بريد الجمعة يكتبه : أحـمــد البــــــرى
مفتاح الأمان!أكتب إليك طلبا للنصيحة بعد أن وصلت الأمور إلى طريق مسدود، لعلى أجد لديك حلا يخفف ما أعانيه من متاعب وآلام، فأنا سيدة فى سن السابعة والثلاثين، نشأت فى أسرة مكافحة لأب يعمل بأحد المساجد، وأم ربة منزل، وكافحا معا لتعليمنا حتى تخرجت أنا وأخوتى فى الجامعة، وتربينا فى جو أسري،
وجمعتنا الألفة والمحبة، والكرم برغم ضيق ذات اليد، ولم تكن لنا علاقات مع الآخرين، إذ أغلقنا بابنا على أنفسنا، ولم يعرف عنا أحد شيئا، وبجانب العمل فى المسجد اشتغل والدى فى الفلاحة، فكان يزرع قطعة أرض تقع على مسافة بعيدة من القرية التى نقطن بها، وكان لديه حمار هو وسيلته الوحيدة للذهاب إليها، وعندما التحقت أختى بالجامعة احتاجت إلى مصروفات كثيرة، ولم يكن أمام والدى حل سوى أن يبيع الحمار لتوفير المبلغ الذى طلبته منه، ولما كبرت ولمست المعاناة الشديدة التى يقاسيها فى توفير لقمة العيش لنا، لم ألجأ إلى الدروس الخصوصية مثل كل الطلبة، خصوصا فى الثانوية العامة، وأصررت على التفوق، فواصلت الليل بالنهار، ولم يكن لى همّ سوى أن أثبت وجودي، وأصبح طبيبة فلست أقل من الأخريات ذكاء ومهارة فى تحصيل الدروس، والحمد لله حصلت على مجموع كبير، والتحقت بكلية الطب، وتخرجت فيها، والتحقت بمستشفى قروى فى بلدة مجاورة لنا، وظللتنا السعادة وراحة البال، وادخرت مرتبى لتجهيز نفسي، ولم يسألنى أبى عنه، إذ كانت ثقته فينا بلا حدود، وتقدم لخطبتى صيدلى تعلقت به، وكان مناسبا لي. لكنه تمسك بأجهزة محددة فى العفش يتعين عليّ شراؤها، فلم أعارضه وقتها، وتمت خطبتى له أربعة أشهر، والحق أننى لمست فيه صفات رائعة، وكان حريصا على ألا أبذل مجهودا فوق طاقتي، وقد أحببته لخوفه عليّ، لكن تعنته فى التزامات العروس من الأثاث، هو ما أدى إلى فسخ الخطبة، وتقدم لى بعدها كثيرون بينهم مدرس لغة فرنسية جاهز ماديا، ولديه شقة ملكه، لكنهم لم يلفتوا نظري، ولم أشعر بميل نحو أى منهم، وكانت رغبتى أن أرتبط بشاب متدين يكون لى زادا فى الدنيا والآخرة.
وذات يوم حضرت مؤتمرا طبيا بجوار أحد المساجد، وحينما حان موعد الصلاة ذهبت إليه لأدائها حيث لم يكن هناك مكان للصلاة فى مقر المؤتمر، فشاهدت إعلانا عن تيسير الزواج للراغبين والراغبات، فتركت بياناتى فى خطاب مع إمام المسجد، وبالفعل اهتم به، وتقدم لى أكثر من شاب أحدهم فى مثل عمري، قال لى إنه يعمل محاسبا بجهة كبري، ومطلق ولديه طفل من زيجة سابقة، وأن مطلقته تعانى «الذئبة الحمراء»، وأن المرض انتقل إلى الطفل البالغ من العمر تسعة أشهر، وأنه جاء من المحافظة التى كان يعيش فيها إلى القاهرة، وصدقت ما قاله، واستشعرت من كلامه وأسلوبه انه مناسب لي، وقدمته لأبي، فلم يسأل عنه، واعتمد على المعلومات التى سردتها له على لسان هذا الشاب، ودار بينهما حوار قال لأبى فيه إنه استأجر شقة جديدة وأثثها، ولا ينقصه شئ، وأقمنا حفل الزفاف فى حضور والدته وشقيقاته، وبعد الحفل سافرنا مباشرة إلى مصيف ساعدنى والدى فى تكاليفه، حيث لاحظت ارتباك زوجى وعدم وجود مال كاف معه، فاتصلت بأبى وجاءنى بما سددنا به ثمن الاقامة، ولم أفاتح زوجى فى شيء، لكنى أحسست بأنه يخفى أشياء كثيرة، وتأكدت من إحساسى عندما دخلنا شقة الزوجية، إذ لم أجد أى قطع موبيليا جديدة بها، فكل شئ فيها قديم ومستهلك ماعدا الأنتريه والمفروشات ومتعلقات المطبخ وبعض الأجهزة الكهربائية وهى التى اشتريتها، وتوالت الصواعق فوق رأسي، إذ عرفت أنه عامل بالجهة السيادية وليس محاسبا كما قال، وانه متزوج من طبيبة أيضا وله منها «طفلان توأم»، أما العمل فقد عرفته من واقع الأوراق الموجودة معه، وذلك برغم انه حاصل على مؤهل عال، وأما الزواج فقد علمت به من إحدى جاراتنا التى كانت تعتقد أننى أم طفليه، وتأكدت من صدق كلامها بعد أن أوهمنى أنه يعمل فترة مسائية، ويبيت معظم الليالى فى العمل لتحسين دخله، فى حين أن الحقيقة هو أنه يبيت مع زوجته الأولي، ولم أستطع أن أفاتحه فى هذا الأمر خوفا من أن يكون ذلك ذريعة لكى يخرج ولا يعود، وتحملت العذاب ألوانا وأشكالا أملا فى أن أصل معه إلى أسلوب حياة يرضينا، ويحافظ على بيتنا، لكن أوضاعنا سارت من سيئ إلى أسوأ، ثم كانت الفاجعة الكبرى بتعاطيه منشطات تجعله فى حاجة دائمة إلى العلاقة الزوجية، فيقضى معظم الوقت مع زوجته الأولي، ويأتينى بعدها، ويصر على أخذ حقه الشرعى مرات عديدة، والويل كل الويل لى إذا تألمت أو اعترضت حيث ينهال عليّ ضربا وركلا، لدرجة أنه لكمنى فى وجهى لكمة شديدة تسببت فى جرح قطعي، وسال الدم دون أن يرق قلبه، فمن يلجأ إلى هذه الحبوب تنتابه حالة هياج فلا يستطيع السيطرة على نفسه، وهو يقضى وقتا طويلا فى مشاهدة المواقع الاباحية، ولا وقت نقضيه معا فى الحديث عن أمورنا الحياتية.. وكل همه «العلاقة الخاصة» التى يتفنن فيها طلبا لمتعة مصطنعة، ليس فيها أى إحساس سوى الألم، أما إذا وجد لديه بعض الوقت فإنه يأتى بأولاد أخوته، فيلعب معهم، ويعد لهم «الفيشار» ويحضر الفطير والمشروبات ثم يتركون المكان وبعد ذلك يأتى صاحبه فيجلس معه عدة ساعات، وأحيانا يفضى إليه بأسرارنا، لدرجة أنه قال لى إن صديقه هذا قال عنى اننى «ناشز» لأننى لا أعطى زوجى حقه الشرعي!.. وكم قلت له إن ما يفعله لا يليق، ويجب ألا يخبر أحدا بما يدور بيننا، ولكن هيهات أن يفهم شيئا مما أقوله!
ولقد أنجبت منه بنتا أخشى عليها من ممارساته، فهى تكبر بمرور الأيام، وتعى الكثير مما يدور حولها، وتردد بعض كلامه، فمثلا يقول لها: «قولى للمجنونة تعمل لى قهوة»، أو «قولى للمجنونة تجيب كذا»، حتى حدث لها «ارتباط شرطي». فما أن تراه حتى تقول له: «المجنونة عملت كذا». ويكون رد فعله الضحك، وبعد أن يخرج من المنزل تقول لى: «انتى حبيبتي» فأنبه عليها بألا تكرر ما يقوله: فتعدنى بذلك ثم تعود إلى ما كانت عليه بتأثير أبيها الذى لايدرك مدى خطورة تصرفاته على ابنته، فهو لا يتورع عن فعل أى شيء أمامها، حتى لو أراد أن يمارس حقه الشرعي!
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، وإنما سرقنى مرات عديدة، حيث اختفت من الشقة أشياء ثمينة من الذهب الذى اشتريته بمالي، وأيضا مبالغ مالية ادخرتها لوقت الشدة، فمرتبى ليس كبيرا، وأعمل فى الحكومة ولا يعقل أبدا أن أفتقد الأمان فى بيتي.. ولم أجد بدا من أن أنتقل إلى شقة أخري، واستأجرنا شقة جديدة لكن الحال لم تتغير. وكل ما حدث أننا غيّرنا المنطقة، أما أوضاعه فظلت كما هى بالنسبة لعمله وبيته الثاني، وأهله وأصدقائه. وهو حتى الآن لم يأخذ مفتاحا للشقة فمفاتيحها معي، لكنه إذا أراد أن يستولى على شئ فى أثناء وجودى بالعمل فسوف يستخرج مفتاحا جديدا. وبصراحة فإننى أبحث عن «مفتاح آمن» بحيث لا يستطيع أن يدخل الشقة فى عدم وجودي، وأخشى أن يثور ضدى ويقتلنى إذا فعلت ذلك.. كما أننى لم أعد أتحمل هذا العذاب، وأخاف أن أطلب الخلع فتضيع حقوقى ولا يتركنى فى حالي.
إن زوجى مثل كثيرين من الشباب وقع فى «بئر الأوهام» بأن المنشطات تمنحه متعة ولذة، وهذا غير صحيح، فهى تفسد حياة الأزواج والزوجات، وقد تنبهت الدول الأجنبية لهذا الخطر، فلا تسمح بصرف الأدوية والمنشطات إلا بموحب «روشتات طبية»، ومن الأسباب المهمة أيضا لتقنين تداولها هناك هو أن لها تأثيرا سلبيا على الأجنة، فقد يولد الأطفال فى حالة تشوه بسببها، إلى جانب أنها تدفع من يتعاطاها إلى السلوك العدواني، وما أكثر الأمثلة على النتائج الوخيمة المترتبة على متعاطيها، وقد تابعت كثيرا من الحالات الصعبة لزوجات قدرهن أنهن تزوجن من رجال مهووسين بالبحث عن منشطات جديدة، فهذه سيدة عادت إلى أسرتها عدة مرات فارة من عنف زوجها، وقد توسط الجيران لإعادتها إليه من أجل أطفالها، فلم تكتمل تلك الليلة حتى ذبحها زوجها وفر بأولادها، وكم من عروس نفرت من زوجها بعدما عانت فى أولى ليالى العرس من تأثير هذه المواد.
.. المسألة جادة وخطيرة، ويجب أن نناقشها بعقلانية، فهذه المشكلة صارت ظاهرة واضحة، وتعرض كثيرا من البيوت للخراب بسبب التكتم الشديد عليها، وإننى من واقع ما عايشته كطبيبة أقول إن الأمر خطير، ولكنى عاجزة عن اتخاذ قرار بشأن حياتي، فكيف السبيل إلى حياة آمنة مستقرة، يدرك فيها زوجى ما له من حقوق، وما عليه من واجبات، ويعدل بينى وبين زوجته الأولي، ويكون عنوانها الصراحة والوضوح؟.. وإذا لم يلتزم بذلك، هل أطلب الطلاق؟.. وكيف أحصل على حقوقى منه إذا لم يطلقنى أو اتهمتى بأننى «ناشز» كما يقول كذبا عني؟.. إننى فى حيرة من أمرى فبماذا تنصحني؟..
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
من نقطة البداية يتحدد المسار، فعندما تكون الخطوة الأولى خاطئة يصبح كل ما يتلوها من خطوات فى دائرة الخطأ، ويكون من الصعب التراجع عنها، أو تدارك السلبيات التى أحاطت بها، وهذا هو ما حدث معك منذ أن رأيت إعلانا حول تيسير الزواج فى أحد المساجد فانسقت إليه دون ترو، واخترت من جذبك مظهره الخارجى، ولم تتحرى الدقة فى السؤال عنه، بل إن أباك تجاهل هذه المسألة تماما، بحجة انشغاله بأمور أخرى وكأنه أراد تزويجك حتى لا يفوتك قطار الزواج.. فهكذا يلجأ الكثيرون الى تزويج بناتهم من باب «سد خانة»، لكى لا يقال إن ابنتهم «عانس».. وهى فكرة مدمرة تماما وتعد السبب الرئيسى فى زيادة نسبة الطلاق التى وصلت بين المتزوجين حديثا الى ما يقرب من خمسين بالمائة، وقد تماديت فى تجاهل أمور مهمة ساهمت فى استفحال مشكلاتكما الزوجية، إذ اكتشفت أنه يكذب عليك فيما يتعلق بوظيفته، وأثاث الشقة، وزوجته الأولي، فبالنسبة للوظيفة كان بإمكانه أن يخبرك بالحقيقة فهو حاصل على مؤهل عال، ولكنه لم يجد وظيفة مستقرة إلا بشهادة الإعدادية مثلا فعمل بها انتظارا لأن يتحسن وضعه ولو بعد حين، فما الذى يضيره لو أخبرك بالحقيقة؟ هو خشى ألا توافقى عليه، ولذلك ادعى كذبا أنه يعمل محاسبا بالجهة نفسها، وكذلك فعل أيضا مع زوجته الأولى وهى طبيبة أيضا، ثم كذب من جديد فقال لك إنه طلقها وله منها ولد مريض، ولم تجدى الأثاث الذى اتفقتما عليه، ألم يكن كل ذلك كافيا لأن تعيدى حساباتك معه، وتضعى النقاط على الحروف قبل الإنجاب؟
ان استمرار تجاهلك ما يرتكبه زوجك من حماقات، هو الذى يدفعه الى التمادى فيما يفعله، فأنت تظنين أنك لو فاتحته فى مسألة زواجه من أخرى سيكون ذلك مبررا كافيا لأن يبتعد عنك تماما، وذريعة لاختفائه معظم الوقت، وهذا تفكير خاطئ بكل تأكيد، فالسلبية لن تفيدك، بل إنها تدفعه الى ارتكاب المزيد من الأخطاء، بدليل أنه لجأ الى تعاطى المنشطات التى يظن أنها تكسبه قوة، جاهلا أو متجاهلا أنه يلقى بنفسه الى التهلكة، فالأدوية يصفها الأطباء للمرضي، ومنها هذا النوع الذى يضر من يتعاطاه دون استشارة الطبيب، كما أن جسم الإنسان له قدرة محددة على احتمال أى دواء، فإذا أخذ جرعة تزيد على الجرعة الموصوفة له، تصبح حياته فى خطر، وقد يلقى حتفه فجأة حتى لو صور له خياله المريض أنه قوى البنية، وأنت طبيبة وتعلمين الكثير من هذه الناحية، فلماذا لم تشرحى له أضرار ما يفعل؟..
واننى أتعجب من تفكيرك فى البحث عن «مفتاح أمان» للشقة التى تسكنون فيها ولا تبحثى عن «مفتاح أمان» يكفل لك حياة مستقرة؟.. ثم بماذا بررت له أنك لم تعطه مفتاحا للشقة؟.. أليس زوجك ومن حقه أن يدخل ويخرج وقتما يشاء، ويكون على علم بكل كبيرة وصغيرة بالمنزل، وأنت كذلك.. ثم إذا أراد أن يعود الى المنزل فى أى وقت ولم يجدك.. ماذا يفعل؟.. هل يجلس على الباب فى انتظارك؟.. إن هناك نقاطا عديدة فى حياتكما تحتاج الى تفسير، ومكاشفة، ولا سبيل الى حلها إلا بأن تجلسا معا جلسة محددة وقاطعة تضعان فيها كل أوراقكما على «طاولة المناقشة»، وتفنداها ورقة ورقة، وتصلان الى حل نهائى بشأن كل منها، ومن ثم مسار حياتكما، فإذا توصلتما الى ما يرضيكما، فسوف تنعمان بالهدوء والاستقرار، وان اختلفتما فسيكون وقتها لكل حادث حديث.
والى أن تعقدا هذه الجلسة التى يجب أن يتفهمها زوجك، أدعوكما الى الاجتهاد فى ستر مشكلاتكما، فلا تخرج الى الأهل والجيران، ومن الأفضل أن تصطنعى السعادة أمام الآخرين فيشعرون بأن الأمور قد تغيرت، فيبتعد عنكم من يتربصون بكم شرا، وعليه أن يكف عن فضح أسرار بيته إلى صديقه أو غيره، فمعظم النار من مستصغر الشرر.
وأحسب أنه يعانى خطأ فى التصور هو الذى أدى به الى خلل سلوكه معك، فلقد نظر اليك باعتبارك ملكا له، ولست انسانة تتفاعلين معه وفقا لموقفه منك، وربما يكون قد فهم معنى القوامة فهما غير صحيح مثل كثيرين غيره، فقوامة الرجل على المرأة لا تعنى التسلط والقهر، وإنما هى تكليف إلهى له بحسن إدارة المنزل للوصول به الى بر الأمان، وبقدر مهارته وقدرته على ذلك يكون تماسك أسرته وبقاؤها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور نساءه ويداعبهن، ولم يقلل ذلك من قوامته، وقال «النساء شقائق الرجال، ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم»، أما كيفيتها فنجدها فى قوله «خيركم، خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»، وهذا المنهج النبوى لم يلتزم به زوجك معك، بل ان رغبته فى تملكك مغلفة بمشاعر الحب، وهى نرجسية شديدة منه، فكل همه أن يشكل حياتك فى القالب الذى يختاره لك، ويغيره وقتما يريد، وكلما مرت الأيام وهو على هذه الحال، سوف يزداد أنانية وقسوة، ومن هنا لا بديل عن أسلوب مشترك بينكما فى التواصل والتغلب على المشكلات الطارئة، أولا بأول.
أما عن جفاف المشاعر، وتحول العلاقة الخاصة بينكما الى علاقة آلية كلها ألم، فإن لذلك أسبابا كثيرة أبرزها الاختيار الخاطئ له منذ البداية، ثم انطفاء جذوة العاطفة بينكما تدريجيا، وإيثار زوجك نفسه وانشغاله بعمله وأصدقائه وأهله، وزوجته الأولي، واستهانته بأهلك، وأقاربك، ولجوئه الى التفوه بألفاظ بذيئة وضربك، وتحريض ابنتكما على مناداتك بـ«المجنونة» غير مدرك العواقب الوخيمة التى ستنعكس على ابنته بعد أن تكبر، اذ ستكرر صنيعه، وستخزن فى عقلها الباطن كل ما رأته من سلوكيات مرفوضة من جانب أبويها، وعلى جانب آخر فإنك فقدت الثقة فيه، ولا تحدثيه عن أى أمر من أمور البيت، وصارت حياتك معه «مراقبة وترقبا»، مراقبة تصرفاته، وترقب رد فعله تجاهك، وبالطبع لا تستقيم أى حياة على هذا النحو.
إن الحياة الزوجية مشاركة بين اثنين، ويجب أن يسودها الحب، وعلى الزوج أن يقدر زوجته، وعليها هى الأخرى أن تكون عند ظنه بها، فلقد حدثنا الأصمعى عن امرأة فى يدها اليمنى مسبحة تسبح الله وتذكره بها، وفى يديها اليسرى كحل تكحل به عينيها، وعندما سئلت: كيف توفق بين هذا وذاك، قالت:
ولله منى جانب لا أضيعه
وللهو منى والبطالة جانب
وعلق الأصمعى على موقفها بقوله «إنها امرأة صالحة تتزين لزوجها» بمعنى أنها تطيع الله فتذكره، وتطيع زوجها فتتزين له، واذا كانت هذه حالها فيجب أن يكون زوجها عند ظنها هى الأخرى به، فلا يقسو عليها أو يحملها فوق طاقتها، أو يؤذيها، وإنما يتخير الأوقات المناسبة لكى تقبل على العلاقة الزوجية ولا تنفر منها.
والحقيقة أن الخلاف بين كل زوجين أمر واقع، فمن الذى يخلو من الأخطاء والعيوب؟.. لكن هناك فارقا بين العتاب وتصحيح الخطأ، وبين القسوة وجفاف المشاعر، فلنبادر جميعا بتصويب أوضاعنا، وإننى أدعوكما للنظر الى الايجابيات المشتركة بينكما، والنقاش المتحضر للمسائل الخلافية والتسامح، والابتعاد عن الحرب الباردة، والتحكم والسيطرة، وأن تجعلا السعادة هدفكما، فإذا توصلتما الى ذلك بالحوار الهادئ الإلحاحى الذى يؤكد أن حبكما كامن فى صدريكما، وأنه لا يستطيع كل منكما الاستغناء عن الآخر، فلتواصلا مشوار الحياة على أساس واضح وشفاف يكف فيه زوجك عن تعاطى المواد التى يتعاطاها، ويشرح لك فى وضوح كل ما يتعلق بحياته مع زوجته الأولى وعمله، بل ويمد جسور المودة بينك وبينها حتى ينشأ أبناؤكما فى أسرة مستقرة ويتواصلون معا، فهم فى النهاية اخوة من أب واحد، واذا استمر فى غموضه فلا بديل عن الطلاق أو حتى الخلع، والقانون يحفظ حقوق الأبناء، ووقتها سوف يهيئ الله لك الأمر مادمت لم ترتكبى خطأ ولا جريرة فى حقه، والله المستعان.