الشاعر عبد القوى الأعلامى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالأحداثموسوعة الأعلامى الحرةأحدث الصورالتسجيلدخول

شاطر
 

 بريد الأهرام ( بريد الجمعة )

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1 ... 39 ... 75, 76, 77 ... 82 ... 88  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
أكرم عبد القوي
__________
__________
أكرم عبد القوي

ذكر
العمر : 57
عدد الرسائل : 23180
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 Profes10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 3011
نقاط : 37123
ترشيحات : 136
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 411

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 I_icon_minitime9/10/2015, 21:54

بريد الجمعة يكتبه : أحـمــد البــــــرى
الجنة الموعودة !

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 2015-635799404367539257-753

تعبت كثيرا فى البحث عن حل لمشكلتى التى أحالت حياتى إلى جحيم،
ولم أجد فى الحلول التى يعرضها عليّ أهلى ومعارفى ما يريحني، ويجعلنى أطمئن إلى المستقبل. فلجأت إليك وكلى أمل فى أن ترشدنى إلى الطريق السليم، فأنا سيدة تخطيت سن التاسعة والعشرين بشهور، وقد نشأت فى أسرة ريفية لأب يعمل مدرسا بالتعليم الثانوي، وأم حاصلة على مؤهل عال لكنها لم تعمل وتفرغت لرعاية الأسرة، ولى شقيقان «ولد وبنت»، وأتذكر سنوات الصبا عندما كنا نلعب ونمرح فى المنزل الواسع، وجدى يلاعبنا، ويشترى لنا ما نطلبه من ألعاب، ويسعد بنا، ولا يضيق بشقاوتنا أبدا، وعرفت وقتها أن جدتى ماتت منذ سنوات، وأن جدى لم يتزوج بعدها. ورفض بإصرار الارتباط بأخري، ومضت حياتنا فى هدوء، وكبرت والتحقت بالمدرسة، وتبعنى شقيقاي، وهما يقتربان منى فى السن، وعندما كنت فى السنة الثالثة الابتدائية، أصيب أبى بجلطة فى القلب، وشفى منها بفضل الله، واعتقدنا أن حالته قد استقرت، ولكن سرعان ما تعرض لأزمة شديدة، نقل إثرها إلى المستشفى وأدخله الأطباء غرفة العناية المركزة، ثم غرفة العمليات لإجراء عملية قلب مفتوح. وكنا جميعا ننتظر فى الاستراحة خروجه سالما معافي، وعندما فتح الجراح باب الحجرة، أدركت وأنا طفلة أن أبى مات، من ملامح وجهه المتجهمة، وسأله جدي، «أخبار ابنى ايه يا دكتور»؟ فرد عليه باقتضاب: البقاء لله.. فانهرنا جميعا وأخذنا العاملون بالمستشفى والزوار الذين كانوا موجودين بالمصادفة وقتها إلى الاستراحة، وأنهوا إجراءات خروج الجثمان، واستخرجوا تصريح الدفن، وأبلغوا أهلنا فى القرية بوفاة أبي، وبكاه الجميع بحرقة وألم، فلقد كان أبى دمث الخلق، ويعامل الكبير والصغير باحترام شديد، ووهب حياته القصيرة لخدمة أهل بلده، ومازال اسمه يتردد إلى الآن كلما تحدث الكبار عن الشهامة والمروءة وإيثار الآخرين.

وبعد انتهاء مراسم العزاء أغلقنا بابنا على أنفسنا، وحاول جدى برغم جراحه المؤلمة أن يتماسك أمامنا، ودار حوار طويل بينه وبين والدتى التى تولت الوصاية علينا، وأكدت له أننا حياتها، ولن تتركنا بأى حال من الأحوال، وأبلغت أخوالى بقرارها، حيث إن جدى وجدتى لوالدتى متوفيان، ومرت سنتان، لم نشك خلالهما من شيء، لا ماديا، ولا معنويا.. فجدى يوفر لنا ما نريده، ويسهر على راحتنا كما كانت عادته حتى فى وجود والدي، وكانت أمى مستقرة تماما، وفاتحت جدى فى رغبتها فى العمل بمؤهلها الدراسي. فقدم لها أوراقها فى أكثر من جهة، وجاءها التعيين فى هيئة كبري، وبينما كانت تستعد لتسلم العمل، لاحظت زيارات يومية من خالتي، وبعض قريباتنا، وظهر على وجه جدى الشرود والحزن، وما هى إلا أيام حتى علمت بأن أمى جاءها عريس مطلق ولديه أربعة أبناء «بنتان وولدان»، ويقطن بمحافظة بعيدة عنا، وتربطنا به صلة قرابة عن طريق النسب، ويعمل فى وظيفة كبرى تدر عليه أموالا طائلة، وقد طلق زوجته طلاقا بائنا، وتزوجت بآخر، ورفضت أمى أى عروض للزواج، قائلة إنها ستكرس حياتها لنا، ورتبت نفسها لذلك، فهى لن تتركنا فى مهب الريح مهما تكن الإغراءات، لكن خالتى وزوجها، وهو ابن عمها ألحا عليها، وكان «الزن على الودان» أمر من السحر «كما يقولون» فوافقت أمى على هذه الزيجة بشرط أن تأخذنا معها، فاستغرب أهل العريس ذلك، بل واعترض أبناؤه وقالوا «حنبقى سبعة فى شقة»، وظلت المفاوضات دائرة بين الطرفين، وجدى جالس على أريكته يتحسر على ابنه المتوفي، وبيته الذى صار مكانا لحوارات من سوف يحل محله، وأخيرا نجحوا فى إقناع أمى بأنها سوف تسافر معه بمفردها لفترة، يكون بعدها قد انتقل إلى بيت مستقل فنسافر معها، أما نحن فلم يفكر أحد حتى أمى نفسها، مع من سنعيش؟.. وهنا حسم جدى الأمر، وقال «انهم مسئوليتي»، وكانت صفعة قوية لأناس يظهرون عكس ما يبطنون، نعم ـ يا سيدى فلقد باعتنا أمى بضغط من أهلها، متجاهلين أننا فى وصايتها، وليس لنا أحد يراعينا، ويوفر لنا متطلباتنا المعيشية من غسل الملابس، وطهو الطعام وتنظيف البيت وغيرها من المهام التى لا تقوم بها سوى إمرأة، فالرجل مهما أوتى من صبر وخبرة لا يتحمل ذلك، لقد ذهبت إلى زوجها بعد عقد الزواج بساعات. ومرت شهور لا نعرف عنها شيئا، وبعد عام أو أكثر قليلا وضعت أمى مولودها الأول من زوجها، ثم وقعت خلافات شديدة بينهما، فطلقها وأخذ منها الطفل. وعادت إلى بيت عائلتها لتعيش فى حجرة بمفردها، وحاولت أن تعود إلينا من جديد، ولكن هيهات أن يتيح لها جدى ذلك، فلقد تأقلمنا على غيابها، وصار جدى كل حياتنا، وتعلمت أنا وأختى أن نساعده فى ترتيب البيت، وتنظيم وقت المذاكرة، وعرف أخى مهامه بقضاء بعض المشاوير الخاصة بنا. كاستخراج الأوراق من الجهات المعنية، وشراء الطلبات.

ومرضت أمى مرضا شديدا، فزرتها وكذلك شقيقاي، وحثنا جدى على التواصل معها فى زيارات من حين لآخر، وكم تمنيت أن تعود إلى بيتنا، ولكن كان مستحيلا أن يحدث ذلك، ولم تستطع أن ترى ابنها من زوجها الثانى بعد أن باعدت المسافات بينهما، بينما شرع مطلقها فى الزواج من ثالثة ليكرر ـ معها المصير نفسه!، وأغلقت حجرتها على نفسها، وشحب لونها، وسمعتها ذات مرة وهى تقول لخالتى «ليه عملتى معايا كده» فردت عليها «أنا كنت عاوزة مصلحتك، وصعبانة عليّ»، فردت عليها، «وهو اللى حصل لى ده كويس»، أنا سبت العيال، وكان ده مصيري!!

ومضت حياتنا مع جدى على ما يرام، وتفوقنا فى دراستنا على كل أقراننا، بمن فيهم أولاد خالتى وبعد تخرجى من الجامعة، طرق بابى عريس من قرية مجاورة، فسألنى جدى عن رأيى فيه، فطلبت منه أن يرتب لنا لقاء أو اثنين فى المنزل لكى أتعرف على طباعه ولما جلست معه وجدته طيب القلب، ويتمتع بالأخلاق العالية. ونقاء السريرة، بل قل هو «انسان قدري».. فأسررت إلى جدى بما لمسته فيه، فأثنى على تفكيري، وقال «على بركة الله»، وكان يوم زفافى إليه، و لا فى الأحلام، إذ حضرته القرية كلها، ولم تنقطع دموع جدى طوال الحفل، وتعالت الزغاريد من الجميع، كانت فرحتهم من القلب، وتذكروا والدى الذى رحل فى ريعان الشباب، وأمى التى لم تقو على حضور الحفل بعد أن ساءت حالتها الصحية والنفسية، وأخطأت فى حقها وحقنا.

وبدأت حياة جديدة سعدت فيها بزوجى الذى وجدته أروع مما تخيلته، وسرعان ما تزوجت أختى من شاب أحبته، وجمعهما عش هادئ، ثم تزوج أخى من زميلة له، وعاش مع جدى الذى أكمل رسالته معنا على أكمل وجه، ثم لقى ربه بعد مرض قصير آمنا مطمئنا، وفى يوم رحيله أصررت على أن أذهب مع زوجى وأشاركه تشييع الجنازة، وظللت أردد بصوت مسموع «يا أيتها النفس المطمئنة ارجعى إلى ربك راضية مرضية فادخلى فى عبادى وادخلى جنتي».. وعدنا إلى بيتنا وقد تسلل إليّ احساس غريب، بأن شيئا ما سيحدث لي، وإن لم أتبين معالمه، فقلت فى نفسى لعله إحساس كاذب نتيجة ارتباطى بجدي، وما مررنا به من تجارب مؤلمة، وكنت وقتها حاملا، ومرت شهور الحمل، ووضعت توأما جميلا، «ولدين»، يشبهان أباهما تماما.. وعرفنا الفرحة من جديد، وجاءنا شقيقى وشقيقتي، واحتفلنا بأول مولودينا، وأطلقنا عليهما اسمى أبى وجدي، ووافق زوجى على تسميتهما باسميهما، وباركت عائلته أيضا الاسمين، وأقبلت على رعاية مولودّى وأنا فى قمة الراحة التى لم يعكر صفوها سوى الهاجس الذى سيطر عليّ منذ يوم وفاة جدي، ولم أبح بهذا السر لأحد، ومرت شهور وكلما انقبض قلبى استعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وجاءت اللحظة التى كنت أخشاها ولم أتبين معالمها، فلقد مات زوجى فى حادث سيارة مسرعة صدمته فى أثناء عبوره الطريق إلى عمله، وتكرر المشهد المأساوى عندما مات أبى فى أثناء جراحة القلب المفتوح، وتكررت السيناريوهات التى حدثت مع أمي، فبعد شهور العدة تقدم لى الكثيرون لطلب الزواج مني، ومنهم من لم يتزوج من قبل، وكلهم يقولون لى إن ابنيّ سيكونان فى عيونهم، لكنى رفضت رفضا قاطعا، ومر عامان، وأنا أحتوى ولدّى وأجد التعاون من أهل زوجى رحمه الله، وكم قلت لأخى وأختى إننى لن أكرر مأساة أمي، التى تركتنا من أجل رجل «رماها ورمانا». ومازالت طريحة الفراش تتجرع كأس المرارة لما فعلته بنفسها وبنا، لكنهما يقولان إن الظروف مختلفة، وأن ابنّى سيكونان معي، كما أن من يرشحوهم للزواج منى ليس لديهم أبناء، ومنهم شباب لم يتزوجوا.

إننى أواجه ضغوطا شديدة ممن حولي، ولكن كلما مر بخيالى شريط الأحداث منذ وفاة أبى وزواج أمى وتشتتنا أنا وشقيقيّ، وما انتهت إليه الأمور، أخشى أن يتكرر لى ما حدث وأجنى على ابنيّ، ولا أدرى كيف أتصرف فى مواجهة الالحاح الشديد عليّ بالزواج، إذ أعيش فى نكد دائم لا يغادرنى ليلا ولا نهارا وعندما يأتى المساء ينام الجميع، ويغلقون بيوتهم على أنفسهم، وأظل وحدى ساهرة حتى الصباح، أنظر إلى طفليّ، ولسان حالى يقول لهما: لن أفعل بكما ما فعلت أمى بنا، لن أترككما تواجهان المصير المجهول، وسأظل إلى جواركما إلى النهاية، فأنتما لى «الجنة الموعودة»، وليس من جاء ليأخذنى منكما، أى والله ياسيدي. أحاور نفسى كل ليلة حتى إذا طلع النهار والتقيت الناس، أطبق اليأس عليّ حتى أكاد أختنق، فأتمنى الموت على العذاب الذى لا أجد له نهاية.

أعلم أن نظرة الناس إلى الأرملة أو المطلقة نظرة قاصرة، فكل خطوة محسوبة عليها.. ويأولون أى كلمة تقولها، فإذا خرجت إلى قضاء مصلحة ما، يسألون: إلى أين هى ذاهبة؟، وإذا تحدثت مع أحد يتهامسون فيما بينهم: «ياترى فيه إيه بينهم»، هذا هو دأب الكثيرين لكنى لا أعير أى اعتبار لهذه التصرفات الكريهة، فأنا أعرف الله، وأتقيه فى كل صغيرة وكبيرة، وقد أخذت نصيبى من الزواج، وليست فيه رغبة، لكن أخى وأختى يقولان إننى مازلت صغيرة، ومادمت ستأخذين ابنيك معك، فلا غبار على زواجك، ولكن من يضمن لى ألا يخل الزوج المنتظر بوعده.. كما أخل زوج أمى بوعده، بل وطلقها، وأخذ ابنه منها؟.. لقد عجزت عن التفكير، وأبعث برسالتى إليك راجية أن تنير لى الطريق، وتشير عليّ بما يخرجنى من الدوامة التى أدور فيها، ولا أجد مخرجا منها.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

عندما يستخدم المرء عاطفته وحدها للحكم على الأشياء دون أعمال العقل، حتما سيكون الفشل هو المصير المحتوم لما ذهب إليه، فلقد استخدمت خالتك وبمساعدة زوجها عاطفتها فى إقناع والدتك بالزواج، من منطلق أنها صغيرة فى السن، وأن من تقدم للزواج منها، ولو أن لديه اربعة أبناء، فإن حالته المادية الميسورة سوف تساعده على توفير حياة مريحة ونسيا أنه يصعب تماما أن ترعى أمك سبعة أبناء، أنت وشقيقيك وأبناءه، علاوة على أولادهما فيما بعد، وأن زوج الأم سوف يفضل أبناءه على سواهم، ولن يدع لها فرصة المساواة بين الجميع.. هذه هى القاعدة فى الزيجات التى تضم أولادا بهذا العدد، وقد تختلف الحال إذا لم يكن قد تزوج من قبل، فحينئذ يكون أكثر رحمة ورفقا بأبناء زوجته الأيتام، وقد تتبدل أحواله بعد أن ينجب ويصير لديه أبناء من صلبه.. ولقد كان زوج أمك واضحا منذ البداية برفضه ضمكم إلى كفالته، ورعايتكم ولم يصنع صنيع ذوى الفضل، وكان شرطه القاطع كافيا لرفض هذه الزيجة، ولا أدرى لماذا ضغطت خالتك وزوجها على أمك، وكيف قبلت بهذه الزيجة؟... هل أغرتها أمواله؟... وماذا كسبت منها؟.. ولماذا لم تتحر أسباب طلاقه زوجته الأولى بعد أن أنجبت أربعة أبناء؟... ثم ألم يكن هناك من هو أنسب منه، ومن يخاف الله، ويخشى عذابه، ويكون أبا لأيتام فقدوا أباهم وهم أطفال؟.. لقد كانت نتيجة تصرفهما الأحمق هو طلاق أمك بعد أن أنجبت ولدا ضمه إليه، وتحميل جدك الرجل الصلب ما لا يطيق، لكنه لم يبال بالصعاب، ولعب دور الأب والأم بالرغم من متاعبه الصحية وآلامه النفسية، وكان حقا على الله أن يسكنه فسيح جناته، وقد أدى رسالته على أكمل وجه، ورباكم أحسن تربية، حتى صرتم أصحاب بيوت ناجحة.

وها هى الأيام قد مرت، وشاء القدر أن تواجهى الموقف نفسه، وكلك خوف من تكرار تجربة أمك المريرة، والعجيب أن الضغط عليك يأتى من شقيقك وشقيقتك، وقد قاسيا معك الامرين بعد زواج أمكم، وهما يحكمان أيضا العاطفة لا العقل، لكن الأمر بيدك وحدك فأنت القادرة على المواءمة بين متطلباتك النفسية والجسدية باعتبار أن الزواج حق لك كفله الدين، ورعاية طفليك اللذين ليس لهما فى الدنيا سواك، إذ كيف ستسير الامور لو أن من ارتبطت به حنث بوعده، واجبرك على التخلى عن ابنيك، فأمك مريضة، ولا تستطيع خدمة نفسها، وأهل زوجك الراحل لم تحددى موقفهم، وأغلب ظنى أن كل واحد مشغول بحاله، وسيجد الوالدان إن عاجلا أو آجلا نفسيهما عرضة للضياع.

إن آفة مجتمعنا أن الأرملة تجد نفسها وحيدة بعد انقضاء «أيام المواساة» عقب رحيل زوجها، فتحاول لملمة حروف حياتها المبعثرة، وتربية أطفالها، ويتركها الجميع لهذه المهمة وحدها، بل ولا ترحمها سهامهم القاتلة، فهى لا تسلم من النقد، إذا تزوجت وانتقلت إلى بيت آخر، فالأرملة التى يموت زوجها، ولديها أبناء صغار تواجه ثلاث صدمات، الأولي، اجتماعية، وتتعلق بمكان اقامتها، فلقد جرى العرف بأن تعيش فى سكنها نفسه مع اولادها، ويراعيها أهل الزوج، والثانية، نفسية حيث تتولد لديها حالة من التوتر والخوف على الأولاد، وفقد الجانب العاطفى والوجداني، والثالثة: اقتصادية، وتتمثل فى توفير مصاريف الاسرة، وقد تضطر إلى العمل إذا لم يكن لديها دخل كاف سواء من المعاش أو من عائد أملاك زوجها الراحل... وهناك كثيرات من الأرامل يتفادين هذه الصدمات ويواصلن حياتهن، ويكن أمهات مثاليات فى العطاء، بلا مقابل، وبعضهن يتعثرن نتيجة الظروف غير المواتية التى تواجهن، فيلجأن إلى الزواج طلبا للستر ورعاية الأبناء.

والحقيقة أنه فى حالات كثيرة يكون زوج الأم أحسن على الأبناء من أبيهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصا على تزويج الأرامل والمطلقات، وفعل هو ذلك حتى يقتدى به الصحابة، والمهم هو أن تحسن المرأة اختيار من ترتبط به وتجد فيه تعويضا لأبنائها عن أبيهم، ويكون هذا شرطا أساسيا قبل الزواج، فإذا أخلف وعده تتركه ولا تتخلى عن أبنائها مهما يكن الثمن، ومن الأفضل أن تؤجل الإنجاب منه إلى أن تستقر أوضاعها معه، ولا ترتكب الخطأ الذى وقعت فيه أمك... ومن هذا المنطلق أرى أن تتريثى فى قبول الزواج من آخر إلى أن تضعى النقاط على الحروف بشأن مصير طفليك، والضمانات التى تكفل لهما حقوقهما، ويكون أهل زوجك على بينة من الأمر كله، حتى لا تحدث فجوة بينك وبينهم، فأى إجراءات من طرفك دون أن يكونوا شركاء فيها سيكون مردودها سلبيا،، خصوصا إذا لم تنجحى فى حياتك الجديدة، وأعتقد أن العقلاء منهم سيقفون إلى جانبك، فإذا رأيت أن زواجك لن يتعارض مع مصلحة ابنائك، فهذا حقك الذى لا ينازعك فيه أحد، ولا يمكن اطلاق احكام عامة تنطبق على الجميع، فلكل أرملة قصة وحالة تختلف عن الأخريات، ولها حق اختيار مستقبلها، والطريق الذى تراه الأنفع لها ولأولادها.

وإذا كانت الأرملة تنشد السعادة، فإن عليها أن تنشدها فى الصورة التى ركبها الله عليها، فترضى بوضعها الأسري، ومستوى معيشتها وحياتها، والظروف التى وجدت نفسها فيها، بل وترضى بأقل مما هى فيه، وليكن هذا هو منهج الجميع، حتى يعيش المرء فى راحة وطمأنينة، فانظرى إلى ما أنعم الله عليك به من العلم والأخلاق والجمال، فلقد جعلك برغم الظروف القاسية التى مررت بها فى حياتك من اليتم ثم موت الزوج، راضية وقانعة وصابرة، ومن بلغت هذه المنزلة اراها جديرة بأن تشاهد حسن القمر والنجوم ولا تبالى بسواد الليل، أراها تستمتع بحلاوة العسل فى ظل ولدين رائعين، ولا تشكو لسع النحل، فالدينا مزيج من السعادة والشقاء، والعاقل هو الذى ينظر دائما إلى الجانب المشرق فيها، ويستعين بالله، ويبتعد عن كل ما يعكر صفوه، فالحياة لا تكتمل لأحد، فمن يملك بيتا ليس لديه سيارة، ومن لديه شهية قد لا يجد الطعام، ومن عنده ما لذ وطاب من المأكولات، قد يمنعه الاطباء منها وإياك والمتشائم، فإنك ترينه الزهرة فيريك شوكها، وتمدحين له الشمس فيشكو حرارتها، فهو ينظر إلى الجانب المظلم للأشياء، ولا يلتفت أبدا إلى جانبها المشرق.

وأدعوك إلى تأمل قول الشاعر:

إذا اشتملت على اليأس القلوب

وضاق بما به الصدر الرحيب

وأوطنت المكاره واطمأنت

وأرست فى أماكنها الخطوب

ولم تر لانكشاف الضر نفعا

وما أجدى بحيلته الأريب

اتاك على قنوط منك غوث

يمن به اللطيف المستجيب

وكل الحادثات وأن تناهت

فموصول بها فرج قريب

اسأل الله أن يهيئ لك من أمرك رشدا، وأرجو أن تتريثى فى قبول أو رفض الزواج حتى تنكشف لك كل الخيوط، وتبدد الغيوب، وتصبحى على بينة من كل شيء، وهكذا تسعدون جميعا، وتضحك لكم الدنيا بإذن الله.

رابط دائم:
http://www.ahram.org.eg/NewsQ/442617.aspx



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
كابتن أحمد منصور
مشرف
مشرف
كابتن أحمد منصور

ذكر
عدد الرسائل : 6488
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 210
بلد الإقامة : المدينة الفاضلة
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 Office10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 Bookwo11
نقاط : 17058
ترشيحات : 47
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 710

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 I_icon_minitime16/10/2015, 22:37

المشوار الصعب

استوقفتنى رسالة «السباق إلى الجنة» للأرملة التى رحل زوجها فى ريعان الشباب
تاركا لها ثلاثة أبناء، فتأيمت عليهم، ورفضت الزواج برغم ما عانته من زوجها الراحل الذى كان عصبيا الى حد لا يطاق، وقد باعت شقتها لتربية أطفالها، وسكنوا فى شقة بالإيجار الجديد، ووجدتنى أروى لك قصة أختي، فلقد كان زوجها بخيلا وعصبيا وقاسيا وكذابا، وفاسدا بكل معانى الكلمة، ولا يمكن تحمله بجميع المقاييس، وكانت أختى ذكية، ونحن من أسرة ميسورة، ويعمل والدنا فى هيئة كبرى بمركز مرموق، وهو رجل فاضل وأب مثالي، وتخرجت أختى فى احدى الجامعات الأجنبية، وتزوجت من هذا الرجل الذى أحدثك عنه، وهو قريب لنا، وقد أصرت عليه أختى برغم تحفظ والدى على بعض تصرفاته التى كان يعرفها بحكم القرابة، وعملت فى وظيفة درت عليها دخلا أضعاف مرتبه، ولأنها لم تعرف كلمة البخل، كانت تصرف على متطلبات البيت بسخاء، وأنجبت بنتا وولدا نابغين مثلها، وأصبحت تقضى هى وأسرتها معظم الوقت فى بيت أبينا، وكانت اذا بعدت عنه فترة، تصيبها النحافة بدرجة مخيفة، ولم تتحمل والدتى أن تراها على هذه الحال فأخذتها الى المستشفي، حيث أجرى لها فحص شامل وجاءت نتيجته بأن العلة ليست فى الجسد، وانما فى النفس، إذ إن أختى كانت تحتفظ بأسرار بيتها، ولا تبوح بها لأحد، وتكتم كل ما تعانيه فى داخلها، ومع إصرار أمى على معرفة حقيقة ما يدور فى حياتها، قالت لها إن زوجها بخيل جدا، ولا يريد أن يتحمل عبء الأولاد ولا المصاريف، وكان يغلق حجرته، واذا سمع صوت أحد ابنيه يذيقه من الضرب ألوانا وأشكالا بالصفع والركل، فإن تدخلت يضربها، لدرجة أنها أصيبت بنزيف فى الأنف عدة مرات، وهى التى لم تعرف سوى الدلع فى بيت أبيها، وتباهى أمامها كثيرا بأنه زير نساء، وحاولت أمى تهدئتها، الى أن يكون هناك حل قاطع معه، فإذا به يطلقها بلا مبرر، وتزوج بعدها خمس مرات بطريقة رسمية غير الزيجات العرفية التى لا يعرف أحد عددها، وانحدر فى اختيار زوجاته الى مستوى متدن جدا برغم أنه يشغل مركزا حساسا للغاية.

ولم تيأس أختى فرعت ابنيها وساندها أبى فى هذا «المشوار الصعب» وكنت أراها وهى ساجدة لله، داعية أن يهون عليها الطريق حتى تصل بابنيها الى بر الأمان، وسط هذا الطوفان من تجاهل الأب وانصرافه الى ملذاته، ووجودها بمفردها فى العمل، وبلا سند سوى أبي، وأدت دورها كما يجب، وتخرج ابناها فى كليتى قمة من الكليات التى يطلقون عليها هذا الاسم، وحصلت على قرض من أحد البنوك واشترت شقة لابنها، وخصصت كل مدخراتها لتجهيز ابنتها، وإنى أراها سعيدة بما حققته، ولم تبال بالمصاعب التى واجهتها، ولقد أدت دورا عظيما لا يقل عن دور من فقدت زوجها، واذا كانت كاتبة رسالة «الطريق إلى الجنة» قد أدت دورها بعد رحيل زوجها، فإن هناك من أدت الدور نفسه، فى وجود الزوج، الذى انصرف الى ملذاته، ورمى ابنيه، ولم يصح ضميره أبدا طوال تلك السنين.. وانى أكتب اليك قصة أختى وكلى أمل ورجاء بأن يترفق الأزواج بزوجاتهم ويكونوا عونا لهن على الابحار بسفينة الحياة الى بر الأمان، فالملذات التى يسعون إليها تافهة، ولا تعادل شيئا فيما يترتب على أفعالهم من تشرد الأبناء وربما ضياع مستقبلهم.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

عندما يفكر الرجل فى الارتباط العاطفى بغير زوجته، تبدأ علاقتهما معا فى الانهيار التدريجي، وشيئا فشيئا يحدث الانفصال، فالزوج يرى زوجته على طبيعتها، وهى تراه على صورته الحقيقية، وتتلاشى مسألة «التجمل» التى غالبا ما تغلف كل منهما فى أثناء الخطبة وأيام الزواج الأولي، وهنا يبحث الزوج عن البديل الذى توهمه فى خياله، ولا يعنيه الأولاد ولا يفكر فيهم، وينصرف الى ملذاته، بينما تضع الزوجة همها فى تربية أطفالها، ولا تلقى بالا له، وبمرور الوقت تتباعد المسافات بينهما، ويكون مصيرهما فى النهاية إما فتور العلاقة الزوجية، والتعايش على هذا الأساس، وإما الانفصال وهو ما يلجأ إليه كثيرون من الأزواج، وأحيانا تطلبه الزوجات، من باب الخلاص من العذاب اليومى مع زوج لا يعرف حقوق زوجته، ولا يتقى الله فيها ولا فى أولاده.

ولا حل لهذه المعضلة التى تواجه الكثير من الزيجات، والتى ارتفع معها معدل الطلاق، حتى صار المطلقون والمطلقات بالملايين، إلا بالتفاهم وتقريب المسافات، والتغاضى عن الأمور التافهة، والصدق والصراحة والوضوح فى كل ما يخص أمور كل زوجين، فبهذا الطريق وحده يمكن تجاوز العقبات، واستكمال مشوار الحياة معا حتى النهاية.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
كابتن أحمد منصور
مشرف
مشرف
كابتن أحمد منصور

ذكر
عدد الرسائل : 6488
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 210
بلد الإقامة : المدينة الفاضلة
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 Office10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 Bookwo11
نقاط : 17058
ترشيحات : 47
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 710

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 I_icon_minitime16/10/2015, 22:39

بريد الجمعة يكتبه أحـمد البـرى
الفاتنة والعاشق !

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 2015-635805412194210790-421

آه من الندم فى بداية المشوار، ولكنه الواقع الذى عشته بعد عام من التجربة المدمرة
التى واجهتها رغما عني، والحكاية أننى شاب فى السادسة والعشرين من عمرى نشأت فى أسرة متوسطة، بين أبوى وأخوتى وأنا أصغرهم، وقضيت سنوات الصبا فى دولة عربية كان والدى يعمل بها قبل أن استقر فى مصر مع دخولى الجامعة، وأتممت تعليمى العالي، وأديت الخدمة العسكرية، وبدأت حياتى العملية فى وظيفة بشركة للمحمول، وتخصصت فى الرد على استفسارات العملاء، ومنذ عام تقريبا تعرفت على فتاة عن طريق التليفون تعمل فى أحد محال خدمات المحمول بمحافظة البحر الأحمر، وسرت كلماتها العذبة، وصوتها الرقيق كالدم فى عروقي، ووجدتنى أسيرا لمكالماتها التى تتالت يوما بعد يوم، وأخبرتنى أن سنها تقترب من سنى وتعيش ظروفا أسرية صعبة مع أمها المطلقة وإخوتها، حيث يعيشون جميعا فى شقة واحدة، وتطور حديثنا من الكلام فى أمور عامة الى حديث عشاق تناول كل ما يخطر وما لا يخطر على البال، وتمنيت أن ألقاها، وأن يجمعنى بها بيت واحد، فطالما حلمت بأن تكون لى زوجة بهذه المواصفات الرائعة!

وجاءت اللحظة المنتظرة عندما دعتنى لزيارة مدينتها، وقضاء مصيف جميل لعدة أيام، والمبيت فى شقة أخرى تملكها والدتها، فلبيت الدعوة فى الأسبوع التالى بعد أن أخذت إجازة قصيرة من العمل، ووجدتها فى المكان الذى اتفقنا أن نتقابل فيه، فإذا بها رائعة الجمال وعلى قدر هائل من الأنوثة، وفاتنة بكل المقاييس، ولم أتوقعها كذلك برغم إحساسى بجمالها الذى بدا لى من صوتها وأسلوب كلامها منذ المكالمة الأولى التى كانت وليدة المصادفة، وأخذتنى الى شقة والدتها مباشرة، ولم أقابل أحدا من أهلها، وما أن دخلناها حتى أغلقت الباب، وارتمت فى حضني، وقبلتنى بحرارة، وأنا فى ذهول، فأصابتنى صدمة، وانتابنى شعور غريب لا أعرف كيف أصفه، فهدأت من روعي، وقالت لي: اذهب الى الحمام، واستحم، واسترح، وبعدها سوف يكون لنا حديث طويل!.. ففعلت ما أشارت علىّ به، وخرجت لأجدها فى غرفة النوم، فجلست الى جوارها وقد زاد اضطرابي، وتسارعت ضربات قلبي، فأمسكت يدى وهى تقول: لنتحدث أولا، فأنا مطلقة، ولدى ولد وبنت، وقد طلبت الانفصال عن طليقى لأنه رجل غير سوي، ويدخن المخدرات، وكان يضربنى بشدة «ويصبحنى بعلقة ويمسينى بعلقة»، إلى أن أصبت بجروح خطيرة فهربت من منزله، ورجعت الى بيت والدتي، وحررت له محضرا فى قسم الشرطة، وأرفقته بتقرير طبى بحالتي، وأقمت عليه دعوى وخلعت منه للضرر».. قالت لى ذلك والدموع تنهمر من عينيها بغزارة، فصدقتها، وبكيت لبكائها، وحدث ما حدث، وفعلت ما يغضب الله، وبرغم ندمى الشديد على ارتكاب هذا الإثم العظيم، إلا أننى عاودت لقاءها مرات عديدة، طوال فترة وجودى هناك، وقالت لى انها تخرج من بيت والدتها فى الصباح بحجة الذهاب الى العمل ثم تأتينى فى الشقة الأخري، التى حصلت عليها من «الإسكان»، ونبهتنى ألا أخرج من الشقة فيرانى أحد الجيران ويخبر والدتها فتكون العواقب وخيمة!

ومرت فترة الإجازة ورجعت الى القاهرة، وقد تبدلت أحوالي، وأصبحت الدنيا لدى بمنظور آخر، فلقد أحسست بلذة «الشيطان»، ولم تفارقنى وسوسته، وبدلا من أن أقطع صلتى بها، بعد أن أوقعتنى فى الوحل، كثفت اتصالاتى معها، وصار حديثنا الذى لا يتوقف عن الأشياء القبيحة المحرمة، وتطلعت الى زيارتها مرة أخري، وزرتها، وتكرر ما وقع فى الزيارة الأولي، وهنا قررت أن يكون لى موقف نهائى من هذه العلاقة، وأن أصلح علاقتى مع الله، فلقد رجعت الى عقلى وأحسست بالذنب، وحدثت نفسى كثيرا وسألتها «ما الذى فعلته؟.. وكيف ارتكبته»؟، وتبت إليه سبحانه وتعالي، ولكن ضميرى أنبني، إذ ماذا تفيد التوبة بعد أن فعلت ما فعلته مع هذه المرأة، فالذنب ليس مقصورا علىّ أو عليها، وانما نحن شركاء فيه، واذا أردنا إصلاحه فلتكن هى شريكة معى فى الإصلاح، وقررت الزواج منها، فلقد فات أوان مقارنة أوضاعى بأوضاعها، وأنا حاصل على مؤهل عال ومن عائلة محترمة، وكل أفراد أسرتى حاصلون على مؤهلات عليا، وأمى حاصلة على مؤهل متوسط، ونعيش فى شقة ملك لأمى بالقاهرة، ومستوانا المادى مرتفع، أما هى فحاصلة على الابتدائية فقط، ووالدتها تزوجت كثيرا وعملها الظاهرى فى خدمة البيوت، ومن بيئة ووسط لا يناسبنا على الإطلاق.. نعم لم أبال بأى فروق وكان همى الأول والأخير هو أن أتصالح مع الله، وكانت العقبة الكؤود، هى موافقة أهلى على هذه الزيجة، بكلام عام، وليس تفاصيل ما جرى من أحداث، وما تعيشه هى وأسرتها من واقع مخجل، وبالطبع واجهت رفضا من الجميع «عائلتى وأقاربي، وأصدقائي، وجيراني»! فوقفت ضدهم، وسافرت اليها للمرة الثالثة، ولكن من غير رجعة، بنية العمل والزواج والمعيشة فى مدينتها، وقلت فى نفسى: ليجمعنى بها بيت واحد، وأربى ابنيها، الولد البالغ سبع سنوات، والبنت ثلاث سنوات، وليكن ما يكون، وبحثت عن عمل، ولم أجد سوى وظيفة «فرد أمن»، فعملت بها، وعند عقد القران، واجهت عقبة الزواج بها فى وجود الطفلين اللذين يعيشان معها، فأهلها كانوا يريدون أن يعيشا مع أبيهما لكى تصبح خالية من الأولاد، فتعيش حياة بمفردها بعيدا عن أى قيود، هكذا أخبروني، فتركت مدينتها وعدت الى القاهرة من جديد، وما هى إلا أيام حتى أبلغتنى أن مطلقها أخذ ابنيه، وأنه وقعت مشاجرات بينها وبين والدتها التى طردتها من المنزل، فذهبت الى أختها الكبري، ولكن زوجها لم يسترح لوجودها، وراحت ترجونى ألا أتركها، فهى تحبنى لكن الظروف أقوى منها، وبحثت عن حل يريحنا من هذا العذاب، ووجدت أنه لا بديل عن الزواج بها، والمعيشة مع والدتي، لكى ترعاها، وتكون سكنا لي، واستقر وابدأ حياتى وأعود الى عملى الذى فقدته، وضغطت على أمى للموافقة عليها، فوافقت بعد إلحاح شديد، وسافرت الى البحر الأحمر، وعدنا معا الى القاهرة دون علم أحد من أهلها، وفى اليوم التالى عقدنا القران، ولم نقم عرسا ولا حفل زفاف، وصارت غرفتنا فى شقة أمى هى عش الزوجية.

ومضى أسبوع واحد لاحظت خلالها أنها غير مرتاحة لعدم خروجها من البيت، لكنها ادعت أنها غير متوائمة مع أمي، وطلبت الطلاق قائلة إنها اشتاقت الى ابنيها وتريد استعادتهما من أبيهما وضمهما اليها مرة أخري، فأخذتها فى حجرتنا ودار بيننا حديث طويل وأكدت لها أننى أحبها، وقد ضحيت بالكثير من أجلها، فلا يكون جزائى هو أن تطلب الطلاق بعد أيام من الزواج بلا سبب مقنع، فسكتت واقتنعت بما قلته وبإحساسى الصادق نحوها، ومر شهران بالطول والعرض ثم أصرت على الطلاق، فطلقتها عند المأذون، وسافرت الى مدينتها، وكانت الصفعة والصدمة اللتان لم تكن تتوقعهما، إذ رفض أهلها استقبالها، أو مجرد الحديث معها، ولم تجد سوى صديقة لها باتت لديها تلك الليلة، وفى الصباح اتصلت بي، وألحت علىّ أن أعيدها الى عصمتى مرة أخري، وسمعت والدتى بكاءها وندمها فى التليفون، وأشفقنا عليها من المصير الذى يتهددها اذا ظلت على هذا الوضع العدائى من أسرتها.. فوافقت على عودتها، وجاءتنا منكسرة وعاشت مع أمى فى الشقة نفسها، وكنا وقتها فى «فترة العدة»، فلم أتماسك أمام اغراءاتها، فهى مازالت زوجتي، حتى وان كنا قد انفصلنا على الورق، وبعد نحو شهر اتصلت بى اختها، واخبرتنى ان ابنتها تعرضت لحادث وموجودة فى المستشفى اذا كانت أمها تريد أن تراها وتطمئن عليها، ففاتحتها فى الأمر فقالت انها ستسافر لزيارتها ثم تعود إلينا فى اليوم التالي، واتصلت بى من هناك، وأخبرتنى أنها لم تجد ابنتها فى المستشفي، وأنها ستزور قريبة لها كانت تحفظ لديها بعض متعلقاتها لأخذها قبل أن تحضر الى القاهرة نهائيا، ومر يومان وأنا أحاول الاتصال بها دون جدوي، ثم جاءنى هاتفها بخدعة جديدة، إذ قالت لى ان أخاها الذى ظهر فجأة فى حياتها ومعه أقاربهم رفضوا أن تغادر البحر الأحمر إلا بعد أن أذهب إليها، وأعقد قرانى عليها مرة أخرى بشروطهم!.. فرددت عليها «مثلما ذهبت بمفردك بحجة زيارة ابنتك.. عودى بمفردك لاتمام الزواج ومواصلة حياتنا».. وأغلقت الهاتف، وبعدها بيومين عاودت الاتصال بي، وقالت انها حامل، فطلبت منها أن تحضر الى القاهرة لكى أذهب بها الى الطبيب، فرفضت، فانفعلت عليها بأنها اذا لم تحضر فورا فستكون طالقا للمرة الثانية، ووقع الطلاق فعلا، لأنها لم تلتزم بما طالبتها به!!

وساورنى القلق والشك فى كل شيء، فلقد كنت أتابعها كظلها طوال فترات وجودى معها، اذ أن سجلها حافل بأمثالى ممن ذهبوا معها الى شقة أمها الأخري، وفعلت معهم ما فعلته معي، وكم ضبطت مكالمات مع شباب كثيرين منها محادثة مطولة قبل عقد قرانى عليها بيوم واحد، وكانت هذه المكالمة علامة من رب العالمين على سلوكها، ولكنى كنت أعمى البصيرة، واذا كانت قد فعلت ذلك، وهى معى فما الذى يمنعها من تكراره بعد أن سافرت بمفردها؟

وبعد أسبوعين لم تجد بدا من أن تأتى إلينا، ولا أدرى كيف تركها أهلها لتسافر وحدها، لو كانت صادقة فيما قالته من قبل؟.. المهم انها وقفت فى الشارع، واتصلت بي، فنزلت إليها، وحاولت اقناعها بالصعود الى أمي، فسبتها بألفاظ نابية، وصرخت بأعلى صوتها، وتجمع المارة حولها، فتركتها، ونادت علىّ وأنا أذهب بعيدا عنها، وقالت انها ستلد فى فبراير المقبل، واسودت الدنيا فى عيني، وأحسست بتعب شديد، ولاحظت وجود أعراض غريبة علىّ وخروج افرازات كثيرة لا أعرف ماهيتها، ولا أسبابها، وزرت الطبيب وكانت الصاعقة اننى اصبت بـ«السيلان» وجاءتنى العدوى من مطلقتى نتيجة تعدد علاقاتها بآخرين، وبينهم مصابون بهذا المرض، وعرفت أيضا أن أعراضه لا تظهر على النساء، وأن متاعبه ومضاعفاته تتضح بعد وصوله الى الدم، وانهرت وبدأت مرحلة العلاج، وأحمد الله أن هدانى الى زيارة الطبيب فى الوقت المناسب.

أما قلقى البالغ، فهو ماذا أفعل تجاه الطفل المنتظر؟ فقد يكون ابني، وقد لا يكون، أعلم أن تحليل الـ «دي.إن.إيه» سيحدد ذلك، فإذا ثبت أنه ابنى كيف آخذه فى حضانتى والقانون فى صفها، واذا أخذته منى كيف ينشأ فى هذه البيئة غير السوية، وسط هذه الأسرة التى وجدتنى متورطا فى الارتباط بها بسبب «امرأة لعوب» أوقعتنى فى شباكها، وأنا معدوم الخبرة؟ ثم هل ترى أننى بعد انجاب الطفل المنتظر، من الممكن أن أتزوج بفتاة لم يسبق لها الزواج وتكون مناسبة لى من حيث السن والمستوى الاجتماعى والتعليمي؟.. وكيف لمثلى أن يتفادى الوقوع فى براثن تجربة مدمرة كالتى وقعت فيها؟.. اننى أشعر بأن حياتى انتهت، ولا سبيل للخروج من الدوامة التى أوقعتنى فيها الفاتنة من باب العشق، فبماذا تشير عليّ؟



ولكاتب هذه الرسالة أقول:

لو أن كل انسان انجرف إلى أهوائه وملذاته على النحو الذى فعلته بدعوى عدم الخبرة وحسن النية لملأت الخطايا أرجاء الأرض، ولصارت الأمور كلها «سداح مداح» فنحن مطالبون دائما بتحكيم العقل والتصرف بحكمة فيما يعنينا من أمور، وما نواجهه من اختبارات، وما نتعرض له من مواقف فى الحياة، فليس معقولا وأنت الشاب المتعلم والمثقف أن تنجرف إلى مكالمات هاتفية من فتاة مجهولة بالنسبة لك، وتذهب إليها، وتستسلم لما تمليه عليك بالحرف الواحد دون أن تساورك أى شكوك بشأن حياتها وسلوكها، ونيتها تجاهك، فلقد وجدتك صيدا ثمينا لها، وراحت تختلق المواقف والحكايات عن زواجها الأول، وابنيها، وأمها وأخوتها الأشقاء وغير الأشقاء، وأنت تصدق كل كلمة تقولها لك دون سند من الواقع يؤيد كلامها، ويجعلك على يقين من سلامة موقفها.. وأنت حين استسلمت لما أملته عليك من شروط، وما قدمته لك من اغراءات كنت تنشد جسدها، والاستمتاع بملذاتها دون إعمال للعقل، بل وأرى من خلال سردك قصتك معها أنك لم تكن تنوى الاستمرار معها، وإنما استندت إلى الزواج رسميا بها لكى تفعل ما يحلو لك معها دون خوف أو قلق وفى الوقت الذى تريده. لكنك كنت فى قرارة نفسك عازما على نبذها من حياتك عندما تتيسر لك الأحوال المادية، والوظيفية التى تؤهلك لقبول الفتاة المناسبة بالزواج منك، ووقتها ستكون قد امتصصت رحيق الفاتنة وتمتعت بجمالها الآخاذ. وكلماتها الرقيقة، ولو لم تكتشف اصابتك بمرض «السيلان» الذى انتقل إليك منها، وجعلك تنفر منها، لاستجبت لأى محاولات من جانبها للعودة إليك، فلقد ذهبت «لذة الشيطان» على حد تعبيرك وحلت محلها «آهات الندم» على الانجراف نحو بئر الخطيئة السحيقة التى لا ينجو منها إلا من رحمه الله.

إن كل القصص والحكايات والمواقف التى نسجتها لك عن أمها وأخيها وأختها وصديقتها وقريبتها وابنتها مجرد محاولات من جانبها، إما للخلاص منك حين تضيق عليها الخناق بعدم اتاحة الخروج لها من بيت والدتك، وإما لجذبك للمعيشة معها أو استئجار سكن خاص بها لتكون على راحتها، ولتبحث لها عن ضحية جديد، بعد أن استنفدت أغراضها منك، ولا أستبعد أن تكون حكاية الطفل الحامل فيه أكذوبة جديدة من أكاذيبها، أو أنها حامل من آخر، وهذا هو ما يدفعك إلى التفكير فى اجراء تحليل الـ «دي. إن. ايه» لمعرفة ما إذا كان ابنك أم لا»، وستدخل وقتها فى مشكلات لا حصر لها، لأنها سوف تنسب الطفل إليك بوثيقة الزواج، إذ كانت حاملا فى الوقت الذى عاشت معك فيه، وعاشرتها معاشرة الأزواج، وسيظل منسوبا إليك إلى أن يقول القضاء كلمته فى مسألة تحليل الحامض النووي، ولن تسلم وقتها أيضا من المضايقات وربما لا تستطيع تغيير نسب الطفل بعد أن يصبح حاملا اسمك بالفعل!

ولم تتوقف هواجسك عند هذا الحد، فتحدث نفسك عن التى ستقبل بك عندما تعلم قصتك، وما آلت إليه أوضاعك الحياتية والصحية، والأولى أن تدع التفكير فى مسألة الزواج جانبا إلى أن تعالج مشكلاتك أولا، فلا تتأخر عن تعاطى الدواء فى المواعيد التى حددها لك الطبيب، واقطع كل صلة لك بمطلقتك، وأنس تماما الماضى بكل ما فيه.. فقط استفد من دروسه التى تعلمتها على يد «فاتنتك اللعوب»، وما جرفتك إليه بزينتها وتمثيلها وشجارها وهى الأشياء التى أتقنتها جيدا. فهى تحمل قلبها على يديها عارضة إياه فى مزاد الهوي، لتفوز كل فترة بمن يكثر العطاء لها، ويمنحها ما تريده من كل ما ترغبه وتتمناه، ونسيت أنك انتشلتها من الوحل، وكان بإمكانها أن تكسبك إلى النهاية باحتوائك حتى لو كنت تفكر فى الانفصال عنها بعد حين، فحسن العشرة يولد الألفة، ويبنى جسورا من الثقة بين الطرفين، لكن هيهات لمثلها أن تفعل ذلك.

فالمرأة من مثيلات مطلقتك باستطاعتها أن تخدع الكثيرين فى وقت واحد، دون أن تتأثر بأى منهم، فتستحم بدموع عشاقها وتتعطر بدماء قتلاها.. نعم هى تفعل ذلك وكلها يقين بأن مقاومة الرجال تتحطم أمام اغراءاتها كما انهرت أنت مرات عديدة، وكنت على استعداد لأن تنهار لها مرات ومرات لولا نذير المرض الخطير الذى تبينت اصابتك به، وقد سلم الله لك الأمر، وليتك تتعظ مما حدث ولا تنجرف وراءها، ولا وراء شبيهاتها بعد ذلك، واحرص فى قادم أيامك على التريث والاختيار الدقيق، وبناء جسور من الثقة والتفاهم بينك وبين من تنوى الارتباط بها على أسس موضوعية وسليمة، من خلال الحوار المبنى على الصراحة، لأنه إذا أحاط الشك بأحد الزوجين تجاه الطرف الآخر، فإن ذلك سوف يؤثر بالسلب على حياتهما معا، وتنتهى العلاقة الزوجية غالبا بالطلاق بسبب الشكوك، وليأخذ كل طرف ماضيه درسا له فيستفيد من ايجابياته وسلبياته، بما يساعده على تجنب الأخطاء وتفادى السلبيات، والحرص على عدم تكرارها.

وتتعدد المعاصى فى حياة الناس، سواء أكانت من نوع المعصية التى وقعت فيها أو معاصى وأخطاء أخري، وإذا كنا جميعا نخطيء ونصيب، فإن أفضل العباد عند الله التوابون، وفى ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون»، ولعل ما حدث لك درس بليغ تعلمته وأنت فى مقتبل حياتك، فلا تقع فى مثله أبدا بعد ذلك، والعاقل هو الذى يتخذ من المعصية ـ أيا كان نوعها ـ سبيلا جديدا نحو القرب إلى الله، فيسعده عز وجل جزاء لعدم تكراره لها. وما أكثر الأمثلة على الأخطاء التى قد يقع فيها الانسان، والمهم هو أن يستوعبها. ويعدها من قضاء الله، ولقد سئل ابن تيمية عن قوله صلى الله عليه وسلم «عجبا للمؤمن لا يقضى الله له شيئا إلا كان خيرا له».. هل يشمل ذلك قضاء المعصية على العبد؟ فقال: نعم بشرطها من التوبة والندم والاستغفار والانكسار لله، فظاهر الأمر فى تقدير المعصية مكروه على العبد، وباطنه محبوب إذا اقترن بشرطه.

لقد درست واقعك، واستشرت أهل الرأي، واستقررت على الموقف النهائى بشأن ما أنت فيه، فلا تتردد وعليك أن تكون ذا عزيمة فى عدم الرجوع إلى هذه المرأة مهما تكن الضغوط والاغراءات، وابدأ حياة جديدة تماما، وأذكرك بقول الشاعر:

إذا كنت ذا رأى فكن ذا عزيمة

فإن فساد الرأى أن تترددا

فمن طبيعة المؤمن الثبات والتصميم والحزم والعزم «إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا» أما أولئك «فهم فى ريبهم يترددون»، وفى قرارهم يضطربون. ولعهودهم ينقضون، ومادام قد لمع لك بارق الصواب، وظهر لك غالب الظن، فاقدم بلا التواء ولا تأخر، وخذ قرارك بطى هذه الصفحة السوداء من حياتك.

اطرح ليت وسوف ولعل

وامض كالسيف على كف البطل

وعليك أن تنهى الضوائق النفسية التى تعانيها بقرار صارم لا رجعة فيه وافتح صفحة جديدة تقترب فيها من الله عز وجل، وسوف تكشف لك الأيام الحقيقة الكاملة، ويهدأ بالك ويستريح ضميرك، وتسلك الطريق السليم بإذن الله.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
كابتن أحمد منصور
مشرف
مشرف
كابتن أحمد منصور

ذكر
عدد الرسائل : 6488
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 210
بلد الإقامة : المدينة الفاضلة
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 Office10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 Bookwo11
نقاط : 17058
ترشيحات : 47
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 710

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 I_icon_minitime23/10/2015, 23:32

بريد الجمعة يكتبه : أحـمــد البــــــرى
القائمة الممنوعة!
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 2015-635811503548357276-835

أنا سيدة فى السابعة والثلاثين من عمري، نشأت فى أسرة بسيطة تجمعها المودة والألفة بأفراد العائلة الكبيرة، وتفوقت فى دراستي، وتخرجت فى الجامعة، ولم تشغلنى العلاقات العاطفية التى تتولد بين الشباب والبنات فى سن المراهقة، فلقد كنت على قناعة منذ صغرى بأن البنت يجب أن تدخر مشاعرها لشريك حياتها فى المستقبل،
ولا تبددها فى غراميات محكوم عليها بالفشل، وقد تؤدى بها الى ما لا تحمد عقباه، ومر عامان بعد تخرجى دون عمل، سعيت خلالهما الى الحصول على وظيفة مستقرة، وشاركت فى أكثر من مسابقة، ونجحت فى إحداها واستقرت بى الحال فى جهة حكومية شهيرة، وواصلت منهجى فى الحياة الاجتماعية بعدم اقامة أى علاقة عاطفية مع أى شاب أو زميل، وبعدها بشهور طرق بابى شاب من أسرة ميسورة وله أعمال خاصة ورثها عن أبيه، ويباشرها بنفسه، وتقتضى سفره الى الخارج من حين الى آخر، وقال لأبى إننى جذبته بمظهرى الهادئ، والتزامى الواضح، وعرف عنى بعض المعلومات من خلال معارفه بالمصلحة التى أعمل بها، وأنه سيكون سعيدا لو أننى وافقت على الارتباط به وتكوين أسرة مستقرة، فأمهله أبى عدة أيام، وجمع أعمامى فى جلسة عائلية، وعرض عليهم طلب هذا الشاب، فلم ينكروا عليه دينا ولا خلقا، وأحسست من كلامهم عنه أنه الشخص الذى يناسبني، إذ أننى ملتزمة دينيا، وأؤدى الصلاة فى أوقاتها، وأصوم تطوعا أياما كثيرة، وارتدى الملابس المحتشمة التى تغطى الجسم كله، وأقوم بواجبات المنزل، واتطلع الى زيجة مستقرة، وعندما سألنى أبى عن موقفى بعد ما سمعته، أجبت عليه بأننى موافقة وتمت خطبتنا، ولم يطل الوقت حتى زففت إليه فى حفل بهيج حضره الأقارب والأصدقاء.

وبدأت حياتى الجديدة هادئة، وشيئا فشيئا تسربت اليها المنغصات والمتاعب، فالحقيقة أننى وجدت زوجى ملتزما دينيا فى الصيام والصلاة وأيضا الكلام، لكنه كثير الاهمال لي، ولا يتذكرنى فى المناسبات ولو بهدية بسيطة، ومستبد برأيه فما يراه هو الصواب، فلا أحد يفعل ما يفعله، أو يفكر بطريقته، وعلاوة على ذلك كثير السهر مع أصدقائه الذين يصرف عليهم بسخاء، بينما يقتر علىّ تقتيرا، وقد حدثته مرارا بأن باستطاعته أن يدخر ما يصرفه بلا فائدة، حتى نشترى شقة ملكا لنا، بدلا من الشقة الإيجار الجديد التى نسكن فيها، ولا داعى لهذا التبذير خصوصا أن سخاءه على أصدقائه لا يعود علينا بشيء، لكنه لا يهتم بكلامي، وأحيانا يحملنى المسئولية بأننى السبب، فالمرأة هى التى تصنع الرجل، وتسعى الى تحقيق كل ما تريده بحسن تدبيرها الأمور، ولكن كيف ذلك وأنا لا أمسك ميزانية البيت، ولا أصرف على المنزل، فهو الذى يجلب كل شيء، وممنوع علىّ أشياء كثيرة، فإذا طرق أحد الباب ممنوع أن أفتح له أو حتى أرد عليه!، واذا أراد أهلى زيارتى عليهم أولا الاتصال بى ثم آخذ منه إذنا بالزيارة اذا كان موجودا بالمنزل، أو اتصل به اذا كان خارج البيت، أما زيارات الأقارب والصديقات فهى ممنوعة منعا باتا لأى سبب، ومهما تكن درجة قرابتهم بنا، حتى صرت وحيدة بين الجدران الأربعة، ولا أعرف جيرانى فى الشقة المجاورة لي، ولا أغادر البيت إلا الى زيارة أهلى أو أهله، ولذلك طقوس خاصة، فإذا أردت زيارة أهله من باب الود وصلة الرحم، يأخذنى ويوصلنى إليهم، ويسلم على أمه، ويخرج مسرعا الى أصدقائه، فيسهر معهم، ثم يعود ليأخذنى من أمام الباب!، واذا أردت زيارة أهلي، يأخذنى إليهم ويتركنى عند البيت، ولا يسلم عليهم، وبعد قليل يتصل بي، ويسألنى عمن وجدتهم فى زيارتى أسرتي، وهل رآنى أحد؟! فإذا كان قريب لنا يزورهم بالمصادفة، يطلب منى أن أدخل أى غرفة بالمنزل وأغلق الباب على نفسي، وأبلغه بما حدث لكى يرسل إلىّ سيارة تأخذنى على الفور!، وتحملت هذا العذاب عشر سنوات، وأنا أكتم أحزانى داخلي، وقد أنجبت ثلاثة أولاد الأكبر سنه سبع سنوات، والأوسط خمس سنوات، والأصغر ثلاث سنوات، وتفاقمت حالة الشك لديه، إذ كثيرا ما يسأل ابنى الأكبر عمن كانوا فى زيارة جده، ويحاول أن يعرف أى معلومة ربما أكون قد أخفيتها عنه، مع اننى لا أكذب، ولا يوجد أى داع للكذب عليه!، وامتدت قائمة الممنوعات الى عدم السماح لى بالمشاركة فى المناسبات الاجتماعية، مثل سبوع مولود جديد وحتى فى عيدى الفطر والأضحي، يحظر علىّ زيارة أعمامي، ويقول: من يريد منهم أن يراك يأتى الى بيت أهلك وبلغيه سلامى إليه!

.. شيء عجيب حقا، ما يفعله معي، ولكن ما باليد حيلة، وقد تسألني: كيف يكون هذا الحصار وأنا موظفة فأقول لك: لقد أجبرنى على الحصول على إجازة دون راتب منذ زواجنا، وقد حاولت منذ خمس سنوات قطع الإجازة التى أجددها كل عام، فاختلق لى مشكلات عديدة، منها أن آخذ الأولاد معى الى مقر عملي، وهو أمر مستحيل بالطبع، وزادت عصبيته بشكل حاد، فيثور لأتفه الأسباب، وقد وصلت به الحال الى ضربى مرات عديدة، وصرت أتحاشاه خصوصا أمام الأولاد، فلقد فعلها ذات مرة أمامهم عندما ضربنى على رأسى بقطعة أثاث حيث سقطت على الأرض، ولما أفقت أخفيت الأمر عن أهلي، وكان أبى وقتها قد رحل عن الحياة، وعندما تكرر اعتداؤه علىّ أبلغت عمى الأكبر، فاتصل به وسأله عما فعله بي، فاتهمنى زوجى بأننى لست زوجة بكفاءة الزوجات الأخريات، واننى لا أجيد أعمال المنزل، ولا طهو الطعام، وبلغ الكلام أسرته وأسرتي، وهو ادعاء غير صحيح بالمرة، لكنه يضغط علىّ بشدة، لدرجة أننى أصبحت أخشاه حتى وهو خارج مصر!

ولم تتوقف ممارساته اللاانسانية معى عند هذا الحد، وإنما امتدت الى منعنا من مشاهدة التليفزيون إلا برامج وقنوات محددة ومنها قنوات الأطفال، والويل لى اذا شاهدت فيلما أو مسلسلا عربيا، وصار يسألنى من حين الى آخر أسئلة غريبة كشفت الجانب الخطير فى شخصيته والذى لم أكن قد تبينته بعد، إذ سألنى ذات مرة: هل عندك هاتف محمول سرى لا أعرفه، فاستغربت لسؤاله، وقلت له باندهاش: «هاتف إيه»، فرد، بأن صديقا له طلق زوجته لأنه رآها تتكلم مع قريبة لها بهاتف لا تملكه، وعندما استفسر منها عن صاحب الهاتف ومن أعطاه لها، قالت له: انه من عند زوجة أخيه!.. ومنذ ذلك الوقت يسألنى عن الأشياء والمواقف التى يرويها له أصدقاؤه، وبدأ سلسلة جديدة من الأزمات التى أحالت حياتنا الزوجية الى جحيم، وكثيرا ما يسألنى «أنا حاسس أن فيه مكالمات لا تريديننى أن أسمعها، ممكن أعرفها؟.. وأرد عليه بأننى لا أخفى عنه سرا، ولست مثل الأخريات اللاتى يقارننى بهن، ولى شخصيتى المستقلة، وأن أحاديثه مع أصدقائه فى الأمور الشخصية هى التى تجلب لنا المشكلات، وليس بيننا ما يحكون عنه فى حياتهم!، فثار ضدى من جديد، وهددنى بأن علىّ أن أراجع نفسي، وأن أنفذ ما يقوله، وإلا فإنه سوف يطلقنى ويأخذ منى الأولاد الى مكان لا أعلمه، وأخذنى فى زيارة أهلى لمدة يومين سوف يسافر خلالهما الى الخارج، وعندما يأتى سوف يقرر ماذا سيفعل معي، فأخذت أضرب كفا بكف ماذا فعلت له لكى يهدم حياتنا وأنا التى تنفذ له كل كبيرة وصغيرة من طلباته التى لا تنتهي، وأتحاشى أن أفعل شيئا يغضبه؟ وأخذت بعض المهدئات لكى أتخفف من التوتر الذى ألم بي، ومر أسبوع كامل لم يتصل فيه بنا، ولا نعرف عنه شيئا، وهاتفه مغلق، وزادت شكوكى فيه فذهبت الى شقتنا، وفتحت الباب فإذا بى أجد امرأة بداخله بملابس البيت، فصرخت فيها: من أنت؟.. قالت بهدوء، أنا الزوجة الثانية لزوجك، ولا داعى للشوشرة، فلقد تزوجنى زواجا شرعيا، وأنا مطلقة ولدى أربعة أولاد يعيشون مع أبيهم، وعرفت زوجك عن طريق أخي، الذى رشحنى له، وقابلته فى بيتنا وعقدنا القران وأنه فى سبيله للحصول على شقة خاصة بنا، فلا تقلقى فسيكون زوجا لنا نحن الاثنتين، فتعالت صرخاتي، واتصلت هى بزوجي، وروت له ما حدث، فجاء وقال بمنتهى البجاحة، إنها زوجتي.. فإذا لم يعجبك هذا الوضع سيكون لى كلام آخر، فجمعت متعلقاتى الشخصية وأخذتها الى بيت أسرتي، وأنا أقول بصوت مسموع طوال الطريق «حسبى الله ونعم الوكيل»، وانزعج أهلى لما حدث، وقالوا لى «القرار لك إما أن تطلبى الطلاق مع ما فى ذلك من طول الإجراءات فى المحاكم، أو أن تخلعيه وتتنازلى عن مستحقاتك، أو ترضى بالأمر الواقع.. فقلت لهم هيهات أن أرضى بالذل والهوان بعد اليوم».. ومرت ثلاثة أسابيع كالدهر وأنا عاجزة عن اتخاذ القرار السليم، وفجأة اتصل بى وقال إنه يريد أن يتكلم معي، فقلت له: كلام إيه بعد اللى جري، فرد علىّ بأنه طلقها، ولم يكن زواجه بها زواجا رسميا وإنما كان زواجا عرفيا، ولم يجدها كما صورها له صديقه، وأنه أخطأ المقارنة عندما تخيل أنها ستجلب له السعادة التى يرويها له أصدقاؤه، وتبين له أنها تزوجته لكى تستنزفه ماديا، علاوة على إفشائها أسراره، والكثير مما عرفته عن حياته خلال الأيام الأولى لزواجه منها، وأنه نادم على ما حدث، ويريدنى أن أعود إليه، مع وعده بإصلاح ما فسد من علاقتنا، فلقد تغير كثيرا بعد التجربة الفاشلة التى تورط فيها ـ على حد تعبيره ـ عن طريق صديقه، فرددت عليه بأننى وإن كنت على ذمته، فإن الأمر ليس بهذه السهولة، فهناك أعمامى وأهلى لابد من مشورتهم، ووقتها سيكون لكل حادث حديث.

إننى فى حيرة بالغة من أمري، وقد فكرت فى أن أعود الى عملي، وأصرف على أولادى من راتبى ولا انتظر أى مساعدة من أبيهم، وأن استأجر شقة تسعنا بعيدا عن بيت أهلي، ولكن من يضمن لى ألا يأخذ منى أبنائى رغما عني، ويخفيهم كما هددنى من قبل، فالخلع هو الطريق الوحيد للخلاص السريع منه لكن تبعاته علىّ ستكون ثقيلة، ولن أستطيع التصدى لحيله وألاعيبه، واذا وافقته وعدت إليه، سوف يكرر أخطاءه معي، وربما يزداد توحشا، وليس كما يقول انه عرف الفارق بينى وبين الأخريات ممثلات فيمن تزوجها عرفيا من أجل نزوة، وبإلحاح من أصدقائه، وكم مرة قلت له لا تقارنى بغيري، فالمقارنة ظالمة فى أغلب الأحوال، ومن يقول كلاما ليس كمن عاش واقعا فى الحياة.. إننى انتظر كلمتك الفاصلة فى مشكلتي، وأنا اتطلع الى الراحة والاستقرار.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

تعددت أخطاء زوجك فى حقك بدءا من قائمة الممنوعات التى فرضها عليك بعدم الخروج من باب البيت إلا بصحبته، والى أماكن محددة، وفرضه رقابة عليك فى كل اتصالاتك وتحركاتك، ومنعك من مشاهدة التليفزيون إلا برامج بعينها، ثم مقارنتك بأخريات من زوجات أصدقائه اللاتى لا يعرف عنهن شيئا وانما استمع عن بعض حكاياتهن من أصدقائه، ثم الضغط عليك واخراجك من البيت بحجة أنه مسافر لكى يتزوج عرفيا من واحدة دفعها فى طريقه صديق له بغرض استنزافه ماديا، وتخريب بيته بتطليقك فيخلو لها الجو، وتنفرد به وتمارس سيطرتها الكاملة عليه، لكنه أيقن المخطط المرسوم لإيقاعه والتغرير به، فطلقها وأحس بالندم على حد قوله، لكنى أراه على عكس ما يقوله تماما، فهو لن يتغير بسهولة، ولن تكون عودتك إليه نهاية المطاف، صحيح أنك مازلت على ذمته، ولكنك بعيدة عنه فى بيت أهلك، وأولادك معك، ولن يلجأ الى طلبك فى الطاعة لانه يدرك جيدا أنه المخطئ، والأمر على هذا النحو يقتضى التريث فى اتخاذ قرار «الخلع» أو «الصلح»، بمعنى أن الصلح يجب أن يكون على أسس واضحة، بحيث لا يعود الى سيرته الأولى من الإملاءات التى لا يقبلها أحد، ويعلم أنك تحملتيه بمساوئه عشر سنوات، فى حين لم تصمد زوجته الثانية التى تزوجها لغرض جسدى كما هو واضح عدة أسابيع، وعليك أن تستعينى بعمك فى الصلح وأيضا أهلك، ويكون من بين الشروط أن يتيح لك التصرف بحرية مادمت لا ترتكبين إثما ، ولا جريرة، .. أما الخلع فيكون هو الحل الذى لا بديل عنه اذا رفض الصلح المشروط، واستمر فى عنجهيته التى أظنه لن يتخلى عنها، فمثل هذه الشخصية يركب العناد صاحبها، ويصور له خياله المريض أنه يجب أن يظل على موقفه حتى لا تهتز صورته فى عيون الآخرين.. وهناك كثيرون أمثاله ممن لا يحسنون التفكير فى الأمور الزوجية والأسرية، ويستمدون أفكارهم من ذوى الذمم الخربة.

إن المقارنة بين الأزواج والزوجات تتسبب فى مشكلات أسرية لاحصر لها، وهى أزمة اجتماعية موجودة فى بيوت كثيرة، ومرفوضة بكل المقاييس، لأنها تلقى باسقاطات سلبية على الشخص المقارن به، ومن الضرورى أن تكون لكل أسرة مبادئ وثقافة وأفكار خاصة بها، وأى مقارنة تولد حالة من الغيرة والعدائية، وتؤجج الخلاف، وتفتح باب «الوسواس» بين الزوجين، وتكون مدخلا لهدم أركان الأسرة، ولذلك يجب أن يتقبل كل من الزوجين الآخر بأخطائه، فكلاهما له مميزات، فإذا أضيفت معا، صارت العلاقة تكاملية، مع حتمية التنازل عن الهفوات حتى يعيشا السعادة المنشودة، وتعم بيتهما المحبة والتفاهم والاحترام.

وأرجو ألا تكونى قد لجأت الى مقارنته ـ على غرار ما فعل ـ بأقاربك، فهو حين قارنك بأخريات زرع فى قلبك كرههن حتى إن كنت لا تعرفينهن، وربما دفعك ذلك الى مقارنته بأزواج أخواتك مثلا، أو أحد من أهلك، ولذلك صارت زياراتك إليهم أو زياراتهم إليك أمرا غير محبب بالنسبة له، ولذلك يختلق المبررات لترشيدها، ولئن قيل «أنت تشتم المرأة اذا مدحت أخرى أمامها، فى شيء تعتبره نقيصة فيها، فإن الأمر لا يختلف بالنسبة للرجل، ولذلك ينبغى أن يبتعد الطرفان عن الخوض فى هذه المسائل التى تجلب لهما المتاعب، والحقيقة أن الأصدقاء من أمثال أصدقاء زوجك، هم الذين يتسببون فى الأزمات الزوجية، وما يسمعه بعضنا من إثناء أحد الزوجين على الآخر، ليس بالضرورة صحيحا، وبفرض صحته فإنه جزء من الحقيقة وليس كلها، أو قل هو الوجه المشرق لهذه العلاقة التى لا تخلو بطبيعتها من منغصات، فليس ما يذكره هو كل الحياة بينهما، فلا يزهدنكم هذا الثناء فى أزواجكن، ثم هل تصدقين، ان هناك من يبادلكما المقارنة نفسها، فيقارن الجميل من حياتكما بالنقص فى حياتهم؟!

إن المقارنة تفسد الاستمتاع بالموجود، وتورث الغيرة، وتدعو الى التنافر وليس التنافس، والذكاء فى التصرف هو تشجيع الطرف الآخر، لا هدمه والتقليل من شأنه، وعلى الزوجين أن يحتويا بعضهما بالمعروف وحسن المعاملة، وامتصاص لحظات الغضب، وتقريب المسافات، وليدركا أن الكمال لله وحده.

والحياة الزوجية التى تقوم على املاءات الرجل، وفرماناته، مصيرها الفشل، ولا بديل عن الحوار الدائم بينهما، فهو الذى يحقق المودة والتفاهم، ولا سبيل الى نجاح هذا الحوار إلا بتجنب الأساليب الخاطئة التى يلجأ إليها بعض الأزواج، وهى ترجع فى الغالب الى اختلافات نفسية وفكرية فى شخصية كل منهما، ومن هذه الأساليب افتراض الزوج أن زوجته يجب أن تتصرف كما يتصرف هو من حيث طريقة التفكير والكلام، وهذا خطأ كبير، وأيضا الاستهانة دائما بشكوى الزوجة واعتبارها من أساليب النكد، وتعامله معها على الدوام بلغة العقل، وتجاهل لغة العاطفة، والاستخفاف بآرائها، وعدم اعطائها الفرصة لعرض وجهة نظرها.. وهناك من الأزواج من يتبع أسلوب العناد والاستفزاز فيزيد الفجوة مع شريك حياته.

ولكى يكون حوار الزوجين ناجحا، من الضرورى اختيار الوقت المناسب له، ومراعاة الحالة النفسية للطرف الآخر، وأن يفسح كل منهما للثانى المجال للتعبير عن أفكاره،. والاستماع له بشكل جيد وتركيز شديد، وعدم التقليل من شأنه أو النطق بكلام جارح له، ويمكن أن يتوقف الحوار عند نقطة ما ثم مراجعة كل واحد وجهة نظره، كما أن الهدوء وخفض الصوت كفيلان بإنجاح الحوار، وعدم وصوله الى مرحلة الشجار.

هذا هو الطريق الى تدارك الأخطاء التى وقعتما فيها أنت وزوجك، وأحسب أنه تعلم الكثير من «الزيجة العرفية» التى أراد بها ارضاء نزوته، فلقد استقى منها الدرس الكبير بأنه لن يعوضك أبدا، ولن يجد أفضل منك زوجة له، فأنت أم أولاده، وتحملت الكثير من أجله وأجل أبنائه، لكن وضع الأمور فى نصابها الصحيح هو الذى سيحسم أمر رجوعك إليه من عدمه، فلتعطه فرصة أخيرة باتفاق واضح مع أهلك، وأرجوه أن يتأمل العلاقة الزوجية الصحيحة فى قوله تعالى «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة، إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون»، ويفسر ابن كثير هذه الآية بقوله «وجعل بينكم مودة»، وهى المحبة، ورحمة وهى الرأفة، فإن الرجل يمسك المرأة، إما لمحبته لها، أو رحمة بها، أو للألفة بينهما»، وذلك بلا شك معنى أشمل وأرقى وأسمى بكثير من حب الصور الخيالية التى تصورها لنا الأفلام والروايات، فليبتعد زوجك عن أقران السوء، ولا يبح بأسرار بيته الى الآخرين، وليكن «الحوار الإلحاحي» بتأكيد حب كل منكما الآخر، وتمسكه به، هو الجسر الذى تعبران عليه الى شاطىء الأمان بإذن الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
كابتن أحمد منصور
مشرف
مشرف
كابتن أحمد منصور

ذكر
عدد الرسائل : 6488
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 210
بلد الإقامة : المدينة الفاضلة
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 Office10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 Bookwo11
نقاط : 17058
ترشيحات : 47
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 710

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 I_icon_minitime30/10/2015, 12:23

بريد الجمعة يكتبه : احمد البـرى
العين الثالثة !



بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 2015-635817515173668921-366

ما أقسى أن يستعيد الانسان ذكرياته على مر السنين، ويجدها عذابا أليما، ولم يذق فيها طعم الراحة والطمأنينة، ولا يعرف كيف يقضى الأيام المتبقية له من عمره سعيدا مستقرا مثل كثيرين ممن حوله، فأنا سيدة فى سن السبعين، مات أبى وأنا فى الصف الثانى الثانوي،
ولى ستة أشقاء «ولد وخمس بنات»، وكان المعاش الذى ورثناه عن أبى وقتها ستة جنيهات، ووجدت أمى نفسها فى حيرة، ولم يكن هناك بد من أن تعمل أختى التى تكبرنى بالاعدادية، وتبعتها أختى التى تلينى فى السن، مع أنها لم تكمل الابتدائية، وكان مرتباهما معا تسعة جنيهات. وصار المبلغ الاجمالى للدخل خمسة عشر جنيها حاولت أمى به تدبير أمورنا، واعتمدنا على أنفسنا، إذ لم يمد أحد من العائلة يد العون لنا، وحمدنا الله على الصحة والستر، واستمررت فى دراستى حتى حصلت عل دبلوم المدارس التجارية، والتحقت بالعمل فى جهة حكومية، وانتشر الخبر فى المنطقة كلها بأننى سأربى أخوتي، وسوف أؤجل زواجى إلى أن يكبروا، ومرت الأيام وحاولت تدبير أى مبالغ يتسنى لى توفيرها لكى أساعد بها أخوتي، فزوجت الأكبر منى ثم اثنتين ممن يصغروننى سنا، وبقى ثلاثة وأنا، وقد استمروا فى الدراسة التى التحقوا بها إلى نهايتها، فحصل أخى على مؤهل عال، واكتفت البنتان بالمؤهل المتوسط، وانتظرت أن يساعدونى فى مصاريف البيت، فجاء رد فعلهم صدمة لي، إذ قال أخى بكل بجاحة «أنت اللى عملت كده من نفسك، ماحدش طلب منك تعمليه» وتبعته احدى الأختين «بتهكم» انتى عايزانا نبقى زيك ليه»؟ وانتهت مناقشاتهم معى إلى نتيجة واحدة وهى ألا أنتظر مقابلا من أحد، وتزوجوا جميعا وصارت لهم بيوتهم المستقلة، ورحلت أمى عن الحياة، ووجدتنى وحيدة بعد أن استنفد الجميع أغراضهم، واستنزفونى ماديا، ولم أجد من يقف بجانبى سوى زميلة تعرف ظروفي، وعرضت عليّ الزواج من شقيقها، وكان عمرى وقتها سبعة وعشرين عاما، فالتقيت به، واتفقنا على الخطبة أولا، وظللت مخطوبة له عاما ونصف العام، ثم تزوجنا، ومضت شهور الزواج الأولى عادية، ولم أتوقف عند الغلظة التى عاملنى بها وقلت فى نفسى: ربما يكون اختلاف الطباع هو السبب فى ذلك، وأن التأقلم على الحياة الزوجية يتطلب وقتا، ولكن كلما مرت الأيام. ازداد غلظة، ثم عرف أسلوب السب والشتم، وعانيت الأمرين من بخله الشديد، وعدم مساعدته لى فى أى أمر من الأمور، وتحملت هذه الحياة القاسية معه أملا فى أن يتغير بعد الانجاب من جهة، ولعدم وجود أحد بجانبى من أخوتى الذين انصرفوا إلى أسرهم وتخلوا عني، ويبدو أننى كنت أنتظر وهما، إذ استمر على هذه الحال من البذاءات، بل وتمادى فيها لى ولابنتّى اللتين أنجبتهما منه، وعندما كانت احداهما تمرض، كنت أحملها بمفردى إلى الطبيب، ولم يعبأ أبدا بما قد أتعرض له من متاعب أو مضايقات وأنا بمفردى فى الشارع خصوصا فى الليل، وأتذكر أنه فى يومى الأحداث التى تعرضت لها مصر «17 و18 يناير عام 1977» تعرضت ابنتى الكبرى لنزلة معوية حادة، وكانت المظاهرات تملأ الشوارع، واضطررت لحملها إلى الطبيب فى الساعة الحادية عشرة مساء، وظل هو نائما فى البيت، وحتى بعدما عدت من الخارج وجدته على حاله ولم يسألنى عما حدث، ولا ماذا قال لى الطبيب؟! وإذا طلبت منه أن يحضر لى بعض الأشياء التى نحتاجها يشترط أن يأخذ ثمنها أولا، ثم يحسب أسعارها بمزاجه، لكى يخرج بجزء على شكل سمسرة دون علمي!، وإذا ضقت من تصرفاته وفاتحته فى أى تصرف أو موقف يكسر ويحطم كل ما يصادفه أمامه من أشياء ثم يلقى شتائمه المعتادة، ويحيل حياتنا إلى نكد ونحن نرتعد منه، وعلى مر السنين وضعت كل جهدى وهمى فى عملى وابنتّي، واستكملت دراستى وحصلت على مؤهل عال، وتقدمت فى وظيفتي، ووصلت ترقياتى إلى درجة نائب المدير العام بالجهة التى أعمل بها.

لقد استمر هذا العذاب واحدا وثلاثين عاما، حتى رحيله منذ أحد عشر عاما، وقد تزوجت البنتان بعد تخرجهما من الجامعة وصارت لكل منهما أسرة وبيت وأولاد، وبعد رحيل زوجى بعام واحد خرجت إلى المعاش، ولا أخفيك سرا أننى بموته تنفست الصعداء، ووجدتنى سعيدة ومبسوطة، وأنعم الله عليّ بالراحة النفسية، ولم يعد هناك من يعكنن حياتي، لكن يبدو أن المتاعب سوف تحاصرنى فيما تبقى لى من عمر فى هذه الدنيا، وإليك مشكلتان تقضان مضجعي، ولا أعرف إلى الخروج منهما سبيلا.. الأولى أننى حين أرى أى زوجين تعلو وجهيهما الفرحة والسعادة، أتذكر أن زوجى لم يقل لى كلمة حلوة طوال حياتنا، وكلما حاولت الاقتراب منه، ابتعد عني، وإذا أديت عملا «كويسا» يسفهه ويقلل منه، وإذا رأيت ابنا مع أبويه، أو ابنة مع أبويها لدى أقاربهم ويظللهم جميعا الحب، والألفة، أتذكر أهلى الذين تركوني، ولم أر منهم أية مساعدة مادية أو معنوية، بل إن منهم من حاول أن يمد جسور الصلة مع أخواتى أملا فى أن يتزوج إحداهن كزوجة ثانية مع الاحتفاظ بزوجته من باب الطمع فينا! وقد جعلتنى هذه المقارنات أعيش مأزقا نفسيا، إذ ارتبطت بها نتائج سلبية على الآخرين، فمن أنظر إليهم يحدث لهم مكروه، فهناك واحدة كانت تسير بصحبة زوجها وما أن وقع نظرى عليها حتى وقعت على الأرض ، وأخرى رأيتها تفتح الشقة فإذا بالمفتاح ينكسر فى الباب، ولم تتمكن من دخول الشقة إلا بعد مجيء النجار الذى فتح الباب بطريقته وصنع لها مفتاحا جديدا، وهذه المشكلة ظهرت حديثا، ولكن كنت أعلم أن أخواتى يحدث معهن نفس الأمر، وأصدقك القول أننى لا أقصد الأذى لأحد، وأخشى أن يعاقبنى الله على ذلك دون أن تكون لى يد فيه.. والله إننى الآن وكلما تكلمت مع أحد ، أدعو الله له أن يحفظه حتى لا أؤذيه، وتحدثنى نفسى بأن الدعاء وحده لا يكفي، وبمرور الوقت وتتالى الأذى الذى تتسبب فيه نظرتى إلى الآخرين ينصرفون عني، ويبتعدون عن طريقى مع أنى أحب الخير للجميع، وأؤدى الصلاة والزكاة وأعطف على الصغير والفقير، وليست بيدى حيلة إزاء هذه الأزمة التى تعصف بى فى السنوات الأخيرة.

أما المشكلة الأخرى فتتعلق بابنتى الصغري، فلقد ربيت ابنتىّ على الخلق الرفيع والأدب والتدين، واحتفظت الكبرى بطباعى من الهدوء، ومراعاة الضمير، ومساعدة الآخرين، أما الصغرى فكانت كذلك إلى أن تزوجت، فصارت شخصية أخري، فلقد عانت كثيرا من عدم الانجاب لمدة خمس سنوات، وبعد أن وضعت مولودها تغيرت معاملتها مع كل الناس، وخاصمت العائلة كلها حتى خالها لا تتصل به ولا تسأل عنه، ولا تريد أن تتكلم معه بلا أسباب، وتخطئ فى حقى ، وحق أختها، وتهددنا بالضرب، وتلقى على مسامعنا بذاءات كالتى كان أبوها يصبحنا ويمسينا بها، وتعامل زوجها «الند بالند» وترهقه بطلباتها وصوتها العالى حتى لا يوفر أى مبلغ، ولا يفكر فى الزواج عليها، وتجبره على مشاركتها فى كل كبيرة وصغيرة، فالأولاد مسئوليته بمجرد عودته من العمل، وهى مسئولة عن طلباتهم فى حالة عدم وجوده، فإذا حضر يتسلم المهمة إلى صباح اليوم التالي، وليس هذا أسلوبها فى البيت فقط، وإنما امتد الى نطاق العمل، حيث التحقت بوظائف كثيرة كبرى ثم تركتها، فمثلا عملت فى بنك استثماري، ولكنها تركته بعد زواجها بستة أشهر، فشجعتها على دراسة الماجستير فى تخصصها، فبدأت اعداد الرسالة، ولم تكملها ولاحظت غيرتها الشديدة من أختها التى استمرت فى عملها، ولم تتهور فى تصرفاتها على نحو ما تفعل هي، وتضغط عليّ الآن لكى أكتب لها جزءا من ممتلكاتى لأميزها عن أختها بحجة أنها لا تعمل.. وبالطبع لن أصنع هذا الصنيع أبدا، وسوف أساوى بين الاثنتين فى المعاملة. ولما أدركت أننى لن أنفذ لها ما طلبت تطاولت عليّ بلسانها اللاذع، ولم تعد تحترمني، ولا تحترم أختها ولو أمام الآخرين، وخاصمتنى لمدة تزيد على سنة ووقتها أنا التى صالحتها برغم أننى لم أخطئ فى حقها، إذ علمت أنها مريضة، فلم أتحمل أن أسمع الخبر، وأسرعت إلى بيتها، وحرصت على الذهاب إليها فى الصباح والعودة فى المساء حيث أخدمها هى وأولادها، وأنظف البيت، وأطهو الطعام، ولكن ما أن استعادت صحتها وشفيت من مرضها حتى عادت إلى سيرتها الأولي، وتخاصمنى هذه المرة منذ إبريل الماضى وحتى الآن!! إنها مازالت تمارس حيلها وضغوطها عليّ لكى أرضخ لما تمليه عليّ ولن أفعل شيئا يغضب الله، أو أن تأخذ أموالا ليست حقا لها، فهى تعيش فى راحة مع زوجها بل أنها تجنى عليه ويتحمل ما تفعله به، وأجده مسالما إلى أبعد مدي.. فهل ترانى قد أخطأت فيما انتهجته من اسلوب فى حياتى سواء مع ابنتى أو مع الآخرين؟ وما هو السبيل نحو استكمال ما بقى لى من أيام على قيد الحياة ، وأنا سكينة النفس ومطمئنة البال؟

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

عرفت نفوسكم البغض والكراهية عندما حلت الأنانية محل الإيثار، ورحتم تحقدون على بعضكم، وغرتكم الدنيا بمتاعها الزائل، فلقد كانت حياتكم الأولى بعد وفاة أبيكم رائعة، إذ ضحت أختاك بالتعليم، وخرجتا الى العمل لمساعدة الأسرة، أما أنت فتعلمت وحصلت على مؤهل متوسط، والتحقت بعمل حكومي، استقررت فيه، وراعيت أخوتك الباقين حتى تعلموا وتزوجوا، لكنهم لم يصنعوا صنيعك أنت وأختيك، وعرفوا طريق الأنانية المقيتة، ورفضوا أن يواصلوا الدور الإنسانى النبيل الذى لو استمررتم فيه الى الآن لكان لحياتكم شأن آخر، فسلوكهم هذا وانصرافهم الى أنفسهم كان هو نقطة البداية لما آلت إليه أحوالكم من تفكك وحقد وصلف يستحيل معها أن تهدأ النفوس، ويستتب الاستقرار بين أبناء العائلة، وربما تنعكس تصرفاتهم معا على رؤيتهم للآخرين، فيحسدوهم على ما هم فيه من نعمة السعادة وراحة البال، وهذا هو ما حدث بالفعل لك ولأخوتك، فما أن ينظر الواحد منكم الى آخر يعيش حياة تبدو مستقرة، حتى يحدث له مكروه.. وربما أنك وأخوتك لا تقصدون الحسد، وأن رد الفعل يكون تلقائيا بتأثير ما عايشتموه من حرمان وتفكك بأيديكم، لكن الأمر فى النهاية يندرج تحت الحسد، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانا»، وقال أيضا: «الإيمان والحسد لا يجتمعان فى قلب عبد»، والحسد له تفسير علمى بأنه موجات طاقة سالبة تخرج من الحاسد عند تركيز نظره أو فكره على شيء ما أو شخص ما، وتصيب هذه الموجات المحسود، فتؤدى به الى أعراض مرضية أو وقوع مكروه له، أو كسر بعض الأشياء وغير ذلك من الأشياء الواقعة فى حياتنا، وتسمى هذه الطاقة السالبة بـ«العين الثالثة»، وهى مركز تجميع وخروج تلك الطاقة، وتقع فى وسط مقدمة الجبهة تجاه الشيء أو الفرد المحسود، وتؤثر سلبيا فى الطاقة الكونية المحيطة به، أو ما يسمى الهالة أو الحقل الكهرومغناطيسي، وتنتج عن ذلك أعراض مرضية نسميها «الحسد».

وهناك نصيب وافر من الحكم والأمثال العربية التى تتصل بالمفهوم الغيبى للحسد، ومنها «العين صابتنى ورب العرش نجاني»، و«عين الحسود فيها عود»، و«الحسود لا يسود»، وتنبغى الإشارة الى أن مجرد اعتقاد الإنسان بشيء سواء كان صحيحا أو خطأ يطبع أثره على نفسه، فإذا اعتقد أن الناظر إليه يرمقه بعين الحسد وأن لهذه النظرة تأثيرا سلبيا عليه، فإن هذا الاعتقاد كاف لإحداث الأثر السلبى المتوقع، حتى لو كانت نظرته بريئة، وقد يصيب الإنسان غيره بالعين وهو لا يقصد، فأحيانا لا يتمنى العائن زوال النعمة عن الشخص الذى نظر إليه أو الى شيء يملكه، بقدر اعجابه بهذا الشيء وحبه لتملكه، ولتفادى النتيجة السلبية، فإن على المرء اذا رأى شيئآ أعجبه لدى الآخرين، أن يتذكر الله، وأن يدعو لهم بالبركة وأن يقول ما شاء الله، حيث يقول تعالى فى كتابه الكريم «ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا».

وعن الحسد قال النووى «ويستحب للعائن أن يدعو للمعين بالبركة فيقول «اللهم بارك فيه ولا تضره»، فلا شك أن ذكر الله سبب للبركة وكثرة الخير، وزوال النقم وحلول النعم، وقد أمرنا عز وجل بالاستعاذة من العائن بقوله «ومن شر حاسد اذا حسد»، وعلى الحاسد أن يقمع أسباب الحسد فى داخله، فينظر الى من هم أقل منه فى أمور الدنيا حيث قال رسول الله «انظروا الى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا الى من هو فوقكم، فالأجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم»، ومن هنا فإن الأمر بيديك يا سيدتى بأن تحمدى الله على ما أنت فيه، فلديك من النعم ما لم يتوافر للكثيرات، وكل إنسان لديه من المتاعب الكثير مما يجهله الآخرون، لكنه لا يذيع أسراره، ويرضى بما قسمه الله له، وقد بات عليك وأنت فى سن الجلال والاحترام أن تعيدى النظر فى فلسفتك فى الحياة، وأن تمدى جسور الصلة مع أبنائك، وتستمعوا جميعا الى صوت العقل والحكمة فيلتئم شمل العائلة مع أخوتك، وابنتيك، ولتعلم ابنتك الصغرى أن كنوز الدنيا كلها لا تساوى الصحة والستر، وما أعظم أن يدعو الإنسان ربه بالصحة والستر وحسن الخاتمة، فهى تعيش فى رغد وسعادة مع زوجها، ولا ينقصها شيء، فلماذا تريد أن تأخذ منك نصيبا أكبر من أختها من أموالك وأنت على قيد الحياة؟.. إن المساواة واجبة عليك بين الاثنتين، واذا كانت احداهما تحتاج الى مساعدة فى المعيشة ببعض المال فيمكنك أن تساعديها فى مواجهة متطلبات الحياة، أما اذا كانت تبغى أن تأخذ شيئا من باب العناد والتعنت وتلجأ الى هذا الأسلوب فلا تعطيها أكثر من أختها، وفى كل الأحوال فإن النهج الذى تتبعه معك أنت واختها الكبري، غير مقبول تماما، ويجب أن تعى ذلك جيدا، وعليها أن تتقى الله فى زوجها الذى أراه رجلا فاضلا لم يسئ إليها، فلا أقل من أن تقدره، وتنزله منزلته اللائقة به، فهو نعمة كبرى من الله، ولن تعرف قدره وقيمته إلا اذا رحل عن الدنيا وهى على قيد الحياة.

إن الميزان السليم للأمور يريح المرء ويجعله دائما فى رضى وقناعة، وأحسب أن الطريق مفتوح أمامكم جميعا للم الشمل، ومد جسور الحب والتعاون والمودة، والعيش مع الآخرين فى هدوء وطمأنينة، وبذلك تعم السعادة ويتحقق الوئام، والله المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أكرم عبد القوي
__________
__________
أكرم عبد القوي

ذكر
العمر : 57
عدد الرسائل : 23180
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 Profes10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 3011
نقاط : 37123
ترشيحات : 136
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 411

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 I_icon_minitime13/11/2015, 01:07

بريد الجمعة يكتبه : أحـمــد البــــــرى
الحب المستحيل!


بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 2015-635829613265154654-515

أنا واحدة ممن يطلقون عليهم «المعاقين» أو «ذوى الاحتياجات الخاصة»،
عمرى ثمانية وعشرون عاما، وقد نشأت بأسوان فى أسرة بسيطة لأب يعمل موظفا فى السجل المدني، وأم ربة بيت كرست حياتها لتربية أولادها الخمسة، ثلاثة أولاد وبنتان، وأنا ترتيبى الثالثة بينهم، وولدت معاقة تماماً مثل شقيقى الأكبر الذى لم يطل به الوقت، ومات بعد فترة قصيرة من ولادته، ولما جئت إلى الدنيا ظنوا جميعاً أننى سألحق به، فساقاي، وذراعاى ملتوية، وتركيبة جسمى لا تساعدنى على النمو بشكل طبيعي، أما وجهى وعقلى ولساني، فلا تختلف عن الفتاة العادية، وظلوا يترقبون حالتي، وأنا أكبر مع الأيام، فسلموا أمرهم بأننى سأحيا على هذا الوضع إلى أن يأتى أجلى المحتوم، وأحسست بأننى عالة على الجميع، وأن ليلى كنهاري، لا أغادر المنزل، وأنتظر من يأتينى بالطعام والشراب، أو يساعدنى على قضاء الحاجة.. شعور مؤلم وصعب لأى إنسان يتعرض لهذه المحنة، وليس بيده حيلة، والحقيقة أن أبى وأمى لم يقصرا معى فى أى شيء، وحملانى كثيراً إلى المستشفيات والأطباء عسى أن يجدا وسيلة لتحسين حالتي، وأجريت عدة جراحات فى ذراعىّ، فأصبحت أحركهما بصعوبة وشيئا فشيئا تحسنت حالتهما بدرجة متوسطة، ورفضت «الاستسلام»، وأصررت على تعلم القراءة والكتابة، فالتحقت بفصول «محو الأمية» القريبة من المنزل وتمكنت من الحصول على الشهادة خلال فترة وجيزة، وأصبحت أقرأ الصحف، والكتب، حينما يخرج الجميع ويتركوننى وحدي، وكبرت، وتزايدت أحلامي، ولكن كيف لمثلى أن تحلم كغيرها من البنات.. فكل من حولى استغربوا أن أتطلع إلى حياة طبيعية وأنا على هذه الحال، لكن إيمانى بالله ويقينى فى أننى لست أقل منهم ذكاء ولا قدرة على التفكير، وأتمتع بشخصية مرحة، ولا أعرف اليأس.. هذه العوامل جعلتنى أفكر بطريقة أخري، وأتحدى الاعاقة الجسدية، فأنشأت حسابا على «الفيس بوك»، وراسلت العديد من الأطباء المشهورين فى جراحة العظام. واستجاب لى أحدهم بإجراء جراحة جديدة فى ذراعىّ طلبا لمزيد من التحسن فيهما، وطلبت من أبوى أن أنتقل إلى القاهرة لبعض الوقت، وأقيم لدى أختى المتزوجة من رجل يعمل حارساً بإحدى العمارات، فرفض أبى فى البداية الفكرة من أساسها، وقال لى إنه فعل المستحيل من أجلي، ولن يكون مطمئنا عليّ فى العاصمة حيث يوجد عالم لم أتعود عليه، ولا يناسبنى بأى حال من الأحوال، فبكيت بين يديه كثيراً، ورجوته أن يساعدنى فى تلبية طلبى عسى الله أن يكتب لى الشفاء وأمام إصرارى اصطحبنى إلى القاهرة، وقال لزوج أختى أننى سأنزل عليهم ضيفة إلى حين إجراء الفحوص الطبية، وإجراء مايلزم لى من جراحات، ورحبت أختى بي، بينما تحفظ زوجها على أحلامى التى رآها سراباً، بل وقال لى «بلاش أحلامك تروح بعيد، علشان ماتتعبيش نفسيا»، ولم ألتفت لكلامه فلقد جئت من أجل العلاج، فإذا كان لى نصيب فيه، فسوف تتحسن حالتى الجسدية، وإن لم ينجح فيكفينى إننى حاولت وطرقت كل الأبواب، وبعد أيام زرت الطبيب، والحقيقة أننى وجدته كما تخيلته بأخلاقه النبيلة، وشهامته، فأجرى لى الجراحة، وزاد تحسن ذراعىّ.

وكانت جلستى المفضلة بجوار أختى أمام باب العمارة التى يعمل زوجها حارساً لها، حيث أرى الناس يتحركون فى كل اتجاه، وأعايش زحام السيارات، وأشاهد طلبة وطالبات الجامعة المواجهة للعمارة، وقد علت الفرحة وجوههم، ودار فى ذهنى السؤال الذى راودنى كثيرا: هل من الممكن أن أكون عروساً فى يوم من الأيام؟.. وهل أجد من يحبنى وأنا بهذه الحال؟.. بالطبع لا.. إنه «الحب المستحيل» لمن تعانى ظروفي، فلا يعقل أن يغامر أى شاب حتى ولو كان مثلى من ذوى الاحتياجات الخاصة بالارتباط بفتاة لا تستطيع النهوض من مكانها أو «قعيدة» بمعنى أصح؟.. وكنت ألمح نظرات الحزن والأسى فى عينى أختى وهى تحاول أن تخفى دموعها عني، كلما حدثتها عن الحب والزواج، وإذا فاتحتها فى أمر من هذه الأمور تغير الموضوع حتى لا تحرجنى بكلمة، أو تلفت نظرى إلى أشياء أخرى، فأتجاهل سؤالى إليها، وأكتم أحاسيسى التى لا يشعر بها غيرى!

وذات يوم مر أمامنا شاب، وفى أثناء عبوره الطريق وقع نظره عليّ، وعندما انتقل الى الجهة الأخرى وقف مكانه، وأطال النظر إلىّ، واستغربت ذلك، وقلت لأختي، إنه يركز عينيه عليّ، فماذا يريد مني؟.. وهل شكلى عجيب لهذه الدرجة حتى يفعل ذلك؟.. فطلبت أختى منى أن أتجاهله، وقالت: «هناك كتير من النوعية دي»، وبعدها غاب عدة ساعات، وفى طريق عودته، كرر الوقفة نفسها، ثم عبر الطريق ناحية العمارة، وجاءنى ومد يده ببضعة جنيهات، فسألته، ماهذا؟ فقال «دى حاجة بسيطة علشانك»، فأفهمته أننى لا أقبل شيئاً من أحد، وأننى جئت من محافظتى لكى أتلقى العلاج، وليس التسول، فاندهش من ردى عليه، وجرأتى فى الحديث معه، واعتذر عما سببه لى من ضيق وحرج، فرددت عليه بأننى أحيى نبله وإنسانيته، وبأن هناك من تقبل صدقته، ودعوت له بالتوفيق، فانصرف الشاب ذاهباً إلى مقصده، ونسيت الموقف كله، فقد اعتدته من كثيرين حاولوا أن يقدموا لى المساعدة لكنى رفضتها ليس لأننى غنية أو مرتاحة مادياً، ولكن لأننى لا أريد شفقة من أحد، وحينما أتلقى مالا يكون مقابل عمل، وليس عن طريق التسول!

وفى اليوم التالى كرر الوقفة نفسها، فلم أجد بدا من أن أدخل إلى الحجرة التى تسكن فيها أختى حيث دفعتنى على الكرسى المتحرك إلى العمارة، وظللت بها إلى أن اختفى من المكان، وغاب يومين ثم جاء إليّ مباشرة، وقال لى إنه يريد أن يتزوجني، فتدخلت أختى على الفور وردت عليه بكلام حاد بأن ما يفكر فيه هو المستحيل بعينه، وقالت له «ابعد عن طريقنا» فأكد لها أنه يرغب فى الزواج مني، بحالتى الصحية، وأنه فى كامل وعيه، فنادت أختى على زوجها من مكان قريب كان موجودا به، وجلس الاثنان أمام العمارة بجوارنا، وقال له الشاب: إنه من عائلة معروفة فى سوهاج وأن له ثلاثة أشقاء «ولدان وبنت» وأنهم تلقوا جميعا تعليما عاليا، أما هو فقد حصل على دبلوم الطباعة، وعمل فى جهات عديدة، ويكسب الكثير، وأننى جذبته بشخصيتى وحضوري، وأنه يبحث عن الروح وليس الجسد، وترك لزوج أختى بحث الموضوع مع أبى وإخوتي، أما هو فقال إنه سيخبر أهله بما اعتزمه، فأما أبى فقد اعترض على هذه الزيجة مؤكدا أن الفشل هو مصيرها، وربما يشكل الزواج خطرا على حياتي، وأما أهله فرفضوا مناقشة الموضوع من أساسه، وقاطعوه ولم يثنه عن ارتباطه بى شيء، ووجدتنى أتمسك به، فهو هدية السماء لي، ودعوتى إلى الله بأن يمن عليّ بمن يكون سندا لى فى الحياة، نعم أنه الشخص الذى طالما راودنى فى أحلامى واعتبرته حبا مستحيلا، فإذا به واقع أعيشه، وقلت له: لنتزوج الآن وليكن مايكون، واصطحبنى إلى المأذون، وروى له حكايتنا، فابتسم، وسألنى: من وكيلك فطلبت منه أن يكون هو وكيلي، وأعطيته رقم هاتف أبي، فاتصل به وعرفه بأننى سأتزوج وأنه سيكون وكيلى فوافق أبى نزولا على رغبتي، وإن أبدى تحفظه على ما يمكن أن ألقاه من عقبات بعد ذلك، فحتى لحظة عقد الزواج، كان الجميع متخوفين من المصير الذى أسوق نفسى إليه، سواء من الناحية الصحية، أو المعيشية، وكانوا على يقين تام بأن زوجى هو الذى سيتخلى عنى بعد أن يفيق على الحقيقة المرة التى أحياها.

وبعد القران استأجر زوجى حجرة واحدة فى منزل بالجيزة، واشترى بوتاجازا مسطحا وغسالة وسريرا، وبعض الأدوات المنزلية، وعمل فى أحد المقاهى القريبة من المنزل لكى يكون بامكانه أن يتردد على المنزل للاطمئنان عليّ، إذ لا أستطيع الحركة من مكانى بمفردي، ومازلت أنتظر جراحات عديدة فى ساقىّ، وقد قسم الحجرة إلى عدة أقسام، قسم به السرير وعليه ستارة لكى أجلس عليه إذا جاءنا أحد ضيوفه وقسم للجلوس فيه وصنع الطعام، وقسم للأدوات المنزلية، وللغسيل وضع خاص إذ أجلس أمام الغسالة. وأحاول انتشال الملابس ووضعها فى أحد الأواني، ويأخذها هو لعصرها ونشرها.

ونحرص على الخروج كل عدة أيام للتنزه على النيل، وأحيانا لا يكون معنا مليم واحد، ومع ذلك يظن كل من يرانا أننا من الأغنياء، أما إذا أراد أحد المارة مساعدتنا، فنحن نرفض العطف علينا، وأذكر أن أحد الفضلاء أصر على تقديم مبلغ مالى لنا، قائلا إنه هدية، لكنى طلبت منه أن يقدر موقفنا، وأنه لو أراد أن يساعدنا، فليوفر عملا مناسبا لزوجي، فانصرف الرجل وهو يتمتم بكلمات الإعجاب والتقدير لنا، وأما أهلنا فى أسوان وسوهاج فهم منبهرون بنا، ولا يصدقون السعادة التى نعيشها بأقل القليل، برغم ظروفى الجسدية بالغة الصعوبة، وألمح فى عيونهم السؤال الذى لم ينطق به أحد: كيف يمكن أن تكون العلاقة الزوجية ناجحة وأنا بهذه الحال؟.. وأرد عليهم عبر بابك الشهير: بأنه لا شيء مستحيل فى هذه الدنيا، فبالإخلاص والعزيمة والاصرار تتحقق الأحلام، ويسعد الأزواج.. والله اننا نكن لبعضنا حبا لو وزع على عائلتينا لوسعهما، حبا فى كل همسة ولمسة، ولقاء، ظاهريا وداخليا، حبا دفعنا إلى مواصلة رحلة العلاج لاستعدال ساقى الضامرتين، بدلا من شكلهما «المكوّر».. يعنى مجرد تحسين فى الشكل ولكنه يعنى لى الكثير، وقد أجريت لى جراحة فى إحداهما ومازالت موضوعة فى «جبس خاص» يناسب وضعى الصحي، وسوف تليها فيما بعد جراحة فى الساق الأخري، وتمضى بنا الأيام هادئة وجميلة.

أما المفاجأة التى دفعتنى إلى أن أكتب إليك هذه الرسالة، فهى إننى حامل!!.. ما شاء الله.. فلقد زرت الطبيب لإحساسى ببعض الأعراض التى ظننت أنها وعكة صحية، فإذا بالطبيب يجرى لى تحاليل الحمل، ويبشرنى والابتسامة تعلو جبهته «مبروك.. إنت حامل».. فتعجبت كيف لمثلى أن تحمل، وهى بهذا الوضع؟.. وكيف ستكون حالها فى شهور الحمل ثم الوضع؟.. لكنى تراجعت على الفور فهى إرادة الله الذى إذا أراد شيئا، فإنه يقول له: كن فيكون.. ونظرت إلى زوجى فإذا بالدموع تترقرق فى عينيه وأخذ يقول بصوت عال: الحمد لله.. الحمد لله. وعرف المرضى فى العيادة بأمري، واختلطت الابتسامات بالدموع فى مشهد أعجز عن وصفه، وقد لا يصدقه الكثيرون، لكنها الحقيقة التى أعيشها الآن مع زوجى وتوأم روحى الذى لولاه لما أصبحت زوجة، وفى طريقى لأن أصبح أما.. ولعل فرحتى وسعادتى التى دوت فى المنطقة التى نسكن فيها تكون قد وصلت إلى الجميع فى محافظتينا، فيشاركوننا أيامنا السعيدة، ويؤمنون بأن فى الحياة جوانب مشرقة وبأيدينا أن نستثمرها فنطمئن ويرتاح بالنا، أو أن نهملها فنشقى وننتظر الموت، وأجدنى أردد مقولتك الشهيرة «هناك أمل ما دمنا على قيد الحياة» وليتنا جميعا ننبذ الإحباط ونتطلع إلى فجر جديد، ونعى أنه بالفعل «لا يأس مع الحياة» ولكم منا التحية والسلام.



ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

ما أروع صنيعك حين تحديت ظروفك الجسدية، وأصررت على محو أميتك، وأقبلت على القراءة والكتابة، والتواصل مع الآخرين عبر الإنترنت، ثم لجوئك إلى الأطباء المتخصصين طلبا لتحسين حالتك، وسعيا إلى القدرة على تحريك ذراعيك، وأملا فى تحريك قدميك فيما بعد، حتى وإن استحال وقوفك عليهما، وما أعظم ما تتصفين به من طيبة النفس، والرضا بما قسمه الله لك، والصبر على الشدائد التى واجهتها، ورفضك الاستسلام لما أملته عليك الحالة الجسدية التى ولدت عليها، فلقد وهبك الخالق عز وجل عقلا راجحا، وقوة شخصية لا تتوافران للكثيرين من الأصحاء، وكانا مفتاح الحياة بالنسبة لك، وهما ما جذبا إليك فتاك الذى وهبه الله هو الآخر القدرة على استشراف معادن الناس بمجرد النظر إليهم، فما أن وقع بصره عليك حتى أحس على الفور أنك «الملاك» الذى أهداه الله إليه، ليكمل معه مشوار الحياة.. إذ نظر الى صفاء وجهك، وابتسامتك الطبيعية الحانية ليس له وإنما لكل من حولك، ولما تحدث معك تأكد له احساسه بأنك النصف الآخر الذى يدخره الله له، وبالرغم من عدم وجود تجارب عاطفية فى حياته من قبل، فإنه أيقن أنك تختلفين عن سائر من رآهن أو تعرف عليهن، فجمال الشكل والجسد لا يكفى لإقامة زيجة ناجحة، حيث أنه بمرور الوقت تظهر علامات الزمن، ويتلاشى الجمال، وتبقى الروح.. نعم إن حسن المعاشرة هو الذى يدوم، واذا لم تكن العلاقة الزوجية قائمة على أسس راسخة من الإيثار والحب والتعاون، فلن تستمر، ولو أوتيت المرأة جمال الدنيا كلها، ولو أوتى الرجل كنوز قارون، فالسعادة تتعلق بالأرواح وليس بالأجساد.

والإنسان العاقل عندما يجد نصفه الثاني، يشعر أنه خلق من جديد، وتتغير نظرته الى الأشياء، ويتبدل إحساسه بها، فيحب كل من حوله، ولا يعرف الكره، ولا تجد الضغينة طريقا إليه، وليس حب زوجك لك من باب الشفقة، لأنه لا يتولد حب عن هذا الطريق، فالشفقة لها وجوهها التى تتمثل فى المساعدة والمؤازرة، ولكن لا يمكن أن ينجح بها الزواج. أو يتم بناء أسرة سعيدة ومستقرة، ولذلك لم يكن لتخوف عائلتيكما ما يبرره، وكل ما فى الأمر أنهم فكروا فى واقعك الجسدي، ولم ينظروا الى حبكما الروحى والعقلى الذى تحدى الصعاب، فتحقق لكما ما كنتما تبغيانه من سعادة واستقرار.

إن هناك لحظات فى حياة كل امرأة تحس فيها بالحاجة الى رجل لكى تحبه بكل جوارحها، وقد عشت هذه اللحظات فى «لقاء المصادفة» الذى ساقته إليك الأقدار لكى تلتقى بمن ملك حياتك بالحب الذى ظننته مستحيلا، وكان جمال روحك هو خيط الوصال بينكما، فأجمل امرأة هى التى تبدو كلمات الحب على شفتيها، وينطق بها لسان حالها، وليس الجمال بمقاييسه المتعارف عليها، ولذلك فإننى أتحفظ على كل فتاة من ذوى الاحتياجات الخاصة تمنع نفسها عن الحب، ولكنها تحلم به ضمنيا وفى خيالها، وأنت نموذج رائع لمن تمردت على هذه الرؤية القاصرة، فلم تمنعى نفسك من الحب، وأبحت به لمن رأى فيك فتاة أحلامه، ولعل صنيعه معك يكون دافعا للشباب الذين يجدون فتيات أحلامهم بين «المعاقات» لكنهم يخجلون من البوح بما تكنه نفوسهم خوفا من رفض المجتمع المحيط بهم، فالإنسان العاقل هو الذى يزن الأمور بمقاييسه هو لا بمقاييس أهله، وتبقى مشورتهم هى نقطة الترجيح فى الأمور التى لم يحسمها بعد، أما اذا عزم على شيء ودرس أبعاده فليكمل مشواره فيه معتمدا على إمكاناته وعزيمته ومتوكلا على الله بعد أن يؤدى كل ما عليه.

ولقد أعجبنى فيكما أنكما لم تحطمكما التوافه، فكم من أناس همهم ملء البطون، وإقامة الدور والقصور، ولم تنظر أبصارهم الى سماء المثل، ولم يتطلعوا الى نجوم الفضائل، فهم كل منهم ومبلغ علمه الطعام والشراب والملابس والسيارات وخلافه.. انظرى الى أعداد هائلة من الناس تجدين أن أسباب تعاستهم تنحصر فى خلافات مع الزوجات أو الأبناء، أو الأقارب، أو سماع كلمة نابية، أو موقف تافه فيقيمون الدنيا ولا يقعدونها، تجديهم مهمومين لهذه الأسباب، وليس عندهم من المقاصد العليا ما يشغلهم، ولا من الاهتمامات المفيدة ما يملأ أوقاتهم.. ولهذا وذاك أقول: اجعل لكل شيء حدا معقولا، وأصدق من ذلك قوله تعالى «قد جعل الله لكل شيء قدرا»، فأعط القضية حجمها ووزنها وقدرها وإياك والغلو فيها، وعليك أن تقنع بما قسمه الله لك من مال وولد وسكن وموهبة، وهذا منطق القرآن الكريم «فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين»، واذا استعدنا سير العظماء نجد أن أغلب العلماء كانوا فقراء، ومع ذلك أسعدوا أنفسهم، ونشروا السعادة فى الإنسانية، لأنهم وجهوا ما آتاهم الله من خير فى سبيله الصحيح، فبارك الله لهم فى كل شيء، ولذلك فإنى على يقين من أن ينابيع الخير والسعادة سوف تتفجر فى بيتكما الصغير، وسوف يمن الله عليك بالشفاء، وستصبح صحتك أفضل بمواصلة العلاج، والعزيمة والإصرار على تحدى الصعاب، وأحسب أن زوجك بما عليه من خلق ودين وصفاء نفس، وعزيمة قادر على أن يواصل عطاءه من أجلك، ومن أجل ابنكما المنتظر الذى سيكون نقطة تحول مهمة فى حياتكما، فكل إنسان يرى الدنيا من خلال عمله، وفكره وبواعثه، فإذا كان العمل طيبا، والفكر نظيفا، والبواعث طاهرة، كان منظاره الذى يرى به الدنيا نقيا، ورأى الدنيا جميلة كما خلقت، واذا تغبّش منظاره، واسود زجاجه رأى كل شيء أسود مغبشا، فهناك نفوس تصنع من كل شيء شقاء، ونفوس تصنع منه سعادة، فهذه امرأة لا تقع عيناها إلا على الخطأ فتحيل البيت الى نكد لو أن أحد أبنائها أو زوجها كسر طبقا، أو عثرت على قطعة من الملابس ملقاة على الأرض، وهذا رجل ينغّص على نفسه ومن حوله حياتهم من كلمة يسمعها أو يؤولها تأويلا سيئا، أو من مال كان ينتظره ولم يحصل عليه!.. وأمثال هؤلاء لديهم القدرة على المبالغة فى الشر، فيجعلون من الحبة قبة، ولا تصفوا نفوسهم أبدا.

إن الحياة فن يتعلمه المرء، وخير له أن يبذل ما فى وسعه لتصفية نفسه، وزرع الحب فى حياته، من أن يتعب نفسه فى جمع المال، ويقاطع الآخرين.. وهذا هو ما أدركتماه بفطرتكما السليمة، وعرفتما أن الصعاب فى الحياة أمور نسبية، فكل شيء صعب جدا عند النفس الصغيرة جدا، ولا صعوبة على الإطلاق عند النفس العظيمة التى تزداد عظمة بمغالبة الصعاب، ولا شيء أقتل للنفس من شعورها بصغر شأنها، وقلة قيمتها، وأنه لا يمكن أن يصدر عنها عمل عظيم، فالشعور بالضعة يفقد الإنسان الثقة بنفسه والإيمان بقوتها، فإذا أقدم على عمل ارتاب فى مقدرته وفى إمكان نجاحه، وعالجه بفتور فإنه يفشل فيه.. ومن هذا المنطلق أرى أن ثقتكما بنفسيكما فضيلة كبرى عمادها النجاح فى الحياة، وإننى أرجو من أبناء عائلتيكما أن يشدوا من أزركما بعد أن تأكدوا من حبكما الكبير، وإصراركما على إثبات هذا الحب على هذا النحو الرائع، الذى هو واقع يتحاكى به الجميع، وليس «الحب المستحيل» الذى كانوا يتصورون فشله، أسأل الله أن يديم عليكما السعادة، وأرجو أن تتفضلا بزيارتى وسوف تتولى عيادة بريد الأهرام متابعة حملك واستكمال مشوارك مع العلاج.. والله المستعان
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
moon14
عضو محترف
عضو محترف
moon14

انثى
عدد الرسائل : 485
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 Profes10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 8010
نقاط : 6978
ترشيحات : 0
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 I_icon_minitime21/11/2015, 17:20

بريد الجمعة يكتبه : أحـمــد البــــرى
الصراع المرير !



بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 2015-635835694591542298-154

أنا سيدة فى سن الخامسة والأربعين، مررت بتجارب واختبارات عديدة فى الحياة، وقد تغلبت عليها بالعزيمة والصبر، ولم يعرف اليأس طريقاً إليّ، ولكن وجدتنى عاجزة عن مواجهة العقبة الكؤود التى أحالت حياة أسرتى كلها إلى جحيم، وأروى لك حكايتى منذ البداية، فلقد نشأت فى أسرة مستقرة بالقاهرة.
ولى شقيق واحد، ووهبنى الله جمال الشكل والروح، فكنت محط أنظار الجميع منذ صغرى، وتقدم لى الكثيرون وأنا فى سن السادسة عشرة، وبالطبع رفضهم أبى واحداً بعد الآخر، بحجة واحدة هى أننى سوف أكمل تعليمى، ولكن بعد مرور عام واحد فقط زارنا عمى الأكبر ومعه ابنه الذى يكبرنى بخمسة عشر عاماً ويعمل مديراً بأحد الفنادق وقال لأبى إنه يريدنى له، وأننى سوف أكمل تعليمى بعد الزواج، وسيوفر لى ابن عمى كل سبل الراحة التى تنشدها كل فتاة بعد الزواج، فوافق أبى، ونادانى وجلس معى فى حجرة الصالون، ومعه أمى وشرحا لى مادار بينهما وبين عمى وابنه وبكيت كثيراً، ورجوتهما أن يتركانى لاستكمال تعليمى مثل كل البنات، وهنا خرج أبى، وظلت أمى معي، وسألتنى: ألا تشعرين براحة لابن عمك؟، فرددت عليها بأننى لم أفكر فى هذا الأمر، ولم يخطر على بالى أننى سأتزوج منه، وبعد عدة زيارات أصبح ارتباطنا أمراً واقعاً، وتزوجته وحولت أوراقى فى المدرسة إلى «النظام المنزلى».

وأقبلت على حياتى الزوجية برغبة فى الاستقرار، وحاولت تقريب المسافات معه.. صحيح أنه ابن عمي، ولكن فارق السن مع طبيعة عمله التى تقتضى منه قضاء أوقات طويلة فيه، كانا من الممكن أن يسببا خلافات مستمرة بيننا، لكنى استوعبت الأمر، ونجحت إلى حد كبير فى أن تمضى بنا الحياة دون أن يشعر أحد بأننا مختلفان فى شىء. وساعدتنى على ذلك طبيعتى الهادئة، وحملت فى ابنى الأكبر، وظللت الفرحة بيتنا، وكان يوم مولده عيدا احتفلت به عائلتانا، وزاد ارتباطى بزوجي، وتفانيت فى إرضائه، ومرت سنوات جميلة أتممت خلالها المرحلة الثانوية. وألتحقت بكلية نظرية بنظام الانتساب، ثم توفى أبى بعد مرض قصير، وساءت حالتى النفسية برحيله، فلقد كان ملاذى الوحيد عندما تصادفنى عقبات أو تعصف بى رياح الحياة، أو تحدث مشكلة مع زوجى.. وكانت الكلمة الواحدة منه تكفى لإذابة أى خلافات بيننا، أما أمى فساءت حالتها تماماً، وصارت شاردة الذهن، لا تحدث أحداً، وانعزلت عن الآخرين، ولم تفلح جهودى لإعادتها إلى طبيعتها، وماهى إلا شهور معدودة حتى رحلت هى الأخرى عن الحياة، واسودت الدنيا فى عينىّ، ولم يعد لى ملاذ ألجأ إليه وقت الشدة، فحتى شقيقى الوحيد أخذ الشقة، وتزوج فيها، وقطع كل صلة له بنا، فأغلقت بابى على نفسى وركزت حياتى فى تربية ابنى، وقد حملت فى ابنتى الثانية، ورجوت زوجى أن يخصص لنا وقتا أكبر نقضيه معا، لأننى أفتقده كما أريد أن ينشأ أبناؤنا فى أسرة مستقرة بين أبوين متحابين، وأكدت له أننى أحبه، وأتلهف شوقا إليه كلما غاب عن ناظري، وتصورت أنه يبادلنى الأحاسيس والمشاعر نفسها، ولكنى تعرضت لصدمة شديدة، إذ أكتشفت أنه يدخن مواد مخدرة، ولم يخجل من أن يتعاطاها فى المنزل أمامنا، فصرخت فيه وإستنكرت أن يكون بهذا السلوك الذى لا يأتيه إلا البلطجية والمنحرفون، لكنه لم يعبأ بصرخاتى، ولا بتوسلاتى إليه أن يبتعد عن هذا الطريق، بل وكانت الطامة الكبرى أنه متعدد العلاقات النسائية، وتربطه علاقة آثمة بأعز صديقة لي، ولم يستطع إنكار أفعاله المشينة معها، فلقد ساقتنى الأقدار إلى رؤيتهما معا فى وضع مخل مازال عالقاً بذهني، وتحولت إلى انسانة أخري، وتفجر بركان الغضب بداخلي، وطلبت الطلاق، فرفض، وتركنى وخرج من المنزل. فهو لا يسمع الكلام، ولا يعرف الحوار، ولا يفكر إلا فى نفسه.

ومر يومان دون كلمة واحدة بيننا، ثم أبلغنى باقتضاب أننا سوف نسافر إلى إحدى دول الخليج، فحمدت الله ورجوته سبحانه وتعالى أن يهدى زوجي، فيبتعد عن طريق الحرام، وسافرنا خلال شهور، والحق أنه تغير فى الخارج تماماً، فالتزم بأداء الصلوات فى أوقاتها، وتوقف عن تدخين المخدرات، وهى بطبيعة الحال غير متوافرة فى هذا البلد، ومن يثبت تعاطيه لها، يتعرض للمساءلة القانونية ويوقع عليه عقاب رادع، وأنجبت ابنتى الثالثة، وقضينا أربع سنوات، بلا مشاكل، ولم يكن هناك ماينغص حياتى سوى استعادة ذاكرتى مشاهد الخيانة والمخدرات، وعندما عدنا إلى مصر، توجست خيفة أن يعود إلى سيرته الأولى، وقد حدث ما خشيت منه، وزاد فى عناده فأصبح يتعاطاها علنا على مرأى منا، وحاولت إبعاد ابنائى عن هذا الطريق، فألحقتهم بمدارس دولية، وعملت على تربيتهم تربية دينية سليمة، واستعنت بشيخ لتحفيظهم القرآن الكريم على مدار السنة كلها سواء فى أيام الدراسة، أو الاجازة الصيفية، وعشت صراعا مريرا مع زوجى، وامتنعت عنه، وخيرته بينى وبين من يرتبط معهن بعلاقات آثمة، لكنه رفض تطليقى للحفاظ على صورته العامة من جهة، ولكى ينشأ الأولاد بيننا من جهة أخرى، مع أنه لا يعيرهم أدنى اهتمام، وقد فكرت فى الخلع منه، ووجدتنى إن فعلت ذلك سوف أجنى على أبنائى، وإذا خرجت من المنزل لن أجد مكانا يؤوينى بعد أن استقل شقيقى بشقة أبى، ثم من أين سأنفق على الأولاد إذا أخذتهم رغما عن زوجى، وبحثت عن مكان آخر؟.

وتحديت نفسى من جديد، وواصلت مشوارى معهم، وكل همى أن يحصلوا على شهاداتهم وأن يصلوا إلى بر الأمان، ويصبح لكل منهم بيت وأسرة مستقلة، وتفوق إبنى الأكبر فى الثانوية العامة، وحصل على مجموع أهله لاحدى كليات القمة فى جامعة اقليمية، وكان عليه أن يقضى السنة الاعدادية فيها ثم يتم تحويله إلى جامعة بالقاهرة فى العام التالي، وفقا للقواعد المعمول بها فى تنسيق القبول بالجامعات، فناقشت الأمر مع والده، وسافر ابننا إلى المحافظة التى تقع بها الكلية، واستأجر سكنا مع عدد من زملائه وكان يحضر الينا يوم الأجازة الأسبوعية، ومضت الأمور عادية، وفى العام التالى التحق بالصف الأول بجامعة تقع فى محيط سكننا لكنه رسب، وشككت فى الأمر فتتبعت خطواته، وإذا بى اكتشف أنه يتعاطى المخدرات، فصرخت فيه: «ابعد عن الطريق ده» وأخذت أردد على مسامعه المخاطر التى سوف يتعرض لها، لكنه لم يعبأ بتحذيراتى، ولم يعر كلام والده له أى اهتمام، بل رد عليه قائلا «بعمل زى ما حضرتك بتعمل» فنزلت هذه الكلمات على والده كالصاعقة، وأحس بآخطاء السنين، وقال لى ان الزمن لو عاد به إلى الوراء لما صنع ما ارتكبه من آثام وموبقات، ولازمته الدموع فى كل الأوقات، وتاب إلى الله توبة صادقة، وأقلع نهائيا عن طريق السوء، أما إبنى فقد انطوى على نفسه تماما، وامتنع عن الذهاب إلى الكلية، فأخذناه إلى طبيب نفسى، فجلس معه، وتردد عليه كثيرا، لكن شيئا لم يتغير، وحرصنا على معالجة الأمر بهدوء خشية أن تصيبه انتكاسة صحية، لكن حالته أخذت منحنى خطيرا، إذ أعطاه الطبيب دواء لعلاج الاكتئاب، إلى جانب أدوية أخري، فتدهورت حالته النفسية، وأصيب بمرض «الفصام» ، وصارت تصرفاته غير طبيعية، وأسلوبه وكلامه غير منطقي، وأصبح فى حاجة إلى دخول مصحة للعلاج النفسي!

وعشنا موقفا عصيبا، وأصابنا الذهول من قسوة ما آلت إليه حال ابننا، ونظرت إلى زوجى ، وجسمى كله يرتعش من هول «الصدمة»، فوجدته قد تسمر مكانه لثوان معدودة ثم سقط على الأرض أمام باب عيادة الطبيب، ونقلناه على الفور الى المستشفى القريب من العيادة، فأبلغنا طبيب الطوارئ بأنه فارق الحياة!! فأخذت أصرخ وأولول على حالى وضياع إبنى، ولم أجد أحدا بجانبي، فشقيقى الوحيد فى حاله، وأقاربى انشغل كل منهم بنفسه بعد أن باعدت الأيام بيننا، وعدت إلى البيت وأغلقت بابى على نفسي، ورضيت بما قسمه الله لي، وألحقت ابنتى بجامعة خاصة لأن مجموعها لم يؤهلها لدخول الكلية التى ترغب فيها عن طريق مكتب التنسيق وحصلت لأبنى على تأجيل الامتحان سنة بعد الأخرى، فالمرض النفسى هو الوحيد الذى من الممكن تأجيل الامتحان بسببه عدة سنوات، وأدخلته مصحة خاصة يتكلف العلاج بها الكثير، وكانت حالته تتحسن خلال وجوده بها، وعند خروجه منها تتدهور من جديد لمجرد تعاطيه جرعة واحدة من المخدرات التى أدمنها، وسألت كثيرين من الأطباء عن الأسباب التى تجعله أسيرا للمواد المخدرة إلى هذه الدرجة، فقالوا انه يعانى «حساسية المخدرات», بمعنى أنه لو تخلى عنها تماما سيصبح سليما معافى أما إذا تعاطاها مرة واحدة بعد العلاج، فكأن شيئا لم يكن ويعود إليها من جديد.

لقد مرت سبع سنوات وأنا على هذه الحال.. قلق بالليل وسعى بالنهار لدى الأطباء والمستشفيات حتى نفد كل ما لدينا من مال، وأصبح معروفا فى محيط جيراننا أنه مدمن، وعندما يتقدم عريس لخطبة أخته يخرج ولا يعود فور علمه بمرض إبني، وساءت حالتها الصحية، وتلازم الفراش وأخشى أن يصيبها هى الأخرى مكروه، إذ أخذ شعرها فى التساقط، ولم يفلح الأطباء فى وقف هذه الحالة التى احتاروا فى تفسيرها، أما الصغري، فلقد رسبت فى الثانوية العامة السنة الماضية لعدم وجود الجو المناسب للمذاكرة والدراسة، وتتدهور حالة ابنى من سيئ إلى أسوأ حيث يتعدى علينا جميعا بالضرب والسباب والاهانات، ويخرج من المنزل رغما عني، وأخشى على حياته، ولا أعرف وسيلة لكى يستكمل دراسته.. وإنى أسألك: هل هناك أمل فى أن ينتهى الصراع المرير الذى عشته ومازلت أعيشه مع الحياة إلى استعادة إبنى، وعلاج ابنتى فتعرف حياتنا طعم الاستقرار من جديد؟.. وما هو السبيل لذلك.. إننى لا أخاف الموت، بل إننى تمنيته كثيرا، وكل ما أطلبه من ربى هو أن يتعافى إبني، وتعود الطمأنينة إلى أولادى حتى أكون مرتاحة فى الدار الآخرة، والحمد لله رب العالمين.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

عندما يبدأ أى زوجين حياتهما يجب أن يضعا الأسس الراسخة لضمان مشاركة مستمرة بينهما فى كل ما يختص بأمور الحياة، ولا مجال للتنازل عن أوضاع يحسبها كلا الطرفين صغيرة، وهى ليست كذلك، فالتنازل يبدأ دائما بخطوة، وقد وافقت على الزواج من إبن عمك برغم عدم ميلك العاطفى إليه، وفارق السن الكبير بينكما، وقد كان الواجب على أبيك أن يدع لك فرصة الاختيار كاملة لا أن يضغط عليك بزوج لا تهفو إليه نفسك، فالقرابة قد تكون لها تداعيات صحية خطيرة على الأولاد فيما بعد.

وليست هذه النقطة وحدها التى تجاهلها أهلك، وتنازلت أنت عنها، وانما تغاضيت أيضا عن إدمانه تدخين المواد المخدرة، وتعدد علاقاته النسائية، وكل الموبقات التى ارتكبها وانجرف إليها، وفضلت البقاء مع زوج مدمن خائن على طلب الطلاق، وحتى التصرفات الإيجابية حياله لم تقدرى عليها فلقد كان بإمكانك أن تهدديه بإبلاغ أهله وأهلك اذا استمر فى تعاطى المخدرات حتى وإن لم تتحول حالته الى درجة الادمان، لكنك استسلمت استسلام اليائس القانط على أمل أن يتغير وحده، وفاتك أن الطباع والعادات قلما تتغير، وأنك وزوجك لا تملكان إرادة حديدية لمواجهة هذه الأزمة فهو لا يريد أن يقلع عنها، وأنت عاجزة عن اتخاذ قرار حاسم يرده الى صوابه، أو أن تنفصلى عنه، أما أنه رفض تطليقك، وفى الوقت نفسه ليس لك مكان تذهبين إليه بعد أن استأثر أخوك بشقة الأسرة، فهذا ليس بالطبع سببا لاستمرار الحياة مع شخص لا يرجى شفاؤه وخلاصه من الآفات التى ساق إليها نفسه.

ولم تقتصر تداعيات أفعاله المحرمة عليه وحده، وإنما امتدت اليكم جميعا وما زلتم تتجرعون مرارتها بعد رحيله، فمن الواضح أنك تعيشين حالة اكتئاب شديدة نتيجة تراكم سلبياته داخلك، وهى واضحة فى حالة القلق المستمر والتوتر، والعصبية أحيانا، كما أن ابنك لم ير فى إدمانه شيئا خارجا عن المألوف، إذ رأى والده يدخن المخدرات، ففعل مثله وتمادى فى تعاطى أنواع عديدة منها، حتى وقع فى دائرة الإدمان، وهو لا يدرى .. نعم لجأ الى المخدرات بعد أن حرم من القدوة الصالحة فى شخصية الأب التى كان من الواجب أن يقدمها لأولاده بسلوكيات إيجابية والقيام بدوره الأبوى على أحسن حال، وهنا بحث عن القدوة بين من ليسوا أهلا لها، وكانت النتيجة هى ما وصل إليه من تدهور دراسى ونفسى نتيجة إدمان المخدرات.

ولقد فاتكما أن الشجار أمام الأبناء يترك بصماته على شخصياتهم، ولذلك يهربون من جو الأسرة المضطرب المشحون بالخوف والقلق والصراع وعدم الاستقرار، ويبحثون عن بديل يتقبلهم وينتمون اليه، فلجأ ابنك الى رفاق السوء الذين علموه العادات السيئة والسلوكيات المنحرفة، وأخشى اذا استمررت على ما أنت فيه من حالة الاضطراب واجترار الماضى بكل مآسيه أمام ابنتيك أن تدفعيهما الى الهلاك والضياع، وربما الاضطراب النفسى الذى ظهرت بوادره على ابنتك الكبرى، فى صورة المرض الذى ألم بها، وأحسبه ناتجا عن مشكلة نفسية نتيجة الجو الخانق الذى عاشت فيه، وكذلك ابنتك الصغرى وهى فى مرحلة المراهقة، والتى يجب عليك أن تنتبهى إليها.

ومن المهم أن نشير الى أن ما حدث لابنك، وما يتهدد ابنتيك الآن هو حالة التفكك الأسري، ولذلك أرى أن تمدى جسور الصلة مع الأقارب والأهل والمعارف وأنت بمعدنك الأصيل قادرة على ذلك، ولعل كل الأزواج والزوجات يدركون خطورة التفكك الأسرى وانجراف كل من الطرفين الى أهوائه الخاصة، وهناك عوامل عديدة تؤدى الى هذا التفكك منها اختلاف فلسفة الزوجين فى الحياة، وعدم استغلال فترة الخطبة فى وقوف كل منهما على أفكار الآخر، وآرائه فى طبيعة الحياة الزوجية ومدى استعداده للتكيف معها، وأيضا اختلاف الأفق الثقافى لهما، واختلافهما فى فهم المعايير المتعلقة بالدين والأخلاق وآداب السلوك والذوق العام، وطغيان شخصية أحدهما على الآخر بما يولد الكره بينهما، وانعدام العواطف الأسرية، فقد تفتر العاطفة، وتصبح حياتهما خالية من الحب والعطف، وفى النهاية تنهار العلاقة الزوجية فى أى صورة من الصور، وهنا يبحث كل طرف عن شريك له فى رغباته، ويحدث ما لا تحمد عقباه على نحو ما فعل زوجك الراحل قبل أن يتوب الله عليه، ويفيق من غيبوبته على يد ابنه الذى قال له «باعمل زى حضرتك ما بتعمل»، وهى عبارة قاسية أزالت الغشاوة عن عينيه، وأدرك وقتها أن أولاده سوف يصنعون صنيعه السيئ، وأن الأمر قد لا يقتصر على الولد، وربما قد يمتد الى البنتين فتكون الطامة الكبرى.

إنه درس ثمين أرجو أن يتعلمه كل المنفلتين والمنجرفين وراء ملذاتهم، وهو أن المرء كما يدين يدان، وأن ما يفعله اليوم سوف يتكرر غدا بصورة أو بأخرى مع أبنائه، وما أحلى وأجمل أن يسلك المرء الطريق القويم فلا يأتى الفواحش، ولا يقرب ما حرم الله سبحانه وتعالى، وهذه النصيحة للرجال والنساء على حد سواء، حتى يرضى عنا الله، ونعيش فى سلام ويتعمق الإيمان فى نفوسنا، وتسلم الأسر من التفكك والانهيار.

فليكن ما مضى واضحا لك فتحتوين أبناءك، ولا تذكرى أباهم أمامهم بسوء، أما عن حساسية ابنك للمخدرات وعدم جدوى علاجه على مدى السنوات السابقة، فإننا سوف نعرضه على أساتذة الطب النفسى المتخصصين لتحديد العلاج الأمثل له، حتى يتعافى ويعود الى دراسته من جديد، وهو الشاب المتفوق الذى لعبت أخطاؤكم الأسرية دورها الكبير فيما بلغه من تدهور نفسي.. وأما ابنتك الكبرى فإن حالتها قد تقتضى علاجا دوائيا، وسوف يقرر الأطباء ما سيتم بشأنها، وتبقى ابنتك الصغرى التى أرجو أن تلقى الاهتمام الكافى منك واننى استصرخ شقيقك أن يمد جسور الصلة معك من باب صلة الرحم، فهو المسئول عنك الآن بعد رحيل زوجك وأبيك، كما أهيب بعائلة زوجك الراحل، وأقاربك ألا يتركوكم فى محنتكم، فلاشك أن التآلف العائلى يزيل الاحتقان من النفوس، ويزرع فيها الحب والرحمة والمودة، وأرجو أن تتفضلى بزيارتى وليدبر الله أمرا كان مفعولا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حماده قرني صلاح
مراقب عام
مراقب عام
حماده قرني صلاح

ذكر
العمر : 37
عدد الرسائل : 8036
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 Engine10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 8010
نقاط : 19319
ترشيحات : 79
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 111110

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 I_icon_minitime27/11/2015, 16:13

الرجل الصابر

أكتب إليك هذه الرسالة بعد تردد دام سنوات على أمل أن تجد المشكلة التى أعرضها عليك حلا دون تدخل مني، ولكن السنوات مرت،
والوضع يسير من سيئ إلى أسوأ، والحكاية أن أخى وحبيبى البالغ من العمر الآن سبعا وستين عاما اختصه الله ليكون هو المسئول عن العائلة كلها من حيث الرعاية والاهتمام، ففى شبابه وعندما فكر فى الزواج أصيب والدى بالشلل، فأصبح قعيدا، وهنا قام برعايته خير رعاية مع والدتى وأختى الصغيرة، ثم رحل عن الحياة، وبعده أصيبت والدتى بالمرض نفسه فرعاها إلى أن لقيت وجه ربها، وتبعهما شقيق لنا، فأدى نحوه المهمة نفسها الى أن مات.. وأخيرا مرضت أختى أيضا بالشلل وهى غير متزوجة، ويتولى حاليا رعايتها فى كل شئون حياتها، وهى تقيم معه فى الشقة نفسها.. إنه لم يذق طعم الراحة فى حياته، علما بأننى الشقيقة الكبرى لهم ومتزوجة، وكنت أشارك بما أستطيع المشاركة به فى هذه الأعباء الجسام إلى أن كبرت سني، وأصبت بعدة أمراض، وشقيقى متدين ويتقى الله فى كل شيء، وقد حج عن نفسه وعن والده، وأدى العمرة عن شقيقه المتوفي، وأطلب من الله، ولا يكثر عليه عز وجل شىء، أن يجد سيدة فاضلة تتقى الله فيه وتتزوجه فى وجود شقيقته حتى يرعاها، ويحدونى الأمل فى أن اطمئن عليهما قبل رحيلى عن الحياة، والحمد لله رب العالمين.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

ما أروع صنيع شقيقك يا سيدتي، فلقد وهب نفسه لخدمة الآخرين، وتوالى عطاؤه لوالديه واخوته، ونسى حياته وملذاته، فلم يتزوج، وكرس وقته وماله لتخفيف آلام الأسرة كلها، وينطبق عليه قول الحق تبارك وتعالى «ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون»، فياله من رجل طيب آثر مساعدة أهله، ولم يشغله متاع الدنيا، ولقد كان بإمكانه أن يتزوج ويعيش بصورة طبيعية منذ البداية، وهناك من الفضليات من يصنعن صنيعه، ولو أراد الزواج لوجد العشرات منهن، والآن وبعد أن أبحت بهذه الرغبة التى أحسبك حدثته بشأنها، وحصلت على موافقة منه بها، فإن الباب مفتوح أمام من تريد أن تقدم عملا جليلا، لهذا الرجل الصابر، وسوف تجده عند الظن به، فمن قدم هذه الخدمات الجليلة لأسرته، سوف يكون زوجا صالحا يتقى الله فيها، وأرجو ممن ستكون لها نصيب معه أن تعلم أن الله سوف يؤجرها خير الجزاء على وقوفها بجانب هذا الرجل العظيم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حماده قرني صلاح
مراقب عام
مراقب عام
حماده قرني صلاح

ذكر
العمر : 37
عدد الرسائل : 8036
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 Engine10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 8010
نقاط : 19319
ترشيحات : 79
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 111110

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 I_icon_minitime27/11/2015, 16:15

بريد الجمعة يكتبه أحـمد البـرى
القفز على السلالم !




بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 2015-635841753552500328-250

مهما تبلغ قدرة المرء على التفكير واتخاذ القرارات الصائبة.
فإنه يجد نفسه أحيانا فى حاجة إلى من يشير عليه بما يمكن أن يتغلب به على مواجهة مشكلة تؤرقه ولا يرى سبيلاً إلى حلها، فأنا شاب فى سن الرابعة والثلاثين، نشأت فى أسرة متوسطة بإحدى مدن الصعيد لأب وأم قدما كل ما فى استطاعتهما حتى أصل أنا وإخوتى الخمسة الى مانحن عليه من تعليم، وحياة محافظة، قائمة على التمسك بالدين والأخلاق والأعراف والتقاليد، وترتيبى هو الأخير فى البنين وتلينى أختى الصغري، وغرس فينا والدانا القيم النبيلة والأخلاق الرفيعة، وحرصت منذ صغرى على أداء الصلوات وقراءة الكتب الدينية، وحبانى الله بطول الجسم والوسامة، والصوت العذب، وأتمتع بروح الدعابة، هذه هى بعض ملامحى الشخصية التى رأيت أن أذكرها فقد تكشف لك عن جوانب خفية عني، ويدخل فيها ماقاله المحيطون بى بأن لدى «كاريزما» يلمسها كل من يتعامل معي.

ولأننا أسرة بسيطة مكافحة، فإننى عملت منذ أن بلغت الحادية عشرة من عمري، وكذلك إخوتي، وقد توفى أبى ونحن صغار، فأخذ أخى الأكبر بناصية الأمور فى البيت، وكان ومازال نعم الأب لنا، ومضت حياتنا فى جو من الألفة والمحبة، وألتحقت بكلية نظرية، وجذبتنى فتاة تدرس معى فى الكلية نفسها، وعرفت أنها من المدينة التى أنتمى إليها، وأحببتها من طرف واحد ولم أبح لأحد بحبى لها، وأكتفيت بالنظر إليها، ولم أجرؤ على التقدم إليها، فأمها مادية من الدرجة الأولي، وأنا لا أملك ماسوف تطلبه منى الشقة والأثاث وخلافه إذا أقدمت على طلب يدها، وعشت صراعا داخليا شديد المرارة، بعد أن فقدت حبيبتى التى أحببتها حبا صامتاً بسبب ظروفى المادية الصعبة، وركزت جهدى فى البحث عن وظيفة، وعملت فى أحد الفنادق السياحية ولم يكن لى احتكاك مباشر بالسياح، وذات يوم قابلت فتاة من «لاتفيا»، وتصورتها فتاة أحلامي، وعشت هذا الأمل شهوراً، لكنها اختفت فجأة، وتركتنى أصارع نفسى لدرجة أننى كرهت وقتها كل مايتعلق بالموضوعات النسائية وعلاقات الحب.

ورآنى زميل لى عازفاً عن التعامل مع الآخرين، فدعانى إلى نزهة فى المناطق الطبيعية الخلابة، بالمدينة التى نعمل بها فخرجت معه، ووجدت بصحبته سيدة من دولة أوروبية غنية، وتعددت رحلاتنا معا، وعادت هذه السيدة إلى بلادها بعد انقضاء إجازتها، ومر عامان على وجودى فى الفندق الذى التحقت به، وانتقلت إلى فندق آخر جاءتنى فيه فرصة لوظيفة أكبر من الوظيفة التى كنت أشغلها، وظللت على صلة بصديقى حيث كنا نتبادل الاتصالات للاطمئنان على بعضنا، والدردشة فى أحوالنا، وفى أحد الأيام أخبرنى أن صديقته الأوروبية حضرت إلى مصر وتريد مقابلتي، فوعدته بالمجيء إليهم يوم الإجازة، وسرى فى داخلى إحساس بأن طلبها رؤيتى ليس عادياً، فلكل شيء سبب، إما يسبقه أو يتبعه، المهم أننى التقيت بها، وكان ظنى فى محله، إذ كانت بصحبتها صديقة لها، ماأن تراها حتى ينشرح قلبك لها، فهى جميلة الوجه والروح، وأكبر منى سنا، حيث كنت وقتها فى سن السادسة والعشرين، وهى فى الثامنة والثلاثين، وجمعتنا جلسة رائعة، وشعرت بإرتياح بالغ تجاهها، وطلبت منى أن نكرر اللقاء فى اليوم التالى فوعدتها بذلك، ولكن قبل أن تنتهى جلستنا حدث سوء تفاهم بين زميلى وصديقته، وانتهى اللقاء دون الاتفاق على الموعد الجديد، فلم أذهب للقائهم أو أعتذر، وفوجئت باتصال من صديقة زميلى تطلب منى ألا أخذل صديقتها التى سعت للقائي، وأن آتى إليها كما وعدتها، فنفذت ماأشارت عليّ به، وتعددت لقاءاتنا، ثم سافرت إلى بلادها، وعادت إلى مصر بعد شهور، وتوطدت صداقتنا على مدى عامين، وربطتنى بها علاقة نظيفة، ولم أرتكب إثما أو أفعل مايغضب الله، وكان ذلك مبعث ارتياح كبير لها، ودافعا إلى الزواج بي، وعرضت الأمر على أهلى فرفضوا فى البداية، ثم رأت أمى زوجتى فى المنام تدخل عليها، ومعها طفل، أما أنا فقد رأيت ذات ليلة أننى تزوجتها وأنجبت منها طفلاً، وكانت زوجتى فى هذا المنام تبدو وكأنها تبحث عن شيء مفقود، وقد هداها الله إلى الاسلام قبل زواجنا وأطلقت على نفسها اسم فاطمة الزهراء، وأتممنا عقد الزواج، وهى مطلقة ولديها طفلان أحببتهما وأحباني، وأعاننى الله على تربيتهما حتى أصبحت طباعهما قريبة من العادات والتقاليد الشرقية، وقد حملت زوجتى بعد ثلاثة أشهر من الزواج، وعشنا فى بلدها الأوروبي، والحق أنها ساعدتنى بكل ماتملك من طاقة، على دراسة لغتهم والحصول على دورات تدريبية فيها، واشترت لى كل احتياجاتى حتى الملابس، ومضت حياتنا على مايرام لفترة طويلة، ثم دب التوتر بيننا، إذ إنه لا توجد فى أوروبا علاقة صداقة بين الرجال بالمعنى المفهوم لدينا، حيث إن علاقاتهم محدودة فى إطار المكالمات والعمل فقط، أما الصداقة لديهم، فهى موجودة بين الرجال والنساء، والحقيقة أن معظم من تعرفت عليهم بحكم عملى من النساء، لكن زوجتى لم تقبل هذه الصداقات، ووجدتها غيورة جداً، فتثور لأتفه الأسباب، وذات يوم قرأت رسالة عادية ليست بها أى كلمات غير لائقة، أو تثير الشكوك، وقد بعثت بها إلى فتاة، فإذا بها تقيم الدنيا، ولما سألتها: هل فى هذه الرسالة ما يدل على خيانة من جانبي، فردت: لا.. فقلت لها: ثقى بنفسك، فقالت: إنها تغار عليّ، ثم أغلقت الهاتف برقم سري!، وتتبعتنى فى كل خطواتي، وأصبحت دائمة الأسئلة: من اتصل بك؟ وأين كنت؟.. ومن قابلت؟.. ومع انخراطى فى المجتمع الأوروبى تعددت لقاءاتى مع أناس كثيرين.. «نساء ورجال» فى مجموعات، ولكنها ما أن تعلم أن فلانة أو علانة فى هذا المكان حتى تبدى استياءها وضجرها، فتذهب إلى صفحتى على الفيس بوك، فإذا وجدت بها صديقة لى تقلب الأمور فى المنزل، ولما تمادت فى تصرفاتها على هذا النحو، ازددت عنادا لها، ولم أستجب لمحاولاتها قطع علاقاتى بالأخريات، فانهارت الثقة بيننا، ووجدتنى وحيدا ليس هناك من أتحدث معه أو يفهمني، فالمصريون والعرب فى هذا البلد لا يجتمعون إلا نادرا، وقد يكتفون بلقاء عابر فى المسجد كل شهر، وضاق الخناق عليّ بسبب شكوك زوجتي.

ودارت الأيام، وأنجبت زوجتى طفلا جميلا، ثم اكتشفنا أنه من ذوى الاحتياجات الخاصة، فحمدت الله الذى لا يحمد على مكروه سواه، إذ أؤمن بأن لكل شيء قدرا، وأن الإنسان لا يأخذ من الدنيا إلا نصيبه فيها، وزاد من راحتى النفسية ما يتمتع به هؤلاء الأطفال فى أوروبا من رعاية، وينظر إليهم الجميع نظرة حب واحترام، وليست نظرة شفقة، وأمضيت فترة طويلة فى الدراسة والتردد على المستشفيات لمتابعة حالة طفلنا، وتولت زوجتى المصروفات كاملة، حيث إننى حتى تلك اللحظة لم أكن قد التحقت بأى عمل، وكان علىّ أن أتم دراستى أولا، وقد فكرت فى أن أقيم مشروعا خاصا بنا، ولكن فى مدينة تبعد عن مدينتنا ثلاث ساعات بالسيارة، وساعدتنى برأس المال، وصادف بعد المكان هوى فى نفسي، حيث إننى بحكم طبيعة عملى أقابل كل يوم عشرات الزبائن، وكلهم أو بعضهم من النساء، واستقرت بى الحال فى هذه المنطقة، وتأتينى زوجتى ثلاثة أيام فى الأسبوع، وهدأت أحوالها إلى حد كبير، وبمرور الوقت اجتاحتنى رغبة شديدة فى الزواج والإنجاب من أخري، ولم أدر ماذا أفعل؟.. ولا ماذا سيكون رد فعلها عندما أفصح لها عن رغبتى هذه، حيث إنها سألتنى قبل عقد قراننا إن كان فى نيتى الزواج من أخرى أم لا فقلت لها: إن الزواج فى الإسلام له قواعد وضوابط، وأنه لا أحد من إخوتى تزوج مرتين، ولا حاجة للمرء إلى ذلك مادام كل شيء على ما يرام، فطلبت منى أن أعدها بأننى إذا أردت الزواج بأخرى أن أخبرها قبل الإقدام عليه، فوعدتها بذلك، وقد نصحنى أصدقائى عندما حدثتهم فى أمرى بألا أخبرها بهذه الخطوة، لأن ذلك لن يكون فى مصلحتي، فلم أؤيدهم فيما ذهبوا إليه، وذكرتها بما اتفقنا عليه من قبل، فوافقت على مبدأ زواجى من أخري، وعندما عرضت عليها فتاة فى العمل هى تعرفها، لم يهدأ لها بال حتى أفشلت الموضوع، وقالت لى إنها عندما وافقت على مبدأ الزوجة الثانية، لم تكن تعتقد أننى سأفعل ذلك بهذه السرعة، ثم أردفت قائلة إنها لا تمانع فى أن أتزوج من مصرية وليست أجنبية، فالمرأة الأوروبية سوف تسعى إلى هدم الأسرة، ولن تقبل استمرار زواجى منها، كما أنها لا تريد امرأة من جنسيتها تنعم بما حققته بمالها وجهدها، فهى صاحبة كل شيء حتى وإن كنت أنا من أدير تجارتها.. ولم أفلح فى إقناعها بأن زواجى الثانى من بلدها أفضل، إذ ستكون الأسرة كلها من بلد واحد، ولكن إذا تزوجت من مصر فلن أستطيع التوفيق بين البيتين وإذا أنجبت زوجتى المصرية لن أتمكن من رعاية أولادى منها.. ثم كيف أتواصل معهم وهم فى بلد وأنا فى بلد آخر، ولن يكون بإستطاعتى استقدامهم إلى البلد الأوروبى؟

ومر عامان كاملان وأنا أعيش هذه الدوامة، واتهمتنى زوجتى بأننى لا أحبها ولم تتوقف المشاجرات بيننا.. صحيح أنها تحبنى جدا، ولكنى لا أستطيع التواصل معها، فهى من قامت ببناء الزيجة والشقة والمشروع والسيارة، وليس لى أى شيء من هذا كله، وقد عرضت عليها أن أرد إليها ما دفعته من رأس المال وأزيد منه وأتركها بسلام، فطلبت الطلاق، وقالت إنها لا تقبل أن تعيش مع رجل له زوجة أخري، وعطلت الأوراق الخاصة بعملي، لكى تجعلنى غارقا فى المشاكل، وقد استدل بعض اصدقائى على صحة رأيى برد ما دفعته من أموال نظير تخليها عن السيطرة عليّ بما جاء عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عندما جاءته امرأة لا تطيق زوجها، فأشار عليها بأن ترد عليه حديقته أو بستانه، فهل ينطبق ذلك عليّ؟

إننى فى حيرة من أمري، فلقد رأيت رجالا مسلمين لا يغضبون زوجاتهم، ولكنهم يفعلون ما يغضب الله بعيدا عنهن بحجج واهية عن الحفاظ على الأطفال والأسرة، ونسوا أن الزنا فاحشة، وأنا أخاف الله، ولا أريد أن أرتكب المعاصي، فلقد قرأت قولا لأبى ذر الغفارى رضى الله عنه مازال عالقا بذاكرتى إذ قال «لم أجد بعد الكفر ذنبا أعظم من أن يضع الرجل نطفته فى رحم حرام».. أما عن موقف أهلى فإنهم يحبونها، ولا يقبلون زواجى بأخري، ويقولون لى دائما «اتق الله فيها، ولا أنسى أيضا الإمام الذى أسلمت زوجتى على يديه فى الأزهر الشريف حيث قال لى «اتق الله فيها، وكن مرآة للإسلام».. ولقد مضى على زواجنا خمس سنوات، لم تفعل معى خلالها إلا كل الخير، ولا أريد أن أظلمها أو أظلم نفسي، ويقتلنى الخوف من ألا يبارك الله لى، فالظلم ظلمات يوم القيامة، ولا أدرى ماذا أفعل؟.. ولا أعرف كيف أرضى ربى ونفسى وزوجتى وأحيا فى سلام وهدوء وأمان؟.. فبماذا تشير عليّ؟.

ولكاتب هذه الرسالة أقول:

لقد بنيت حياتك على القفز فوق الأحداث، واختلاق الأسباب والمبررات لكل ما تنتهجه من أساليب، وما تتخذه من خطوات منذ سنوات الصبا، فأنت الذى يعتمد عليه الآخرون، ومن يستشيره أصحاب الحاجات، وكل من يراك ينجذب إليك لما تتمتع به من «كاريزما» لا تتوافر فيمن حولك، وتضخمت «الأنا» لديك بمعرفتك بالفتاة الأوروبية التى تكبرك بإثنى عشر عاما، فهى رأت فيك الشباب والقوة والوسامة التى تلبى احتياجاتها النفسية التى افتقدتها مع مطلقها، ولم تبال بعواقب الزيجة غير المتكافئة من الناحية المادية، وفارق السن، فما تسعى إليه هو قضاء وقت ممتع ولو بضع سنوات، وعندما تشبع منك، يكون وقتها لكل حادث حديث، أما أنت فلم يتح لك السفر الى الدولة الأوروبية الغنية والاستقرار بها، وتأسيس مشروع فيها لولاها، ولذلك سعيت للزواج منها، وهى أيضا جميلة، وتتمتع بأنوثة طاغية، وروح رائعة، وستكون أنت «الكسبان» فى النهاية.. إذن كل منكما رتب لنفسه مآربه وأهدافه من ارتباطه بالآخر، وتحقق له ما أراد، وبات واضحا أنك لا تريد الاكتفاء بها كزوجة، وإنما رحت تبحث عن أخري، وهى محقة تماما فى شكوكها فيك، ودعك من المبررات العجيبة التى سقتها فى رسالتك عن أنه لا توجد صداقات بين الرجال فى أوروبا، وإنما الصداقات كلها بين الرجال والنساء، فهذا الكلام مغلوط تماما، لأن الصداقة بالمعنى المتعارف عليه موجودة فى كل الشعوب، وكثير منها صداقات ناجحة، أما الصداقة بين الرجل والمرأة فهى أمر آخر سعيت إليه، من أجل إشباع رغبة داخلك، ويؤكد ذلك بأن كل أو جل زبائنك الآن من النساء وقد صادف ذلك هوى فى نفسك، حيث أنك مفتون بالجنس الآخر، وتريد أن تقضى وقتك كله بين النساء.

فالحقيقة التى تريد أن تخفيها هى أنك تريد باب الزواج والطلاق أمامك مفتوحا على مصراعيه، وليس زوجة ثانية وأولادا كما تقول، وحتى لو تزوجت من الفتاة التى تعمل معك فإنك سوف تنفصل عنها بعد وقت قصير حينما تكون قد قضيت وطرا منها، لترتبط بغيرها، وهكذا، ولن تجد امرأة أخرى تحبك هذا الحب الكبير الذى تكنه لك زوجتك، وهى بإمكانها أن تأخذ كل شيء منك لأنه ملك لها، ولن ينفعك وقتها الندم، فمازلت تنعم بأموالها وأملاكها، لكنك تنكر هذه الحقيقة، وتريد أن ترد لها رأس مالها فقط، مستشهدا استشهادا خاطئا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «ردى عليه حديقته»، فصحة هذه الواقعة أن زوجة ثابت بن قيس بن شماس أتت النبى صلى الله عليه وسلم، وقالت له: يارسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه فى خلق ولا دين، ولكنى لا أريده، فسألها الرسول: أتردين عليه حديقته؟، قالت نعم، فقال له رسول الله: اقبل الحديقة وطلقها»، وكانت هذه الحديقة هى المهر الذى قدمه قيس لها، فما وجه المقارنة إذن بين هذه الواقعة، وموقفك مع زوجتك، فأنت لم تعطها شيئآ، وهى التى منحتك كل شيء؟

ما أراه أنها مازالت متمسكة بك، لكنها سوف تنقلب على الوجه الآخر، وتكشر عن أنيابها اذا أقدمت على الزواج من أخرى من البلد نفسه، على حد قولها، وأحسب أنها ستفعل ذلك اذا تزوجت أى امرأة سواء من مصر أو غيرها، فإذا كنت غير قادر على الاستمرار معها وتجد أنك سوف تقع فى الخطيئة وفقا لما تقول، فأعد إليها كل شيء، وابدأ طريقك بمفردك بعيدا عنها، إذ إنها سوف تأخذ كل أملاكها بالقانون، وربما يتم ترحيلك الى مصر، وسيظل ابنك المريض حلقة الوصل بينكما، فهى لن تفرط فيه، وربما لا تتاح لك فرصة التواصل معه بعد ذلك.

ولقد تصورت فى البداية أن زوجتك بنت غيرتها على أفكار وخيالات لا أساس لها، ولكن ظهرت الحقيقة على لسانك حين اعترفت بأن وجود النساء حولك يصادف هوى فى نفسك، ولذلك تباعدت المسافات النفسية بينكما، وعليكما أن تعلما أن لكل منكما حقوقا على صاحبه، فإذا رأى أحدكما أن شريك حياته لا يقيم حقوقه أو بعض هذه الحقوق، فإنه ليس من الحكمة أن يقابل ذلك بتعمد النقص فى الواجبات، وينبغى أن تكون غايتكما حسن العشرة، وأن تعلما أن قيام كل منكما بحقه يعينكما على الحياة السعيدة الطيبة، وهذا أبقى وأفضل لك من زيجة جديدة غير مضمونة العواقب، أما ما يزينه لك خيالك بالسعادة مع هذه الفتاة أو تلك، فليس إلا مجرد نزوة ستزول آثارها بعد فترة وجيزة من الارتباط، وسوف يتكرر زواجك كثيرا، وعندما تدرك مدى فداحة أخطائك سيكون أوان التراجع قد انتهي!!

أما عن الزوجة الغيورة، فإن غيرتها الزائدة عن الحد تدمر استقرار الأسرة، وتؤثر سلبيا على نجاح زوجها، إذ تحوِّل حياته الى شجار دائم، وتثنيه عن الإبداع فى عمله وتحد من علاقاته الاجتماعية، وتجعله يعتقد أن كل اخفاقاته بسببها، وأن جميع نساء الأرض أفضل منها، وأحسب أن زوجتك تدرك ذلك جيدا، وربما يكون ما دفعها الى ملاحقتك هو ما لمسته لديك من حب النساء، الذى يصل الى درجة المرض، وليس مجرد علاقات عادية.. قد ترانى مغاليا فى موقفى منك لكنى أبصرك بما تحاول أن تنفيه أو تتحايل عليه، وأرجو أن تعيد زوجتك النظر فى موقفها منك بعد أن تشرح لها بصراحتك المعهودة كل ما تضمره فى نفسك تجاهها وتجاه الأخريات، وتدرك أن الغيرة المدمرة مفتاح الطلاق.

والرجل العاقل لا يبنى بيته الثانى على أنقاض بيته الأول، ولا يضيع جهده وشقاءه من أجل زواج آخر لا يحتاج إليه حاجة ماسة، كما هى حالك، ولذلك عليك أن تحسن التخطيط، وتدرس عواقب القرار الذى سوف تتخذه فى حياتك المستقبلية، ولتعلم أن «حديث القلب» بينك وبين زوجتك هو الذى سيزيل التراب الذى اعترى حياتكما الزوجية، وسيكون هو العامل الأساسى الذى ينقذ أسرتك من الانهيار، فلا تتردد، واقبل على مصارحتها بكل ما فى نفسك، وما تريده منها، فلديها كل ما تتمناه، وما لمسته فيها لأول مرة عندما وصفتها بأنها جميلة الوجه والروح، فمازالت كذلك، وكل ما تصوره لك هواجسك سوف يزول أثره مع الأيام.. اسأل الله لك التوفيق والسداد، وهو وحده المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
كابتن أحمد منصور
مشرف
مشرف
كابتن أحمد منصور

ذكر
عدد الرسائل : 6488
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 210
بلد الإقامة : المدينة الفاضلة
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 Office10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 Bookwo11
نقاط : 17058
ترشيحات : 47
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 710

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 76 I_icon_minitime4/12/2015, 19:03

الفهم الخاطئ

استوقفتنى رسالة »القفز على السلالم» للشاب الذى تزوج بسيدة أجنبية
وقفت إلى جواره والآن تريد أن يتزوج عليها أو أن يتخلى عنها ولى تعليق عام ألخصه فى النقاط الآتية:ـ
{ إن الإنسان فى خضم حياته يعيش فى صراع ثنائى خطير بين النفس والشيطان، وقد جمعت سورة «يوسف» بينهما حين أشارت فى مطلعها إلى الصراع الدائم مع الشيطان:« قال يابنى لاتقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين», ثم أشارت إلى صراع مع النفس فى حديث امرأة العزيز حين صدحت بالحق لتبرئه يوسف: «وما ابرئ نفسى إن النفس لامارة بالسوء إلا ما رحم ربى»، ان هذين العدوين لن يستطيع إنسان الانتصار عليهما أو مواجهتهما إلا بالتسلح بالإيمان الراسخ والفهم العميق لوسائل الشيطان ونوازع النفس الإمارة بالسوء، ولعل تجربة أبو البشرية«آدم» مع ذلك الصراع أكبر مثال على مقاومتهما حرصا على علاقة الإنسان مع الله والناس، فالشيطان يغوى الإنسان بالشهوات والرغبات المدمرة للنفس عن طريق فهم خاطئ للأمور الدينية. مثلما أشار صاحب الرسالة إلى موضوع «رد الحديقة» الذى صححته له.

{ إن تجربة الحياة التى يعيشها هى حياة رفاهية نموذجية سعيدة وقد افاء الله عليه بها فضلا عن كل النعم التى منحها له والتى يلخصها فى وصفه لنفسه بأن لديه «كاريزما» يحسده عليها الكثيرون.

{ إن المفهوم الاقتصادى المعروف باسم «المنفعة الحدية» والذى يمكن تبسيطه فى أن الإشباع والمتعة المتولدة عن أكل البرتقالة الثالثة أو الرابعة أقل كثيرا من متعة تناول البرتقالة الأولي، هذا المفهوم يوضح بجلاء أسباب تمرده على زوجته المحبة المخلصة التى وصفها بأنها حلوة الوجه والروح.. والتمرد على النعم قد يكون سببا لزوالها.

ويقول الله فى محكم التنزيل «وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لازيدنكم ولئن كفرتم إن عذابى لشديد»، فهذه الزوجة تختلف جملة وتفصيلا عن نساء أجنبيات آخريات اذقن أزواجهن من غير جنسياتهن امر العذاب، كما أن المساعدة والمساندة والحب والاخلاص التى حظى بها منها هى نعمة كبرى ادامها الله عليه وعلينا جميعا أن نعى أن القناعة بما منح الله الإنسان من نعم وهى اقرب القربات إليه سبحانه وتعالى وسبب لمزيد من الخير والفضل من الله وإن التفكير فى «التعدد»، بدون أسباب منطقية أو إنسانية أو صحية تستلزمها الظروف، إذا اقترن بحب واخلاص ومساندة وقدرة من شريك الحياة، هو درب من دورب الشيطان وهوى النفس الذى لايجر إلا الخيبة والضياع فى مثل ظروف صديقنا. نصيحتى الأخيرة، عليك اخى وأنت مؤمن قارئ للقرآن أن تحمد الله على مامنحك من نعم، ووضعك فى ظروف أقل ما يقال عنها «مثالية»، فاشكر زوجتك الفاضلة على مساندتها ودعمها لك، تقرب إليها، اعتذر لها، اشعرها بالأمان، فكر فيما منحك الله من نعم، اجتمعا على قراءة القرآن، تعرفا على العائلات المسلمة، وشاركا معا فى جهود اجتماعية، ولاتهتم بصغائر الأمور مع اسرتك ويجب أن تدرك أن التفكير فى الزوجة الثانية ما هو الا تمرد وتصور هلامى بأن ما لانملكه افضل مما نملكه وهذا فى الغالب أمر غير واقعى.

أشرف عاشور

> بالتأكيد هذه هى الحقيقة الواضحة، لكن كاتب الرسالة اسقطها من حساباته فى محاولة لتبرير زواجه بأخرى أجنبية، ولو فعل مايفكر فيه فسوف يندم اشد الندم، فعليه ان يستوعب الدرس جيدا قبل فوات الآوان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
بريد الأهرام ( بريد الجمعة )
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 76 من اصل 88انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1 ... 39 ... 75, 76, 77 ... 82 ... 88  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» بريد الجمعة يكتبة : احمد البرى الطفل الكبير !
» سطو مسلح على مكتب بريد في المعادي
» سطو مسلح على مكتب بريد «قها» في القليوبية
» اجعل لك بريد مجاني على الـ hotmail - شرح بالصور
» كيفية حظر بريد الكتروني بسكربت whmcs

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الشاعر عبد القوى الأعلامى :: المنتديات العامة :: المنتدى العام-
انتقل الى: