الشاعر عبد القوى الأعلامى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالأحداثموسوعة الأعلامى الحرةأحدث الصورالتسجيلدخول

شاطر
 

 بريد الأهرام ( بريد الجمعة )

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1 ... 40 ... 77, 78, 79 ... 83 ... 88  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
بيومي الفيومي
عضو مبدع
عضو مبدع
avatar

ذكر
عدد الرسائل : 818
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 210
بلد الإقامة : الفيوم مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 Unknow10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 8010
نقاط : 7316
ترشيحات : 7
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 I_icon_minitime15/1/2016, 12:47

بريد الجمعة يكتبه احمد البرى
الحبيب الغادر!


بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 2016-635884067272273134-227
أكتب إليك راجية أن تفيدنى بما يمكن أن أفعله لكى أعبر المحنة

التى تكاد تعصف بحياتى فى سلام، فأنا سيدة فى الخمسين من عمري، ومتزوجة من رجل يكبرنى بخمس سنوات، ومضى على زواجنا ثلاثون عاما، تفانيت خلالها فى اسعاده بكل السبل، ووقفت إلى جواره فى كل المواقف والأزمات، وأذكر أنه عندما تقدم لخطبتي، وسألتنى أمى عن رأيى فيه، رددت عليها بالموافقة، إذ وجدته قريبا مني، ووجدتنى قريبة منه، فكلانا من أسرة متوسطة، ولمست فيه حبا وحنانا، ورغبة فى النجاح، وبالفعل واصل طموحه وتفوقه بعد الزواج، وترقى فى عمله بسرعة تفوق أقرانه لما يتمتع به من ذكاء، وما يبذله من جهد، وكرست حياتى لخدمته ورزقنا الله بولدين عكفت على تربيتهما، وتركت وظيفتي، ولم تعد لى أى اهتمامات شخصية، وصار زوجى وابناى هم شغلى الشاغل، ونسيت نفسى فى زحام الحياة، وكبر الولدان وعملا فى جهتين معروفتين وتزوجا واحدا بعد الآخر، وخلا البيت منهما، وأصبحت وحيدة بين جدرانه أنتظر عودة زوجى بفارغ الصبر، وعندما يحضر فى المساء يتناول الطعام، ثم يجلس أمام الكمبيوتر، أو يتحدث فى التليفون، وأحيانا يخرج مرة أخرى للقاء أصدقائه خارج المنزل، فهو كثير العلاقات، وله معارف كثيرون، ومجامل لأقصى درجة، أما أنا فليس لى مكان فى أجندته المزدحمة، وإذا جلس معى يصمت «صمت القبور»، وعندما أفاتحه فى موضوع ما على سبيل الدردشة، أشعر أنه يستمع إليّ وكأنه يؤدى واجبا عليه!

وتنبهت إلى أن زوجى ليس هو حبيبى الذى ارتبطت به، وأمضيت معه عمرى كله، صحيح أننى انشغلت بتربية أبنّي، والسهر على راحة أسرتي، لكننى كنت ومازلت قريبة منه، فهو يسكن قلبى وعقلي، وليس لى فى الدنيا سواه، ولسان حالى دائما أننى لا أستطيع الحياة دونه أو بعيدا عنه، وتصورت أنه يبادلنى الإحساس نفسه، لكنى اكتشفت فجأة أن تغيرات جمّة قد طرأت عليه، إذ بدأ فى معاملتى بطريقة لم أعهدها فيه، وركبه الغرور بدرجة تصل إلى حد المرض، وسيطرت عليه الأنانية، فهو وحده الذى يفهم كل شيء، وأن جميع من حوله يحسدونه على ما وصل إليه، وإذا تحدثنا فى أمر ما، يملى عليّ رأيه، وينتظر منى أن أوافقه على ما يقوله وأنفذ ما يريده بلا نقاش، ويردد عبارة واحدة، هى «انتى مش عارفة أنا بقيت ايه دلوقتي»، فأقول له «أنا زوجتك ولست موظفة عندك»، فينظر إليّ باستكبار، وينتفض من مكانه، إما لممارسة هوايته فى محادثة أصدقائه، أو يخرج من البيت للقائهم فى جلسات السمر التى تمتد إلى ساعة متأخرة من الليل!

وزاد إهماله لى بمرور الوقت، واتهمنى بأننى أضيق الخناق عليه، بل انه عند الغضب يتحول إلى انسان آخر ويستخدم كلمات جارحة عندما يوجه كلامه لى من عينة «حياتك معى قربت على النهاية»، و«أنا مش قادر أستحمل العيشة دي»، و«مش ذنبى إن انتى مالكيش صديقات»، و«اخرجى من القوقعة اللى انتى فيها»، يا الله أبعد كل هذا العمر الذى أفنيته فى خدمته، ورعاية أولادى يقول لى هذا الكلام، وهل ذنبى أننى انشغلت بأسرتي، وفضلتها على أى شيء آخر؟.. ثم هل نسى بمنتهى البساطة أنه لم يشاركنى فى تربية ابنينا، ولم يعرف شيئا عن مذاكرتهما، ولم يتابعهما يوما واحدا، إلى أن تخرجا وتزوجا، وصار لكل منهما بيت وزوجة وأولاد؟!

وفى ظل هذا الوضع انعزلت عن الآخرين، فلم أعرف سبيلا إلى التنزه، أو الخروج من البيت وليست لى صديقات أزورهن، ويزورونني، مثلما فعل هو حين انصرف إلى نفسه، وتركنى أتولى المهمة الأسرية وحدي، فهل بكثير عليّ أن يخصص لى يوما واحدا فى الاسبوع نجلس فيه معا ونتحدث ونقترب من بعضنا كأى زوجين؟.. لقد قلت له كثيرا اننى بعد أدائى متطلبات المنزل أجلس بجوار ساعة الحائط أنظر إليها كل دقائق كأنى أخاطب عقاربها لكى تدور بسرعة حتى يأتى زوجى وحبيبى الذى ليس لى فى الدنيا غيره، لكن الوقت يمضى والعقارب تدور ساعة تلو الساعة، حتى يأتى الليل وزوجى لم يعد بعد، وفى كل مرة يسمع كلامى ويتجاهلنى فبدأ الشك يتسرب إلى قلبى بأن امرأة أخرى فى حياته، وصارحته بما يدور فى مخيلتي، والذى يؤكده ما طرأ عليه من تغيرات فى معاملتي، وأسلوبه الجاف، وكلماته القاسية التى لم أكن أسمعها من قبل، لكنه كالعادة نفى تماما أنه يعرف أى امرأة، وأكد أن أحاديثه فى الهاتف مع أصدقائه الرجال، وليست مع السيدات كما قد يتبادر إلى ذهني، وأعطانى هاتفه وقال «تأكدى بنفسك أن كل شكوكك ليس لها أساس من الصحة، ولما أمسكت الهاتف مرة بعد مرة، لاحظت توتره، فزاد شكى فى أن له علاقة بسيدة ما، وأنه يمسح الرقم بعد كل مكالمة سرية، وحسمت الأمر من هذه الناحية بأن وضعت برنامجا لتسجيل المكالمات على تليفونه المحمول، وأخفيت هذا البرنامج حتى لا يظهر عنده ويأخذ احتياطاته، أو يعطله لكى لا أكتشف أمره، ونجحت هذه الحيلة، وأصبحت أسمع مكالماته التى يجريها ليلا عندما أصحو من النوم وقبل استيقاظه، ومن كثرتها كنت أتجاهل بعضها، إلى أن رصدت مكالمات حب وغرام منه إلى زوجة شابة فى مثل سن ابننا، وهو يتوسل إليها أن تأتى إليه فى الموعد الذى اتفق عليه، ولا تتأخر، فلقد ألغى كل مواعيده حتى يراها، ويقضى بعض الوقت معها.. ونزلت كلماته عليّ كالصاعقة، وتأكدت من صحة شكوكى فيه، ووجدتنى أبكى بمرارة وأسأله فى نفسى والدموع تنهمر بغزارة من عينىّ، «وأين أنا فى حياتك التى عشتها زوجة مطيعة حريصة على زوجها وولديها، وكنت أنتظرك بكل الشوق والحب»؟.. الآن عرفت لماذا تنهى مكالمتى معك بعد أقل من عشر ثوان، بحجة أنك مشغول، فوقتك صار متاحا لغيري، أما أنا رفيقة العمر فقد أصبحت منتهية الصلاحية!

والحق اننى لم أتحمل أن يستمر هذا الوضع، وقررت أن أواجهه بغدره وخيانته، وأبلغت ابننا الأكبر بكل شيء، فصمم أن يكون معى لحظة المواجهة، خوفا عليّ من الانهيار، وبمجرد أن جلسنا نحن الثلاثة معا، أسمعت زوجى مكالماته الغرامية فثار وهاج، وبررها بأنها مجرد تسلية لا أكثر، وأتهمنى بأننى أتجسس عليه، وافتعل أزمة بيننا، وترك البيت، أما أنا فساءت حالتى الصحية، وبدأت رحلة الأطباء النفسيين والمهدئات والمنومات، وقال لى ابناى إننى أردد كلمة «ليه» كل دقائق، وأنهما يخشيان أن يصيبنى مكروه، فلم أرد عليهما، ودخلت فى دوامة «الاضطراب» من جديد.. وبعد أيام جاءنى الإثنان ومعهما والدهما، واعتذر لى أمامهما عن خيانته وظلمه لى كل هذه السنين وتقصيره فى حقي، وتعهد بأن يرجع إلى ما كان عليه وأن يعوضنى عما فات، فقلت له «إننى لم أقصر معك فى أى شيء، وكنت أنتظرك على أحر من الجمر، وأريدك بجانبى فى كل لحظة، فهل يكون هذا جزائي؟. فاعترف بأنه هو المقصر فى حقي، والمخطئ بما أقدم عليه من علاقته بأخري، وطلب منى أن أسامحه، وبرر لى ما فعله بأنه أراد أن يشعر برجولته، وأنه مازال مطلوبا ومحبوبا من النساء! فأخذت أضرب كفا بكف وأسأله فى استنكار: وأين مشاعري؟ وأين احتياجاتى العاطفية والنفسية؟.. وبكيت بحرقة وألم، وتذكرت سنوات عمرى الضائع، ومكافأة نهاية الخدمة التى كافأنى بها زوجى بخيانته لي، فجذبنى إليه وأخذنى بين أحضانه، وهو يقول «أنا اتعلمت الدرس، وعرفت انى كنت سأخسرك إلى الأبد».

صحيح أنه ردد على مسامعى كلاما مغايرا لما كان يقوله من قبل عندما تنبهت إلى حقيقة ما يفعله بعيدا عني، لكنى لم أعد أثق فيه على الاطلاق، ويقتلنى الشك تجاهه، وأتعذب ليل نهار، بل ألوم نفسي، وأتمنى أن يرجع الزمن إلى الوراء، فأكون الزوجة «المغفلة، المغيبة» وألا أفعل ما فعلته أو أسمع ما سمعته حتى أستطيع أن أعيش بشكل طبيعي، وأن أرتاح فى حياتى وأنام هادئة مطمئنة بعيدا عن عذاب الشك القاتل.. ثم أسأل نفسي، هل ما حدث من زوجى نتيجة «أزمة منتصف العمر» التى أسمع أن الرجال يعانونها عند سن معينة؟.. ثم هل من الممكن أن تتكرر أم أنه لن يعود إليها مرة أخري، وهل سترجع ثقتى فيه مع الوقت؟.. أم أن ما انكسر من الصعب إصلاحه؟.. إننى أتعذب ولا أجد إلى الخلاص من شكوكى وآلامى سبيلا، فبماذا تشير عليّ؟

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

«تكلم لكى أراك» حكمة عربية قديمة تلخص أهمية الكلام فى التواصل، فإذا كان مهما أن يتكلم الناس مع بعضهم للتعارف والتكامل، فإن الحوار يصبح أكثر أهمية بين الزوجين، إذ يؤدى الصمت إلى إرباك الحياة الأسرية، وإثارة الشكوك بين طرفيها، وهذا ما حدث معك إذ وصفت سكوت زوجك الدائم فى المنزل بأنه «صمت القبور» لتأكيد أنه لا ينطق بكلمة واحدة فى المنزل، وقد فاتك أن تعالجى هذا الأمر فى مهده، بسؤاله عما به، والإلحاح عليه بالحوار والكلام، وكذلك الحال بالنسبة له، فما كان ينبغى أن يترك نفسه للأهواء التى تتصارع داخله، فكلاكما غاب عنه الوعى بأن الحوار عصب الحياة الزوجية، والجسر الذى تنتقل عبره المغازلات والمعاتبات والاشارات والملاحظات، كما أن الحوار يؤدى إلى التفاهم، والهدوء والسلاسة فى التعامل، وكلاكما أيضا ترسخ فى داخله اعتقاد خاطيء بأن الأفعال تغنى عن الأقوال، فهناك من يرى أن الفعل دليل على الحب وأنه أبلغ من الكلام، لكن ذلك نصف الحقيقة، إذ يبقى الكلام دائما جسرا للتواصل ومكملا للفعل، فلقد ظللت ثلاثين عاما تعملين فى صمت وتراعين ابنيك، وتهتمين بشئون زوجك، لكنك تغافلت عن التواصل فى الحديث معه، وانجرف هو الآخر إلى عالمه فى العمل ومحيط الأصدقاء، حتى وجد نفسه بعد هذا العمر فى شباك زوجة شابة، فتناسى أنها حتما تريد منه مصلحة ما بحكم عمله ومنصبه، وانجرف وراءها لكى ينال غرضه منها، وبالطبع لن تكون هى وحدها التى سيقع فى شباكها، وسوف تتبعها أخريات يسعين للهدف نفسه، ولو أن الحوار موجود فى حياتكما ما وصلتما أبدا إلى هذه الدرجة من التفكك، فلقد تسربت على لسانه كلمات جارحة فى حقك، ما كان ينبغى أن ينزلق إليها أبدا فى كل الأحوال سواء أنه يشغل منصبا مهما، أو غير ذلك، فالمعاملة الزوجية ليس فيها رئيس ولا مرؤوس، وإنما تقوم على التكامل بين الطرفين، ويصعب على كل زوجة أن تصبر على الكلام الجارح من زوجها، فلها مشاعر وكرامة، ويجب أن تجد معاملة حسنة من شريك حياتها، لكنى توقفت عند عبارة ذكرتيها، وأراها دليلا على عقلك الواعى، وفكرك المستنير، وهى أن زوجك «عند الغضب يتحول إلى إنسان آخر». فلماذا لا تجعلينها مفتاحا للتعامل معه؟ ولماذا لا تنظرين إليه من هذا المنظار، فعندما يغضب تخيلى بالفعل أنه ليس زوجك الذى تعرفينه، وتعاملى معه على هذا الأساس، وسوف ترتاحين، وسيتغير هو تلقائيا، وسيدرك الخطأ الذى وقع فيه، ومن ثم يعتذر لك ويعود إليك من جديد!

ومن المهم أن تتجنبى فيما هو قادم استعادة الماضى أمامه، أو أن تذكريه بأخطائه أو تعايريه بنزوته التى اعترف بها، ووعدك بأن يطويها من حياته، لأن ذلك يعد من قبيل «الضرب تحت الحزام»، ولا تبادليه كلمة بكلمة لأن طريقة «العين بالعين» فى مثل هذه الأمور تؤثر فى استقرار الحياة الزوجية، فالمناقشة الهادئة تعيد مد جسور الحب بين الطرفين، ولا أنصحك بكثرة البكاء أمامه، فمن تستخدم «سلاح البكاء» تظن أنها بذلك تلين قلب زوجها، وقد يحدث هذا فى البداية، ولكنه سوف يعتاد الأمر، ولن يتأثر به، بل لن يثير فى نفسه ذرة من الشفقة، ومن ثم سينصرف عنها، وقد يشعر بالهم يحاصره، ولا يزيده إلا تبرما، فدموع المرأة القليلة تروى الحب، لكن دموعها الكثيرة تخنقه» ووقتها لا يعد تصرفه دليلا على عدم محبته لها، وإنما سيكون رد فعل طبيعى لأمر اعتاده كثيرا، وصار بلا أدنى تأثير عليه.

إن مشكلتك يا سيدتى من أبسط المشكلات التى يمكن احتواؤها بقليل من الحكمة، فلو اطلعت على ما يحمله إليّ البريد من المشكلات الزوجية، وما ابتليت كثيرات من النساء من أزواج لا خلق لهم، وما ابتلى فيه بعض الرجال من نساء لا تطاق عشرتهن سيهّون عليك ما أنت فيه، وما أجمل ما قالت الخنساء:

ولولا كثرة الباكين حولى

على إخوانهم لقتلت نفسى

وعليك أن تستثمرى عودة زوجك إليك، واعترافه بخطئه، ولا تجعلى ذلك ذريعة للشك فيه، ولا تعودى إلى التجسس عليه، والتفتيش فى محموله أو أغراضه، فإن هذا السلوك يجر عليك المتاعب والشكوك، ويدفع زوجك إلى الاجتراء عليك بما كان يستره عنك، بل إنه سيرى أن ما يفعله صار أمرا سائغا، وسوف يختلق الأعذار له، فعن معاوية بن أبى سفيان رضى الله عنهما قال «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «انك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم، أو كدت أن تفسدهم» أى إذا بحثت عن معائبهم وجاهرتهم بذلك، فإن ذلك يؤدى إلى قلة حيائهم منك، فيجترئون على ارتكاب أمثالها مجاهرة»، وعليه أن يكف عن الحديث مع النساء فى الهاتف أو لقائهن، والتطرق فى أمور تدفع به إلى ارتكاب المحرمات، فمن يدريه أن الكلمة أو النظرة لن توقعه فى المهالك «فعن سهل بن سعد رضى الله عنه أن رسول الله قال «اياكم ومحقرات الذنوب، كقوم نزلوا فى بطن واد، فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود حتى أنضجوا خبزتهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه»، وعليه أن يعى أن تساهله فى العلاقات المحرمة من خطوات الشيطان، حيث قال الحق تبارك وتعالى «يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر. ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا، ولكن الله يزكى من يشاء، والله سميع عليم».

والحقيقة أن زوجك اعترف بخطئه، وانى أرى هذا الاعتراف دليل قوة، وليس علامة ضعف، وما أجمل أن تقابلى اعترافه بالعفو والتسامح، فقديما قالوا «المقر بذنبه كمن لا ذنب له»، وقبول العذر من كمال المعاشرة بالمعروف، فعليك أن تثقى فى كلامه، ولا تعودى إلى التفتيش فى محموله، وكونى واثقة فى نفسك، وليكن هو عند هذه الثقة، وأجدنى أقول لكما معا:

أنتما فى رحلة العمر معا

تبنيان العش كالروض الأنيق

قد نما بينكما عهد الوفا

صادقا فالعهد فى الله وثيق

تحملان العبء روحا ويدا

والتقى نعم التقى زاد الطريق

نفحة تثمر فى النفس الرضا

تجعل الأيام كالغصن الوريق

فإذا الدنيا سراج هادىء

والمنى تسبح فى بحر طليق

وأرجو ألا يشغلك ما يقال عن أزمة منتصف العمر للرجال، فما يقال عن الرجال يقال عن النساء، وهناك من خبراء علم النفس من يتحدث عن المراهقة المتأخرة كمرض نفسى، ومن يصنفها كمرض عضوى ناتج عن اختلال الهرمونات فى السن المتأخرة، ويرى آخرون أنها مجرد حالة عمرية طبيعية جدا تصيب الانسان لأسباب مترابطة، يتعلق بعضها بالتنشئة وبعضها الآخر بصفات شخصية أو وراثية لا يمكن قياسها بشكل واضح، لكنهم يجمعون على أنها مرحلة طبيعية فى السن المتأخرة، وغالبا ما تمر دون عواقب أو مشكلات بين الزوجين ويبقى ذكاء كليهما فى الأخذ بيد الآخر لعبور هذه المرحلة، فاحرصا على أن تكونا معا فى كل خطواتكما، واستثمرى عودته إليك، وركزى على الحوار الالحاحى معه بأنك تحبينه، وتذكرى اللحظة التى جذبك فيها، وأخذك بين أحضانه، فلولا أنه يحبك ما فعل ذلك، أسأل الله أن يديم عليكما الحياة الهادئة المستقرة والعامرة بالحب والحنان، والله المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بيومي الفيومي
عضو مبدع
عضو مبدع
avatar

ذكر
عدد الرسائل : 818
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 210
بلد الإقامة : الفيوم مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 Unknow10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 8010
نقاط : 7316
ترشيحات : 7
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 I_icon_minitime15/1/2016, 12:59

اللحظة الجميلة


من بين الرسائل التى تلقيتها هذا الأسبوع،
رسالة بتوقيع هالة برعى من الإسكندرية وتقول فيها: أعرفها منذ أكثر من عشرين عاما، فهى أستاذة جامعية بإحدى كليات «القمة»، عاشت ظروفا صعبة جدا فى حياتها، بدأتها بالكفاح مبكرا دون كلل أو ملل، وكانت المحصلة بعد عقود من الشقاء والغربة للعمل فى العديد من الجامعات العربية ثلاث بنات تفخر بهن فى كل المحافل، ولم تعبأ بانفصالها عن زوجها مبكرا نتيجة خلافات بينهما، ومضت من نجاح إلى نجاح حتى تزوجت البنات وصارت لهن بيوت مستقرة مع أزواج يقدرونهن، وأنجبن العديد من الأحفاد الذين بعثوا البهجة والسعادة فى نفس هذه السيدة الفاضلة التى بلغت سن الثامنة والستين، ولا أبعث برسالتى إليك لكى أروى لك تجربتها الفريدة فى تربية بناتها، ولا لأتحدث عن كيفية مواجهتها طوفان المصاعب والعقبات التى واجهتها ولكنى أردت أن أكتب إليك عن اللحظة الجميلة والمناسبة السعيدة، التى جاءت ببناتها من أمريكا وكندا وبصحبتهن أزواجهن وأبناؤهن، أما المناسبة فهى أن صديقتى تزوجت من أستاذ جامعى فى الخامسة والسبعين، ماتت زوجته، ولم يرزقا بأولاد، وصارت بنات صديقتى وأحفادها هم بناته وأحفاده، وزاد من سعادة الجميع أن الزوجين متقاربان فكرا ونضجا، وفى ظروف أخرى كانت هذه الخطوة كفيلة بأن تقلب موازين حياتهما رأسا على عقب،لكن عمق الصداقة والحب، وروح المودة التى تربطها ببناتها جعلت هذا المشهد يمر على الجميع بنوع من الدفء والسعادة.

هناك فى بيتها الممتلئ بكل معانى الألفة قابلت زوج المستقبل الذى سافر الى معظم دول العالم كأستاذ فى الجامعة، ثم من خلال عمله فى هيئة اليونسكو.. إنه عريس اليوم الذى رفضه أخوها منذ أكثر من نصف قرن لأن أختها الكبرى لم تكن قد تزوجت بعد، فالآن وفى غفلة من «التعسف الأسري» يتحقق المراد لكى يتأكد الجميع أنه حتما ستأتى السعادة، وأن الزواج سيكون من نصيبهما مهما طال الزمن، فلقد اهتم هذا الرجل الحنون بزوجته الراحلة، ولم يتركها لحظة واحدة طوال فترة مرضها التى امتدت لسنوات، وحتى رحيلها منذ عدة شهور، وبعد المعاناة من الشعور بالوحدة، اتخذ قراره بالارتباط بمن ملكت عليه نفسه فى سن الشباب، ولولا موقف أخيها لكانت بصحبته منذ البداية.. وعندما فاتحها فى الأمر، وأبلغت بناتها به، وجدت منهن كل ترحيب، وقابلن موافقتها بكل الحب والرقى والاحترام، فلقد أصر الحبيبان على عقد الزواج علنا بصحبة عائلة كبيرة تدرك معنى «الحلال»، وتعرف مغزى «الإيجابية» فى التصرفات.. واليوم وهما فى هذه المرحلة المتقدمة من العمر، كان لابد أن يقترنا برباط المودة والرحمة، ولم لا والحياة تمر، والواقع يفرض نفسه على الموقف برمته.

ولعل قصة صديقتى وزوجها تكون بمثابة دعوة الى كل من يعترف بـ «الإيجابية فى السلوك»، ويكون سيد قراره، بأن يسعى الى قضاء أحلى أيام العمر مع من هم الأقرب إلى عقله وقلبه تحت مسمى «الرباط الشرعي»، لكى لا يكون عبئا أو حملا ثقيلا على أحد، مادامت الظروف مناسبة، والعائلة ناضجة تعى تماما معنى الاحتياج الى صديق وحبيب يهون عليه عذاب الوحدة والغربة إلى آخر العمر.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

إنها تجربة رائعة تؤكد للإنسان أنه يستطيع أن يحيا بشكل طبيعى مع شريك له فى الحياة الى آخر العمر، فزواج «الونس» ـ إن صح التعبير ـ حق يكفله الله للرجل والمرأة، إذ إنه سبحانه وتعالى لم يحرم زواج الأرامل، ولا المطلقين، وليس معنى أن يصبح الرجل مسنا أو المرأة عجوزا أن تتوقف حياة أى منهما، ويظل قابعا فى حجرته أو على سريره فى انتظار الموت، فما دامت الحياة تدب فيه فمن حقه أن يتزوج من شخص يكمل معه حياته، ويتخلص به من عذاب الوحدة المريرة، ولا دخل للأبناء بهذا القرار الذى لا يفصل فيه إلا الرجل أو المرأة المسنان، فهما أكثر الناس إحساسا بنفسيهما، واذا أراد أن يكمل أى منهما حياته بمفرده فله القرار، فكل إنسان على نفسه بصير، ويدرك ما يحتاجه، وما سوف يترتب على قراره من تداعيات.. ولا شك أن تجربة صديقتك نموذج جميل للحب والتفانى فى خدمة الأسرة، وإدراك مسئوليات الأم التى كان بإمكانها أن تتزوج فى سن الشباب بعد انفصالها عن زوجها الأول، ولكنها آثرت أن تربى بناتها، فكان صنيعها الممتاز بثلاث بنات فضليات أنجبن لها أحفادا يملأون حياتها، بل وصار لهم جد يحنو عليهم، وينظر إلى بناتها كأنهن بناته، وهذا هو غاية ما كانت تتمناه هذه المرأة الفاضلة.. ولعل تجربتها يستفيد بها من يخشون الإقدام على هذه الخطوة تحسبا لكلام الناس، ورفض الأبناء، وليأخذ كل مسن أو عجوز قراره بنفسه، وعلى الجميع أن يؤازره فى سن الجلال والاحترام.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أكرم عبد القوي
__________
__________
أكرم عبد القوي

ذكر
العمر : 57
عدد الرسائل : 23180
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 Profes10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 3011
نقاط : 37123
ترشيحات : 136
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 411

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 I_icon_minitime23/1/2016, 02:08

بريد الجمعة يكتبه: أحمد البرى
غريب الأطوار !


بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 2016-635890127348304201-830


أقرأ «بريد الجمعة» بانتظام منذ سنوات طويلة، برغم أننى لم ألتحق بأى مدارس، ولم أتلق أى قدر من التعليم، وانما استطعت محو أميتى فى مرحلة مبكرة من حياتى بفصول تعليم الكبار التى كانت تقام فى المدارس كل ليلة،
ولقد استوقفتنى رسالة «مفتاح الأمان» للطبيبة التى تزوجت بشخص رأت فيه الحبيب الذى تبحث عنه فإذا به شخص شديد الطمع والأنانية ومتزوج من أخرى ولديه منها أولاد، ويصرف على ملذاته الشخصية الكثير من دخله، ويكذب كثيرا بل ويسرق ما تدخره من مال، ويؤذيها اذا امتنعت عن علاقتهما الزوجية لما يتعاطاه من مواد منشطة تجعله غير طبيعي، وأنها برغم كل ذلك تريد الاستمرار معه، وتبحث عن مفتاح آمن للشقة حتى لا يدخلها فى غيابها ويستولى على ذهبها ومالها! ووجدتنى بعد أن قرأت رسالتها اكتب اليك بتجربتي، فأنا سيدة فى سن الخامسة والخمسين، تعرفت وأنا فى السابعة والثلاتين، على شاب فى مثل عمرى يعمل فى وظيفة مهمة بجهة كبري، وكان متزوجا من اثنتين أم أولاده، وسيدة فى مثل سن أمه، وأفهمنى أنه تزوجهما طلبا للراحة والسكينة، فلم يجد مع أى منهما ما يسعى اليه، وألح علىّ أن أوافق على الزواج منه، وبثنى كلمات الحب والغرام، وبمرور الوقت وجدتنى أستجيب له، وتزوجته فى سن الأربعين وسط دهشة وغرابة كل من حولنا، وبعد الزواج مباشرة اكتشفت أنه يتعاطى المنشطات التى تجعله فى حاجة الى العلاقة الزوجية مرات عديدة نهارا وليلا، وفى كل مرة يطلب منى أن أكون مختلفة عن المرة التى قبلها، وأصبح يقضى معظم الوقت معي، ولا يذهب الى زوجتيه الأخريين إلا قليلا، وظل هذا هو أسلوبه فى علاقته بنا نحن الزوجات الثلاث، ولا يعنيه شىء من الحياة الزوجية الا هذه العلاقة، وقد أدركت لماذا تزوج بمن هى فى سن أمه، وجمع بين ثلاث زوجات! اذ لا هدف له سوى المتعة، والويل لى اذا رفضت أو تألمت أو نفرت منه فعقابى هو الضرب المبرح، حيث ينهال علىّ ضربا وركلا، وأنجبت منه ولدا، ومرت السنوات وحاله كما هي، بل انه ازداد وحشية من ناحية العلاقة الخاصة لدرجة أنه كان يضربنى أمام ابني، الذى كان وقتها قد بلغ سن العاشرة ويدرك كل شىء، ثم ندخل حجرة مجاورة لحجرته، ويأخذ زوجى حقوقه رغما عني، وأحاول أن اكتم آلامى وأمثل المتعة التى لم أعد أشعر بها، وأحيانا ومع عنفه فى العلاقة ابكى بصوت مسموع، فيسمعنى ابنى وأنا أتضجر وأتالم وعندما ينظر إلىّ بعد ذلك أحس بكرهه الشديد لي.

ولم يكتف زوجى بذلك. فمضى يغازل جاراتى فى البلد الذى نسكن فيه، ويطلب منهن مشاهدة بعض أجسادهن وبالذات البنات، واشتكت لى كثيرات منهن من سلوكه، وهددن بأنهن سيفضحنه بين الناس اذا استمر فى مطاردتهن، وكلما سمعت عن مغامراته يزيد كرهى له، وعرفت من بعض النساء فى المنطقة التى نعيش فيها ببلد مجاور للقاهرة أنه يحكى عن علاقتنا الخاصة للبائعات فى القطار الذى يستقله من مقر عمله الى بلدنا، وأحيانا يتحدث مع مرءوسيه بما يدور بينى وبينه، وصار أسير البرامج والأفلام الإباحية سواء على الفضائيات الأجنبية أو الانترنت، وحاولت ان أقترب منه فى «لحظات الصفاء» القليلة، وقلت له اننى اعطيه كل ما عندى فلقد تزوجته عن حب وأريده أن يشعر بالسعادة والأمان معي، لكن سلوكه معى يجعلنى أنفر منه،فالعلاقة الخاصة رغبة متبادلة، واشتياق وارتواء للزوجين، وياحبذا لو تكون البداية من المرأة، لكنه ما أن سمع هذا الكلام حتى هاج ضدي، فمزاجه اهم من أى مهم بل وتمادى فى ممارساته اللا أخلاقية، حتى إنه عندما تأتى لى ضيفة يتحرش بها، وأقام علاقة مع جارتى القديمة، لكنه كلما أتحدث معه فى هذا الشأن ينكر وينفى ويقسم بالله كذبا أنه لم يفعل شيئا حراما مع أنى أملك الأدلة والقرائن على خيانته، وبلغ بى الامر اننى حينما اسمع «صافرة القطار» القريب من بيتي، اشعر بألم فى بطنى خوفا من أن يكون قادما فيه! وكان يقضى اياما وليالى طويلة معى دون ان يذهب الى عمله او يفكر فى زوجتيه الآخريين، وظل يمارس العلاقة الخاصة بشكل هيستيرى حتى ضقت ذرعا به، وأصبحت كل قطعة فى جسدى تكرهه من قسوة الألم، فهو لم يستح أن يفعل اى شىء يجلب له المتعة حتى كدت أن اقتله فى احدى المرات للخلاص من العذاب الأليم الذى أحياه، ووقتها خرج ابنى من حجرته، وهو يصرخ بصوت عال قائلا.. «إنتى اللى عملت فى نفسك كده.. إنتى اللى اتجوزتيه» وفكرت فى كلام الطفل فوجدته صحيحا، لكنى لم اكن اعلم انه بهذه الصفات السيئة التى لايتصف بها بشر، وتصورت انه رجل يحتاج الى زوجة يحبها وتحبه مثل كل البيوت المستقرة، ولم تستوقفنى زيجتاه الاولى ثم الثانية لأوقف التفكير فى الارتباط به، وفى ذلك اليوم وجدته يشاهد افلاما شاذة فخشيت على ابننا منه، فطلبت منه ألا يأكل أو يشرب شيئا من يد أبيه، واننى سوف اشترى طلبات البيت وأعود بسرعة، وتركته وأنا ارتجف خوفا من أن يلعب الشيطان برأس زوجى ويفعلها مع ابنه، فالشذوذ لايفرق بين حاصل على مؤهل عال وجاهل، وانما هو سلوك منحرف يلجأ إليه المرضى وذوو النفوس الضعيفة ومن لايعرفون ربهم، ولا همّ لهم الا ملذاتهم، وربنا سترها، ومرت أيام ثم خرجت أنا وابنى فى زيارة لمعارفنا، وعندما عدنا الى المنزل وجدت أن زوجى معه ولد صغير، وبدت عليهما علامات الارتباك، وتأكدت مما فعله به، وواجهته فلم ينكر، اذ تصور أنها ورقة ضغط جديدة علىّ ليتمادى فى طلب ما يحلو له منى دون وازع من دين او ضمير، ولكن كانت هذه هى «الشعرة التى قصمت ظهر البعصير» وأحضرت اهلى والأقرباء والغرباء، وطلبت الطلاق، ولما وجدته يماطل فيه هددته أمام الجميع بايصالات أمانة كنت قد حررتها عليه، وابرأته من كل حقوقي، فأى حقوق هذه التى اخشى أن اخسرها اذا تركت «حيوانا» مثل هذا؟!

وعم الهدوء حياتنا أنا وابنى بعض الوقت، ثم وجدته يتألم فأسرعت به الى الأطباء وبعد فحصه لاحظت علامات الوجوم على وجوههم، وطلبوا منى تحاليل وأشعات أخري، وأنا أسألهم ماذا جرى له، ولا أحد يرد علىّ فلم يعرف النوم طريقه إلىّ وظللت أبكى بمرارة وأنا اخشى من اللحظة التى افقد فيها ابنى ثم نزل الخبر علىّ كالصاعقة إذ ابلغونى بأنه مصاب بالمرض اللعين، وهكذا خضع للعلاج القاسى وعلى وجهه علامات البراءة والرضا، وأخذت كلماته ترن فى أذنى وهو يقول لى «لاتحزنى يا أمي» وقد لخص بعبارته البسيطة كل المعانى الانسانية بعد أن لمس ما عانيته مع أبيه الذى لم يسأل عنه، ولايعرف ماجرى له، وأتم جرعات علاجه، لكن حالته لم تتحسن ثم تدهورت سريعا، ولقى وجه ربه بين يدي، فناديت بأعلى صوتى «يارب يارب» انت المنتقم الجبار انتقم لى ممن كان سببا فى تعاستى.. يارب ارحم ابنى واسكنه فسيح جناتك، يارب لاتدع مظلوما الا وساندته، ولا ظالما الا وكسرته، ولا حاجة لنا فيها مصلحة، ولك فيها رضا الا وسهلتها ويسرتها يا أرحم الراحمين.

لقد ترك لى ابنى الندم على كل ما جنيته عليه من زواجى بأبيه، ولتبقى قصتى هذه درسا بليغا لمن تنجرف نحو الكلام المعسول، والأفضل للمرأة مليون مرة ان تبقى بلا زواج، على أن ترتبط بشخص لديها ذرة شك فى أنه يسعى إلى ملذاته، وأهوائه خصوصا من يتزوجون عدة مرات بلا أسباب واضحة، ولا مبررات معقولة، ومن هنا اقول لكاتبة رسالة «مفتاح الأمان»: إما أن يعالج زوجك من الوهم الذى يعيشه، واما أن تطلبى الطلاق بلا أسف عليه، ولا تلتفتى الى أى حقوق لك عنده، وانجى بابنتك، فهو لن يتوقف عن الاساءة اليك، وسوف يتزوج من جديد، وستضيع حياتك هباء.. أرجوك انهضى من غفوتك، واخرجى من الشرنقة التى تضعين نفسك فيها، وثورى على هذه الحياة، والحقى بالباقى من عمرك وكرامتك، فأمثال هؤلاء الازواج لا أمان معهم، ولا حياة سوية معهم، ماداموا يتعاطون كل ماهو غير طبيعى، وبالله التوفيق والسداد

< ولكاتبة هذه الرسالة أقول:



لا أميل الى الخوض فى المسائل المتعلقة بتفاصيل العلاقة الزوجية، لكنى مع كثرة الرسائل التى تتناول مغالاة بعض الأزواج فى علاقاتهم بزوجاتهم، ولجوئهم إلى المنشطات وغيرها من المواد التى تجعل الزوج غير طبيعى مع زوجته، وربما تدفعه إلى ارتكاب الخطيئة مع أخريات والزواج بأكثر من واحدة مع ما يترتب على ذلك من تداعيات.. أقول مع كل ذلك، وجدت لزاما عليّ أن أناقش هذه القضية من جوانبها المتعددة، أما الجانب الأول فهو تعاطى المنشطات بطريقة هستيرية، تجعل الرجل فى حالة «هوس» دائم بالجنس، ليس طلبا للمتعة الطبيعية بين أى زوجين، وإنما تأثرا بما تمنحه المنشطات من قوة بلا طعم، فعلاوة على أنها لا تعود بأى متعة عليه، فإنها أيضا تسبب ضررا بالغا للزوجة، وتجعلها فى حالة نفور دائم منه، وهو ما حدث معك يا سيدتى وكان ينبغى عليك أن تدركى ذلك منذ البداية، لكنك وافقت على الزواج منه برغم علمك أن له زوجتين إحداهما أم أولاده والأخرى فى عمر أمه، فالغريب أنك لم تسألى نفسك عن دوافعه للزواج، ولم تتبينى أمره برغم أنك ظللت على علاقة عاطفية به لمدة ثلاث سنوات، ويبدو أنك خشيت أن يفوتك قطار الزواج بعد أن أتممت سن الأربعين، فقلت فى نفسك «ظل راجل ولا ظل حيطة»، كما يقولون، وهو خطأ قاتل كان ينبغى عليك أن تتنبهى إليه.

والجانب الثاني، هو التشهير بالمعاصي، حيث انه يتحدث عن غرامياته بلا خجل، كما أنك تماديت فى ذلك، وأفسحت المجال لسماع ما يتردد عن سلوكه المشين سواء مع بعض الجارات أو حتى البائعات اللاتى يقابلهن فى رحلته بالقطار الى المدينة التى تسكنون فيها، ومن الواضح أن كل زوجة له تعيش فى منطقة بعيدة عن الأخريين، ويتردد هو عليكن وفقا لمزاجه ورغبته فيمن يجب أن يقضى لديها وقتا أطول، وقد نسيتما أن من الطوام التى ابتلى بها البعض، أن يفضح المرء نفسه بما ارتكب من معاص، فلم يخجل زوجك من أن يعترف بممارسته الخطيئة والشذوذ، كما أنك رحت تتحدثين عن جرائمه الأخلاقية مع الأخريات، وقد يتخيل أو تتخيلين أن هذه المجاهرة صدق وصراحة، وهى ليست كذلك، إذ أنها رجز من عمل الشيطان.. وعلى هذه الشاكلة نجد بعض برامج الفضائيات التى تتناول الأمور الشخصية بشكل فج بحثا عن نسب المشاهدة العالية، وأذكر هؤلاء بقول الحق تبارك وتعالى فى سورة الأنفال «وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم»، كما يقول فى سورة النور «إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا لهم عذاب أليم فى الدنيا والآخرة، والله يعلم وأنتم لا تعلمون»، وكانت نتيجة صنيعكما أن ابنك رحمه الله كتم فى نفسه الألم والحسرة على حال أبيه، وما صوره له خياله تجاه أمه، فكرهكما معا.

والجانب الثالث يتعلق بالتمادى فى التجاوز عن الأخطاء، الى أن تصير أمرا واقعا، فعندما اكتشفت حالة زوجك المهووس بالمنشطات، سكت ورضيت على مدى سنوات طويلة بهذا الوضع، ربما رغبة فى جذبه إليك وانصرافه عن زوجتيه الأخريين، أو إظهار أنك مازلت قادرة على العطاء من هذه الناحية مثل زوجة فى مقتبل الشباب، وفاتك أن تعالجى هذا الخطأ فى مهده، بالاستعانة بالأهل ليعرف كل منكما حدود الله، والحقوق الشرعية التى يجب الالتزام بها لقطع أسباب الخصام، والاستمرار فى الحياة الزوجية المستقرة.

أما الجانب الرابع، فهو إبعاد الأولاد عن الخلافات الزوجية، فلقد أخطأ زوجك بإقامة العلاقة معك على مسمع من ابنه، متجاهلا ما سوف يترتب فى نفسه من رواسب تنعكس عليه فى صورة مَرضية ونفسية فيما بعد، وأخطأت أنت أيضا عندما أكدت عليه عدم تناول أى طعام أو شراب من يدى أبيه فى غيابك، خوفا من أن يحدث له مكروه اذا لعب الشيطان بأبيه!.. ما هذا يا سيدتي؟ ومن أى نوعية زوجك هذا؟ ولماذا لم تحسمى أمرك معه مع اكتشافه خيانته ووقوعه فى مستنقع الرذائل؟

ويبقى الجانب الأخير المتعلق بالتواصل بينكما، فلقد كان صعبا إن لم يكن مستحيلا التواصل مع زوج «غريب الأطوار»، بعد أن بلغ هذه المرحلة من التدهور الأخلاقى ولو أنكما أحسنتما فن التواصل معا، ما وصلت الأمور الى هذه الدرجة الخطيرة، إذ كان يتعين عليه أن يدرك أن من حق زوجته أن تغضب وأن تخرج ما بداخلها من متاعب وآلام نتيجة ممارساته غير الطبيعية، لان ذلك يوفر لها الراحة النفسية، ويجعلها تعبر عن أفكارها ومشاعرها السلبية بطريقة معقولة، فالزواج الناجح يبدأ من الطرفين وليس من طرف واحد، ويلعب كل منهما دورا مهما فى تحسين العلاقة بينهما من خلال ما يقدمانه من الحب والدعم والإصغاء الجيد، والتواصل وتجنب المشكلات الزوجية.

فليحذر كل زوج الانجراف وراء «أوهام القوة» التى تمنحها هذه المنشطات المزعومة، إذ يتلاشى تأثيرها مع الزمن، ويكون قد فقد الكثير من قوته، فتنتابه الوساوس والشكوك نحو زوجته، على نحو ما فعل زوجك الذى أحسب أنه فى أيامه الأخيرة قد وصل الى هذه الحالة عندما شكك فى ابنك منه، كما تقولين، وعلى المرء ان يحافظ على صحته، حتى يصبح قادرا على الاستمرار فى علاقة زوجية متوازنة بعيدا عن المغالاة التى تجر الخراب على بيته، وتدفعه الى حالة مرضية عضوية ونفسية لا يرجى الشفاء منها.

والآن عليك أن تنفضى غبار الأحزان، وتطوى صفحة الماضى بكل ما فيها من آلام واسأل الله أن يدخل ابنك فسيح جناته، وبإمكانك أن تفتحى قلبك لزوج يؤنس وحدتك، ويكون لك عونا وسكنا بإذن الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
nasertoba
مرشح
nasertoba

ذكر
عدد الرسائل : 6343
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 Collec10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 110
نقاط : 17201
ترشيحات : 29
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 222210

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 I_icon_minitime29/1/2016, 23:59

بريد الجمعة يكتبه :احـمد البـرى
العملاقة والعصفور!




بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 2016-635896140504915817-491

أكتب إليك هذه الرسالة وعيناى تذرفان دمعا غزيرا لم أستطع حبسه، وأشعر إن قلبى مثل عينىّ يبكى هو الآخر لكنه يذرف دما حسرة وألما على ما عشته ومازلت أعيشه من متاعب وآلام، فأنا سيدة على مشارف السبعين،
كنت أعمل موجهة بالتعليم الثانوى قبل خروجى إلى المعاش، وقد نشأت فى أسرة تضم أبى وأمى ونحن عشرة أخوة: ثلاث بنات وسبعة أولاد، وتوفى اثنان فى ريعان الشباب، وبقى على قيد الحياة ثمانية أنا أكبرهم، وعشنا حياتنا فى منطقة راقية بالإسكندرية وسط الأجانب، وتميزنا بالهدوء الشديد فلم يسمع أحد لنا صوتا، حتى إنه ـ كما يقول المثل ـ إذا وقعت الإبرة على الأرض تسمع رنتها، وكان دافع أبى للحياة فى هذه المنطقة كرهه المناطق الشعبية المزدحمة بالسكان، والتى يرتادها كل صنوف البشر ذوى الأصوات العالية، والألفاظ غير اللائقة، والمشكلات التى لا تنتهي، ولهذا السبب أيضا رفض إلحاقنا بالمدارس الحكومية، وأدخلنا مدارس خاصة، وكانت هناك سيدة فقيرة وبناتها يساعدن جدتى ووالدتى فى أعمال المنزل مقابل خمسة وعشرين قرشا لكل واحدة يوميا، ويزيد أجرهن حسب الظروف الاقتصادية العامة، وظللن معنا حتى سبعينيات القرن الماضي.

وكبرنا على الحب والتعاون، وربطتنا علاقات المودة مع جيراننا اليونانيين، وكنا نتبادل الزيارات فى المناسبات، ونحافظ على مشاعرهم، ويحافظون على مشاعرنا، ومرت الأيام وتغيرت الأحوال، ومضى كل واحد فى الطريق الذى رسمه لنفسه، فمنهم من عاد إلى وطنه، ومنهم من ظل مقيما فى الإسكندرية حتى وفاته، وتم دفنه فى مقابر الأخوة المسيحيين.

حقا كانت حياة جميلة وهادئة ورائعة، وتزوج عدد من أخوتي، وتزوجت أنا أيضا، ثم مات جدى وجدتي، وتبعهما والداي، ولم يتبق فى شقتنا التى أمضيت معظم حياتى فيها إلا ثلاثة من أخوتى يعانون القصور الذهني، وأخ رابع هو أكبرهم، وقد تزوج وعاش معهم فى الشقة، وأتوقف هنا قليلا لأقول إن القصور الذهنى ليس هو التخلف العقلي، فأخوتى الثلاثة الذين أتحدث عنهم يقل عمرهم العقلى بعض الشيء عن عمرهم الزمني، فمثلا يبلغ أحدهم الثامنة والخمسين، ويعيش بعقلية طفل عادى عمره اثنى عشر عاما، وذاكرته جيدة، لكنه لا يستطيع أن يمارس حياة رجل فى مثل سنه، ويبلغ الثانى السادسة والخمسين إلى جانب أختى البالغة من العمر ثلاثة وستين عاما ولم تتزوج، وقد عاش الثلاثة مع أخيهم البالغ من العمر ستة وستين عاما، والحق أن معيشتهم معه ظلت مستقرة وهادئة بفضل زوجته الرائعة التى عاملتهم كأخت لهم، واتسمت بالخلق الرفيع، والاحترام، والتفانى فى العطاء، وأحببناها جميعا، ولم تحدث مشكلة بيننا إلى أن رحلت عن الحياة، وكان يوم خروج جثمانها من المنزل يوما حزينا، ومشهدا مؤثرا دمعت له العيون، فلقد افتقد أخوتى بموتها السند الوحيد لهم، وقد أنجبت ولدا وحيدا كبر وتزوج وأصبحت له أسرة وبيت وأولاد.

هذه هى الصورة العامة لنا، وكان من الممكن أن تمضى حياتنا على هذا النحو من الالتزام والهدوء والرقي، لولا الكارثة التى حلت بنا، ومازلنا نعيش تبعاتها إلى الآن، فأخى البالغ من العمر ستة وستين عاما، وراعى أخوته، كان يعمل محاسبا بجهة مهمة، وقد تخلى عما تربى عليه وما دأبنا على اتباعه من الأمانة والنزاهة، وانحرف فى سلوكه المهني، واستولى على المال العام الخاص بمنطقة عمله، فتم فصله من الخدمة، وقضى عقوبة السجن التى حكم بها القضاء عليه، وقد تعرف فى محبسه على سجين نصاب استولى على مبلغ كبير من أحد الأشخاص ولم يرده إليه، وهذا السجين يقطن فى منطقة مشهورة بأنها تجمع النصابين ومدمنى المخدرات وبيوت الدعارة، والقتلة، وكل ما له صلة بالانحراف، وكانت ابنته تزوره بانتظام، وتحضر له معها الطعام والملابس، أما أخى فلم يزره أحد منا، إذ كيف نزوره وقد جلب لنا وللعائلة كلها العار، وقد فكرت كثيرا فى أمره، فلم أستطع أن أغفر له خطيئته، إلا أن ابنه الوحيد هو الذى حرص على زيارته من حين إلى آخر، وكان عمره وقتها ثمانية عشر عاما، ولم يكن قادرا على إحضار أى شيء لأبيه فى السجن، وبمرور الوقت زاد ارتباط أخى بهذا الرجل وابنته التى كانت تأتى لهما بالطعام والملابس والسجائر، ثم كانت الفاجعة الكبرى يوم خروجه من السجن، إذ رد أخى الجميل لصديقه بالزواج من ابنته البالغة من العمر وقتها ثلاثة وثلاثين عاما، وكان عمره حينئذ ستين عاما، وصار صديقا حميما لـ«بورمة»، وهو الاسم الذى اشتهر به هذا الرجل! وجاءت عروس أخى إلى المنزل فوجدتها مختلفة عنه فى كل شيء، ففى حجم الجسم ضخمة للغاية، وتبدو عملاقة بجانب أخى الذى يظهر كالعصفور إلى جوارها، ومن حيث الشكل فليست فيها أى ملامح للجمال، ولا يتحمل بشر الألفاظ التى تتفوه بها، ولا حركاتها ولا سلوكياتها السوقية، وتطلق الكلمات التى تخطر على بالها غير عابئة بأحد، وهوايتها الشتائم والوقيعة بين الأخوة والأخوات والجيران، ولا تستحى أن تطلق الشائعات التى تمس عرض وشرف الآخرين، وتجلس فى الشرفة وهى تدخن الشيشة، وتطلق الضحكات بصوت مفزع، وزاد الطين بلة أنها أنجبت من أخى طفلا عمره الآن خمس سنوات، وتربيه على طريقة أهلها، فهو دائم السباب لها، ولأخوتي، وتشجعه على بذاءاته التى تعلمها له، بل ولا تستحى أن تفعل أى شيء، حتى إن ملابسها عارية وضيقة بشكل يزعج من يراها، وقد استغرب الناس والجيران أن تكون هذه المرأة زوجة أخي، وزاد اندهاشهم من سكوته على تصرفاتها.

ولم يتوقف أخى عند هذا الحد من التدهور السلوكى والأخلاقي، إذ سعى هو وزوجته لاستغلال أخوتى الضعفاء بدلا من أن يكون عونا لهم، فحاول مرارا طردهم من الشقة التى تبلغ مساحتها مائتين وعشرين مترا مربعا، ومكونة من سبع غرف، وحمامين، ويفوق ثمنها اليوم ثلاثة ملايين جنيه، لتكون خالصة له ولزوجته، أما أخوتى الثلاثة فيحصل أحدهم على معاش مبكر لعجزه عن الاستمرار فى عمله بإحدى الشركات التى التحق بها ضمن نسبة الخمسة فى المائة للمعاقين، وذلك لإصابته فى حادث تسبب له فى إعاقة جسدية إلى جانب قصوره الذهني، والثانى مازال يعمل فى شركة للمشروعات السياحية، والأخت الثالثة تحصل على معاش الضمان الاجتماعي، يعنى حياة بسيطة يحياها أخوتى بما لهم من ظروف خاصة، لكن شقيقنا يأبى إلا أن يحيل حياتهم إلى نكد مستمر، وعذاب لا ينقطع، فهو دائم الاعتداء عليهم بالضرب، والتهديد بالقتل، ويستولى على أموالهم كل شهر، وهم يخافونه ويرهبونه، ولم تجد توسلاتى إليه بأن يتركهم وشأنهم، ويكفيهم ما يعانونه من أمراض، وبلغت الغطرسة والشدة به إلى حد أنه انهال ركلا على أخى الموظف حتى أحدث له نزيفا بالطحال، وأخذه رغما عنه إلى مكتب البريد وسحب كل مدخراته، وأخفى متعلقاته وبطاقته وهاتفه المحمول وذهب به إلى مستشفى للتأمين الصحي، وبعد الفحوص والأشعات قال الطبيب إنه لا بديل عن استئصال الطحال، ولما عرفت ما حدث له أسرعت بشراء أكياس الدم اللازمة للجراحة، فأخذها وظننت أنه سوف يتابع الجراحة وفقا لقرار الطبيب، لكنه لم يفعل واحتفظ بإيصالات الدم ربما اعتقادا منه بأنه سوف يعيدها إلى المستشفى ويحصل على ثمنها، بدليل أنه أخفاها وأخرج أخى من المستشفى وهو بهذه الحالة، ولا أدرى كيف سمح له الأطباء بذلك دون إجراء الجراحة اللازمة لشقيقنا، وأخذت أضرب كفا بكف، واتصلت بأختى التى تحمل ليسانس الحقوق لكنها لا تعمل، إذ تفرغت لرعاية بيتها، فجاءت مسرعة وهممنا بحمل شقيقنا المريض إلى مستشفى خاص، فإذا بزوجة أخى تصرخ بصوت عال رافضة أن نحركه من مكانه، وكسرت كل ما طالته يداها من أدوات الصينى والأجهزة الكهربائية، وانهالت علينا بأقذع الشتائم، ثم سحبت أنبوبة الغاز من البوتاجاز وأمسكت الكبريت فى يدها الأخرى وهددتنا بحرق الشقة بمن فيها إذا صممنا على أخذ شقيقنا لعلاجه، فاتصلت ببوليس النجدة أكثر من مرة ووجدنا الرقم مشغولا، كل هذا وأخى السليم الذى ضربه وأحدث به هذه الإصابات واقف كالحجر، ولم يجد بدا أمام إصرارنا على أخذه من أن يسحب من زوجته أدوات الإرهاب، وأخذ منى الهاتف وسمح لنا بالخروج!

واتفقت مع أختى على أن تأخذ ابنى الوحيد الذى رزقت به وأصيب بالفصام الذهنى بعد تخرجه من الجامعة معها، وأننى سوف أتابع أخى المريض الذى أبلغنا عمله بإصابته ونقلته إلى مستشفى خاص، وظللت معه لمدة أسبوع وأجريت له خلاله الأشعات والتحاليل، وتلقى العلاج المناسب، وبعد أن تحسنت حالته أخذته معى إلى منزلي، ويقيم لدى حاليا، وحررت لأخى الجانى محضرا فى الشرطة، وسيتم عرضه على النيابة لاسترداد حق المجنى عليه.

إننى لم أتصور أبدا، ولم يدر بمخيلتى أن يحدث لنا ما حدث، ونحن الأسرة الصادقة الأمينة المحافظة، ولكن الأيام دارت، وصرنا فى هذا الوضع الصعب بسبب زيجته غير السوية، ونحن لا نملك مالا، ولا دخلا كافيا، ولكننا نملك إرادة وعزيمة وتعففا يجعل الآخرين يظنون أننا أثرياء، وهذه نعمة كبري.. أتتخيل ما يحز فى نفسى الآن.. إنه السر الذى باح لى به شقيقى المريض عن المبلغ الذى كان يدخره فى مكتب البريد، فيقول إنه كان يرتب نفسه لأداء العمرة، ولا يعرف سبيلا لتحقيق أمنيته بعد أن سرقه أخوه؟! وهو مشهور بين جيرانه وزملائه بـ «أشرف البركة» ويحافظ على أداء الصلوات فى مواعيدها، ويصوم يومى الاثنين والخميس منذ أن كان طفلا، نعم يحز فى نفسى ما قاله لأننى لا أملك أن أحقق رغبته، فى الوقت الذى فعل به شقيقنا ما فعل من تعد بالضرب حتى الإصابة البالغة، وأخذ ما بحوزته من نقود، حتى المبلغ الذى كان ينوى به زيارة بيت الله الحرام، أخذه عنوة، وبلا وازع من ضمير، ثم هل يعقل ما تفعله زوجة أخي، ويشاركها ارتكابه مع أناس لا حول لهم ولا قوة، وفى أى زمن نحن الآن؟

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

انجرف شقيقك من عالم المثل والأخلاق الحميدة التى نشأتم وتربيتم عليها، إلى عالم الجريمة وسلوك المنحرفين الذى غرسه فيه رفيق دربه خلال سنوات السجن التى قضاها عقابا له على اختلاس المال العام علاوة على فصله من الخدمة ليلاحقه هذا العار مدى الحياة، ومع انخراطه فى عالمه الجديد وسط اللصوص والمجرمين كان طبيعيا أن يميل إلى هذا الرجل، وأن يوطد علاقته به طلبا لنيل رضاه بعد أن زوجه ابنته، متغافلا عن عيوبها الخطيرة وأخلاقها السيئة، ومتجاهلا الفروق الكبيرة بينهما من حيث السن والثقافة والوسط الاجتماعي، وهكذا صار السلوك الاجرامى الذى اكتسبه بواقعة الاختلاس، صفة ملازمة له، إذ إنه عرف الطريق إلى السيطرة على أشقائه ذوى القصور الذهنى عن طريق الضرب ووصل به الأمر إلى حد أنه أخذ مدخرات أحدهم بالقوة، بعد أن أحدث به اصابة فى بطنه جعلته ينزف بغزارة! والغريب أنه لم ينزعج لما فعله أو يراجع نفسه، ويبدو أنه تعلم على يد صديقه فى السجن كيف يبرر فى داخله تصرفه العدواني، وسلوكه الجانح فليس ما يفعله بكم نوعا من المحاكاة أو التقليد للمجرمين الذين خالطهم فى السجن، وإنما هو نتيجة طبيعية لما أصبح عليه من اتجاهات ودوافع، وما تعلمه من فنون ارتكاب الجرائم!

إن شقيقك نموذج لنظرية «المخالطة الفارقة»، وهى تشير إلى أن السلوك الإجرامى يتم تعلمه عن طريق الاختلاط والتفاعل والتأثير المتبادل مع أشخاص آخرين خلال عمليات التواصل والاتصال، وزاد منه ارتباطه بزوجة فى نصف عمره، ولا تصلح أبدا كزوجة وأم، فمن أهم الجوانب الوقائية للسلوك المنحرف حسن اختيار الزوجة، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس»، فالعناية بالمولود تكون قبل مجيئه بحسن اختيار الأم الموجه الأول له، والتى يعتبر صلاحها مؤشرا مهما لصلاح أبنائها فيما بعد، وهو ما لم يفعله شقيقك فكان أن انجب ابنا على شاكلة أمه وأسرتها لدرجة أنه لا ينطق إلا البذاءات والشتائم، وهو فى عمر الخامسة، فماذا ينتظر منه بعد أن يكبر سوى أن يصبح واحدا من المجرمين والنصابين؟ ونسى شقيقك أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بحسن رعاية الأولاد، حتى اليتامى واللقطاء حيث قال «ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح»، إذن إلى هذه الدرجة حرص الإسلام على تربية النشء، فما بالنا لو أن الطفل هو الابن؟

ولقد فات شقيقك أيضا اختيار الرفيق الصالح، وتجنب قرناء السوء، ولم ينتبه إلى قوله تعالى «يوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتنى اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتنى لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلنى عن الذكر بعد إذ جاءنى وكان الشيطان للإنسان خذولا» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك أو تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة»، ولذلك تتوالى العواقب وخيمة عليه، وسوف ينحدر إلى الأسوأ إذا لم يراجع نفسه، ويكفر عن ذنبه ويعود اليكم تائبا عما فعله فى حقكم، وإلا فإن الله سوف يعاقبه فى الدنيا والآخرة، وستكون عاقبة أمره وبالا عليه، وليعد مستحقات أخيه إليه ولا يقرب أموال إخوته، بل يساعدهم قدر استطاعته وبإمكانه أن يطرق أبوابا عديدة طلبا للعمل مادام قادرا عليه، المهم أن يأكل طعامه بالحلال، ويجمع شمل الأسرة التى تفككت على يديه، وليأخذ العبرة والعظة من شقيقه الذى ضربه حتى سال الدم منه، فبرغم ما حدث له وما يعانيه من متاعب وآلام نفسية وجسدية فإنه مازال يواصل عمله، ويؤدى فروض دينه، ويراعى ربه فى كل كبيرة وصغيرة، لدرجة أنه ادخر المبلغ الذى استولى شقيقه عليه، لكى يؤدى العمرة ـ إنها الراحة والطمأنينة التى يفتقدها الكثيرون، فأخوك المريض لم تغره الدنيا بشيء وإنما عاش هادئ البال راضيا بما قسم الله له، ولذلك سوف يسعد فى الدنيا قبل الآخرة، وسوف تتحقق رغبته فى زيارة بيت الله الحرام، وما أكثر من يساهمون فى هذا الجانب من الفضلاء.

أما أنت يا سيدتى فعليك أن تدركى أن «الحيلة فيما لا حيلة فيه الصبر»، وأن «من اتبع الصبر، اتبعه النصر»، فليس بإمكانك الآن أن تقدمى شيئا لشقيقك المريض الذى يعيش معك الآن، والكرة الآن فى ملعب شقيقك السليم ذهنيا وجسديا، فإما أن يعود إلى جادة الصواب ويدرك فداحة الأخطاء التى ارتكبها على الأقل بالنسبة لإخوته فلا يقرب مالهم أبدا ويعيد ما أخذه من شقيقه ويطلب منه الصفح والعفو عنه، فإذا فعل ذلك أرجو أن تتجاوزوا عن خطئه مع أخذ التعهدات اللازمة عليه بذلك، وإذا استمر فى غطرسته وموقفه المخزى فاستمروا فى مقاضاته وسوف تعيد المحكمة الحق إلى أصحابه، وأعلمى يا سيدتى أن أفضل العبادة انتظار الفرج، وأذكرك بقول الحق تبارك وتعالى: «لا تحزن إن الله معنا»، نعم إنه علينا بصير، وهذه الآية يقولها كل من تيقن من رعاية الله ولطفه ونصره، فتوكلى على الغنى ذى القوة المتين، واجعلى شعارك دائما «حسبنا الله ونعم الوكيل» وفوضى الأمر إليه وثقى فى وعده، وانتظرى الفرج منه وسوف ينفك الكرب بإذن الله.

أما على صعيد زوجة شقيقك وابنه فليعلم أنه إذا لم يقوم سلوك زوجته من الآن، ويحتوى ابنه، ويبعده عن الوسط الذى تعيش فيه أمه وأهلها فسوف تتدهور أخلاقياته إلى ما هو أسوأ، لأنه إذا كان ينطق بالألفاط البذيئة وتتردد على لسانه، وهو ابن خمس سنوات فماذا ينتظر منه بعد أن يصبح شابا يافعا، ويزيد اختلاطه بهؤلاء؟.. بالطبع ستكون النتائج كارثية، ولا بديل أمام شقيقك هذا سوى أن يعيد رسم خريطة حياته من جديد ويخيّر زوجته بين الالتزام السلوكى أو أن يذهب كل منهما إلى طريق بعيد عن الآخر، فهناك مسائل أسرية ينبغى حسمها، وإلا سوف يستفحل خطرها بمرور الأيام، وعليه ألا يخشى أن تغضب أو تترك له المنزل فحسم الأمور الخاطئة يكون أفضل كثيرا من الاستمرار فيها، وإذا حسنت نيته وصدق عزمه، فسوف تتغير أحواله إلى الأحسن.

أسأل الله أن يرشدكم إلى الطريق الصحيح، وأن يكتب الشفاء لاخوتك وأن يحقق أمنية شقيقك المصاب بزيارة بيت الله الحرام وهو وحده المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ali999
عضو متقدم
عضو متقدم
ali999

ذكر
العمر : 47
عدد الرسائل : 676
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 21010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 Unknow10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 8010
نقاط : 6958
ترشيحات : 26

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 I_icon_minitime5/2/2016, 17:33

بريد الجمعة يكتبه : احمد البرى
العدو الغامض!


بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 2016-635902236376690954-669


ينتابنى القلق وتقتلنى الحيرة منذ سنوات عديدة، ولم أجد من يعيننى على الخلاص مما أعانيه من متاعب وآلام، فقررت أن أكتب إليك عسى أن تجد لى مخرجا للوصول الى بر الأمان، فأنا فتاة فى سن الثالثة والثلاثين،
أعمل صيدلانية فى أحد المستشفيات ولى شقيقان يكبرانى بعدة سنوات، وقد وجدت كل شيء حولى منذ صباى غريبا، ويبعث على الدهشة والاستغراب حتى فى أدق تفاصيل حياتنا، والحكاية بشيء من التفاصيل أن أبى جاء الى القاهرة نازحا من الصعيد للدراسة فى كلية الطب، والتقى أمى فى الكلية نفسها، وشاء القدر أن يعملا معا فى نفس المستشفي، وأصبحا يلتقيان يوميا، فزاد ارتباطهما وتزوجا بعد قصة حب، ولم يكن لأبى سكن مستقل أو شقة مناسبة لأسرته الصغيرة، فاتفقت معه والدتى على الإقامة فى الدور الأرضى للفيلا التى آلت إليها هى وأخوتها الثلاثة «ولدان وبنت» بالميراث بعد رحيل أبويهم، والمكونة من ثلاثة طوابق فى إحدى المناطق الراقية حيث يسكن شقيقاها الدورين الأول والثاني، أما شقيقتهم الأخرى فلقد تزوجت وانتقلت للإقامة فى بيت زوجها، وبقى نصيبها فى الفيللا هو نصف الدور الذى سكنته أمي، لكنها تركت المكان كله باعتبار أنها تقيم فى مكان آخر، واحتفظت بحقها فى الرجوع اليه وقت الحاجة!! ومضت الحياة بأبوى بلا طعم، إذ سيطرت أمى على مقاليد الأمور تماما، فهى صاحبة الأمر، تأمر فتطاع وتنهى فيمتثل أبى لإملاءاتها، ودأبت على معايرته وتذكيره بأنه يعيش فى بيتها، وأنه انسلخ من أهله، وليس له أحد يسأل عنه، وهذه حقيقة مرة تغافل أبى عنها، إذ قطع كل صلة له بعائلته، ويبدو أنهم أنكروا عليه صنيعه فقاطعوه، وصار مقطوعا من شجرة، كما يقولون، إذ لم نر أحدا من أقاربنا فى المناسبات الاجتماعية أبدا، وحتى فى الأزمات الصحية والظروف الطارئة التى يتكاتف فيها الجميع غابوا عنا، ولم نعرف الى التواصل معهم سبيلا، ومع الضغوط الشديدة التى مارستها أمى عليه تحاشى المجيء الى المنزل طوال النهار، وأصبح يقضى معظم وقته فى المستشفي، ثم فى عيادته الخاصة، ولا يأتى إلا على موعد النوم، ليواصل فى اليوم التالى هذا النمط المتكرر من الحياة، وكانت أمى تخرج من المستشفى قبله وتأتى الى المنزل مسرعة وتتابع كل همسة فى حياتنا أنا وشقيقيَّ، ومع استمرارها فى أسلوبها الغليظ فى التعامل ابتعد أخوتها عنها وانصرفوا الى حياتهم الخاصة، ولم يعد بيننا وبينهم سوى «التحية العابرة»، واستراحت أمى لذلك، وكثيرا ما كنت استشعر أنها تكره الجميع، أو كأن هناك عدوا غامضا تود الخلاص منه، وشيئا فشيئا أصبح أبى يبيت خارج المنزل معظم الأيام، متعللا بأن «الشغل كثير عليه»، ولم تتنبه أمى لذلك، بل إن واقع حالها وقتها يقول إنها ملكته، ولن يستطيع أن يفعل شيئا هى غير راضية عنه، ومرت السنوات وكبرنا، والتحق شقيقاى بكلية الطب، ثم التحقت بعدهما بكلية الصيدلة، وسرنا نحن الثلاثة وفق النظام الصارم الذى وضعته والدتنا لنا، بعدم الاحتكاك بالآخرين، والتركيز على المذاكرة فقط، وعدم فتح التليفزيون إلا فى وجودها، وفى أوقات حددتها بدقة، والويل لمن يخالف تعليماتها.. أما والدنا فقد تبين أنه تزوج بأخري، وأخفى زواجه عن الجميع، لدرجة أنه أنجب منها ثلاثة أبناء «ولدا وبنتين»، وأنه يعيش مع زوجته الثانية وأولاده منها فى شقة بالحى الذى تقع فيه عيادته، وقد عرفت والدتى بزواجه مصادفة عندما تتبعته بعد خروجه من المستشفى الى منزله، وثارت عليه ثورة عارمة، ومنعته من دخول بيتها، ولم تجد نصائح أخوتها لها بأن تحسن معاملة زوجها، فهى السبب فى انصرافه عنها بتصرفاتها الحمقاء، وحذرتنا من زيارته أو التعامل مع زوجته الثانية، وأولاده منها، ولم يكن بأيدينا شيء سوى أن ننصاع لأوامرها، وساءت حالة أبى النفسية والصحية، ولزم الفراش بضعة أشهر ثم رحل عن الحياة بلا مودعين اللهم إلا نفر قليل من الجيران، فحتى أهلنا فى الصعيد لم يشاركوا فى توديعه الى مثواه الأخير، ويا له من موقف يشيب له الولدان، ولقد خرجنا أنا وأخوتى الى الجنازة نرتجف من هول المشهد، وتذكرنا الحياة التعيسة التى عشناها فى غيابه، وأننا حرمنا من أبوينا، ولم نذق يوما واحدا من السعادة بين أحضانهما مثل كل الأبناء، وكثيرا ما حسدت زميلاتى وأنا أراهن يمشين فى الطرق وقد أحاطهن آباؤهن وأمهاتهن، فالحب والاحتواء والقناعة والرضا والاطمئنان أهم مليون مرة من القصور والأموال، ولكن من يعى ذلك؟

لقد تصورت أمى أنها بضغطها المتزايد والمتواصل على أبي، وتذكيره كل يوم بأنه يعيش فى بيتها، سوف تسيطر عليه، ولن يجرؤ على النظر الى غيرها، فإذا بالعكس هو الذى يحدث، ونكون نحن الضحية لعنادها الغريب، حيث ازدادت شدة وتحكما فى كل خطواتنا وقطيعة لأخواتها، وحتى أختها المتزوجة فاجأتنا بطلبها ميراثها فى الفيللا، وتمسكت به بعد رحيل زوجها، وهو نصف الدور الأرضى الذى نسكن فيه، واجتمع أشقاء والدتي، وأقاموا حائطا فاصلا بنصيب كل منهما، وأصبحنا نعيش فى نصف الدور، وأخذت خالتى النصف الآخر، وأقامت مدخلا خاصا بها.. وكان أخى الأكبر وقتها قد تخرج، وعمل فى مستشفى خاص، ولم يمض وقت طويل حتى استقل بحياته وتزوج بعيدا عنا ولم نعد نراه أو حتى نسمع صوته إلا بين الحين والحين.

وصرت أنا وشقيقى الثانى فى مواجهة أمنا التى لاحقتنا فى كل خطواتنا، وفرضت علينا «ستارا حديديا» أشد قسوة من ذى قبل، ولم نشأ أن نعارضها فى أى شيء، وإذا كان شقيقنا الأكبر قد نفذ بجلده من أسرها وقاطع الجميع، فإننا نأبى أن نفعل مثله أو أن نضايقها، فشقيقى الآخر يرفض بإصرار أن يتزوج ويستقل بحياته إلا بمشورتها، لكنها لم توافق على كل من عرضهن عليها للارتباط بإحداهن، وتشعر أن هناك من يدبر أمرا غامضا لخطفه منها، مثلما حدث مع شقيقنا الذى وجد أنها تغالى فى كل شيء، وكان يردد دائما أنها سوف تدفننا أحياء إذا ظللنا أسرى لأفكارها المغلوطة عن الآخرين، وبصراحة فإن كلامه سليم، فما عانيته ومازلت أعانيه منها، أمر لا يصدقه عقل، فجميع من تقدموا لطلب يدى رفضتهم بلا نقاش، خشية ألا أرتاح مع من سأتزوجه، وأواجه فيما بعد ما سوف يظهر من مساوئه التى يخفيها الشاب عادة عن الفتاة التى يتقدم لخطبتها، وأن الزواج فى حاجة إلى تمحيص دقيق، ويتطلب وقتا طويلا، ومعرفة سابقة بأهل العريس، وهكذا مضى أحد عشر عاما على تخرجى وعملي، وتزوجت معظم زميلاتي، وصار لهن بيوت وأسر وأبناء، وأنا «محلك سر»، بل إننى على المستوى الشخصى لا أجد راحتى فى المنزل نهائيا، ووالدتى موجودة به ليلا ونهارا لا تغادره أبدا بعد أن خرجت إلى المعاش، وليست لها عيادة خاصة تشغلها ولو بعض الوقت، وليس لها أى نشاط، ومنذ معرفتها بزواج أبى ثم بعد رحيله، وأنا ألازمها فى حجرة النوم رغما عني، إذ وضعت فيها سريرين لأنام على أحدهما، وتنام هى على الآخر ولنا دولاب واحد مشترك، وقد انتهكت خصوصياتى تماما، فليست لى أدواتى الخاصة، وحقيبتى التى لا يفتحها أحد، ولا أستطيع أن أنظر فى المرآة أو أقوم بتسريح شعرى مثلا أو حتى تغيير ملابسى إلا على مرأى ومسمع منها، وتبدد حلمى فى أن تكون لى حجرة خاصة فلقد سعيت لتحويل حجرة المعيشة إلى غرفة لى أو حتى اقامة غرفة فوق سطح الفيللا ولكن هيهات أن يتحقق هذا الحلم، ومازلت على هذا الوضع مع أمي، ويبيت شقيقى الأعزب فى الغرفة المجاورة لغرفتنا، وقد تحدثت معه كثيرا فى أمرنا لكنه فى كل مرة يلتزم الصمت، وأضطر أنا الأخرى إلى السكوت، فلا يعلم بسرنا أحد.

أما أغرب الغرائب، فهو أنها مازالت تستخدم «الإريال العادي» لاستقبال القنوات الأرضية للتليفزيون. ولا نستطيع مشاهدة أى قناة فضائية، وحذرتنا من شراء «طبق دش» و«ريسيفر»، وقالت إذا فعلتما ذلك فسوف ألقيهما فى الشارع، ففى رأيها أن الفضائيات لا تقدم شيئا مفيدا، وأن كثيرا من برامجها وأفلامها يؤدى إلى الانحلال الأخلاقي، وفشل شقيقى فى إقناعها بأنه لم يعد هناك وجود يذكر للإريال العادي، وأن كل البيوت تستخدم الدش وأنه حتى البسطاء فى الكفور والنجوع يستعملون «الوصلة» نظير اشتراك شهرى قدره عشرة جنيهات، وهى طريقة ابتدعها البعض لزيادة دخولهم على غير سند من القانون!، وقال لها «يا أمي» إن ما تفكرين فيه شيء عجيب، لكنها لم تدعه يكمل حديثه، وأسرعت إلى «حجرتنا المزدوجة» التى أشاركها المعيشة فيها رغما عني، ونظر إليّ شقيقى قائلا: أنا ممكن أشترى الدش، وأقوم بتوصيله ولكنى أريد أن أحصل على موافقتها حتى تمضى الأمور فى سلام»!

تصور: إلى هذا الحد بلغ تسلط أمى وقسوتها علينا، وهى لا تشعر بأنها تقتلنا، بل تتصور أنها تحارب «عدوا غامضا» يريد أن يسيطر علينا، ويحرمها منا!!.. إننى أخشى أن تسوء حالتى النفسية أكثر من ذلك، فقد أصل إلى مرحلة «الجنون» التى لا يرجى شفاؤها، لكنى لا أدرى كيف أقنعها بخطأ ما تتصوره تجاه الآخرين، وبأن الحياة المستقرة المريحة تقتضى التعامل البسيط والمباشر، وافتراض حسن النية لدى من نتعامل معه، وأن الدش و«الريسيفر» لابديل عنهما فى عالم اليوم، فلقد توقفت بها الحياة عند أفكار وتصرفات عفا عليها الزمن وهى تدركها، لكنها تعاندنا وتعاند نفسها، ثم هل يعقل أن تفعل ذلك وهى الطبيبة المتعلمة، ونحن أيضا أطباء، وبإمكان أى واحد أن يشاهد ما تخشاه من أفلام وخلافه على «اللاب توب» أو «الموبايل»!

لقد تغيرت الدنيا كلها إلا أمى التى مازالت تعيش فى الماضي، الذى لم يعد منه شيء موجود إلا الفيللا التى كرهت الحياة فيها، وإنى أسألك: هل أواجهها أنا وشقيقى ونفعل ما نريد كأمر واقع، وليكن ما يكون؟.. أم أن هناك وسيلة أخرى أفضل لنيل موافقتها وإقناعها بالعدول عن فلسفتها الخاطئة؟ وكيف نتواصل مع أخوتى من أبى الذين لا نعلم عن أمرهم شيئا؟ وكذلك الحال بالنسبة لعائلة أبي.. وهل سيستجيبون لنا إذا طرقنا أبوابهم من باب صلة الرحم؟

لقد بلغ بى العجز مداه، وأرانى مشلولة العقل واليدين والقدمين، ولا أستطيع أن أخطو خطوة واحدة إلى الأمام، فبماذا تشير عليّ؟

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

يستطيع المرء بقليل من الحكمة والحوار الهادئ المستنير أن يكسب من حوله، انطلاقا من قوله تعالى «وجادلهم بالتى هى أحسن»، ويمكنه أن يجعل الآخرين ينفضون بعيدا عنه، ويتحاشون لقاءه أو الجلوس معه اذا أساء معاملتهم، وكان قاسيا فى الحديث معهم ولا يعرف غير إملاء الأوامر عليهم، حيث يقول الله فى كتابه العزيز «ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك».. وهذه القاعدة الربانية فى التعامل ينبغى أن تكون هى السراج المنير الذى نهتدى به جميعا فى أفعالنا وأقوالنا، بل وسلوكياتنا مع الناس فما بالنا لو أن من نتعامل معهم هم الأهل والأقارب، لكن هذه الفلسفة التى تساعد على رأب الصدع وإصلاح ما يتهدم من العلاقات الإنسانية غابت عن والدتك تماما منذ البداية، فظنت أن الجزء الذى تملكه من الفيللا يبرر لها صنيعها غير السوى بزوجها، فراحت تذكره دائما بأنه يعيش معها، وانها صاحبة البيت، ونسيت أن القوامة للرجل، وأنه هو الذى ينفق على الأسرة، ويواصل الليل بالنهار فى سبيل توفير حياة كريمة لأبنائه، وبدلا من أن تؤازره وتشد عضده، اذا بها تفعل العكس.، فظلت النار مشتعلة تحت الرماد، الى أن جاءت اللحظة التى انفجر فيها البركان، ولم يكن هناك سبيل لإخماده، حيث تزوج والدك، وصارت له حياة أخرى فيها زوجة وأولاد.

ومع أننى أتفهم دوافعه ـ رحمه الله ـ الى الزواج الثانى الذى نشد به الراحة والطمأنينة، بعد أن أحالت والدتك حياته الى نكد دائم، إلا أننى كنت أتمنى لو أنه وضع النقاط على الحروف عند ارتباطه بوالدتك بأن يكون السكن فى الفيللا مؤقتا الى أن يحصل على شقة مناسبة، وأن يدفع إيجارا لوالدتك مقابل السكن ويتعامل معها كمستأجر لنصيبها فى الفيللا، وقد يقول قائل: وهل بين الزوجين تقاس الأمور بهذا المقياس؟.. وأرد عليه، بأن هذا هو الأمر الطبيعي، فإذا أرادت زوجته أن تتخلى عن الإيجار، وتضعه فى مصروف البيت، كما تفعل الفضليات، فإن ذلك يقرب المسافات، ويزيل الحواجز بين الزوجين، أما اذا أرادت أن تحتفظ بالايجار لنفسها كذمة مالية منفصلة، فليكن لها ذلك، لكنها لن تجرؤ حينئذ على الخوض معه فى كلام من قبيل ما قالته أمك لأبيك، وكان الأفضل أيضا الانتقال الى شقة أخرى بديلة، ووضع النقاط على الحروف، فالبدايات تحدد دائما النهايات، وكلما كانت نقطة البداية واضحة لا لبس فيها ولا غموض تكون النهايات ناجحة.. هكذا تقول التجارب الحياتية.

وبصراحة، فإننى لا أتحفظ على زواج أبيك الثاني، وإنما لا أؤيد زواجه السري، إذ ان الحقيقة ستظهر، ولو بعد حين، كما حدث بالفعل عندما اكتشفت والدتك زواجه بأخرى وانجابه منها ثلاثة أبناء، فمن حقه أن يتزوج ما دام لم يجد راحته مع أمك التى أحالت حياته الى جحيم بلا أسباب واضحة، ويعذره المجتمع فى صنيعه هذا، حيث انه عانى اهمال أمك وتسلطها عليه، وغاب التفاهم عنهما، وانعدمت سبل الراحة معها، ولا أعتقد أنه تزوج انتقاما منها، وانما سعيا للسكن والمودة، ويبقى الدرس الأكبر بضرورة إعلان الزواج الثانى ومد جسور الصلة بين الأبناء، فهم فى النهاية اخوة، وليعلم كل رجل أن القوامة تعنى القدرة على تحمل المسئولية، ومواجهة المشكلات وليس الهروب منها، فالزواج الثانى شرعه الله للتكافل الاجتماعي، وليس للعقاب والانتقام، ويجب على كل زوج أن يفكر كثيرا قبل الإقدام على هذه الخطوة، إذ غالبا ما يكون الزواج الثانى هو السبب الكامن وراء تشرد الأبناء من كلتا الزوجتين.

أما عن علاقتكم بوالدتكم فإن شقيقك الأكبر قد أخطأ بانصرافه عنها وعنكم، فلم يعد يطمئن عليكم، ولا أن يتواصل معها، فحتى لو أنها تغالى فى السيطرة عليكم، وتخشى أشياء يصورها لها خيالها المريض كحكاية «الدش» اللامعقولة، فإن من حقها عليكم أن تتعاملوا معها بالحسني، وأن تقنعوها بالحوار الإلحاحى بأنها هى كل عالمكم، وأنكم بدونها لن يهدأ لكم بال، وأذكر هنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سأله أعرابى : من «أحق الناس بحسن صحابتي، فرد عليه الرسول: أمك، ثلاث مرات، ثم قال أبوك».. فمنزلة الأم عظيمة، وتذكروا قول الشاعر:

أحسن الى الناس تستعبد قلوبهم

فطالما استبعد الإنسان إحسان

فما بالنا لو أن من نحسن إليهم هم أمهاتنا وأباؤنا، كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما كان الرفق فى شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه».

وأعتقد أنك أنت وشقيقك الثانى لو فتحتما حوارا معها، فسوف تلين، وسيتغير موقفها من «حكاية الدش العجيبة»، وأرجو أن تدرك خطأ تصورها، فليس هناك «عدو غامض» تخشاه كما تتخيل بسبب حالة «الانطوائية» التى عاشتها على مر السنين، وجعلتها لا تدرك أن الدنيا تغيرت، وأن فى الحياة جوانب مشرقة كثيرة يجب أن نحياها، بل إن «الخوف المرضي» الذى تعانيه سوف ينعكس عليكما، وربما عليك أنت بصورة أكبر من شقيقك بحكم أنك موجودة معها طوال الوقت، باستثناء ساعات العمل التى تقضينها بين جدران المستشفي، وأعتقد أنك سيكون فى مقدورك بمرور الوقت أن تصنعى حدودا وفواصل بينكما، تكفل لك قدرا من الخصوصية.

ولتكن لك غرفتك الخاصة التى لا يشاركك فيها أحد، وجربى أن تكتبى لها رسالة قصيرة بأنك تحبينها، وأن تتوقفى عن الحديث معها ولو ليوم واحد، فوقتها سوف تحاول هى الحديث معك بقلب الأم، وستكون الفرصة متاحة لكى تطلبى منها هذا الطلب البسيط، والأمر نفسه بالنسبة للتليفزيون والدش.

وأرجو أن تتجنبى الحديث معها فى فترات الغضب، وعليك بالوصفة النبوية لتفاديه، فلقد نصح الرسول صلى الله عليه وسلم، الغضبان بأن يستعيذ بالله من الشيطان، وأن يسكت ويخرج من المكان، ويكثر من ذكر الله، قال تعالى «فسبح بحمد ربك، وكن من الساجدين».. ويجب أن يطوى الجميع صفحة الماضي، بكل ما فيها من اضطرابات وعداوات، وبدء صفحة جديدة تتواصلون فيها مع إخوتكم من أبيكم، وعائلتى والديكما، عائلة والدك فى الصعيد، وعائلة أمك فى القاهرة، فلا أحد يحيا بمفرده إلى الأبد، وكلى ثقة فى أن المرارات التى ترسبت بالنفوس سوف تختفى ويتلاشى أثرها، وسوف تتفتح الجوانب الإيجابية، وتسير الأمور فى مسارها الصحيح، وستمضى سفينة الحياة بكم جميعا الى المرفأ الآمن بإذن الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صافى شان
مشرف
مشرف
صافى شان

ذكر
العمر : 31
عدد الرسائل : 2966
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 1111111
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 8911
نقاط : 11309
ترشيحات : 34
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 311

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 I_icon_minitime11/2/2016, 23:25

بريد الجمعة يكتبه : أحـمـد البــرى
الحب القديم !

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 2016-635908266622582245-258

فى لحظة ما يعجز المرء عن التفكير وينتابه التشتت والحيرة، فلا يعرف مخرجا من أزماته، ويبحث عمن يستشيره ويستأنس برأيه سعيا إلى الحل الصائب.
وها أنا أعيش هذه اللحظة بما أمر به من متاعب وآلام فى حياتى الأسرية. ولذلك ألجأ إليك طلبا للنصيحة، فأنا معلمة فى سن الثامنة والأربعين، تزوجت منذ عشرين عاما من محامى العائلة زواجا تقليديا، وهو يكبرنى بعدة سنوات. وعندما طلب يدى من أبى جلست معه. وعرفت منه أنه تزوج مرتين لكنه أساء الاختيار، ولم يستطع أن يعيش مع أى من زوجتيه بسبب طباعهما الغليظة، وأسهب فى شرح أسباب مقنعة عن أنه لم يكن بإمكانه أن يقيم حياة مستقرة مع زوجة لا تعرف معنى الأسرة والبيت والزواج والأولاد، وأكد لى أنه لم يخف عنى شيئا بشأن حياته السابقة لأكون على بينة من أمرى معه، ووجدتنى أوافق عليه، خصوصا أنه لم ينجب منهما، وارتحت لكلامه، وتزوجنا سريعا، وأقبلت على حياتى الجديدة بحب ورغبة فى الاستقرار، ولم يمض وقت طويل حتى صدمتنى طباعه السيئة، فلقد وجدته مكتئبا أغلب الوقت ويختلق المشكلات من لا شيء، ويتجهم ويعلو صوته بلا سبب، وكلما ضقت ذرعا بتصرفاته، أذهب إلى أهلى غاضبة لبضعة أيام تصفو خلالها نفسي، ثم أعود إليه، حتى أصبحت غير قادرة على الاحتمال، فأغضب ثم يصالحني، وخفت أن يسبب غضبى من حين إلى آخر كراهية أهلى له، فقررت أن ألزم بيتى ولا أغادره مهما تكن الأسباب، وكتمت متاعبى فى داخلي، وتظاهرت بالراحة والسعادة أمام من يزوروننى من الأهل والأقارب، وبعد فترة حملت فى ابنى وكم كانت فرحتى بخبر حملى عندما زفه الطبيب إليّ، ونظرت إلى زوجى فإذ به بارد تماما، ولم ألمح فى عينيه سعادة الأب عندما يخبره الطبيب بقرب قدوم مولود له، وبالذات عندما يكون «أول فرحته» كما يقولون، ومرت شهور الحمل الأولي، وواجهت فيها متاعب كبيرة، فاستأذنته أن أعيش مع أسرتى ما تبقى من فترة الحمل لرعايتي، وسهرت أمى على راحتي، ووضعت ابنى قرة عيني، وتفرغت لرعايته والاهتمام بشئون زوجى وأسرتى الصغيرة، وتركت عملى رغم أنه كان مهما لي، حيث إننى تكفلت بعد الزواج بكل مصروفاتى الشخصية من ملابس وبنزين سيارتي، وغير ذلك من متطلبات، كما كنت أشارك فى مصروف البيت، نظرا لقلة المبلغ الذى كان يعطيه لي.

وعدت إلى بيتى حاملة ابنى الذى ملأ عليّ حياتى بالسعادة والبهجة، وكلّى شوق إلى زوجي، فلم أجده كعادته منذ زواجنا، إذ بدا وجهه متغيرا تماما، ولم يكن ملهوفا للقائنا، وعللت ذلك بأنه «زعلان» منى لأننى أقمت لدى أسرتى شهور الحمل الأخيرة بعيدا عنه، وبذلت قصارى جهدى لإرضائه، واستمالته إليّ، لكنه ظل على حالته، هذه، ثم هجرنى تماما، فلم يعد يبيت بالمنزل، وأصبح ينام فى مكتبه الموجود بالشارع نفسه الذى نسكن فيه، برغم أن المسافة إلى البيت لا تستغرق سوى خمس دقائق سيرا على الأقدام، وانتظرت أن تكون هذه الفترة مؤقتة، ولكنها امتدت إلى شهور عديدة، وانقطعت بيننا خيوط المودة والرحمة والعلاقة التى تربط كل زوجين، فحاولت التحدث معه فى أمرنا، فإذا به يتهمنى بالبجاحة، مستنكرا أن أتحدث معه فى مثل هذه الأمور، فرددت عليه بأننى زوجته، ولى مشاعر وحقوق عليه، ولا يعقل أن يقاطعنى كزوجة بهذا الشكل المريب الذى يثير الشكوك فيه، فقال: «كل الناس كده، وإحنا خلاص خلفنا وعجزنا»، فلم تعجبنى نبرته وحججه الواهية، ولكنى التزمت الصمت وقررت عدم الخوض فى هذا الموضوع مرة أخري، وظللت على نفس الدرجة من اهتمامى بنفسى ومظهرى وبيتى وبمولودنا الجميل، وحسن معاملة والده ووالدته وإخوته وأقاربه.

وبحاسة الأنثى شعرت بوجود أخرى فى حياته، وظننتها نزوة سرعان ما سوف تنتهي، ويعود إليّ، ولكن مع تتبعى خطواته وتحركاته عرفت أنه على علاقة بفتاة يزيد عمره على ضعف عمرها، وكثر ظهورهما معا، حتى بدت علاقتهما واضحة للجميع، فسألته عنها، فلم ينكر معرفته بها، أو يبرر خروجهما الدائم معا، بل كشف كل أوراقه، وقال إنه سيتزوجها بعد أن يعالج بعض المشكلات مع أهلها، فأصابنى الذهول، وتسمرت فى مكاني، ولم أنطق بكلمة واحدة، وانهمرت دموعى أنهارا بلا توقف، فأنا لم أقصر معه فى شيء، وصبرت على هجره لى عدة سنوات بلا سبب، وشهد أهله أننى قدمت له الكثير، ولم أخرج عن طاعته ولم أعص له أمرا، وحاول الأهل إثناءه عما اعتزم عليه، لكنه مضى فى إتمام زواجه بهذه الفتاة، وأقام لها حفل زفاف فى المدينة الأخرى حيث يقطن أهلها، ثم جاء بها لتقيم معنا فى شقة بنفس العمارة التى نسكن فيها، ولك أن تتخيل حالى وأنا أراهما يوميا أمامى عند الدخول والخروج، فلقد ساءت نفسيتي، وتحطمت أعصابي، وتدهورت صحتي، ولم يرض أبى بوضعى معه وأصر على تطليقى منه، وقال لى إن وضعك هذا سيزيد متاعبك، وترك لى اختيار التوقيت الذى أراه مناسبا حتى أنهى حياتى الزوجية، وأنا هادئة البال، ومرتاحة الضمير، وتريثت تماما فى طلب الانفصال لمدة تزيد على ثمانية شهور لعله يفيق من غيبوبته، ويصحح أوضاعه الخاطئة، ثم لجأت إلى محام زميل له بالمكتب، لأعرف منه وضعى القانوني، فأكد أن قبولى هذا الوضع لمدة عام لن يمكننى من طلب الطلاق للضرر فيما بعد، فحزمت أمري، وطلبت الطلاق، ورجعت إلى بيت أهلى ومعى ابنى الذى لم يكن وقتها قد أكمل عامه الرابع، وبحثت عن عمل، والتحقت بإحدى المدارس الخاصة، ومضت بى الحياة على مايرام، وحرصت على أن ينشأ ابننا بين أبويه، وإذا طلب رؤيته اصطحبه إليه، ويجلس معه الوقت الذى يريده.

ومنذ حوالى سنتين بدأ فى التودد إلىّ من جديد، وطلب أن نخرج معا بصحبة ابننا الذى بلغ سن المراهقة، لكى نحيطه بعنايتنا، ويشعر بوجودنا فى حياته، ورحبت بطلبه برغم الجروح التى سببها لي، بل وشجعته على اللقاءات المستمرة من أجله، وأصبحنا نذهب معا فى نزهات عائلية، ونلتقى بالأهل والأقارب، وقد عرفت منهم أن زوجته الشابة أقامت مشروعا تجاريا ضخما فى المدينة التى يقيم فيها أهلها، وأنها منذ سفرها إليهم لا تأتى إلى بيتها إلا مرة أو مرتين كل عام، وأن زياراتها دائما خاطفة، حيث لا تتعدى الزيارة يومين أو ثلاثة أيام تقضيها مع زوجها، ثم تعود إلى متابعة تجارتها التى صارت كل حياتها!

وتوقعت أن يفاتحنى فى لم شمل الأسرة، واستئناف حياتنا الزوجية بعد أن أصبح ابننا شابا فى الجامعة، وعلى وشك التخرج، لكنه يبدو أننى أبحث عن سراب، إذ وجدت فى انتظارى مفاجأة جديدة، وهى أن زوجى كان على علاقة حب بفتاة فى مطلع شبابه وقد خطبها، ثم دبت خلافات بينه وبين أهلها، فتم فسخ الخطبة، وقد تزوجت بآخر، ودارت الأيام، وانفصلت عن زوجها، وأنه ينوى أن يتزوجها باعتبار أنها حبه القديم، حيث شاهدهما الكثيرون معا فى أكثر من مكان، وبعد هذه التطورات الجديدة توقف عن دعوتى للخروج مع ابننا، وهكذا صفعنى للمرة الثانية بلا سبب إلا استسلاما لأهوائه وملذاته الشخصية.

إننى فى حيرة شديدة، فابنى يقول لي: لا تستسلمي، وحاولى استرداده لنعيش أسرة مترابطة، وأمى تنصحنى بالبعد عنه، ومازالت زوجته الشابة والتى طلقنى بسببها فى عصمته، وإن كانت الأمور تبدو فى طريقها إلى النهاية معها، ومحبوبته القديمة تقابله بشكل شبه يومى على مرأى ومسمع من الجميع، وبصراحة شديدة فإننى عاجزة عن التفكير، فهل أحاول العودة إليه؟.. ثم هل يكرر تطليقى بعد أن تلوح فى الأفق امرأة جديدة فى حياته؟.. وهل من الممكن أن تستقيم الأمور معه وهو على هذا النحو من التصرفات اللا معقولة، حيث لا يعمل حسابا لأحد ولا لسمعته التى تسوء بين الناس، فكل ما يعنيه نفسه فقط؟ وهل أظل كما أنا وحيدة بلا زوج ولا أنيس بعد أن يتزوج ابني؟.. أم أرتبط بإنسان آخر يرعانى ويحافظ عليّ، ويشاركنى ما تبقى لى من عمر؟.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

ما تتغاضى عنه الفتاة وأهلها عند الزواج من شروط جوهرية فيمن يتقدم لطلب يدها، تحصد عواقبه الوخيمة حتى وإن طال أمد الهدنة بينهما إلى سنوات عديدة كما حدث معك، إذ ظللت تتجاوزين عن أخطائه ونزواته دون مواجهة صريحة معه، ولم تلتفتى منذ البداية إلى زيجتيه السابقتين، ولم تتحرى أمره وأهلك أدرى بماضيه، باعتبار أنه من المنطقة التى تسكنون فيها ومحامى العائلة كما تقولين، وفاتك التدقيق فى الاختيار، فمن يتزوج ويطلق مرتين فى فترة وجيزة ينبغى التوقف أمام حالته ودراستها جيدا قبل الإقدام على الزواج منه.

وحتى بعد الزواج والحمل ارتاح مع أول فرصة للخلاص منك بذهابك إلى أهلك، ولم تنتبهى إلى أن عدم سؤاله عنك، مؤشر خطير على أنه يجد ضالته لدى أخريات ممن دأب على التعرف عليهن، ولم تكونى بالنسبة له سوى محطة من محطات حياته الحافلة بالنساء، فإذا كان قد تزوج أربع سيدات، ويفكر فى الخامسة، فإنه أقام علاقات بأضعاف هذا العدد، وهو ما يفسر انصرافه عنك عدة سنوات حتى ضقت بممارساته، وببخسه حقوقك الزوجية.. وإذا كانت الحال كذلك فإنه لا يعقل أبدا بعد أن تخلصت منه أن تعودى إليه، بل إن خروجك معه خطأ فادح يجب أن تتوقفى عنه فورا، فبدعوى الحفاظ على ابنه سوف يقترب منك، ومن الممكن أن يعيدك لعصمته بعض الوقت، لكن فى نهاية الأمر سيكون الطلاق هو المصير المحتوم.

إن أمثال هذا الرجل لا يشبعون من نزواتهم، فيطلبون منها المزيد بمرور السنين، وليس ارتباطه بفتاة فى نصف عمره إلا حلقة من حلقاته اللانهائية، وسوف تتبعها خطيبته الأولي، أو حبه القديم على حد تعبيرك، فهو لايعرف الحب، ولا يفكر فيه، لأن الحب روح ومشاعر تدوم إلى الأبد، ولا تهتز بالرياح، ولا تؤثر فيها العواصف، فما يفكر فيه تجاه هذه السيدة بعد طلاقها هو أن يحقق رغبة مكبوتة لديه، فى أن يتملكها، وينال غرضه منها مثلما فعل مع كل من تزوجهن ثم سعى إلى الخلاص منهن!

اطوى صفحة مطلقك من حياتك، خاصة أن ابنك صار شابا كبيرا مسئولا عن نفسه، فبعدك عنه سوف يساعدك على استعادة نفسك وحياتك من جديد، ووقتها سوف يصبح بإمكانك أن تتخيرى الشخص المناسب الذى تكملين معه مسيرة الحياة، وتكونين قد اطمأننت على ابنك بعد تخرجه فى الجامعة وزواجه، وتأسيسه بيتا مستقلا خاصا به.. أما مطلقك فإن لم يتوقف عن الطريق الذى يسير فيه فسوف يندم أشد الندم، كما أن خطيبته الأولى التى تظن أنها سوف تعيد علاقته بها إلى ما كانت عليه، فهى واهمة، ولن تدرك خطأ تصورها إلا حين تتزوجه، وتكتشف أمره، فما بنى على خطأ يستمر الى الأبد خطأ.

وإياك واليأس فإنه يدفع صاحبه الى التهلكة، وإذا كنت قد مللت الحياة، ولا تستطيعين الاستيقاظ كل صباح برغبة متأججة فى إنجاز ما تطمحين إليه، فإنك لا تملكين العزيمة والإصرار والصبر، وهى العوامل التى تؤهل المرء دائما للنجاح، ففكرى بهدوء وعقلانية فى مستقبلك، ومازالت الفرصة أمامك لنفض غبار الماضى واستشراف المستقبل.

وليعلم كل رجل وامرأة، يقدمان على الزواج، أن الطرفين يصنفان فى مستوى واحد من حيث العبء الأسري، وتحمل الظروف التى تواجههما، والمرأة تحتاج إلى الشعور بالحب فى مقابل احتياج الرجل إلى اهتمام زوجته الدائم به، فالعلاقة تبادلية وليست من طرف واحد، والإخلاص من أهم الدعائم التى تبنى عليها الأسر، إذ لم تعد المرأة وحدها التى تعانى المخاوف المتعلقة بالإخلاص والصدق، فالرجل أيضا بات يعانى المخاوف نفسها فى هذا العصر، ومن هنا يجب على الزوجة أن تخلص لشريك حياتها وتجعله يشعر بحبها وتميزه عن باقى الرجال، وتكشف له فى وضوح أنه الوحيد الذى تشتاق إليه، ويجعلها سعيدة دائما بوجوده، وأنه هو من ترغب فى استكمال حياتها بصحبته، وعليه أن يعلم أنه لا أحد يخاف عليه أكثر من زوجته التى تتمنى له دائما النجاح والتوفيق، وأن يكون فى أعلى المراتب، فنجاحه من نجاحها، بل إن وراء كل عظيم امرأة تدفعه إلى النجاح، ولن يتحقق هذا الهدف بالزوجة المثالية إذا فكر فى أخرى غيرها، إذ أنه حينئذ سوف يخسرها.. وليتعلم كل زوجين أن يتسامحا، ويغفرا لبعضهما الأخطاء، وأن يبذلا جهدهما فى مواجهة العقبات التى تعترض حياتهما.

هذا هو المنهج القويم للحياة الزوجية الناجحة، أما منهج زوجك فهو قائم على غير أساس، حيث يتعامل مع الزوجة كمصدر لجلب المتعة الجسدية لفترة ما، ثم يجرب غيرها، وهو تصور غير صحيح بالمرة، بل إنه يقتل به نفسه، ولن يدرك هذا الخطأ الجسيم إلا بعد أن تستنفد كل المستفيدات أغراضهن منه، ويصبح بلا جدوى لديهن، فينصرفن عنه، ويصير وحيدا تتخبطه أمواج الحياة فلا يصل إلى مرفأ الأمان أبدا.

وفى قول واحد: اقطعى صلتك به تماما، وليتوقف هو عما يسير فيه، والذى سيوقعه فى بئر سحيقة ستكون فيها نهايته، والله المستعان.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صافى شان
مشرف
مشرف
صافى شان

ذكر
العمر : 31
عدد الرسائل : 2966
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 1111111
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 8911
نقاط : 11309
ترشيحات : 34
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 311

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 I_icon_minitime11/2/2016, 23:29

بشائر الفرج


أنا سيدة تعديت سن الأربعين بقليل، وقد سافرت بصحبة زوجى إلى إحدى الدول العربية منذ عشرين عاما، وعملت مدرسة بعقد معقول، وعمل زوجى فى شركة مقاولات، وبعد شهور فوجئت به يشترط علىّ فتح حساب واحد لنا وباسمه وحده، ولا أشاركه فيه, وإلا سيجبرنى على الجلوس فى البيت بلا عمل, ولا خروج منه إلى النهاية, فوافقت مرغمة على طلبه،
ومرت الأيام هادئة، وأنا أتصور أن ما فعله اجراء عادى لا شيء فيه وربما يكون ذلك من باب إحساسه بنفسه كرجل، وعدنا الى مصر واستقررنا فيها واشترينا شقة كبيرة أثثناها بأفخم أنواع الأثاث وسجلها باسمه وانجبنا ثلاثة أبناء «ولدين وبنتا»، ولم يمض وقت طويل حتى رمانا فى الشارع، ونسى شقائى وتعبى وألقى علىّ يمين الطلاق، ورحت أتخبط هنا وهناك، ولم يعد لدىّ أى أموال أصرف منها على الأولاد، وأصبحنا نتسول مساعدات الأهل والجيران بعد أن عرف الجميع بقصتى المؤلمة.
ومرت سبع سنوات وكبر الأولاد، وجاء من يطلب يد ابنتى الكبرى فوافقت عليه وافهمته ما نحن فيه, فوافق على أن ينتظرها إلى أن تتحسن الأحوال، وذات يوم قابلت ابنتى والدها فى الشارع فوجدت لونه شاحبا، وظهرت علامات الشقاء والبهدلة عليه فقالت له «يا بابا أنا اتخطبت، وأمى عاجزة عن تجهيزي» فرد عليها: «يا ريت أمك دست السم لى قبل أن أفعل فيكم ما فعلته».

نعم يا سيدى: أقسم بالله قال لها هذا الكلام، وتمنى الموت لأنه هجرنا وشردنا من أجل سيدة جردته من كل شيء، وتركته فى الشارع كما سبق أن فعل بنا.

لقد أوكلت أمرى الى الله وكافحت وتنقلت بين شقق الايجار الجديد, وكنت أصحو فى منتصف الليل أبكى حزنى وهمى فأشعر بالرضا وأشكره فى كل صلواتي، وحمدته أن أولادى بخير وأنى استطعت أن أربى هذه العروس الحاصلة على مؤهل جامعى يتسابق الطلبة للحصول عليه, وهى جميلة ومؤدبة، وأخذت أردد دعاء امرأة بالبادية كان لديها زرع فجاء البرد فذهب به، فرفعت يديها الى السماء وقالت: اللهم أنت المأمول لأحسن الخلف وبيدك التعويض عما تلف, فافعل بنا ما أنت أهله, فإن أرزاقنا عليك وآمالنا مصروفة اليك» وماهى إلا أيام معدودة حتى التحقت بوظيفة جيدة، وصار لها دخل معقول، وقد اقترب زفافها، والحمد لله الذى انتشلنا من الضياع، وأرجو أن تكون قصتى عبرة للأخريات بتحرى الدقة فى التعامل مع أزواجهن من نوعية مطلقي، ولله الأمر من قبل ومن بعد.


ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

ما حدث لمطلقك من تشرد وضياع على يد زوجته الثانية هو نتيجة طبيعية لكل من يقع أسيرا للمال، ويصبح كل همه إشباع نزواته العابرة التى يندم عليها بعد فوات الأوان، والمؤسف أن أمثاله من الموتورين لا يتعلمون هذا الدرس ولا يتعظون من تقلبات الدهر أبدا, فنراهم سائرين فى غيهم وظلمهم، ولا يعبأون بما يعانيه أبناؤهم وذووهم من مآس وآلام.
اننى اتخيل صورة زوجك وقد بدت عليه علامات الندم بعد أن جردته زوجته الثانية من ممتلكاته, واسقته كأس المرارة التى اسقاكم منها من قبل، اتخيله ولسان حاله يقول لكم: سامحونى فأنا الذى جنيت عليكم بما فعلته فيكم, وها أنا ذليل ومتخبط ولا يغمض لى جفن من هول ما أعانيه على يد من تصورت أنها ستكون لى جنة الدنيا.
وتأكدى يا سيدتى أن الله سبحانه وتعالى لن يخذلك أبدا ويكفيك ما أنت فيه الآن من طمأنينة, وراحة بال, وقد بدت بشائر انفراج الأزمة المادية بعمل ابنتك فى وظيفة مناسبة لها، وأقول لها: سوف تتزوجين قريبا وتنتقلين إلى حياة جديدة فتعلمى الدرس مما حدث, ولتكن بينك وبين زوجك أرضية مشتركة، ومنهج عمل تسيران عليه فى حياتكما المستقبلية لأن ما يبنى على المصارحة هو الذى ينمو ويكبر, وما يبنى على الخديعة ينهار مع أول عثرة تواجهه، وفقكم الله وسدد خطاكم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صافى شان
مشرف
مشرف
صافى شان

ذكر
العمر : 31
عدد الرسائل : 2966
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 1111111
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 8911
نقاط : 11309
ترشيحات : 34
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 311

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 I_icon_minitime19/2/2016, 10:51

بريد الجمعة يكتبه: أحمد البرى
الرغبة الطارئة!



بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 2016-635914248782755189-275

أكتب إليك هذه الرسالة وأنا راقد على سرير المرض فى أحد المستشفيات،حيث خضعت لجراحة دقيقة فى القلب بعد اصابتى بجلطة فى الشريان التاجى, فأنا طبيب تعديت سن الأربعين، وحققت قدرا من النجاح، وأسست بيتا صغيرا مستقرا مع رفيقة عمرى التى احترمها واقدرها،
وربطتنى بالآخرين صلات قوية، حيث أننى من أسرة بسيطة وطيبة، وتربيت على الثقة فى الجميع، ولست ملاكا ولاشيطانا، وإنما إنسان عادى مثل معظم البشر، وتعرضت كغيرى من الأطباء لمحاولات اغراء كثيرة من جانب بعض المريضات المترددات على عيادتى, ولم التفت إلى أى منهن، واستطعت مقاومة من حاولن التودد إليّ للعمل معى, فرفضت تشغيل الفتيات والنساء فى العيادة من باب البعد عن الشبهات والمشكلات التى تترتب دائما على وجود رجل وسيدة فى مكان واحد باستمرار، ولكن يبدو أن دوام الحال من المحال، كما يقولون، فبرغم أننى لست من الرجال الذين يقال عنهم أنهم يطاردون النساء أو لديهم علاقات غرامية متعددة، إلا أننى تعلقت فجأة بامرأة متواضعة الجمال والتعليم والثقافة والمستوى, وبكل صدق، لم أشعر تجاهها بالحب أو الإعجاب، ولم اتعلق بها عاطفيا، كل ما فى الأمر أننى عندما اراها، أشعر بالرغبة الشديدة فيها، وبعدها ينتهى كل شيء، فلا أطيق رؤيتها وأصرفها من أمامى, ولا أتذكرها إلا عندما تأتينى من جديد!.

ولم أكن أصدق أن الشر موجود فى عالمنا البسيط الذى يجمع المعارف والجيران وأهل المنطقة الواحدة, ولذلك لم أقلق من أن أتناول الطعام والشراب فى الأماكن المختلفة بما فيها بيوت المرضى الذين أتردد عليهم فى بعض الأحيان، لأجل كشف منزلى, ومنذ سنوات زرت منزل أحد مرضاى عدة مرات، لأنه لا يستطيع المجىء إلى عيادتى, وقابلت هناك إبنة المريض، وهى مطلقة لعدم الإنجاب، وكنت فى كل مرة أزورهم فيها تقدم لى المشروبات كنوع من الضيافة، ويقسم الجميع ألا أرفضها، فأشربها مجاملة لهم، وبعد عدة زيارات وجدتنى أشعر برغبة هائلة فى هذه السيدة، وينتابنى إحساس، بأنها هى التى ستحقق لى متعتى الجسدية، وهكذا سعيت إلى التردد على بيتهم، بحجة متابعة حالة أبيها، وأصبحت تزورنى فى عيادتى للحجة نفسها، وفاتحتنى فى أن تعمل معى، فوافقت على طلبها الذى كنت انتظره لكى تكون بجانبى, وتلبى حاجتى, وأصبحت أشتاق إليها فى أوقات معينة، ثم أنفر منها بعد أن أنال غرضى منها، وانعكس هذا الوضع الذى لا أدرى كيف وقعت فيه حتى صرت أسيرا له على حياتى الأسرية، فحدثت مشاجرات كثيرة بينى وبين رفيقة عمرى بسبب هذا الأمر، وطاردتها الشكوك من جهتى لأول مرة فى حياتنا الزوجية، وكنت أصالحها، وأضع رأسى على كتفها، وأؤكد لها أنه ليس لى فى الدنيا سواها، وأن شكوكها ليست فى محلها، لكنها بحاسة الأنثى والزوجة المحبة لبيتها وزوجها، استشعرت أن هناك شيئا ما أخفيه عنها، خصوصا أن العلاقة الزوجية بيننا تغيرت إلى حد كبير، حيث أعود منهكا من عملى على غير العادة، واختلق الحجج يوما بعد يوم للتهرب منها، وأسوق إليها اسبابا ربما تكون فيها مبالغة لا تصدقها، ومنها أن العيادة مزدحمة بالمرضى, وأن الشغل كثير، ويبدو أنها اعتادت هذا الأمر، فلم تعد تحدثنى فيه، واقتصرت علاقتنا الزوجية على فترات متباعدة.

ومرت سنوات على هذا الوضع، ثم استطاعت هذه السيدة العثور على رجل متزوج بأخرى, ويرغب فى زوجة ثانية لا تستطيع الإنجاب، وتزوجته، واشترطت عليه أن تواصل عملها معى, خاصة مع الراتب السخى الذى تحصل عليه منى, فلم يمانع، واستمرت علاقاتنا بنفس الوتيرة، ولاحظت أن صحتى تدهورت، وأننى اشعر بالانهاك والتعب كثيرا برغم ممارستى الرياضة حتى وقت قريب، ولم أشك أبدا فى أن ما يحدث لى يكمن وراءه شىء مريب، وتكررت آلامى فى يوم «الفلانتين» العام الماضى.. حيث أصبت بآلام شديدة فى الصدر، وأنا فى عيادتى، وتم نقلى إلى المستشفى، وخضعت للعلاج، وتغيبت عن عملى فترة استرددت فيها صحتى.

ومنذ أسابيع أحضرت لى هذه السيدة كوبا من الشاى، وهى تمزح معى بكلمات الحب والإغراء، وذهبت لشراء الطعام لنا من مطعم قريب، وبعد أن تناولت الشاى، انتابتنى حالة إعياء شديدة، فأسرعت إلى دولاب فى عيادتى أحتفظ فيه ببعض الأدوية، فلم أجد فيه المفتاح، وكانت هى قد تركت حقيبتها، التى تحتفظ فيها بسلسلة مفاتيح منها مفتاح الدولاب، ولما فتحته فوجئت بالعديد من أشرطة الحبوب المنشطة، أغلبها فارغة، وبعضها لم يستخدم بعد، فأصابنى الذهول، وكدت أموت وقتها من هول الموقف، فأنا مريض بالقلب والشرايين، ولا استخدم أى منشطات، فمن الذى يستخدمها إذن؟! ورقدت على سرير العيادة، وقد تملكنى التعب، وعادت هذه السيدة من الخارج، فسألتها بصعوبة بالغة، وأنا متقطع الأنفاس: من جاء بهذه الأدوية إلى عيادتى؟ فأجابتنى ببرود شديد بكلمات نزلت عليّ كالصاعقة إذ قالت إنها تستخدمها فى الشاى الذى تقدمه لى، وحاولت أن تقلب الأمر إلى مزحة، وما هى إلا دقائق حتى تمكنت المنشطات التى وضعتها فى الشاى، بلا حساب منى، وساءت حالتى تماما، وارتميت مكانى، ولم أدر ماذا حدث بعد ذلك، وكل ما أعيه وأتذكره هو أننى عندما افقت، واسترددت وعيى، وجدت رفيقة عمرى وأبنائى حولى, فانخرطت فى بكاء مرير، وأنا اتطلع إلى وجوههم البريئة وابتساماتهم الطاهرة، واستمتع بلمساتهم الحنونة، التى لا استحقها، نعم لا استحق أن يتعاطف معى أحد، حتى لو كانوا أبنائى وزوجتى, فأنا الذى فعلت ذلك بنفسى, وبكامل إرادتى امتثالا لرغبة طارئة لم تزدنى إلا حسرة وندما على الطريق الذى سلكته بعدها. ولقد كتمت سرى واحتفظت به لنفسى, لكى لا اتسبب فى هدم الثقة بينى وبين أسرتى الصغيرة، وخضعت لجراحة قلب مفتوح، وتغيير للشرايين، وتحسنت حالتى بفضل الله إلى حد كبير، ولا أخفيكم سرا أننى أحس بالخجل من نفسى, وغرورى كطبيب يعتقد أنه عالم بكل شيء، ويفهم كل صغيرة وكبيرة، بينما لم أستطع تشخيص ما كان يحدث لى من تغيرات نتيجة ما كانت تضعه لى تلك الشيطانة فى المشروبات التى تشبع بها جسمى, وأنا أتوهم أن الرغبة الطارئة فيها نتيجة لشيء موجود لديها هى أو غيرها، وليس موجودا فى زوجتي... والحمد الله أنه ستر أمرى, ونجانى من موت محقق، وربما أراد الله أن يمنحنى فرصة جديدة للتوبة، لأنى كنت ضحية بصورة أو بأخرى, وقد قررت عدم الاستعانة بأى سيدة، أو فتاة للعمل معى فى العيادة بعد اكتمال شفائى بأمر الله، وحدثت زوجتى بشأن أننى أريد إعادة ترتيب العيادة، وتجديد اثاثها، والاستعانة برجل نشيط يتولى أمورها، وترتيب مواعيدها، ويكون حلقة إتصال دائمة مع المرضى للوقوف على حالاتهم المرضية، ومتابعتها معى, وبعد مشاورات مع الأهل والأصدقاء، رشحت لى قريبا لها، والآن أتطلع إلى حياة مستقرة بعيدا عن طريق الظلام، وأرجو أن تكون قصتى عبرة للآخرين لكى لا يتجاهلوا أى مشاعر أو رغبات مفاجئة أو تغيرات غير مبررة فى قدراتهم الجسدية، وألا تثنيهم نياتهم الطيبة عن الشك فى الآخرين.

ولكاتب هذه الرسالة أقول:
مما لا شك فيه أن متعة الحياة تتحقق لكل فرد عندما تجتمع الرغبة والحب فيمن يراها مناسبة لمشاركته فى تكوين أسرة ناجحة ومستقرة من كل الوجوه، لكن الحظ لا يصادف الجميع، فيلتقون دائما بأقرانهم وأزواجهم الذين يتوافر فيهم هذان العنصران، وما نقوله عن الرجل ينطبق أيضا على المرأة، فقد تحب شريكها وتجد فيه الصفات النفسية والفكرية التى تبحث عنها لكنه لا يثير رغبتها، ومع ذلك لاتمانع فى مشاركته الحياة، بل لا تريد أن تكمل حياتها مع سواه، ولا تتوقف كثيرا عند أنه ليس الرجل الحلم بالنسبة لها شكلا ومضمونا، والرجل أيضا قد يحب شريكته، ولا يريد العيش مع سواها لكن عينيه تنصرفان الى أى امرأة تثيره، كما حدث معك عندما تعجبت من أن تثيرك امرأة خالية من لمحات الجمال، ووقعت فى شباكها، وصادف لقاؤك بها ميولا فى نفسك حتى اذا انتهى كل لقاء بينكما، تنفر منها، ولا تريد أن تراها انتظارا لإشعار آخر، ولولا أن البوادر منك دائما ما وصلت الأمور الى هذا الحد.

والحقيقة أن رسالتك تثير العديد من الملاحظات وعلامات الاستفهام والتعجب حول تجربتك الغريبة، بكل ما شهدته من أحداث ومواقف.. أما الملاحظة الأولى فتتعلق بالسيدة الأولى التى شعرت بالرغبة فيها ـ على حد تعبيرك ـ إذ لولا أنك لفت نظرها وطاردتها لما وقعت فى بئر الخطيئة معها، وكنت فى داخلك رافضا هذا السلوك بدليل قولك انك لم تكن تطيق رؤيتها بعد كل لقاء!، والملاحظة الثانية عن السيدة المطلقة التى سعيت لإقامة علاقة معها، وكانت السبب فى تردى حالتك الصحية، بدعوى أنها كانت تدس لك الحبوب المنشطة فى الشاى دون أن تدرى, وأحسب أن قصة هذه السيدة مبالغ فيها تماما منذ البداية، إذ أنك كررت معها ما فعلته مع السيدة الأولى بشعورك فى الرغبة فيها، فهل كانت تضع لك هذه الحبوب لكى تشعر بالرغبة فيها أم أنك تقصد أنها كانت تضع لك أعمال سحر مثلا؟.. لقد حاولت كثيرا تفسير هذه النقطة بالتحديد، وعجزت عن فهم موضوع أنك تتناول المشروبات فى المنازل التى تنزل ضيفا عليها، حتى لا تجرحهم بحكم العادات والتقاليد التى نشأت عليها، كما أنهم يقسمون عليك أن تتناولها فتمتثل لرغباتهم!، فهل معنى ذلك أن أهلها كانوا على علم بما تفعله؟!

أما الملاحظة الثالثة والأهم، فهى أنك كنت على يقين من أن شيئا غريبا يدور فى عيادتك، وأن المشروبات التى تقدمها لك غير طبيعية، ومع ذلك تماديت فى تجاهل ما تشك فيه من باب أنها تجلب لك السعادة، حيث تقضى معها وقتا ممتعا والمهم فى النهاية هى أنها تشعرك برجولتك، بعكس زوجتك التى تصل اليها فى نهاية اليوم وقد أنهكتك هذه المرأة اللعوب التى انجرفت وراءها بلا وعى, حتى وهى فى عصمة رجل آخر، ولا أدرى كيف طاوعت نفسك الشريرة بأن تستمر فى الخطيئة على هذا النحو، سنوات طويلة بلا تفكير فى التوبة، والعودة الى جادة الصواب؟.

وبعيدا عما اذا كنت تعانى مرضا بالقلب أو غيره، فإن الطريق السليم واحد ومعروف، وهو أن ترتبط بزوجة ثانية فى وضوح تام وأمام الجميع لكى تلبى لك رغباتك الملحة، والطارئة التى تنتابك كلما رأيت سيدة بالمواصفات العالقة بخيالك، ما دمت غير قادر على الصمود، والإرادة التى تجعلك انسانا ملتزما يحافظ على بيته ويخشى ربه.. وها أنت قد أدركت خطأ ما فعلت بالبعد عن عالم السيدات، واستقدام رجل ينظم لك وقتك، ويتابع أحوال مرضاك، فلسان حالك يقول إن الراحة النفسية أهم من تلبية الرغبات الجسدية، وتنصح كل رجل وامرأة بعدم تجاهل أى مشاعر أو أحاسيس غير مبررة، وألا تثنى النيات الطيبة المرء عن الشك فى الآخرين.

نعم.. إنه درس بليغ، ينبغى أن يتعلمه الجميع، وأرى من هذا المنطلق أهمية علاج أسباب الانحراف عند الرجال بالذات، وأهمها تحول العلاقة الحميمة من الرغبة المشتركة بين الزوجين الى واجب فقط، وخلو حياتهما من الحوار، ربما لعدم انسجامهما فكريا وثقافيا، وأيضا تسلط الزوج الذى يعتبر رأيه أمرا لا يجوز النقاش فيه، فتشتد الخلافات، وتصل الى حد الأعاصير التى تطيح بكل منهما بعيدا عن الآخر، ومقارنة الزوجة مع أخريات يشاهدهن الرجل فى مجال عمله أو خارجه، ويتطور الأمر من الاعجاب الى الخيانة، كما أن أصدقاء السوء يسهبون فى وصف متعة الإشباع الجسدى مع غير الزوجة، فيستسيغ المرء ما يسمعه منهم ويقدم عليه، وقد لا يتفهم أسباب أى تقصير من زوجته فيذهب الى التعويض مع امرأة أخرى خصوصا مع اشتداد الأعباء النفسية والاجتماعية عليه، الى جانب الرغبة فى التغيير مع من تستجيب لكل ما يريده منها.

إننى أعجب لتصرفات الرجل تجاه زوجته، والمرأة تجاه زوجها، لمجرد أن يرى أحدهما فى الآخر ما لا يعجبه ولا يصادف هواه، وأصدق ما قاله مصطفى صادق الرافعى فى ذلك «إن رضى المحب قال فى الحبيب أحسن ما يعرف، وما لا يعرف، وإن غضب قال فيه أسوأ ما يعرف، وما لا يعرف، وما لا يمكن أن يعرف»!، وأرجو أن تكون تجربتك المؤلمة دافعا لك الى أن تعيد المياه إلى مجاريها الطبيعية مع زوجتك، فهى الأجمل والأبقى والأنقى لك ولا تطل هجرك لها فإن طال أكثر من ذلك كان أثر الزمن عليها، كأثره فى الحرير المصبوغ، إن لم يبد فى العين ذليل النسج، بدا فيها ذليل اللون، كما قال الرافعى أيضا.

وأخيرا تبقى النصيحة العامة، بأن يتحرى كل رجل وسيدة، وكل شاب وفتاة عدم التمادى فى الحديث مع الآخرين إلا فى أضيق الحدود، وفى موضوعات عامة، حتى إذا تطرق الكلام إلى أمور خاصة ينصرف على الفور، وينهى اللقاء بأى صورة, حتى يدرأ الشبهات، ويتحاشى الوقوع فى الخطأ، وعليه أيضا أن يضع أسرته وأهله نصب عينيه، وأن يتقى الله فى كل خطواته، فإذا أقدم على خطوة خاطئة تاب ورجع الى الله، وسوف يجده غفورا رحيما بشرط الإقلاع عن الذنب تماما، وحينئذ سوف تصفو نفسه، ويعيش مرتاح البال والضمير، فأكمل مسيرتك على هذا النهج القويم، وسوف تواصل الإبحار مع زوجتك وأبنائك بأمان فى نهر الحياة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صافى شان
مشرف
مشرف
صافى شان

ذكر
العمر : 31
عدد الرسائل : 2966
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 1111111
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 8911
نقاط : 11309
ترشيحات : 34
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 311

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 I_icon_minitime19/2/2016, 10:57

عذاب الضمير


أنا سيدة فى سن الخمسين, وقد تزوجت منذ ربع قرن من رجل يكبرنى بست سنوات,ورزقنا الله ثلاثة أولاد، يعمل اكبرهم طبيبا فى دولة خليجية, والثانى محاسبا فى شركة كبرى، أما الثالث فمازال طالبا بالجامعة، ومشكلتى مع زوجى منذ ارتباطنا أنه بارد العواطف، ولذلك ظلت علاقتى به فاترة خاصة أن النواحى العاطفية عنده لا تظهر إلا عند الرغبة فى العلاقة الحميمة،
وللأسف ومع إلحاح زميل لى على الكلام معى نشأت بيننا علاقة آثمة، فكرهت نفسى، وطلبت الطلاق من زوجى بلا أسباب واضحة، فاستغرب الأمر فى البداية، ثم طلقنى، وفى مرات كثيرة التقيت به مصادفة، فطلب منى أن نعود إلى بعضنا، ويسألنى عما إذا كان قد أخطأ فى حقى؟

اننى أتعذب من تأنيب ضميرى تجاه مطلقى الذى يلح علىّ كثيرا أن نعاود حياتنا معا، فهل اعترف له بحقيقة ماحدث، فالحقيقة أن لدى رغبة فى إزالة هذا الهم والإعتراف له بما ارتكبته حتى وإن صرف النظر عن عودة حياتنا الزوجية، لكنى مترددة, فبماذا تنصحنى؟.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
تتكرر هذه المشكلة كثيرا، وينسى الجميع أن الشرارات الصغيرة تنتج عنها حرائق مستعرة، وكانت الشرارة التى تطايرت فى حياتك فأصابتك بهذه الكارثة هى استماعك إلى الكلمات المعسولة التى رددها على مسامعك من لا يتقى الله ولا يعرف إليه سبيلا، فصادفت لديك قبولا، وشيئا فشيئا سقطت فى بئر الخطيئة, وهى بئر سحيقة لا ينجو من يقع فيها وغالبا يستسلم لما وصل إليه.

والحقيقة أنك تجنيت على زوجك كثيرا, لدرجة أنك لم تجدى من الذرائع التى دفعتك إلى ما ارتكبته سوى انه بارد العواطف إلا فى اللحظات التى تلتقيان فيها, وكأن كل الأزواج يسمعون زوجاتهم ليلا ونهارا كلمات الحب والغرام, فهذا منطق غريب بكل المقاييس ولذلك أراه سببا واهيا تحاولين التمسك به لتبرير الفعلة الشنعاء التى ارتكبتيها فى حقك وحق زوجك وأسرتك، وها أنت قد عاقبت نفسك بطلب الطلاق وحصلت عليه، والآن تحاولين العودة إليه وكلك ثقة فى عفوه عنك، لكنى أرى أن الخطوة التى يجب أن تسبق عودتك إليه هى أن تبتعدى تماما عن كل من يتجاوزون فى الحديث معك, وحينئذ من الممكن ان تعودى إليه وقد صفت نفسك وهدأت سريرتك.

أما مسألة الاعتراف لزوجك بما حدث فقد تأتى بنتائج عكسية, ولذلك فالأفضل هو أن تصدقى التوبة مع الله وتعزمى ألا تعودى إلى هذا الذنب أبدا, فصدقك مع نفسك ومع الله هو الذى سيدفعك إلى الطريق السليم ويكفيك الندم على ما فعلت, فلقد سترك الله وفتح سبحانه وتعالى للصادقين باب التوبة، وأراك جادة فى توبتك وكلى ثقة فى أنك سوف تعودين إلى زوجك أكثر حبا له وتمسكا به، والله الموفق
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أم البنات
مشرفة
مشرفة
أم البنات

انثى
عدد الرسائل : 9513
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 210
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 Unknow10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 8010
نقاط : 19672
ترشيحات : 44
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 333310

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 I_icon_minitime26/2/2016, 09:08

بريد الجمعة يكتبه: احـمد البـرى
الورقـة المـمـزَّقة!

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 78 2016-635920378793665349-366

أتابع بريدك الشهير بانتظام. وأتأمل تجارب قرائه فى الحياة،
وأستفيد من دروسها العظيمة، وقد وجدتنى رغما عنى إحدى بطلاته، وإليك حكايتي، فأنا سيدة عمرى أربعة وثلاثون عاما، نشأت فى أسرة عادية بمحافظة الشرقية، ودرست فى مدرسة متوسطة وحصلت على دبلوم إدارة وخدمات، وبعدها تقدم لى شاب من القاهرة يكبرنى بعدة سنوات، ولم أشعر تجاهه بالارتياح، وتزوجته بإصرار من أهلي، وانتقلت معه إلى العاصمة، وتمنيت أن تستقر حياتى وأن تعرف الطمأنينة طريقها إليّ، ولكن هيهات أن يتحقق لى ما أردته، إذ سرعان ما اكتشفت بخله الشديد، وتعنته فى كل كبيرة وصغيرة، ومرت الأيام ولم أنجب، وخضعنا للتحاليل، وتبين أنه غير قادر على الانجاب، فإزداد سخطه عليّ، وصارت حياتنا نكدا دائما، فوجدتنى أطلب الطلاق لكى أنفد بجلدى من هذا الجحيم، وانفصلنا، وعدت إلى بيت أهلى فى الشرقية، وكم تمنيت أن تعرف حياتى طعم الاستقرار، فليس أصعب على المرأة من أن تجد نفسها مطلقة ووحيدة فى ريعان الشباب وبلا ذنب ولا جريرة، وطويت همى فى نفسي، وكتمت أسرارى فلم أبح بها لأحد، وذات يوم دعيت إلى حفل زفاف احدى قريباتي، وجاءتنى زوجة ابن عمي، وقالت لى إن قريبا لها رآنى فى الحفل، وعرف بقصتى ويريد أن يرتبط بي، وشرحت لى ظروفه بأنه مهندس تخطى سن السبعين بقليل، يعيش بمفرده بعد أن طلق زوجته، وجميع أولاده تخرجوا فى كلياتهم وصارت لهم بيوت مستقلة، ومنهم من هاجر إلى الخارج. ولديه عمارة، باع عددا من شققها ويعيش فى الدورين الأول والثانى منها وهما على شكل فيلا بحديقة، وصحته جيدة، ففكرت فى الأمر، ووجدتنى أوافق عليه، فهو يتمتع بمميزات كثيرة، ولم أجد فى كلام قريبتى ما يعيبه، والتقيت به، فكرر نفس ما قالته، وأكد لى أنه لم يظلم زوجته الأولى التى قضى معها معظم سنوات عمره، وأحضر قسيمة طلاقه لها، وعند عقد قراننا حضر شقيقان له، واخواته البنات من أبيه، وأعاد أمامهم ما قاله عن أن مطلقته تركت له البيت منذ ست سنوات، وأنه عمل محاولات صلح عديدة معها، فلم يفلح، ولم يراجعه أحد أو يعلق على كلامه، وقال إن أولاده شجعوه على الزواج، وأنهم قالوا له «أنت عملت اللى عليك»، ومادامت أمنا لا تريد العودة إليك، تزوج، فهذا حقك»، وكان كلامه منطقيا ومرتبا، ولا يستطيع أحد أن يمسك عليه أى خطأ.

ومرت شهور لم يزره فيها أحد من أولاده، وكانت الدنيا «وردية»، فلقد وجدته حلو العشرة ويتحدث بشكل رائع، ونخرج معا فى فسح كثيرة، ونرتاد النادى بانتظام، وتعجبت من أن يقطع أبناؤه صلتهم به، وهو على هذا النحو من السلوك والتصرف الحكيم، وكثيرا ما سألت نفسي: لماذا تركت أم أولاده البيت وأصرت على الطلاق برغم عشرته الجميلة؟

وظللت أسأله بين الحين والآخر عن أبنائه، حتى قال لى ذات يوم بعد سبعة أشهر من زواجنا إنه التقى ابنه الأصغر فى عزاء أحد الجيران، وأنه يقابله كثيرا فى المسجد، ولم يرد عليّ عندما سألته، ولماذا لا يزورك هنا، فهذا بيت أبيه، فأنا أريد أن تسير الحياة بشكل طبيعي، ومن حق أولاده أن يزورهم ويزورونه، ولا أحب حالة الخصام والتوتر ويجب أن تمضى الأمور فى وضوح حتى يستريح الجميع، ولكن هيهات أن يفهمنى، أو يستجيب لي!

وكانت تساعدنى فى ترتيب البيت وتنظيفه سيدة بسيطة، لكنه طردها، وأمرنى أن أتولى هذه المهمة بنفسي، لأنه لن يأتى بهذه السيدة ولا غيرها، ولا يريد أن يدخل البيت أحد، وحاولت أن أعرف منه سبب هذا القرار الغريب. فلم أفلح، وبدأ فى الكلام معى بأسلوب مختلف تماما، واتهمنى بأننى لا أحسن التفكير، وبأن الكل لا يفهم ولا يعى شيئا إلا هو، وعندما أتحدث فى أمر ما أكون مخطئة فى نظره، فلا ينصفنى أبدا، ويبدو أن جميع من حولنا يعرفونه جيدا إلا أنا، فهذه السيدة قالت لى إننى لن أستمر معه، وأنها من خلال معرفتها به على يقين من ذلك، وكنت أسمع هذا الكلام وأتعجب له، إذ ليس هناك مصدر موثوق به يمكننى من أن أتأكد عن طريقه من صحة ما أسمعه عنه أو عدم صحته!

ومنذ شهور، وكان قد مر على زواجنا عام كامل، وجدته يمسك بالورقة والقلم، ويكتب أوراقا كثيرة، فسألته: ماذا تكتب؟.. قال: إنه يريد أن يبعث برسالة إليك عبر «بريد الجمعة»، وبعدها بأسبوعين، وجدته ممسكا بصفحتك وقد نشرت رسالته بعنوان «طلاق بعد السبعين»، وقرأتها، ووجدت أنه لم يذكر فيها أنه طلق زوجته الأولى قبل زواجنا بثلاثة أشهر، كما تقول قسيمة الطلاق التى اطلعت عليها، فسألته فى استنكار لماذا لم يذكر ذلك فى رسالته فكذب عليّ، وقال إنه بعث إليك بهذه الرسالة منذ ست سنوات، أى منذ أن تركت زوجته الأولى البيت رافضة العودة إليه!، فذكرته بما قاله لى منذ اسبوعين بأنه يكتب رسالة إليك، فثار ضدي، واعتبرت الأمر كأن لم يكن، حتى لا أثير مشكلة وإن ظل هذا الموقف عالقا بذهنى من باب الاستغراب، إذ لم أجد مبررا لأن يفعل ذلك، حتى ولو من باب الفضفضة، وكان يجب عليه أن يذكر الحقيقة كما هي، إذا أراد أن يتعظ الآخرون من تجربته!، وبعدها أخفى عنى صفحتك الاسبوعية، إلى أن فوجئت بأنه قطع ورقا من جريدة وألقى به فى سلة المهملات، فأخذته ورتبته لأعرف ما الذى يخفيه عنى فإذا به «بريد الجمعة»، والورقة الممزقة تحمل رسالة بعنوان «رد الاعتبار»، وهى من أبنائه وزوجته الأولي، وفوجئت بكل ما قالوه، والحقيقة أنه قال لى عكس ذلك تماما، كما أدهشنى ما جاء فى ردك عليه من أنه يجب أن يعتذر لها، ويعمل الجميع على اعادة المياه إلى مجاريها، ولكن كيف يكون ذلك، وماذا سيكون مصيري؟

إننى لم يغمض لى جفن منذ أن رأيت «الورقة الممزقة»، وسارعت إلى أرشيفك الالكتروني، واستخرجت رسالتى «الطلاق بعد السبعين»، و«رد الاعتبار»، ووجدتنى أربط بين الأحداث المتسارعة فى الفترة الأخيرة، فكل ما قاله عن أولاده حقيقي، وخصوصا ما لمسته فى تعاملى معه من القسوة فى الكلام، واستخدام الألفاظ الجارحة، والتعنت فى ابداء رأيه، واصراره على أنه وحده ذو الرأى الصائب، وتقليله الدائم من شأن زوجته، وتحقيره جهودها، والسخرية من آرائها، واستوقفتنى ايضا كلماتهم بأنه لم يوفر لأمهم المرفأ الآمن لترسو عليه سفينة حياتهما وإنما زاد فى قسوته عليها، ولم يستجب لتوسلاتهم له بأن يحسن معاملتها، ولذلك خرجت غير عابئة بأى شيء، وهزتنى كلماتها هى أيضا بأنها تعبت من معاملته القاسية، وكلامه الذى تنوء بسماعه الجبال، وانها فوضت أمرها إلى الله.

ولقد ايقنت أنه يريدنى ألا أطلع على الجانب الخطير فى شخصيته والذى ظهر بوضوح فى الشهور الأخيرة وبعد مرور عام على زواجنا، إذ قال لى إن زوجته الأولى رفعت عليه قضية فى المحكمة لـ«التصالح»! ولم أفهم هل هناك دعوى بهذا الاسم وكيف تقيم مثل هذه الدعوى وهى مطلقة؟.. ثم هل تزوجني، وهى على ذمته، ولكن كيف ذلك، وقد أرانى قسيمة الطلاق؟!.. والغريب حقا هو أنى رأيتها من شرفة المنزل، واقفة على الباب معه، وقد تحدثا معا عدة دقائق، ثم غادرت المكان، وصعد هو إلى الشقة التى نسكنها، ولم يحدثنى عن لقائه بها، ولم أفاتحه فى شيء.

وعلى مدار عام ونصف العام، وأنا أتطلع إلى ان يكون لى ابن أو ابنة تشاركنى حياتي، وتؤنس وحدتي، وحملت مرتين، ولم يكتمل الحمل، بل ان الحمل الثانى ظل قائما حتى الشهر السابع ثم اجريت لى جراحة وفقدته، وتعبت كثيرا صحيا ونفسيا، ثم بدأت أمارس حياتى واحدة واحدة، وقال لى الطبيب أن حالة زوجى الصحية وبحكم السن ربما تكون قد تغيرت، وأن الأمر يحتاج إلى فحصه طبيا، وإقرار ما يلزم له من علاج، ولكن ما إن قلت له ذلك حتى ثار ضدي، وقال إنه أنجب خمسة أبناء، وليس فى حاجة الى اولاد جدد، وسليم من الناحية الصحية، وكل أولاده بصحة جيدة، ولن يخضع لأى علاج أو تحاليل، وقد وصف لى أحد أقاربى بعض الأعشاب الطبية التى قد تسهم فى تحسين حالته من ناحية الانجاب، وأرسلها لي، ولما أبلغته بأننى اشتريت بعض الاعشاب المفيدة، أخذها مني، وألقاها فى «الزبالة»!

وزاد تدخله فى شئون البيت بشكل فج، فأصبح يعلق على كل صغيرة وكبيرة، ولم يعد يمل من الحديث عن نفسه، وأنه لا يوجد مثله فى كل شىء، وأطبق علىّ إحساس بعدم الأمان معه، فطلبت منه أن يكتب البيت باسمى لضمان حقى فى المعيشة به، فلا أحد فى الدنيا يعلم ما تخبئه الأقدار، لكنه رفض بإصرار، وقال، «إنت عايزة ترمينى فى الشارع»، فهو لا يأمن لأحد ولا يفكر إلا فى نفسه، فحاولت أن اشرح له الوضع بأن أولاده مرتاحون ومعظمهم مهاجرون الى الخارج، لكنه أصر على موقفه، وأصبح الصمت يسود حياتنا ولم أعد اتكلم معه على الإطلاق، ولا أجد من يؤنس وحدتى سوى أخوتى عندما يزوروننى على فترات متباعدة، وقد اثار مشكلات عديدة مع سكان العمارة، وبلا أسباب تذكر حتى ضاق منه الجميع، وأحيانا أسمعه يتكلم بصوت مسموع، فأتصور أنه يتحدث فى التليفون ومع تكرار ذلك، نظرت إليه من بعيد فوجدته يحدث نفسه، فانتابنى إحساس بأنه مريض نفسيا.

إننى لا أنكر أننى أحببته، وصدقت كل ما قاله لى عن زوجته الأولى وأولاده، لكن أحواله تغيرت، وأجدنى أعيش حالة من القلق والاضطراب، وقد غيرت أسلوبى معه تماما، إذ أرد عليه كلامه القاسي، ووصلنا إلى حالة «الخرس المنزلي»، منذ يوم «عيد الحب» فى الرابع عشر من فبراير الحالي، لكنى سأستمر معه، ولن أطلب الطلاق، ولن أعود إلى أهلي، وأجدنى مصرة على الاستمرار فى حياتى معه، فلقد اخترت طريقى بنفسي، ولم يجبرنى أحد عليه، ومن حقى أن أحافظ على بيتي، ولكنى أسألك: لماذا لا يقدر الانسان النعم التى وهبها الله له، ويجلب على نفسه المتاعب بيديه كما يفعل زوجي؟.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

ذكرتنى رسالتك ببيت الشعر الأمريكى الذى يقول:

متعة الحب لحظة أما

شجن الحب فيدوم إلى الأبد

فالحقيقة أن ما شعر به الرجل الذى تعدى سن السبعين تجاهك لم يكن سوى مجرد رغبة عارضة فى الزواج منك لاشباع حاجته الجسدية والحصول على المتعة التى تخيلها فيك عندما رأك فى إحدى المناسبات العائلية، وعلم بطلاقك، واستعدادك النفسى للقبول به برغم أن سنه تزيد على ضعف عمرك بعدة سنوات، وبعد أن نال غرضه وحقق ما اراد، وانتهت اللحظة التى كان ينشدها، بقى شجن الحب، فبمجرد رؤيته شريكة عمره، وهى أصل كل شيء فى حياته ذهب ملهوفا إليها، فهو يريدها من جديد، وأظنه يسعى للرجوع إليها نادما، بعيدا عما إذا كانت ستنال حقوقها منه بطريق المحكمة أم لا، وما كلامه لنفسه بصوت مسموع إلا دليل على الحالة النفسية السيئة التى يعانيها، وأنه أخطأ بصنيعه تجاه زوجته الأولي، ولم يحسب أموره جيدا، لكنه لا يريد أن يعترف بذلك، بل وسيتمادى فى إثبات أنه على حق، وأن مثله لا يخطئ ابدا!.

إن هذا النوع من البشر من المستحيل أن يعترفوا بسلبياتهم، إذ يرون دائما أنه لا تجوز مراجعتهم باعتبار أنهم فوق المساءلة، وأكبر من أن يبرروا تصرفاتهم، فقط عليهم إصدار الأوامر، وعلى الآخرين أن ينصاعوا لها، وإذا لم يستجيبوا بالكلام القاسي، فإنهم يتمادون فى أفعال أخرى كالضرب، والهجر، وإحالة الحياة إلى نكد لا ينقطع!.

... وقد أدرك ذلك جميع من حوله حتى الشغالة التى كانت تساعدك فى أعمال المنزل طردها لكى لا يدع لك فرصة للراحة، ولتظلى تحت ضغط دائم، فلا تستطيعين التقاط انفاسك، ومن ثم تطالبينه بأى شيء، وهى تعلم طباعه من تجاربه السابقة مع زوجته الأولي، ولذلك قالت لك إن «حياتك معه لن تستمر» قالتها لك ليس لكى تحرضك عليه، ولكن لكى تبصرك بما غاب عنك عندما وافقت على هذا الزواج غير المتكافئ بكل المقاييس..

وأحسب أن ارتباطك به، كان دافعه الأكبر هو أنه يعيش فى القاهرة، ويملك فيللا، ولديه أموال كثيرة بحكم السنين التى عملها مهندسا بالخارج، وأنك سوف تستحوذين على كل شيء، لأنه ليس فى حياته أناس مسئول عنهم سواك، وفاتك أن الغنى المادى مفهوم نسبي، وأن النفس كالبحر ترغب دائما فى المزيد من المال والمجوهرات، والعقارات، ومتاع الدنيا، لكن كل ذلك لا يغنيها أبدا عن الراحة النفسية التى إذا فقدها الإنسان فقد معها كل شيء، ومن هنا فإن على كل منا واجبا مقدسا، وهو التسليم بالقدر، والرضا بما قسمه الله، لتكون النتيجة فى صالحه، والعاقبة له، لأنه بذلك ينجو من كارثة الإحباط العاجل والإفلاس الآجل، ولذلك ينبغى ألا تشغلك مسألتا الميراث والإنجاب، فالابناء والثراء قد يكونان من أسباب الشقاء، حيث يقول تعالى «فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم، إنما يريد الله ليعذبهم بها فى الحياة الدنيا»، فالأموال التى بحوزة زوجك، وعمارته وفيللته الأنيقة، وحديقته الغناء مع الحزن والآسى واليأس، ما هى إلا زيادة فى الأسف والهم والغم.

وعلى جانب آخر فإن فارق السن الهائل بين الزوجين ـ كما فى حالتكما ـ تترتب عليه عواقب وخيمة، فمعظم كبار السن ممن هم فى مثل سن زوجك يبدون دائما فى حالة عصبية زائدة، أو اكتئاب نفسي، وقد يصاب بعضهم بالارق، أو تقل شهيتهم إلى الطعام، وتضعف ذاكرتهم خصوصا بالنسبة للحوادث القريبة، فمثلا نسى زوجك أنه قال لك إنه يكتب رسالة إلى بريد الجمعة وأنت ترينه يكتبها ويرسلها أمامك، وقال لك إنه ارسلها منذ ست سنوات، وهذا بالطبع دليل كاف على أنه فقد القدرة على التركيز، ولذلك يفضل الجلوس فى المنزل، ولا يغادره، مستمتعا بالقراءة أو مشاهدة التليفزيون، بينما أنت تريدين الخروج من جو البيت إلى الحفلات والأماكن العامة، ولذلك يراك تتصرفين كمراهقة صغيرة، فتسلل إليك الشعور بأنك سجينة، ولاحت فى الافق أسباب التنافر والشقاق التى لو استمرت على هذا الوضع، فسوف تؤدى إلى الانفصال والطلاق، فلقد صار مهما أن تلتقيا عند نقطة محددة، وهى أن حياتكما معا مربوطة برباط واحد، وأنك لا تبغين غيره زوجا لك، وبالتالى تعيدان الفلسفة التى اخذتها حياتكما، فبكل وضوح أرى أن لسان حالكما الآن ينطبق عليه قول الشاعر:

سارت مشرقة وسرت مغربا

شتان بين مشرق ومغرب

وأعاود التأكيد عليه بأن يتوقف عن حماقاته، وتصوره بأنه لا يوجد مثيله فى الدنيا، وأن يعيد النظر فى أخطائه التى ارتكبها فى حق زوجته الأولى التى أحسب أنه أعادها إلى عصمته أو ربما لم يطلقها من الأساس، فالحقيقة أن حالة الاضطراب التى يعيشها وتباين الحقائق بين رسالته، ورسائلك أنت وزوجته الأولى واولاده، تؤكد أن حقيقة وضعه الاسرى بالنسبة للجميع غامضة، ولذلك لابد من وضع النقاط على الحروف معه، وليس التغطية على أفعاله وترك الأمور تسير على ما هى عليه، فالنار مشتعلة تحت الرماد، وسوف تتوهج وتزداد اشتعالا بمرور الوقت إن لم يتم إخمادها فى مكانها... نعم لا بديل عن ذلك، وليكن هناك لقاء حاسم وقاطع يتم فيه توضيح الامور حتى تكونى على بينة من أمرك.

ولعل تجربتك تكون درسا مهما لكل شابة تقدم على الزواج من كهل فى مثل سن جدها أو ابيها، فالواقع أن من تلجأ إلى زيجة من هذا النوع، هى امراة شديدة الخوف من الحياة. وتريد رجلا يحميها، ويوفر لها الأمان الذى تنشده، ويحل مشكلاتها، وييسر شئونها، ويوفر لها الاستقرار المادي، ولذلك تقنع نفسها بأن فارق السن الكبير أمر غير مهم، وتتضاءل أمامه المزايا الأخرى الكثيرة، لكنها بمرور الوقت تصطدم بصخرة الواقع، وتشعر بالاخفاق والفشل فى هذا الزواج غير المتكافئ.

إن زواج الشابة من مسن فيه أخطاء كثيرة، فمن اهم مقاصد الزواج المتعة الجسدية لكلا الطرفين، وقد يعجز المسن عنها، وقد تتفاوت قدراتهما من هذه الناحية، وبمرور الوقت تغلب عليها «الحرارة» وتغلب عليه «البرودة» بل وقد تتفتح ابواب الغيرة عنده ويتملكه الشك فى سلوك زوجته، فلا يسمح لها بالخروج من باب المنزل، وتسعى إلى تعويض هذه المتعة بأى متع أخري، فتحاول ان تستنزف ماله خوفا من ان يتركها فى أى وقت إلى غير ذلك من طرق التحايل.

أما فارق السن المناسب، فيجعل المرأة تقدر زوجها بصورة اكبر فهو يعطيها الحماية وهى تمنحه الحب والحنان، وتسير السفينة بربان واحد، ورفيق حياة متفاهم، وهذا هو الوضع الأفضل، حيث يعمل تقارب سن الزوجين على تقارب أفكارهما ونظرتهما الى الحياة، ومطالب الاسرة وتوحد آرائهما فى تقدير الأمور، وأما من يفكرون فى اشباع رغباتهم العاجلة دون النظر إلى عواقب الأمور المترتبة على الفارق الشاسع فى السن فإنهم ينظرون تحت أقدامهم، ويغفلون عما قد يحدث من مشكلات عائلية واجتماعية ونفسية لجميع الأطراف.

هذه هى القاعدة العامة للحياة الزوجية الناجحة والمستقرة، وتبقى الحالات الاستثنائية لفارق السن، فهناك أسر تعيش حالة استقرار، ولكن كل طرف يكون راضيا بحاله ولا يؤلب الآخر عليه، ولذلك أحسب أن الحل الأمثل لك هو أن ترضى بواقعك على أساس من الوضوح والشفافية، بأن تبينى لزوجك وفى حضور أهلك ما خفى من أمره، وتوضحى له أنك أحببته لذاته، وليس لماله. ولا جاهه، ولا ترين سببا واحدا لتغيره تجاهك، وذكريه بالحياة الوردية التى عشتماها معا فى السنة الأولى للزواج، وكيف أنك تعجبت من أن تطلب زوجته الأولى الطلاق وهى التى عاشت معه عشرات السنين بهذا النمط السعيد من الحياة وأرجو أن يراجع نفسه، ويضمك إلى صدره حتى لا يفقد آخر سند له فى الدنيا، والله المستعان
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
بريد الأهرام ( بريد الجمعة )
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 78 من اصل 88انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1 ... 40 ... 77, 78, 79 ... 83 ... 88  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» بريد الجمعة يكتبة : احمد البرى الطفل الكبير !
» سطو مسلح على مكتب بريد في المعادي
» سطو مسلح على مكتب بريد «قها» في القليوبية
» اجعل لك بريد مجاني على الـ hotmail - شرح بالصور
» كيفية حظر بريد الكتروني بسكربت whmcs

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الشاعر عبد القوى الأعلامى :: المنتديات العامة :: المنتدى العام-
انتقل الى: