بريد الجمعة يكتبه أحـمد البـرى
الفاتنة والعاشق !
آه من الندم فى بداية المشوار، ولكنه الواقع الذى عشته بعد عام من التجربة المدمرة
التى واجهتها رغما عني، والحكاية أننى شاب فى السادسة والعشرين من عمرى نشأت فى أسرة متوسطة، بين أبوى وأخوتى وأنا أصغرهم، وقضيت سنوات الصبا فى دولة عربية كان والدى يعمل بها قبل أن استقر فى مصر مع دخولى الجامعة، وأتممت تعليمى العالي، وأديت الخدمة العسكرية، وبدأت حياتى العملية فى وظيفة بشركة للمحمول، وتخصصت فى الرد على استفسارات العملاء، ومنذ عام تقريبا تعرفت على فتاة عن طريق التليفون تعمل فى أحد محال خدمات المحمول بمحافظة البحر الأحمر، وسرت كلماتها العذبة، وصوتها الرقيق كالدم فى عروقي، ووجدتنى أسيرا لمكالماتها التى تتالت يوما بعد يوم، وأخبرتنى أن سنها تقترب من سنى وتعيش ظروفا أسرية صعبة مع أمها المطلقة وإخوتها، حيث يعيشون جميعا فى شقة واحدة، وتطور حديثنا من الكلام فى أمور عامة الى حديث عشاق تناول كل ما يخطر وما لا يخطر على البال، وتمنيت أن ألقاها، وأن يجمعنى بها بيت واحد، فطالما حلمت بأن تكون لى زوجة بهذه المواصفات الرائعة!
وجاءت اللحظة المنتظرة عندما دعتنى لزيارة مدينتها، وقضاء مصيف جميل لعدة أيام، والمبيت فى شقة أخرى تملكها والدتها، فلبيت الدعوة فى الأسبوع التالى بعد أن أخذت إجازة قصيرة من العمل، ووجدتها فى المكان الذى اتفقنا أن نتقابل فيه، فإذا بها رائعة الجمال وعلى قدر هائل من الأنوثة، وفاتنة بكل المقاييس، ولم أتوقعها كذلك برغم إحساسى بجمالها الذى بدا لى من صوتها وأسلوب كلامها منذ المكالمة الأولى التى كانت وليدة المصادفة، وأخذتنى الى شقة والدتها مباشرة، ولم أقابل أحدا من أهلها، وما أن دخلناها حتى أغلقت الباب، وارتمت فى حضني، وقبلتنى بحرارة، وأنا فى ذهول، فأصابتنى صدمة، وانتابنى شعور غريب لا أعرف كيف أصفه، فهدأت من روعي، وقالت لي: اذهب الى الحمام، واستحم، واسترح، وبعدها سوف يكون لنا حديث طويل!.. ففعلت ما أشارت علىّ به، وخرجت لأجدها فى غرفة النوم، فجلست الى جوارها وقد زاد اضطرابي، وتسارعت ضربات قلبي، فأمسكت يدى وهى تقول: لنتحدث أولا، فأنا مطلقة، ولدى ولد وبنت، وقد طلبت الانفصال عن طليقى لأنه رجل غير سوي، ويدخن المخدرات، وكان يضربنى بشدة «ويصبحنى بعلقة ويمسينى بعلقة»، إلى أن أصبت بجروح خطيرة فهربت من منزله، ورجعت الى بيت والدتي، وحررت له محضرا فى قسم الشرطة، وأرفقته بتقرير طبى بحالتي، وأقمت عليه دعوى وخلعت منه للضرر».. قالت لى ذلك والدموع تنهمر من عينيها بغزارة، فصدقتها، وبكيت لبكائها، وحدث ما حدث، وفعلت ما يغضب الله، وبرغم ندمى الشديد على ارتكاب هذا الإثم العظيم، إلا أننى عاودت لقاءها مرات عديدة، طوال فترة وجودى هناك، وقالت لى انها تخرج من بيت والدتها فى الصباح بحجة الذهاب الى العمل ثم تأتينى فى الشقة الأخري، التى حصلت عليها من «الإسكان»، ونبهتنى ألا أخرج من الشقة فيرانى أحد الجيران ويخبر والدتها فتكون العواقب وخيمة!
ومرت فترة الإجازة ورجعت الى القاهرة، وقد تبدلت أحوالي، وأصبحت الدنيا لدى بمنظور آخر، فلقد أحسست بلذة «الشيطان»، ولم تفارقنى وسوسته، وبدلا من أن أقطع صلتى بها، بعد أن أوقعتنى فى الوحل، كثفت اتصالاتى معها، وصار حديثنا الذى لا يتوقف عن الأشياء القبيحة المحرمة، وتطلعت الى زيارتها مرة أخري، وزرتها، وتكرر ما وقع فى الزيارة الأولي، وهنا قررت أن يكون لى موقف نهائى من هذه العلاقة، وأن أصلح علاقتى مع الله، فلقد رجعت الى عقلى وأحسست بالذنب، وحدثت نفسى كثيرا وسألتها «ما الذى فعلته؟.. وكيف ارتكبته»؟، وتبت إليه سبحانه وتعالي، ولكن ضميرى أنبني، إذ ماذا تفيد التوبة بعد أن فعلت ما فعلته مع هذه المرأة، فالذنب ليس مقصورا علىّ أو عليها، وانما نحن شركاء فيه، واذا أردنا إصلاحه فلتكن هى شريكة معى فى الإصلاح، وقررت الزواج منها، فلقد فات أوان مقارنة أوضاعى بأوضاعها، وأنا حاصل على مؤهل عال ومن عائلة محترمة، وكل أفراد أسرتى حاصلون على مؤهلات عليا، وأمى حاصلة على مؤهل متوسط، ونعيش فى شقة ملك لأمى بالقاهرة، ومستوانا المادى مرتفع، أما هى فحاصلة على الابتدائية فقط، ووالدتها تزوجت كثيرا وعملها الظاهرى فى خدمة البيوت، ومن بيئة ووسط لا يناسبنا على الإطلاق.. نعم لم أبال بأى فروق وكان همى الأول والأخير هو أن أتصالح مع الله، وكانت العقبة الكؤود، هى موافقة أهلى على هذه الزيجة، بكلام عام، وليس تفاصيل ما جرى من أحداث، وما تعيشه هى وأسرتها من واقع مخجل، وبالطبع واجهت رفضا من الجميع «عائلتى وأقاربي، وأصدقائي، وجيراني»! فوقفت ضدهم، وسافرت اليها للمرة الثالثة، ولكن من غير رجعة، بنية العمل والزواج والمعيشة فى مدينتها، وقلت فى نفسى: ليجمعنى بها بيت واحد، وأربى ابنيها، الولد البالغ سبع سنوات، والبنت ثلاث سنوات، وليكن ما يكون، وبحثت عن عمل، ولم أجد سوى وظيفة «فرد أمن»، فعملت بها، وعند عقد القران، واجهت عقبة الزواج بها فى وجود الطفلين اللذين يعيشان معها، فأهلها كانوا يريدون أن يعيشا مع أبيهما لكى تصبح خالية من الأولاد، فتعيش حياة بمفردها بعيدا عن أى قيود، هكذا أخبروني، فتركت مدينتها وعدت الى القاهرة من جديد، وما هى إلا أيام حتى أبلغتنى أن مطلقها أخذ ابنيه، وأنه وقعت مشاجرات بينها وبين والدتها التى طردتها من المنزل، فذهبت الى أختها الكبري، ولكن زوجها لم يسترح لوجودها، وراحت ترجونى ألا أتركها، فهى تحبنى لكن الظروف أقوى منها، وبحثت عن حل يريحنا من هذا العذاب، ووجدت أنه لا بديل عن الزواج بها، والمعيشة مع والدتي، لكى ترعاها، وتكون سكنا لي، واستقر وابدأ حياتى وأعود الى عملى الذى فقدته، وضغطت على أمى للموافقة عليها، فوافقت بعد إلحاح شديد، وسافرت الى البحر الأحمر، وعدنا معا الى القاهرة دون علم أحد من أهلها، وفى اليوم التالى عقدنا القران، ولم نقم عرسا ولا حفل زفاف، وصارت غرفتنا فى شقة أمى هى عش الزوجية.
ومضى أسبوع واحد لاحظت خلالها أنها غير مرتاحة لعدم خروجها من البيت، لكنها ادعت أنها غير متوائمة مع أمي، وطلبت الطلاق قائلة إنها اشتاقت الى ابنيها وتريد استعادتهما من أبيهما وضمهما اليها مرة أخري، فأخذتها فى حجرتنا ودار بيننا حديث طويل وأكدت لها أننى أحبها، وقد ضحيت بالكثير من أجلها، فلا يكون جزائى هو أن تطلب الطلاق بعد أيام من الزواج بلا سبب مقنع، فسكتت واقتنعت بما قلته وبإحساسى الصادق نحوها، ومر شهران بالطول والعرض ثم أصرت على الطلاق، فطلقتها عند المأذون، وسافرت الى مدينتها، وكانت الصفعة والصدمة اللتان لم تكن تتوقعهما، إذ رفض أهلها استقبالها، أو مجرد الحديث معها، ولم تجد سوى صديقة لها باتت لديها تلك الليلة، وفى الصباح اتصلت بي، وألحت علىّ أن أعيدها الى عصمتى مرة أخري، وسمعت والدتى بكاءها وندمها فى التليفون، وأشفقنا عليها من المصير الذى يتهددها اذا ظلت على هذا الوضع العدائى من أسرتها.. فوافقت على عودتها، وجاءتنا منكسرة وعاشت مع أمى فى الشقة نفسها، وكنا وقتها فى «فترة العدة»، فلم أتماسك أمام اغراءاتها، فهى مازالت زوجتي، حتى وان كنا قد انفصلنا على الورق، وبعد نحو شهر اتصلت بى اختها، واخبرتنى ان ابنتها تعرضت لحادث وموجودة فى المستشفى اذا كانت أمها تريد أن تراها وتطمئن عليها، ففاتحتها فى الأمر فقالت انها ستسافر لزيارتها ثم تعود إلينا فى اليوم التالي، واتصلت بى من هناك، وأخبرتنى أنها لم تجد ابنتها فى المستشفي، وأنها ستزور قريبة لها كانت تحفظ لديها بعض متعلقاتها لأخذها قبل أن تحضر الى القاهرة نهائيا، ومر يومان وأنا أحاول الاتصال بها دون جدوي، ثم جاءنى هاتفها بخدعة جديدة، إذ قالت لى ان أخاها الذى ظهر فجأة فى حياتها ومعه أقاربهم رفضوا أن تغادر البحر الأحمر إلا بعد أن أذهب إليها، وأعقد قرانى عليها مرة أخرى بشروطهم!.. فرددت عليها «مثلما ذهبت بمفردك بحجة زيارة ابنتك.. عودى بمفردك لاتمام الزواج ومواصلة حياتنا».. وأغلقت الهاتف، وبعدها بيومين عاودت الاتصال بي، وقالت انها حامل، فطلبت منها أن تحضر الى القاهرة لكى أذهب بها الى الطبيب، فرفضت، فانفعلت عليها بأنها اذا لم تحضر فورا فستكون طالقا للمرة الثانية، ووقع الطلاق فعلا، لأنها لم تلتزم بما طالبتها به!!
وساورنى القلق والشك فى كل شيء، فلقد كنت أتابعها كظلها طوال فترات وجودى معها، اذ أن سجلها حافل بأمثالى ممن ذهبوا معها الى شقة أمها الأخري، وفعلت معهم ما فعلته معي، وكم ضبطت مكالمات مع شباب كثيرين منها محادثة مطولة قبل عقد قرانى عليها بيوم واحد، وكانت هذه المكالمة علامة من رب العالمين على سلوكها، ولكنى كنت أعمى البصيرة، واذا كانت قد فعلت ذلك، وهى معى فما الذى يمنعها من تكراره بعد أن سافرت بمفردها؟
وبعد أسبوعين لم تجد بدا من أن تأتى إلينا، ولا أدرى كيف تركها أهلها لتسافر وحدها، لو كانت صادقة فيما قالته من قبل؟.. المهم انها وقفت فى الشارع، واتصلت بي، فنزلت إليها، وحاولت اقناعها بالصعود الى أمي، فسبتها بألفاظ نابية، وصرخت بأعلى صوتها، وتجمع المارة حولها، فتركتها، ونادت علىّ وأنا أذهب بعيدا عنها، وقالت انها ستلد فى فبراير المقبل، واسودت الدنيا فى عيني، وأحسست بتعب شديد، ولاحظت وجود أعراض غريبة علىّ وخروج افرازات كثيرة لا أعرف ماهيتها، ولا أسبابها، وزرت الطبيب وكانت الصاعقة اننى اصبت بـ«السيلان» وجاءتنى العدوى من مطلقتى نتيجة تعدد علاقاتها بآخرين، وبينهم مصابون بهذا المرض، وعرفت أيضا أن أعراضه لا تظهر على النساء، وأن متاعبه ومضاعفاته تتضح بعد وصوله الى الدم، وانهرت وبدأت مرحلة العلاج، وأحمد الله أن هدانى الى زيارة الطبيب فى الوقت المناسب.
أما قلقى البالغ، فهو ماذا أفعل تجاه الطفل المنتظر؟ فقد يكون ابني، وقد لا يكون، أعلم أن تحليل الـ «دي.إن.إيه» سيحدد ذلك، فإذا ثبت أنه ابنى كيف آخذه فى حضانتى والقانون فى صفها، واذا أخذته منى كيف ينشأ فى هذه البيئة غير السوية، وسط هذه الأسرة التى وجدتنى متورطا فى الارتباط بها بسبب «امرأة لعوب» أوقعتنى فى شباكها، وأنا معدوم الخبرة؟ ثم هل ترى أننى بعد انجاب الطفل المنتظر، من الممكن أن أتزوج بفتاة لم يسبق لها الزواج وتكون مناسبة لى من حيث السن والمستوى الاجتماعى والتعليمي؟.. وكيف لمثلى أن يتفادى الوقوع فى براثن تجربة مدمرة كالتى وقعت فيها؟.. اننى أشعر بأن حياتى انتهت، ولا سبيل للخروج من الدوامة التى أوقعتنى فيها الفاتنة من باب العشق، فبماذا تشير عليّ؟
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
لو أن كل انسان انجرف إلى أهوائه وملذاته على النحو الذى فعلته بدعوى عدم الخبرة وحسن النية لملأت الخطايا أرجاء الأرض، ولصارت الأمور كلها «سداح مداح» فنحن مطالبون دائما بتحكيم العقل والتصرف بحكمة فيما يعنينا من أمور، وما نواجهه من اختبارات، وما نتعرض له من مواقف فى الحياة، فليس معقولا وأنت الشاب المتعلم والمثقف أن تنجرف إلى مكالمات هاتفية من فتاة مجهولة بالنسبة لك، وتذهب إليها، وتستسلم لما تمليه عليك بالحرف الواحد دون أن تساورك أى شكوك بشأن حياتها وسلوكها، ونيتها تجاهك، فلقد وجدتك صيدا ثمينا لها، وراحت تختلق المواقف والحكايات عن زواجها الأول، وابنيها، وأمها وأخوتها الأشقاء وغير الأشقاء، وأنت تصدق كل كلمة تقولها لك دون سند من الواقع يؤيد كلامها، ويجعلك على يقين من سلامة موقفها.. وأنت حين استسلمت لما أملته عليك من شروط، وما قدمته لك من اغراءات كنت تنشد جسدها، والاستمتاع بملذاتها دون إعمال للعقل، بل وأرى من خلال سردك قصتك معها أنك لم تكن تنوى الاستمرار معها، وإنما استندت إلى الزواج رسميا بها لكى تفعل ما يحلو لك معها دون خوف أو قلق وفى الوقت الذى تريده. لكنك كنت فى قرارة نفسك عازما على نبذها من حياتك عندما تتيسر لك الأحوال المادية، والوظيفية التى تؤهلك لقبول الفتاة المناسبة بالزواج منك، ووقتها ستكون قد امتصصت رحيق الفاتنة وتمتعت بجمالها الآخاذ. وكلماتها الرقيقة، ولو لم تكتشف اصابتك بمرض «السيلان» الذى انتقل إليك منها، وجعلك تنفر منها، لاستجبت لأى محاولات من جانبها للعودة إليك، فلقد ذهبت «لذة الشيطان» على حد تعبيرك وحلت محلها «آهات الندم» على الانجراف نحو بئر الخطيئة السحيقة التى لا ينجو منها إلا من رحمه الله.
إن كل القصص والحكايات والمواقف التى نسجتها لك عن أمها وأخيها وأختها وصديقتها وقريبتها وابنتها مجرد محاولات من جانبها، إما للخلاص منك حين تضيق عليها الخناق بعدم اتاحة الخروج لها من بيت والدتك، وإما لجذبك للمعيشة معها أو استئجار سكن خاص بها لتكون على راحتها، ولتبحث لها عن ضحية جديد، بعد أن استنفدت أغراضها منك، ولا أستبعد أن تكون حكاية الطفل الحامل فيه أكذوبة جديدة من أكاذيبها، أو أنها حامل من آخر، وهذا هو ما يدفعك إلى التفكير فى اجراء تحليل الـ «دي. إن. ايه» لمعرفة ما إذا كان ابنك أم لا»، وستدخل وقتها فى مشكلات لا حصر لها، لأنها سوف تنسب الطفل إليك بوثيقة الزواج، إذ كانت حاملا فى الوقت الذى عاشت معك فيه، وعاشرتها معاشرة الأزواج، وسيظل منسوبا إليك إلى أن يقول القضاء كلمته فى مسألة تحليل الحامض النووي، ولن تسلم وقتها أيضا من المضايقات وربما لا تستطيع تغيير نسب الطفل بعد أن يصبح حاملا اسمك بالفعل!
ولم تتوقف هواجسك عند هذا الحد، فتحدث نفسك عن التى ستقبل بك عندما تعلم قصتك، وما آلت إليه أوضاعك الحياتية والصحية، والأولى أن تدع التفكير فى مسألة الزواج جانبا إلى أن تعالج مشكلاتك أولا، فلا تتأخر عن تعاطى الدواء فى المواعيد التى حددها لك الطبيب، واقطع كل صلة لك بمطلقتك، وأنس تماما الماضى بكل ما فيه.. فقط استفد من دروسه التى تعلمتها على يد «فاتنتك اللعوب»، وما جرفتك إليه بزينتها وتمثيلها وشجارها وهى الأشياء التى أتقنتها جيدا. فهى تحمل قلبها على يديها عارضة إياه فى مزاد الهوي، لتفوز كل فترة بمن يكثر العطاء لها، ويمنحها ما تريده من كل ما ترغبه وتتمناه، ونسيت أنك انتشلتها من الوحل، وكان بإمكانها أن تكسبك إلى النهاية باحتوائك حتى لو كنت تفكر فى الانفصال عنها بعد حين، فحسن العشرة يولد الألفة، ويبنى جسورا من الثقة بين الطرفين، لكن هيهات لمثلها أن تفعل ذلك.
فالمرأة من مثيلات مطلقتك باستطاعتها أن تخدع الكثيرين فى وقت واحد، دون أن تتأثر بأى منهم، فتستحم بدموع عشاقها وتتعطر بدماء قتلاها.. نعم هى تفعل ذلك وكلها يقين بأن مقاومة الرجال تتحطم أمام اغراءاتها كما انهرت أنت مرات عديدة، وكنت على استعداد لأن تنهار لها مرات ومرات لولا نذير المرض الخطير الذى تبينت اصابتك به، وقد سلم الله لك الأمر، وليتك تتعظ مما حدث ولا تنجرف وراءها، ولا وراء شبيهاتها بعد ذلك، واحرص فى قادم أيامك على التريث والاختيار الدقيق، وبناء جسور من الثقة والتفاهم بينك وبين من تنوى الارتباط بها على أسس موضوعية وسليمة، من خلال الحوار المبنى على الصراحة، لأنه إذا أحاط الشك بأحد الزوجين تجاه الطرف الآخر، فإن ذلك سوف يؤثر بالسلب على حياتهما معا، وتنتهى العلاقة الزوجية غالبا بالطلاق بسبب الشكوك، وليأخذ كل طرف ماضيه درسا له فيستفيد من ايجابياته وسلبياته، بما يساعده على تجنب الأخطاء وتفادى السلبيات، والحرص على عدم تكرارها.
وتتعدد المعاصى فى حياة الناس، سواء أكانت من نوع المعصية التى وقعت فيها أو معاصى وأخطاء أخري، وإذا كنا جميعا نخطيء ونصيب، فإن أفضل العباد عند الله التوابون، وفى ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون»، ولعل ما حدث لك درس بليغ تعلمته وأنت فى مقتبل حياتك، فلا تقع فى مثله أبدا بعد ذلك، والعاقل هو الذى يتخذ من المعصية ـ أيا كان نوعها ـ سبيلا جديدا نحو القرب إلى الله، فيسعده عز وجل جزاء لعدم تكراره لها. وما أكثر الأمثلة على الأخطاء التى قد يقع فيها الانسان، والمهم هو أن يستوعبها. ويعدها من قضاء الله، ولقد سئل ابن تيمية عن قوله صلى الله عليه وسلم «عجبا للمؤمن لا يقضى الله له شيئا إلا كان خيرا له».. هل يشمل ذلك قضاء المعصية على العبد؟ فقال: نعم بشرطها من التوبة والندم والاستغفار والانكسار لله، فظاهر الأمر فى تقدير المعصية مكروه على العبد، وباطنه محبوب إذا اقترن بشرطه.
لقد درست واقعك، واستشرت أهل الرأي، واستقررت على الموقف النهائى بشأن ما أنت فيه، فلا تتردد وعليك أن تكون ذا عزيمة فى عدم الرجوع إلى هذه المرأة مهما تكن الضغوط والاغراءات، وابدأ حياة جديدة تماما، وأذكرك بقول الشاعر:
إذا كنت ذا رأى فكن ذا عزيمة
فإن فساد الرأى أن تترددا
فمن طبيعة المؤمن الثبات والتصميم والحزم والعزم «إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا» أما أولئك «فهم فى ريبهم يترددون»، وفى قرارهم يضطربون. ولعهودهم ينقضون، ومادام قد لمع لك بارق الصواب، وظهر لك غالب الظن، فاقدم بلا التواء ولا تأخر، وخذ قرارك بطى هذه الصفحة السوداء من حياتك.
اطرح ليت وسوف ولعل
وامض كالسيف على كف البطل
وعليك أن تنهى الضوائق النفسية التى تعانيها بقرار صارم لا رجعة فيه وافتح صفحة جديدة تقترب فيها من الله عز وجل، وسوف تكشف لك الأيام الحقيقة الكاملة، ويهدأ بالك ويستريح ضميرك، وتسلك الطريق السليم بإذن الله.