بريد الجمعة يكتبه: احـمد البـرى
الملعقة الساخنة!
تختلف رسالتى إليك عن كثير من الرسائل التى يطلب أصحابها مشورتك فيما يعانونه من قضايا ومشكلات،
وقد وجدتنى أكتبها إليك عسى أن يستفيد من دروسها من تراودهم أنفسهم أن يصنعوا صنيعي. فأنا أستاذ جامعى تعديت سن الثمانين ببضع سنوات، وقد نشأت فى إحدى محافظات وسط الدلتا لأسرة مكافحة حرصت على تعليمي، وكان هم أبى وشغله الشاغل أن أتفوق فى دراستي، وأصل إلى أعلى الدرجات العلمية، فبذلت كل جهدى لكى أحقق حلمه، وتخرجت فى كلية المعلمين بتفوق، وعملت معيدا بها، وحصلت على الماجستير والدكتوراه وتراكمت لدىّ خبرات كثيرة فى التربية وتأهيل ذوى الاحتياجات الخاصة، وسافرت إلى أمريكا، والتحقت بعدة مراكز بحثية فيها، وتعرفت على فتاة فلبينية أمريكية فى جامعة «وسكنسن»، وربطتنى بها علاقة قوية وخطبتها، وجئنا إلى مصر، وفى حضور الأهل والمعارف أقمنا حفل زفاف رائعا سادته الفرحة والبهجة ولمست فيها حبا أعجز عن وصفه، فهى تتمتع بروح جميلة وهدوء منقطع النظير، إذا ابتسمت ضحكت الدنيا، وعشنا حياة حلوة بكل معانى الكلمة، والتحقنا بهيئة التدريس فى جامعتى عين شمس والأزهر، وواصلنا أبحاثنا فى مجال تخصصنا، وتبادلنا الزيارات بين عائلاتنا فى مصر والفلبين والولايات المتحدة الأمريكية، وكانت تدين بالمسيحية وتنتمى إلى الكاثوليك، ثم أشهرت إسلامها، وتعلمت اللغة العربية، فأصبحت تعرف القراءة والكتابة بها، وزرنا معظم دول العالم فى رحلات ثقافية وعلمية، ولاحظت حبها للمجوهرات، فاشترينا منها الكثير، ولم نزر دولة إلا واخترنا ما يناسبها فيها، وكلها تحف ثمينة فى غاية الذوق والفخامة، ومعها شهادة الأصل والدولة المنتجة. وثمنها بالدولار أو الاسترليني، ومضت سنوات طويلة دون أن تنجب، وطفنا بالعديد من الدول الأجنبية المتقدمة فى مجال الطب، فأكدت الفحوص الطبية أنها غير قادرة على الإنجاب، إذ كانت قد أجريت لها جراحة فى الرحم استحال بعدها أن تحمل، واستمررنا فى حياتنا الناجحة، ولم تشغلنى مسألة الانجاب لحظة واحدة، فوجودها بجانبى لا يعادله أى شىء آخر، ومر ثلاثون عاما ونحن على هذا الوضع الجميل من الحب والإيثار، لكن «دوام الحال من المحال»، فلقد أصيبت زوجتى بالسكر، وعانت منه متاعب جمة، وأسلمت الروح إلى بارئها، ودفنتها فى مقابر الأسرة بمدينة نصر. وبكيتها بحرقة وألم، إذ كانت كل شىء فى حياتي، وفقدت برحيلها الكثير من القيم والمثل التى لم يعد لها وجود فى هذا الزمان.
