يجوز؟ لقد قلت له بأعلى صوتى: هذا كلام غير صحيح، لكنه واخوته حذرونى من القدوم إلى البيت لأنى لم أعد زوجة لأبيهم، وتسمرت مكانى وانعقد لسانى فلم أرد عليهم، وبعد ضغوط شديدة، حصلت على مبلغ بسيط منهم بعد اجبارى على قبوله، ووقعت لهم رغما عنى على ايصال بذلك، ولم أفلح فى اثنائهم عن موقفهم المعاند لى، وبعد أن استعدت وعيى، قررت أن أواجه أبناء زوجى بحقيقة موقفهم، إذ إنه عاجز تماما، وغير قادر على اتخاذ أى قرار، وتعددت الاحتمالات لدى بأنهم أجبروه على ذلك، ثم سألت نفسى كيف حدث ذلك؟. . ولكى أقطع الشك باليقين لجأت إلى محام وأفضيت له بحكايتى من الألف إلى الياء، فقال لي: اننى إذا رفعت دعوى بطلان الطلاق فسوف أكسبها، لكن أبناء زوجى سوف يتعرضون للمساءلة القانونية عن حقيقة هذه القسيمة، فإذا ثبت لسبب أو لآخر أنها ليست بقرار من زوجي، وأنه أجبر على تطليقى، فسوف تتم محاكمتهم وربما حبسهم، وبصراحة شديدة رفضت أن أسلك طريق القضاء، لكنى لن أتخلى عن زوجى وهو فى هذه المحنة، وخطر لى أن أبعث إليك عسى أن تتدخل لدى المهندس ياسر الدسوقى محافظ أسيوط لكى يعقد جلسة صلح عرفية مع أبناء زوجى لكى أعود إليه، وأواصل مشوارى معه، فقلبى ينهار فى كل لحظة من أجله، فلقد ساندنى وهو فى صحته وقوته، وفى الوقت الذى هجرته زوجته الأولي، فإن واجبى نحوه أن أؤدى رسالتى معه إلى النهاية، ومشكلات الصعيد الاجتماعية تجد دائما الحل بهذه الطريقة، ولا تصلح المحاكم معهم، فحتى لو حصلت على قرار من المحكمة ببطلان هذا الطلاق، فإننى سأعيش فى جحيم، ولن أتمكن من تقديم الرعاية اللازمة لزوجي، واننى أعرف طباعهم جيدا، فهم يفرضون السرية الشديدة على كل شيء فى حياتهم، وأنا أؤيدهم وأحبهم، ولا أحمل ضغينة ضد أى واحد فيهم، وكلى ثقة فى أن الله عز وجل سوف يوفقنى إلى الطريق السليم، فلقد طرقت كل الأبواب من أجل أن أخفف متاعب زوجي، ولن يخذلنى سبحانه وتعالي، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

لقد أسقطت الآخرين من حساباتك فى كل خطوة اتخذتها على مدار مشوار حياتك، ومن أبرز الأخطاء التى وقعت فيها خلعك زوجك الأول بعد أن أنجبت منه خمسة أبناء وتركك لهم يصارعون الحياة بلا أم فى بلد آخر، وعودتك بمفردك إلى مصر مكتفية ببعض الزيارات المتناثرة إليهم، أو مجئ بعضهم إلى مصر من أجل أن يمكثوا معك بضعة أيام ثم يعودون إلى بلدهم وأبيهم، ولم تذكرى الأسباب التى جعلتك تتخذين هذا القرار بالانفصال عنه، منفردة، فليس هناك أقسى من أن تتخلى الأم عن أبنائها لمجرد خلافات عابرة مع زوجها، ولذلك فإن الطبيعى هو أن تضع قرار الخلع خيارا أخيرا حفاظا على تماسك الأسرة، ونفسية الأبناء الذين يتأثرون بطلاق أبويهم، وتتشتت حياتهم، وتتطرف أفكارهم، وتصرفاتهم، وأحيانا يعزفون عن الزواج خشية تكرار هذه التجربة الأليمة.

أما الخطأ الثانى فهو سكوتك على الطلاق من زوجك الثانى، وحصولك على بعض المستحقات المالية من أولاده، ولا يبرر خطأك أنك كنت تعانين وقتها حالة نفسية سيئة بعد رحيل أمك، وسفرك إلى القاهرة للمشاركة فى دفنها، فمادمت تعلمين حالة زوجك الصحية، فقد كان الواجب عليك العودة فى اليوم التالى إلى بيتك لتمريضه ومساعدته فى أداء متطلباته الشخصية، وفى الوقت نفسه تقطعين على أولاده وزوجته الأولى التى مازال يحتفظ بها كل الوسائل التى من الممكن أن يفكروا فيها للخلاص منك، فلقد فاتك انك لم تنجبى منه، وانه لا توجد لك أى صلة بأولاده الذين كبروا وصار لكل منهم شأنه فى المجتمع، وعز عليهم أن يعيش أبوهم بمفرده، فأرادوا أن يتولوا هم مسئوليته، وبالطبع لا يمكن أن يقع الطلاق إلا بموافقته، مع الحصول على بصمته لتأكيد الطلاق، لكن الشكوك تساورك فى أنهم هم الذين فعلوا ذلك، وارتكبوا جريمة التزوير، وتبررين عدم استمرارك فى اتخاذ اجراءات الدعوى التى أقمتيها ضدهم بأنك لا تريدين بهدلتهم، إذ أنه لو ثبت أنهم زوروا الأوراق، أو أخذوا بصمة أبيهم وتوقيعه على الطلاق دون أن يدرى، فسوف يتعرضون للسجن، وهو ما لا تقبلينه لهم فى كل الظروف والأحوال، لكن هذا الحل وإن كان من الممكن أن تأخذى به, فإن توقيعك بأخذ حقوقك كاملة كفيل وحده بنسف القضية من أساسها.

أما الحل العرفى عن طريق جلسات مصالحة يحضرها المسئولون فى أسيوط على غرار ما يحدث فى الصعيد لتقريب المسافات بين المتخاصمين، فأحسب أننا أمام حالة فريدة تقتضى مجهودا غير عادى، إذ ترتبط بالتزوير فى توقيع زوجك على الطلاق، وهو أمر يصعب إثباته، وربما لا يقر زوجك بما تقولينه، أما إذا كان فى حالة غياب تام عن الوعى وثبت أنه كان على تلك الحال وقت تحرير قسيمة الطلاق، فإن الأمر حينئذ سيكون فى مصلحتك، ولعله يكون مناسبا أن يتدخل جهاز العلاقات الانسانية بوزارة الداخلية مع محافظ أسيوط، للقاء أبناء زوجك وبحث المسألة من جذورها.

لكنى على جانب آخر أجدنى مندهشا من موقفك وإصرارك على العودة إليه، فأنت لم تتخلى عنه لتنفدى بجلدك من خدمته، وهو فى هذه الظروف الصحية القاسية، وإنما فرض عليك أولاده ذلك، فما الذى يجعلك تتمسكين بالعودة إليه إلى هذه الدرجة؟ فالحقيقة التى ربما لا تقرين بها أنك تتطلعين إلى الاقامة فى بيته، والحصول على حقوقك كاملة منه، وليس فقط تمريضه والسهر لخدمته.. هذا التحليل لموقفك مرده الوقائع التى ذكرتها، وعلى كل حال فإن ذلك لا يبرر أبدا أن يتدخل أبناؤه على النحو الذى ذكرتيه لطلاقكما، وأحسب أن تدخل الجهات المسئولة بجلسات المصارحة والمكاشفة، سوف يكشف الأمور على حقيقتها، وسيعطيك حقك، وإلا فإنه ليس أمامك إلا القضاء بعيدا عن العواطف والكلام الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع.

إن القضاء العرفى يملك سلطة إلزامية على أطراف التقاضى، حيث يتم إشراك أعيان المناطق والمشهود عنهم الحياد والعدل فى التحكيم، وهو وسيلة إيجابية لحل النزاعات، ويلتزم طرفا الخصومة بما ينتهى إليه من أحكام.

والواضح أنك لم تحسنى معاملة أبناء زوجك، ولم يسع هو إلى توفير الجو المناسب والبيئة الايجابية فى بيتكم من خلال إشاعة الثقة المتبادلة، وأسلوب الحوار الراقى ولذلك ترسبت فى نفوسهم مشاعر سلبية تجاهك، ومع أول فرصة للخلاص منك أثروا عليه، وكان لهم ما أرادوا، وإذا ثبت أنهم أكرهوا آباهم على تطليقك، فلا يكون الطلاق قد وقع بالفعل لقوله صلى الله عليه وسلم «إن الله تجاوز عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»، وعن عائشة رضى الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا طلاق فى إغلاق» ومعناه: فى إكراه. والطلاق هو ما نطق به المطلق مختارا بلسانه، قاصدا بقلبه، وليس تحت تأثير أحد، إذ يقول صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»، فكل عمل بلا نية باطل، ولا يعتد به، وطلاق المكره عمل بلا نية، إذ أنه ينفذ فقط ما أمر أن يقوله ولا طلاق على من قال كلاما لم يعتقده، وبالتالى إذا ثبت من خلال جلسات القضاء العرفى أن زوجك وقع تحت تأثير أولاده عند طلاقك، فإن هذا الطلاق لا يقع.

