الشاعر عبد القوى الأعلامى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالأحداثموسوعة الأعلامى الحرةأحدث الصورالتسجيلدخول

شاطر
 

 بريد الأهرام ( بريد الجمعة )

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1 ... 41 ... 78, 79, 80 ... 83 ... 88  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
همسة عتاب
عضو متميز
عضو متميز
همسة عتاب

انثى
عدد الرسائل : 541
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 210
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 Unknow10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 8511
نقاط : 6634
ترشيحات : 3
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 I_icon_minitime4/3/2016, 12:49

بريد الجمعة يكتبه : أحـمــد البــــــرى
ليالى العذاب !


بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 2016-635926383175160810-516


أرجو أن يتسع صدرك لقراءة رسالتى فما عانيته طوال حياتى يفوق طاقة البشر
لكنى مازلت أتحمل أقدارى وأحتسب أمرى عند الله، فأنا معلمة فى المرحلة الابتدائية بإحدى محافظات الصعيد، خرجت إلى الدنيا فى أجواء أسرية مضطربة، إذ انفصلت أمى عن أبى بعد ولادتى بأسابيع، ولم يكن عمرى وقتها يتجاوز أربعين يوما، حيث تزوج بأخري، ولم تطق الاستمرار معه، وأخذتنى إلى بيت أهلها، وعشنا لدى جدى لأمى حياة مستقرة، ومريحة، وصار هو كل حياتي، وعوضنى عن والدى الذى لم يسأل عني، ولا أعرف شكله، ولا أى شىء عنه وعن إخوتى منه بالرغم من أننا نعيش جميعا فى قرية واحدة، وقد تستغرب أن يمضى العمر دون أن يخطر لى على بال أو أحاول القرب منهم، لكن إذا كان من أنجبنى بهذه القسوة، وهذا الجفاء. فإن «العين الماية تبقى حجر» وفقا للقول المأثور الشهير، بل إن من غطرسة زوجة أبى أنها أرادت أن تستفيد منى لكى أعيش معهم لخدمة إخوتي، أى أصير خادمة لهم، لكن جدى والد أمى وقف بالمرصاد لكل من يريد اللعب بي، أو إيذائي، ودللنى كثيرا واستمتعت بطفولة جميلة معه، واحتوتنى أمى ورفضت الزواج مرة أخري، وأغلقت حياتها على رعاية أبويها، وكثيرا ما كنت أسمعها فى مجالس الأسرة، وأنا ألهو حولها وهى تقول: «مش هجيب زوج أم لبنتى يتعبها ويؤذيها».. وكانت كلماتها التلقائية تهزنى بشدة، فيسيل الدمع على خدى ولسان حالى يقول: «ليه يا أبى عملت فينا كده» ثم أختفى عن الأنظار عدة دقائق حتى لا تلاحظ أمى دموعى فتحزن أو تشعر بأن هناك شيئا ينقصني.

وبمرور الأيام حاول بعض الأقارب أن يلينوا قلب والدى تجاهي، فيمد جسور التواصل معي، ويعطينى نفقة مثل إخوتى منه، لكنه كان يتعلل بأن جدى لوالدتى مرتاح ماديا، وأننى لست فى حاجة إليه، وكرس ماله ووقته وحياته لتعليم أبنائه من زوجته الثانية، وهم ستة «ثلاثة أولاد». «وثلاث بنات»، وباع ما بحوزته من أراض زراعية وخلافه، لكى يوفر لهم حياة سعيدة، وافتتح مكتب محاماة لأكبرهم، وتوجد معى من أخواتى معلمة بالمدرسة التى أعمل بها، ولك أن تتصور أختين تعملان فى مكان واحد، ولا تجمعهما كلمة واحدة، ولا حتى «تحية الصباح».. ولا أبالغ إذا قلت اننى لا أشعر بوجودها. ولا أعلم عنها شيئا، مع اننا نحمل نفس اسم الأب!

ولم أكن أعبأ بأى شىء من النواحى المادية التى طالما وفرها لى جدى وأغدق عليّ ما يكفينى ويزيد عن حاجتي، إذ إنه كان يمتلك خمسة وعشرين فدانا، وبيتا واسعا جدا، يضم خالى الوحيد وخالاتى الخمس، وقد تزوجن واحدة بعد الأخري، ولم يبق سوى خالى وهو أصغرهم، ومرض جدي، وأشار عليه البعض بأن يكتب أملاكه باسم خالى فاعترض وقال إنه سوف يترك كل شىء على حاله، وأن يتم تقسيم الميراث بعد رحيله وفقا لشرع الله، فالحق أنه كان رجلا نقيا، وأراد أن يقابل ربه راضيا فطابت نفسه، وحينما حان الأجل فارق الدنيا، وهو مرتاح البال، ولم يمض وقت طويل حتى رحلت جدتي، ولم يكن خالى قد تزوج بعد، واجتمعت خالاتى وأمي، وحكمت شقيقتهن الكبرى بأن يستمر الميراث تحت تصرف خالى إلى أن يتزوج وتصبح له أسرة وحياة مستقلة، وبناء على ذلك حررن له توكيلا بإدارة تركة جدي، ولم تطالبه أى واحدة منهن بحقها فى الميراث، وعشت معه أنا وأمى فى ركن بالبيت الكبير، وتزوج وأنجب وحصد أموالا كثيرة من عائد الأرض الزراعية، واجتمعت خالاتى من جديد لمطالبته بالميراث، لكنه فى ذلك اليوم تعرض لحادث ترك أثرا واضحا على ساقيه، فصارت إحداهما أقصر من الأخري، ولم تفلح الجراحات العديدة، التى خضع لها فى تحسين حالته، وأصبح يمشى على عكازين، ولذلك أرجأن مطالبته بالميراث إلى ما بعد انتهاء فترة علاجه.

ثم حانت اللحظة التى لم تكن أى منهن تتوقعها، إذ فاجأهن بقوله: «أبويا كتب لى كل ما يملك». ولا ميراث لكن عندي، وثارت مشكلة كبيرة، واعترفت خالتى الكبرى بخطئها فى أنها جعلت أمى وخالاتى يوقعن له توكيلا بإدارة أملاك جدي، وبالتالى التصرف فيها، وبررت ما فعلته بأنه شقيقهن الوحيد، وكانت تتوقع منه أن يسير على نهج جدي، ولكن هيهات أن يستمع لأحد، أو أن يصحو ضميره، ويتعظ من الحادث الذى وقع له، وواجهنه بأنه خدعهن وباع كل شىء لنفسه بالتوكيل، ولم تتوقف غطرسته عند هذا الحد، بل إنه رفض كل العرسان الذين تقدموا للزواج بي، ولم تجرؤ والدتى على الحديث معه بشأني، فهو يرى أنه «رجل البيت»، ومن حقه أن يتصرف فيما يراه مناسبا حتى فى أدق أمور حياتنا، وليس من حقنا الكلام معه أو مناقشته بأى حال من الأحوال.

ولم نجد أمامنا حلا لما نحن فيه، فامتثلنا للأمر الواقع، وانصب اهتمامى على أبناء خالي، وربيت بناته، وساندتهن فى كل مشوار الدراسة، وقد اضطربت أحوال خالاتي، وندمت الكبرى على موقفها المساند لشقيقها، وحزنت كثيرا ومرضت والدتى مرضا شديدا، وخوفا من أن يتكلف خالى شيئا فى علاجها، طردنا من البيت ومنع أخواته من دخوله، وسجله باسم زوجته حتى لا تفكرن فى اللجوء إلى القضاء، وخرجنا أنا ووالدتى إلى الشارع لا ندرى إلى أين نتجه. ففكرت فى اللجوء إلى زميلة لي، وهى قريبة لنا، وشرحت لها ما فعله خالى بنا، فاستضافتنا فى شقتها، وظللنا معها سبعة أشهر، وطوال هذه الفترة كان ابن خالتى الكبرى على اتصال بيننا واهتم بأمرنا، وظل يبحث دائما عن سكن يؤوينا إلى أن عثر على بيت صغير فى القرية التى نقطن بها عبارة عن حجرة وصالة، فأعطيته مبلغا من المال كنت أدخره من مرتبى وأنا فى منزل جدي، وأخذت قرضا من أحد البنوك، لكن ما أخذه ابن خالتى لم يكن يكفى ثمن البيت، فدفع ما تبقى منه، وأصبح دينا عليّ له، وأغلقنا بابنا على نفسينا، وساءت حالة أمى تماما، وأغمى عليها ذات يوم ، فحملتها إلى الطبيب المجاور لمنزلنا، فقام بتحويلها إلى المستشفى حيث أجريت لها جراحة تم فيها استئصال الطحال والمرارة. فلقد كان الطحال متضخما للغاية وما كادت أمى تفيق من أثر الجراحة حتى أصيبت بالسرطان، وخضعت للعلاج الكيماوى فى مستشفى خاص، حيث لا يتوافر هذا العلاج فى المستشفيات الحكومية البسيطة بالمنطقة التى نعيش فيها، ولم أجد بدا أمام المصاريف الكبيرة، وتكاليف العلاج الباهظة من أن «أقلب» القرض على مرتبى مرة أخرى بمبلغ كبير، ومع توالى جلسات الاشعاع، وعدم امكانية أخذ قروض جديدة، وتخلى الجميع عنا، أخذت قرضا على مرتب زميلة لي، وأدفع لها أربعمائة وأربعين جنيها كل شهر، وهكذا اصبحت انفق مرتبى كله على تسديد الديون، وليس معى ما أغطى به تكاليف علاج والدتى ومصاريف المعيشة، أما هى فمعاشها من التأمينات الاجتماعية مائتان وثمانون جنيها لاغير.

واشتدت بى ليالى العذاب وتلفت حولي، وسرحت بخيالى وأنا جالسة بجوار أمى المريضة، فوجدتنى قد بلغت سن الخامسة والأربعين، ومازلت بنتا، ولم أتزوج مثل كل زميلاتى بسبب خالى الذى وقف فى طريقي، وأبى الذى تخلى عني، وها هو كل منهما برغم ما تعرض له من أحداث لا يأبه لأخطائه، فخالى مازال عنيدا برغم مرضه، وإذلال زوجته له التى صارت هى صاحبة الأمر والنهى فى البيت، أما هو فيقول عن نفسه «أنا بفتكر الحاجة الوحشة بس وأنسى الحاجة الحلوة»، وكذلك هى حال أبي، وذات ليلة حدث لى ما حدث لوالدتى فقد سقطت على الأرض مغشيا علىّ، ووجدتنى أتلوى من الألم، وفحصنى الطبيب وأعطانى بعض المسكنات ثم قال لى أنه لابد من استئصال كلية لى لم تعد تعمل، وبالفعل خضعت للجراحة، فى الوقت الذى لا يوجد فيه ببيتنا مليم واحد!

وأخيرا اكتملت المأساة بإصابة والدتى بجلطة فى الشريان التاجي، ومرت بسلام لكن الفحص الطبى لحالتها أكد ضرورة عمل دعامات لها فى القلب، ولم أجد طريقا أمامى سوى معهد القلب فى القاهرة، وحاولت استخراج قرار علاج لها على نفقة الدولة، ولم يصدر حتى الآن، ومازلنا أنا ووالدتى على سرير المرض، وأعانى ديونا لن أتمكن من تسديدها، وفقا للجدول الزمنى المطلوب للبنك.

لقد ضاق الخناق علينا تماما فى الوقت الذى ابتعد فيه عنا الجميع، فهل انعدم الخير فى هذه الدنيا؟ وأين صلة الرحم، وصلة الدم؟ وما هذه الغابة التى نعيش فيها، فيأكل القوى الضعيف لحما، ويرميه عظما؟.. إننى على استعداد لكتابة ايصالات الأمانة والتعهدات اللازمة لمن يساعدنى فى تسديد القرض والحصول عليه منى فى أقساط مناسبة، فكل ما أسعى اليه هو أن تجرى الجراحة التى تحتاجها والدتي، وأن أشترى لها العلاج الشهرى بانتظام لكى لا تتدهور حالتها، أما أنا فليس لى فى الدنيا مطمع، ولا أمل، ولا هدف بعد كل ما فعله بنا أبى وخالي، وليعلم الجميع أن غدا لناظره قريب، ومن يدرى فلعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، ولا حول ولا قوة إلا به سبحانه وتعالي.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

يا الله، ما هذا الذى يحدث؟.. أب يتخلى عن ابنته، ولا يسأل عنها أو يطلب مجرد رؤيتها وليس القيام بمسئولياته تجاهها طوال هذا العمر، ولا تعرف إخوتها منه لدرجة أن لها أختا تعمل بالمدرسة نفسها معلمة، ولا تربطهما أى صلة برغم أنهما تحملان اسم أب واحد. كل ذلك وهى تعيش على بعد خطوات منهم، ثم أى أخ هذا الذى يأكل أموال أخواته بالباطل، فيستخدم التوكيل الذى حررنه له فى بيع كل أملاك أبيه لنفسه، ولم يتعظ بالحادث الذى تعرض له،وهو أول القصاص منه على قيد الحياة قبل أن يلقى الجزاء الأكبر يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؟

يا الله، إن الخطب جلل، والأحداث جسام، فليس لنا سواك، ونسألك أن تكشف الضر وتزيل الغمة عن هذه المعذبة التى لا سند لها ولا معين:

ولقد ذكرتك والخطوب كوالح

سود ووجه الدهر أغبر قاتم

فهتفت فى الأسحار باسمك صارخا

فإذا محيا كل فجر باسم

نعم، فما تتعرضين له من ابتلاءات فى الحياة، من قدر الله، إذ يقول تعالي: «ما أصاب من مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسكم إلا فى كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير»، فلا تأسفى على ما ابتليت به، فالذى قدره هو المولى عز وجل، وعنده لك ثواب وأجر عظيم، والمبتلون من أمثالك ينوه بهم فى الفردوس «سلام عليكم بما صبرتم. فنعم عقبى الدار»، وإذا كان خالك قد رأى أن الأرض التى أستولى عليها، والبيت الكبير الذى انتزعه من أخواته، وطردكما أنت ووالدتك منه، سوف يوفران له الغني، فإنه فى الحقيقة مفلس، وربما يكون قد أدرك ذلك الآن، نعم هو مفلس من كنوز الايمان واليقين بالله، وسيظل حتى لو استمرت أحواله المادية متيسرة، فى تعاسة وغضب ومهانة، وليس أدل على ذلك من المعاملة السيئة التى تعامله بها زوجته الثانية بعد أن سجل بيت العائلة باسمها، لكى يهرب من الملاحقات القضائية إن لجأت أخواته إليها.

وأننى أسأل أباك: ألم تخطر ابنتك وهى من لحمك ودمك على بالك، فتسأل عنها، وتطمئن عليها، وتحرص على أن تنشأ فى كنفك ورعايتك، إذ انها تحمل اسمك وأنت مسئول عنها مادمت على قيد الحياة؟ وهل يرضيك ما قاسته من آلام ومتاعب حتى إنها بلغت هذه السن، بلا زواج ولا استمتاع بمباهج الحياة، فى الوقت الذى يرفل فيه اخوتها فى سعادة حرمت منها نتيجة تجاهلك لها؟، وأسأل خالك: هل من شيم الرجال أن يطرد الأخ أخته إلى الشارع؟، وكيف يتخلى عنها وهى تصارع الموت وليس لها سند ولا معين، فحتى لو أنها ليس لها الميراث الذى أكلته حراما، فهى فى النهاية أختك، ولا أدرى كيف طاوعك قلبك أن تقسو عليها إلى هذه الدرجة؟.. إن الإنسان السوى يتأثر لمجرد أن يرى فى طريقه مريضا، أو طالبا للمساعدة، ولا يتوانى عن تقديم العون لمن يراه فى حاجة إليه. لكن قلبك الحجرى لا يأبه لذلك، فأنت لا تتذكر إلا «الحاجة الوحشة»، ومن يكن هذا ديدنه، فلا ينتظر منه أن يأتى بحاجة حلوة أبدا.

وعلى كل حال فعلى كل منكما أيها الأب والخال، أن يدرك أن وقت الحساب قد اقترب، فليلحق من يريد النجاة بتصحيح أوضاعه طالبا الصفح والغفران من الأخت والابنة ضحيتكما فى الحياة. أما أنت أيها المعلمة المكافحة وأمك الصابرة. فتكفيكما نفساكما الطيبتان جزاء لعملكما الصالح، فبرغم ما تعرضت له من متاعب منذ خروجك إلى الدنيا، فإنك لم تحملى ضغينة، ولا حقدا لأحد، وصدق فيك قول الحق تبارك وتعالى «من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون»، وهذه الحياة الطيبة هى استقرار النفس لحسن موعود ربها وطهارة الضمير، وسكينة القلب، والرضا بالقدر، فبقدر إيمان المرء تكون سعادته وراحته، وطمأنينته، وانى أراك مؤمنة بالله، وراضية بقضائه، ولذلك لن يضيعك أبدا، وستجدين فى كل الأوقات من يعينك على نوائب الدهر. فلقد ساعدك جدك لوالدتك، ثم خالك إلى أن غيَّره الطمع والجشع، ثم زميلتك، وبعدها ابن خالتك، وسوف يتوالى من يرسلهم الله إليكما أنت ووالدتك إلى أن تهدأ نفسك وتستقر أوضاعك. فلا تلقى بالا للعقبات، ولا تتوقفى عند من لا يفكرون إلا فى أنفسهم، فلقد أراد سبحانه وتعالى للدنيا أن تكون جامعة للضدين والنوعين، والفريقين، والرأيين، وهى صلاح وفساد، وخير وشر، وسرور وحزن، وعلينا دائما أن نأخذ منها ما يتيسر ونذر ما يتعسر، ونتغافل عن بعض الأمور، فتجاوزى الماضى بكل مآسيه، ودعى أباك وخالك إلى المولى عز وجل، وليتهما يفكران ـ وهما فى سن الجلال والاحترام، وبعد كل ما مرا به من تجارب ودروس ومحن ـ فى اصلاح ما أفسداه، ويهبان إلى مساعدتكما فى الأزمة التى تواجهكما، فيعملان على توفير ما يلزم من أدوية لوالدتك ويسددان بعض الديون التى تثقل كاهلك، وإن لم يستجيبا فأحسب أن الفضلاء كثيرون، ولعل من يقرضك قرضا حسنا بالضمانات الكافية لاسترداده، يدرك أن الله سوف يخلفه عليه خيرا مضاعفا مصداقا لوعده لمن يسارعون إلى فعل الخيرات، فلا تتركى نفسك أسيرة لليالى العذاب والأحزان التى لا تنتهي، فمن لا يعيش فى حدود يومه، يتشتت ذهنه، وتضطرب أموره، وتكثر همومه ومن هذا المنطلق أرجو أن تنسى الماضى بما فيه، ولا تشغلى بالك بالمستقبل، وعليك دائما بذكر الله، وتوطين نفسك على تلقى أسوأ الفروض. وأن تكونى على يقين من أن مع العسر يسرا، وتذكرى دائما قوله تعالى «وفى السماء رزقكم وما توعدون». فأنت ووالدتك سوف تحصلان على نصيبكما العادل من السعادة حين يأذن الله.

إن الشدائد تكون أحيانا أكثر فائدة للإنسان من الحياة المرفهة، وعنها يقول أفلاطون من واقع ما عايشه من مواقف وتجارب «الشدائد تصلح من النفس بمقدار ما تفسد من العيش، والتترّف ـ أى الترف والترفه ـ يفسد من النفس بمقدار ما يصلح من العيش»، وزاد على ذلك «أزد شير» بقوله، الشدة كُحل ترى به ما لا تراه بالنعمة»، فأنت بكل ما واجهته من متاعب سوف تحصدين ثمارا حلوة قريبا، فالفرج بعد الكرب سنة ماضية، وقضية مسلمة، كالصبح بعد الليل لاشك فيه، ولا ريب، وليدبر الله أمرا كان مفعولا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسة عتاب
عضو متميز
عضو متميز
همسة عتاب

انثى
عدد الرسائل : 541
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 210
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 Unknow10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 8511
نقاط : 6634
ترشيحات : 3
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 I_icon_minitime4/3/2016, 12:51

الحبيبة الغالية


منذ عشرين عاما تقريبا ارتبطت بفتاة رشحها لى أحد معارفي،
ولم تكن لى معرفة سابقة بها، ولكنى وجدتنى معجبا بها بمجرد رؤيتها، وتزوجتها على الفور، وبمرور الوقت، خالطنى شعور غريب بأننى كنت أستحق من هى أفضل منها، وظلت فى قلبى غصة لهذا السبب، وكثيرا ما حدثتها بظروف أسرتها المادية السيئة مقارنة بظروف أسرتى الميسورة.

وأسعدتنى بعشرتها الحلوة، وهدوئها الذى لا مثيل له، وأيقنت كم أننى كنت مخطئا فى نظرتى إلى ظروفها، وعشنا زوجين سعيدين، وواجهنا الحياة بكل تقلباتها، فلقد تعثرت ماديا بعد الزواج، ولكن بعون الله تعالي، وبفضل كفاحنا معا، تجاوزنا الظروف السيئة التى ألمت بنا، وتحسن وضعنا المادي، وصرنا بترابطنا محل احترام وتقدير الأهل والجيران والمعارف، وأنجبنا ثلاثة أولاد فى مراحل التعليم المختلفة، وأصبحنا حديث الجميع حيث رأوا فينا أسرة مثالية.

وذات يوم أسود حضرت زميلة لزوجتى حيث تعمل معلمة فى مدرسة قريبة من منزلنا، وأخبرتنى أنها وقعت على الأرض فى المدرسة، وتطلب منى سرعة المجيء إليها، فاستأجرت احدى السيارات، وذهبنا إلى المدرسة، وحملت زوجتى إلى المستشفي، وتبين من الفحوص الطبية أنها أصيبت بجلطة أدت إلى شلل نصفى فى الجانب الأيسر والقدم، واليد، والعين، وجزء من الفم، فأسرعت بها إلى طبيب متخصص، ومنه إلى آخر، وثالث، وظللت على مدى تسعة أيام حائرا بين الأطباء ولم يغمض لى جفن، ثم حانت اللحظة المؤلمة، فلقد أسلمت زوجتى الروح إلى بارئها، وانهرت أنا وأولادى وبكينا دما ودمعا، ولكن ماذا يجدى البكاء؟.. اننى أتأمل حالى وحال أبنائي، وأتذكر حينما كنت أتشاجر معها، بل وأضربها أحيانا، فتذهب إلى منزل أسرتها لعدة أيام، ثم تعود بمفردها دون أن أذهب إليها، ونتيجة لصنيعها هذا تؤنبها أخواتها البنات، ويوبخنها ويقلن لها «أنت ما عندكيش دم، تغضبى وترجعى البيت من غير ما ييجى ياخدك» فكانت ترد عليهن: «زوجى عنيد، ومعندوش استعداد للاعتذار، ولن أجرح كبرياءه»!

والحقيقة التى أعترف بها هى أننى فى كل مرة تغضب فيها أتظاهر بأن هذا الأمر لا يهمني، ولكنى كنت فى داخلى أدعو الله أن يهديها وتعود إلى المنزل، وعندما أشعر بعودتها، أذهب إلى حجرتى أقصد حجرتنا ـ وأتظاهر بالنوم فتأتينى وتصالحنى حتى لو كنت أنا المخطيء، وكانت تلك اللحظة دليلا أكيدا على علاقتنا القوية ونخرج معا سعداء، ونجلس بين أطفالنا، وكأن شيئا لم يكن.

وأتذكر حينما كنت أجلس فى غرفتى على جهاز الكمبيوتر لعدة ساعات، وهى تمارس أعمالها فى المنزل من طهى وخلافه، وتطلب من أحد الأولاد أن يحضر لها شيئا ما من البقال، فيرفض، وتنادى عليه أكثر من مرة، وتهدده بأنها سوف تخبرنى بأنه يعصاها، لكنه يعاندها، فتصرخ فيه، وتضطر لمناداتي، فأسمعها ولا أرد عسى أن يستجيب الولد. وفى النهاية أخرج مسرعا من الحجرة لاضرب من لا يريد تلبية طلباتها، فتقف أمامى وتحول بينى وبينه، وتحتضننى وتربت على كتفي، أما الولد فيكون قد ذهب إلى البقال بمجرد رؤيتي، وينتهى الموقف بالأحضان والضحكات.

وها أنا أنظر إلى أولادى يتامى الأم. كما أننى أشعر باليتم أنا الآخر لأول مرة فى حياتى بالرغم من أننى بلغت سن الخمسين، فيا كل الأزواج والزوجات المتخاصمين والمتعاركين، تسامحوا، وتصافحوا، واعلموا أن الله يمن عليكم بنعم مستترة، ولا يشعر أحد بقيمتها إلا عندما يفقدها، واننى نادم وحزين على كل لحظة أغضبت فيها زوجتى أو أسأت إليها، وأسأل الله أن يغفر لها ويسامحها، وأن يسامحنى ويعيننى على الصبر على فراقها، ويتلطف بأولادى المنكسرين منذ رحيل أمهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ولكاتب هذه الرسالة أقول:

ليتنا نتأمل جيدا قول الحق تبارك وتعالى فى سورة الروم «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة، إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون»، فلقد أعطى الله للذكر خصائص جسمية ونفسية وعقلية واجتماعية، واعطى للأنثى الخصائص نفسها، ولكن فى صورة أخرى لتصبح خصائصهما متكاملة، فيسكن كل طرف للآخر، ويكمل به نقصه،.. نعم يا سيدى فلقد صمم المولى سبحانه وتعالى الحياة الزوجية على المودة والرحمة، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا الخصام والمنازعات والشقاق والبغضاء وأحيانا القطيعة التى قد تدوم عدة أشهر فى كثير من البيوت؟.. ثم تأمل معى المودة والرحمة التى يجب ان تدوم عليها حياة كل زوجين، فالمودة سلوك يجسد المشاعر الداخلية للمرء من خلال الابتسامة والكلمة الطيبة والصبر والتحمل، والرحمة بأن يقدر الزوج قيمة زوجته، وهى ايضا تعطيه قدره.. فالانسان قد يعانى فى حياته الكثير من المشاق، ولكن ينسيه متاعبه انه عندما يعود الى بيته يجد السكينة والتعاون والمشاركة الوجدانية من زوجته، ولذلك فإن بيوت العقلاء الصادقين تبدو كالجنة حتى لو أنها صغيرة ومتواضعة، ولكنهم آمنوا بربهم فزادهم يقينا بأنهم أفضل من غيرهم، وهكذا فإن المودة والرحمة، تمثلان سر السعادة الزوجية، اذ ان الرحمة شعور أساسه العطف، وينبغى الا يغالى الزوج فيما ينتظره من شريكة حياته، ولا تغالى الزوجة فيما تنتظره من شريك حياتها، فالأمر مشترك بينهما، ويجب أن يتغاضى كل منهما عن سلبيات الآخر حتى تسير الحياة فى هدوء إلى النهاية.

وأحسب أن اعترافك بفضل زوجتك الراحلة هو الدرس العظيم الذى من الضرورى ان يعيه كل منا فلا يبخس زوجته حقها، وان يسعى دائما الى رأب الصدع الذى قد يصيب حياتهما، وأسأل الله أن يتغمد زوجتك بالرحمة، وأن يلهمك وابناءك الصبر، ولا تنس ما اعد الله للصابرين، والحمد لله رب العالمين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أم البنات
مشرفة
مشرفة
أم البنات

انثى
عدد الرسائل : 9513
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 210
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 Unknow10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 8010
نقاط : 19672
ترشيحات : 44
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 333310

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 I_icon_minitime11/3/2016, 10:30

بريد الجمعة يكتبه: أحمد البرى
أســيرة الأحــلام !

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 2016-635932385499457252-945

مررت فى حياتى بمحطات كثيرة، وعشت أحداثا مأساوية، وذقت مرارة التفرقة بين الأشقاء، وتعاسة الحياة الزوجية التى تخلو من الرحمة والمودة، ولكنى أيضا عرفت طعم الحب ولم تفارقنى الأحلام بكل ما هو جميل، ولم أعبأ أبدا بما واجهته من صعوبات وآلام، فأنا سيدة فى سن الخامسة والسبعين،
نشأت فى أسرة متوسطة، تنتمى إلى أصول تركية، وكان أبى يشغل منصبا مهما فى إحدى الوزارات، وتدرج حتى وصل إلى درجة وكيل وزارة، وتولت أمى رعاية الأولاد، بجانب عملها فى التمثيل لأداء بعض الأدوار المساعدة والأعمال الفنية، ولى ثلاثة أشقاء، وعند ولادتى جذبتنى «الداية» من إحدى ذراعىّ، فحدث بها كسر، وكبرت شيئا فشيئا وأنا أعانى متاعب شديدة فى هذه الذراع، واهتم أبى بحالي، وعرضنى على الكثيرين من الأطباء وخضعت لجلسات كهرباء، وتحسنت حالتى بمرور الوقت، ولا أدرى لماذا اتخذت أمى منى موقفا معاديا، فقد كانت دائمة الاعتداء عليّ، وتجبرنى على حمل المياه على رأسى حتى تعبت وساءت حالة السمع فى إحدى أذنىّ، ولما وصلت إلى المرحلة الاعدادية فوجئت بها تجبرنى على الجلوس فى المنزل، وعدم استكمال الدراسة لخدمة أشقائي، ولم يفلح أبى فى إثنائها عن موقفها، وخرجت من المدرسة حزينة منكسرة أبكى بمرارة، وأتحسر على حالي، وأنا أرى زميلاتى يواصلن تعليمهن، بينما أنا مغلوبة على أمري، ولا حول لى ولا قوة، ومع ذلك ظل لدىّ يقين بأننى سوف أحقق ما أريد، ولن تقف أمى حائلا بينى وبين أحلامي، ولجأت إلى القراءة والاستمتاع بالشعر، بل ونظمت بعضه، وصار لى مرجعا أطالعه كلما ضاقت بى السبل، وأنا فى تلك السن الصغيرة.

وعرفت الحب عندما تقدم لى شاب جامعى من المنطقة التى نقطن بها، ووجدت فيه فتى أحلامي، لكن أمى رفضت زواجى تماما، وقالت لأبى إنها تريدنى فى المنزل لخدمة إخوتي، ولم يفلح فى إقناعها بتزويجى لهذا الشاب الذى لا يعيبه شيء، ولم يشفع بكائى من سوء معاملتها لي، وسألت نفسى كثيرا لماذا تفعل بى ما تفعله؟.. ولم أجد إجابة سوى أنها تضمر لى الكراهية وتقسو عليّ منذ ولادتي، وتسببت فى متاعب نفسية وجسدية لى عديدة، ثم تبين فيما بعد أنها كانت تريد تزويجى من شخص بعينه ربما تعرفه بحكم عملها فى التمثيل بالتليفزيون، وكان يعمل رئيسا للصرافين فى ماسبيرو، وتزوجته، وحاولت أن أتأقلم معه، وأنسى جحيم أمى لكنه اختلس أموالا من التليفزيون، وتم تحويله إلى المحاكمة، وانزعج أبى بشدة من هذه الزيجة، وعلا صوته الممتلئ بالغضب على أمى وأصر على تطليقى منه، وانفصلنا بعد عام من الزواج.

وعدت إلى منزل أسرتى أجر أذيال الخيبة، هكذا كانت حالى لمن يراها، ولأننى لا أعرف سبيلا إلى اليأس، فقد ظل الحلم يراودنى بأن القادم سيكون أفضل من الماضي، واننى مادمت حسنة الظن بالله، فإن الله سوف يعوضنى عما أعانيه بلا ذنب ولا جريرة، وبعد أربعة أشهر فقط جاءنى أستاذ شهير بالجامعة يكبرنى بثمانية عشر عاما طالبا الارتباط بي، وقال لأبى إنه طلق زوجته ثلاث مرات، ولم يعد ممكنا أن يعيدها إلى عصمته من جديد، واستنفد معها الحلول الودية لإصلاح الأمور بينهما، ولديه منها ثلاثة أبناء «ولدين وبنت». وأثنى على أخلاقى من خلال ما عرفه عنى من الآخرين، وقدم لوالدى شهادة تثبت أنه من «الأشراف»، مؤكدا أنه يريد أن يحيا فى هدوء واستقرار، وظننته كذلك، فبعد موافقة أبى عليه تزوجنا ولم اتوقف عند فارق السن الكبير، واحتويت أبناءه، وكنت لهم أما، ولم يمض وقت طويل حتى وجدته سيئ الطباع، ليس معى فقط ولكن مع الآخرين أيضا، كما أنه شديد العصبية، ويتعامل بغلظة مع من حوله أيا كانت مواقعهم ومدى قربهم منه، أو بعدهم عنه، ولذلك فقد الكثير من المزايا التى تعود دائما على الهادئين المستقرين، ومنها أنه كان مرشحا لعمادة الكلية التى يعمل بها، لكن إدارة الجامعة أسندت المنصب إلى أستاذ آخر ليس أكثر منه علما، ولكنه أهدأ منه طباعا وسلوكا، ولم يتحمل أن يجد غيره فى هذا المنصب، فسافر إلى السعودية، وأنا معه وأولاده الثلاثة، وفوجئت به يستأجر لنا حجرة واحدة بحمام، فصرخت فيه كيف نعيش فى هذا المكان لكنه لم يأبه لكلامي، ولم أجد بدا من أن أعمل مع إحدى الأميرات، وكنت أعطى دروسا لأولادها الصغار وأعلمهم القراءة والكتابة، وأؤدى لها بعض الأشغال الخاصة مثل «الحياكة»، ونلت ثقتها وحبها خلال فترة وجيزة، وحدثتها فى أمر زوجي، فأبدت استعدادها بأن تستضيفنى وأعيش معها، لكنى لم أوافق بالطبع، وكنت أوازن بين عملى معها، وبيتي، وأبناء زوجي، وابنتى الأولى التى رزقنا الله بها.

ودعوت الله كثيرا أن يهديه، فلقد كنا فى وضع أفضل كثيرا ممن جاءوا إلى هذا البلد سعيا إلى لقمة العيش، لكن هيهات لمثله أن يتغير، وأمام «المشكلات اليومية» التى يتسبب فيها، ألغوا إعارته بعد عام واحد، وعدنا إلى مصر، وكعادتي، قلت فى نفسي، لعل ما حدث لنا هو الخير، وبعدها بشهور جاءه عرض من الجزائر للإشراف على رسائل الدكتوراه فى تخصصه فسافر وحده وتركني، وخلال تلك الفترة أنجبت ولدا وبنتين. ليصبح لى منه أربعة أبناء، وظل يتردد علينا فى الإجازات، وقد أخذنا معه عدة شهور، وسرعان ما عدنا إلى مصر عندما طلبته جامعة «السوربون» فى فرنسا لإلقاء محاضرات على طلبتها فى تخصصه، وترجمت مؤلفاته إلى الفرنسية، وذاع صيته، وكرمه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ولما استقرت بنا الحال أنا وأولادى وأولاده فى القاهرة، اشتريت بمدخراتي، وببعض ما كان يرسله إلينا من أموال شقة فى أحد أحياء العاصمة، وعشنا فيها، وظلت الأوضاع على هذه الحال حتى عام ألف وتسعمائة وأربعة وثمانين، وكان وقتها مازال فى الجزائر، وأخذ معه ابنه الأكبر من زوجته الأولي، لكى يبحث له عن عمل هناك، وذات يوم من ذلك العام كانت فى إنتظارى فاجعة لم تكن فى الحسبان إذ اتصل بى مسئول فى السفارة المصرية بالجزائر، وأبلغنى أن زوجى وابنه ماتا فى شقتهما مختنقين بالغاز، فلقد كانت الأمطار شديدة والجو متقلبا، وقد انطفأت شعلة الغاز دون أن يدرى أى منهما، وناما ورحلا عن الحياة وحيدين، وتم اكتشاف الحادث فى اليوم التالي، وكان الخبر مفجعا ومؤلما، وانتابت أولادنا حالة من الهياج والهلع وتلفت حولى فلم أجد أحدا بجانبي.. لا من أهلي، ولا من أهله، بعد أن مات من مات، وتخلى عنا من تخلي، وحاولت أن أتماسك، وأن أجد حلا لدفن الجثتين، إذ لم يكن لزوجى مدفن فى القاهرة فاستعنت بما كان معى من مال فى شراء مدفن لجثتى زوجى وابنه، ومهما وصفت لك مشهد الوداع منذ استقبالنا الجثمانين فى المطار وحتى المقابر، فلن استطيع إنه شيء قاس ومؤلم، أن تعيش زوجة هذه اللحظات الرهيبة، فلقد ارتجفت من هول الموقف، أما الأولاد، فمنهم من أغمى عليه، ومن أخذه الجيران، وكانت الوحيدة التى لم تع من الأمر شيئا هى ابنتى الصغرى التى ولدت أثناء وجوده بالخارج، ولا تتذكر شيئا من ملامحه. فأبنائى الأربعة الذين تركهم لى زوجى وقتها كانت الأولى فى الصف الثالث الاعدادى والثانية فى أولى إعدادي، والولد الوحيد كان صغيرا، والأخيرة التى لم تر أباها، وكرست حياتى من أجلهم، وسهرت على راحتهم، وظللت لهم الأب والأم معا، وكذلك الحال بالنسبة لابنىّ زوجي، بعد رحيل شقيقهم رحمه الله.

ثم كانت المفاجأة الكبرى التى لم أتوقعها، ولم تخطر ببالى أبدا، فذات يوم كنت فى طريقى إلى أحد محلات «السوبر ماركت» فنادى علىّ شخص كان يقف بالقرب من منزلنا، واستغربت أن ينادينى أحد باسمي، فالتفت إليه فإذا به فتاى الأول الذى رفضته أمي، وقال لى إنه يتابع أخباري، ويعلم كل شيء عني، وإنه فجع لما تعرضت له من متاعب وآلام، ورجائى أن يكتمل حلمنا القديم بالزواج، فقلت له: صحيح اننى أحلم دائما بأن القادم أفضل، لكن خيالى لم يصل إلى هذه الدرجة من الأحلام، فلقد تزوجت مرتين وصار لدى أربعة أبناء إلى جانب ابنى زوجى الراحل، وكلهم يحتاجون إلى الرعاية والاهتمام، كما أن له زوجة وأولادا وهم فى حاجة إليه أيضا، فقال لى إن كل شيء سيكون على مايرام لو أننا أحسنا التفكير، وبعد إلحاح شديد عرضت الأمر على أبنائي، فلم يمانعوا، واتفقنا على أن نكون معا يوميا بعد انتهاء عمله، وللفترة التى يراها، ويذهب إلى بيته وأولاده، وأعود أنا الأخرى إلى بيتى وأولادي، وتزوجنا، ولم تحدث بيننا خلافات، بل إن أبنائى أحبوه، وتمنوا لو أنه يعيش معنا، ومضت السنوات تباعا، ورحل هو الآخر عن الحياة، وتبدد حلم جديد من أحلامي.

وكبر الأبناء، وتخرجوا جميعا فى كلياتهم، واستقل ابنا زوجى الراحل الأستاذ الجامعى بحياتهما، وتزوجت ابنتى الكبرى من شاب فاضل، وتعيش حياة مستقرة مع أسرتها وزوجها، وأصبح البيت يضمنى مع ابنى وابنتيّ الآخرين، وحصل ابنى على بكالوريوس التجارة، وتنقل بين العديد من الأعمال الخاصة التى لا تستمر على حال، فلا يلبث أن يلتحق بعمل حتى تتم تصفيته، فينتقل إلى آخر برغم أنه حاصل على العديد من الدورات التدريبية فى مجال تخصصه ولديه العديد من شهادات الخبرة، وبالطبع لم يفكر حتى الآن فى الزواج، إذ كيف سيفتح بيتا وهو غير مستقر فى عمل، وماذا سيقول لمن يتقدم إليها، وأحاول دائما أن أهدئ روعه، وأكون بجانبه، وهو دمث الخلق، شديد التواضع، ويحلم بالاستقرار ولكنه لايجد شعاع ضوء ينفذ منه إلى الهدف الذى يريده، أما ابنتاى فإحداهما مهندسة ديكور، وتعمل فى القطاع الخاص، والأخرى حاصلة على بكالوريوس حاسب آلي، وهما على قدر من الجمال، ومن أسرة طيبة، إلا اننا منغلقون على أنفسنا، ولذلك ليس هناك مجال للتعارف مع الآخرين، عسى أن يكون بينهم من يكون زوجا مناسبا لكل منهما.

وبرغم أن العمر مضى فإننى على يقين بأن القادم أحلى مما كان، فأنا «أسيرة الأحلام» وأحاول دائما أن اتطلع إلى الأمام، ولا التفت إلى ما فات، والقادم الذى أنتظره هو أن يستقر ابنى فى عمل مناسب وتصبح له زوجة وأولاد، وأنا أجد ابنتيّ، وقد أسستا أسرتين صغيرتين سعيدتين، فليس أقسى على الأم من أن ترى ابنها بلا عمل، وابنتيها بلا سند فى الحياة، مع انه يكتمل فيهم الدين والجمال والأخلاق والتعليم المناسب.. نعم هذا هو القادم الذى انتظره، وسوف تكتمل به دائرة الأحلام التى ظللت أسيرة لها منذ نعومة أظافرى وحتى الآن، فهل ترانى مغالية فى أحلامى وآمالي؟

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

لو تأمل كل منا ما مر به من محطات وعثرات ونجاحات فى حياته، لأدرك أن الله يدبر له دائما ما فيه مصلحته، إذ يقول تعالى «وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا، وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون»، وليست أحلامك الدائمة، حتى إنك أطلقت على نفسك «أسيرة الأحلام»، سوى نوع من السعادة التى وهبها الله لك، لكى تتآلفى مع تقلبات الحياة، فكنت كلما واجهتك مشكلة تتجاوزينها بالتجاهل، واستشراف ما بعدها، ولم تتوقفى عند هذا أو ذاك برغم ما قاسيته من أمك ثم زوجك، أى من أقرب الناس إليك، وظل لسان حالك يقول:

وما أبالى إذا نفسى تطاوعني

على النجاة بمن قد عاش أو هلكا

وأدركت بتلقائية عجيبة أن المحاب كثيرة فى المكاره، وأن المصائب تسفر عن عجائب ورغائب لا يدركها العبد إلا بعد تكشفها وانجلائها، وهى التى تصفينها بالأحلام، وكنت بخلاف الكثيرين واحدة من ذوى النفوس المطمئنة بعيدا عن الذين لا يرون إلا الهم والغم، ولا يدركون فضل الله عليهم.

لعمرك ما يدرى الفتى كيف يتقي

نوائب الدهر أم كيف يحذر؟

يرى الشيء مما يُتقى فيخافه

وما لا يرى مما يقى الله أكبر

ولقد بدأت مشوارك مع الأحلام بصدمة عاطفية تسببت فيها أمك بحرمانك من الفتى الأول فى حياتك، وربما كانت مبرراتها لرفضه وقتها مادية، بدليل أن من ارتبطت به بعدها كان صرافا فى الإذاعة والتليفزيون، أى ربما تكون قد عرفته من خلال عملها فى التمثيل، الذى كانت تمتهنه فى بعض الأدوار الثانوية، والحقيقة أن تجربتك مع هذه الصدمة هى التى أهلتك لتحمل الصعاب المتتالية، مع زوجك الأول الذى لم يستمر زواجك منه سوى عام، ثم مع الأستاذ الجامعى «والد أبنائك»، وأعتقد أن حياتك معه كانت مرشحة لمزيد من النجاح لولا غلظته التى جرت عليه المتاعب فى كل مكان يذهب إليه، فهناك نوع من البشر لا يعرفون اللين ولا الرفق فى التعامل، وبرغم أنه كان أستاذا فى جامعة الأزهر لكنه لم يتعلم من قوله تعالى «ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك»، فكلما كان المرء حليما ودودا، يقترب منه الناس ويأنس به الأهل والأصحاب، أما اذا اتصف بطباع سيئة، فإنه يكون أول المضارين بانصراف الناس من حوله، وعدم رغبتهم فى الوجود بمكان يجلس فيه.

وبرغم كل ما صدر منه لم يعرف اليأس طريقه إليك، فروضته على طباعك، ومضت بكما الحياة مستقرة، إلى أن وقع له الحادث المفجع هو وابنه رحمهما الله، فكان اختبارا جديدا من الله لصلابتك وقوتك، وقد نجحت فيه باحتوائك ابنى زوجك الراحل، وأبناءك الأربعة، وأغلقت بابك على نفسك، ولم تبال ببعد الأهل الذين أستنكر تصرفهم الغريب، فمعادن الناس لا تعرف إلا وقت الشدة، وقد يجد الإنسان نفسه فى أى لحظة فى مواقف تتطلب من الآخرين أن يؤازروه، ولو أدرك كل واحد ذلك لما تردد عن مد يد العون لكل محتاج، وربما لا يكون هذا العون ماديا، وإنما يكون عونا معنويا بكلمة طيبة تشعر صاحب الحاجة أو من أصابته مصيبة أن هناك من يشعر به، ويقف بجانبه، فتطمئن نفسه، ويحس أن الدنيا مازالت بخير، فيتعافى من الآلام النفسية التى يعيشها.

نعم يا سيدتى لم تبال بكل ذلك بعد أن أدركت أن الأصل فى الحياة هى المتاعب، وأن السرور فيها أمر طارئ والفرح نادر، ولذلك أنعم الله عليك بأن أهداك فتاك الأول من جديد، فكان سكنا لك، وزادت طمأنينتك بحب أولادك له، فعشت سنوات موفقة فى كنف الرجل الذى كان المرشح الأول للزواج بك وأنتما فى مقتبل العمر.

ومثل هذه المحطات الرائعة، لا تتحقق للكثيرين، ولكن الله وهبها لك ليقينك بالله، وحسن ظنك به، إذ كان لسان حالك دائما ينطلق من الحديث القدسى عن رب العزة «أنا عند ظن عبدى بي، فليظن بى ما شاء»، وهذا هو الدرس الأكبر الذى يغيب عن الكثيرين، فالجميع يبحثون عن السعادة والاطمئنان، ولكن قليلين هم من اهتدوا إليها، ولقد فتحت رسالتك أمام الجميع أبوابا متعددة لتحقيقها، ومنها أن من لا يجعل الله نصب عينيه، تصبح الفوائد عنده خسائر، والأفراح أحزانا، وأن أسهل الطرق لتحقيق السعادة هى أن نفعل ما أمرنا الله به حيث يقول عز وجل «ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به، لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا»، وأن من يعرض عن الطريق الصحيح لن ينال السعادة، ولن يحسن صنعا، وأذكر أن مسئولا كبيرا فى أحد العصور كان قد عاش حياته لهوا ولعبا، فأصابه الغم والحزن ولم يجد مخرجا ولا سبيلا مما وجد نفسه فيه فصرخ قائلا:

ألا موت يباع فأشتريه

فهذا العيش ما لا خير فيه

إذا أبصرت قبرا من بعيد

وددت لو أنى مما يليه

ألا رحم المهمين نفس حر

تصدق بالوفاة على أخيه؟

كل ذلك تداركته بفطرتك السليمة النقية، ومن كان هذا ديدنها لا تشقى أبدا، وأحسب أن ابنتيك بنفس صفاتك، وسوف يأتيهما نصيبهما العادل من الحياة حين يأذن الله لهما بزوجين مناسبين يدركان قيمتهما، ويبنيان معا أسرتين سعيدتين، وإننى أقدر حلمك لهما بالاستقرار، ولابنك بأن يجد عملا مناسبا، ويؤسس هو أيضا أسرة صغيرة، لكى تشعرى بأنك أديت الأمانة الموكلة إليك خير قيام، وأدرك أن الله لن يخذلك، وستجدين القادم أحلى وأروع مما فات، ويكفيك شعارك الدائم بالأمل فى الحياة وعدم اليأس من الأزمات والصعاب، فأنت أميرة الأحلام، ولست أسيرة الأحلام، فالأحلام ليست أسرا، وإنما هى عالم جديد يتطلع إليه المرء، وكله يقين بالله.. أسأل الله لك راحة البال، ولأبنائك التوفيق والسداد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أم البنات
مشرفة
مشرفة
أم البنات

انثى
عدد الرسائل : 9513
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 210
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 Unknow10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 8010
نقاط : 19672
ترشيحات : 44
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 333310

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 I_icon_minitime11/3/2016, 10:31

الصدمات المتتابعة

أنا شاب فى التاسعة والثلاثين من عمرى نشأت
فى أسرة متوسطة تراعى ربها وتعرف الحق والفضيلة ومكارم الأخلاق فى كل خطوة تخطوها‏,‏ وتخرجت فى كليتى بتقدير كبير أهلنى للعمل فى وظيفة مرموقة‏,‏ وأصبحت أقضى وقتى ليلا ونهارا فى عملي‏,‏ وحتى بعد عودتى إلى منزلى كنت أواصل العمل فى دأب وعزيمة، وبالرغم من كلمات الإشادة والثناء التى اسمعها من رؤسائي‏,‏ فإننى مازلت قابعا فى مكاني‏,‏ أما المناصب وفرص الترقى فلها أناس غيرى يتمتعون بمقومات لا أملكها‏‏ ولا أقبلها، فأنا الذى لم أعرف أبدا غير طريق الاستقامة، من المستحيل أن أنتهج طريقا غيره، ومرت الأيام، وكلى إصرار على مواصلة المشوار إلى النهاية مهما بلغت بى المتاعب‏,‏ واشتدت علىّ الأعاصير، ثم تعرضت لصدمات متتابعة وقاسية كادت تذهب ببقية عقلي‏,‏ وتقضى على اتزاني‏,‏ وإرادتى ومبادئ الأخلاق التى تربيت عليها‏، وأولى هذه الصدمات، وأكبرها أننى فقدت الفتاة التى عشت حياتى كلها أحلم بها، لأننى لا أملك المال اللازم لمستلزمات الزواج بعد أن أنفقت المبلغ الذى ادخرته لهذا الغرض فى العلاج‏,‏ إذ أجريت لى جراحة كبرى كلفتنى كل ما لدي‏,‏ وأصبحت فى حاجة إلى مصاريف علاج كثيرة‏,‏ وأصيبت والدتى العجوز بأمراض عديدة، وصارت فى حاجة إلى علاج شهرى يعجز مرتبى من وظيفتى الحكومية عن الوفاء به، وما أثارنى حقا وأهاج مشاعري‏,‏ ودفعنى إلى الكتابة إليك هو أننى فى خضم هذه الأزمات التى عصفت بي‏,‏ وحالة الضياع التى اعيشها كلفت بمهمة فى أماكن متعددة‏,‏ كل مكان منها يملكه واحد من كبار رجال الأعمال‏,‏ وقد ذهبت لأداء ما تم تكليفى به وأنا مضطرب التفكير لاأعرف كيف سأدير مصاريف العلاج لأمى والدواء اللازم لي‏,‏ ولا كيف سأعيش ما تبقى من عمرى بلا زوجة ولا بيت ولا استقرار مثل باقى الناس‏,‏ بل وكيف سأرد المبالغ التى استدنتها من الزملاء والأصحاب على فترات وكنت كلما حان وقت السداد أشعر باختناق شديد‏,‏ وأذهب إلى من استدنت منه وأطلب منه تأجيل موعد السداد، ولكن الحال لم تتغير‏!
لقد تتابعت هذه المشاهد الحزينة أمام عينىّ، وأنا جالس أمام من ذهبت إليهم لأداء مهمتي، وهم يتحدثون بلغة الملايين وينتظرون منى اشارة واحدة تصريحا أو تلميحا أنا الذى لا أملك إلا مبلغا أقل من عشرة جنيهات واشتراك المترو‏..‏ ولقد سمعت من كل منهم ـ برغم أنهم لا يعرفون بعضهم بعضا‏,‏ ولم يكونوا فى مكان واحد‏,‏ نفس الكلمات تقريبا‏,‏ ومضمونها انهم على استعداد لكل شيء أطلبه منهم‏,‏ طبعا خارج نطاق العمل‏,‏ مقابل أن أساعدهم فى تخليص الموضوع على حد قولهم‏,‏ بل وطلب أحدهم رقم تليفونى المحمول لمعاودة الاتصال بي‏,‏ وخرجت من عند هؤلاء الناس‏,‏ بعد أن أديت عملى بشكل طبيعى ورسمى وقانوني‏,‏ كما أفعل دائما‏، لكن هذه المهمة اختلفت كثيرا عن سابقاتها فلقد شعرت بأن مقاومتى قد ضعفت بل وانهارت‏,‏ وأننى ما رفضت مساوماتهم هذه المرة إلا بآخر أنفاس الفضيلة والمبادئ والأخلاق التى نشأت عليها وعشت بها‏,‏ وأن المرة القادمة لن تكون هناك مقاومة تذكر‏,‏ إذ كيف يقاوم إنسان ضائع فقد كل شيء‏..‏ فقد حلمه وحبه‏,‏ واكتشف أنه لا مكان للسذج الحالمين فى هذا العالم وأن القيم والمبادئ التى تربى عليها لا تصلح لهذا الزمان‏..‏ زمان الأقوياء بنفوذهم أو بنقودهم،‏ والاثنان مرتبطان فكل منهما يؤدى إلى الآخر‏.‏
إننى لم أعد قادرا على التفكير‏,‏ ولا أعرف كيف أتصرف، فالمال هو الذى يعطى الإنسان القوة والقدرة على التصرف‏,‏ ولا يجعله فى موقف ضعف أمام من يملك المال فيأخذ منه حلمه وحبه بل وكرامته‏..‏ فهل أنا مخطئ فى تصوري؟، وبماذا تنصحني؟

< ولكاتب هذه الرسالة أقول:



من يتمتع بهذا الصدق، وهذه الشفافية يصعب أن ينزلق إلى هاوية الانحراف والرشوة‏,‏ فبرغم المتاعب التى واجهتها على مدى سنوات طويلة مازلت كما أنت لم تتغير‏,‏ ولم توهن المحن عزيمتك‏,‏ وقدرتك على الصبر‏,‏ ومواصلة المشوار‏,‏ ولذلك فإن ثقتى كبيرة فى أنك سوف تواصل رسالتك الى النهاية بنفس الاستقامة والشموخ والكبرياء‏.‏
أما عن فتاتك التى فسخت خطبتها لك لأنها لم تجد لديك المال الذى يغريها بالزواج منك‏،‏ وهو ماسميته بـ”الصدمة الكبرى” فهى ليست جديرة بحبك لها‏,‏ بل ولا تستحق أن تشغل هذا الحيز فى تفكيرك‏,‏ فالزواج القائم على أسس مادية بحتة يكون مصيره الفشل والندم‏,‏ إذ كان ينبغى عليها أن تدرك أن المال زائل وانه لا شيء فى هذه الدنيا يفوق الحب والاخلاص‏,‏ فاحمد ربك أن نجاك من ورطة العمر، وكشف لك طريقة تفكير فتاتك قبل فوات الأوان‏!‏
وأما عن العمل الإضافى الذى تسعى إليه‏,‏ فهو عمل مشروع بشرط ألا يتعارض مع متطلبات وظيفتك الحساسة،‏ حتى لاتكون موضع شبهات وأقاويل وبالطبع مساءلة قانونية‏,‏ تجر عليك مشكلات كثيرة‏. وليعلم الجميع أن السعادة ليست فى المال، وانما يوفرها الرضا بما قسم الله، والسعى إلى مزيد من الرزق والخير وإقامة علاقات طيبة مع الآخرين، والله المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أم البنات
مشرفة
مشرفة
أم البنات

انثى
عدد الرسائل : 9513
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 210
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 Unknow10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 8010
نقاط : 19672
ترشيحات : 44
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 333310

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 I_icon_minitime25/3/2016, 15:27

بريد الجمعة يكتبه : أحمد البرى
هاربة إلى المجهول !


بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 2016-635944543697339494-733

لم أتصور أن يأتى يوم أعانى فيه هذه الحيرة التى أعيشها الآن، فلقد كنت دائما قوية لا أبالى بأى عواقب، وأفعل ما أقتنع به،
ولا يثنينى شيء عن اتخاذ القرارات التى أرى فيها مصلحتي، فأنا سيدة فى سن الثانية والأربعين، نشأت فى أسرة متوسطة بإحدى محافظات الصعيد، ولى عدد من الأشقاء، والتحقت بالمدرسة وتفوقت فى دراستي، وحينما كنت فى الثانوية العامة ربطتنى قصة حب مع شاب يكبرنى بسبعة عشر عاما، ويدين بديانة غير التى أدين بها، وتعلقت به كثيرا ولم يكن هناك حل لزواجنا سوى أن أغيّر ديانتى لكى أتزوجه بعيدا عن أسرتي، والتحقت بالجامعة، وأصبحنا نلتقى كثيرا، وتحدثنا فى أمرنا، وقال لى إنه عرض على أهله رغبته فى الارتباط بي، فلم يمانعوا، وقد جهّز شقة كبيرة فى بيت العائلة، سوف نعيش فيها، وهو محام لم يسبق له الارتباط، وظلت المسألة معلقة بيننا، عدة شهور، وحسمت أمرى فى النهاية بتغيير ديانتى وأعلنت إسلامى رسميا، وأبلغت الشرطة أهلى بذلك، وفى اليوم نفسه عقدت قرانى على حبيبي، بنفس القرية التى نقطن بها جميعا، وأقمنا شهر العسل فى القاهرة، وأقبلت على حياتى معه بكل حب وسعادة، فكنت أذهب إلى الجامعة وأحضر المحاضرات، ثم أعود إلى البيت فأعد الطعام، وأنتظره إلى أن يأتى من المحكمة أو المكتب، ونتناول الغداء معا، ثم نستريح بعض الوقت، وبعدها أستذكر دروسي، ويعود هو إلى مكتبه حيث يدرس القضايا، ويلتقى موكليه، والحق اننى وجدته كما تخيلته، شابا طيبا، ويحبنى حبا جما، وأنا كذلك كان قلبى ملكا له، ولم يدخله أحد غيره، والأجمل أن أهله أحبوني، ووجدتنى واحدة منهم، ولم يخطر أهلى ببالى برغم أنه لا تفصلنا عنهم سوى عدة أمتار، وبالطبع وقع خبر زواجى وتغيير ديانتى عليهم كالصاعقة، فقطعوا صلتهم بي، واعتبرونى ميتة، لكن أحد أعمامى فكرّ فى قتلي، وكنا وقتها فى شهر رمضان المبارك، إذ استغل خلو الشوارع من المارة ساعة الغروب، وترقب عودتى من الجامعة وصدمنى بسيارته، لكن الله سلم، وأصبت فقط ببعض الكسور، وخضعت للعلاج، وكتب الله لى الشفاء سريعا، وتكرر أخذ تعهد عليهم بعدم التعرض لي، أو محاولة إلحاق الأذى بي.

وهدأت الأمور تماما، وأنا سعيدة بزوجي، وحملت فى ابنتى الكبري، ووضعتها طفلة جميلة وفرحنا بها كثيرا، ثم أنجبت بعدها بحوالى عامين ولدا ثم بعد أربع سنوات ولدا آخر، وصار لدينا ولدان وبنت هم قرة أعيننا، ولكن يبدو أن «دوام الحال من المحال» كما يقولون، فبرغم طيبة قلب زوجى فإنه كان شديد العصبية، ويثور لأتفه الأسباب ثم لا يلبث أن يعتذر لي، وينخرط فى البكاء، ويقول لي: «إنه لا يدرى سببا لانفعاله خصوصا وأن ما يطلبه دائما أمر بسيط، مثل أنه يريد أن أصنع له كوبا من الشاي، أو فنجانا من القهوة، إلى غير ذلك من الأمور التى لا تستحق «الزعيق» و«النرفزة»، فأهدىء من روعه، وأربت على كتفيه، وأرجوه أن يكون هادئا كما عرفته، وللأسف لا تمضى أيام حتى يعود إلى ثورته، فى ظل الضغط المتواصل من موكليه والقضايا التى ينتظر المرافعة فيها أمام المحاكم، ونتيجة غضبه المتكرر عرف الطريق إلى التلفظ بالطلاق فى كل أمر لا يعجبه، وقال لى «أنت طالق».. ورددها مرتين فى موقفين متتاليين، فارتميت عليه وقلت له: «بلاش كلمة الطلاق» فإنهار باكيا، ووعدنى أنه لن يعود إلى هذا القسم أبدا، ثم جاءت أقسى لحظة عشتها فى حياتى عندما نطق بالطلاق للمرة الثالثة، ولجأنا إلى دار الافتاء، وشيوخ الأزهر الشريف، ولم يكن هناك حل سوى الانفصال بعد الطلاق البائن، وأصبحت لا أحل له إلا بعد أن أتزوج غيره، فإن طلقنى الثانى أعود إليه، وهذا بالطبع حل مستحيل لأن المحلل حرام، ولابد أن يكون الزواج طبيعيا، والطلاق طبيعيا، وليس الزواج بنية الطلاق.

ولم أدر بنفسى فسقطت على الأرض مغشيا عليّ، وبعد أن أفقت وجدتنى بلا سند ولا معين، ولم يعد يحل لى أن أعيش فى شقة الزوجية، فإجتمع أهل زوجي، وقرروا أن يحصلوا لى على سكن آخر، أرعى فيه أولادي، وأكون بعيدة عن مطلقي، وبالفعل انتقلت إلى شقة فى مكان قريب من بيته، وعملت مدرسة بالتربية والتعليم وظللت على هذه الحال أربع سنوات، ولم يتزوج مطلقي، وصار العمل كل حياته، ولم ينقطع اتصالنا يوما واحدا، إذ كان يطمئن يوميا عليّ وعلى الأولاد، وقد أشفقت عليه، وعلينا من الحال المتردية التى وصلنا إليها، ولكن ليس بيدى حيلة لاصلاح ما لا يمكن إصلاحه، وفكرت فى السفر إلى الخارج، لكى اؤمن مستقبل أولادي، فعمل زوجى الحر فى المحاماة لايكفل دخلا ثابتا للأسرة، وفى الوقت نفسه فإن المصاريف الكثيرة والمتطلبات اليومية فوق طاقتي، وتابعت إعلانات الوظائف فى الدول العربية، وجاءتنى فرصة سفر إلى السعودية للعمل مدرسة ولا تتطلب هذه الوظيفة وجود «محرم»، حيث أنها وظيفة داخلية تحت إشراف الجهة المنوط بها التوظيف، وغادرت مصر وسط دموع أولادي، وحزن مطلقى وقلبى الموجوع، وبدأت مرحلة جديدة من حياتي، ووضعت كل همى فى العمل ليل نهار، وكنت أعود فى الاجازات حاملة الهدايا الكثيرة لأولادى ووالدهم، إلى جانب المصروفات الشهرية التى كانت تصلهم بانتظام أول كل شهر، وتعرفت هناك على زميلات لى من مصر، وعرفت إحداهن حكايتى بالتفصيل، وأشفقت عليّ كثيرا، ونصحتنى بالزواج من باب أنه لا يعقل أن أظل بلا زواج وأنا فى هذه السن الصغيرة، وفى اتصال مع أولادي، تحدثت مع مطلقى فيما ما قالته لى زميلتي، فشجعنى على الزواج مادامت عودتنا إلى عش الزوجية مستحيلة، وبعدها تعرفت على محام من إحدى محافظات وسط الدلتا، تصورت انه على خلق ودين من مظهره العام، وكان خطيبا فى المساجد فى الوقت نفسه، وقال لى أنه مطلق ولديه أولاد يعيشون مع أمهم، وقد انفصل عنها لأنها كثيرة الشجار. وأنه يتمنى أن يحيا معى حياة خالية من المنغصات، وصادف كلامه هوى فى نفسى وأنا التى أتطلع إلى الهدوء وراحة البال منذ صغري، فوافقت على الارتباط به، ووثقنا زواجنا فى القنصلية المصرية، وانتقلت إلى شقته وفوجئت به منذ اليوم الأول يرفض أن أرسل مليما واحدا لأولادي، ويقول: «أبوهم اللى يصرف عليهم» فلم استجب له، ومع الأيام استشاط غضبا ومد يده عليّ بالضرب، وقدمه بالركل، وتوسلت إليه أن يترفق بي، ويرحم أولادى الذين لا ذنب لهم فى ابتعادى عنهم، فكان يهدأ تارة ثم يعود إلى الضرب والانفعال تارة أخري، وفى الاجازة الصيفية عدت معه إلى بلده، فإذا بى أجد زوجته فى المنزل وانها على ذمته، ولم يطلقها أو يحدث أى شئ مما ادعاه لي، ومع ذلك كان فى منتهى البجاحة وكأنه لم يفعل شيئا، ولم يكذب عليّ، وبصراحة شديدة فإننى وجدتها إنسانة طيبة القلب، ورحبت بي، وأصبحنا نعد الطعام معا، وحاولت كثيرا أن تخفف متاعبى وآلامي، ولا أبالغ إذا قلت انها أشفقت علىّ مما أعيشه من أهوال.. نعم هذه هى ضرتى التى لمست فيها كل الصفات الحلوة، وليست كما قال لى زوجنا، بأنه لم يطق عشرتها فطلقها.. وعند هذا الحد تأكدت أن حياتى لن تستمر معه طويلا. وبعد عودتنا إلى السعودية، إتصلت بى إبنتى الكبري، وأبلغتنى أن أباها أصيب بالفشل الكلوي، وأنه يخضع للغسيل الدموى ثلاث مرات فى الاسبوع، إلى أن يتم زرع كلى له، فانزعجت كثيرا لحاله، وفكرت فى أن أعود إلى مصر لأتبرع له بإحدى كليتي، وأوفر له ثمن الجراحة التى يحتاجها، ومرت أسابيع وأنا أعيش حالة صراع مع زوجى الذى أمعن فى إيذائي، وأحال حياتى إلى نكد مستمر، خصوصا بعد أن علم بحالة «أبو أولادي»، ثم جاءنى الخبر المفزع، فلقد مات مطلقى وأصبح أبنائى بلا سند، ولا معين، وأخذتهم عمتهم الكبري، وفرض عليّ زوجى حصارا شديدا بحيث لا أتمكن من الوصول إلى أولادي، وتحملت هذا العذاب إلى ان حلت الاجازة الصيفية الجديدة، وعندما عدنا إلى مصر، تركت كل شئ، وذهبت إلى بيت مطلقي، واحتويت أولادى ورفعت دعوى خلع ضد زوجى الثانى للضرر، وحصلت على الطلاق، وطويت هذه الصفحة السوداء من حياتي، وعدت إلى عملى القديم كمدرسة، وعادت علاقتى بأهل زوجى الأول رحمه الله كما كانت، وقد عرض عليّ شقيقه الأكبر الزواج لكنى رفضت مجرد فكرة الارتباط وقتها، ولم أقبل أيضا بالعروض الكثيرة من رجال يعملون فى مناصب كبري، واحتفظت مع الجميع بعلاقة طيبة إلا أهلى الذين لم يغفروا لى تغيير ديانتي، وأنا لا أريد منهم شيئا إلا الاطمئنان عليهم، وكنت كلما قابلت شقيقى الأصغر ألقى عليه السلام فيرد التحية وهو خائف من أن يراه أحد، ويبلغ الأسرة، وهم يعرفون كل كبيرة وصغيرة عني، بحكم أننا نعيش فى قرية واحدة.

ومرت الأيام، ووصلت ابنتى الكبرى إلى الفرقة الثالثة فى كليتها، ويليها إبنى الثانى فى الفرقة الثانية، أما ابنى الثالث ففى الصف الثالث الاعدادي، وهو هادئ الطباع، مثل أخته الكبرى تماما، ومشكلتى تنحصر فى ابنى الثاني، فهو عصبى جدا ويبدو أنه أخذ العصبية من أبيه، وعرفت أنه يتعاطى الحبوب المخدرة التى سيطرت على كثيرين من الشباب، ولذلك يطلب نقودا كثيرة، وأحيانا يضربني، ويسبنى بألفاظ نابية، وأحسست أنه يشك فيّ، وحدثته فى ظنى كثيرا، فمرة ينفي، ومرة يسكت، وأشعر أننى وصلت إلى مرحلة الضياع، ورويت لعمته الكبرى ما يفعله فجاءته وتحدثت معه، لكنها لم تصل معه إلى حل، وفوجئت بها تقول لى «تزوجى وارتاحى من هذا العذاب»، ففكرت فى الأمر، ثم ترددت فيه، إذ كيف أترك أولادي؟، وإذا كان ابنى الأوسط على هذه الحال فكيف ستمضى به الحياة، وما ذنب شقيقه وشقيقته لكى أتركهم بعد أن ضحيت بكل شئ من أجلهم؟

ولقد بلغ السيل الزبى يوم عيد الأم، إذ ضربنى إبنى بشدة، وعلا صوته عليّ ووجدتنى مضطربة بشكل لم يسبق له مثيل فى حياتي، وبعد أن أنهيت عملي، وقفت أمام باب المدرسة لا أدرى ماذا أفعل؟.. وفكرت فى أن أتصل بأمى وأقول لها: «كل سنة وانت طيبة»، وتمنيت أن أزورها، وبالفعل اتصلت بها، وأبديت لها رغبتى فى أن تعود المياه إلى مجاريها معها. فردت عليّ التحية، لكنى أحسست أنها سوف تفتح الماضى كله، فآثرت أن أكتفى بهذه التحية، وإتجهت إلى بيت عمة أولادى الكبري، وأعدت على مسامعها ما فعله إبنى بي، فإصطحبتنى إلى شقتنا، وجلست معه فأبدى ندمه على ما يفعله بي، وأخذ يقول: «بحبك ياماما.. والله بحبك». ولم يمض يوم واحد حتى كرر إهانته لي، وأجدنى الآن على حافة الانهيار، ولا أدرى ماذا أفعل حتى أستعيد ابنى وتستقر حياتي؟ ثم هل أتزوج ليكون لى بيت آخر أقسم الوقت بينه وبين أولادى بحيث إذا تعبت فى احدهما أذهب إلى الثاني، وكيف أقنع إبنى بالعلاج من الادمان، وهو الذى لم يعترف لى بإدمانه، ولا بشكوكه الواضحة فى تصرفاتي؟.. وهل يكون حلا مناسبا لى إذا انتقلت إلى شقة أخرى بمفردى وقت هياجه؟ ولكن من يضمن لى أنه لن يأتينى فى الشقة الجديدة وتزيد شكوكه فيّ؟

إن الحيرة تقتلنى ولا أجد سبيلا إلى أن أعيش واقعا جديدا ومستقرا بعيدا عن العذاب الأليم الذى قاسيته طول عمري، فبماذا تنصحني؟

< ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

ذكرنى قولك «بلغ السيل الزبي»، فى وصفك حالك بالمناسبة التى قيل فيها، فلقد كان هناك رجل يعمل فى صيد الأسود، حفر «زُبْية» أى حفرة عميقة على إحدى الروابي، وغطاها بالأغصان والأعواد، ووضع الطعم الذى سيخدع به الأسد، ويجذبه الى تلك الزبية، فيسهل عليه اصطياده، ولكن كما يقال، تجرى الرياح بما لا تشتهى السفن، إذ إنه فى ذلك اليوم أمطرت السماء مطرا غزيرا، وسالت السيول الى أن وصلت لتلك الرابية، وطمرت الزبية التى أعدها الصياد لاصطياد الأسد، فأفسدت عليه الصيد، فقال وقتها «بلغ السيل الزبي»، فإذا طرأ على الإنسان أمر معين، أو وقع فى مشكلة ما، وتفاقمت به الى أن وصلت الى حد يفوق توقعاته، ولا يستطيع السيطرة عليها، فإنه يردد هذا القول المأثور، وهذا ما حدث لك أخيرا بعد أن انسدت أمامك أبواب الاستقرار والسعادة التى كنت تنشدينها منذ نعومة أظافرك.

وبصراحة شديدة فإن الهدف الذى رسمتيه لنفسك بالحب والزواج والهدوء والسكينة، لم تتخذى فى سبيله الخطوات العقلانية المدروسة التى ينبغى أن يبنى عليها المرء حياته، ولذلك تعددت محطات هروبك من الواقع الذى تعيشينه الى الخيال الذى تأملينه، بلا تفكير، أو أسس محددة لحساباتك، فجاءت خاطئة تماما، ففى سنوات المراهقة جذبك شاب يكبرك بسبعة عشر عاما، وينتمى الى ديانة غير ديانتك فانجرفت إليه، دون أن تكون لديك القدرة على حسم أمرك معه، أو أن تكونى قادرة على اتخاذ القرار المناسب وقتها، ولم تدرسى طباعه جيدا، ولو أنك نلت ــ لا أقول موافقة، ولكن على الأقل ــ حياد أحد كبار أسرتك فى هذه المسألة، لاستطعت أن تلجأى اليهم وقت الشدة، وكان على زوجك الذى لم يقدر موقفك جيدا أن يتمهل فى ترديد قسم «الطلاق». وكان هذا الرجل هو محطتك الأولى فى رحلة الهروب.

وبعد الطلاق جاءت محطة هروبك الثانية من الواقع بسفرك الى الخارج، أملا فى جلب المال الذى يساعدك على الحياة الرغدة التى تنشدينها، ثم تزوجت للمرة الثانية دون حسابات دقيقة، بناء على معلومات مغلوطة قالها لك أحد المصريين فى هذه الدولة، عن حياته، بأنه طلق زوجته لأنه لم يطق عشرتها إلى غير ذلك من الأسباب التى يسوقها من يحاولون الايقاع بفريسات لهم، ولما اكتشفت خطأك وبأنه ليس الرجل المناسب لك، خلعته من حياتك، وعدت الى بيتك القديم لتربية أولادك، لكنك وجدت أن ابنك الأوسط مدمن للحبوب المخدرة التى تنتشر بين كثيرين من الشباب الذين لا يجدون من يوجههم الى الطريق الصحيح، ويقعون فى براثن الإدمان، كما أنه يشك فى تصرفاتك، وربما يعتقد أنك على وشك الانتقال الى محطة جديدة فى حياتك، ولذلك ينهال عليك ضربا وركلا وسبا، وربما يضيق عليك الخناق فى الدخول والخروج، ولا شك أن ما عاشه من أحداث انفصالك عن أبيه، وزواجك بآخر، ثم عودتك إليهم، ومتابعته ما يثار عن زواجك مرة ثالثة، كل ذلك هو الذى جعل الشك يتسرب الى قلبه، فأنت أمه، ولا يريد أن يخسرك مرة أخري، لكنه لا يستطيع التعبير عما فى صدره من غصة تجاه السنوات المريرة التى مروا بها فى غيابك عنهم، فما أقسى على الابن من أن يجد أمه مع رجل آخر غير أبيه، خاصة اذا كان على قيد الحياة، ولم يتزوج بأخري، ومن هنا ينبغى أن تحتويه، وأن تكررى على مسامعه أنك ضحيت بكل شيء من أجلهم، وأنك انفصلت عن زوجك الثاني، لأنه كان يريد أن يبنى جدارا فاصلا بينك وبينهم، لكنك رفضت بإصرار أن تقبلى الاستمرار معه، أو أن يكون لك منه أولاد، يربطونك به مدى الحياة، وأكدى لهم أنه ليس فى الدنيا أعز ولا أغلى منهم.

وليعلم ابنك الطالب الجامعي، وهو يدرك جيدا أنه يوشك أن يقع فى دائرة الادمان، إن عناده بالاستمرار فى تعاطى الحبوب المخدرة سوف يفقده حياته ووجوده ومستقبله، والأفضل له أن يخضع للعلاج، وسوف يخرج سالما قبل أن ينزلق الى المرحلة التى لا يرجى الشفاء منها، وأما الانتقال الى شقة جديدة فلا أوافقك عليه أبدا، لكنك سوف تزيدين بذلك الشكوك فيك، ولن يجلب لك السكن البعيد عنهم الراحة، بل ستكون له عواقب وخيمة بعد أن تتركيهم بمفردهم بلا موجه، ولا رقيب، وكلهم فى أعمار خطيرة تتطلب المتابعة الدقيقة.

وعلى صعيد أهلك، فإن المبادرة التى اتخذتيها يوم عيد الأم بالاتصال بوالدتك فأحسب أنها سوف تكون نقطة البداية نحو إذابة جبل الثلج فى علاقتك بهم، صحيح أن المصالحة معهم ليست بالأمر السهل، لكنها ممكنة بمرور الأيام، فحرية العقيدة مكفولة للجميع، وهى لا تفسد لعلاقات الود والمحبة قضية، فاحرصى على الاتصال بهم، وبأخوتك فى المناسبات المختلفة، وليتهم يدركون أنك فى النهاية ابنتهم، وأن الدين لله سبحانه وتعالي.

أما مسألة الزواج للمرة الثالثة، فإنها تحتاج الى تأن شديد، على الأقل حتى يتم أولادك تعليمهم، وتصبح لكل منهم حياته المستقلة بعيدا عنك، فالزواج لمجرد الارتباط فيه مخاطرة كبيرة، وسبق أن تجرعت كأس المرارة من زوجك الثانى الذى كان زواجه بك مجرد نزوة سرعان ما تبخرت لذتها، ثم كان الواقع الأليم الذى جعلك تطلبين الخلع، فلا تهربى الى المجهول من جديد، واحسبى أمرك جيدا، وحتى اذا كانت حاجتك شديدة للزواج، ولا تستطيعين الصبر بلا رجل فى حياتك، فعليك أن تضعى النقاط على الحروف مع من يتقدم اليك، وتجدين راحتك معه، بالاتفاق على أن يكون أولادك معك، وأن تبنى جسور الصلة معهم، فهم كل حياتك ولست على استعداد للتضحية بهم مهما تكن الأسباب والمبررات والمماطلات التى قد يلجأ إليها البعض طمعا فى اتمام الزواج بلا شروط، ولتأخذى الضمانات الكافية بعد فسحة من الوقت قبل عقد القران.

وفى هذه المسألة بالذات فإن المشاعر والأحاسيس لا يمكن قياسها بأجهزة طبية ومختبرية، فهى غير ملموسة، وتسهم فيها منظومة الروح والجسد معا، فتريثى فى اتخاذ الخطوة المقبلة، وكونى أكثر وعيا وهدوءا فى معالجة وضعك المستقبلي، وأقرى بالواقع، وسوف تتفتح لك أبواب السعادة والاستقرار، وفقك الله وسدد خطاك على الطريق الصحيح.. إنه نعم المولى ونعم النصير.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
د وليد فضل
عضو متقدم
عضو متقدم
د وليد فضل

ذكر
عدد الرسائل : 656
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 210
بلد الإقامة : الفيوم
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 Doctor10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 1210
نقاط : 6990
ترشيحات : 13
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 I_icon_minitime1/4/2016, 12:36

بريد الجمعة..يكتبه : أحمد البرى
المغامرة القاتلة!

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 2016-635950581335743894-574

يهتز القلم فى يدي، وتنهمر الدموع من عينىّ، وأنا أكتب إليك هذه الرسالة،
مستعيدا بعض ما مررت به فى حياتى من أهوال، وما سلكته من طريق مسدود لا أعرف سبيلا لاختراقه، وقضاء ماتبقى لى من عمر فى هدوء وسكينة، إذ إننى سيدة فى الثالثة والأربعين من عمري، نشأت فى أسرة بسيطة بمحافظة الدقهلية، وكنت وحيدة أبوى ورحل والدى عن الدنيا وأنا فى المرحلة الابتدائية، وتولت أمى رعايتي، ولم يكن أحد يطرق بابنا لا قريب ولا غريب، واقتصرت حياتى على الدراسة ولم تعرف العلاقات الغرامية طريقها إليّ لا قبل التحاقى بالجامعة، ولا بعده، وعقب تخرجى فى احدى الكليات النظرية، وجدتنى أمام خيارين، إما الجلوس فى المنزل انتظارا لفرصة عمل والزواج، كما تفعل معظم البنات عادة، وإما أن أتمرد على هذا الواقع الروتيني، وأبحث عن فرصة حياة جديدة فى العاصمة، وحدثت أمى بأمري، فتركت لى حرية اختيار ما أراه ما دمت أعرف مصلحتي، لكنها حذرتنى من عواقب أن تعيش فتاة بمفردها فى أى مكان، ودارت بيننا مناقشات طويلة، وحاولت أن أقنعها بأن نشد الرحال معا إلى القاهرة. لكنها فضلت أن تواصل حياتها كما هى وسط الجيران الطيبين الذين تربطها بهم علاقات مودة وصداقة، ولم أتراجع عما اعتزمته من البحث عن أمل جديد فى الحياة وبكت والدتي، وهى تشد على يدي، وتقول لى «خدى بالك من نفسك».

وركبت القطار، وسرحت بخيالى بعيدا، وتزاحمت الأفكار بداخلي، وسرعان ما وصلت إلى العاصمة التى طالما حلمت بالحياة فيها، وبحثت عن بيت للمغتربات أقضى فيه بعض الوقت إلى أن استقر على سكن مناسب، والتحق بعمل أحقق به ذاتي، وبالفعل نزلت ببيت لم يطل بى الوقت فيه وتعرفت على فتاة جاءت إلى القاهرة لنفس الهدف الذى أسعى إليه، وهكذا وجدت كل منا ضالتها لدى الأخري، وطالعنا اعلانا عن وظيفة خالية فى العلاقات العامة بشركة خاصة، والتقينا مديرها، ورحب بنا، وعملنا معه عدة شهور، ثم انتقلنا إلى شركة أخري، فى مجال الدعاية والاعلان، وحصلنا فيها على أجر أعلى من الأجر الذى كنا نتقاضاه من قبل، وتركنا بيت المغتربات، واستأجرنا شقة صغيرة فى حى شهير، وارتبطت حياتنا معا فى كل شيء، وروت لى قصتها التى تتشابه إلى حد كبير مع قصتي، ولكنها كانت شغوفة بقراءة كتب السحر، وتحضير الأرواح، وكانت تأتى بأشياء غريبة، وتجرى طقوسا غير مفهومة، وبعدها أسمع أصواتا عجيبة، وقد ينطفئ النور فجأة، وإذا أضأنا شمعة مثلا تنطفئ هى الأخري، وعندما تفعل ذلك تتحول إلى كائن غريب، ولا تكون صديقتى التى أعرفها، وبمرور الوقت عرفت بعض طقوسها، لكننى لم أجرؤ على أن أصنع صنيعها.

وحرصت من حين إلى آخر على أن أزور والدتي، وأقضى معها عدة أيام، وكذلك تفعل صديقتى حيث اعتادت أن تسافر إلى محافظتها، للاطمئنان على أهلها، وبعد حوالى عامين، طرأ تغير جديد على حياتنا، إذ ارتبطت صديقتى بعلاقات غرامية مع كثيرين من الشباب، وصار البعض يأتى إليها أمام العمارة التى نسكن فيها، وأصبحت أنظار الجالسين على المقهى المواجه لنا، تركز علينا عند خروجنا ودخولنا، واختلفت معها، وأحسست بالخطر يقترب مني، فخيرتها بين أن تقطع صلتها بهؤلاء الشباب، أو أن تذهب كل منا إلى حالها، فخرجت ولم تعد، وعشت وحيدة، ولم أستجب لأى اغراءات كما استجابت هي، وأغلقت بابى على نفسي، وذات يوم لعب الشيطان برأسي، فجربت الطقوس التى كانت صديقتى تمارسها، فإذا بى أصبح أسيرة لهواجس عجيبة، وكوابيس مزعجة، وأشعر كأن شخصا ينام إلى جواري، ويحاول أن يقترب منى بدعوى أنه يحبني، فأنهض من عز النوم مفزوعة، ولا يغمض لى جفن حتى الصباح.

وفكرت فى أمري، مع رغبة الكثيرين للزواج مني، فلم أرتح لأى منهم، إلى أن تعرفت على شاب جاء لاجئا إلى مصر، ويحمل جنسية بلده، ويعيش مع أخته ووالدته فى احدى المناطق الشعبية، ويعمل ميكانيكى سيارات، وظل يلح عليّ أن أوافق عليه، وجاءتنى أمه وأخته تتحدثان عن صفاته الجميلة ومميزاته الكثيرة، لكننى ترددت فى قبوله، وعرضت الأمر على والدتى ، فتحفظت عليه فى البداية، ثم وافقت، ولم تغب عنى دوافعها، إذ كانت تخشى أن يفوتنى قطار الزواج أمام اصرارى وعنادي، وجاءت أسرته إلى بلدتنا، وقرأنا الفاتحة، وبعدها ذقت الأمرين فى الشقة الصغيرة التى لم أكن قد تركتها بعد، وتكررت الكوابيس، وأصبحت أحلم بمن يقول لى إنه يريد أن يتزوجني، وحدثت خطيبى فى الأمر، وذهبنا إلى أحد الشيوخ لتفسير ما يحدث لي، ثم ترددت على طبيب نفسي، وما بين هذا وذاك أيقنت أننى سوف أدخل فى دوامة لا نهاية لها، وأخذت أبكى وأتضرع إلى الله أن ينتشلنى من هذه الكارثة.

وشيئا فشيئا تعافيت من هذا الأمر، ولكنه ترك أثرا فى داخلي، حيث أشعر بالخوف والهلع كلما تذكرته، وسارعت إلى شراء بعض مستلزمات الزواج بما ادخرته من مال، وتولى خطيبى تأجير شقة، وتم زفافنا وأقبلت على حياتى الجديدة وكلى أمل فى الاستقرار، ووجدت زوجى فى البداية عند ظنى فيه، إذ كان يعمل بكل طاقته، وبرغم أن الورشة التى التحق بها بالأجر، كان العمل فيها يتوقف من حين إلى آخر، فإن الأمور سارت على ما يرام، وساعدتنا والدته بجزء من مصاريف المعيشة، وقبل أن يكتمل عام على زفافنا أنجبت بنتا ثم بعدها بعام آخر أنجبت ولدا، وطلب صاحب الشقة التى نستأجرها اخلاءها فى نهاية العقد المبرم بيننا، ولم تفلح جهودنا فى أن يتركنا لعام آخر ندبر فيه أمورنا، ففكرت فى شراء شقة باحدى المدن الجديدة بنظام التقسيط، ودفعت المقدم لها من مالى الخاص، وحررت شيكات على نفسى بباقى ثمنها، وشعرت لأول مرة بالراحة النفسية والاستقرار الذى لم أذقه طول عمري، ثم أنجبت بنتا، وبعدها بنتا ثم ولدا، وصار لدينا خمسة أبناء، وظل يلح عليّ أن نشترى سيارة بالتقسيط على وعد بأن يساندنى فى تسديد اقساطها، وأقنعنى وقتها أنه سيقوم بتوصيل الأولاد إلى المدارس ذهابا وعودة، وسيكون بإمكانى أن استخدمها فى عملى الذى يحتاج إلى تنقلات، فاشتريت سيارة بسعر معقول، وحررت كمبيالات بثمنها، وفوجئت به يشترى كلبا، فثرت عليه، وقلت له: إن حياتنا تسير بصعوبة بالغة، والأمر لا يحتمل رفاهية «تربية الكلاب» فى شقة ضاقت بنا نحن السبعة، لكنه لم يأبه لكلامي، ولا لدموعى بأن يتخلى عن هذه الهواية!، ثم إذا به يترك العمل بعد تعرضه لمتاعب صحية وآلام بالظهر، ولم يمض وقت طويل حتى تمت تصفية الشركة التى أعمل بها، وحصلت منها على مبلغ زهيد هو مكافأة نهاية الخدمة، وبمرور الوقت ضاق الخناق عليّ أما هو فلم يلن موقفه، واستمرأ الجلوس فى المنزل، والتنزه بالكلب فى الوقت الذى أعيتنى فيه الحيل لتدبير أمور المعيشة وتسديد أقساط الديون.

وبينما أنا على هذه الحال جاءنى خبر مفجع برحيل والدتى عن الحياة، فأسرعت إلى بلدتنا، وأخذت أصرخ بأعلى صوتى على رحيل أعز الناس لي، والتف الجيران حولى، وحاولوا تهدئتي، فلقد لعنت نفسي، وندمت أشد الندم أننى لم استجب لتوسلاتها عندما طلبت منى ألا أترك بلدتنا، وأن أعمل وأتزوج فيها مثل كل زميلاتى اللاتى صارت لهن بيوت مستقرة، وارتبطن برجال على قدر المسئولية، أما أنا فأوصلنى عنادى وتمردى على الحياة التى كنت أحياها إلى ما وصلت اليه، ووارينا أمى التراب، ثم عدت فى اليوم التالى إلى بيتي، وقد فاض بى الكيل، وتحدثت مع زوجى فى أمرنا، فوجدته باردا كما هى حاله، ويريدنى أن أوفر كل متطلبات الأولاد والأسرة، وأسدد الديون بأى طريقة، لأنه مريض ولا يستطيع العمل، فلجأت إلى والدته وأخته لكنهما لم تحركا ساكنا، ولم أجد أمامى إلا أن أتخلص من هذا العذاب بالانفصال، فطلبت منه أن يطلقنى لكى أحصل على المعاش الذى كانت أمى تتقاضاه عن أبى رحمه الله، وأننا سوف نعود إلى بعضنا عن طريق الزواج العرفي، وأن المسألة لن تأخذ وقتا طويلا، فتردد فى الاستجابة لطلب الطلاق عدة أيام، ثم طلقنى بالفعل واستخرجت قسيمة الطلاق، لكنه ظل بالشقة أملا فى العودة إليّ بالزواج العرفى فأمهلته بعض الوقت إلى أن تهدأ الأمور. وعرف الجيران بطلاقنا من باب الاشهار، واضطر إلى الذهاب إلى بيت والدته، وبعدها بأسبوع ارسلت اليه الأولاد، وقمت بتحويل اوراقهم إلى المدارس الواقعة فى محيط مسكنها، وأصبحت أحصل على معاش والدتى لكنه لا يكفى الأقساط المطلوبة مني، وضافت بى سبل المعيشة، وحاولت البحث عن عمل ولو بشكل مؤقت، والتحقت بمكتب جديد للدعاية، أحصل منه على عمولة مقابل ما أنجزه من عمل فيه.

وهاج زوجي، وجاءنى بالأولاد أمام العمارة التى نقطن بها، وأسمعنى سبابا وألفاظا لا تليق، ثم غادر المنطقة وعندما حلت الأجازة الصيفية طلبت أن أرى أبنائي، فجاءوا إليّ، واذا بابنى الأكبر وهو فى الصف الثانى الثانوى يسبنى ويشتمني، ويردد ما تقوله عنى جدته وعمته، وهكذا أوغروا صدر أبنائي، وتحملت أهاناتهم لى شهورا، وكنت أتركهم فى الشقة، وأذهب إلى عملي، وأتابعهم طول الوقت لكى أعرف ماذا حدث فى غيابي، وعرفت أن مطلقى حاول أن يستخرج مفتاحا للشقة لكى يفرض نفسه عليّ. فحذرته من إبلاغ الشرطة عنه، وبعثت إليه بالأولاد مع زوج جارتي، وتوالت اتصالاتهم وإهاناتهم لي، وأبلغت والدته بأننى على استعداد لأن آخذ ابنى الصغير البالغ من العمر خمس سنوات للمعيشة معى إلى أن يحل موعد دخوله المدرسة، لكنهم رفضوا ثم علمت أن مطلقى يلزم الفراش بعد أن زادت متاعبه والآلام التى يعانيها فى ظهره، وقد ضاق أهله برعاية الأولاد ولكن ما الذى يمكن أن أقدمه لهم، وأنا مكبلة بالديون من كل جانب؟

لقد جاءنى رجل يكبرنى بعدة سنوات، ويرغب فى الزواج بي، لكنه فى الوقت نفسه متزوج، ولديه بيت آخر وأولاد، ويلح عليّ فى الارتباط فرفضته لأننى أعلم المصير الذى ينتظرنى على يديه، فأمثال هؤلاء الرجال الذين يبحثون عن أكثر من زوجة، لا تستقر أوضاعهم وغالبا ما ينصرفون عن زيجاتهم بعد أن يزول أثر النزوة التى جعلتهم يلجأون إلى الزواج بهذه الطريقة.

والآن تتخبط بى السبل، ولا أعرف سبيلا إلى الاستقرار، ولا أدرى كيف أسدد ديوني، وأرعى أولادي، ولا كيف سأقضى ما بقى لى من عمر فى هذه الدنيا المليئة بالعجائب والغرائب، فبماذا تنصحني؟.

< ولكاتبة هذه الرسالة أقول:



تعددت مغامراتك غير المحسوبة منذ تخرجك فى كليتك وحتى الآن بدءا من عدم امتثالك لنصيحة والدتك بالعمل والزواج فى المحافظة التى يعيش فيها أهلك ومعارفك، وانتقالك إلى القاهرة، والحياة مع فتاة لا تعرفين عنها شيئا، وكادت أن تجرك إلى عالمها المليء بالغموض من علاقات مشبوهة، وأعمال دجل وشعوذة، ثم الزواج من شخص غير مصرى لا تعرفين عنه شيئا، ولا عمل له سوى أنه يمتهن حرفة يعمل بها من حين إلى آخر، وربما جذبتك فيه أشياء أخرى لم تفصحى عنها كالوسامة مثلا، أو الأموال التى أغدقها عليك فى البداية فظننت أنه ثرى إلى غير ذلك من العوامل الشكلية التى قد تنجرف إليها الفتاة من باب «طوق النجاة» من الوحدة والخوف وانعدام الأمان فى الأجواء التى أحاطت بك بعد انتقالك إلى القاهرة، وتوالت مغامراتك بإنجاب الأطفال بلا حساب، وشراء سيارة فى الوقت الذى لم تسددى فيه أقساط الشقة، وأخيرا المغامرة القاتلة التى تفتق عنها ذهنك للخلاص من الأعباء الملقاة على عاتقك بالطلاق الذى أردت به ضرب عدة عصافير بحجر واحد، أهمها خروج مطلقك من الشقة ومعه أولادكما، وإلقاء مصاريفهم على عاتق أمه وأخته، والحياة بمفردك بعيدا عن المعاناة مع زوج لا يتحمل المسئولية، ولا هم له إلا النوم وتربية الكلاب!

ومن الواضح أنك فى كل مغامراتك، قذفت خلفك بكل المخاوف، وبأشعار الحكماء «على حد تعبير طاغور، وتصورت أنك سوف تنجحين فيما ذهبت إليه، والحقيقة أنك لم تحققى أى نجاح يذكر فيها جميعا، حتى كانت المغامرة الأخيرة التى أتت على الأخضر واليابس كما يقولون، إذ لم تضعى الأمور فى موضعها الصحيح، ولم تنتهجى إليها المنهج السليم، منذ موافقتك على ارتباطك بهذا الشاب العربي، وخصوصا أن كل الشواهد كانت ترشح حياتكما معا للفشل إن آجلا أو عاجلا.

ودعينى أصدقك القول بأن الحب لم يطرق قلبك تجاهه، فهو الذى ظل يطاردك فى كل مكان من أجل أن يفوز بك وللأسف لم ترسمى منهجا مناسبا لكما فى الحياة، وتركت الأمور تسير وفقا لما تراءى لك فى خيالك، ولم تتوقفى عند تصرفاته، منذ البداية لتعيدى حساباتك معه قبل أن تصل الأمور إلى الحد الذى يستحيل معه الإصلاح.

ومهما يكن من أمر فإننى لا أدرى كيف طاوعتك نفسك على تشريد أولادك والخلاص من زوجك بهذه الطريقة التى يأباها العقل والضمير، بل إنها تدخل فى باب «الغدر» بأعز الناس لديك، فالانسان قد يبيع شيئا اشتراه، لكنه أبدا لا يبيع قلبا هواه، وأنت لا يهواك قلب واحد، وإنما ستة قلوب، أبناؤك، ومطلقك، الذى كنت بقليل من الحكمة قادرة على أن تحتويه كما احتويته من قبل، وعشتما معا أجمل سنوات العمر.. والغريب أنك ظننت أن انفصالك عنه، وحصولك على معاش والدتك. سيجلب لك الاستقرار، لكنه للأسف لم يحقق ما كنت تسعين إليه، وقد أدركت خطأك، بعد انصراف أبنائك عنك، وغضبهم منك، إذ تخليت عنهم وهم فى أعمار الزهور، وهكذا افتقدوا الصدر الحنون، فليس بعد الأم أحد يمكن أن يقوم مقامها، لكن قلبك صار فارغا من الحب، وأصبح أشبه بالبيت الخرب فى ظل غياب فلذات كبدك.

لقد تصورت وأنا أقرأ رسالتك أننى سوف أتعرف على مثال جديد، للزوجة الناجحة، من باب أن الزوجة السعيدة ليست تلك التى تقترن بأفضل زوج، بل هى التى تصنع من الرجل الذى ارتبطت به أفضل زوج، نعم اعتقدت أنك من هذا النوع، فإذا بك نموذج للزوجة المغامرة التى تتمرد دائما على وضعها دون أن تملك الأدوات التى تمكنها من التغلب على عثرات الحياة، ولا يعنى ذلك أننى أؤيد الزواج من أمثال مطلقك، فالظروف التى أحاطت بك كانت تفرض عليك التريث فى الانفصال، أما كقاعدة عامة فإننى لا أحبذ الارتباط بمن هم على شاكلته، حيث يلقون بكل الأعباء على الزوجة ولا يكون لهم أى دور فى حياة الأسرة، فهى التى تعمل وتحمل، وتنجب وتربى الأولاد، بينما يجلس زوجها على المقاهي، ويسهر طوال الليل فى السمر مع أصدقائه، وتختلط الأمور، ويصبح البيت راكدا، وتتضارب الرغبات والأهواء، وهو ما لا تستقيم معه حياة.

إن الزواج السعيد لابد له من أساس متين، يقوم على التوافق الزوجي، وتحمل الآلام، وكبح جماح النفس، ورعاية الأسرة والأولاد، مع الأخذ فى الاعتبار أنه ليست هناك ثروة فى الدنيا تعادل ثروة الحب، لكنكما افتقدتما هذا الأساس ووصلت العلاقة من جانبك إلى درجة الكراهية، ومن أهم أسبابها البادية فى قصتك معه عدم المعاشرة بالمعروف، حيث دأب على توجيه الأذى إليك بالقول والفعل، وعدم إنفاقه عليك، وتوقفه عن العمل، وغياب الشعور بالأمان معه، وكل ذلك جعل علاقتكما «مجرد مساكنة»، أو «زواج مصلحة» بارد لا حياة فيه ولا دفء، وبالتالى انعدام تواصلكما الروحاني.

ومادامت الأمور قد وصلت إلى هذا الحد، فإن عودتكما إلى عش الزوجية، باتت غير واردة، فالأسباب التى جعلتك تنفصلين عنه مازالت قائمة، فهو لا يعمل، ومازال يعتمد على أهله، إلى جانب ما انتابه من المتاعب التى ربما تكون بسبب سوء حالته النفسية، وقد تكون مرضا عضويا يحتاج إلى العلاج والمتابعة، ولكن ينبغى ترتيب أمور أبنائكما، وأرجو أن تساهمى فى مصاريفهم بما يتيسر لك، خصوصا وأنت تعلمين حالة مطلقك المادية، أما عن الأقساط التى مازالت متراكمة عليك، فعليك أن تبيعى السيارة، وتستفيدى بثمنها فى تسديد ديونك، إلى أن تتيسر أحوالك فتشترين سيارة بديلة لها، وأما عمن تقدم للزواج منك فالأمر ليس هينا، إذ أرى أنك سوف تخوضين بهذه الزيجة مغامرة جديدة لن تحمد عقباها وربما يكون زوجك الجديد، أسوأ من مطلقك، فأرجو أن تتريثى فى حساب خطواتك المستقبلية، وأن تعطى نفسك فسحة من الوقت لترتيب أمورك، وكفاك مغامرات غير مأمونة العواقب، وفقك الله وهداك إلى الصراط المستقيم.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
د وليد فضل
عضو متقدم
عضو متقدم
د وليد فضل

ذكر
عدد الرسائل : 656
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 210
بلد الإقامة : الفيوم
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 Doctor10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 1210
نقاط : 6990
ترشيحات : 13
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 I_icon_minitime1/4/2016, 12:36

زواج فى الخفاء


أنا مهندس على المعاش، عمرى أربعة وستون عاما،
أتمتع بصحة جيدة، وزوجتى تصغرنى بثلاث سنوات، وأعانى نفس مشكلة كاتب رسالة «الطلب الغريب». حيث إننى متزوج منذ خمسة وثلاثين عاما من سيدة فاضلة قريبة لي، وتربطنا علاقة حب ومودة واحترام، ولكن بعد خروجنا إلى المعاش لا تطيق العلاقة الزوجية وترى أننا فى سن لا تسمح بهذه العلاقة، وراحت تركز اهتمامها فى الصلاة وقراءة القرآن، وتربية الأحفاد، ولما استفسرت من بعض الأطباء عن هذه الحالة قالوا لى إن الزوجة فى هذه السن تعانى فتورا عاطفيا، وقد ألمحت لها بذلك دون جدوي، وأفكر حاليا فى الزواج من أخرى مع مراعاة عدم جرح كبريائها، وعندما أردت أن أعرف موقفها إذا أقدمت على هذه الخطوة، ردت على بقولها «المهم لا تدخل بزوجتك الثانية منزلنا، وافعل ما يتراءى لك بعيدا عنا»، وهكذا يتضح أن مشكلة صاحب الرسالة المذكورة هى ظاهرة عامة تستوجب التوقف عندها وتحليل أسبابها، ثم هل الزواج الثانى يطمئن القلوب الحائرة؟

< ولكاتب هذه الرسالة أقول:



عندما رددت على كاتب رسالة «الطلب الغريب» بهذا العنوان، كان السبب فى ذلك أنه لا يريد أن يعلم أحد بالزواج من أقاربه وأهله والجيران، وأيضا زوجته بمعنى أنه يريد زوجة للفراش فقط، وليست زوجة تشاركه حياته، وتكون جزءا من أسرته، وهذا التفكير ينحى بالزواج جانبا لا تحمد عقباه، وسوف يطلق الرجل زوجته الثانية عندما يزهد فيها أو يقضى غرضه منها، ويبحث عن ثالثة وهكذا.