وبعدها قتلتنى الوحدة، وتعرضت لحالة اكتئاب شديد، بعد أن فقدت من كانت تواسينى وتوفر لى المتطلبات المنزلية برغم انشغالها الدائم فى عملها، ولم أجد أحدا بجانبي.. لا جارا، ولا زميلا، ولا قريبا، وأصبح الطلبة هم كل عالمي.. اقتربوا منى واقتربت منهم، وأعجبتنى كثيرا أساليب تفكيرهم، ولمست فيهم نضجا كبيرا، وسألت نفسي: هل يمكن أن ارتبط بطالبة من تلميذاتى وأنا فى سن متقدمة، وبيننا فارق هائل فى السن؟ ووجدتنى أفكر فى الأمر من زوايا عديدة منها العائلة، فهناك الأسر المناسبة، وغير المناسبة، ومستوى التعليم، خصوصا فيما يتعلق بالدكتوراه، والأهم الأهل والتربية، فالمتغيرات الأخرى يمكن الوصول إليها، ووقع اختيارى على واحدة منهن كانت تتردد عليّ كثيرا، وتفتعل أى أسباب لكى تحدثنى عن عائلتها وكفاح أبويها فى الصرف عليها، هى واخوتها الأحد عشر أخا وأختا، وتصميم والدها على أن تتفوق، وتواصل دراستها للماجستير والدكتوراه، وزاد قربنا لدرجة أنها طلبت منى أن أوصلها إلى الجامعة الأخرى التى يوجد بها مركز للكمبيوتر والبحوث ولا يوجد فى جامعتنا، وكانت تصحب أختها معنا خلال لقاءاتنا، وذات يوم أبلغتنى أن والدها جاء من الصعيد إلى القاهرة لكى يعطيها مصاريفها الشهرية، وهمهمت ببعض العبارات عنه بكل ذكاء اجتماعى حساس بما يعنى إيحاء لرؤيته أو مقابلته، وفى مرة أخرى قالت لى إن ابن عمها، وهو عمدة بلده تقدم لخطبتها لكنها رفضت، إذ يريدها أن تكتفى بالدراسة الجامعية، ولا تلتحق بالدراسات العليا، أو أن يكون لها عمل تديره، أى انه يريدها «زوجة العمدة».
وأصدقك القول اننى لا أدرى ماذا حدث لي، فلقد اختلطت أوراق حياتى وتبعثرت هنا وهناك، ولم أعد أعرف منهجا أسير عليه، فى هذه المرحلة من العمر، إذ طلبتها للزواج، وكان الرد سريعا بالموافقة، وسألتنى عن الشبكة التى سأقدمها لها فاندفعت عاطفيا وانفعاليا، وقدمت لها أغلى ما عندي، حيث فتحت خزينة المجوهرات بالمنزل واستخرجت المصوغات الخاصة بزوجتى الأولي، واخترت لها مجموعة من المصوغات النادرة، ولدى صور لكل تحفة منها، وحملتها فى حقيبة خاصة، لتقديمها إليها، وفى احتفال الشبكة، لم يحضر أحد من عائلتي، وقابلت أباها وهو شيخ بلدة وجلسنا معا فى حديث طويل، طلب خلاله أن يقابل أسرتي، فوافق إخوتى على لقائه، واعتذر البعض الآخر، وكانوا جميعا يحتلون مناصب مرموقة فى الدولة.
وفى يوم توثيق القران، اتفقنا أن أكتب نصف الفيلا التى أملكها بالعاشر من رمضان باسمها، وطلبوا منى أن أوقع العقد أصلا وصورة، ولكن لأننى كنت على موعد سفر، وقعت على بياض، فإذا بهم دون علمي، وبعد أن غادرت المكان يكتبون عقدين بالفيلا لزوجتي، النصف الأول منها مقابل المهر، والثانى «بيع وشراء»، ومرت الأيام، وأنا لا أعلم شيئا عن ذلك، وتزوجنا وأنجبت بنتا، ثم بنتا أخري، وبينما كنت أبحث فى أوراقى عن بعض المستندات، وتطلب الأمر وجود عقد نصف الفيلا الذى باعته زوجتى مستغلة توقيعى على بياض، فاكتشفت الخديعة وأبلغت عائلتينا بما حدث، واجتمع الكل لدى شقيقي، وبعد مناقشات مستفيضة قرروا أن يتم طلاقنا، وانفصلنا، وظلت ابنتاى معي، وأجريت فحوصا للصغيرة، أظهرت أنها تعانى حساسية فى الصدر، ولم أجد بدا من إعادة أمهما إلى عصمتي، وقد وافقت على العودة سريعا، لكن عودتها لم تكن بنية خالصة، حيث رتبت أمورها للاستيلاء على جميع ممتلكاتي، وعاونها فى ذلك ابن عمها الذى قالت إنها رفضت الزواج منه، ولاحظت اتصالاتها الكثيرة وخروجها المتكرر بغير أن أعلم الجهة التى ستذهب إليها، وعرفت أنها على علاقة بصديق لها يساعدها فيما تهدف إليه.. كل هذا وهى تؤكد اخلاصها لي، وتحاول أن تخفى خطتها ضدي، وقد حدثتها ذات يوم بأن نقيم مؤسسة لرعاية ذوى الاحتياجات الخاصة، فرحبت بالفكرة، وسميتها باسمي، واشتريت مقرا لها عبارة عن شقة فى مصر الجديدة، وتكلف انشاء المؤسسة مليون جنيه من أموالى الخاصة، بهدف تقديم عمل خيرى ينفع الناس، وأقبلنا على مساعدة المحتاجين بكل اخلاص، ولكن من يفكر فى الغدر لا يمكن أن يتخلى عنه، فهذا ما حدث مع زوجتي، إذ سرقت «ختم المؤسسة» وراحت توقع أوراقا لا أعرف عنها شيئا، وكشفت عن وجهها الحقيقى عندما سبتنى بأحط الألفاظ، بل ووصل الأمر إلى حد الاعتداء الجسدى عليّ، وأثبت ذلك تقرير طبى للمستشفى الذى عالجنى من أثر الاعتداء!
وفكرت فى الاتصال بوزيرة التضامن الاجتماعى عن طريق بعض الشخصيات المهمة فى العمل الدينى والاجتماعي، إذ أريد تحقيقا شاملا فى شأن ما يحدث فى مؤسستى الخاضعة بحكم القانون للوزارة، لكن لم أجد لطلبى صدي، ووجدت خللا هائلا فى العمل الادارى الخاص بالجمعيات والمؤسسات الخيرية، فقدمت استقالتى وقبلوها على الفور دون اجراء التحقيق الذى طلبته.
كل ذلك جرى ونحن نعيش تحت سقف واحد، لكن عدوانيتها لم تتوقف عندى وحدى وإنما امتدت إلى ابنتيها، ففى أحد أيام الجمعة، وبعد أن تناولنا طعام الافطار وتصفحت الأهرام ذهبت لأداء الصلاة، ثم ناديت، أحد النجارين وهو يسكن فى الشارع المقابل، لإصلاح باب البلكونة، وكانت البنتان تلعبان، وتقفزان هنا وهناك، مثل كل الأطفال، لكن أمهما لم تتحمل هذا الصخب وانهالت عليهما ضربا وركلا، ثم هددتهما بالحرق بملعقة ساخنة! فصرخت فى وجهها، وتكهرب الجو لعدة دقائق ثم سكت الجميع، فاصطحبت الرجل لشراء قطع الغيار المطلوبة للبلكونة، وغبنا نصف ساعة فقط، وعندما دخلنا البيت وجدتها فى حالة صراخ، وهى تقول «حرقتهم.. حرقتهم» فاندفعت نحو باب غرفة المكتب فوجدته مغلقا، فبحثت عن المفتاح، وفتحت الغرفة، فوجدت الفتاتين ملقاتين على وجهيهما على الأرض، وأيديهما مكتوفة بدوبارة، ولا صوت، ولا ضوء، ونظرت إليهما، فوجدت أن أمهما كتمت صوتيهما بكمامة، وعشت فترة عصيبة للغاية، وهممت بإبلاغ البوليس لكن الجيران منعونى حرصا على مستقبل زوجتي، وأشار أحدهم إلى أنها ربما تكون قد تعرضت للحرق بهذه الطريقة وهى صغيرة، فاكتفيت بالكشف الطبى عليهما، والبدء الفورى فى علاجهما طبيا ونفسيا، وشكوت إلى أهلها فى الصعيد، فبعثوا بشقيقها لتهدئة الأمور، وقال لى فى وجودها «بكرة العيال تكبر، وتنسي، وهيه دى الطريقة التى عاملونا بها، وكنا بنخاف وبنحفظ الدروس كويس»، ولم يتوقف عقابها لهما عند هذا الحد، فهى ترى أن كل تصرف منهما بمثابة تحد لها، يجب عقابهما عليه، ومن ألوان العقاب العض، وذلك بالنوم على الطفلة «سطحيا» ثم عضها عشوائيا فى عدة أماكن، وهكذا وجدت أن جسمى الطفلتين مملوءان بالعض اليومى المتنوع فى طوله وعرضه وعمقه!
ومضت زوجتى فى طريقها الذى رسمته منذ البداية، ولم تصدق فى أى اتفاق بأن تكون أما وزوجة مثل كل الأمهات والزوجات، وظلت تخطط لأخذ كل شيء بمستندات مزورة، وتحقق لها ما أرادت، ثم خلعت نفسها، وأصبحت خالى الوفاض بعد أن كنت واحدا من كبار الأثرياء، وتأثر كل شيء فى حياتي، لكن ما يهمنى هو مصير الطفلتين المعرضتين للنوم فى الشارع بعد أن جردتنى أمهما من كل أملاكي، وسيطول حبل التقاضى الذى لا أقوى عليه، وأنا فى هذه المرحلة من العمر.
أعلم أننى أخطأت عندما تزوجت فتاة فى سن أحفادى وربما أصغر منهم، ولم ألق بالا للمستوى الاجتماعى والتعليمى والاقتصادي، وضرورة تقارب السن، لكننى دفعت الثمن غاليا، ولا يشغلنى شيء سوى أن أطمئن على مستقبل ابنتّىّ، فأمهما ليست أمينة عليهما، وليست بيدى حيلة الآن، فبماذا تشير عليّ لإنقاذ ما يمكن انقاذه؟ وكيف أعيش ما تبقى لى من عمر فى أمان وسلام؟
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
الخطأ الذى يرتكبه المرء، فى سن متقدمة، هو خطأ قاتل لا يمكن علاجه بأى حال من الأحوال، فلقد أقدمت على الزواج الثانى بعد أن تعديت سن السبعين تقريبا، ووجدت ضالتك فى فتاة تصغرك بأكثر من خمسين عاما، فأى زيجة هذه؟.. وكيف يمكن أن تنجح وهى قائمة على غير أسس بالمرة؟.. إذ إن من تصورت أنها سوف تعوضك عن زوجتك الراحلة، وجدت فيك فريسة ثمينة، سرعان ما تنقض عليها، وتمتص دماءها، ثم تتركها عظاما نخرة، وحققت ما أرادت، بمساعدة أهلها الذين باعوا ابنتهم بثمن بخس، فلجأوا الى حيلة الأصل والصورة لكى يأخذوا الفيلا كلها، ثم أغواك شبابها ففتحت لها خزينة المجوهرات والتحف غالية الثمن والقيمة والتى دفعت فيها رفيقتك الأولى كل مدخراتها، وكان أملها أن تنجب أولادا وبنات يرثونها بعد رحيلها لكن إرادة الله قضت بألا تنجب، وبدلا من أن تحافظ على أشيائها وممتلكاتها اذا بك تعطيها لمن اعتقدت أنها ستكون باب السعادة عليك.. نعم كان هذا هو هدفك منذ البداية، السعادة والمتعة، أما الاستقرار فلابد أنك تعلم وأنت استاذ فى التربية أنه لا يمكن أن يتحقق فى مثل هذه الزيجة، حيث ان له عوامل عديدة أهمها تقارب السن والتربية الصالحة، والأخلاق الحميدة، وموافقة الأهل من كلا الطرفين.. ولكن للأسف ضربت عرض الحائط بكل ما تؤمن به وتنادى تلاميذك بأن ينتهجوه طلبا لمتعة زائلة بكل تأكيد.
وبرغم أن الشواهد التالية لواقعة الفيلا قد كشفت لك «الخطة الخبيثة» التى وضعتها زوجتك مع أهلها وابن عمها الذى ادعت انه كان يريدها زوجة له ورفضته، فإنك استمررت معها، بل وأعدتها الى عصمتك بعد طلاقها!.. وتوالت أخطاؤك بإشراكها فى مسئولية مؤسسة خيرية، وأنت تعلم تماما أن نهايتك ستكون على يديها، فصرت «مغيبا» فاقدا الوعي، وراحت تنكل بك كيفما شاءت، وأنت مسلوب الإرادة!
ونصل الى واقعة «الملعقة الساخنة» التى لسعت بها البنتين فى أثناء وجودك خارج البيت مع النجار لشراء لوازم إصلاح باب البلكونة، وبالرغم من العنف الذى مارسته ضد الطفلتين، فإن الأمر تحصيل حاصل، وسواء كان ذلك سلوكا مستحدثا لديها، أو أنه ناتج عن عقدة نفسية عانتها منذ صغرها فإن هذه الواقعة فى النهاية ليست الأساس فيما آلت إليه أحوالكما التى كان طبيعيا أن تنتهى الى ما صارت إليه بخلعك من حياتها، بعد أن استولت على كل شيء.
إن الفارق الكبير فى السن بينكما والذى يزيد على خمسين عاما لا يمكن أن يؤهل الحياة الزوجية للنجاح، فأقصى فارق لا يؤثر على العلاقة بين الزوجين هو عشر سنوات، أما اذا تعدى ذلك فتحدث المشكلات التى تنتهى فى أغلب الأحوال بالانفصال، والوضع يختلف من المجتمعات التقليدية عن الحضرية، ففى الأولى قد تستقر الزوجة رغما عنها بحكم طبيعة الحياة التى تعيشها، والأجواء المحيطة بها، أما فى الثانية فسرعان ما تكتشف الزوجة وهم ما كانت تتخيله، فتبحث عن أى وسيلة للخروج من دائرة الزوج الكهل ولو بالخلع، طلبا للزواج والحياة مع شاب مثلها يقاربها فى السن، وتستعيد معه شبابها الضائع!
واذا كان الزواج سكنا للنفس، فكيف تسكن نفس الفتاة الصغيرة فى أول تفتحها للحياة مع نفس مسن توشك أن تودع الدنيا؟.. بالطبع هذا شيء مستحيل وبالتالى فإن هذا الزواج يلحق الأذى النفسى بالفتاة فلا تتكيف مع شريك حياتها، وتدخل فى أطوار من عدم الراحة النفسية، وربما تنتابها حالات من القلق والخوف والتوتر والشعور بعدم الأمان، مما يعمق لديها عدم الرغبة فى الحياة، أو السعى الى تغيير واقعها سواء بالهروب الى أحلام اليقظة، أو بالمواجهة، أو بتحويل الحياة الزوجية الى جحيم لا يطاق مثلما فعلت زوجتك التى أصيبت بحالة نفسية جعلتها تحرق ابنتيها بالملعقة الساخنة، وتخطط لكى تجعلك على «البلاطة» فتصبح فى هذا الوضع الذى أنت فيه الآن.
ولاشك أن الفجوة العمرية غير المناسبة بين الزوجين يترتب عليها الشك والغيرة، فانعدام «الأمن العاطفي» خاصة لدى كبار السن يمكن أن يؤدى الى الشكوك والوساوس بشأن سلوك الزوجة برغم أنه لا يكون هناك أساس لذلك، كما أن جنون العظمة «الاضطراب العقلي» أمر شائع جدا بين الرجال الذين يلجأون الى هذا الزواج، فيشكون فى كل قول وفعل لزوجاتهم الشابات.
وقد تحدث مواقف محرجة للزوجين، ففى كثير من الأحيان يعتقد البعض أن الزوجة الشابة برفقة المسن هى ابنته، فيسعى الى حجبها عن الآخرين، ويتجدد الشك ويسود القلق حياته.
أيضا يقدم الزوج على تقديم تنازلات من أجل إرضائها، ولكن لا أحد يستطيع الاستمرار فى ارضاء شريك حياته الى الأبد، فالعلاقة الزوجية أخذ وعطاء، ويزداد الأمر صعوبة عندما تشعر الزوجة بأن ما تحصل عليه من امتيازات حق طبيعى وثمن للبقاء مع زوج عمره أربعة أو خمسة أمثال عمرها!.. وهنا تحدث الفوضى التى يدفع ثمنها الأطفال، مثلما تعانى ابنتاكما الآن بعد أن خلعتك أمهما وراحت تبحث عن زوج شاب مناسب لها.
هذه هى الصور والنماذج التى تزخر بها الحياة، ولم أكن أتصور أن رجلا فى مكانتك العلمية والاجتماعية ينزلق الى التفكير فى زيجة غير متكافئة بهذا الشكل، ولقد بات عليك أن تستعين بالعقلاء من عائلتيكما فى حل المشكلات العالقة بينكما سواء فى المؤسسة الخيرية التى تحمل اسمك، لكنك قدمت استقالة مسببة من رئاستها، أو الشقق والعقارات التى استولت عليها، وليكن الدافع الى ذلك هو ابنتاكما اللتان يجب تنشئتهما فى جو أسرى بعيدا عن الشقاقات والخلافات، فإذا ضمنت الحد الأدنى من حقوقك فلا داعى للمحاكم التى تطيل أمد القضايا وقد لا تحصل فى النهاية على حقوقك بما حررته هى من مستندات مزورة، ولكن بأختام سليمة، ومن واقع ما بحوزتها من صلاحيات اتفقتما عليها من قبل، وأرجوها أن تستمع الى صوت العقل والحكمة، وهى الأستاذة الجامعية إذ أننى أعيب عليها أن تنتهج هذا السلوك الذى يرفضه العقل والدين، كما أن كنوز الدنيا كلها لا تساوى «بهدلة» بنتين فى عمر الزهور.. وأقول لها: عودى الى رشدك، واعلمى أن ما تزرعينه اليوم سوف تحصدينه غدا، وأن الذى يغويك على التنكيل بمطلقك، سوف ينبذك بعد حين ولن ينفعك الندم بعد فوات الأوان، فالكرة فى ملعبك الآن وتستطيعين إصلاح ما أفسدتيه، فسارعى الى مغفرة من ربك، وسوف تتفتح لك أبواب الرزق الحلال، والخير الوفير، وتسعد ابنتاك بك، وبأبيهما الذى أرجو أن يكون قد استوعب هذا الدرس الكبير، واسأل الله أن يرشدكما الى الطريق الصحيح، وهو وحده المستعان.