ويجب على أبناء زوجك أن ينزلوك المنزلة اللائقة بك، ولا يظلموك لأن ظلمهم لك سيكون ظلمات لهم يوم القيامة، فالنظرة الظالمة لزوجة الأب ترجع إلى مجموعة من العوامل أبرزها ضعف التربية فى طريقة الحكم على الآخرين، وانعدام النظرات المعتدلة تجاههم كما أن عدم حفظ قدر الأبوين ينعكس تلقائيا على زوجة الأب فلا ينزلوها المنزلة اللائقة بها، ويتناسى هؤلاء أن الله أعطى لزوجة الأب حرمة تماثل حرمة الأم، ومن الواجب لها الاحترام من جانب الأبناء، وعدم إغفال حقها الشرعى فى الميراث وحسن معاملتها بعد رحيل الأب، ومن الواجبات المفروضة عليها أن تربى أبناء زوجها تربية صالحة وأن تعتنى بهم، ولو فعلت ذلك فستصبح عليهم واجبات عظيمة نحوها وستنال الأجر والثواب العظيم، والمرأة الواعية هى التى تعطف عليهم، وتستطيع كسب قلوبهم فينادونها بأمى تعبيرا عن امتنانهم لها.

من هذا المنطلق أرجو أن تبدئى خطوات جادة نحو معرفة حقيقة طلاق زوجك لك من خلال الجلسات العرفية، فإذا ثبت يقينا أنه طلقك بإرادته، فلتأخذى حقوقك التى كفلها لك القانون بعيدا عن أوراق الضغط التى مارسها أبناؤه عليك، وإذا ثبت أنه لم يكن مدركا أنه طلقك أو وقع تحت تأثير أبنائه عليه، فسوف يعقد زواجكما من جديد، وبالتالى تفتحين صفحة جديدة معهم خالية من المنغصات، وأرجو أن تكونى قد استوعبت الدرس بأن انعزال الزوجة الثانية عن أبناء زوجها فيه مخاطر عديدة أبرزها أنها تفتقد راحة البال، وتعيش دائما فى اضطراب، وأرجو أن تجد قضيتك صدى لدى المهندس ياسر الدسوقى محافط أسيوط، وأجهزة الأمن بالمحافظة، وليدبر الله أمرا كان مفعولا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أم البنات
مشرفة
مشرفة
أم البنات

انثى
عدد الرسائل : 9513
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 210
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 Unknow10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 8010
نقاط : 19672
ترشيحات : 44
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 333310

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 I_icon_minitime24/6/2016, 18:51

شريط الذكريات


أنا شاب فى سن الأربعين عشت حياة حافلة بالأحداث والمآسى‏ ,‏ ولا أذكر يوما نمت فيه بعد عناء طويل إلا وتخيلت لحظة الموت ومفارقة الحياة، وأظل أسبح باسم الله الرحمن الرحيم وأبتهل اليه فى علاه أن ينجينى فى الدنيا والآخرة، ودعنى أرو لك قصتى منذ البداية فلقد نشأت لأب موظف فى مصلحة حكومية، وأم لم تكمل تعليمها، وتفرغت لرعاية أسرتها, ولى شقيقان يصغرانى بعدة سنوات،
وقد رحل أبى بسبب مرض مفاجئ، وهو فى ريعان الشباب، ولك أن تتخيل حال الأسرة المنكوبة، فلقد تسارعت الأحداث ورحل جدى ثم جدتى حزنا وكمدا عليه، أما أنا وشقيقاي، فكنا اطفالا لا نعى شيئا من حولنا، سوى أن هناك أحداثا عصيبة ألمت بنا، فلم ندرك أننا فقدنا أبانا إلى الأبد، إذ قالوا لنا إنه سافر، لكن سفره طال, فإذا خرجنا إلى الشارع سمعنا مصمصة الشفاه شفقة لحالنا، وفى كل أزمة كان الأهل والجيران يتجمعون حولنا لبضعة أيام أو قل أسابيع ثم ينصرفون إلى أحوالهم، فألمح الدموع فى عينى والدتى التى لم تعد لديها حيلة, ولا تعرف كيف تربينا, فكل ما ورثناه عنه معاش ضئيل لا يكفى القوت الضرورى لعدة أيام.

والتحقت بالمدرسة الابتدائية بالبلدة, فشجعتنى والدتى على المذاكرة، وبأنها تريدنى أن أكون ذا شأن, فأقبلت على الدراسة بشغف ودبرت أمى مصروف البيت بأقل القليل, وعملت فى حياكة الملابس، وتجاوزت بإرادتها الحديدية كل المصاعب والآلام، وكررت على مسامعنا انها تريدنا فى أفضل المواقع, وأن سعادتها الحقيقية ستكون بعد تخرجنا جميعا من كليات مرموقة، وبرغم بساطة حالنا حرصت على أن نظهر بمستوى يفوق كل من حولنا.. إنها البركة التى أدركت معناها من حياتنا البسيطة بقروش قليلة، ومرت السنوات والتحقت بكلية عريقة دخلتها برغبتى لأن مجموعى فى الثانوية العامة كان يؤهلنى للالتحاق بأى كلية, ودخل أخى بعدى كلية عملية, ثم التحق الثالث بكلية من كليات القمة. وعملنا جميعا بعد التخرج فى وظائف كبيرة, وتفتحت أمامنا الدنيا وتزوجنا جميعا, وصارت لنا بيوت صغيرة. اما البيت الكبير فهو بيت والدتى الذى يجمعنا يوميا ولا أستطيع أن أصف لك مدى سعادتها ونحن حولها وأولادنا يلاعبونها وقد حجت بيت الله الحرام مرتين وادت العمرة خمس مرات. وطوال هذه السنوات لم تشك يوما، وكانت كلما مرضت تذهب إلى الطبيب بمفردها دون أن تشعرنا بشىء, وإذا أحسست بتعبها وسألتها عما بها تقول: لا شىء, ومنذ أيام رقدت فى الفراش بسبب أزمة صحية شديدة، وفى هذه اللحظة مر بخيالى شريط الذكريات بكل المآسى والأهوال التى عانتها، وأدعو الله أن يتم شفاءها على خير, وأن يعوضها خيرا عن متاعبها وآلامها طوال نصف قرن من الزمان. وأرجو أن تشاركونى الدعاء.

ولكاتب هذه الرسالة أقول:

هنيئا لوالدتك صنيعها, فلقد تمكنت بإرادتها الصلبة أن تتغلب على المآسى التى واجهتها وهى فى ريعان الشباب بعد رحيل أبيكم المفاجئ, ولم تهتز أمام العواصف العاتية، وقد فعلت ذلك وهى لا تعرف كيف ستسير الأمور, ولا كيف ستدور عجلة الحياة بقروش قليلة, وجاءت الحلول تباعا بمشيئة ربك سبحانه وتعالي, واستطعتم بفضل أمكم العظيمة أن تتفوقوا على كل أقرانكم وأن تحتلوا المراكز الأولى فى التعليم بالمنطقة التى تعيشون فيها, وواصلت المشوار معكم بدأب, وأوصلتكم جميعا إلى بر الأمان، وصارت لكم مواقعكم المرموقة فى الجهات التى تعملون بها. إنها نموذج رائع للأم المثالية التى آثرت أولادها على أى شيء آخر, وقد كان بإمكانها كما تفعل الكثيرات أن تترككم لأهلكم وتتزوج بمن تشاء وتعيش حياتها بالطول والعرض, لكنها أدت رسالتها على أكمل وجه, وسوف تجد جزاء ما فعلت جزاء موفورا عند ربها عز وجل, وإذا كانت قد ألمت بها بعض الآلام أخيرا، فإن مسئوليتكم تجاهها تصبح مضاعفة, فكونوا دائما إلى جوارها, وتذكروا صنيعها معكم, واطلبوا لها الشفاء والرحمة, وأرجو أن تحذوا حذوها فى كل خطواتكم.

وأقول لها: أنت ياسيدتى أم عظيمة تستحقين أن تنالى التكريم اللائق بك، وحسبك أبناؤك الناجحون, وعطاؤك الذى لا ينضب, وليت كل الأمهات يتخذنك مثلا أعلى لهن فى الكفاح والنجاح.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أحمد السلحدار
عضو خيالي
عضو خيالي
أحمد السلحدار

ذكر
عدد الرسائل : 2071
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 31010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 Accoun10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 Yragb11
نقاط : 8229
ترشيحات : 2
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 I_icon_minitime15/7/2016, 12:45

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 392628-1
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
nasertoba
مرشح
nasertoba

ذكر
عدد الرسائل : 6343
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 Collec10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 110
نقاط : 17201
ترشيحات : 29
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 222210

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 I_icon_minitime16/7/2016, 00:01

بريد الجمعة يكتبـه : أحـمــد البـــرى
الأفعى الناعمة!


بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 2016-636041279334683054-468

لا تخلو كل البيوت من الخلافات والشجارات بين زوجات الأبناء وحمواتهن،لكن هذه المتاعب تختلف من بيت إلى آخر، وتزداد حدتها عندما تعيش زوجة الابن مع حماتها فى بيت واحد، فى الوقت الذى يعجز فيه الابن عن مواجهة تصرفات أمه، والتوفيق بينها وبين زوجته.
هنا تتفاقم الأزمة والضحية هم الأولاد الذين يتجرعون مرارة التمزق بين أبويهم وجدتهم، وتصبح الحياة الزوجية مستحيلة، وتظن الحماة أنها ستعوض ابنها بزوجة مطيعة لها، وأفضل من سابقتها، وهو يدرك أنها المخطئة ولكن ليس فى يده حيلة إزاء ممارساتها غير المقبولة، فتتفكك الأسرة ويتشرد الأبناء، وإليكم الرسالة التالية:

أنا سيدة عمرى ستة وأربعون عاما، نشأت فى أسرة بسيطة لأب يعمل موظفا فى الحكومة وأم ربة منزل، وتربيت على الإيمان والطاعة والإخلاص، وكرس أبواى كل جهدهما لتنشئتى تنشئة صالحة، ولم يشغل بالهما سواى، إذ ليس لى أشقاء ثم تزوج أبى بسيدة أخرى جمع بينهما، ولم تتضايق أمى، وعاشا معا فى هدوء وأمان، ولى أخ غير شقيق منه باعدت بيننا السنوات، ولا التقى به إلا بالمصادفة، فيلقى كل منا على الآخر تحية عابرة ثم ينطلق إلى سبيله، وكبرت وحصلت على مؤهل جامعى تربوى وعملت مدرسة للمرحلة الإعدادية، وكعادة البنات فى مقتبل العمر جاءنى أكثر من عريس، وكان بينهم من يناسبني، لكن خوفى من ألا أشعر بالسعادة مع كل واحد منهم جعلنى أرفضهم جميعا.

وذات يوم طرق جار قديم لنا باب منزلنا، وقال لأبى إنه جاء لزيارته بحكم العلاقة التى تربطهما منذ سنوات، وأفضى إليه برغبته فى أن يزوجنى لابنه الذى يعمل فى دبى بالإمارات، ويعيش مع أمه وزوجها، ولم نكن وقتها نعرف أى تفاصيل عنه، فرحب به أبى من حيث المبدأ على أن تكون هناك لقاءات أخرى للحديث فى هذه المسألة، ولم أعلق على ما قاله أبى، وانتظرت أن أعرف المزيد من المعلومات عن الشاب الذى سأتزوجه دون أن أراه، فمن الطبيعى أن ألتقى به، وأجلس معه، ونتحاور معا لنتأكد من أن بيننا خيوطا مشتركة تساعدنا على النجاح فى الحياة الزوجية، وأن أعرف حكاية زواج أمه من غير أبيه وطبيعة العلاقة التى تربطهما، لكنى فى الوقت نفسه خشيت أن أتطرق إلى جوانب فى الموضوع ستكون محل ضيق، وربما شجار بين الأسرتين إذا وجهت أسئلة مباشرة إلى أهله فى هذه الناحية التى يتكتم الجميع الحديث فيها، واعتبرت الأمر عاديا، فأبى تزوج من أخرى فى وجود أمي، ومضت حياتهما على مايرام، وربما يكون مثل ذلك حدث لحماتى المستقبلية، وترقبت مجيئها إلينا، وفى أول لقاء أخذتنى بالقبلات والأحضان، وأثنت على جمالي، وحضوري، وبثتنى كلمات الإعجاب التى تدغدغ مشاعر أى فتاة، وقد جاءتنا فى هذه الزيارة بصحبة ابنها وزوجها السابق، ولاحظت أن الحديث بينهما عادي، ولم ألمح أى علامات تدل على وجود خلافات بينهما برغم طلاقهما، وبدا فتاى هادئا، ودودا، وهو يكبرنى بعشر سنوات، واعتبرت هذا الفارق مناسبا، وأن خبرته فى الحياة سوف تيسر لنا أمورا كثيرة، وتساعده على معالجة ما قد يطرأ من مشكلات مستقبلية وتمت خطبتى له وبعدها اشترى شقة فى القاهرة، وجهزنا بيت الزوجية، وأقمنا حفل زفاف حضره الأهل والأصدقاء، ولم يمض شهران حتى استخرج لى جواز سفر، وأخذنى معه إلى دبى، وانضممت إلى بيت العائلة، وهناك تعرفت على زوج أمه وهو مهندس فى شركة كبرى، ويقضى اليوم كله فى العمل، وأنجب منها ولدا وبنتا، وتربطه بزوجى علاقة قوية، فهو الذى أخذه منذ زواجه بأمه لكى يعيش معهما، وألحقه بعمل خاص هناك. ولزوجى شقيقتان متزوجتان فى القاهرة، ومنذ اللحظة الأولى لى هناك أدركت أن حماتى هى كل شيء فى حياة زوجها وأولادها، خصوصا زوجى، وأنها إذا أرادت شيئا لايهدأ لها بال حتى تحصل عليه، وبمرور الوقت تبينت لى حقائق مثيرة عن قصة طلاقها من زوجها الأول، وارتباطها بالثانى، فزوجها الحالى كان يسكن فى نفس العمارة التى يقطنون بها، وهو أصغر منها، وبعد أن أنجبت أولادها الثلاثة «زوجى وشقيقتىّ» فى سن مبكرة، قالت لزوجها الأول أنها تتعب من أقل مجهود، وأن هناك شيئا غامضا هو السر وراء تعبها، وأنهما اذا إنفصلا عن بعضهما قد تتحسن الأحوال، وحينئد يمكنه أن يتزوج بمن تسعده ولن تقطع صلتها به، من أجل الأولاد الذين سيكونون فى رعايتها، وهكذا حصلت على الطلاق فى الوقت الذى إحتفظت فيه بعلاقة طيبة به، وبعدها ارتبطت بزوجها الحالى وهو مهندس بينما هى لم تحصل على أى شهادة، وهكذا نالت ما أرادت دون أى خسائر.

وتصورت أننى سأعيش فى شقة مستقلة بعيدا عنها، لكنى اكتشفت أن بيتا واحدا سيجمعنا ولكل منا حجرة فيه، فلى أنا وزوجى حجرة، ولها وزوجها حجرة، ولابنيها الآخرين منه «ولد وبنت» حجرة، وكل حجرة مزودة بحمام، والبيت كله به تكييف مركزى، وهناك ضوابط صارمة يجب الالتزام بها بكل دقة. وإلا فالويل كل الويل لى إن خالفت تعليماتها، فهى التى تحدد كمية الطعام الذى سأتولى طهيه، ونوعيته، وحجم كل قطعة لحم، وعدد القطع المطلوبة، وأننى مطالبة بأن أضيف إلى اللحم الذى سأصنع به الكفتة بعض الخبز لكى تصبح الكمية كبيرة على السفرة، ولا أتناول من الطعام إلا ما تشير به عليّ، أما غسل الملابس فيكون فى حوض الحمام وباليدين، فلم تدخل بيتها أى غسالة، لا يدوية ولا أتوماتيكية، ويكون المسحوق المستخدم فى أقل الحدود الممكنة، كما أن كل الأطعمة والعصائر موجودة فى الثلاجة، ولا أحد يقربها، ولا أجرؤ على أن أطلب طعاما إضافيا، أو أن أشكو من الجوع، ولا أخرج من المنزل، وليس معى أى نقود يمكن أن أشترى بها ما أريد, وحتى لو أخذتها من زوجى فلن أهنأ بها، فهى معى فى المنزل «ليل نهار»، وتراقب كل خطوة من خطواتى ويعرف زوجى ما تفعله أمه لكنه لا يستطيع أن يتفوه بكلمة واحدة، وكل ما استطاع أن يفعله هو أنه كان يشترى عدة بيضات، ويسلقها فى مكتبه ثم يخفيها فى بنطلونه، ويعطيها لى لكى آكلها بعد أن نغلق علينا حجرتنا ليلا، أو أن أتناولها فى الحمام بعيدا عن عينى أمه!

ربما تقول عنى ياسيدى إننى أبالغ فى مساوئ حماتى، لكننى والله لا أذكر لك إلا جزءا من الحقيقة التى أعجز عن وصفها. ولايتحملها بشر، ولم أجد حلا سوى أن أسلم أمرى لخالقي، وأكتم أحزانى فى نفسى خشية أن تثور عليّ وتطردنى وأنا حامل، فلقد حملت فى ابنتى الكبرى بعد أربعة أشهر من زواجي، ولم تلق بالا بي، بل إنها زودت الأعباء الملقاة على عاتقى، وحرمتنى من الأطعمة التى تحتاجها الحامل ومنها اللبن، فكانت تعطينى نصف الكوب فقط، وتقول لى إن الله يبعث بالغذاء إلى الجنين من عنده!.. يعنى شرب اللبن أو تناول الطعام والفواكه لايفيده، ولكن يرهق ميزانية البيت!.. وقد تسألنى أين زوجها، وابن زوجى؟، فأقول لك إنهما مشغولان بعمليهما، ولايجرؤ أحدهما على الحديث معها فى شئ، وربما يأكل كل منهما فى مكتبه أو أن لهما حياتهما الخاصة، وهى أيضا بحوزتها كل شئ ومفاتيح الثلاجة والدواليب المغلقة، أما الأموال التى تحصل عليها من زوجها وابنها فإنها تشترى بها شققا وشاليهات فى مصر، ولايمكننى أن أحصى عدد العقارات التى تملكها بطول البلاد وعرضها، وكلها مغلقة ومسجلة باسمها، فعندما تأتى لزيارة مصر تنفذ خطتها لشراء المزيد!

لقد خارت قواى وانهارت معنوياتى، وتحطمت أحلامى منذ وصولى إلى هذا البيت، بسبب امرأة لاتعرف الرحمة، ولاتبالى بمتاعب الآخرين، كل ما يهمها نفسها فقط، وليذهب الكل إلى الجحيم، ويعرف زوجى كل شىء من أفعالها وأقوالها لكنه لايجرؤ على أن يفاتحها وتستغل ذلك فى الضغط عليّ، وعلى ابنتى ثم ابنى الذى رزقت به بعد شقيقته بحوالى عامين، وبلغ التقشف مداه بأنها طلبت منى ألا أطبخ على شعلة البوتاجاز الكبيرة لتوفير الغاز، فامتثلت لما طلبته، ثم فوجئت بأنها خلعت هذه الشعلة، فلم أعر الأمر أى اهتمام، فإذا بها تسألنى أين الشعلة؟!.. فسكت ولم أجد ما أرد به عليها!

وبعد فترة طويلة جئت إلى القاهرة فى زيارة للاطمئنان على أبى وأمي، وزارت هى الأخرى أهلها، ولم أبح بأى سر لأهلي، حتى تمضى الأمور على مايرام، وعزائى أننى أسعى للحفاظ على زوجى وأسرتي، ولما كبر إبناى وأصبحت لهما مطالب من لعب وملابس وغيرها، كنت أحاول أن أشغلهما بأى شيء آخر، لأننى لا أجرؤ على الكلام معها أو أن أقول لها ذلك، فإذا بها تبث الكراهية فى نفسيهما تجاهى، وفى أحد الأيام أخذتهما إلى متجر شهير بالمنطقة التى نقطن بها، وظللت بمفردى فى المنزل لأنها رفضت أن أكون بصحبتهم، وحسب تعليماتها لم يكن باستطاعتى فتح جهاز التكييف، فخرجت لأداء الصلاة فى شرفة المنزل التماسا لبعض الهواء الرطب، وكانت وقتها قادمة من بعيد، فلمحتنى وأوعزت إلى ابنتى وابنى بأننى أراقبهم لكى أعرف ما الذى تحمله! فرد عليها ابنى الصغير «ماما بتصلى»، فثارت ضده «يعنى أنا كدابة»، ولما دخلت البيت دفعتنى إلى تعنيفه، وضربه لكنى لم أفعل، وحاولت فقط أن أرضيها، فانهار الطفل وأخذته إلى حجرتها لكى تمارس هوايتها فى إبعاده هو وأخته عنى، وما أكثر المواقف التى أعجز عن روايتها لك عما فعلته حماتى بى.

وتوالت المآسى التى عشتها معها، إذ تفتق ذهنها عن كتابة ورق عليه كلام غير مفهوم وأوعزت إلى زوجى أننى أتيت به لكى أجعله يكرهها ويصدق ما أقوله له، واستغرب زوجى ذلك فى أول الأمر لكنه لم يعلق، ولما تكرر ادعاؤها علىّ دون وجه حق، حاول الحديث معها فاتهمتنى بأننى أحرضه عليها، وضاق زوجى بما يحدث فغادر جلستنا، وعدت إلى الصمت لكى أتفادى الصدام فأنهزم أمام جبروتها، وعندما حان موعد صيانة التكييف المركزى للبيت، طلبت حماتى من الفنى أن ينظف الأجهزة بالبيت كله ماعدا حجرتى!. ولما تأخر فى تنظيف الجهاز الموجود بها، سألته عن سبب عدم مجيئه فرد علىّ بما قالته له حماتى، فقلت له: أرجوك نظف هذا الجهاز أيضا دون علمها فوعدنى بذلك، وعندما خرجت لقضاء مشوار من مشاويرها المعتادة، جاء الفنى لتنظيف الجهاز، وما إن وضع يديه لخلع بعض الأجزاء وإعادتها بعد تنظيفها. حتى وقعت ورقة مطوية عدة طيات على الأرض، ففتحها، فإذا بها كلام غير مفهوم، ومدون عليها بخط واضح «توضع فى مكان بحجرة النوم دون علم الزوج والزوجة»!!

يا الله إنها هى التى تلجأ إلى الأعمال السحرية للتفريق بينى وبين زوجى لكى تجعله يحبها ويكرهني، فلماذا تريد أن تخرب بيت ابنها؟.. وهل هناك أم تفعل ذلك؟.. لقد أخذت الورقة وأعطيتها لزوجى، ولما واجهها إذا بها تقلب المنضدة ضدى مثل كل مرة، واعتبرتها وسيلة منى لإحداث الوقيعة بينها وبين ابنها، وبالطبع هى التى تكسب دائما!، وبعدها صرت منبوذة فى المنزل، فلقد تعددت الفسح والرحلات إلى مدن الإمارات، ودور السينما، وكانوا يخرجون معا، ويتركوننى وحيدة فى المنزل أبكى حالي، وأتحسر على شبابى الضائع مع حماة لامثيل لها ولاحتى فى الخيال!

وبينما أنا على حالى هذه جاءنى هاتف من أبى بأن والدتى مريضة، وتريد أن تراني، فأدركت أن الحدث جلل، وتحدثت حماتى معه كلمات قليلة، ثم أغلقت الهاتف وطلبت منى أن أعد بعض الأطعمة لكى تحفظها فى الثلاجة، إلى حين عودتى بعد زيارة أمي، ونفذت ما طلبته، وأنا فى منتهى التوتر، وأخذت حقيبة ملابسى والتذكرة وجواز السفر، وأسرعت إلى المطار، وقد اتصلت هى ببنت أختها فى المنصورة للمجىء إلى دبى لمساعدتها فى شئون المنزل، ولما نزلت مطار القاهرة، وجدت فى انتظارى مندوبا من طرف زوجى فأخذ منى جواز السفر وأنهى الإجراءات ثم اختفي. وحاولت أن أعرف أين مكانه فلم أتوصل إليه؟ وأدركت أنها لعبة من حماتى لكى لا أعود إلى دبى مرة أخري. ولم أتبين وقتها ما إذ كانت تذكرة السفر التى جئت بها إلى مصر ذهابا فقط أم ذهابا وعودة، حيث كانت التذكرة إلكترونية وأخذ ذلك المندوب صورتها التى كانت معى ولما وصلت إلى بيتنا وجدت أن أمى ماتت، وتم دفتها فى مقابر الأسرة قبل وصولى، وانخرطت فى بكاء مرير، واسودت الدنيا فى عينى، وتعالت صرخاتى، وزادت حسرتى على ما أنا فيه من عذاب أليم، ومرت أيام لاأدرى ماذا أفعل، وحاول أبى تهدئتى، فاحتضنته وأنا منهارة فسالت دموعه على خديه، وابتهلنا إلى الله أن يخفف عنا ما نحن فيه، وبعد أن هدأت الأمور بعض الشىء اتصلت بزوجى فتنصل من مسئولية ضياع جواز السفر وكذلك أمه، ثم توقفا عن الرد على اتصالاتى المستمرة، ولم أعرف ماذا جرى لابنيَّ، وكيف أطمئن عليهما؟.

وسلمت أمرى إلى الله وعدت إلى عملى كمدرسة، ولكن الحزن لم يفارقنى وأصبحت أكلم نفسى كثيرا، ولم تفلح محاولات قريباتى فى إخراجى من الدوامة التى أعيش فيها، وقد روت لى ابنة خالتى التى تصغرنى بسنوات أنها كادت أن تقع فى مشكلة مماثلة بسبب حماتها، لكن رجلا فاضلا تدخل لدى زوجها، وطلب منه أن يعقل الأمر، ولايترك الحبل على الغارب لأمه فتربك حياته مع زوجته، وبالفعل استمع إلى النصيحة، وتسير الأمور الآن بشكل طبيعى بعد أن وضع زوجها حدودا فاصلة بين زوجته وأمه، فهل لى أن أجد من يتدخل من الجهات المسئولة فى مصر والإمارات ولو على سبيل «الجلسات العرفية» لإصلاح ما أفسدته حماتي، فأرى إبنيَّ وأتواصل معهما مثل كل الأمهات؟.. وهل يستجيب زوجى لنداء أم تموت فى اليوم ألف مرة حزنا على ما آلت إليه علاقتها بابنتها وابنها؟

فهما ابناه، ولن يرضيه أبدا ما تفعله أمه دون ذنب أو جريرة؟ وهل تستمع هى لنداء الحكمة والعقل، فالدنيا لاتدوم لأحد، وقد مات أبي، وصرت وحيدة بلا سند ولا معين، وفوضت أمرى إلى الله، ولا حول ولا قوة إلا به سبحانه وتعالي، وقد خطر لى أن حماتى ربما تزور مصر هذه الأيام، فكلفت شقيق زميلة لى بتتبع قوائم الوصول فى المطارات المصرية، ففعل ذلك ثم قال لى إن ابنىّ وحماتى موجودون الآن فى مصر، وقد جاءوا عن طريق مطار برج العرب، فهل تساعدنى فى الاطمئنان على ابنيَّ وآخذهما فى أحضانى بعد كل هذا الغياب الطويل، ولو لبضع ساعات؟.



ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

هناك صنف من البشر لا يهدأ لهم بال إلا اذا أحالوا حياة من يعيشون معهم ويرتبطون بهم إلى جحيم لا يطاق، ومنهم بعض الحموات أمثال حماتك التى اتبعت معك أسلوبا ناعما فى البداية، ولما تمكنت منك امتصت دماءك ثم ها هى تلفظك من حياة ابنها بهذه الطريقة التى لا تخطر على بال أحد، عندما سحبت جواز السفر منك عن طريق أحد معارفها.. إنها انتهجت ما يمكن أن أسميه «دبلوماسية الأفعى الناعمة» التى لا يشعر الآخرون بأخطارها، وقد يأنسون إليها، أو على الأقل يلتزمون إزاءها الصمت ويمتثلون لما تمليه عليهم من فرمانات، فبالأسلوب الناعم أقنعت زوجها الأول بتطليقها عسى أن يجد هو من يرتاح إليها، وتلتقط هى أنفاسها، من منطلق أن ابتعادهما عن بعضهما كفيل بأن تعيد المياه الى مجاريها فيما بعد، لكنها كانت فى الوقت نفسه تخطط للزواج من الجار القديم الذى لم يكن قد تزوج وقتها، فنصبت شباكها حوله، وبثته مشاعر الحب، وأوهمته أنها ضحت بحياتها وزوجها من أجله، ولذلك وقع فريسة ثانية لها بعد مطلقها، وبنفس المنهج أخذ ابنها صفها، وصار زوج أمه كل حياته، خصوصا بعد أن أحضر له عقد عمل فى دبى، وأخلى له مكانا فى بيته ليعيش فيه، ولكى تؤكد أنها لم تأخذ ابنها من أبيه ظلت على تواصل مع مطلقها، وأدخلته فى كل ما يتعلق بزواجه.. وهكذا صاروا جميعا رهن إشارتها، تأمر فتطاع، وكان طبيعيا والحال كذلك أن تنضمى الى قائمة المخدوعين بها، لكنك اكشفت فيما بعد خطتها اللعينة، ليس فقط فى التضييق عليك فى الطعام وانما أيضا فى النزهات، واعمال المنزل، وهو الأسلوب الذى لا يرضى به أى إنسان، ثم اكتملت دائرة السيرة على ابنيك بانجرافهما نحوها.

وتناست أن «على الباغى تدور الدوائر»، وأنه كم من طغاة على مدار التاريخ ظنوا فى أنفسهم القدرة على مصارعة الكون فى ثوابته، فصنعوا أفخاخهم بأفعالهم، وكانت نهايتهم الحتمية هى الدليل الكافى على بلاهتهم وسوء صنيعهم، فلا تغرن حماتك الأموال التى جمعتها، ولا العقارات التى اشترتها، ولا صحتها، ولا وجود زوجها وابنها فى صفها، فسوف تفاجأ ذات يوم بأن كل شىء قد زال، وأصبحت خالية الوفاض، ولن ينفعها الندم بأى حال.

إنها مازالت تعتقد أن لديها القدرة على أن تفعل ما يحلو لها، ولن تحار فى البحث عن الذرائع التى تبرر بها ما تصنع لكنها تنسى أن الله يراقبها، وسينزل الجزاء العادل بها، ولعلها تنتبه إلى قول على بن أبى طالب رضى الله عنه:

لا تظلمن إذا ما كنت مقــتدرا فالظلم مرجعه يفضى الى الندم

تنام عيناك والمظـــلوم منتبه يدعــو عــليك وعـــين اللــــه لا تنــم

والحقيقة أن زوجك يتحمل الجانب الأكبر بصمته على ممارسات أمه تارة، وتأييدها تارة أخرى، ونسى «أن المصيبة ليست فى ظلم الأشرار بل فى صمت الأخيار»، على حد تعبير مارتن لوثر كينج، واذا كان قد سكت طوال سنوات زواجكما على أفعال أمه ضدك من باب أنها أمه ولا يريد أن يرد عنك ولو بكلمة، فإنه قد آن الأوان لوضع النقاط على الحروف بكل دقة وهدوء، فيسأل أمه عما فعلته بها، ويطلب منها بدء صفحة جديدة معك بعد مواجهتكما معا فى جلسة مصالحة، ثم يستقل ببيته بعيدا عنها، وأحسب أن لديه المال الذى يكفيه لشراء أو استئجار بيت آخر، ومهما تطل سنوات الغربة فإن المرء سوف يعود الى أهله وبلده، ولن ينفع ابناه أن يعيشا بعيدا عنك فحنان الأم لا يعوضه أى حنان من غيرها، وسوف يدركان الأمور على حقيقتها عندما يكبران إذ يمكن حشد الطفل نفسيا ضد أمه فى مراحل عمره الأولى، لكنه عندما يكبر ويفهم دروس الحياة ويستفيد من خبراتها، يدرك أنها كانت مظلومة، وأن كل ما سمعه ضدها من وحى خيال من بثه فيه.

إن الانتصار على الظلم آت لا محالة، وإنى أسأل حماتك: هل تجمدت فى قلبك مخافة الله فتتلذذين بظلم زوجة ابنك، ثم ألم تسألى نفسك يوما عن سبب القسوة الكامنة فى قلبك، والظلمة التى تعلو وجهك؟ وهل أنت راضية عن نفسك، ثم ألم يئن لقلبك أن يفيق من الظلم؟ وهل تظنين أنك بمعزل عن عذاب الله وعقابه؟ وألا تعلمين أن سنة الله الغالبة هى الجزاء من جنس العمل؟ وأن ساعته باتت وشيكة؟ ليتك تدركين أن ما فات من العمر الكثير، وما بقى منه سوى القليل فاعملى الخير، وضمى زوجة ابنك من جديد، فهو يحبها، ويرغبان معا فى تنشئة ابنيهما نشأة سليمة فى أسرة مستقرة، فلا تفسدى عليهم متعة الحياة.

وبصراحة شديدة فإننى أتعجب من أن تفعل حماتك ذلك، ولا يتدخل زوجها، وابنها لوضع حد لتعسفها ضدك، وليس بغائب عنهما أنه لا توجد فى البيت غسالة، وأن «عين البوتاجاز» الكبيرة غير موجودة، فما ذكرتيه من وقائع يومية واضح أمامهما فلماذا لم يواجهاها منذ البداية؟.. إن أبسط شيء هو أن يتناول المرء ما يناسبه من طعام وبالكميات التى يحتاجها، ولديكم الخير الكثير الذى يوفر لكم حياة هانئة، فلماذا كل هذا البخل والتقتير الذى نهى الله عز وجل عنه فى كتابه الكريم فى قوله تعالى «ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل السط فتقعد ملوما محسورا»، فالوسطية هى الميزان العادل الذى يجعلنا نعيش فى راحة وطمأنينة دون تفريط أو مغالاة.

ولعل زوجك وأهله يستمعون الى صوت الحكمة، بتدارك ما فات، فيسارع الى احتوائك وضمك الى ابنيه فى سكن مستقل بعيدا عن أمه، فهى لن تتغير، ولن تدعه لحياته، وحتى إذا تزوج من أخرى فالمصير المؤلم فى انتظارها، ويبقى النداء الإنسانى الى اللواء طارق عطية مساعد وزير الداخلية للعلاقات الإنسانية بأن يتحرى وجود الجدة مع الطفلين خلال زيارتهما الحالية لمصر، وأن يسعى الى مد جسور التواصل بين الأم وابنيها، فهذا العمل الجليل سوف يخفف متاعب أم تريد أن تطمئن على فلذتى كبدها، ويتواصل النداء الى السفير وائل جاد سفير مصر فى الإمارات والسفير طارق عبد الحميد نور الدين قنصل عام مصر فى دبى، فأرجوهما أن يمدا يد العون لهذه الزوجة بترتيب لقاء مع زوجها وبحث الأمر فى نطاق ودي، فربما ينجح «لقاء المصالحة» فى تضميد جراح الأسرة بعيدا عن المحاكم التى لن تصل هذه الأم من خلالها الى الحل الذى يرضيها.

ويبقى أن تدرك حماتك وأمثالها أن من يحيا على حرمان غيره من شيء ما، فإن الله سوف يحرمه هو أيضا مما حرم الآخرين منه، وإن غدا لناظره قريب، فاعتبروا يا أولى الألباب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نهى 1
عضو فعال
عضو فعال
نهى 1

انثى
عدد الرسائل : 189
بلد الإقامة : بلا وطن
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 Unknow10
نقاط : 6423
ترشيحات : 0
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 I_icon_minitime22/7/2016, 12:33

بريد الجمعة يكتبه : أحـمـد البـــرى
حـب الخـريف!


بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 2016-636047462120584362-58

فى سن الجلال والاحترام تشتد حاجة المرء إلى شريك حياته طلبا للإيناس، والشعور بالراحة والطمأنينة، ففى هذه السن المتقدمة ينصرف الجميع إلى مشاغلهم، ويظل الرجل المسن والمرأة العجوز اسيرين للوحدة القاتلة، هنا يكون زواج «الونس» ـ إن صح التعبير ـ هو الحل المناسب لكليهما، ويتطلب هذا الزواج مرونة من الطرفين وعدم التمسك بالماديات، وتقريب المسافات، وإيثار كل منهما الآخر، فيواصلان معا مشوار الحياة فى هدوء وسكينة، وإليكم الرسالة التالية:
أنا طبيبة أكملت سن السبعين، وقد جلست إلى نفسى، واسترجعت شريط ذكرياتى، ووجدتنى أكتب إليك حكايتى التى قلبتها صفحات الزمان بكل مافيها من قسوة وألم ومفاجآت غير متوقعة، وصفعات هزت كيانى، وزلزلت حياتى، ثم هاأنا أتعرض لصفعة جديدة تكاد تدمر البقية منى كعجوز تحاول أن تلتمس الراحة والهدوء فى آخر محطات العمر، وقد بدأت قصتى منذ تخرجى فى كلية الطب، حيث تقدم أحد الشباب إلى أبى طالبا الزواج منى، ولم تجد أسرتى فيه ظاهريا ماتعيبه عليه، ولا على أسرته، فوافقت على ارتباطنا، وحاولت أن أتأقلم على حياتى الجديدة، وتغاضيت عن أشياء كثيرة، وأنجبت ولداً وبنتاً، ولكن للصبر حدود، إذ ضقت بتصرفاته معى، وتأكدت أن الحل الآجل أو العاجل هو الطلاق، واجتمعت العائلتان، وذهب كل منا إلى طريقه، وكان طريقى واضحاً، إذ كرست حياتى لابنىَّ وربيتهما بمفردى، ودون سند ولا معين إلا الله عز وجل، وتخرج ابنى فى كليته، وسافر إلى دولة أوروبية واستقر بها، واستكمل دراساته العليا، وعمل فى إحدى الوظائف المهمة، وتخرجت ابنتى هى الأخرى وتزوجت فى إحدى محافظات الصعيد، وشغلت نفسى بالعمل حتى بعد سن المعاش.

وخلال رحلتى فى الحياة عرفت زميلاً لى فى العمل، وهو فى الوقت نفسه جار لنا، وربطتنى به وبزوجته صداقة وطيدة، وكانت هى نعم الجارة والأخت والصديقة لى، وكانت أسرتها أقرب لى من أهلى، وعشنا وربينا أولادنا معا، وامتدت صداقتنا عشرين عاما حتى رحلت عن الحياة، وبكيتها كثيراً. ولا أبالغ إذا قلت لك أننى بموتها أحسست أننى انقطعت من شجرة، وان منبع الحنان والطمأنينة الوحيد فى حياتى قد جف، فلم أجد بعدها من أبثه همومى، ولا من أشكو إليه متاعبى، وبعد عام على رحيلها جاءنى زوجها، وأفاض فى شرح مابيننا من صلة، وأنه هو أيضا تقطعت به السبل، ويريدنى زوجة له يستكمل معها مشوار الحياة بما فيه من مودة ورحمة، فرددت عليه بأننى لم أفكر فى الزواج بعد انفصالى عن زوجى، وأننى تعديت سن الستين بعامين، كما أننى أكبره بعام ونصف العام، فابتسم قائلاً إنه يعلم ذلك ولا يهتم به حيث إننا تخرجنا فى الكلية نفسها، وكان من الممكن أن نتعارف ونتزوج وقتها، لكن تصاريف القدر جرت بما قدره الله لنا، فأمهلته إلى حين إتمام زواج ابنتىّ، وقد أقمت لها حفل زفاف كبيراً وسعدت بها، وبشقيقها الذى جاء من الخارج خصيصاً لمشاركة أخته فرحتها، وبعد أن أنهيت مهمتى تجاه ابنى، حان وقت حسم أمر الزواج، فأديت صلاة الاستخارة، وارتاح قلبى لهذا الارتباط طلباً للصحبة والإيناس.

واتصلت بأخوتى، وأبلغتهم بأمر زميلى وجارى، فوافقوا عليه، وأثنوا على أخلاقه وقالوا لى إنهم يعرفون عنه كل خير، ولكن لم يعلق أحد منهم على تفاصيل الارتباط سوى أختى الكبرى التى سألتنى: على أى شىء اتفقتما؟، وهى بالطبع تقصد الماديات، فرددت عليها بأننا لم نتفق على شىء، فقالت: إن الزواج عقد، وكل عقد له شروط، فأفهمتها أن ارتباطى بهذا الرجل بالذات له وضع خاص، إذ أننى أعرف عنه كل شىء، وهو ابن أصول، وسوف يعطينى أكثر مما أطلبه، فعرضت علىّ أن يكون زوجها هو الوسيط بيننا بصفته كبيرنا، وحينئذ سيكون بإمكانه أن يتفق معه على التفاصيل الخاصة بزواجنا، فلم أقتنع بأن أفعل ماتشير علىّ به، ووجدتنى أقول لها : أنت لا تعرفين كيف كان يتعامل مع زوجته وأولاده ومن ثم فلا حاجة لى لإملاء شروط عليه.

وتطرق حوارى مع أختى إلى جوانب كثيرة، وأكدت علىّ ألا أضع نفسى مكان زوجته الراحلة، فقد كانت قريبته وأم أولاده، وكان يحبها كثيراً، وانتهت جلستنا بإصرارى على موقفى فثقتى فيه جعلتنى أضعه فوق كل الرسميات، وظل حسن الظن به هو الغالب عندى، وكان وقتها يقوم بتشطيب منزله، ويسكن فى شقة فى المنزل الذى أملكه، فأجلنا الزفاف إلى حين إتمام بيته، ومرت أيام سادها الحديث عن الهدية التى سيقدمها لى بمناسبة الزواج، وسألتنى صديقاتى وشقيقاتى : ألن يحضر لك هدية بهذه المناسبة؟، فرددت عليهن، طبعا، ومرت الأيام واقترب موعد عقد القران، فإذا به يتجاهل هذا الأمر تماما. وربما لم يخطر بباله، فأرجعت ذلك إلى احتمال قلة «السيولة النقدية» معه، إذ كان قد انتهى لتوه من بناء البيت، وفسرت الموقف بأنه ليس لديه مايكفى ثمن هدية ذهبية ! فسارعت إلى شراء مايليق بى وبه، وادّعيت للجميع أنه الذى اشتراه لى، وعندما ألتقيت معه قلت له إننى أعلم أن المبانى أرهقته مادياً، وأننى لا أريد أن أسمع كلمة من أحد، ولذلك اشتريت ذهبا لى باعتبار أنه هو الذى أهدانى إياه، فأثنى على تصرفى، وقال بالحرف الواحد «الذهب ده ثمنه عندى, وهو فعلا هديتى إليك, وانتقلت إلى بيته، ووجدت أن ابنه الأكبر يسكن فى شقة مستقلة ومتزوج ولديه طفلان، والثانى خاطب ويستعد للزواج وله شقة مستقلة أيضا، أما الأصغر فمازال فى مرحلة الجامعة وهناك شقة خاصة به، لكنه يعيش مع أبيه فى شقته، وتبين لى أن زوجى لديه هوس بفكرة جمع أبنائه وتناول الطعام معهم على مائدة واحدة ووجدتنى أقضى معظم الوقت فى المطبخ لإعداد الوجبات وغسل الأطباق !

وبعد أقل من شهر وجدته يقول لى بلا مناسبة «عمرك شفتى راجل بيجيب ذهب لواحدة عمرها ستين سنة»، فأصابنى الذهول والخرس فى آن واحد، إذ لم يجد أسخف من هذه العبارة حتى يتنصل من وعده لى، ولو أنه تناسى الأمر، ولم يقل شيئاً لكان أهون علىّ بكثير من كلامه القاسى الذى يؤكد أنه لا يتحسس كلماته قبل أن يقولها حتى لمن تحمل له الحب والتقدير.

وابتلعت هذا الموقف المرير، وحاولت ألا يؤثر على علاقتى به التى لم تبدأ بعد، ومرت الأيام، وتزوج ابنه الثانى، ثم رزقه الله بطفلة ولدت بعيب خلقى فى القلب، وعندما فحصها الأطباء أفادوا بأن حياتها فى خطر، وتحتاج إلى جراحة عاجلة فى دولة أوروبية مشهورة بهذا النوع من الجراحات، وأحسست بأنه لا يملك المال الكافى للسفر، فذهبت إلى البنك الذى أدخر مبلغا به، وسحبت ألف يورو، ووضعته فى مظروف، ولم أخبر زوجى به، وحين ذهبنا لتوديعهم فى المطار، فوجئ بى، وأنا أعطى إبنه هذا المبلغ، فنظر إلىّ، وبدا لى أنه استعاد موقفه من الهدية التى لم يشترها لى، وقارن بين موقفه منى، وموقفى من حفيدته، ولكن يبدو أننى تخيلت شيئا، والواقع شىء آخر، وأن مثله لا يفكر إلا فى نفسه، وبأننى بالفعل كما قالت أختى, لست فى وضع زوجته الأولى، فلقد مرضت، وتقررت لى عملية تبديل مفصل الركبة، وجمعت معلومات كثيرة عن هذه الجراحة من خلال صفحات الانتر نت، ولما أخبرته بما قرأته لم يدعنى أكمل جملة واحدة فى كلامى إليه، وقاطعنى قائلا: «ده موضوع يخصك، اتصرفى فيه زى مايعجبك»!، وهنا جفت الكلمات فى حلقى، ولم افتح هذا الموضوع مرة أخرى، بل ولم تجر لى الجراحة حتى الآن, ومازلت عاجزة عن الحركة السليمة!.

ومنذ عام ابتلانى الله بالمرض الخبيث، وبدلاً من أن يؤازرنى ويساندنى فى محنتى، فإننى عانيت من تصرفاته وتجاهله لى الكثير، ولو حكى لى أحد أنه فعل ذلك مع جار له، أو قريب ماصدقته، وسألت نفسى: لو أنه هو الذى ابتلى بالمرض أكنت سأتخلى عنه، وهل كان يقبل منى أن أعامله بطريقته؟، إنه لم يستفسر عن أية ماديات خاصة بالعلاج، وحين جاء يوم العملية الكبرى، لم أجده بجوارى، فذهبت إلى بيتى الخاص، وأخبرت ابنى وابنتى بأمرى، فجاءانى، وظلا معى، أما هو فقال لى كلاما مقتضبا بأن أذهب إلى المستشفى مع ابنى، وبعد أن أتخذ إجراءات الدخول، وأكون فى الغرفة الخاصة بى، أتصل به، أى بعد أن أكون قد سددت مبلغا فى حساب المستشفى تحت العلاج!

لقد أدركت بعد ثمانى سنوات من ارتباطى به أننى تزوجت شخصا آخر غير من عرفته على مدى عشرين عاماً، شخصا كان هدفه بعد رحيل زوجته أن يجد بديلة لها بـ «بلاش» وفى الوقت نفسه تعيش معه ولا تكلفه شيئاً.. يعنى تخدم بـ «لقمتها»، لدرجة أننى حينما كنت أختنق من طول الحبس فى البيت، أرتب رحلة لنا نحن الاثنين فى مستوى متميز، وأدفع تكاليفها بالكامل، وأحدث نفسى قائلة : يكفينى أن يأتى معى ويكون إلى جوارى، أما هو فلا يبالى فلديه متعه الخاصة، ورحلاته المستمرة، وله رحلة كل شهر مع أصدقائه وأيضا بصحبة أبنائه حيث يذهب معهم للنزهة أحيانا، وإلى المصايف فى فترة الصيف، وأبقى وحيدة أعد موائد الطعام لمن يذهب، ومن يجىء!

أما علاقتنا الخاصة فلها مفهوم غريب لديه، إذ يعتبرها منّة من الرجل للمرأة يجب أن تشكره عليها، بل وتقدم له كل فروض الولاء والطاعة!، لقد بلغ السيل الزبى، ووصلنا الى «قرار الانفصال»، وكل منا لديه ما يبرره، وبالنسبة لى أعتقد أنه استنفد غرضه منى، إذ ماذا يفعل بامرأة عجوز ومريضة ؟.. وأنا الآن موجودة فى بيتى الذى عشت فيه عمرى، وأجدنى مرتاحة نفسيا بعد ثمانى سنوات من الحياة فى بيت قطاع عام، أعمل فيه خادمة لأولاده وأسرهم، ويعيش معنا ابنه الذى يقترب من سن الثلاثين فى الشقة نفسها.. لقد كنت أنشد الصحبة والونس، فلم أجد غير الخدمة وشر أنواع البخل.

وكلما تذكرت الأعوام الماضية أقول فى نفسى : هل تناسى كل ماقدمته له ؟ لعله فتح دولاب ملابسه، وتذكر الهدايا الذى اشتريتها له من مصر والخارج عندما كنت أزور ابنى فى إحدى الدول الأوروبية، وابنتى التى قضت فى أمريكا فترة بصحبة زوجها الذى كان يدرس الدكتوراه هناك، فالحقيقة أننى عشت لحظات سعادة لا تغيب عن ذاكرتى، وأنا أنتقى له فى كل مرة هدية ثمينة، وحينما كنت أتردد أحيانا فى شرائها لغلو سعرها، تعاتبنى نفسى على مجرد هذا التفكير وتحدثنى قائلة : إن لم يكن فلان من يرتدى هذه الماركات، فمن يرتديها إذن ؟.. ولكن حالى تبدلت تماما ففى آخر مرة سافرت فيها كنت أنظر الى المعروضات الرجالى قائلة «خسارة فيه» ! فما أبعد المسافة بين مشاعر كانت عامرة بالحب والمودة والرحمة، ثم أصبحت بلا طعم ولا معنى ولا حياة، فلقد حرمنى بغبائه العاطفى من كل شىء حتى من متعة انتقاء هدية لمن كان عزيزاً علىّ !. إنها ليست قضيتى وحدى وإنما هى مشكلة تؤرق الكثيرات من أمثالى وإنى أسألك : كم تحتاج المرأة من الوقت لتعرف وتصل إلى مايشبه اليقين بأن الرجل الذى يتقدم للزواج بها، عازم على إسعادها وتوفير الأجواء الهادئة لراحتها، وخاصة إذا كان مشروع الزواج هو مااصطلح على تسميته «زواج الونس»؟!

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

جوهر مشكلتك انك بنيت زواج «الونس» من زميلك وجارك القديم على القلب انطلاقا من افتقادك الحب والعاطفة منذ طلاقك من والد ابنيك فى فترة الشباب، فلقد كرست حياتك لتربيتهما حتى صار لكل منهما شأن كبير وأسرة سعيدة ومستقرة وتلفت حولك فإذا بك تتذكرين أن من حقك بعد الحرمان الطويل من العاطفة, الحب فى خريف العمر، وليس «الونس» فقط، أما زوجك الحالى فبنى ارتباطه بك على العقل سعيا وراء من تعوضه عن زوجته الراحلة، التى يحمل لها كل ذكريات الحب والمودة والرحمة، وكانت بالنسبة له منبع العطاء النفسى والجسدى ولم تدخر جهدا فى سبيل إسعاده وراحته، وأنت تعلمين ذلك، وكذلك أختك التى فهمت وضعه الحقيقى، فأشارت فى ثنايا حديثها معك إلى أن زوجته الراحلة كانت لها مكانة خاصة عنده، وهذا أمر طبيعى بين زوجين متحابين أكملا مسيرتهما فى الحياة إلى أن أراد الله أن يسترد الزوجة حينما حان أجلها.

وهذا الفارق الكبير بين اتجاه مشاعر كل منكما للآخر أحدث فجوة عميقة فى نفسك، إذ لم تجدى الرجل الذى عرفتيه طوال عمرك كزميل وجار عند الصورة الذهنية التى اختزنتها ذاكرتك عنه، وإنما وجدت انسانا آخر لا حساب للعاطفة لديه، ويزن كل شىء بميزانه المادى فبخل عليك بهدية ذهبية، وتقاعس عن الذهاب معك إلى المستشفى لكى لايدفع مبلغا تحت حساب العلاج، وأرجأ مجيئه إليك إلى ما بعد أن تستقرى فى حجرة بالمستشفى، وتجاهل متاعبك فى الركبة، وغير ذلك مما أوغر صدرك ناحيته، والحقيقة الغائبة عنك هى أنه مثل كثيرين من الرجال الذين ينتظرون من زوجاتهم أن يشاركنهم فى المعيشة الزوجية، فبرغم ما لديك من إمكانيات كبيرة لم تفكرى فى المساهمة فى متطلبات المنزل وغيرها من الأمور التى تحدثت عنها، ليس لأن زوجك فى حاجة إلى المال، ولكن لكى يشعر بأن زوجته تقدم له العون، ولا تبخل عليه بشىء، صحيح أنك ساهمت فى الجراحة التى أجريت لحفيده فى الخارج وانك اشتريت له هدايا من الخارج، لكن الصحيح أيضا والذى غاب عنك هو أنك كنت تتركينه فترات طويلة عندما تسافرين إلى ابنك أو ابنتك فى الخارج، وكان البيت يخلو عليه بالشهور، فأين «الونس» إذن وحياتك معه لاتستقر على حال؟، وكذلك ذهابك المستمر إلى بيتك عندما يزورك ابناك، وانعدام التواصل بينهما وبين زوجك ساهم أيضا فى زيادة الجفاء بينكما، ويبدو لى أيضا أن علاقتك بأبنائه ليست على مايرام، خصوصا ابنه الأصغر الذى لم يتزوج بعد، كل هذه عوامل أدت إلى فتور علاقتكما، كما أن علاقتكما الخاصة تأثرت بالحالة المزاجية التى وصلتما إليها، فهذه العلاقة لا تخضع لقواعد محددة، وليست منّة من أحد الزوجين على الآخر، ولا تتحقق لمجرد أنها حق لكلا الطرفين، وإنما تكون نابعة دائما من الألفة والمودة والتواصل الروحى بينهما.

وليس معنى سوء التفاهم فى بعض الأمور أن تنفصلا، ويذهب كل منكما إلى سبيله، فالأمر أكبر من ذلك بكثير، وتستطيعان تقريب المسافات بينكما، وليكن العتاب الرقيق سبيلكما إلى المصارحة بما فعله كل واحد، إيجابا وسلبا، وأخذا وعطاء، وقولا وفعلا، فالصراحة تصفى النفوس، وتعالج مايعلق بالقلوب والعقول من ظنون سيئة على غير الحقيقة والواقع، فأقوى نزف للقلب أن تعطى المرأة مشاعرها لإنسان ترى فيما بعد أنه لم يكن يستحقها، وأصعب ألم فى الوجود أن يقتلها حب زائف، فلقد ارتبطت بزوجك وأنت ترين فيه الصدق والوضوح، ثم إذا بك تكتشفين أنه ليس الانسان الذى تصورته على مر الزمان, وهو إحساس قاتل أحسب أنك مطالبة بإعادة النظر فيه على ضوء ما تكشف عنه «جلسة المصارحة المأمولة»، فبالحوار الإلحاحى وحده تلين القلوب والعقول، ويزيل المرء الغشاوة التى تغطى عينيه فلا يرى الأمور على حقيقتها.

أما عن سؤالك عما تحتاجه المرأة من وقت لكى تصبح على يقين من أن الرجل الذى تقدم للارتباط بها قادر على إسعادها، فإن هذه المسألة لاترتبط بزمن، ولا بمهلة محددة فجميع الزيجات تكون سعيدة فى بداياتها، لكن العيش معا بعد ذلك هو الذى يسبب المتاعب بناء على عدم انسجام الطرفين، وتباين رؤاهما تجاه جوانب الحياة، والزواج الناجح ليس فقط الذى يخلو من المشكلات الدائمة، وإنما هو الذى يعاد بناؤه كل يوم، مع ترميم كل جزء يتهدم فيه بفعل الزمن، فأرجو أن تتريثا فى مسألة الانفصال، وليدرك زوجك إنه إذا كان يتمتع بصحة جيدة اليوم، فلا يدرى كيف ستكون حاله غدا، فربما يغادر الدنيا كلها، وهو فى أوج صحته، وقد يتعرض لأزمات صحية يعيش بها حينا من الدهر، فمرضك وكبر سنك لايمنعان أن تواصلا حياتكما الزوجية بالروح الجميلة نفسها التى أسستما بها بيتكما قبل ثمانى سنوات.

إن الزواج حق يكفله الله للرجل والمرأة، وليس معنى أن يصل أحدهما إلى سن متقدمة ويصبح وحيدا، أن تتوقف حياته، ويقبع فى بيته منتظرا الموت، فمادامت الحياة تدب فيه، فمن حقه أن يتزوج من شخص يتخلص معه من عذاب الوحدة ومرارتها، وليس من حق الأبناء أن يرفضوا ذلك ولا أن يكون لهم دخل فيه، فهذا القرار لا يفصل فيه إلا الرجل والمرأة المسنان، فهما الأكثر إحساسا بما يعانيانه، وبما ينقص حياتهما، ولكل مرحلة عمرية نوع من الحب والعاطفة، فالطفل يعرف مشاعر حنان أمه ويتعلق بها، والشاب يكون حبه لمن يرغب فى أن تشاركه حياته وتبنى معه أسرة مستقرة وسعيدة، أما مشاعر الحب فى مرحلة الشيخوخة فتتمثل فى المودة والعطف والحنان.

هذا هو المقياس الحقيقى لزواج «الونس»، وأحسب أنك تدركينه جيدا، وكذلك زوجك، الذى أرجو أن ينزع عنه الغطاء المادى، وأن يتعامل معك بمنظور آخر، فلقد أدى مهمته تجاه أبنائه، كما أديت دورك تجاه ابنيك، ولن تسعدكما الأموال والعقارات، فمصيرها إلى زوال، وتبقى الكلمة الطيبة الصادقة التى تولد المودة ومن ثم الرحمة، وهناك معنى خفى يكمن فى تقديم القرآن الكريم كلمة المودة على كلمة الرحمة، وذلك لأن المودة بمثابة الوضوء والطهارة والاستعداد، والرحمة بمثابة الصلاة، وإذا لم يكن قلبا الرجل والمرأة مليئين بالحب والمودة لبعضهما سواء فى الغياب أو الحضور، فمن المستحيل أن يرتبطا بأواصر المنفعة المادية والاجتماعية، أو أن ينجحا فى تحقيق السعادة المنشودة، ومن هنا اعتبرت الآية الكريمة «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون». الرجل والمرأة متساويان فى حصيلة السكينة والمودة والرحمة التى يجنيانها فى ظل الزواج، ويكفيكما سنوات المعرفة والصداقة الطويلة، والعشرة الزوجية التى دامت ثمانى سنوات حتى الآن لكى تعيدا النظر فى الخلافات البسيطة التى نشبت بينكما، وأسأل الله أن ينصركما بالحب والطمأنينة والسكينة على متاعب الحياة، وأن تواصلا الإبحار معا من جديد فى «نهر الحياة»، والله الموفق وهو وحده المستعان.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نهى 1
عضو فعال
عضو فعال
نهى 1

انثى
عدد الرسائل : 189
بلد الإقامة : بلا وطن
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 Unknow10
نقاط : 6423
ترشيحات : 0
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 81 I_icon_minitime22/7/2016, 12:35

وحدى فى الحياة



أنا رجل تعديت سن السبعين، وكنت إعلامياً بارزاً، ونلت نجاحا لم يتحقق لكثيرين غيرى، وأصدقك القول إننى اغتررت بنفسى،
وتعاليت على كل من كانوا حولى، وتصورت أن الدهر سيذكرنى، وأن الحياة سوف تبتسم لى إلى النهاية، وزاد إحساسى هذا خلال سنوات المجد والشهرة، نتيجة النفاق الطاغى ممن أحاطوا بى، لقد عشت حياة صاخبة ولم يكن لدى وقت لكى أختلى بنفسى وأراجع وضعى ومواقفى وهكذا دارت الأيام ورحلت زوجتى عن الدنيا، وليس لدى أولاد يؤنسون وحدتى، ووجدتنى وحيداً بين جدران المنزل، أما جهاز المحمول الذى كان رنينه لا ينقطع ليلاً ونهاراً, فلقد صار صامتا، فلا أحد يسأل عنى، وهاأنا أعيش وحيداً فى عزلة تامة، وحتى احتياجاتى اليومية لم أعد أقوى عليها، وأدهشنى أن الطبيب الذى يزورنى بانتظام قد تنازل عن أجره بعد أن أدرك ماأعانيه، وأننى لا أكتب إليك طلبا لمال، ولا حتى للسؤال عنى، وإنما أردت فقط أن أقول للجميع إننى أعيش فى كرب بما جنيته على نفسى، ولم يعد لى أى دور فى الحياة، ورحم الله إمرئ عرف قدر نفسه، وأرجوك أن تدعو لى الله بأن يعيننى على ماأنا فيه.

ولكاتب هذه الرسالة أقول :

هناك شعرة بين الثقة الزائدة بالنفس والغرور، فأنت لم تكن واثقا فى نفسك, وإنما تماديت فى احتقار من حولك وفاخرت بمنصبك وشهرتك، ونسيت أنك لم تصنع شيئاً مما نلته من جاه وشهرة، فالله هو الذى وهبك ماأنعم به عليك، ووضعك فى الاختبار بين الانجراف إلى الأهواء بالتكبر والغرور، والاحتفاظ بعلاقات طيبة مع الآخرين، فانجرفت إلى الطريق الخاطئ, ويقول الحق تبارك وتعالى «وإن ربك لهو العزيز الرحيم»، فكريم الأصل كالغصن كلما ازداد من خير تواضع وانحنى، فالغرور يمكنه أن يحول الملائكة إلى شياطين، والتواضع يمكن أن يحول الرجال إلى ملائكة، ولذلك فإن الدرس المستفاد مما تعرضت له هو أن المرء يجب أن يراعى الآخرين، وأن يحتفظ معهم بعلاقة طيبة، لأنه سوف يحتاجهم ذات يوم عندما تنقطع به السبل، وأرجو أن تكون قد وعيت هذا الدرس، وسوف أتواصل معك، فلا تحزن وابدأ صفحة جديدة مملوءة بالرضا والتواصل مع جيرانك ومعارفك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
بريد الأهرام ( بريد الجمعة )
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 81 من اصل 88انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1 ... 42 ... 80, 81, 82 ... 84 ... 88  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» بريد الجمعة يكتبة : احمد البرى الطفل الكبير !
» سطو مسلح على مكتب بريد في المعادي
» سطو مسلح على مكتب بريد «قها» في القليوبية
» اجعل لك بريد مجاني على الـ hotmail - شرح بالصور
» كيفية حظر بريد الكتروني بسكربت whmcs

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الشاعر عبد القوى الأعلامى :: المنتديات العامة :: المنتدى العام-
انتقل الى: