بريد الجمعة يكتبه : أحـمــد البــــــرى
الابتسامة المزيَّفة!
أكتب لأول مرة عن تجربتى القاسية التى أتجرع مرارتها منذ صباى وحتى الآن، فأنا سيدة فى الرابعة والثلاثين من عمرى، نشأت فى أسرة يجمعها الحب والدفء الجميل الذى طالما سعدنا به، ولمست الحنان، ونعمت بالأمان طوال سنوات طفولتى الأولى، ولكن الحال تغيرت، والأمور تبدلت بعد رحيل أمى عن الحياة، وأنا فى الصف الثالث الاعدادى، فمنذ تلك اللحظة عشت حياة كلها تعاسة وشقاء، وماتت فرحتى، واختفت ابتسامتى، ووجدتنى فتاة متخبطة وسيطر علىّ الاكتئاب، وتراجع مستواى الدراسى، ولم تفارق صورة أمى خيالى ليلا ونهارا، وكثيرا ما كنت أصحو من نومى مفزوعة، فلا أجدها بجانبى، فأنخرط فى بكاء بصوت مسموع، لكن هيهات أن يسمعنى أحد، بعد أن اختفت إلى الأبد من كانت تربت على كتفى، ولا يغمض لها جفن حتى أنام، ووسط هذه الأجواء الحزينة أديت امتحان الشهادة الاعدادية، وفوجئت بأن مجموعى لا يؤهلنى للالتحاق بالثانوى العام، فالتحقت بمدرسة تجارية، حصلت منها على دبلوم متوسط بمجموع أهلنى للالتحاق بمعهد للسياحة والفنادق، لكن أبى رفض التحاقى به، ومات حلمى فى دخول الجامعة، وصار مؤهلى دبلوم التجارة الذى كثيرا ما عيرنى به أهل زوجى فيما بعد!
نعم ياسيدى، فلقد زوجنى أبى زواجا تقليديا، وأنا فى سن الحادية والعشرين، ممن رأى فيه زوجا مناسبا، ولم يدع لى فرصة للتفكير، أو يلقى بالا لمشاعرى نحوه. وانتهى بى المطاف إلى أن أصبحت عضوا جديدا فى «بيت عائلة» كعادة أهل الريف، والمناطق الشعبية، ولست صاحبة منزل مستقل، لى شقتى وحياتى الخاصة بعيدا عن الآخرين، ومع ذلك سعيت بإصرار إلى الحصول على الحب بالعشرة الحلوة، والتغاضى عن الطلبات العادية التى تتطلع إليها البنات فى بداية حياتهن الزوجية، لكن أهل زوجى لم يدعوا لى فرصة للتأقلم على عاداتهم وتقاليدهم، وتدخلوا فى كل كبيرة وصغيرة تخصنا، وضيقوا الخناق علىّ وحتى هو لم أشعر منه بالحنان والحب المعتاد بين الأزواج، ولم أسمع كلمة حلوة أبدا، وساءت تصرفاته معى بمرور الأيام من قسوة وإهانات وسب وضرب بعنف، وكنت كلما تعرضت لموجة جديدة من عنفه، أطلب الطلاق، لكنه يبدى تغيرا يجعلنى أصبر على أذاه أملا فى أن تتحسن معاملته لى.
ومرت الأيام، ووضعت طفلتى الأولى، ودعوت الله أن يلين قلبه بعد أن أصبح أبا، لكن هيهات لمثله أن يلين، أو حتى أن يعرف معنى الأبوة، فلقد مرض أبى مرضا شديدا، فهرولت إليه، وأنا أحمل طفلتى التى كانت وقتها قد بلغت سن عشرة شهور، وبعد يومين فقط جاءنى زوجى، وأخذنى معه، وتركت أبى على فراش الموت، بعد أن فشلت فى إقناعه بأننى إن لم يكن لى خير فى أبى، فلن يكون لى خير فى غيره، فهو لايفكر إلا فى نفسه، ولا يعنيه غيره، المهم أن ينفذ ما يمليه عليه أبوه وأمه، وبعد اسبوعين فقط فارق أبى الحياة، وأنا بعيدة عنه، فاحترقت كمدا، وأصبت بقهر شديد، وأتذكر كلمات أبى الأخيرة لى عبر الهاتف، وهو «يحسبن» عليهم جميعا لتدخلهم المستمر فى أدق تفاصيل حياتى، وفقدت السند الثانى لى برحيله، وتجددت أحزانى على رحيل أمى التى لم تندمل جراحى على فراقها برغم مرور السنين.
وعزمت على ألا أساعد أبويه، مثلما حرمنى من مساعدة أبى، ثم تراجعت عن موقفى عندما مرضت أمه، إذ طلب منى أن أنزل إليها، وأكون إلى جوارها، فلم أنطق بكلمة واحدة، وأقبلت على خدمتها ورعايتها، وقلت فى نفسى، ربما يشعر بالذنب تجاهى، وربما تتغير معاملته لى، وللأسف ذهبت ظنونى أدراج الرياح، حيث زاد قلبه غلظة، وتفاقمت أزمتى مع أهله الذين لا تعرف الرحمة طريقا إليهم، ومرت أعوام على هذه الحال أنجبت خلالها ابنى الثانى، ثم أخبرنى أن ظروف عمله تقتضى منه الانتقال إلى محافظة أخرى، وأنه لن يكون باستطاعته السفر يوميا، وطلب منى الانتقال إليه فى سكن مؤقت إلى حين أن تستتب أموره، ففرحت كثيرا لمجرد أننى سأبتعد عن أهله ولو لفترة مؤقتة، وبالتحديد فى إجازة المدارس، حيث كانت ابنتى فى الصف الثالث الابتدائى، وكان ابنى فى السنة الأولى، واشتريت ملابس جديدة لى ولابنىّ من مال ادخرته من إرثى عن أبى، كما أن لى مبلغا من عائد الارث أحصل عليه كل شهر، وذهبت إليه وأنا فى أبهى صورة، والحقيقة إننى وجدته كما توقعت، فلقد قابلنى ببرود، ولم أفاجأ بمقابلته الجافة، وحاولت أن أعرف ما يخفيه عنى، فالمرأة قادرة على أن تعرف ما يدور بداخل زوجها إذا أحست تغيرا ملموسا فى علاقته بها، وتأكدت من أن امرأة أخرى تشغل باله، وتسيطر على تفكيره، وأدركت اننى مهما فعلت فلن أثنيه عما ذهب إليه!.. وكلما هممت بأن أترك له البيت، أجد ابنىّ حولى، فأتراجع، فسعادتهما بوجودهما مع أبويهما لا تعادلها سعادة، ولكن ماذا أصنع إزاء تصرفات زوج لا يعرف غير الضرب والاهانة؟!
لقد بلغ الأمر إلى درجة أن أخته لم تتحمل مشهد الضرب الذى تكرر أمامها أكثر من مرة، فهاجمته، وغضبت من أجلى، وقالت له إنه لا يعقل ما يفعله معى، وليس هناك من يفعل بزوجته ما يفعله بى، لكنه لم يتغير، فتركت المنزل، وذهبت إلى بيت أختى، وأصررت على الطلاق، وجاءنى أخوه طالبا منى العودة إلى إبنىّ وبيتى، فأكدت له استحالة أن يتغير زوجى، فعرض علىّ حلا وافقت عليه، وهو أن أعود إلى شقتى لرعاية ابنىّ والاهتمام بأمرهما بشرط ألا يدخل زوجى الشقة أبدا، وليس له أى حق عندى كزوج، كأنى مطلقة!، وبالفعل عدت إلى المنزل، وظللت عاما كاملا على هذا الوضع، فلا أرى زوجى، ولا أكلمه، أو اتصل به!! ولا أدرى إن كان يرى ابنيه لدى أبويه أم لا؟!
ولكن ما لم أفطن إليه إلا بعد شهور طويلة، هو أن حماى وحماتى بثا بذور الكراهية فى ابنىّ تجاهى، فتغيرت معاملتهما لى، وساءت تصرفاتهما معى، وتعمدا مضايقتى فى كل شىء، عندئذ عزمت على الخروج بلا رجعة، وظهر زوجى من جديد، وعاد إلى الاهانات بصورة أشد قسوة فذهبت إلى أختى، وفكرت فى مصير ابنىّ وكيف سأعيش بدونهما، وكتمت أحزانى داخلى، وبعد أيام حادثنى هاتفيا، وعبر الانترنت، وأشعرنى بأسفه وندمه، ورغبته فى تغيير أسلوبه معى، وشكا لى سوء الحياة التى عاشها بدونى طوال عام كامل، ونصحنى من حولى بالعودة إليه، لكنى لم أستجب لنصحيتهم، فمثله لن تنصلح حاله أبدا، فأسفه هذا لم يكن نابعا من داخله وإنما كان مدفوعا إليه لابتعاد محبوبته عنه، ولذلك سرعان ما عاد إلى سيرته الأولى معى، بعد أن عادت هى إليه!، وذهبت كلمات الندم وحلت معها عبارات السب والشتائم بأحط الألفاظ!.. وكل ما طلبته منه أن يكون ابناى معى، فوعدنى بأن يرسلهما إلىّ بعد انتهاء السنة الدراسية، وجاءت الاجازة الصيفية ولم يف بوعده لى، ثم قال لى: إنه سيأتى بهما إلىّ فى العام المقبل، أى أن علىّ أن أنتظر عاما كاملا لا أراهما فيه!.. طبعا هذا مستحيل، وكان بتصرفه هذا يدفعنى إلى اللجوء إلى المحكمة، لكنى لم أشأ أن تصل الأمور بيننا إلى حد المواجهة أمام القضاء، وفكرت فى أن أكرر التجربة وأعود إليهما فى «بيت العائلة» كما فعلت سابقا بالحل الذى اقترحه شقيقه، لكنه رفض، فلم أهتم بموقفه اقتناعا منى بأن من حقى سكنا يجمعنى بابنىّ، وإن لم يوافق على ذلك فليأت لنا بسكن آخر، وذهبت إلى المنزل مرغمة، فلقد عشت فيه أسوأ أيام حياتى، وهناك فوجئ بى!! ولاحظت عليه علامات الاضطراب والضيق بشكل مختلف عما اعتدته عليه، وعرفت من أحاديث أهله أنه عقد العزم على الزواج من محبوبته، وانه أفهمها اننا انفصلنا. وتم طلاقنا!، ولا يعرف كيف سيبرر لها وجودى فى المنزل!
وفجأة هاج ضدى كالوحش الكاسر، واتهمنى فى شرفى، وقال: «سوف آخذك إلى الطبيب للكشف عليكى، ربما تكونين حاملا» ثم ضربنى ضربا مبرحا بسلك الدش، وحبسنى فى المنزل، ومنعنى من الاتصال بإخوتى، ثم قال بصوت عال وقد أصابته حالة هيستيريا، «إنتى مش لاقية تاكلى وتنامى، علشان كده جيتى تانى» وغيرها من الكلمات والألفاظ التى يصعب علىّ أن أذكرها.. وحاول أن يأخذ توقيعى على ورقتين على بياض، فرفضت تماما، ومع نهاية الفصل الدراسى الأول، طلبت الطلاق من جديد، وذهبت معه إلى المأذون، واصطحب أباه وأخاه، وكنت بمفردى، وتنازلت له عن جميع حقوقى، وعدت إلى المنزل حاملة أوجاعى وجروحى، وأنا أحاول إخفاءها خلف ابتسامة مزيفة، وضحكة كاذبة.. صحيح اننى مرتاحة لطلاقى منه، لكن ما قاسيته، وما سأقاسيه ليس بالشىء الهين.
إننى أنتظر نهاية العام الدراسى لكى أنتقل بابنى وابنتى إلى القاهرة، وأنا لا أملك سكنا خاصا بى، ولا أثاث منزل، ولا أى مبلغ يعيننى فى رعايتهما، وعلىّ أن أرضى بالقليل مما سوف يرسله إليهما.. ولقد ذهبت إلى الشئون الاجتماعية لتسوية معاش مطلقات، وعلمت أننى بعد ستة أشهر يمكننى أن أحصل على هذا المعاش، وسمعت أن هناك شققا للمطلقات والأرامل بأسعار رمزية وأيضا صندوقا اجتماعيا خاصا بهن يعمل على إعطائهن قروضا أو ما شابهها، لكنى لم أصل إلى شىء، وتحترق أعصابى كلما مرت الأيام دون أن أجد حلا لمشكلتى، وفوق كل ذلك أتألم كثيرا وأنا أجلس بمفردى أسترجع شريط الذكريات الأليمة، وتخطر ببالى الآيات القرآنية التى تتناول العلاقة بين الأزواج والزوجات ومنها قوله تعالى: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة». وأسأل نفسى، ولماذا لم أجد المودة والرحمة مع مطلقى؟ وقد وجدت الإجابة فى قوله عز وجل «وإن من أزواجكم وذرياتكم عدوا لكم فاحذروهم».. نعم فنحن لا نحسن الاختيار ثم ندفع الثمن.
وأريد أن أقول لك إننى لا أنوى تكرار تجربة الزواج، وأرجو أن تدعو الله أن يعيننى على مسئولية ابنىّ، فلم يعد لى فى الدنيا سواهما، ويكفينى ما عانيته على مدى ثلاثة عشر عاما من عذاب، وأن أنعم بالراحة والطمأنينة بعد طول المعاناة، وألف حمد وشكر لله رب العالمين.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
حينما يسوق الأب والأم ابنتهما إلى الزواج من شخص لا ترغب فيه، أو تتزوج هى بإرادتها ممن لا ترتاح إليه تحت ضغط الأسرة، فإنهم يدقون المسمار الأول فى نعش الزواج، فالمؤكد أن الحياة الزوجية لا تستقيم بدون تفاهم وتوافق وتكامل بين الزوجين، وهذا هو الحب بمفهومه العميق، وليس القصص الغرامية التى ترويها الأفلام والحكايات، وغيابه يجعل كلا الطرفين غارقاً فى الإحساس بالعزلة والخوف والترقب والقلق، وممتلئاً بالرغبة فى جرح الآخر والتربص به، وحتى إذا استمر رباط الزوجية فإن كلا منهما يعيش مع الثانى لهدف ما كالمال أو الأولاد، وتتحول الميزة التى تزوج من أجلها إلى سيف مسلط على رقبته.
أيضاً إذا اختفى الحب تصبح الحياة مع النفس عذابا، ويصير الارتباط مع شريك العمر جحيما، ولكن فى الوقت نفسه هناك زيجات تقليدية عن طريق الصالونات حققت نجاحاً كبيراً، وهذا يعنى أن الزواج تجربة اجتماعية مثل أى تجربة إنسانية أخرى خاضعة للنجاح أو الفشل، ولا تحكمها قواعد جامدة، فكل اثنين حالة خاصة جداً، وإذا كان الإنسان «رجل أو امرأة حالما وخياليا، فإنه يبحث عن زواج الحب» بالمعنى العاطفى، وإذا كان عمليا وواقعيا، فهو يبحث عن زواج العقل، وليست كل زيجة ناجحة سعيدة، فالنجاح بالنسبة للكثيرين يرجع إلى نظرتهم العاقلة فى معالجة الأمور، ولا تؤثر الخلافات العادية بينهم على صلب الزواج، ولذلك يستمر دون عوائق تؤدى الى الطلاق.
إذن ليست هناك قواعد محددة منذ البداية يستطيع المرء أن يقيس بها إذا كانت الزيجة ستنجح أو تفشل، فكل ارتباط بين اثنين له طريقة خاصة، وظروف وعوامل يصعب تعميمها أو حصرها وإنما يمكن استنباطها فى فترة التعارف ثم الخطبة، وقبل إتمام الزواج بملاحظة التصرفات العامة، والتأكد من الانسجام النفسى، والتعرف على مدى تغلغل الأب والأم فى حياة ابنهما أو ابنتهما.. فما حدث معك هو أن والدك لم يدقق اختيار زوجك ولم تتأكدى من مشاعرك نحوه، وإنما انجررت إليه نتيجة عوامل أسرية كرحيل والدتك وأنت طفلة، وانشغال أبيك عنك، وعدم التحاقك بالجامعة، فتصورت ان زوجك سيكون الملاذ الآمن لك فإذا به شخص آخر يخضع لإملاءات أبويه، ويأتمر بأمرهما. وساعد على ذلك أنك تعيشين فى «بيت عائلة» بما يعنيه ذلك من تدخل حتمى لأبويه فى حياتكما.
والحقيقة أنه غالى كثيراً فى مضايقتك لدرجة أنه استدعاك من منزل أبيك رافضا أن تكونى بجواره فى أيامه الأخيرة، وهذا الموقف غير المفهوم كان بداية التدهور السريع والمتلاحق لعلاقتكما معا، ورفضت أخته تصرفاته، وأيضاً أخوه الذى تدخل بحل غريب، هو أن تعودى إلى المنزل لتربية الأولاد، بشرط ألا يدخل شقتك، ولا تكون له حقوق عليك كزوجة، وهو شرط غريب لا أتصور حدوثه، فكيف تمنعين نفسك عن زوجك عاماً كاملاً، وأنت على ذمته، ألا تدرين ياسيدتى أنه فى حالة الطلاق الرجعى، تظل الزوجة فى بيتها خلال فترة العدة حتى إذا أتاها زوجها، تعود حلالاً له، فوجودها فى المنزل يقرب النفوس، لكن اشتراطك عدم دخوله عليك كان معناه أنك تكتبين نهاية الحياة الزوجية معه، ولو أنك طلبت الطلاق وقتها لكان أفضل لك مع حفظ كل حقوقك، ولا أدرى كيف وافق على هذا الحل العجيب الذى تسبب فى تعميق الفجوة بينكما لدرجة يصعب سدها، وكانت النهاية الحزينة هى الطلاق الذى تنازلت فيه عن كل شىء مقابل أن تتخلصى منه !
أما عن حكاية محبوبته فلا أعتقد أن الأمر بالصورة الماثلة فى ذهنك، فلو أراد أن يتزوجها لارتبط بها. وربما يكون متزوجا منها بالفعل وأنت لا تعلمين بتفاصيل هذا الزواج، خصوصا خلال فترة العام الذى انقطعت فيه علاقتك به.
ولا أدرى أين أخوتك وأهلك ولماذا لم يقربوا المسافات بينكما بوضع النقاط على الحروف، فإن شئتما استكملتما الحياة معا، أو افترقتما بإحسان قبل أن تصل الأمور الى حد ابرائك له من حقوقك التى كفلها لك الشرع والقانون؟
ويبقى أن أتناول تحذير الله عباده المؤمنين، بأن من أولادهم وأزواجهم من هو عدو لهم، وأن الأموال والأولاد فتنة، وذلك في قوله سبحانه: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ”
فالواقع المراد بهذه العداوة هو أن الإنسان يلتهي بهم عن العمل الصالح، أو أنهم يحملونه على قطيعة الرحم، أو الوقوع في المعصية، فيستجيب لهم بدافع المحبة لهم، فلا تشغلى بالك بما ليس لك فيه حيلة، وتطلعى إلى المستقبل بعين جديدة، وابتسامة ملؤها الرضا، وليست الابتسامة المزيفة التى ابتسمتها لحظة الطلاق.
إنه درس جديد أرجو أن تكونى قد استوعبتيه، أما قرارك بعدم الزواج مرة أخرى، فهو قرار غير صائب، فالمسألة لا تؤخذ بهذا المنطق الغريب، وإنما يجب أن تعطى لنفسك فرصة كافية قبل الدخول فى تجربة جديدة، للتأكد من جدية الطرف الآخر ورغبته فى الحياة المستقرة، وتجاوزه عن الهفوات، وموقفه من ابنيك، فكثيرون من الأزواج يحيلون حياة زوجاتهن اللاتى لديهن أبناء من زواج سابق الى جحيم بعد فترة، ويطردون الأولاد الأبرياء فيجدون أنفسهم فى الشارع بلا أب أو أم، وهناك على الجانب الآخر أزواج يتقون الله، ويعاملونهم كأبنائهم رغبة فى إرضاء الله، فاتركى موضوع الزواج الثانى لوقته حين يأذن المولى عز وجل وبعيداً عن معاش المطلقات فهذه مسألة سوف تأخذ وقتاً طويلاً وتحتاج الى تشريعات قد تستغرق سنوات، فإن مطلقك ملزم بدفع نفقة ابنيه، وتوفير المسكن المناسب لحضانتهما بالقانون، فلا تيأسى من المطالبة بحقوقهما، وعليه أن يتقى الله، وألا يتركهما فى مهب الريح، وليت أبويه اللذين ساهما فى إشعال الخلافات بينكما يدركان أنهما جنيا على ابنهما ويصححا موقفهما بإنقاذ ما يمكن إنقاذه عن طريق مد جسور التواصل مع حفيديهما، لكى ينشآ نشأة سوية بين أبويهما فيكون هناك اتفاق على كل مايخصهما من الرؤية والمتابعة وتبادل الزيارات.
أسأل الله أن يعينك على تحمل مسئولية ابنيك، وأن ينير لك الطريق نحو حياة مستقرة خالية من المنغصات، وأن يهبك من يقدرك لذاتك ويكون رحيما بابنيك، وهو وحده المستعان.