بريد الجمعة يكتبه: أحـمد البـرى
الحب الأسطورى !
لم أتصور أبدا أننى سأعيش الأزمة التى أحياها الآن،
ولا أجد منها مخرجا، فأنا سيدة فى السادسة والأربعين من عمري، نشأت فى أسرة ميسورة الحال، ومستوى اجتماعى راق وعلى قدر كبير من الجمال والثقافة، ونلت أعلى الدرجات العلمية، وترقيت فى عملى وتوليت مناصب مرموقة فيه، وقد بدأت قصتى مع الزواج عندما كنت طالبة فى الجامعة، حيث تقدم قريب لى يكبرنى بعشر سنوات طالبا يدي، وكنا نعرف أنه أقل منا بكثير فى المستوى المادى والاجتماعي، فهو على صلة مباشرة بنا، ولا يجد فيه والدى ما يجعلنى أرفضه من وجهة نظره، ولما عرض عليّ الأمر اعترضت بشدة على الارتباط به لأسباب عديدة منها فارق السن واختلاف الطباع، وضعف شخصيته، وعدم التزامه الديني، فلقد حلمت دائما بزوج يشعرنى بالأمان والاحتواء، إذ لا شيء فى الدنيا يساوى لحظة حب وحنان صادقة بين الزوجين، ولم تفلح أسبابى فى إثناء والدى عن موقفه، وتمسك بزواجى منه، وقال لى إنه سيغضب عليّ إذا لم أوافق على قريبى هذا، حيث كان يراه الأنسب لى ويصفه بأنه «طوع له وأمان لىّ»!
وأمام هذه الضغوط الشديدة، ولتعلقى بأبى وافقت على خطبتى له، ولم أفكر فى أى شيء وقتها سوى أن يكون والدى راضيا عني، وتحدد موعد زواجنا قبل انتهاء دراستى الجامعية، واستعنت فى منهجى مع خطيبى بما كان أبى يردده لى دائما من خلاصة تجاربه وخبراته فى الحياة، والتى لخصها فى جملة واحدة تقول «إذا لم يكن ما تريد، أرد ما يكون»، وهكذا حدثتنى نفسى بأننى مادمت قد أصبحت زوجة، فيجب أن أسعد بحياتي، وأعيشها كما هي، وترقبت يوم الزفاف كأى عروس تحلم بلقاء فارس أحلامها، فإذا به «يوم تعيس» لم يدر بمخيلتى أن أعيشه أبدا، فلقد فوجئت بتباعد زوجى عني، وانصرافه إلى نفسه.. نعم تركنى وحيدة دون أن يحاول ولو مجرد الحديث معي، وآلمنى ذلك كثيرا، لكنى هدأت نفسى بأنه ربما يكون قد تعرض لما نسمع عنه عند بعض الرجال، ويكون فى الغالب نتيجة عدم الخبرة بمثل هذه المسائل التى لم يسبق لى الحديث فيها حتى مع زميلاتي، وقلت أيضا ربما يكون مثلى ليست لديه دراية فى هذه الناحية، فأنا ملتزمة جدا فى حياتي، وشديدة الخجل، ومتحفظة فى كل شيء، وكتمت سري، ولم أبح به لأحد، ومرت الأيام الأولى فى محاولات فاشلة لاتمام العلاقة الزوجية، وظل صامتا تماما، وأحيانا يتجاهلني، ولا يحاول الاقتراب مني، وأفضيت إلى والدتى بأمرنا، وعرف الأهل حكايتنا، وتدخلوا فى أدق تفاصيل حياتى الخاصة، وراحوا يشيرون عليّ واحدا بعد الآخر بالعلاج النفسي، ثم الفحص العضوي، وترددنا على أطباء فى كل التخصصات، ولك أن تتخيل حال عروس فى شهر العسل تعانى آلاما وجراحا يصعب على أى امرأة الحديث فيها من ناحية علاقتها بزوجها، إذ تعرضت لأسئلة محرجة، وكنت أتحاشى لقاء أى واحدة من أسرتى حتى لا تسألنى عن حال زوجي، وبعد شهور من الفحوص الطبية واللجوء إلى المشايخ وغيرهم، مال أبى بى جانبا وأكد لى أن زوجى لا يعانى أى مشكلة عضوية، وأن ما يعانيه يتعلق بظروف نفسية فقط، وزاد ألمى لذلك، إذ لو أنه يحبنى بصدق لجاءنى ملهوفا فيحتوينى وأشعر بحبه وحنانه، أما أن تكون هذه حاله، فهذا أمر عجيب، وذكرت أبى برأيى فى هذه الزيجة منذ البداية، وطلبت منه أن أنفصل عن زوجي، وكان قد مر وقتها ما يقرب من سنة على زواجنا، ومازلت بكرا، فتسمر أبى فى مكانه وتجهم وجهه، فلقد أنفق الكثير من المال لتأثيث شقة فاخرة لي، وأقام زفافا «أسطوريا» لم تشهد العائلة مثله حتى الآن ويصرف عليّ بسخاء، ويخشى أيضا كلام الناس، لكنه صمت برهة ثم قال لى «أنا موافق»، وجاء بزوجي، وناقشه فى أمرنا، ثم حل موعد الطلاق، وبينما نحن جالسون فى انتظار المأذون، بكى أبى وزوجى بكاءً مريرا بلغ درجة الانهيار، فلم أتحمل الموقف، ووجدتنى بما أكنه من حب لوالدي، ورغبة فى إرضاء من حولى ولو على حساب نفسى أقرر التراجع عن الطلاق، وأن أكمل حياتى الزوجية مهما تكن العواقب، ومنحت نفسى فرصة جديدة لعل الله يقضى أمرا كان مفعولا، وشيئا فشيئا تحسنت حالة زوجى إلى حد كبير، وإن شابها بعض القصور، لكنه لم يكن مانعا من الانجاب، ورزقنا الله بابنتنا الأولي، وعمت الفرحة بيتنا، وشغلت نفسى تماما عن التفكير فى حياتى الزوجية، واجتهدت فى عملى والتحقت بالدراسات العليا فى كليتى التى تخرجت فيها، وجاء أبى بعقد عمل لزوجى فى الخارج، فكان يسافر إلى البلد الذى يعمل به، ويأتينا فى إجازة سنوية كل عام، ثم أنجبت طفلا ثانيا، وقرر زوجى الاستقرار فى مصر، والعمل فى شركة جديدة سوف يؤسسها صاحب الشركة التى كان يعمل بها فى الخارج، وستديرها زوجته المصرية، وهى فى حوالى السبعين من عمرها، وانساق زوجى وراءها، إذ أن كل ما يشغله هو جمع المال الذى كان السبب فى سعيه للارتباط بي، واستطاعت هذه العجوز المتصابية أن تسيطر عليه بالمال الوفير والملابس الفاخرة، وصار يلازمها ليلا ونهارا لدرجة أنه أصبح يعود إلى البيت فى الصباح بعد أن يقضى الليل كله معها، وتعمدت كثيرا أن تتصل بى وتترك التليفون مفتوحا حتى أسمع حديث الحب المتبادل بينهما، ووصلت البجاحة إلى درجة أنها طلبت منى أن أنسى زوجى لأنه لا يحبني، وبرغم أنها تكبرنى بثلاثين عاما فإنه يراها أكثر جاذبية واثارة، ونصحتنى بأن أطلب الطلاق منه، وأعيش حياتى بدونه، ولم أحدثه فيما قالته، أو أهتم لهذا الأمر فى حينه.
وبعدها بأسابيع سافر زوجى إلى دولة أوروبية بصحبتها، وطالت فترة غيابه ولم يتصل بنا أو يطمئن علينا، ولم نعرف له هاتفا لكى نطمئن عليه، وأحس والدى بالقلق عليه، وحاول الاتصال بسفارة مصر فى هذا البلد لكى يعرف أى معلومات تدلنا عليه، وباءت محاولته بالفشل، ثم وجدناه أمامنا فجأة وبرر عدم اتصاله بنا بأسباب وهمية، منها انشغاله الدائم بالعمل، فلم أقتنع بما يقوله، فهو يخفى عنا شيئا ما ولا يريد أن يبوح به، فطلبت الطلاق، وكانت ابنتى الكبرى قد بلغت سن عشر سنوات، ولما وجدنى مصرة عليه، ترك العمل مع هذه السيدة، وتخلص من ملاحقاتها، واجتهدنا فى البحث عن عمل آخر له، واستقر فى وظيفة جيدة، وأنجبت طفلين آخرين ليصبح لدينا أربعة أبناء، فزاد تعلق زوجى بالأولاد والبيت، واستقرت أوضاعنا الزوجية إلى حد ما إلا أن العلاقة الخاصة بيننا انتهت تماما، ولم يعد قادرا عليها بأى صورة، وكنت وقتها فى سن الخامسة والثلاثين، وقررت أن اعتبر نفسى فى حكم الأرملة أو المطلقة، وأنسى هذا الجانب من حياتى فليس ذنبه أنه يعانى حالة مرضية، كما اننى لا أضمن أن تستمر صحتى على ما يرام، فلا يملك أحد من أمره شيئا وانشغلت بأولادي، وتفوقوا فى دراستهم، ومضت الحياة بنا فى هدوء.
وانتقلت فى عملى من فرع إلى آخر، وشغلت وظيفة أعلي، وتعاملت مع الجميع باحترام، وتعرفت على موظف معى يصغرنى بأربع سنوات، وهو دمث الخلق ومتواضع، ووثقت فيه ثقة عمياء، فلقد نبهنى كثيرا إلى أشياء كان يمكن أن تلحق بى ضررا فى عملي، ثم رحل والدى عن الحياة، وتركنى وحيدة، وبغيابه فقدت السند والأب والحب والحنان، ومعنى الحياة، ووجدتنى أفضفض لهذا الشاب عن ألمى الشديد لرحيل أعز الناس لديّ، وتطورت علاقتنا شيئا فشيئا إلى أن وجد كل منا الآخر مندفعا إليه. فبصراحة رأيته فتى أحلامى بصدقه وأمانته ووده، وخوفه عليّ من كل ما يمسنى أو يتعلق بى فى عملى وسمعتي، وأفصح لى عن أنه يبادلنى الشعور نفسه، وأصبحنا نبحث عن أى سبب للقاء!
وزاد ارتباطنا بشكل لا إرادي، ولم أتخيل للحظة واحدة من قبل أن أخون زوجى ولو بكلمة، ولا حتى بالمشاعر والأحاسيس، فأخلاقى ودينى وتربيتى تمنعنى من الانسياق وراء هذه المشاعر من «الحب الأسطوري» الذى لم أكن أؤمن به، ولم أعشه، ولم أتصور أبدا أن أكون واحدة من بطلاته!.. لقد وجدتنى فتاة فى العشرينات يدق قلبى لرؤية حبيبي، أو حتى رؤية أى شيء يخصه، وأحلم طوال الليل بلقائه وأتمنى أن أسمع صوته، ولا أرى فى الدنيا غيره، وكان يبادلنى ذات المشاعر بنفس القوة والاندفاع والرغبة واللهفة، وتطرأ لدينا فكرة واحدة ونردد نفس الكلمة، حتى ولو لم نكن معا.. ونشعر بعذاب الضمير من أن هذه المشاعر ليست من حقنا، واننا بها نخطئ فى حق من حولنا، وبلغ بى الأمر اننى لم أعد أستطيع النظر فى وجه زوجى أو حتى الكلام معه، إذ لم أعتد الخيانة ولا الكذب، وبدا واضحا اننى أحاول الابتعاد عن الآخرين، وأفضل الجلوس بمفردي، وأتعلل لهم بأننى حزينة على والدي، ولعل انصرافى إلى نفسى يطفئ عذابي، وكلما قلت لهم ذلك ألمح علامات التعجب على وجوههم، وعندما أدخل إلى البيت أصبح جسدا بلا روح، ولا يشغلنى شيء سوى هذه المشاعر.
لقد حافظت على نفسي، برغم أنه كان من الممكن أن تتطور هذه العلاقة إلى أبعد مدي، وقاومت هذا الحب الجارف الذى سيطر على قلبى ومشاعري، ولم تتعد الأمور بيننا كلمات الحب والرسائل والسلام باليد، وإن كان هذا السلام يحمل مشاعر خاصة وطابعا مختلفا، وكانت سعادتى به أكبر من أن أحرم نفسى منها، وحدثت تغييرات فى نطاق عملى وعدت إلى المقر الرئيسي، وتركت حبيبي، وقلبى وكل تفكيرى معه، وكم تمنيت اللحظة التى تجمعنى به فى الحلال، ووجدته مشفقا عليّ أن أطلب الطلاق من زوجى حرصا على أولادي، ويقول لى إن الثمن سيكون فادحا، وستدفعينه وحدك، أما هو فيستطيع أن يجمع بينى وبين زوجته، ولن يخسر شيئا من ارتباطنا!
إن أبنائى يشعرون حاليا بالأمان فى بيتهم ومع والدهم الذى حرصت دائما على الحفاظ على صورته أمامهم، وقد استقر مع تقدم العمر، ولم يعد يتصرف بالشكل الصبيانى الذى كان عليه، وقد دخلنا فى علاقات نسب ومصاهرة لتزويج أولادى وبناتى ولا أدرى كيف أطلب الطلاق من غير سبب ظاهر ومنطقي، وماذا أقول لهم؟.. هل أخبرهم أننى تذكرت بعد هذا العمر حقوقى كإمرأة وأريدها الآن؟ فلقد مرت شهور لم أر حبيبى فيها سوى مرتين، ولم يغب عن بالى لحظة واحدة، وصرت أعانى الاكتئاب وأفكر فى زيارة طبيب نفسى لعله يساعدنى على نسيانه، وأؤكد لك أننى أتحرك فى بيتى وعملى بشخصية الأم الملتزمة والمرأة القوية إلا أن قلبى ينزف حزنا على فراق حبيبي، وقد أديت العمرة وبكيت أمام الكعبة وأنا أدعو الله أن ألقاه وهو راض عني، وبعد عودتى شغلت نفسى ووقتى فى العمل والبيت والأولاد، لكن خياله لا يفارقني.. ولا أدرى ماذا أفعل؟ هل آخذ القرار الذى سيهدم بيتى ويحرم أبنائى من السعادة وراحة البال، والأمان وأطلب من زوجى الطلاق الذى سيكون مفاجأة مفجعة وغير متوقعة، وأنا الزوجة العاقلة والأم الحنون والتى يضرب بى الأمثال فى العائلة كلها بالحكمة والعقل الراجح والأمومة والعطاء؟ وهل ينطبق عليّ الحديث الشريف «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة».. إننى إن فعلت ذلك سوف يهنأ قلبى مع حبيبى الذى تعلقت به روحي، والذى لم يعد لى أمل فى الدنيا سوى أن أحيا إلى جواره، وإن تراجعت فسوف أكمل حياتى مع زوجي، وأنا جسد بلا روح ولا حياة ولا حب ولا مشاعر.
إن العمر يجرى ولم يعد هناك وقت لتضييعه، وقد علمت زوجة حبيبى بعلاقتنا وهددتنا بفضحنا أمام الجميع، ولو حدث ذلك سيؤثر على أبنائي، وأجدنى فى حيرة من أمري، ولا أدرى هل يجوز للزوجة أن تؤدى صلاة الاستخارة بأن تكمل حياتها مع زوجها، أم حرام أن تسأله سبحانه وتعالى فى أمر غير محلل لها؟.. إننى أخاف الله، وأخشى أن أعصاه، وأحاسب نفسى حتى على مشاعرى وقلبى الذى لا يطلع عليه إلا هو سبحانه وتعالي، ولا أريد خيانة زوجى ولو بقلبي، ولن أفعل شيئا خطأ، وكم أتمنى أن أجمع بين رضا الله وسعادتى واستقرار من حولي، فبماذا تشير علىّ؟
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
ليس فى قصتك مع هذا الرجل ما يشير إلى «الحب الأسطوري»، الذى تتحدثين عنه، ولا حتى مجرد مسعى إلى الزواج الجاد والمستقر، فالأمر لا يعدو أن يكون سذاجة منك، ورغبة منه فى أن ينالك ولو بدعوى الحب المزيف، وهو ليس على استعداد لهز أركان بيته، حتى بالارتباط بك كزوجة ثانية، وأغلب الظن أنه هو الذى دفع زوجته إليك لتهديدك بفضح علاقتك به إذا لم تتوقفى عن ملاحقته والاتصال به، فالحقيقة الغائبة عنك هى أن الرجل لا يحترم أبدا من تغدر بزوجها وتضحى بأولادها واستقرارها فى سبيل قضاء بعض الوقت معه كزوجة ثانية، وحتى إذا تزوجها فإنه سرعان ما يكشف عن وجهه وينبذها من حياته، بعد أن تفقد كل شيء، ووقتها لا ينفعها الندم!
وإذا كان زوجك قد ضحى بعمله لكى يبتعد عن العجوز المتصابية التى حاولت التغرير به، ولم يستجب لإغراءاتها المادية، ولا المزايا الكثيرة التى كان من الممكن أن توفرها له، وفضل بيته وزوجته وأولاده على أى شيءآخر، واستقرت أوضاعه باعترافك، فلماذا لا تصنعين الصنيع نفسه، وقد سبق أن نزلت على رغبته ورغبة أبيك فى الاستمرار معه فى وقت لم يكن قادرا فيه على إتمام العلاقة الزوجية، وتحملت متاعب كثيرة وأنجبت أربعة أبناء منهم ابنتك التى على وشك الزواج، وأمضيت كل هذا العمر فى خدمة أسرتك، وتفانيت فى إسعاد زوجك وأبنائك؟.. لقد قدمت الكثير ولم يشغلك أحد طول هذه السنين حتى ظهر هذا الشاب الذى حاول التقرب إليك باعتبارك رئيسته، وأرشدك إلى أشياء كانت غامضة عليك فى العمل، واستطاع بكلمات معسولة أن يسيطر على تفكيرك، حتى كدت تسلمين له نفسك لولا خشيتك الله ـ على حد تعبيرك ـ وبكل صراحة ووضوح، فإنه لم يحبك، ولن يتزوجك، وما تعيشينه هو الوهم بعينه.
لقد ساهمت ظروفك الأسرية، وعدم استطاعة زوجك إشباعك من الناحية الجسدية إلى أن تميلى إلى موظف يعمل تحت رئاستك، وكان ينبغى عليك أن تضعى حدا لهذا «التفكير الشيطاني»، منذ البداية، فمن الطبيعى أن يميل الرجل الى المرأة، وتميل المرأة إلى الرجل، ومن هذا الميل ما يترجم إلى علاقة محرمة كالزنا، ومنه ما يترجم إلى علاقة شرعية هى «الزواج»، بما فيه من رحمة ومودة وألفة، وهى نعم عظيمة لا يشعر بقيمتها إلا من اضطربت علاقتهم الأسرية ودخل بينهم الشقاق والنزاع الذى يحوّل حياتهم إلى جحيم لا يطاق، وعندئذ تصبح أمنية الرجل زوجة يهنأ بها، وأمنية المرأة رجلا تسعد به، ومادامت هذه النعم متوافرة بينك وبين زوجك فما الذى يدعوك إلى مغامرة فاشلة بكل المقاييس سوف تتجرعين مرارتها من أول لقاء بينكما على فراش الزوجية، الذى لن تشعرى به، وسوف تزول كل الأوهام العالقة بذهنك فى التو واللحظة.
ولا تجوز صلاة الاستخارة التى تفكرين فى أدائها، فهى مشروعة فى أمر لم يتبين خيره من شره، فيلجأ المرء إلى الله ليوفقه إلى ما فيه الخير له، أما ما أنت فيه الآن فهو معصية تستوجب التوبة والندم، وإغلاق كل الأبواب التى تؤدى إلى هذا الشاب بتغيير رقم هاتفك، وإبلاغه بعدم الاتصال بك بأى حال، واقتربى أكثر من زوجك، وسوف تعود حالته الصحية إلى ما كانت عليه، فمن الممكن أن تحدث هزات نفسية للإنسان فى بعض الأحيان يستحيل معها أن يقيم علاقة زوجية ناجحة، ثم تتحسن الأوضاع بعد ذلك، وهذا ما أعتقده بالنسبة لحالة زوجك الذى سبق وأن استمر عاما كاملا غير قادر على إتمام هذه العلاقة فى بداية حياتكما الزوجية، ثم صار طبيعيا بعد ذلك، ويمكنه بمساعدتك مراجعة الطبيب لبيان وضعه الصحى ووصف ما يلزم له من علاج.
إن المرأة حين تستخير ربها فى الارتباط بغير زوجها وهى على ذمته، فإنها تستخير فى هدم بيتها وأسرتها وتشريد أولادها، وتستخير فى الطلاق من زوج أحسن إليها واهتم بها، بل إنها تستخير فى خيانته وطعنه فى ظهره بتشتيت أولادهما، ويكون خراب بيتها على يديها، وتستخير فى مقابلة المعروف الكبير والخير الكثير بالإساءة الشديدة، والتنكر لصاحب المعروف وجحد حقه، ولا سبيل للخلاص من الحالة التى تسيطر عليك إلا بأن تصرفى عنك كل الوساوس المتعلقة بهذا الرجل غير الأمين، وألا تجعلى للشر سبيلا إليك، فلقد وقعت فى مكيدة، وزين لك الشيطان الانفصال عن زوجك طمعا فى زوج آخر لديه أسرة لن يتخلى عنها، كما قال لك ــ وسوف يوقعك فى براثنه ثم يرميك غير نادم على من انساقت وراء الأوهام.
ومما يعينك على صرف الوساوس من تفكيرك، أن تجيبى بصدق مع نفسك عن بعض التساؤلات ومنها: لو أن هذا الشاب رجل صالح، كيف يرضى بأن يخرب بيتك ويشتت أسرتك؟.. وإذا كان يحبك حقيقة، فلماذا يسعى الى تدمير أسرتك؟.. وهل يحبك أم يحب نفسه ولا ينظر إلا الى شهوته ومصلحته؟.. وما هو مصير أبنائك وهم الأمانة التى سوف يسألك الله عنها يوم القيامة؟.. وما الذى يضمن ألا تتغير معاملته لك بعد الزواج، بل ويسلط عليك زوجته للخلاص منك؟، وهل تتوقعين أن تبقى الثقة بينكما قائمة إلى الأبد؟ وهل يثق بك إذا كنت قد هدمت بيتك من أجله، ألا تكررى التجربة مع آخر تنجذبين إليه من الكلام المعسول والرسائل الملتهبة؟.. وفوق كل ذلك فإن الشكوك ستبقى مصدر قلق لكليكما.
إن الحب الحلال حلال، والحب الحرام حرام، ومن الحرام البين أن تحب المرأة المتزوجة رجلا آخر فيشغل قلبها وفكرها به وتفسد حياتها مع زوجها، وما يفعله هذا الرجل فيه إفساد، وفى ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من خبب ــ أى أفسد ــ امرأة على زوجها»، والحب له مبادئ ومقدمات، ونتائج ونهايات، والنظر والمحادثة والسلام والتزاور والتراسل واللقاءات.. وكلها أمور فى إمكان الإنسان أن يفعلها وأن يدعها، وأن يلتزم الطريق السليم، ويفطم نفسه عن هواها، ويلجمها بلجام التقوي، وإلا ازدادت توغلا فى غيها واستغراقا فى أمرها، وقديما قال البوصيرى فى بردته:
والنفس كالطفل، إن تهمله شب علي
حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
فاصرف هواها وحاذر أن توليه
إن الهوى ما تولى يصم أو يصم
وإذا كنت قد انتهيت إلى نتيجة لا تملكين نفسك إزاءها، فإنك التى ورطت نفسك فيها، وأدخلتيها هذا المضيق باختيارك، كما أنك ترمين نفسك فى النار، ولن تستطيعى منعها من إحراقك، فاعلمى جيدا خطورة ما تنساقين إليه، وتذكرى دائما قول الشاعر:
تولع بالعشق حتى عشق
فلما استقل به لم يطق
رأى لجة ظنها موجة
فلما تمكن منها غرق
إن عليك أن تكتفى بزوجك وترضى به، وتحرصى على ذلك كل الحرص، فلا تمدى عيناك الى رجل آخر، سواء هذا الذى يحاول التغرير بك أو غيره، وسدى على نفسك كل باب يمكن أن تهب منه «رياح الفتنة»، وكلما لمعت أمامك بوادر شيء من ذلك، بادرى بإطفاء الشرارة قبل أن تتحول إلى حريق مدمر، ولقد قيل «إن البعيد عن العين بعيد عن القلب»، فاشغلى نفسك بأولادك وحياتك، واهجرى ما نهى الله عنه، وأسأله لك الهداية، والبعد عن كل ما يغضبه، ويجر عليك المتاعب وهو وحده المستعان.