والمدهش الرد الذى تلقيته منه، ويقول فيه: أننى صوّرته فى ردى عليه كأنه ذئب يريد أن ينقض على فريسته، ويسألني: ما المانع أن تكون لى أسرة جديدة مبنية على الحب والرضا والسعادة؟ وما المانع أن يكون لى ولد أو اثنان من هذه الزيجة، حيث إننى ليس لى سوى ولد واحد من زوجتى الحالية؟ وما المانع أن تكون هذه الزيجة رسمية ومشهرة ويعلم بها العالم كله ماعدا من يعرفنى أنا وزوجتي؟

وأقول له: كيف ستنجب من زوجتك الثانية أولادا لا يعرفهم أهلك ولا يعرفون أن لهم أخا؟ وكيف يتواصل الإخوة، ويعرفون بعضهم بعضا بعد رحيلك عن الحياة؟

إن الانسان عندما يفكر فى نفسه فقط يرتكب أكبر خطأ يمكن أن يقع فيه فاحذر أن تقع فى هذه الدوامة، وإذا أردت أن تتزوج فلتكن واضحا أمام الجميع، وإلا فلا تقدم على ما يشوه صورتك، بعد رحيلك عن الدنيا، وقد تتعرض لعقاب الله لأنك فرقت بين ابنائك حتى إنهم لا يعرفون بعضهم البعض.

إن الزواج الثانى أمر مشروع، ولكن حذار من التغطية عليه، وإلا فإن العواقب ستكون وخيمة.

والحقيقة أننى مندهش ممن يحاولون أن يبرروا ما يهدفون اليه بمبررات غير منطقية، وهم لا يريدون سوى إشباع رغباتهم الجسدية، وهذا حق أصيل لهم حتى لا يقعوا فى الخطيئة، لكن كيف يكون الزواج شرعيا دون علم الأهل؟

وأخيرا أقول ان الأمر لم يصل إلى حد الظاهرة، وأحسب أن رسالتين أو عدة رسائل فى هذا الصدد ليست دليلا على انتشار هذا التفكير الغريب، وليكن الوضوح هو السبيل الوحيد للزواج الثاني، فحتى لو اعترضت الزوجة الأولى فى البداية فإنها سوف تمتثل لرغبة زوجها الذى يطلب زواجا شرعيا، وهو حق من حقوقه لا ينكره عليه أحد، وسوف تتقبل الوضع الجديد، وينشأ الأبناء جميعا فى كنف أبيهم، ويعرفون أهلهم وأقاربهم، وأرجو أن تكون المسألة واضحة، فلا يصح إلا الصحيح.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
د وليد فضل
عضو متقدم
عضو متقدم
د وليد فضل

ذكر
عدد الرسائل : 656
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 210
بلد الإقامة : الفيوم
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 Doctor10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 1210
نقاط : 6990
ترشيحات : 13
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 I_icon_minitime1/4/2016, 12:37

مربية القطط

{ رضا. أ: لى صديقة أريد مساعدتها، فهى تعيش فى الاسكندرية بمفردها،
وعمرها خمسون عاما، وترافقها 22 قطة أحضرتها جميعا من الشارع، وتعتنى بها وتمرضها، لكن حياتها وسط السكان غير طبيعية، إذ يشكو الكل من رائحة السمك الذى تجهزه لها بصفة مستمرة، وحاولوا أن يدفعوها إلى أن تترك هذه القطط فى الشوارع بعيدا عن منطقة سكننا، لكنها رفضت رفضا قاطعا، وكأنها «أبناؤها»، فهل هناك مكان للاعتناء بالقطط فنقنعها بأنه أفضل من الشقة حتى لا تؤذى جيرانها؟.. وهل يفيدنا أحد بفكرة مناسبة للحفاظ على القطط لرغبة صديقتي، وعدم تركها فى الشارع؟

> لو أن صديقتك تربى قطة واحدة أو اثنتين لصار الأمر طبيعيا، ولا غرابة فيه، لكن أن تجمع القطط الضالة من الشوارع فهذا أمر غريب، وينبغى أن تقلع عنه فورا، فما تفعله فيه أذى كبير لجيرانها، وأحسب أنك مطالبة بعلاج هذا الموضوع بحكمة بحيث تنزل على رغبة كل السكان،

وعليها ألا تحبس القطط وإنما تتركها تأكل من «خشاش الأرض» وإذا لم تمتثل بالاتفاق الودى فمن الممكن إجبارها على ذلك، وعليها ألا تضر الآخرين بهوايتها الغريبة، وما تجلبه من متاعب للجيران
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بيبو حبيبو
عضو مشارك
عضو مشارك
avatar

ذكر
عدد الرسائل : 60
بلد الإقامة : القاهرة
نقاط : 6126
ترشيحات : 0

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 I_icon_minitime15/4/2016, 13:50

بريد الجمعة..يكتبه : أحـمـد البــرى
ماكينة الحلاقة !

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 2016-635962770183985135-398

أكتب إليك طلبا للمشورة، فلقد أعيانى التفكير فى حل لمشكلتي، ولم أصل بعد الى القرار المناسب، فأنا سيدة فى الثلاثين من عمري، نشأت فى أسرة كبيرة من أشهر عائلات إحدى محافظات وسط الدلتا، ولى أربعة أشقاء،
أنا أوسطهم، وكان والدى مديرا لإحدى الشركات الحكومية ثم رحل عن الحياة قبل أن يصل الى سن المعاش، وتعرضنا لصدمة شديدة وأغلقت أمى بابنا على أنفسنا، وكرست حياتها لتربيتنا، وبعد تخرجى فى الجامعة جاءنى مهندس شاب من نفس القرية بصحبة أهله، وطلب يدي، ولم يكن فيه ما يعيبه، فارتحت إليه، وتمت خطبتنا، ثم تزوجنا خلال ثلاثة شهور، والحق أننى وجدته كما تخيلته، وعرفت معه منذ اليوم الأول لزواجنا معنى المودة والرحمة والسكينة، وكنت أحس باطمئنان يفوق الوصف كلما نظرت إليه، وبادلنى الشعور نفسه، ونهلنا من الحب والعشق فى الأسابيع الأولى للزواج الكثير، ثم خالطنى الخوف والقلق من أن سعادتى لن تدوم، وأن حدثا جللا ينتظرني، وأخذت استعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأودع زوجى فى الصباح بطبع قبلة على جبينه، فيربت على كتفي، ويقبل رأسي، ثم جاءت اللحظة القاتلة، فلقد دق جرس باب المنزل ذات يوم بعد أقل من ساعة من خروجه الى العمل، فأسرعت إليه، وقلبى يرتجف فإذا بالطارق يقول لى إن زوجى تعرض لحادث مرور، وتم نقله الى المستشفى القريب من بلدتنا مع آخرين أصيبوا فى الحادث نفسه، نتيجة تصادم سيارة الميكروباص التى كان يستقلها مع سيارة نقل بسبب رعونة سائقيهما، فأبلغت شقيقى الأكبر، وأسرة زوجي، وذهبنا جميعا الى المستشفي، فوجدناه ممددا على سرير فى غرفة العناية المركزة، وأبلغنا أحد الممرضين أن حالته خطيرة، وبعد نحو نصف الساعة انتحى أحد الأطباء بشقيقى جانبا، وأبلغه أن زوجى فاضت روحه الى بارئها، وأن هذه هى حال الدنيا، وكنت أراقب الموقف من بعيد، ولما سمع كلمات الطبيب وقع على الأرض، فأدركت ما كنت أخشاه، وهى أن زوجى وقرة عينى راح الى الأبد، فصرخت بصوت عال، وناديت عليه، ورجوته أن يرد علىّ، وبعدها فقدت الوعى تماما، ولم أشارك فى تشييع جثمانه، ولا تفاصيل ما حدث.. ولما استعدت وعيى بعد أيام وجدتنى فى بيت أسرتي، فكرهت الدنيا كلها، وأشفقت أمى لحالي، وحاول أشقائى التسرية عنى بمحاولة اصطحابى الى الحدائق، والخروج فى رحلات عائلية، ولكنى رفضت بإصرار مغادرة البيت، ومرت ثلاث سنوات وأنا على هذه الحال، وأمام إلحاحهم على خروجى معهم فى الزيارات العائلية، وافقت وشاركتهم فى العديد من المناسبات.

وذات يوم رأتنى واحدة من معارف أسرتي، فاقتربت منى وتحدثت معى فى أمور عامة، ثم قالت لى «أنت جميلة وحلوة، وهناك شباب كتير يتمنوك»، فشكرتها، وانصرفت من أمامها فمسألة الزواج بالنسبة لى كانت مرفوضة تماما، إذ من هو الذى سيحل محل زوجى وحبيبى رحمه الله، فصورته لا تفارق خيالي، ولا أتصور أننى من الممكن أن أكون لإنسان غيره، وفى اليوم التالى قالت لى والدتى إن هذه السيدة تمت لنا بصلة قرابة، وأنها تريدنى زوجة لابنها، وهو محاسب فى شركة كبري، وقد تزوج لمدة عام واحد فقط، ثم طلق زوجته لخلافات بينهما، وله منها ولد سوف يعيش معها، فرفضت مجرد المناقشة فى هذا الموضوع، فلجأت أمى الى شقيقى الأكبر، الذى جاءنى قائلا إننى صغيرة، وأن الزواج هو الأفضل بالنسبة لي، وأنه سوف يوفر لى فرصة لقاء هذا الشاب فى بيتنا، لكى أتعرف عليه، وأنه سيترك القرار النهائى لي، ولما التقيته وجدته شابا طيبا، فسألته عن سبب طلاقه لزوجته ولم يمض على زواجهما سوى عام واحد، وردَّ علىّ بأنه النصيب، ولم أقتنع بهذا الرد، وأبلغت أخى بأننى لن أرتبط به قبل أن أعرف السبب الحقيقى لانفصاله عن زوجته. خصوصا أننى عرفت أنها من عائلة معروفة فى احدى القرى المجاورة لقريتنا، وجميلة وتتمتع بأدب جم وأخلاق حميدة.

وزار شقيقى صديقا له، تربطه صلة قوية بهذا الشاب، فسأله عنه، وهل يعرف سبب طلاقه زوجته؟ فرد عليه، بأنه شاب لا غبار عليه، وهو مقيم للصلاة فى أوقاتها، ويشغل وظيفة مستقرة، ولدى أهله أملاك زراعية، والأسرة مرتاحة ماديا، وسمعتها فوق الشبهات، لكن العيب الوحيد فيه، هو الشك، إذ يتخيل فى أوقات كثيرة أن زوجته تعرف شخصا آخر، أو أن هناك من يزورها بعد خروجه الى العمل، ولذلك يجب التريث قبل الإقدام على الموافقة عليه، وانفعل أخى بشدة عليه، وقال له «أختى لا تعرف هذه المسائل»، فهدأ من روعه، وقال له: «ما أقوله لا يعنى أختك ولا غيرها، فأنا أشرح لك العيب الخطير الموجود فى صديقي، وانتهى لقاؤهما، وجاءنى أخى وأفاض فى الحديث عما دار بينه وبين صديقه، وقال لى إننى اذا كنت قد ارتحت إليه شخصيا، فإن المسألة التى تحدث عنها صديقه لا تهمنا ولا تعنينا لأنه واثق فيّ، فأومأت بالموافقة عليه، وعقدنا الزواج بعدها بأيام، وانتقلت الى بيته، ووجدته شابا طيبا، ويريد ارضائى بكل السبل، ولكن ظلت مسألة طلاق زوجته الأولى تشغلني، وتطلعت الى اليوم الذى اكتشف فيه سر هذا «الانفصال الغامض»، وحملت فى ابني، بعد شهر واحد، ثم لاحظت تغيرا واضحا على زوجي، إذ يعود من عمله فى غير الأوقات المعتاد عليها، ويتصل بى كل ساعة أو أقل، وتذكرت ما قاله صديق أخى عن شكوك زوجي، وأدركت أن المسألة ليست سهلة، فسعيت الى معرفة كل شىء عنه من زوجته الأولي، فذهبت إليها واحدة من عائلتنا تعرفها منذ سنوات الدراسة، وعرفت منها أنه كان دائم السؤال عمن دخل إليها فى غيابه، ومن خرج، وهل فتحت الباب لأحد أم لا، ثم فكر فى حيلة غبية على طريقة الأفلام القديمة، إذ ربط «دلفتي» باب الشقة بخيط رفيع، بحيث انها اذا فتحت الباب ينقطع على الفور، وهنا يدرك كذبها، وفى ذلك اليوم عاد فى موعده الطبيعى بعد انتهاء العمل، فلم يجد الخيط فسألها: هل فتحت الباب، فأجابت بالنفي، فصاح فيها وطلقها وسط ذهول أفراد أسرتيهما!!

سمعت هذا الكلام وأيقنت أن الدور عليّ، ثم كانت الواقعة التى هزت استقرارنا، إذ قال لى ذات صباح بعد أن تناول طعام الإفطار، إنه ذاهب الى عمله، فدعوت له بالسلامة، وكنت وقتها فى المطبخ أعد كوبا من الشاي، وبعد أن شربته بدأت فى ترتيب البيت، وفى أثناء تنظيفى أرضية حجرة النوم، فوجئت به خارجا من تحت السرير وقد أصابه الخجل، وأصابنى الذهول من فعلته الوضيعة، فصحت فيه الآن أدركت أن مطلقتك كانت على حق من «اللوث» الذى أصاب عقلك، وجمعت ملابسى وكلى إصرار على ترك البيت، فخر تحت قدمىّ يرجونى أن أسامحه، وألا أخبر أحدا بما فعله، وبعد تفكير امتثلت لرغبته، ولكن قلبى انكسر، وتذكرت الفارق الشاسع بينه وبين زوجى الراحل، رحمه الله، وانخرطت فى أحزانى من جديد، وعندما جاءنى أخوتى فى الزيارات المعتادة لاحظوا أننى قلقة ومتوترة، وقالت لى أمى بعدها: أشعر يا ابنتى أنك تخفين عنى شيئا، فرددت عليها: لا شىء وربما اننى أعانى بعض الإجهاد بسبب الحمل، ثم وضعت ابنى الذى جاء «نسخة» من أبيه من حيث الشكل، وفرح به كثيرا، وتصورت أن قدوم ابنه الثانى بعد ابنه الأكبر من زوجته الأولى سيجعله أكثر عقلانية، ويزيل «الوهم» الذى يعانيه والشكوك التى تسيطر عليه، وللأسف هيهات لمثله أن يتغير إذ عادت إليه الشكوك من جديد، وتعددت أساليب مراقبتى حتى وأنا فى المنزل، وأصبح دائم التفتيش فى هاتفى المحمول، وكل هذا برغم اننى لا أخرج إلا فى صحبته ولا أفتح الباب لأحد، وأعيش فى سياج حديدى فرضته على نفسى منذ رحيل زوجى الأول، ولم يكن زواجى منه سوى استجابة لضغوط أسرتي.

وأخيرا جاءت الواقعة الفاصلة، عندما عاد ذات يوم من الخارج قاصدا الحمام، وأخذ يقلب فى أدوات الحلاقة، التى تركها فى الصباح كما هي، وقال لى «من الذى استخدم هذه الماكينة فى غيابي؟.. فلم أتمالك نفسى وقلت له «انت مجنون»!، فحتى لو افترضنا أن شخصا دخل فى غيابك هل سيكون بحاجة لكى يحلق ذقنه بماكينتك؟.. طلقني!، وخرجت الى بيت أهلى حاملة ابني، ولم آخذ شيئا من متعلقاتي، ورويت لهم ما حدث فاعتذر لى شقيقى الأكبر، قائلا: «إن صديقى كان على حق عندما أخبرنى بحالة «الشك المرضي» التى يعانيها هذا الشاب، لكننا لم ندرك وقتها أن الأمر مستفحل الى هذه الدرجة»، وعزمت على الطلاق، وجاء أخى به وبالمأذون وتم طلاقنا، وخلال فترة العدة بعث بالكثيرين لإعادة المياه الى مجاريها، فأكدت لهم أننى لن أعود إليه، ولن أكرر الزواج مدى الحياة، وسوف أكرس عمرى كله لرعاية ابنى الذى ليس له ذنب فيما يفعله أبوه.

ومرت شهور، وعرفت بعدها أن مطلقته الأولى عادت إليه، بعد أن تدخل أقاربهما للصلح بينهما، خصوصا أنها كانت ترغب فى ذلك، ومبررها أنه لا غبار عليه من كل الوجوه المادية والأسرية والأخلاقية والدينية، فهو يعرف ربه جيدا، ومجتهد فى عمله، ولسانه يفيض دائما بالكلمات العذبة، ولا يعرف الضرب ولا السباب، ولكن يعيبه وجه واحد فقط هو «الشك»، ولذلك رأت أن تتجاوز عن هذا العيب مقابل المزايا الأخرى الكثيرة، أما بالنسبة لى فمازلت أرى أن عيبه الوحيد هذا كفيل بنسف الحياة الزوجية فى أى لحظة، علاوة على العذاب النفسى الذى لا نهاية له.

لقد أقلمت حياتى على ما أنا فيه، وهو يصرف على ابنه، ويوفر له كل طلباته، ويزوره فى بيت شقيقى الأكبر، وفى الزيارات الأخيرة كرر محاولاته مع شقيقى لإعادتى الى عصمته فى منزل مستقل، مع الاحتفاظ بزوجته الأولي، وهى لا تمانع فى ذلك، بل وتعتبرنى أختا لها، لكنى صرخت فيه: «كفاية كده انت عايز إيه تاني»، فصمت شقيقى ولم يرد، ثم فوجئت بمجىء كل أشقائى ووالدتي، وبعض أقاربي، بدعوة من أمي، والتفوا حولي، وأخذوا يثنون علىّ، ويقولون لى ما المانع أن تعودى إليه مادمت ستعيشين فى شقة بعيدا عن زوجته الأولي، فعلى الأقل سوف ينشأ ابنكما فى كنفكما، ولا يتشتت بينك وبينه، أما مسألة الشك لديه، فسوف تزول بمرور الأيام، وانفض الاجتماع دون أن أجيبهم بالقبول أو الرفض.

وأصدقك القول إننى زهدت فى الرجال، ولا أرغب فى العودة الى مطلقي، فمن تملكت منه الشكوك خصوصا فى «المسألة الجسدية» هيهات أن يتغير، ولا يمكن اعتبار ان ما يفعله من باب الغيرة، أو حتى وسيلة من باب معرفة هل زوجته تحبه أم لا؟، فهناك وسائل عديدة لاختبار الحب والاخلاص لشريك الحياة، ليس من بينها الشك فيه، لذلك أرى أنه لن يتغير، وسوف يكرر نفس الشكوك سواء مع زوجته الأولى التى عادت الى عصمته، والتى أحسب أنها عادت إليه بضغوط أهلها، أو معى اذا عدت إليه لكى ينشأ ابننا بيننا كما يرى كل من حولي، ووقتها سوف يقضى على البقية الباقية من تماسكى فى مواجهة عواصف الحياة، فبماذا تشير عليّ؟

< ولكاتبة هذه الرسالة أقول:



قد يبرر البعض سلوك زوجك بأنه نوع من الغيرة، لكنه ليس كذلك، فالشك يختلف تماما عن الغيرة، وهناك خلط غير مبرر بينهما، إذ إن الغيرة تعد دليلا على الحب، وهى مكون رئيسى من مكونات العلاقة الزوجية، بينما الشك حالة مرضية تؤدى إلى انهيار هذه العلاقة، وتزداد حدته عندما يبدأ الزوجان استنتاج الأمور ويكتفى كل طرف بما يستخلصه لنفسه من معتقدات تجاه شريك حياته، فتظهر الصراعات الزوجية الخطيرة، ولو أن كلا منهما توقف عن حالة «التخمين» التى لا أساس لها فى الواقع وإنما يهيؤها له خياله المريض، وبنى جسور الثقة مع الآخر، لاستطاعا معا أن يقدا وثاق هذا الشك، ويطرداه خارج علاقتهما معا، وأن يبنيا حياة زوجية سعيدة، كما أن الصراحة هى الدعامة الكبرى التى يقوم عليها الزواج، ولذلك كان ينبغى عليك أن تكشفى له عن عيوبه من أول لحظة، وأن تخبريه ولو عن طريق شقيقك بما علمه من شكه فى زوجته الأولى، والأسباب التى دعته إلى ذلك، وما إذا كان الأمر يشكل حالة مرضية لديه، أو أنه يملك الدلائل التى تؤكد شكه فيها بعيدا عن مسألة الخيط الرفيع الذى أغلق به باب الشقة، فالمصارحة تبصر الإنسان بما يغيب عنه، وأعتقد أن الدنيا كلها تسبح فى واد، بينما يسبح هو فى واد آخر، ولم يجد من يعمل على إفاقته من الحالة التى ألمت به، فهو حتى هذه اللحظة لا يدرك حجم المرض النفسى الذى ألم به، ولا أحسب أنه سيتعافى منه بين يوم وليلة، ولكنى على الأقل من الممكن مواجهته بالحقيقة التى يتصورها غائبة عن الآخرين، وهى أن شكوكه ليست فى محلها بالنسبة لكليكما أنت وزوجته الأولى، وأنه يتمتع بمميزات كثيرة، فلماذا لا تكتمل صفاته الرائعة بإزالة هذه «النقطة السوداء» من تكوينه؟.. نعم هذه هى الخطوة الأولى على طريق إصلاحه.

أيضا فإن التفتيش اليومى لشريك الحياة من أهم العوامل التى تزرع بذور الشك بين الطرفين، والأمر سواء بالنسبة للزوجة دائمة التفتيش فى متعلقات زوجها، وكذلك بالنسبة للزوج الذى لا يهدأ له بال لمعرفة كل صغيرة وكبيرة فى يوميات زوجته، كما فعل معك عندما كان يفاجئك بالحضور من العمل فى غير الأوقات المعتادة، أو يدَّعى الخروج، وهو نائم تحت السرير، وتفتيشه الدائم للمنزل، ثم دخوله الحمام لاستطلاع وضع «ماكينة الحلاقة»!، ولم يفهم أن تصرفاته الطائشة سوف تقطع رابط الحنان الذى يربط بينكما، وبالتالى يخيم على حياتكما انعدام الثقة، والشك فى الأقوال والسلوك.

وهناك طرق كثيرة لاختبار الحب بين الزوجين ليس منها الشك فى السلوك، وتحضرنى قصة حدثت لرجل فى البادية، حينما تزوج للمرة الثانية من امرأة كان لديه قبلها زوجة وأولاد، وبعد فترة من زواجه شك فى حبها له، ولم يكن هذا الشك مبنيا إلا على أوهام من وحى خياله صورها له شعوره بأن هذه الزوجة لا تميل له، إذ إنها لم تكن تحدثه إلا نادرا، كما أنه لم يرها تضحك أو تبتسم أمامه مطلقا وتسرب إليه إحساس بأنه كانت لديها رغبة برجل غيره قبل أن ترتبط به، وسبب له هذا الشك قلقا لم يتبدد إلا بعد لجوئه إلى امرأة عجوز أخبرها بأمر زوجته طالبا منها طريقة يتأكد بها من مشاعرها نحوه فقالت له العجوز، عليك أن تصطاد أفعى وتخيط فمها وتضعها فوق صدرك فى أثناء نومك، وعندما تحاول زوجتك إيقاظك اصطنع الموت وأبلغنى بالنتيجة، ففعل ما أشارت به عليه وحينما جاءت زوجته لتوقظه من النوم لم ينهض أو يتحرك، فرفعت الغطاء عنه، ولما رأت الأفعى ظنت أنها لدغته ومات، فأخذت تصرخ وتنادى على ابنه من زوجته الأولى واسمه (زيد)، ومن هول الصدمة أنشدت هذه القصيدة:

يا زيد.. رد الزمل بأهل عبرتى

على أبوك عينى ما يبطل هميلها

أعليت كم من سابق قد عثرتها

بعود القنا والخيل عجل جفيلها

وأعليت كم من هجمة قد شعيتها

صباح... وإلا شعتها من مقيلها

وأعليت كم من خفرة فى غيا الصبا

تمناك يا وافى الخصايل خليلها

سقاى ذود الجار لا غاب جارد

وأخو جارته لا غاب عنها حليلها

لا مرخى عينه يطالع لزومها

ولا سايل عنها ولا مستسيلها

وبعد أن سمع زوجها هذه الكلمات الرائعة، تأكد من مشاعر زوجته وعرف مدى الحب الذى تخفيه حياء لا أكثر، ونهض من فراشه فرحا ليبشرها بأنه لم يمت، لكن الزوجة توارت حياء لأنها كشفت عن مشاعرها، فهى كامرأة بدوية تخجل من البوح بمشاعرها بهذا الشكل المباشر.. وعندما عرفت أن الأمر ليس أكثر من خدعة لاختبارها، أقسمت ألا تعود إليه إلا بشرطين هما (أن يكلم الحجر الحجر، وأن يكلم العود العود)! وهى تقصد استحالة أن تعود إليه مرة أخرى، فانتابته حيرة أكبر أو مثلما نقول (جه يكحلها عماها) وعاد إلى العجوز وروى لها ما حدث، فقالت له: أحضر الرحى، والرحى معروفة وهى تستعمل فى طحن حبوب الحنطة وغيرها، وتطلق صوتا عند استخدامها، وعادة ما تجاوبها النساء بالغناء، هذا عن الحجر، أما العود فذكرت له الربابة وأضافت إذا كانت لزوجتك رغبة بك فستعود إليك وفعلا عادت له زوجته بهذه الطريقة.

إذن اختبار الحب والإخلاص من الممكن إجراؤه بوسائل عديدة، وليس عن طريق الشك، فالشك يولد البغض والكراهية، والحياة الزوجية لا تكتمل إلا باندماج روح بروح، وعقل بعقل، وجسد بجسد، وكلها تحقق التفاهم والتكافؤ بين الزوجين، وكان ذلك أدعى إلى ديمومة الحياة الزوجية، والقدرة على استيعاب الأخطاء التى يقعان فيها، فهى لا تخلو من المنغصات، والعقلاء دائما هم الذين يتجاوزون عن كل ما يثير الشكوك، ويبحث الريبة فى النفوس، والسعادة الزوجية ربما تكون فى متناولنا لكننا دائما نصرف النظر عنها، وأتذكر ما قاله الأديب الكبير الراحل توفيق الحكيم فى إحدى رواياته من أن مجموعة توجهوا إلى ربهم يدعونه ويسألونه أن يمنحهم السعادة، فجاءهم ملك وقال لهم: ما هى السعادة التى تطلبونها؟.. فقالوا: نريد أن نكون مرتاحين، فيأتينا كل ما نتمناه، فتحقق لهم مبتغاهم، ولكن أمسهم صار مثل يومهم، مثل غدهم، ومع الوقت تسرب إليهم الملل، ورجعوا يدعون ربهم، وهم خجولون، وقالوا يارب: نريد أن نعود كما كنا، نجوع يوما، ونشبع يوما، ونرضى يوما، ونسخط يوما، ونحزن ونفرح، وتعود حياتنا إلى طبيعتها، وهكذا سألوا حالتهم الأولى، لأنها أهون عندهم من هذا الملل.

ولذلك لا أظن أنك ستكونين سعيدة إذا استمرت حياتك على النمط الذى أنت عليه الآن، فوجودك وحيدة مع ابنك، وحياتك التى تمضى على وتيرة واحدة سوف تؤدى بك حتما إلى الملل، ووقتها سوف تنشدين زوجا وأسرة فيها الراحة والمعاناة، والحزن والفرح، ولكن بالطبع بعيدا عن الشك، ومادمت لا تنكرين على مطلقك خلقا ولا دينا، فأحسب أنه بإمكانك العودة إليه بشرط واضح لا لبس فيه، وهو ألا يعود إلى حالة الشك التى مارسها من قبل، ويمكن أن تستفسرى عن سلوكه مع زوجته الأولى منذ إعادتها إلى عصمته، وهل حدث أن شك فيها من جديد؟.. فإذا صبت الإجابات فى مصلحة أنه تعافى من شكوكه، وأنه بدأ مرحلة جديدة من حياته بفكر جديد، قائم على الثقة، فلا بأس أن تعودى إليه حتى ينشأ ابنك تحت رعايتكما معا، وليعلم أن الوالد له صورة تتسم بالإيجابية وعدم الخطأ فى نفوس الأبناء، وأنهم إذا علموا شيئا عن حالة الشك المرضية التى ألمت به، أو إذا استمرت أوضاعه كما هى، فسوف يتخبطون فى الحياة، بل ستتغير المفاهيم الراسخة فى نفوسهم، ولن تثبت بعض المبادئ التى يجب أن يتعلموها.

وإذا تأكدت من كل ذلك وأنه أصبح بالفعل شخصا آخر، عودى إليه، وأسأل الله أن ينعم عليكما بحياة زوجية سعيدة ومشرقة بعيدا عن الشك، والله هو المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بيبو حبيبو
عضو مشارك
عضو مشارك
avatar

ذكر
عدد الرسائل : 60
بلد الإقامة : القاهرة
نقاط : 6126
ترشيحات : 0

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 79 I_icon_minitime15/4/2016, 13:51

عين الشقيق


د. حسام أحمد موافى أستاذ طب الحالات الحرجة بقصر العيني.. أتابع بريدكم الرائع لما فيه من دروس مفيدة ربما لم يتعلمها الإنسان من قبل، فالعاقل هو من يعتبر بتجارب الآخرين، وسطحية التفكير هى التى تجعل الكثيرين يمرون على هذه التجارب بلا مبالاة ودون فائدة.
ولقد استوقفتنى رسالة «صاحب البستان» فى بريد الجمعة الماضى ووجدتنى أعيد قراءتها لما فيها من صدق فى المشاعر، ولأنها قصة نصادف صاحبيها كثيرا، أما ردكم فقد كان غاية فى البلاغة، إذ من بين جميع آيات القرآن الكريم التى وصل عددها الى 6236 آية، اخترتم أدق آية تناسب هذا الموقف «البشع»، الذى تنكر فيه شقيق لشقيقه لا لشيء إلا لأن الله أنعم على أحدهما بالمال، وهما اللذان عانا قسوة الحياة بعد أن تركهما الوالدان وضمهما جدهما، وقد تزوجا فى شقة واحدة، لكن المال لعب بنفس الشقيق الأكبر الضعيفة، وإنى أكتب إليكم لإضافة تفسير لهذه الظاهرة التى لاحظتها من خلال عملى، وكلام المرضى معى عندما تتفتح صدورهم للطبيب المعالج ووجدتها ظاهرة قد تفشت فى المجتمع بصورة رهيبة، وتسببت فى تنافر الأشقاء وأولاد العم والعمة وأولاد الخال والحالة، وهم الذين أوصى الله مرات ومرات بصلتهم.. ظاهرة أطاحت بالأرحام وجعلت صاحب الرسالة لا يرى شقيقه إلا نادرا، ولا يسأل عنه فى الغالب.

وأتحدث هنا عن ظاهرة الخوف من الحسد.. صحيح أن الحسد موجود وذكره القرآن الكريم، ولكن الخالق علمنا كيفية الحماية منه.

وأعتقد أن وراء هذا الجحود من أخ لشقيقه، زوجة تخوفه وترعبه وترعشه من «عين شقيقه»، وقد انتشرت هذه الآفة فى مجتمعنا بصورة وبائية أوجدت النصابين والمحتالين بطول بلادنا وعرضها بدعوى فك الأعمال وإبطال السحر والحماية من الحسد.. والكارثة أن عددا كبيرا ممن يؤمنون بهذه الخزعبلات من المتعلمين وذوى المراكز العليا.. ويمكن الوقاية من السحر بقراءة «المعوذتين».. ولكن أصحاب العقول الغائبة والنفوس المريضة والمنهزمين نفسيا أمام المال قطعوا ما أمر الله به أن يوصل تحت بند الخوف من الحسد ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

> هذا ما يعتقده شقيق كاتب رسالة «صاحب البستان»، وهو بالقطع تفكير خاطئ، فهل يعقل أن من قدم يد العون لشقيقه، وسهر على خدمة أولاده وأسرته وراحتهم، ويعيش حياة مستقرة ومستورة، ولا يعانى أى مشكلات مادية أو صحية يحسد أخاه.. هذا تفكير لا يقره عقل، ولا يقبله دين، لكن آفة البعض أنهم لا يستمعون إلا لأصواتهم وخيالاتهم المريضة، كما أن زوجة شقيقه هذا بدلا من أن تدفعه نحو مد جسور التواصل بينهما، وهى التى تعرف ما أسداه لهم من خدمات، اذا بها تقف حجرا عثرة ضد عودة المياه الى مجاريها بينهما، وقد تلقيت تعليقا من كاتب الرسالة على ردى عليه، بأننى أصبت كبد الحقيقة، ومازال ينتظر أن يبادر شقيقه بمد جسور التواصل التى قطعها منذ عودته من الخارج.

ويبقى أن أقول لهذا الشقيق الجاحد: «افعل ما شئت كما تدين تدان».
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
بريد الأهرام ( بريد الجمعة )
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 79 من اصل 88انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1 ... 41 ... 78, 79, 80 ... 83 ... 88  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» بريد الجمعة يكتبة : احمد البرى الطفل الكبير !
» سطو مسلح على مكتب بريد في المعادي
» سطو مسلح على مكتب بريد «قها» في القليوبية
» اجعل لك بريد مجاني على الـ hotmail - شرح بالصور
» كيفية حظر بريد الكتروني بسكربت whmcs

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الشاعر عبد القوى الأعلامى :: المنتديات العامة :: المنتدى العام-
انتقل الى: