الشاعر عبد القوى الأعلامى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالأحداثموسوعة الأعلامى الحرةأحدث الصورالتسجيلدخول

شاطر
 

 بريد الأهرام ( بريد الجمعة )

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1 ... 38 ... 73, 74, 75 ... 81 ... 88  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
هناء العدوي
مكرم
مكرم
هناء العدوي

انثى
عدد الرسائل : 1164
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 210
بلد الإقامة : القاهرة
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 Unknow10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 S3eed10
نقاط : 7550
ترشيحات : 12
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 112

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 I_icon_minitime20/3/2015, 22:26

الباحثة عن الحنان


بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 2015-635624004165831048-583

استوقفتنى رسالة فى بريدك اليومى الأحد الماضى تحت عنوان «طلب بسيط.. ولكن»

لسيدة كانت فى رحلة عمرة، قالت فيها إنها كانت تؤدى صلاة العشاء فى المسجد النبوى الشريف، وسمعت امرأة تتحدث بلهجة ريفية وتدعو ربها قائلة «يارب شوية حنية... مش عايزة كتير.. شوية صغيرين.. ندعة حنية يا رب».. وأضافت أنها تمنت لو احتضنتها لتعرف ماذا بها؟.. ولكنها فضلت ألا تقاطع تواصلها مع الله، ومضت إلى حالها، وهى مذهولة من بساطة الدعاء والطلب والرجاء، وتمنت لو امتد الحنان ليشمل الجميع، وأقول لك: أنا السيدة التى قصدتها كاتبة الرسالة، وأروى لك حكايتى منذ البداية، حيث إننى أم فى السابعة والستين من عمري، توفى زوجي، وأنا فى سن الخامسة والثلاثين، وكان هو فى نفس عمري، وقد أصيب بأزمة قلبية مفاجئة مات على أثرها فى الحال، وترك لى ولدين وبنتين، أنجبتهم تباعا، وكان أكبرهم لم يتعد عمره إثنى عشر عاما، والصغرى ست سنوات، ونصحنى أهلى بالزواج وقتها لكنى رفضت بإصرار مجرد مناقشة الموضوع حرصا على مستقبل أولادي، وعلى مشاعرهم من أن آتى لهم بزوج أم مع ما هو معروف من تداعيات زوج الأم على الأولاد والبنات من أب آخر.

واحتضنت أولادي، وعشنا بمعاش استثنائى حصلت عليه لوفاة زوجى المفاجئة، وبعت ذهبي، واستعنت أيضا بمساعدات أهلى فى تعليم أبنائى وتخرجوا فى الجامعة واحدا تلو الآخر، وعملوا فى وظائف مرموقة، وتزوجت البنتان من شابين ممتازين، وتزوج الولدان من فتاتين، اكتشفت بمرور الوقت أنهما ابعدتا ابنيّ عني، فلم يعد أحد يزورني، وكم كنت أشعر بغصة فى حلقي، ويعتصر الألم قلبي، وأنا أسمع من صديقاتى أن ابناءهن يتجمعون لديهن مرة كل أسبوع، وتنهمر من عينىّ الدموع حسرة على القسوة التى يعاملنى بها أبنائى بلا سبب، فوالله الذى لا إله غيره لم أقم بدور الحماة الموجودة فى الأفلام السينمائية، ولم أسئ إلى أحد.. لا إلى أبنائى... ولا إلى زوجاتهم وأزواجهم، ولكنها الأنانية وحب الذات، وهكذا دفعنى جحودهم ونكرانهم إلى أن أطلب من الله «ندعة حنية».. وربما تكون السيدة التى سمعتني، وأنا أبتهل إلى الله بهذا الدعاء قد تصورت أننى أطلب الحنان من الله، لا... ورب الكعبة فلولا حنانه سبحانه وتعالي، ما عشت بهذا السلام النفسى الذى أشعر به داخلي، وإنما أطلب قطرة حنان من أولاد وبنات أعطيتهم كل ما أملك، ولم أكن أتصور أن يأتى اليوم الذى أرى فيه الفرق الشاسع بين مشاعر الأم، ومشاعر الإبن.. لقد كنت أتعجب، وأنا أسمع جارتي، وهى تقول «قلبى على ابنى انفطر وقلب إبنى عليّ حجر» وكثيرا ما اختلفت معها، وكنت أرجوها ألا تقول ذلك إلى أن جاء اليوم الذى أعانى فيه ما عانته، فلقد انشغل أبنائى كل منهم بحياته، ومنهم من سافر إلى الخارج، ومن انتقل إلى الإقامة فى مكان بعيد، ومن يشغل نفسه بهمومه.. وأنا لا أطلب منهم مالا ولا ذهبا ولا فضة، وإنما أطلب قطرة حنان بالسؤال عنى والاطمئنان على أحوالي!.


ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

يا الله.. ما هذا الذى يحدث فى هذه الدنيا؟... أيعقل أن يصل الجحود إلى هذا الحد؟... فأقل ما يمكن أن يقدمه الابن لأمه هو السؤال عنها، وزيارتها والحرص على التواصل معها ليس كل أسبوع، وإنما كل يوم، إذا استحال عليه أن تعيش معه لضيق المكان وخلافه.. ومادامت لدى الأبناء القدرة المادية، كما هى الحال مع أولادك، فلماذا لا يتخذون لك مسكنا بجوارهم لتكونى قريبة منهم، فهل يعقل أن تلهى الدنيا الأبناء عن أمهم التى ضحت بسعادتها من أجلهم؟..

اننى أستعيد كلمة الدكتور حسام أحمد موافى أستاذ طب الحالات الحرجة بقصر العينى فى بريد الأهرام أمس «الخميس» عن الاحتفال بالأم المثالية، إذ يرى أن الأمر الطبيعى هو أن جميع الأمهات مثاليات، بما قدمنه لأبنائهن على مدار حياتهن، وأن الأفضل هو الاحتفال بالابن البار الذى هو عملة نادرة الآن.. ويقول: إن إظهار الابن الذى ضحى لأمه أو أبيه بجزء من حياته، وخصص لهما بعض الوقت للوقوف بجانبهما، يجعل منه قدوة لغيره فى أعمال نحن فى أمس الحاجة إلى الاقتداء بها...

نعم فالأم هى الكنز الحقيقى لأى إنسان، ولا يطمئن كائن من كان إلا فى حجر أمه، التى لا يشيخ حبها أبدا.. فقلبها وصدرها هما المدرستان التى يتعلم فيهما الأبناء الصدق والحنان، وكل الصفات الإنسانية التى لا يشعر بها ذوو القلوب المتحجرة، ونحن جميعا مدينون لأمهاتنا بما وصلنا إليه، وبما أعطينه لنا.

ومهما تحدثت عن فضل الأم، كما جاء فى الأديان، فلن أستطيع ذكر كل ما يتعلق بها، فهى أحق الناس بحسن المصاحبة، ووصى الله سبحانه وتعالى الإنسان بوالديه، وأفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم فى شرح فضلها على الأبناء، وجاء فى الإنجيل، والتوراة ما يؤكد رضا ربنا عمن يبر أمه وأباه... وأبدع الشعراء على مر العصور أبياتا تقطر حبا وحنانا فى أمهاتهم وآبائهم.. وأذكر هنا قول أمير

الشعراء أحمد شوقي:



فناحت الأم وصاحت واها



إن المعالى قتلت فتاها



وقال الشاعرالرائع حافظ إبراهيم:



الأم أستاذ الأساتذة الألي



شغلت مآثرهم مدى الآفاق



فيا كل الأبناء.. خذوا بأيدى أمهاتكم وآبائكم: واعلموا أنه لا سبيل إلى السعادة فى الدنيا والآخرة إلا برضاهم.. أسأل الله أن يلين قلوب الجاحدين، وأن يبارك فى أمهاتنا وآبائنا، فيرضون عنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أكرم عبد القوي
__________
__________
أكرم عبد القوي

ذكر
العمر : 57
عدد الرسائل : 23180
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 Profes10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 3011
نقاط : 37123
ترشيحات : 136
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 411

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 I_icon_minitime26/3/2015, 23:47

بريد الجمعة يكتبه : أحـمــد البــــــرى
الأزمة الطاحنة !




بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 2015-635630087108000012-800


هذه‭ ‬هى‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التى‭ ‬أكتب‭ ‬فيها‭ ‬إليك‭ ‬برغم‭ ‬متابعتى‭ ‬الدائمة‭ ‬لرسائل‭ ‬قرائك‭ ‬وردودك‭ ‬الحكيمة‭ ‬عليها،‭
 ‬والتى‭ ‬نحرص‭ ‬على‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬دروس‭ ‬تجارب‭ ‬أصحابها،‭ ‬وكلى‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬تخرجنى‭ ‬مما‭ ‬أعيشه‭ ‬من‭ ‬عذاب‭ ‬وتشتت،‭ ‬فأنا‭ ‬مهندس‭ ‬تعديت‭ ‬سن‭ ‬الثلاثين،‭ ‬وقد‭ ‬حققت‭ ‬نجاحا‭ ‬واستقرارا‭ ‬فى‭ ‬عملى،‭ ‬أما‭ ‬عن‭ ‬حياتى‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والزوجية،‭ ‬فواجهت‭ ‬فيها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المتاعب،‭ ‬وكانت‭ ‬البداية‭ ‬اننى‭ ‬خطبت‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات،‭ ‬ولكنى‭ ‬فشلت‭ ‬فيها‭ ‬لأسباب‭ ‬عديدة‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بى،‭ ‬وبعضها‭ ‬يتصل‭ ‬بالطرف‭ ‬الآخر،‭ ‬سواء‭ ‬الفتاة‭ ‬نفسها‭ ‬أو‭ ‬أهلها،‭ ‬وبرغم‭ ‬أن‭ ‬الخطبة‭ ‬الثالثة‭ ‬تمت‭ ‬بطريقة‭ ‬«زواج‭ ‬الصالونات‮» ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬بعض‭ ‬المعارف‭.‬ إلا‭ ‬أنها‭ ‬الأكثر‭ ‬تأثيرا‭ ‬فى‭ ‬حياتى،‭ ‬إذ‭ ‬خطبت‭ ‬فتاة‭ ‬تصغرنى‭ ‬بست‭ ‬سنوات‭.‬ واتفقنا‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شىء،‭ ‬وملكت‭ ‬قلبى‭ ‬وعقلى،‭ ‬ولا‭ ‬أبالغ‭ ‬إذا‭ ‬قلت‭ ‬لك‭ ‬أننى‭ ‬أحببتها‭ ‬بجنون،‭ ‬وارتبط‭ ‬أهلها‭ ‬بى،‭ ‬وتوطدت‭ ‬علاقتنا،‭ ‬وحددنا‭ ‬موعد‭ ‬الزواج،‭ ‬وبدأنا‭ ‬ترتيبات‭ ‬الزفاف،‭ ‬ومرت‭ ‬الأيام،‭ ‬وأنا‭ ‬أسارع‭ ‬الزمن‭ ‬لاستكمال‭ ‬ما‭ ‬ينقصنا‭ ‬من‭ ‬لوازم‭ ‬الأثاث‭ ‬وشقة‭ ‬الزوجية،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬قد‭ ‬تبقى‭ ‬على‭ ‬الموعد‭ ‬سوى‭ ‬شهر‭ ‬واحد،‭ ‬ولاحظت‭ ‬أن‭ ‬حماس‭ ‬خطيبتى‭ ‬أصابه‭ ‬الفتور،‭ ‬وبدت‭ ‬عليها‭ ‬تغيرات‭ ‬واضحة،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬هى‭ ‬الفتاة‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تطير‭ ‬فرحا‭ ‬عند‭ ‬لقائنا،‭ ‬فسألتها‭ ‬عما‭ ‬بها،‭ ‬فطلبت‭ ‬منى‭ ‬أن‭ ‬نتقابل‭ ‬معا‭ ‬خارج‭ ‬المنزل‭ ‬للحديث‭ ‬فى‭ ‬أمر‭ ‬مهم،‭ ‬فارتجف‭ ‬قلبى،‭ ‬وحاولت‭ ‬أن‭ ‬أعرف‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬بداخلها،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يشغل‭ ‬تفكيرها،‭ ‬ولا‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تخبرنى‭ ‬به‭ ‬فى‭ ‬بيتها‭ ‬خلال‭ ‬زيارتى‭ ‬لهم،‭ ‬لكنها‭ ‬أجلت‭ ‬الكلام‭ ‬فيما‭ ‬تريدنى‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نلتقى‭ ‬فى‭ ‬مكان‭ ‬آخر،‭ ‬وذهبنا‭ ‬معا‭ ‬إلى‭ ‬أحد‭ ‬الأماكن‭ ‬العامة،‭ ‬وهناك‭ ‬قالت‭ ‬لى،‭ ‬وهى‭ ‬ثابتة‭ ‬ولاتبدو‭ ‬عليها‭ ‬أى‭ ‬علامات‭ ‬للقلق‭ ‬أو‭ ‬الاضطراب‭ ‬إنها‭ ‬لا‭ ‬تشعر‭ ‬ناحيتى‭ ‬بأى‭ ‬عاطفة،‭ ‬ولا‭ ‬ترغب‭ ‬فى‭ ‬اتمام‭ ‬زواجنا،‭ ‬فهذا‭ ‬السبب‭ ‬وحده‭ ‬كفيل‭ ‬بإنهاء‭ ‬زواجنا‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬لحظة،‭ ‬فتسمرت‭ ‬مكانى،‭ ‬ووجدتنى‭ ‬كمن‭ ‬أدركه‭ ‬الغرق،‭ ‬ولا‭ ‬يدرى‭ ‬ماذا‭ ‬يفعل؟‭.. ‬وحاولت‭ ‬أن‭ ‬ألملم‭ ‬نفسى،‭ ‬وأستجمع‭ ‬قواى،‭ ‬وطلبت‭ ‬منها‭ ‬أن‭ ‬تعيد‭ ‬التفكير‭ ‬فى‭ ‬قرارها‭ ‬الذى‭ ‬ستترتب‭ ‬عليه‭ ‬تداعيات‭ ‬خطيرة،‭ ‬لكنها‭ ‬أصرت‭ ‬على‭ ‬موقفها،‭ ‬وفشلت‭ ‬فى‭ ‬اقناعها،‭ ‬وعدت‭ ‬وأنا‭ ‬لا‭ ‬أشعر‭ ‬كيف‭ ‬قطعت‭ ‬المسافة‭ ‬من‭ ‬المكان‭ ‬الذى‭ ‬التقينا‭ ‬فيه،‭ ‬حتى‭ ‬المنزل،‭ ‬واتصلت‭ ‬بأهلها،‭ ‬وأبلغتهم‭ ‬بقرار‭ ‬ابنتهم،‭ ‬وانسحبت‭ ‬فى‭ ‬هدوء‭.‬
 
وتجمع‭ ‬أهلى‭ ‬حولى،‭ ‬وطلبوا‭ ‬منى‭ ‬أن‭ ‬أنسى‭ ‬هذه‭ ‬الفتاة،‭ ‬وحمدوا‭ ‬الله‭ ‬على انها‭ ‬كشفت‭ ‬عن‭ ‬وجهها‭ ‬الحقيقى‭ ‬قبل‭ ‬الزواج،‭ ‬فقلت‭ ‬لهم‭ ‬اننى‭ ‬سوف‭ ‬أتزوج‭ ‬من‭ ‬أى‭ ‬فتاة‭ ‬أخرى،‭ ‬وفى‭ ‬أقرب‭ ‬وقت،‭ ‬فقال‭ ‬لى‭ ‬أبى‭ ‬أن‭ ‬الزواج‭ ‬لا يكون‭ ‬بهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬وأن‭ ‬علىّ‭ ‬أن‭ ‬أتمهل‭ ‬فى‭ ‬الخطبة‭ ‬الجديدة،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬أكون‭ ‬مدفوعا‭ ‬إليها‭ ‬بفشل‭ ‬الخطبة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬فلم‭ ‬آخذ بنصيحته،‭ ‬وعرضت‭ ‬علىّ‭ ‬والدتى‭ ‬فتاة‭ ‬أخرى‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المعارف‭ ‬أيضا‭.‬ وقرأنا‭ ‬الفاتحة،‭ ‬وبعد‭ ‬شهر‭ ‬واحد،‭ ‬اتصلت‭ ‬بى‭ ‬خطيبتى‭ ‬السابقة،‭ ‬واعتذرت‭ ‬عما‭ ‬بدر‭ ‬منها‭ ‬تجاهى،‭ ‬وطلبت‭ ‬أن‭ ‬أتجاوز‭ ‬عن‭ ‬خطئها‭ ‬فى‭ ‬حقى،‭ ‬وانها‭ ‬نادمة‭ ‬على‭ ‬تصرفها‭ ‬الذى‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬كيف‭ ‬أقدمت‭ ‬عليه،‭ ‬فهى‭ ‬تريدنى‭ ‬أنا،‭ ‬وليس‭ ‬أى‭ ‬أحد‭ ‬آخر‭!. ‬فلم‭ ‬يحرك‭ ‬كلامها‭ ‬شيئا‭.. ‬لا‭ ‬فى‭ ‬عقلى،‭ ‬ولا‭ ‬فى‭ ‬قلبى،‭ ‬فإننى‭ ‬وإن‭ ‬كنت‭ ‬أحبها‭ ‬لدرجة‭ ‬العشق،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬كرامتى‭ ‬ومشاعر‭ ‬خطيبتى‭ ‬والكلمات‭ ‬القاسية‭ ‬التى‭ ‬قالتها‭ ‬لى‭ ‬تمنعنى‭ ‬من‭ ‬الارتباط‭ ‬بها‭.‬
 
وبعد‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر‭ ‬أتممت‭ ‬زواجى‭ ‬بخطيبتى،‭ ‬وأنجبت‭ ‬طفلتى‭ ‬الأولى،‭ ‬وعشت‭ ‬حياة‭ ‬عادية،‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬أى‭ ‬مشاعر،‭ ‬ثم‭ ‬حدث‭ ‬تغير‭ ‬قلب‭ ‬حياتى‭ ‬رأسا‭ ‬على‭ ‬عقب،‭ ‬إذ‭ ‬أظهرت‭ ‬زوجتى‭ ‬وجهها‭ ‬الحقيقى‭ ‬من‭ ‬عناد‭ ‬ولسان‭ ‬طويل،‭ ‬وتعددت‭ ‬المشكلات‭ ‬بيننا،‭ ‬بل‭ ‬والفضائح‭ ‬العائلية‭ ‬أيضا،‭ ‬وتأكدت‭ ‬من‭ ‬أننى‭ ‬آخر‭ ‬أولوياتها،‭ ‬ولا‭ ‬أعنيها‭ ‬فى‭ ‬شىء،‭ ‬ووجدتنى‭ ‬أتابع‭ ‬أخبار‭ ‬حبيبتى‭ ‬السابقة،‭ ‬وعرفت‭ ‬انها‭ ‬عندما‭ ‬تركتنى‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬علاقة‭ ‬بزميل‭ ‬لها‭ ‬فى‭ ‬الجامعة،‭ ‬هو‭ ‬الذى‭ ‬دفعها‭ ‬إلى‭ ‬فسخ‭ ‬خطبتنا،‭ ‬ومع‭ ‬ضغوطها‭ ‬على‭ ‬أهلها،‭ ‬وافقوا‭ ‬على‭ ‬خطبتها‭ ‬له،‭ ‬وان‭ ‬خلافا‭ ‬كبيرا‭ ‬وقع‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬عائلتها‭ ‬بسبب‭ ‬هذا‭ ‬الشاب،‭ ‬ولم‭ ‬تمر‭ ‬أسابيع‭ ‬معدودة،‭ ‬حتى‭ ‬تبين‭ ‬لهم‭ ‬كذبه‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬قاله،‭ ‬عن‭ ‬جاهزيته‭ ‬للزواج،‭ ‬وأنه‭ ‬يمتلك‭ ‬شقة‭ ‬وسيارة‭ ‬ومالا‭ ‬كثيرا‭ ‬لتجهيز‭ ‬عش‭ ‬الزوجية‭ ‬على‭ ‬أحدث‭ ‬مستوى،‭ ‬ووقعت‭ ‬بينهم‭ ‬شجارات‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬التشابك‭ ‬بالأيدى،‭ ‬وتم‭ ‬فسخ‭ ‬الخطبة،‭ ‬وبعدها‭ ‬بأيام‭ ‬اتصلت‭ ‬بى‭ ‬فتاتى‭ ‬السابقة،‭ ‬فرددت‭ ‬عليها‭ ‬بلهفة‭ ‬وشوق،‭ ‬وقابلتها‭ ‬فى‭ ‬مكان‭ ‬عام،‭ ‬ونسيت‭ ‬ما‭ ‬فعلته‭ ‬بى،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إستعادتها،‭ ‬وهى‭ ‬التى‭ ‬مازالت‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬كيانى‭ ‬كله،‭ ‬وبثتنى‭ ‬الشوق‭ ‬والكلام‭ ‬الذى‭ ‬لم‭ ‬أسمعه‭ ‬منذ‭ ‬فراقنا،‭ ‬وقابلت‭ ‬والدتها‭ ‬وشقيقها،‭ ‬واتفقنا‭ ‬على‭ ‬الزواج،‭ ‬وأخبرت‭ ‬أهلى‭ ‬بما‭ ‬اعتزمته من‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬حبيبتى،‭ ‬فقابلونى‭ ‬بعاصفة‭ ‬من‭ ‬الاعتراض‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬الزواج‭ ‬الثانى‭ ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬الارتباط‭ ‬بمن‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬خذلتنى،‭ ‬وفضلت‭ ‬علىّ‭ ‬غيرى،‭ ‬واستغربوا‭ ‬أن‭ ‬أرجع‭ ‬إليها‭ ‬مرة‭ ‬أخرى!‭.. ‬وفى‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تفاقمت‭ ‬حدة‭ ‬المشاجرات‭ ‬مع‭ ‬زوجتى،‭ ‬فلا‭ ‬يمر‭ ‬يوم‭ ‬واحد‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعلو‭ ‬صوتها‭ ‬علىّ‭.. ‬وتصرخ‭ ‬فىّ،‭ ‬وأنا‭ ‬لا أحبها‭ ‬ولا‭ ‬أكرهها،‭ ‬وتمضى‭ ‬حياتنا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬بلا‭ ‬مشاعر‭ ‬الحب‭ ‬التى‭ ‬ينعم‭ ‬بها‭ ‬المحبون‭.‬
وبينما‭ ‬أنا‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الحال،‭ ‬تعرضت‭ ‬لحادث‭ ‬أفقدنى‭ ‬النطق‭ ‬لمدة‭ ‬أربعة‭ ‬أشهر،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬باستطاعتى‭ ‬أن‭ ‬أتواصل‭ ‬مع‭ ‬حبيبتى‭ ‬التى‭ ‬غبت‭ ‬عنها‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬ولم‭ ‬تعلم‭ ‬بما‭ ‬حدث‭ ‬لى‭. ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬النطق‭ ‬وحده‭ ‬هو الذى‭ ‬عانيته‭ ‬نتيجة‭ ‬الحادث،‭ ‬وإنما‭ ‬لزمت‭ ‬الفراش،‭ ‬وغبت‭ ‬عن‭ ‬الوعى‭ ‬لعدة‭ ‬أسابيع،‭ ‬ولما‭ ‬أفقت‭ ‬وجدت‭ ‬على‭ ‬هاتفى‭ ‬سيلا‭ ‬من‭ ‬رسائل‭ ‬حبيبتى‭ ‬التى‭ ‬اتهمتنى‭ ‬بأننى‭ ‬رددت‭ ‬لها‭ ‬الصاع‭ ‬صاعين،‭ ‬وانها‭ ‬كما‭ ‬فعلت‭ ‬بى‭ ‬عندما‭ ‬فسخت‭ ‬خطبتها‭ ‬لى‭ ‬،‭ ‬فإننى‭ ‬الآن‭ ‬اتجاهلها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عرفت‭ ‬عائلتها‭ ‬بالكامل‭ ‬اننى‭ ‬سأعود‭ ‬إليها،‭ ‬وغيّرت‭ ‬أرقام‭ ‬هواتفها،‭ ‬وانصرفت‭ ‬إلى‭ ‬حالها،‭ ‬وظللت‭ ‬سنتين‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الوضع..‭ ‬أعيش‭ ‬مع‭ ‬زوجتى‭ ‬بجسمى،‭ ‬بينما‭ ‬عقلى‭ ‬وقلبى‭ ‬يتعلقان‭ ‬بفتاتى‭ ‬التى‭ ‬تحول‭ ‬الظروف‭ ‬دائما‭ ‬دون‭ ‬زواجنا،‭ ‬ثم‭ ‬أنجبت‭ ‬ابنى‭ ‬الثانى،‭ ‬وهيهات‭ ‬أن‭ ‬يهدأ‭ ‬لى‭ ‬بال،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬محاولاتى‭ ‬للإتصال على‭ ‬هواتفها‭ ‬المسجلة‭ ‬لدىّ‭ ‬عسى‭ ‬أن‭ ‬ترد‭ ‬علىّ،‭ ‬وفى‭ ‬عيد‭ ‬ميلادها‭ ‬الأخير‭ ‬بعثت‭ ‬إليها‭ ‬برسالة‭ ‬تهنئة‭ ‬كعادتى‭ ‬كل‭ ‬عام‭. ‬وكانت‭ ‬المفاجأة‭ ‬إنها‭ ‬اتصلت‭ ‬بى‭ ‬منذ‭ ‬شهر‭ ‬تقريبا‭ ‬من‭ ‬رقم‭ ‬جديد،‭ ‬وأحسست‭ ‬بأن‭ ‬روحى‭ ‬ردت‭ ‬إلىّ،‭ ‬وتبادلنا‭ ‬الحديث،‭ ‬وقالت‭ ‬لى‭ ‬إنها‭ ‬تحبنى‭ ‬كما‭ ‬أحبها،‭ ‬ودفعتنى‭ ‬هذه‭ ‬الكلمة‭ ‬وحدها‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أواجه‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬حولى،‭ ‬فى‭ ‬سبيل‭ ‬إتمام‭ ‬زواجنا‭ ‬الذى‭ ‬طالما‭ ‬انتظرته‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬وأعدت‭ ‬معها‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شىء،‭ ‬وقبلت‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬زوجة‭ ‬ثانية،‭ ‬وأن‭ ‬نعوض‭ ‬بعضنا‭ ‬عما‭ ‬ضاع‭ ‬من‭ ‬عمرنا‭ ‬هباء‭ ‬بسبب‭ ‬أشياء‭ ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬ندرك‭ ‬أبعادها‭ ‬فى‭ ‬وقتها،‭ ‬ثم‭ ‬اتصلت‭ ‬بى‭ ‬والدتها‭ ‬واعترضت‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬زوجتى‭ ‬الأولى،‭ ‬ثم‭ ‬شيئا‭ ‬فشيئا‭ ‬وافقت‭ ‬على‭ ‬احتفاظى‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ابنىّ،‭ ‬وقصصت‭ ‬على‭ ‬أبى‭ ‬تطورات‭ ‬الموضوع‭. ‬فأعطانى‭ ‬موافقة‭ ‬مبدئية‭ ‬عليه‭!‬
المدهش‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬فتاتى‭ ‬تغيرت‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬وقالت‭ ‬لى‭ ‬إنها‭ ‬لا تقبل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬زوجة‭ ‬ثانية،‭ ‬برغم‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬لدىّ‭ ‬ولديها‭ ‬قد‭ ‬اقتنعوا‭ ‬بأن‭ ‬زواجنا‭ ‬هو‭ ‬الحل‭ ‬الوحيد‭ ‬لنا،‭ ‬وعادت‭ ‬إلى‭ ‬نغمة‭ ‬الأكاذيب،‭ ‬وأخذت‭ ‬تحاورنى‭ ‬وتلاعبنى،‭ ‬وعرفت‭ ‬أن‭ ‬الشاب‭ ‬الذى‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬تمت‭ ‬خطبتها‭ ‬له‭ ‬بعد‭ ‬فسخ‭ ‬خطبتنا،‭ ‬عاود‭ ‬الاتصال‭ ‬بها‭ ‬والاتفاق‭ ‬معها‭ ‬على‭ ‬الزواج،‭ ‬بالرغم‭ ‬من انه‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬قد‭ ‬تزوج‭ ‬وأنجب‭ ‬طفلا‭ !..‬وتقصيت‭ ‬تفاصيل‭ ‬الحكاية،‭ ‬وبلغنى‭ ‬أن‭ ‬أهلها‭ ‬رفضوا‭ ‬مجرد‭ ‬مناقشة‭ ‬موضوع‭ ‬هذا‭ ‬الشاب‭!‬
الغريب‭ ‬أنها‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬اتصال‭ ‬بيننا‭ ‬تؤكد‭ ‬لى‭ ‬اننى‭ ‬كل‭ ‬شىء ‬بالنسبة‭ ‬لها،‭ ‬وبمجرد‭ ‬أن‭ ‬تنتهى‭ ‬المكالمة‭ ‬لا‭ ‬أجد‭ ‬منها‭ ‬سوى‭ ‬الاهمال،‭ ‬واللا‬مبالاة،‭ ‬ولقد‭ ‬سلكت‭ ‬كل‭ ‬السبل‭ ‬أملا‭ ‬فى‭ ‬معرفة‭ ‬حقيقة‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬بداخلها،‭ ‬وما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬كلمات‭ ‬الحب‭ ‬التى‭ ‬تقولها‭ ‬لى‭ ‬نابعة‭ ‬من‭ ‬قلبها‭ ‬أم‭ ‬لا،‭ ‬لكنى‭ ‬لم‭ ‬أنجح‭ ‬فيما‭ ‬سعيت‭ ‬إليه،‭ ‬وتعبت‭ ‬وأصبت‭ ‬بذبحة‭ ‬صدرية،‭ ‬وزرت‭ ‬أهلها‭ ‬للمرة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬ولم‭ ‬أتوصل‭ ‬معهم‭ ‬إلى‭ ‬شىء،‭ ‬وعلى‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ ‬تفاقمت‭ ‬مشكلاتى‭ ‬مع‭ ‬زوجتى،‭ ‬ووصلت‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الطلاق‭..‬ ولا‭ ‬أدرى‭ ‬هل‭ ‬أنا‭ ‬أعيش‭ ‬فى‭ ‬وهم؟‭..‬ أم‭ ‬أن‭ ‬حبيبتى‭ ‬تخشى‭ ‬الزواج‭ ‬لأسباب‭ ‬لا‭ ‬أعلمها‭؟‬.. إنها‭ ‬من‭ ‬متابعيك‭ ‬الدائمين،‭ ‬وأرجو‭ ‬نصيحتك،‭ ‬فلقد‭ ‬فاض‭ ‬بى‭ ‬الكيل،‭ ‬ولم‭ ‬أعد‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬التفكير،‭ ‬ولا‭ ‬على‭ ‬إيجاد‭ ‬حل‭ ‬للأزمة‭ ‬الطاحنة‭ ‬التى‭ ‬أفقدتنى‭ ‬صوابى‭ ‬وتركيزى‭!.‬
 
 ولكاتب هذه الرسالة أقول:
 
الأزمة الطاحنة التى تتحدث عنها أنت الذى صنعتها بنفسك، فلقد كان موقف الفتاة التى تصفها بـ «حبيبتك» منك منذ البداية دليلا قاطعا على أنها لا تريدك، بل ولا تريد الشاب الآخر الذى تعلق بها، وتركتك من أجله، لأنها تريد الشقة والسيارة، ولوازم الوجاهة، وأسباب السعادة المادية، أما الحب الوهمى الذى تصورته تجاهها، أو تخيلته تجاهك، فلا وجود له.
والحقيقة أننى استغرب أن يجرى شاب مثقف مثلك وراء هذه الأوهام، ولا أدرى كيف اقنعت نفسك بأنها فتاة العمر التى بدونها لن تشعر بطعم الحياة، وهى التى أفصحت لك بمكنون صدرها، من أنها لا تشعر نحوك بأى عاطفة، وراحت تغدق مشاعر الحب الكاذبة أيضا على زميلها بالجامعة، من أجل أن تفوز به ظنا منها أنه سيوفر لها أسباب الرفاهية، ولقد كان طبيعيا وأنت تتحول بكل جوارحك نحو من لعبت بك، أن تعامل زوجتك بجفاء، برغم أنك لم تنكر عليها دينا ولا خلقا، ورحت تقنع نفسك بأنها تتطاول عليك، وفاتك أن تخبطك الواضح وتصرفاتك الماثلة امامها هى التى تدفعها إلى الخروج عن طورها، فلا يعقل أبدا أن ترى أى زوجة زوجها مندفعا إلى أخرى، وتسكت أو تصفق له، فالطبيعى أن تثور لكرامتها، وأن تسعى إلى الحفاظ على بيتها، وأنى اسألك: هل هى التى تسببت فى الفضائح العائلية التى تتحدث عنها، أم أنك أنت الذى تسببت فى هز صورة العائلة بتصرفاتك المراهقة، واندفاعك نحو زواج محكوم عليه بالفشل بعد أن تنال غرضك من «حبيبتك المزعومة»؟.
لو تمهلت قليلا، ووضعت النقاط على الحروف، ووزنت الأمور بمقاييس العقل والحكمة والعاطفة أيضا، لوجدت أن كفة زوجتك هى الراجحة، وأن «فتاتك» لا تساوى شيئا بالنسبة لها، فالخلافات الزوجية أمر طبيعى، ولا يوجد بيت خال من المشكلات اليومية العابرة، ولكن بالهدوء، وحسن التصرف يتغلب عليها الأزواج الاسوياء، الذين يدركون أن لكل شىء قدره وحجمه، وأن سوء التفاهم بينهم أمر عابر، وسرعان ما يعودون بعده إلى حياتهم الطبيعية.
وأحسب أنك تعانى ما يسمى «رهاب الزواج» وتسيطر عليك أفكار خاطئة هى التى اوصلتك إلى ما أنت فيه الآن، إذ تحاول الارتباط بمن تخلت عنك، متجاهلا زوجتك التى رضيت بك، بل وأنجبت لك ولدا وبنتا، من الممكن أن يتشردا فى أى لحظة، لو أقدمت على تطليق زوجتك، فكم من تجارب ندم أصحابها على تطليق زوجاتهم بحثا عن السعادة، فإذا هم يكتشفون أنهم ألقوا بأنفسهم فى الجحيم، ويتقلبون على جمر المشكلات التى أتتهم من حيث لم يحتسبوا.. نعم يا سيدى حدث ذلك، ويحدث كثيرا، نتيجة الوسواس القهرى الذى يسيطر على البعض، ويجعلهم أسرى لأفكار لا يدركون أنها ستجر عليهم المتاعب، وعدم الاستقرار.
وأرجو من زوجتك ألا تتوقف عند ما فات، وأن تبدأ معك صفحة جديدة، فأنت مازلت متمسكا بها، ولم تطلقها بعد، كما فهمت من رسالتك، ولكنك «مزاجى القرار» ومن هنا عليها أن تفهمك وتصبر عليك، ولا تحاول استفزازك، فمثلك سهل الاستفزاز، وإن صارت متسامحة، ومحبة لك، وصادقة معك، وهادئة فى حواراتكما معا، فسوف تمتص غضبك، فالحنان والتسامح، وتقريب المسافات أدوية رائعة لمثل حالتك، ويبقى عليك أن تحاول امتصاص غضبك، وألا ترمى كل نوازعك عليها، وحينئذ سوف يكتشف كل منكما لدى الآخر معانى إيجابية لم تكونا قد اكتشفتماها بعد.
إن سخطك على زوجتك، وبحثك الدائم عن الوهم المتمثل فى هذه «الفتاة اللعوب» سوف يجران عليك الهم والغم والحزن، وشتات القلب، وسوء الحال، أما رضاك بما قسمه الله لك فسوف يخلصك من ذلك كله، ويفتح لك باب جنة الدنيا قبل الآخرة، فالارتياح النفسى لا يتحقق بمعاكسة الاقدار، ومضادة القضاء، بل بالتسليم والقبول بما قدره الله، وهو خير فى كل الأحوال، والرضا ينزل على المرء السكينة التى لا أنفع له منها، ولو نزلت عليك السكينة فسوف تستقيم حالك، ويصلح بالك، فمن أعظم نعم الله على عبده إنزال الطمأنينة عليه، ومن أعظم اسبابها الرضا عنه فى جميع الحالات.
 
من أجلكم قد جرعنا فى الهوى غصصا
 
نحسو الفراق ولا نشكو مآسينا
 
يسرنا ذكركم دوما ويبهجنا
 
ومنية القلب دوما أن تلاقينا
فارض بحياتك، وأعد المياه إلى مجاريها مع زوجتك، واترك هذه الفتاة لشأنها، وعليها أن تحذر اللعب بالنار، فالأيام تمضى، وهى لا تدرى، وقد توقعها أفعالها فى حبائل من ينعم بها لفترة محدودة ثم يتركها ذليلة كسيرة.. هكذا تؤكد تجارب من انتهجن نهجها، وصنعن صنيعها، فالمال لا يصنع السعادة، لكن آفة أمثالها أنهم لا يدركون ذلك، ولا يقيمون وزنا لما يسمعونه عن الرضا، والقناعة، وراحة البال، حتى يدركهم الموت، ويتمنون لو تعود إليهم الحياة من البداية، فلا يسلكون طريق الأوهام.
ولعل الجميع قد وصل إلى محطة «المراجعة».. مراجعة ما فات، والاستفادة مما هو آت، فلتحتضن زوجتك وابنيك، وعلى هذه الفتاة أن تخلص لمن سوف ترتبط به لذاته، وليس لماله، واحذر أن تتصل بها أو تركن إلى كلامها، فمعظم النار من مستصغر الشرر، هداك الله، ووفقك إلى سواء السبيل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أكرم عبد القوي
__________
__________
أكرم عبد القوي

ذكر
العمر : 57
عدد الرسائل : 23180
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 Profes10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 3011
نقاط : 37123
ترشيحات : 136
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 411

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 I_icon_minitime26/3/2015, 23:51

الرحلة المريرة


أنا شاب على مشارف سن الثلاثين من العمر
، كانت الدنيا فى عينى حلما جميلا برغم بداياتها الصعبة كعادتها مع أبناء الطبقة الكادحة، وكنت سعيدا راضيا، لكن القدر كان يخبئ لى شيئا آخر، وأروى لك حكايتى منذ البداية، فلقد نشأت فى أسرة فقيرة تعيش فى إحدى قرى محافظة الشرقية لأب وأم بسيطين، فأمى لم تعرف عن الحياة إلا تربية أبنائها وتدبير حياتهم، ووالدى يخرج كل صباح الى سوق القرية ليتاجر فى الخضراوات، وأنا الولد الوحيد على أربع بنات، لكنى لم أعرف التدليل الذى أسمع عنه مع وحيد أبويه، إذ تحملت المسئولية مع والدي، وصبر الجميع على شظف العيش انتظارا الى أن أكمل تعليمي، وأصبح ذا شأن وأرد الجميل، وحصلت على الثانوية العامة لكنى لم أحقق المجموع الذى يؤهلنى للكلية التى أردتها، فالتحقت بمعهد فنى تجارى شعبة قانون، ثم عملت معادلة بجامعة عين شمس وحصلت عليها بامتياز والتحقت بكلية الحقوق جامعة الزقازيق.
ودخل الفرح بيتنا بعد سنوات من التعب والكد، وكنت أعمل وأدرس فى الوقت نفسه، وفى جلسة أسرية ذات يوم قال لى أبى إنه يريد أن يزوجنى فرفضت حتى تتم اخواتى البنات تعليمهن، لكنه أصر على ذلك، وأدمعت عيناه، فامتثلت لرغبته وتقدمت لخطبة فتاة من أقاربنا، وبدأت فى إقامة بيت جديد مكان بيتنا القديم، وفجأة وجدتنى أمام اختبار قاس من اختبارات الحياة، حيث شعرت بألم فى الركبة اليسرى ولم أستطع وضع قدمى على الأرض، فى البداية ظننت أنه ألم بسيط من كثرة الوقوف والاجهاد وسيزول، ولكن مع تكرار الوجع دخلت فى دوامة لا تنتهى من الفحوص والتحاليل والأشعات، ومع سوء التعامل مع حالتى واستغلال بعض الأطباء وابتزازى ماديا تدهورت حالتي، لأبدأ بعدها رحلة علاج مريرة ذقت فيها وأهلى كل صنوف العذاب والذل، وأصبحت (سبوبة) للأطباء فى العيادات الخاصة والمستشفيات العامة، حتى أنفقت ما استدنته ورحت اتنقل من عيادة الى مستشفى حكومى بحثا عن علاج غير مكلف، فليس لأمثالنا إلا هذه المستشفيات التى تفتقد كل معانى الرحمة والإنسانية والخوف من الله، وما أصعب المرض الذى يصيب الفقراء فيزيد معاناتهم بجانب الحرمان، وقد يهون الفقر أمام الصحة، لكن أن يجتمع الفقر والمرض معا فهذا أمر يصعب تحمله، وأدعو الله ألا يكتبه على أحد، وبعد مشوار طويل من الألم قال أحد الأطباء لوالدى «لو عايز ابنك يمشى تانى على رجله.. خدوه من هنا».. يقصد المستشفى الذى كنت أعالج فيه.. وبالفعل خرجت على عكازين.
كان المرض فى بدايته ولولا التشخيص الخطأ لكنت فى وضع أفضل، وعرف أهل خطيبتى بمرضى فزارونى فى البيت ومعهم ابنتهم، ولما رأوا حالتى ووقفوا على حقيقة مرضى ظننت أنهم سيطلبون «فسخ» الخطبة وما كنت ألومهم لو فعلوا ذلك، فإذا بى أجد أن طيب أخلاقهم فاق الحدود، وكانت المفاجأة السعيدة أن أباها طلب من أبى إحضار مأذون القرية لعقد قرانى على ابنته، وبعد دهشة أصابت جميع الأهل ودموع فرح وحزن اختلطت بزغاريد مخنوقة تم عقد القران وذهبوا وتركوا ابنتهم فى بيتنا، وخلوت بنفسى وبكيت كثيرا لهذا الموقف، وذلك اليوم الذى ينتظره أى شاب أو فتاة ويحلمان به، فلم أتوقع أن يتم بهذا الشكل وأنا طريح الفراش ولا أستطيع الحركة إلا بعكازين، ووجدت زوجتى بنت أصول ووقفت بجانبى وخففت عنى آلامي، وصارت عكازا لى تشعر بألمى وتشاركنى همومى ووضعتها فوق رأسى وفى قلبى ولن أنسى صنيعها ما حييت، وبعد فترة قضيتها فى تعاطى المضادات والمسكنات ذهبت إلى طبيب آخر رأى ضرورة إجراء جراحة لى قبل انتشار المرض فى باقى العظام، وتم حجزى فى غرفة بمستشفى خاص تكلفتها ثلاثة آلاف جنيه فى خمس ساعات قضيتها فيها، هذا الى جانب تكاليف العملية وأجر الطبيب، وقال لى الطبيب وقتها إننى سأمشى على قدمى بإذن الله ـ بعد إجراء العملية، وأن الأمر بسيط وسيتم إجراء جراحة لتنظيف الركبة وإزالة غضاريف تالفة وأخذ عينة من العظم والنسيج والسائل الزلالى للاطمئنان على حالتى، وعندما سألته عن نوع المرض الذى أعانيه قال إنه يشك فى وجود سرطان بالعظام فأصابنى الرعب وخرجت من المستشفى على كرسى متحرك، وشدد الطبيب على أن تظل قدمى اليسرى 30 يوما بعيدا عن الأرض، ومر الشهر وعاد الألم، وبعد التردد على أكثر من طبيب وإجراء أربع عمليات جراحية للركبة تكلفت أكثر من خمسين ألف جنيه، لم أستطع السير عليها، واتضح فيما بعد أن العملية التى أجريت لى من قبل كانت مجرد حل مؤقت وتسكين للألم فقط، وأننى أحتاج الى عملية مهمة تتكلف مبلغا كبيرا لا أستطيع تدبيره فكل ما صرفته استدنته من أيدى الناس، وقد كتبت به شيكات على نفسي.. ولم أيأس، فعاودت عرض نفسى على أستاذ متخصص فى حالتي، فأكد حاجتى الى تغيير مفصل وبسرعة وعندما سألته عن المرض قال إنه مرض مناعى نادر يهاجم فيه الجسم العظام على أنها جسم غريب ويسبب تآكلها، ورويت له ما حدث لى وما تم إجراؤه من عمليات سابقة واشتباه بعض الأطباء فى اصابتى بسرطان العظام، فقال إنه ليس سرطانا.
ولم يغثنى أحد ولم يجد أبى أمامه إلا بيع البيت الذى نسكن فيه والذى لم يكتمل بناؤه، وتم عرضه للبيع، وعندما عرفت بذلك قلت له «أعيش برجل واحدة ولا نبيع البيت اللى عايشين فيه»، وشعرت بالحسرة والعجز والذل، وانتابنى حزن واكتئاب، لكن إيمانى بالله كان دافعا للصبر والاحتساب، واعتبرت عجزى هذا قدرا كتبه الله لي.. فكيف أجزع من إرادته؟.. لكن ما يعذبنى هو حالة أبى وأمى إذ لا تجف دموعهما وهما يريان حلم العمر يقترب من النهاية.
لقد مرت تسعة أشهر وأنا لا أتحرك من مكانى ولم أستطع حضور الامتحان العام الماضى ولا التيرم الأول هذا العام، بعد أن وصلت الى السنة النهائية بالكلية.
وتوالت المصائب فأصيب أبى بفيروس C الكبدي، ويتطلب علاجه شراء بعض الأدوية المكلفة التى لا نملك من ثمنها مليما واحدا، وصار طريح الفراش هو الآخر، ولم يعد قادرا على العمل.. والخناق يضيق حولنا، فهل تجد لنا مخرجا مما نحن فيه؟
 
 ولكاتب هذه الرسالة أقول:
دمعت عيناى من الموقف الرائع لأسرة زوجتك، فلقد توقعت أن يقول لك أهلها عندما عرفوا حقيقة مرضك إن كل شيء نصيب، وأنهم لا يريدون أن تعيش ابنتهم فى عذاب مع شاب لا يستطيع الحركة، أو أنه مصاب بمرض لا يرجى شفاؤه، فهذا هو المبرر المعتاد فى مثل هذه الظروف، لكنهم أدركوا أن الإنسان لا يملك من أمره شيئا، وأن مقاليد الأمور كلها بيد الله يصرفها كيف يشاء، وما أكثر التجارب الحياتية التى انعكس فيها الوضع الصحى على العلاقة بين الزوج وزوجته التى رفضت أن تعيش معه بعد مرضه، وانفصلت عنه، فإذا به قد شفاه الله تماما، بينما هى أصابها مرض لم تتوقعه، وصارت هى المعذبة فى الحياة، نعم، ما فعله أهل زوجتك يستحقون التحية عليه، وسوف يكون فى ميزان حسناتهم بإذن الله، وسيكون مردوده عليهم رائعا فى الدنيا قبل الآخرة.
واننى أحيى فيك روح الصبر والمثابرة، وعدم يأسك بعد كل ما تعرضت له من متاعب، وأيضا روح التفاؤل التى يعيشها أبوك الذى وجد نفسه هو الآخر أمام اختبار المرض، واننى استصرخ أطباءنا المتخصصين فى علاج حالتك أن يهبوا الى نجدتك، وأرجو من المسئولين فى وزارة الصحة أن تكون لهم كلمة بشأنك أنت وأبيك، واننى على ثقة أيضا من أن أهل الخير سوف يقدمون لك العون المادى الذى يتيح لك إجراء الجراحة الدقيقة التى تحتاجها.. شفاكما الله وعافاكما من المرض، وهو وحده المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فهمني
عضو متميز
عضو متميز
فهمني

ذكر
عدد الرسائل : 578
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 111010
نقاط : 6914
ترشيحات : 3
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 I_icon_minitime3/4/2015, 23:10

بريد الجمعة يكتبه : أحـمــد البــــــرى
الابتسامة المزيَّفة!

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 2015-635636082362184855-218

أكتب لأول مرة عن تجربتى القاسية التى أتجرع مرارتها منذ صباى وحتى الآن، فأنا سيدة فى الرابعة والثلاثين من عمرى، نشأت فى أسرة يجمعها الحب والدفء الجميل الذى طالما سعدنا به، ولمست الحنان، ونعمت بالأمان طوال سنوات طفولتى الأولى، ولكن الحال تغيرت، والأمور تبدلت بعد رحيل أمى عن الحياة،
 وأنا فى الصف الثالث الاعدادى، فمنذ تلك اللحظة عشت حياة كلها تعاسة وشقاء، وماتت فرحتى، واختفت ابتسامتى، ووجدتنى فتاة متخبطة وسيطر علىّ الاكتئاب، وتراجع مستواى الدراسى، ولم تفارق صورة أمى خيالى ليلا ونهارا، وكثيرا ما كنت أصحو من نومى مفزوعة، فلا أجدها بجانبى، فأنخرط فى بكاء بصوت مسموع، لكن هيهات أن يسمعنى أحد، بعد أن اختفت إلى الأبد من كانت تربت على كتفى، ولا يغمض لها جفن حتى أنام، ووسط هذه الأجواء الحزينة أديت امتحان الشهادة الاعدادية، وفوجئت بأن مجموعى لا يؤهلنى للالتحاق بالثانوى العام، فالتحقت بمدرسة تجارية، حصلت منها على دبلوم متوسط بمجموع أهلنى للالتحاق بمعهد للسياحة والفنادق، لكن أبى رفض التحاقى به، ومات حلمى فى دخول الجامعة، وصار مؤهلى دبلوم التجارة الذى كثيرا ما عيرنى به أهل زوجى فيما بعد!
نعم ياسيدى، فلقد زوجنى أبى زواجا تقليديا، وأنا فى سن الحادية والعشرين، ممن رأى فيه زوجا مناسبا، ولم يدع لى فرصة للتفكير، أو يلقى بالا لمشاعرى نحوه. وانتهى بى المطاف إلى أن أصبحت عضوا جديدا فى «بيت عائلة» كعادة أهل الريف، والمناطق الشعبية، ولست صاحبة منزل مستقل، لى شقتى وحياتى الخاصة بعيدا عن الآخرين، ومع ذلك سعيت بإصرار إلى الحصول على الحب بالعشرة الحلوة، والتغاضى عن الطلبات العادية التى تتطلع إليها البنات فى بداية حياتهن الزوجية، لكن أهل زوجى لم يدعوا لى فرصة للتأقلم على عاداتهم وتقاليدهم، وتدخلوا فى كل كبيرة وصغيرة تخصنا، وضيقوا الخناق علىّ وحتى هو لم أشعر منه بالحنان والحب المعتاد بين الأزواج، ولم أسمع كلمة حلوة أبدا، وساءت تصرفاته معى بمرور الأيام من قسوة وإهانات وسب وضرب بعنف، وكنت كلما تعرضت لموجة جديدة من عنفه، أطلب الطلاق، لكنه يبدى تغيرا يجعلنى أصبر على أذاه أملا فى أن تتحسن معاملته لى.
ومرت الأيام، ووضعت طفلتى الأولى، ودعوت الله أن يلين قلبه بعد أن أصبح أبا، لكن هيهات لمثله أن يلين، أو حتى أن يعرف معنى الأبوة، فلقد مرض أبى مرضا شديدا، فهرولت إليه، وأنا أحمل طفلتى التى كانت وقتها قد بلغت سن عشرة شهور، وبعد يومين فقط جاءنى زوجى، وأخذنى معه، وتركت أبى على فراش الموت، بعد أن فشلت فى إقناعه بأننى إن لم يكن لى خير فى أبى، فلن يكون لى خير فى غيره، فهو لايفكر إلا فى نفسه، ولا يعنيه غيره، المهم أن ينفذ ما يمليه عليه أبوه وأمه، وبعد اسبوعين فقط فارق أبى الحياة، وأنا بعيدة عنه، فاحترقت كمدا، وأصبت بقهر شديد، وأتذكر كلمات أبى الأخيرة لى عبر الهاتف، وهو «يحسبن» عليهم جميعا لتدخلهم المستمر فى أدق تفاصيل حياتى، وفقدت السند الثانى لى برحيله، وتجددت أحزانى على رحيل أمى التى لم تندمل جراحى على فراقها برغم مرور السنين.
وعزمت على ألا أساعد أبويه، مثلما حرمنى من مساعدة أبى، ثم تراجعت عن موقفى عندما مرضت أمه، إذ طلب منى أن أنزل إليها، وأكون إلى جوارها، فلم أنطق بكلمة واحدة، وأقبلت على خدمتها ورعايتها، وقلت فى نفسى، ربما يشعر بالذنب تجاهى، وربما تتغير معاملته لى، وللأسف ذهبت ظنونى أدراج الرياح، حيث زاد قلبه غلظة، وتفاقمت أزمتى مع أهله الذين لا تعرف الرحمة طريقا إليهم، ومرت أعوام على هذه الحال أنجبت خلالها ابنى الثانى، ثم أخبرنى أن ظروف عمله تقتضى منه الانتقال إلى محافظة أخرى، وأنه لن يكون باستطاعته السفر يوميا، وطلب منى الانتقال إليه فى سكن مؤقت إلى حين أن تستتب أموره، ففرحت كثيرا لمجرد أننى سأبتعد عن أهله ولو لفترة مؤقتة، وبالتحديد فى إجازة المدارس، حيث كانت ابنتى فى الصف الثالث الابتدائى، وكان ابنى فى السنة الأولى، واشتريت ملابس جديدة لى ولابنىّ من مال ادخرته من إرثى عن أبى، كما أن لى مبلغا من عائد الارث أحصل عليه كل شهر، وذهبت إليه وأنا فى أبهى صورة، والحقيقة إننى وجدته كما توقعت، فلقد قابلنى ببرود، ولم أفاجأ بمقابلته الجافة، وحاولت أن أعرف ما يخفيه عنى، فالمرأة قادرة على أن تعرف ما يدور بداخل زوجها إذا أحست تغيرا ملموسا فى علاقته بها، وتأكدت من أن امرأة أخرى تشغل باله، وتسيطر على تفكيره، وأدركت اننى مهما فعلت فلن أثنيه عما ذهب إليه!.. وكلما هممت بأن أترك له البيت، أجد ابنىّ حولى، فأتراجع، فسعادتهما بوجودهما مع أبويهما لا تعادلها سعادة، ولكن ماذا أصنع إزاء تصرفات زوج لا يعرف غير الضرب والاهانة؟!
لقد بلغ الأمر إلى درجة أن أخته لم تتحمل مشهد الضرب الذى تكرر أمامها أكثر من مرة، فهاجمته، وغضبت من أجلى، وقالت له إنه لا يعقل ما يفعله معى، وليس هناك من يفعل بزوجته ما يفعله بى، لكنه لم يتغير، فتركت المنزل، وذهبت إلى بيت أختى، وأصررت على الطلاق، وجاءنى أخوه طالبا منى العودة إلى إبنىّ وبيتى، فأكدت له استحالة أن يتغير زوجى، فعرض علىّ حلا وافقت عليه، وهو أن أعود إلى شقتى لرعاية ابنىّ والاهتمام بأمرهما بشرط ألا يدخل زوجى الشقة أبدا، وليس له أى حق عندى كزوج، كأنى مطلقة!، وبالفعل عدت إلى المنزل، وظللت عاما كاملا على هذا الوضع، فلا أرى زوجى، ولا أكلمه، أو اتصل به!! ولا أدرى إن كان يرى ابنيه لدى أبويه أم لا؟!
ولكن ما لم أفطن إليه إلا بعد شهور طويلة، هو أن حماى وحماتى بثا بذور الكراهية فى ابنىّ تجاهى، فتغيرت معاملتهما لى، وساءت تصرفاتهما معى، وتعمدا مضايقتى فى كل شىء، عندئذ عزمت على الخروج بلا رجعة، وظهر زوجى من جديد، وعاد إلى الاهانات بصورة أشد قسوة فذهبت إلى أختى، وفكرت فى مصير ابنىّ وكيف سأعيش بدونهما، وكتمت أحزانى داخلى، وبعد أيام حادثنى هاتفيا، وعبر الانترنت، وأشعرنى بأسفه وندمه، ورغبته فى تغيير أسلوبه معى، وشكا لى سوء الحياة التى عاشها بدونى طوال عام كامل، ونصحنى من حولى بالعودة إليه، لكنى لم أستجب لنصحيتهم، فمثله لن تنصلح حاله أبدا، فأسفه هذا لم يكن نابعا من داخله وإنما كان مدفوعا إليه لابتعاد محبوبته عنه، ولذلك سرعان ما عاد إلى سيرته الأولى معى، بعد أن عادت هى إليه!، وذهبت كلمات الندم وحلت معها عبارات السب والشتائم بأحط الألفاظ!.. وكل ما طلبته منه أن يكون ابناى معى، فوعدنى بأن يرسلهما إلىّ بعد انتهاء السنة الدراسية، وجاءت الاجازة الصيفية ولم يف بوعده لى، ثم قال لى: إنه سيأتى بهما إلىّ فى العام المقبل، أى أن علىّ أن أنتظر عاما كاملا لا أراهما فيه!.. طبعا هذا مستحيل، وكان بتصرفه هذا يدفعنى إلى اللجوء إلى المحكمة، لكنى لم أشأ أن تصل الأمور بيننا إلى حد المواجهة أمام القضاء، وفكرت فى أن أكرر التجربة وأعود إليهما فى «بيت العائلة» كما فعلت سابقا بالحل الذى اقترحه شقيقه، لكنه رفض، فلم أهتم بموقفه اقتناعا منى بأن من حقى سكنا يجمعنى بابنىّ، وإن لم يوافق على ذلك فليأت لنا بسكن آخر، وذهبت إلى المنزل مرغمة، فلقد عشت فيه أسوأ أيام حياتى، وهناك فوجئ بى!! ولاحظت عليه علامات الاضطراب والضيق بشكل مختلف عما اعتدته عليه، وعرفت من أحاديث أهله أنه عقد العزم على الزواج من محبوبته، وانه أفهمها اننا انفصلنا. وتم طلاقنا!، ولا يعرف كيف سيبرر لها وجودى فى المنزل!
وفجأة هاج ضدى كالوحش الكاسر، واتهمنى فى شرفى، وقال: «سوف آخذك إلى الطبيب للكشف عليكى، ربما تكونين حاملا» ثم ضربنى ضربا مبرحا بسلك الدش، وحبسنى فى المنزل، ومنعنى من الاتصال بإخوتى، ثم قال بصوت عال وقد أصابته حالة هيستيريا، «إنتى مش لاقية تاكلى وتنامى، علشان كده جيتى تانى» وغيرها من الكلمات والألفاظ التى يصعب علىّ أن أذكرها.. وحاول أن يأخذ توقيعى على ورقتين على بياض، فرفضت تماما، ومع نهاية الفصل الدراسى الأول، طلبت الطلاق من جديد، وذهبت معه إلى المأذون، واصطحب أباه وأخاه، وكنت بمفردى، وتنازلت له عن جميع حقوقى، وعدت إلى المنزل حاملة أوجاعى وجروحى، وأنا أحاول إخفاءها خلف ابتسامة مزيفة، وضحكة كاذبة.. صحيح اننى مرتاحة لطلاقى منه، لكن ما قاسيته، وما سأقاسيه ليس بالشىء الهين.
إننى أنتظر نهاية العام الدراسى لكى أنتقل بابنى وابنتى إلى القاهرة، وأنا لا أملك سكنا خاصا بى، ولا أثاث منزل، ولا أى مبلغ يعيننى فى رعايتهما، وعلىّ أن أرضى بالقليل مما سوف يرسله إليهما.. ولقد ذهبت إلى الشئون الاجتماعية لتسوية معاش مطلقات، وعلمت أننى بعد ستة أشهر يمكننى أن أحصل على هذا المعاش، وسمعت أن هناك شققا للمطلقات والأرامل بأسعار رمزية وأيضا صندوقا اجتماعيا خاصا بهن يعمل على إعطائهن قروضا أو ما شابهها، لكنى لم أصل إلى شىء، وتحترق أعصابى كلما مرت الأيام دون أن أجد حلا لمشكلتى، وفوق كل ذلك أتألم كثيرا وأنا أجلس بمفردى أسترجع شريط الذكريات الأليمة، وتخطر ببالى الآيات القرآنية التى تتناول العلاقة بين الأزواج والزوجات ومنها قوله تعالى: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة». وأسأل نفسى، ولماذا لم أجد المودة والرحمة مع مطلقى؟ وقد وجدت الإجابة فى قوله عز وجل «وإن من أزواجكم وذرياتكم عدوا لكم فاحذروهم».. نعم فنحن لا نحسن الاختيار ثم ندفع الثمن.
وأريد أن أقول لك إننى لا أنوى تكرار تجربة الزواج، وأرجو أن تدعو الله أن يعيننى على مسئولية ابنىّ، فلم يعد لى فى الدنيا سواهما، ويكفينى ما عانيته على مدى ثلاثة عشر عاما من عذاب، وأن أنعم بالراحة والطمأنينة بعد طول المعاناة، وألف حمد وشكر لله رب العالمين.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
حينما يسوق الأب والأم ابنتهما إلى الزواج من شخص لا ترغب فيه، أو تتزوج هى بإرادتها ممن لا ترتاح إليه تحت ضغط الأسرة، فإنهم يدقون المسمار الأول فى نعش الزواج، فالمؤكد أن الحياة الزوجية لا تستقيم بدون تفاهم وتوافق وتكامل بين الزوجين، وهذا هو الحب بمفهومه العميق، وليس القصص الغرامية التى ترويها الأفلام والحكايات، وغيابه يجعل كلا الطرفين غارقاً فى الإحساس بالعزلة والخوف والترقب والقلق، وممتلئاً بالرغبة فى جرح الآخر والتربص به، وحتى إذا استمر رباط الزوجية فإن كلا منهما يعيش مع الثانى لهدف ما كالمال أو الأولاد، وتتحول الميزة التى تزوج من أجلها إلى سيف مسلط على رقبته.
أيضاً إذا اختفى الحب تصبح الحياة مع النفس عذابا، ويصير الارتباط مع شريك العمر جحيما، ولكن فى الوقت نفسه هناك زيجات تقليدية عن طريق الصالونات حققت نجاحاً كبيراً، وهذا يعنى أن الزواج تجربة اجتماعية مثل أى تجربة إنسانية أخرى خاضعة للنجاح أو الفشل، ولا تحكمها قواعد جامدة، فكل اثنين حالة خاصة جداً، وإذا كان الإنسان «رجل أو امرأة حالما وخياليا، فإنه يبحث عن زواج الحب» بالمعنى العاطفى، وإذا كان عمليا وواقعيا، فهو يبحث عن زواج العقل، وليست كل زيجة ناجحة سعيدة، فالنجاح بالنسبة للكثيرين يرجع إلى نظرتهم العاقلة فى معالجة الأمور، ولا تؤثر الخلافات العادية بينهم على صلب الزواج، ولذلك يستمر دون عوائق تؤدى الى الطلاق.
إذن ليست هناك قواعد محددة منذ البداية يستطيع المرء أن يقيس بها إذا كانت الزيجة ستنجح أو تفشل، فكل ارتباط بين اثنين له طريقة خاصة، وظروف وعوامل يصعب تعميمها أو حصرها وإنما يمكن استنباطها فى فترة التعارف ثم الخطبة، وقبل إتمام الزواج بملاحظة التصرفات العامة، والتأكد من الانسجام النفسى، والتعرف على مدى تغلغل الأب والأم فى حياة ابنهما أو ابنتهما.. فما حدث معك هو أن والدك لم يدقق اختيار زوجك ولم تتأكدى من مشاعرك نحوه، وإنما انجررت إليه نتيجة عوامل أسرية كرحيل والدتك وأنت طفلة، وانشغال أبيك عنك، وعدم التحاقك بالجامعة، فتصورت ان زوجك سيكون الملاذ الآمن لك فإذا به شخص آخر يخضع لإملاءات أبويه، ويأتمر بأمرهما. وساعد على ذلك أنك تعيشين فى «بيت عائلة» بما يعنيه ذلك من تدخل حتمى لأبويه فى حياتكما.
والحقيقة أنه غالى كثيراً فى مضايقتك لدرجة أنه استدعاك من منزل أبيك رافضا أن تكونى بجواره فى أيامه الأخيرة، وهذا الموقف غير المفهوم كان بداية التدهور السريع والمتلاحق لعلاقتكما معا، ورفضت أخته تصرفاته، وأيضاً أخوه الذى تدخل بحل غريب، هو أن تعودى إلى المنزل لتربية الأولاد، بشرط ألا يدخل شقتك، ولا تكون له حقوق عليك كزوجة، وهو شرط غريب لا أتصور حدوثه، فكيف تمنعين نفسك عن زوجك عاماً كاملاً، وأنت على ذمته، ألا تدرين ياسيدتى أنه فى حالة الطلاق الرجعى، تظل الزوجة فى بيتها خلال فترة العدة حتى إذا أتاها زوجها، تعود حلالاً له، فوجودها فى المنزل يقرب النفوس، لكن اشتراطك عدم دخوله عليك كان معناه أنك تكتبين نهاية الحياة الزوجية معه، ولو أنك طلبت الطلاق وقتها لكان أفضل لك مع حفظ كل حقوقك، ولا أدرى كيف وافق على هذا الحل العجيب الذى تسبب فى تعميق الفجوة بينكما لدرجة يصعب سدها، وكانت النهاية الحزينة هى الطلاق الذى تنازلت فيه عن كل شىء مقابل أن تتخلصى منه !
أما عن حكاية محبوبته فلا أعتقد أن الأمر بالصورة الماثلة فى ذهنك، فلو أراد أن يتزوجها لارتبط بها. وربما يكون متزوجا منها بالفعل وأنت لا تعلمين بتفاصيل هذا الزواج، خصوصا خلال فترة العام الذى انقطعت فيه علاقتك به.
ولا أدرى أين أخوتك وأهلك ولماذا لم يقربوا المسافات بينكما بوضع النقاط على الحروف، فإن شئتما استكملتما الحياة معا، أو افترقتما بإحسان قبل أن تصل الأمور الى حد ابرائك له من حقوقك التى كفلها لك الشرع والقانون؟
ويبقى أن أتناول تحذير الله عباده المؤمنين، بأن من أولادهم وأزواجهم من هو عدو لهم، وأن الأموال والأولاد فتنة، وذلك في قوله سبحانه: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ”
فالواقع المراد بهذه العداوة هو أن الإنسان يلتهي بهم عن العمل الصالح، أو أنهم يحملونه على قطيعة الرحم، أو الوقوع في المعصية، فيستجيب لهم بدافع المحبة لهم، فلا تشغلى بالك بما ليس لك فيه حيلة، وتطلعى إلى المستقبل بعين جديدة، وابتسامة ملؤها الرضا، وليست الابتسامة المزيفة التى ابتسمتها لحظة الطلاق.
إنه درس جديد أرجو أن تكونى قد استوعبتيه، أما قرارك بعدم الزواج مرة أخرى، فهو قرار غير صائب، فالمسألة لا تؤخذ بهذا المنطق الغريب، وإنما يجب أن تعطى لنفسك فرصة كافية قبل الدخول فى تجربة جديدة، للتأكد من جدية الطرف الآخر ورغبته فى الحياة المستقرة، وتجاوزه عن الهفوات، وموقفه من ابنيك، فكثيرون من الأزواج يحيلون حياة زوجاتهن اللاتى لديهن أبناء من زواج سابق الى جحيم بعد فترة، ويطردون الأولاد الأبرياء فيجدون أنفسهم فى الشارع بلا أب أو أم، وهناك على الجانب الآخر أزواج يتقون الله، ويعاملونهم كأبنائهم رغبة فى إرضاء الله، فاتركى موضوع الزواج الثانى لوقته حين يأذن المولى عز وجل وبعيداً عن معاش المطلقات فهذه مسألة سوف تأخذ وقتاً طويلاً وتحتاج الى تشريعات قد تستغرق سنوات، فإن مطلقك ملزم بدفع نفقة ابنيه، وتوفير المسكن المناسب لحضانتهما بالقانون، فلا تيأسى من المطالبة بحقوقهما، وعليه أن يتقى الله، وألا يتركهما فى مهب الريح، وليت أبويه اللذين ساهما فى إشعال الخلافات بينكما يدركان أنهما جنيا على ابنهما ويصححا موقفهما بإنقاذ ما يمكن إنقاذه عن طريق مد جسور التواصل مع حفيديهما، لكى ينشآ نشأة سوية بين أبويهما فيكون هناك اتفاق على كل مايخصهما من الرؤية والمتابعة وتبادل الزيارات.
أسأل الله أن يعينك على تحمل مسئولية ابنيك، وأن ينير لك الطريق نحو حياة مستقرة خالية من المنغصات، وأن يهبك من يقدرك لذاتك ويكون رحيما بابنيك، وهو وحده المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أم البنات
مشرفة
مشرفة
أم البنات

انثى
عدد الرسائل : 9513
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 210
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 Unknow10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 8010
نقاط : 19672
ترشيحات : 44
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 333310

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 I_icon_minitime10/4/2015, 13:05

بريد الجمعة يكتبه : احمد البرى
السيمفونية الحزينة!

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 2015-635642135882794078-279

فى حياة الإنسان محطات كثيرة يتوقف فيها لالتقاط أنفاسه واستعادة تجاربه وذكرياته،

وها أنا أتوقف فى محطة تقترب من النهاية، وأكتب إليك عما عشته من تجربة مريرة عسى أن ينتفع قراؤك بدروسها، ويتجنبوا سلبياتها، فأنا رجل تجاوزت السابعة والسبعين من عمرى، وأقطن فى شقة بمنطقة راقية فيها كل مقومات الحياة المرفهة، ولقد نشأت فى أسرة ثرية ووسط اجتماعى راق وأنا وحيد أبوىّ، وتخرجت فى الجامعة وعملت محاسبا بجهة كبرى، وفيها تعرفت على فتاة أحببتها، وكانت تعمل سكرتيرة وحاصلة على الاعدادية، وأردت الزواج منها فرفض أهلى رفضا قاطعا، لكنى أصررت على الارتباط بها، وقلت لأبوى إنها ملكت مشاعرى، ولا أرى فرقا بيننا.. صحيح أننى أملك سيارة جديدة، ولدى الامكانيات المادية، والشقة الواسعة، وجميع الكماليات.. لكنها لن توفر لى الراحة والسعادة التى سوف أحياها مع من أحببتها وليس سواها، ولم يجدا مفرا من الرضوخ لرغبتى، بعد أن وجدا اننى لم أبال بتحذيراتهما من أن الفروق الكبيرة سوف تصنع حاجزا كبيرا بيننا بمرور الأيام، وكان يقينى أن حبنا المتبادل قادر على تخطى أى عقبات، وتجاوز أى مشكلات.

وأقبلت على حياتى معها بكل حب ورغبة فى أن نعيش معا فى سعادة إلى الأبد، وتنقلت فى العمل بجهات عديدة، حيث عملت بالسد العالى، ثم سافرت إلى الكويت والعراق، والتحقت بشركة إنجليزية قضيت عشر سنوات مديرا ماليا وإداريا لها، ثم استمررت عاما بأمريكا فى عمل مماثل، وأنجبنا ولدين، كرست لهما زوجتى حياتها وعلمناهما تعليما راقيا، وأحدهما طبيب وله عيادة خاصة، والآخر مدير كبير فى أحد الفنادق، وقد هاجرا إلى ألمانيا، وحققا هناك نجاحا باهرا، فاستقرت أحوالهما، وتمضى أمورهما على ما يرام، ونحن على صلة دائمة معهما.

وسارت حياتنا هادئة ومستقرة إلى أن بلغت سن المعاش، وعانيت فتورا فى علاقتى بزوجتى، فهناك أزمة تصيب كل الرجال يطلقون عليها «أزمة منتصف العمر»، حيث تتدنى قدرة الرجل الجسدية، ولا أقول تنهار، ويحتاج وقتها من زوجته إلى مزيد من الحب والحنان والرعاية، لكنى وجدت منها اهمالا شديدا، وتجاهلت هذا الجانب الذى طالما شكوت إليها منه، ولكن بلا جدوى، ووجدت ضالتى فى الأندية الاجتماعية التى أتردد عليها، حيث أجد الكثيرين من الرجال فى سنى، فنتبادل الحوارات والنقاشات، واكتشفت أن أكثر من تسعين فى المائة منهم يعانون المتاعب مع زوجاتهم ويكتمون همومهم النفسية داخلهم، حرصا على أسرهم، ولكيلا تتسرب الأقاويل عنهم فى سن الجلال والاحترام!

وفكرت كثيرا فى أمر زوجتى وموقفها الذى تغير فجأة بلا أسباب، وهى سيدة ملتزمة تعرف ربها، وقد حجت إلى بيته الحرام، وتؤدى الصلاة فى أوقاتها، وتصوم الاثنين والخميس، ولم أفلح فى أن أجد تفسيرا لموقفها المعاند لى، وقلت لها: إننى فى حاجة إليكِ، وقد أعطانى الله هذا الحق، وترتكبين بامتناعك عنى إثما كبيرا»، فلم تبال بى، ووافقت على أن تذهب معى إلى دار الافتاء لكى تعرف رأى الدين فى مشكلتنا، وبالفعل ذهبنا إليها، وقابلنا المفتى، وتصورت أنها سوف تلين الجانب أو أنها ستتراجع عن موقفها، ولكنها قالت أمامه فى إصرار «لا يلمسنى، وكفاية كده، ويروح يتجوز»! ولم أصدق نفسى، بل لقد مادت الأرض بى، وبينما أنا على حالى هذه وجه المفتى كلامه إلىّ وهو يصرخ فى وجهى «عاوز إيه تانى، بتقولك روح أتجوز»،

والله يا سيدى سمعت هذه الكلمات بهذا الوضوح وخرجنا من مكتبه، ولا أعرف كيف عدنا إلى المنزل، وظللت يومين فى حجرتى لا أغادرها، وتدبرت أمرى، وأصررت على أن أحايلها إلى آخر لحظة، فرجوتها أن تريحنى من هذه الناحية، فابتعدت عنى، وكررت جملتها الثابتة التى قالتها أمام المفتى «روح اتجوز». وكنا وقتها نقف فى شرفة المنزل ليلا، ووجهت وجهى إلى السماء، وقلت: يارب أنت أعلم بما بى.

وفى الصباح بلغ غضبى وانفعالى قمته، فجمعت بعض ملابسى فى حقيبة حملتها فى يدى وقصدت البنك، الذى أودع فيه مدخراتى وسحبت مبلغا كبيرا، وركبت سيارتى، وذهبت إلى الاسكندرية حيث وجدت ضالتى فى صاحبة البنسيون الذى أقمت به، فأفضيت إليها برغبتى فى الارتباط بها على أن أتردد عليها كل فترة، فقبلت بى، وأحضرت والدتها وخالها، وبعد عدة لقاءات متتالية تزوجتها عرفيا، وقضيت معها عدة أيام، ولما عدت إلى القاهرة سألتنى زوجتى: هل تزوجت؟ فرددت عليها: «نعم تزوجت، وأنت طلبت منى ذلك أمام المفتى، ولم تفلح محاولاتى معك فى أن أثنيك عن امتناعك عنى برغم علمك أنك تغضبين الله بصنيعك هذا، وتنتقصين حقا كفله الله لى، حتى لا أقع فى المعصية»، فعاودت كلامها «يعنى لما أقولك: نط من الشباك حتنط»؟.. ومنذ تلك اللحظة أساءت معاملتى تماما، ولم يقتصر عنادها على هذا الجانب وحده، فتحملتها إلى أقصى حد، وكنت كلما فاض بى الكيل أذهب إلى الاسكندرية، حيث أقضى مع زوجتى الثانية ثلاثة أو أربعة أيام، ثم أعود إلى منزلى بالقاهرة. وحاول إبنانا تهدئة الأمور بيننا، وطلبا من والدتهما أن تترفق بى، ونصحانى ألا أصطدم بها، أملا فى أن تستقر الأوضاع، وتخمد ثورة الخلافات التى أشعلتها، والتى كان بيدها ألا تثور أصلا بقليل من الحنان والرعاية، ولكن هيهات أن تتزحزح عن موقفها.

وبعد حوالى ستة أشهر افتعلت مشاجرة معى، وعلا صوتها علىّ، فآثرت السلامة، وتركت لها المنزل، قاصدا هذه المرة أختى التى تسكن فى الساحل الشمالى، وقضيت عندها أسبوعا، ثم عدت من جديد، وأنا أتطلع إلى أن تهدأ زوجتى، لكنى لم أجدها بالمنزل، فلقد غادرته وأخذت معها متعلقاتها، وأخذت أبحث عنها فى كل مكان، إلى أن عرفت أنها تعيش فى إحدى دور المسنين، فزرتها وتحدثت معها، وسلمت بالأمر الواقع، وأصبح ابنانا يعطيان لها ألفين وخمسمائة جنيه كل شهر، وأنا خمسمائة جنيه، وصرت وحيدا فى المنزل، وطلقت زوجتى الثانية التى تزوجتها عرفيا بعد عامين، فلم يكن ممكنا أن تسير الحياة بيننا على هذا النحو.

واستعنت بمن تعد لى الطعام، ومن تتولى تنظيف المنزل، ويتم استنزافى ماليا برضائى، أو بغير رضائى.. ولقد حاولت الزواج من سيدة تشاركنى وحدتى، لكن لم أجد من تناسبنى سواء من الناحية الاجتماعية، أو الظروف التى لا تتناسب معى، بالاضافة إلى شخصيتى وثقافتى، وتوقفت منذ ثلاثة عشر عاما عن البحث عن زوجة، وأحرص على زيارة زوجتى ورفيقة عمرى حتى الآن فى دار المسنين لأعطيها الخمسمائة جنيه، وفى كل مرة أسألها ألم يأن الأوان لكى تعودى معى إلى منزلنا نأتنس ببعضنا، ونكمل ما تبقى لنا من مشوار الحياة معا، فترد علىّ، «عشم إبليس فى الجنة».. إنها ليست مسرحية ياسيدى أرويها لك، وإنما هى سيمفونية حزينة عايشتها، وانتهى بى المطاف إلى وحدة موحشة، وحياة رتيبة مملة، وألم لا حدود له، ولا طاقة لأحد به.

لقد كان فضل الله علىّ عظيما، وأنا راض تمام الرضا بما قسمه الله لى من حياة فى هذه السن المتأخرة، ولا أنكر فضل زوجتى فى تربية ابنينا اللذين صارا ذوى شأن كبير فى ألمانيا، وقد بلغ الأكبر سن الحادية والخمسين، والثانى التاسعة والأربعين، لكن مرارتى تكمن فيما يفعله الانسان بنفسه، وهدمه سعادته بيديه بدون سبب.. فقط «حالة تحجر» فى المواقف ليس لها تفسير، وإنى أدعو كل زوجة أن تتعلم الدرس الكبير بأن تحافظ على بيتها، وأن تحتوى زوجها، وتكمل معه مشوار الحياة إلى النهاية، ولتعلم أن الرجل فى أزمة منتصف العمر يحتاج إلى الكثير من الحب والاحتواء، وأؤكد لك أنى عشت حياتى ملتزما فى كل الأمور، فلم أسرق أو أرتشى أو أظلم أحدا، أو أرتكب فعلا لا يقره الدين، كما اننى أصلى وأصوم، وأؤدى الزكاة، وهذا فضل من الله ونعمة، وربما يكون زواجى العرفى من السيدة التى طلقتها بعد عامين هو الخطوة التى لم أحسبها جيدا، وإن كنت لم أرتكب بها ما يخالف الشرع والدين، فلقد جرت علىّ متاعب كثيرة لم أدركها فى حينها، سواء من النواحى النفسية والمادية، وأرجو أن تكون قصتى عبرة وعظة لمن بلغوا أزمة منتصف العمر، والحمد لله رب العالمين.



ولكاتب هذه الرسالة أقول:





استوقفنى فى قصتك أمران مهمان يتعلقان بأزمة منتصف العمر، التى تصيب كثيرين من الرجال فى مراحل السن المتأخرة.

الأمر الأول: يتعلق بزوجتك التى لعبت الدور الرئيسى فى توسيع الفجوة بينكما، نتيجة إصرارها غير المبرر على عدم تلبية رغبتك فى تمكينك منها بعد أكثر من أربعين عاما من العلاقة الحميمة التى لم تعترضها أى مشكلات، ولم تذكر موقفا واحدا عاندتك فيه، بل كان الحب والحنان والمودة والرحمة هى السائدة بينكما، وقد تزوجتها منذ البداية على هذا الأساس رغما عن أهلك وأسرتك الذين رأوا أن هناك فوارق اجتماعية وثقافية بينكما تحول دون قيام زيجة ناجحة، لكن هذه الفوارق لم تظهر طوال السنين الى أن تعديت سن الستين، والحقيقة أننى لا أرى أى علاقة للفوارق الاجتماعية والثقافية فى موقفها منك، وكان الأولى بها ألا تصل بالأزمة التى تسببت فيها بمنعها نفسها عنك الى هذا الحد، فلقد كان بإمكانها أن تستجيب لك، وأن تحتفظ بعلاقة موصولة معك من الناحية الجسدية، فأنت زوجها، ولم تنفر منك من قبل، فما الذى جعلها ترفض علاقتك بها بعد كل ذلك، لدرجة أنها قالت للمفتى انها توافق على أن تتزوج بأخرى ترضيك من هذا الجانب؟

والأمر الآخر: هو أنك لم تلجأ الى الزواج الثانى رسميا، وانما لجأت إليه عرفيا، ربما من باب الحفاظ على صورتكما الاجتماعية أمام الناس، وحاولت أن تبنى جسورا من التواصل مع صاحبة البنسيون الذى تقيم فيه خلال زيارتك الى الاسكندرية، بعد أن وجدت ضالتك فيها، بنية أن تكون هى ملاذك وقت حاجتك الجسدية، بينما رأت هى فيك مصدرا للمال، فراحت تستنزفك بعلم والدتها وخالها، مقابل أن تقضى معها عدة أيام كل شهر، أى أن نيتك فى الارتباط بها لم تكن زواجا مستقرا مثل كل الزيجات، وانما اتخذتها وسيلة لتفريغ شحنتك الجسدية، وتعويضا عن زوجتك التى رفضت أن تلمسها أو تقترب منها، ولقد كان طبيعيا والحال كذلك ألا يستمر هذا الزواج، إذ لم يكن باستطاعتك تلبية طلباتها المادية المغالى فيها، وبالتالى انصرفت عنك، ووجدت نفسك مضطرا لتطليقها، بل والندم على التفكير فى الزواج بها من الأساس.

وفاتك أن الحل الأمثل كان هو الزواج الرسمى من زوجة ثانية تشاركك حياتك وتمنحك ما رفضت زوجتك الأولى اعطاءه لك، وهو الزواج الذى أحله الله سبحانه وتعالى بإباحة تعدد الزوجات لمن يعيش ظروفا مماثلة لظروفك بشرط أن يعدل بين زوجاته، وحتى لا ينزلق الى الخطيئة وارتكاب المعصية.

ولقد توقفت أمام الموقف الغريب لزوجتك التى فضلت أن تتزوج عليها على أن تمكنك من نفسها، ولم أجد له تفسيرا، فهى تحبك، وعاشت معك سنوات عمرها سعيدة بك، فما الذى غيرها تجاهك فجأة، فالمعروف أن القدرة الجنسية لدى الرجل عضوية فسيولوجية، وهى التى تحدد مدى استطاعته ممارسة الجنس، وقد يكون من هو فى مثل عمرك الآن، قادر على إقامة علاقة زوجية ناجحة، أما المرأة فالمسألة ترتبط لديها بالجانب النفسى أكثر من الجانب الوظيفي، ولا تتوقف قدرتها فى هذا الشأن على انقطاع الدورة الشهرية، أو ما يسميه البعض «سن اليأس»، وفى هذا الصدد استرعى انتباهى خبر طيرته وكالات الأنباء أخيرا عن سيدة أوروبية عمرها مائة وسبعة أعوام وتفكر فى الزواج من شخص مناسب لها لحاجتها الجسدية إليه.

إذن ليست هناك سن محددة تتوقف عندها الرغبة الجنسية النفسية، ولكننا قلما نجد فى مجتمعاتنا الشرقية امرأة متصالحة نفسيا وجسديا، مع رغبات واحتياجات جسدها، فموضوع الجنس من التابوهات الممنوع الاقتراب منها، وحتى من هى فى مثل حال زوجتك تكبت مشاعرها، وتعتبر أن وصولها الى سن متقدمة لا يصح معه أن تمارس هذه العلاقة!

وعلى جانب آخر كان بإمكانك رأب الصدع الذى أصاب حياتك الزوجية بالارتباط رسميا من أخري، وأرصد هنا دراسة بريطانية أجراها العالمان «فراين البرج» و«براون سميث» حول الزواج الثانى للرجل بالرغم من أنه ليس معروفا فى الغرب، وشملت الدراسة سبعمائة حالة، وتبين منها أن الزوجة الأولى يزيد اشتياقها لزوجها، وتتجدد علاقتها به عندما يرتبط زوجها رسميا بأخرى، إذ تحس وقتها أن هناك أخرى سوف تأخذه منها، فيزيد ارتباطها به، لكن إقدامك على زواج عرفى لجأت إليه بعيدا عن عيون الآخرين، كان هو الخطوة غير المحسوبة.. ولذلك لم يستمر طويلا.. ولم يكن ممكنا أن تتزوج من ثالثة زواجا مستقرا، والحقيقة أنك مازلت تحب زوجتك الأولى برغم هذه السن المتقدمة، وانى أرجوها أن تعيد النظر فى اقامتها بدار المسنين، وأن تعود الى منزلك، فلم يتبق من العمر إلا القليل، ولقد أمضيت سنوات طويلة وحدك، وهى الأخرى تفتقد الدفء الأسري، الذى لا يتوافر فى أى مكان سوى البيت وسط الأهل والأحباب، ويكفيها إلحاحك عليها لكى تنسى الماضى بكل ما فيه، فما تتعشمه فيها ليس «عشم إبليس فى الجنة» كما تقول لك، وإنما أنت تريد طى صفحة الوحدة الموحشة والقاتلة، وتعودان الى سابق عهدكما معا، وتتواصلان مع ابنيكما، ويا حبذا لو سافرتما فى زيارة إليهما تجددان فيها الحياة، وتطمئن نفساكما، فيسرى الدم من جديد فى شرايين علاقتكما التى لم يصبها الوهن ولا الضعف، بدليل زياراتك الشهرية لكى تعطيها مبلغ «الخمسمائة جنيه» وهى زيارات أراها جسرا للتواصل بينكما، واطمئنان كل منكما على الآخر وليس لإعطائها هذا المبلغ فى حد ذاته، وإلا أرسلته لها مع أى مندوب.

أسأل الله أن يقرب قلبيكما من بعضهما، وأن يلين موقف زوجتك، فتعود سفينة الحياة للإبحار بكما من جديد، والله المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
nasertoba
مرشح
nasertoba

ذكر
عدد الرسائل : 6343
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 Collec10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 110
نقاط : 17201
ترشيحات : 29
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 222210

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 I_icon_minitime17/4/2015, 23:39

بريد الجمعة يكتبه : أحـمـد البـرى
دموع الورد !

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 2015-635648184112532101-253

تشدنى تجارب قرائك فى الحياة، وأتعلم منها الكثير من العبر والدروس،
فكل تجربة تقدمها فى بريدك الشهير، تضيف رصيدا جديدا من الخبرة التى تساعد من يقرأها فى مواجهة الشدائد والأعاصير، وأنا واحد ممن استفادوا من هذه التجارب، ووجدتنى أكتب إليك بحكايتى على مدى أعوام عمرى الخمسين بكل ما فيها من سعادة وشقاء، وإخفاق ونجاح، وصولا إلى المرحلة التى أحياها الآن بما فيها من أسى ومرارة، فلقد نشأت فى أسرة بسيطة بعزبة تابعة لإحدى القرى بالشرقية لأبوين كافحا كفاح الأبطال لتربيتنا أنا وشقيقىّ اللذين يكبرانى ببضع سنين، وعندما وعيت على الدنيا لمست مكانة ابى لدى أهل العزبة، فهو كبيرها وحكيمها، يلجأون إليه طلبا للمشورة وفض المنازعات، ويمتثلون لقراراته، وبرغم ما قد يبدو عليه من شدة وحزم، فإنه رجل طيب بمعنى الكلمة، حيث يوقر الكبير، ويرحم الصغير، وكان هو الوحيد الذى يعرف القراءة والكتابة، ويحفظ القرآن الكريم بين أهالى العزبة.
وما أجمل الليالى التى عشتها فى صحبته، واستمتع بها أهل العزبة كلهم، إذ أقام مضيفة كبيرة يتجمع فيها الناس بعد صلاة العشاء، فيحتسون الشاي، وينصتون إلى إذاعة القرآن الكريم، وفى ميعاد النشرة الإخبارية بالراديو يتابعون الأحداث، ثم يناقشون أمور العزبة، وكثيرا ما شاهدت هذه المضيفة، وقد تحولت إلى قاعة استماع لأغانى أم كلثوم والجمهور من الرجال والشباب والنساء والأطفال، وفى هذا الجو الرائع ترعرعنا، وكان والدى يملك خمسة أفدنة، واشترى خمسة أخري، ليصبح معه عشرة أفدنة من أجود الأراضى الزراعية، وبرغم أن العمل الذى يمتهنه أهالى العزبة بلا استثناء هو الفلاحة، فإنه كان حريصا على تعليمى أنا وشقيقىّ، فألحقنا بمدرسة فى القرية التى تتبعها عزبتنا، لكننا للأسف خذلناه، ولم يحرص أى منا على استكمال تعليمه، فخرجنا من المدارس، وشغلنا أنفسنا بالأرض، وضمنا جميعا بيت واحد هو «البيت الكبير» أو «بيت العيلة» كما يسمونه فى الأرياف، فنجلس جميعا حول طبلية واحدة، ونحن نتبادل القفشات والنكات.. وعشنا حياة ملؤها الود، والحب والألفة، والدفء الأسري.. وكان يكفى كل منا أن ينظر الى وجه الآخر لكى يعرف ماذا يريد فينفذه له، قبل أن ينطق بأى كلمة، وكانت الدمعة الواحدة التى تسقط من عينى فرد كفيلة بأن تحيل حياة العائلة بأكملها إلى حزن وكآبة.
ولأن الحياة ليست سعادة أبدية، فقد حانت اللحظة التى كنا نخشاها، ولم يكن منها مفر، حيث مرض والدي، فطفنا به على الأطباء، وبعد فحوص وأشعات قالوا كلمتهم القاطعة «الحالة ميئوس منها» فهو فى حاجة الى جراحة دقيقة بالمخ، ولن تتحمل صحته المتدهورة عملية من هذا النوع، فكتمنا أحزاننا داخلنا، وجلسنا جميعا تحت قدميه، وهو فى فراش المرض، نحبس دموعنا، ونحاول أن نتماسك أمامه، وذات ليلة جمعنا نحن الثلاثة «أنا وشقيقىّ»، وأحضر عقود ملكية الأرض، وطلب عمى الأصغر وإمام مسجد العزبة، وعددا من الشهود، فجاءوا جميعا، فقسم الأرض علينا بما يرضى الله، ووفقا للشرع والقانون، واستسمحنا فى أن يجعل المضيفة، وقفا لأهل العزبة، لينتفعوا بها كصدقة جارية على روحه، ولم يعترض أحد، ولم نذق طعم النوم فى تلك الليلة، ومع اقتراب آذان الفجر أحضرنا له الماء، فتوضأ وهو فى الفراش، واتجه الى القبلة، وقبل أن يدخل فى الصلاة، نظر إلينا قائلا «روحوا صلوا فى الجامع»، فخرجنا نحن الثلاثة، وأدينا صلاة الجماعة، ثم عدنا مهرولين إليه، فوجدناه ممددا على سريره، ويبدو كمن غلبه النوم، وأصبع الإبهام على خرزات مسبحته، فتراجع شقيقاى لكى لا يستيقظ من غفوته، أما أنا فاقتربت منه ووضعت يدى على صدره، فلم أشعر بنبض أو حركة، واستدعينا الطبيب من القرية التى تتبعها عزبتنا، فأبلغنا بما كنت قد تأكدت منه، وهو أن روح أبى صعدت الى بارئها.
يا الله.. مات أبى وماتت معه الألفة والمودة التى جمعت ثلاثتنا، فلقد كان رحيله بداية الفرقة بيننا، وذهاب كل منا الى طريق مختلف عن الآخرين، فلم يحرص شقيقى الأكبر على مد جسور المودة والرحمة معنا، ولم ينفذ وصية والدنا بأن يحتوينا، ويحل محله، باعتبار أن الأخ الأكبر والد، وتناسى آخر كلمات أبى له فى الليلة التى رحل فيها عندما قال له بالحرف الواحد «أخوتك والعيلة والأرض أمانة فى رقبتك.. أوعوا تفترقوا».. نعم يا سيدى فلقد كان الطلب الوحيد الذى ألح به على مسامعنا هو أن نظل عائلة واحدة، وأن يكون شقيقى الأكبر كبيرنا، وإن كان كل منا قد عرف ميراثه من الأرض فإنه يثق تماما، فى أن الأوضاع ستبقى كما هي، وسيظل المحصول لبيت العائلة، وعلى أخى الأكبر أن يديرها لمصلحة الجميع، لكن هيهات أن ينفذ وصية أبينا، فمنذ اللحظة الأولى لرحيله استقل بأرضه ونفسه، وراح كل منا يعيش فى بيت منفصل عن الآخرين، وانفرط عقد الأسرة، وكان المفروض أن تتحمل العائلة تكاليف زواجى كما أوصى والدي، وكما فعل هو معهم، لكنى وجدتنى وحدي، فادخرت ما استطعته، وتزوجت إحدى قريباتي، وأنجبت بنتين وولدا، ملكوا علينا حياتنا وعشنا سعداء، وسارت بنا الحياة فى هدوء، ومرت سبع سنين، ثم فوجئت بحمل زوجتي، ولم يكن لنا فى ذلك حيلة، ووضعت ولدا سميته «علاء»، وبعدها بثلاث سنوات تبعته بطفل سميته «كريم»، وسارت الأمور على ما يرام، ووصل «علاء» الى الصف الثانى الابتدائي، وكان متفوقا فى دراسته ويحبه المعلمون فى المدرسة، والجيران، وحتى المارة فى الشارع كانوا يداعبونه لخفة دمه، وذات يوم أحس ببعض التعب، فحملته الى الطبيب، ففحصه وأخبرنا أنه مصاب بالحمى ووصف له عددا من الأدوية، ومرت أيام ولم يطرأ عليه أى تحسن، ثم تدهورت حالته، فأصبح غير قادر على الحركة، ولا يستطيع الوقوف على قدميه، ويحرك أطرافه بصعوبة شديدة، فانتابنا القلق عليه، وأخذناه أنا ووالدته الى مستشفى خاص حيث خضع للعديد من التحاليل والاشعات بينت أنه أصيب بمرض نادر اسمه «ضمور فى الأعصاب» يؤثر على الأطراف والحركة، وأيضا على النطق والكلام، ثم هدأوا من روعنا بقولهم إنه مع العلاج والمتابعة سوف تتحسن حالته، ولكن هيهات أن يتحقق شيء من ذلك، فلقد تحول الى كومة من اللحم فوق سريره الذى لم يعد يغادره بعد أن كان يملأ البيت والشارع والمدرسة جريا ولعبا ومرحا.
ولم تمر شهور معدودة حتى لحق به شقيقه الأصغر مصابا بالمرض نفسه، وتكررت نفس الرحلة القاسية معه من متاعب وفحوص، وأدوية، وآلام نفسية، فما أصعب أن ترى فلذتى كبدك بلا حراك وأنت عاجز عن أن تقدم لهما شيئا، إنها مصيبة كبرى أفقدتنى وعيي، وجعلتنى أعيش حياتى كلها فى خوف ورجاء، خوف من أن يعيشا بهذه الحالة الى النهاية، ورجاء من العلى القدير أن يلطف بهما وبنا فيما جرت به المقادير.. وبدأت معهما مشوارا طويلا من العلاج استنزفت فيه ما معى من مال ادخرته لتزويج البنتين، ولكن لم يطرأ أى تحسن عليهما.. أما التأمين الصحى فلم ير علاجا لهما سوى كرسيين متحركين بعجل!.. ولما تعجبت من موقف الجهة المسئولة عن صحة المواطنين، رد المسئولون، أى علاج دوائى على حسابك.. لا توجد ميزانية لعلاجهما.. ولم يثننى ردهم عن طرق كل الأبواب لحل مأساة ابنىّ، فعرضت ميراثى من الأرض للبيع، وبدلا من أن يقف شقيقاى معى فى هذه المحنة، وجدتهما يقفان ضدي، ويرفضان بيع الأرض لأحد سواهما، وبسعر أقل من الأسعار المتداولة فى المنطقة التى نقطن بها، بحكم أنهما الأحق من الغريب ووفقا لما جرى عليه العرف، ولم يباليا بوصية والدي.. ويبدو كما يقال «إن كل وقت له آذان».. بمعنى أن كل واحد يسعى الى مصلحته الشخصية، مهما تسبب ذلك من أذى للآخرين.. وبعت لهما الأرض، وذهبت الى كل من سمعت عنهم من مشاهير الأطباء، وأخيرا وصلت الى طبيب شهير، قال لى إن أحدث علاج لحالة ابنيّ هو حقنة ثمنها ثلاثة آلاف جنيه، فدفعت لهما ثمن حقنتين أعطاهما لهما بنفسه، وانتظرت أى تحسن ولو بسيط، فإذا بنصفهما الأسفل يتوقف تماما عن الحركة، ونفد ما معى من مال، ولم يتبق سوى ثمن تذكرة السفر الى دولة عربية قلت أجرب حظى فيها، وذهبت إليها، وحرصت على إرسال كل ما اتقاضاه من أجر الى زوجتى لاستكمال علاجهما، وظللت بالخارج ثمانى سنوات متواصلة، حتى خارت قواي، ولم أعد أقوى على السفر، وتسلم ابنى الأكبر المهمة، فسافر الى ليبيا وعمل فى أحد مصانع الرخام، وأرسل إلينا ما يحصل عليه أولا بأول، واستأجرت أرضا زراعية أملا فى دخل نواجه به متاعب الحياة، وبعون الله وفضله استطعت تزويج البنتين، وبقى ابناى الصغيران طريحى الفراش، وقد بلغ «علاء» أربعة عشر عاما، و«كريم» أحد عشر عاما.
اننى مهما وصفت لك العذاب والألم النفسى الذى نعانيه، فلن استطيع أن أجسد يوما واحدا من المعاناة التى نعايشها أنا وزوجتى فى التعامل معهما، فنحن نطعمهما فى الفم، ونساعدهما فى كل حركة، ونحملهما اذا أردنا نقلهما من حجرة الى أخري، ونأخذهما الى الحمام، والأصعب من كل ذلك أنهما لا يستطيعان التحكم فى عملية الإخراج، وما أكثر ما قضيا حاجتهما فى الفراش، وحاولا إخفاء ما حدث رغما عنهما، فكنا نتجاهل الأمر وكم من ليال نمت فيها «نصف نوم» استرق السمع خوفا من أن يحتاج أحدهما شيئا، ولو مرت على ساعة واحدة دون أن أشعر بهما، أنهض مفزوعا من النوم لرؤيتهما وإسدال الغطاء عليهما، حتى اذا طار النوم من عينىّ، أجلس الى جوارهما، وانخرط فى البكاء، وأنا أدعو الله أن يبدلهما حياة غير هذه الحياة، فالموت أرحم بهما من هذا العذاب، ثم أستغفر الله العظيم، فليس أصعب علينا من أن نرى الحرج بعيونهما فى كل حركة، حتى عند تغيير الملابس والاستحمام، وأذكر أن «علاء» أراد أن يكون فى الحمام وحده، فتركته وانتظرت فى الخارج الى أن يقضى حاجته، ولما طال الوقت دون أن يعطينى إشارة بالدخول إليه، فتحت الباب، فإذا به يبكى ووجهه فى الأرض خجلا، ولما اقتربت منه ظل يصرخ ويردد كلاما غامضا، بما معناه أنه يتمنى الموت، فاحتضنته وربّت على ظهره.
ولقد ظننت أن مفاجآت الحياة قد توقفت عند هذا الحد، ولكن حدث ما لم يكن فى الحسبان، وظهر هاجس جديد يقتلنى فى اليوم ألف مرة، وهو اختفاء ابنى الأكبر فى ليبيا، إذ انقطع الاتصال بيننا منذ ديسمبر الماضي، ففى مكالمة لى معه طلبت منه أن يعود الى مصر بعد اشتعال الأحداث هناك، فوعدنى بالعودة عندما تتيسر الأمور، ومازالت عبارته ترن فى أذنى «متخافش ياحاج.. مستورة إن شاء الله».
.. إننى أكذب على أمه، وأقول لها «إنه اتصل بي، وبيسلم عليكم» حتى تهدأ.. فلم يعد لنا أمل فى الدنيا سواه، وهو سندنا الوحيد، وراعى شقيقيه.. أرأيت يا سيدى كيف تدير الحياة ظهرها للكثيرين، فتتحول حياتهم الى جحيم بعد أن عاشوا حياة رغدة؟.. ولكن من يتعلم الدرس، ويتقى الله فى أهله وإخوته وجيرانه وأحبابه؟.. إن شقيقىّ انصرفا الى نفسيهما، ثم أولادهما، وانفرط عقد «البيت الكبير»، وها أنا أواجه «المستقبل المجهول»، وقد أرحل عن الدنيا، وأسرتى بلا سند ولا معين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
 
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
ما أعظم بلاءك، وما أروع صنيعك.. فلقد اختبرك الله بمرض ولديك الصغيرين، ثم بمحنة اختفاء ولدك الأكبر فى ليبيا، فقابلت كل ذلك بالعمل والكفاح والصبر، وما كان لمثلك أن يشقى أبدا، فالتحلى بالصبر من شيم الأشداء الذين يتلقون المكاره بالإرادة القوية والعزيمة التى لا تلين، والنبلاء يصارعون الملمات ويطرحون النكبات أرضا، وكلما واجه المرء المتاعب بثبات وإيمان ويقين فى الله، فإنه سيأتى اليوم الذى يشرق فيه وجهه، ويرى الفتح، ويعيش النصر، وما أعظم صنيعك يا سيدى إذ أنك لم تكتف بالصبر وحده، وإنما نازلت الكوارث، وتحديت المصاعب، وطرقت أبواب الرزق هنا وهناك، ومشيت فى مناكب الأرض بحثا عن لقمة العيش، ولم تركن الى رغد الماضى فى «البيت الكبير» ومضيفة «العزبة» ولسوف ينصرك الله على ما أنت فيه ولو بعد حين.
ولقد فات شقيقيك أن السعادة لا تتحقق إلا بالمبدأ الذى أرساه أبوكم فيكم بأن يكون «البيت الكبير» مأواكم، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا، ولا تتفرقوا، وأن يجمعكم هدف واحد، وحياة واحدة، فخير للإنسان أن يجتهد فى سبيل التعاون مع أهله، من أن يُجد فى تكديس المال بجيبه، إذ ما الحياة اذا وجهنا كل جهودنا فيها لجمع المال، ولم نوجه بعض الجهود للرحمة وتخفيف المتاعب عن الأهل والأحباب؟.. نعم فاتهما ذلك، فأخذا منك أرضك بمقابل يقل عن السعر المتعارف عليه، بدعوى أنهما أحق بها من الآخرين، وتجاهلا أن الواجب يحتم عليهما أن يسانداك فى محنتك، وأن يحافظا على وجودك معهما يدا بيد فى الأرض والمنزل، وكل أوجه الحياة، ولو فعلا ذلك لاستمرت علاقة الود والمحبة بينكم الى الأبد، لكن الدنيا غرتهما فانجرفا إليها وتركاك تصارع الأمواج وحدك، لكنى أراك قويا، لم تهزك الرياح العاتية التى تعصف بالكثيرين من أول موجة، فالصعاب فى الحياة أمور نسبية، وكل شيء صعب عند النفس الضعيفة، ولا شيء مستحيلا عند النفس القوية التى تزداد عظمة بمغالبة المتاعب، وانتظار الفرج.
ويقول الحق تبارك وتعالى «أليس الصبح بقريب»، فلقد لاح صبح المهمومين فانظر إليه، وارتقب الفتح من الفتاح، ويقول المثل «اذا اشتد الحبل انقطع»، بمعنى أنه اذا تأزمت الأمور، فانتظر فرجا ومخرجا.. وما أكثر الآيات القرآنية التى تتحدث عن الفرج ومنها قوله عز وجل «من يتق الله يجعل له مخرجا»، وقوله «ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته، ويعظم له أجرا»، وأيضا قوله «ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا».. وفى ذلك يقول الشاعر:
كم فرج بعد إياس قد أتي
 
وكم سرور قد أتى بعد الأسي
 
من يحسن الظن بذى العرش جني
 
حلو الجنى الرائق من شوك السفا
 
ومادمنا نأخذ بالأسباب فعلينا ألا نشقى ولا نحزن، فالمرض يزول، والدين يُقضى والغائب يعود، والفقير يغتني، والعاصى يتوب.. هكذا تسير الحياة وفق ما أراده الله، فلا شيء يدوم على حاله.. أما ترى السحاب ينقشع، والليل ينجلي، والريح تسكن، والعاصفة تهدأ.. إذن كن واثقا من أن شدائدك ماضية الى رخاء، وعيشك الى هناء، ومستقبلك الى نعماء.
 
أما شقيقاك فلا تحزن لتخليهما عنك، لأنهما اذا كانا قد فعلا ذلك معك، فإن هناك من فعل ذلك مع الخالق سبحانه وتعالي، وقد جاء فى كتاب الزهد أن الله يقول «عجبا لك يا ابن آدم، خلقتك، وتعبد غيري، ورزقتك وتشكر سواي، أتحبب إليك بالنعم، وأنا غنى عنك، وتتبغض إليّ بالمعاصى وأنت فقير إليّ، خيرى إليك نازل، وشرك إليّ صاعد!!»، وجاء فى سيرة عيسى عليه السلام، «انه داوى ثلاثين مريضا، وأبرأ كثيرين من العميان، ثم اذا بهم ينقلبون ضده أعداء»، نعم إلى هذا الحد ينقلب البعض حتى على الله سبحانه وتعالى وعلى أنبيائه، فلا تحزن لأن الدنيا شغلت أخويك، وهما إن عاجلا أو آجلا سوف يدركان خطأهما تجاهك، وأرجو أن يعيا ذلك، فيعيدان المياه الى مجاريها معك، ويقفان الى جوارك فى محنتك بمرض ولديك الصغيرين وغياب ابنك الكبير، نتيجة الأوضاع الصعبة التى تمر بها ليبيا الآن على يد تنظيمات إرهابية تتخذ من الدين ستارا لأعمالها الوحشية، والدين منها براء، ولعل الجهات المسئولة فى وزارة الخارجية، والسفارة المصرية فى ليبيا، تكون على علم ببيانات ابنك، فتساعدك فى الوصول إليه، ويعود إليكم سليما معافي.
 
ويبقى أن أقول لكم، وأنتم الذين تعذبتم بالجوع، والضنك، والضني، والألم والفقر، والمرض، أبشروا، فإنكم سوف تسعدون وتصحون:
 
فلابد لليل أن ينجلي
 
ولابد للقيد أن ينكسر
 
ومن يتهيب صعود الجبال
 
يعيش أبد الدهر بين الحفر
 
وكأنى أرى دموع صغيريك التى تتساقط على خدودهما، وهى دموع ليست حسرة على ما ألم بهما من مرض، وانما حبا وعرفانا لكم على صنيعكم معهما.. إنها حقا «دموع الورد» التى تنثر أريجها الفواح بقطرات الندى التى تصدر عنها، فاستمد من محنتهما طاقة متجددة تدفعك الى الأمام، وواصل سعيك فى الحياة، وسوف تسعد بهما وبشقيقهما الغائب عندما يعود إليكم سالما لتكتمل الفرحة وتعم السعادة.
وإنى واثق من أن فرج الله سيكون قريبا، وحق عليك أن تظن بالله خيرا، وأن تنتظر منه فضلا، فإن أمره سبحانه وتعالى «كن»، جدير بأن يكشف الضر عن ابنيك المريضين وأن يعيد ابنك المسافر، فلا يجلب النفع، ولا يدفع الضر إلا هو، وله فى كل نفس لطف، وفى كل حركة حكمة، وفى كل ساعة فرج، فحرى بالعبد أن يقوى صلته به امتثالا لقوله تعالى «ادعوا ربكم تضرعا وخفية».. وأتذكر هنا ما حدث للعلاء بن الحضرمى عندما انقطعت به السبل فى الصحراء ومعه بعض الصحابة، وقد نفد ماؤهم، وأشرفوا على الموت، فنادى العلاء ربه قائلا «يا علي، يا عظيم، يا حكيم، يا حليم نجنا مما نحن فيه» فنزل الغيث، فشربوا وتوضأوا وسقوا دوابهم، وواصلوا رحلتهم فى أمان واطمئنان.. هكذا يكون التوكل على الله يا سيدي، وأنت بذلت كل ما فى وسعك وطرقت كل الأبواب.. فانتظر عطاء السماء قريبا بإذن الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
nasertoba
مرشح
nasertoba

ذكر
عدد الرسائل : 6343
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 Collec10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 110
نقاط : 17201
ترشيحات : 29
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 222210

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 I_icon_minitime18/4/2015, 00:25

الأب‭ ‬الحجرى

لعلك تذكرني، فأنا صاحبة رسالة «الستار الحديدي» التى رويت

، فيها حكايتى مع أبى الذى يشغل مركزا مرموقا، وزواجه بعد رحيل أمي، وكيف أن زوجته عاملتنى بقسوة، وانحاز إلى جانبها، واتخذ موقفا معاندا لي، بل إنه أخذ ميراثى من أمي، وأعطى كل شيء لأخى منه، بل وفرض عليّ ستارا حديديا، ورفض كل من تقدموا لخطبتى حتى وصلت إلى سن الثالثة والثلاثين دون زواج نتيجة لتعنته، وقد بعثت إليك برسالتى خوفا من أن تضيع آخر فرصة لى فى الزواج، وكم تأثر فتاى بردك على رسالتي، لكن أبى وافق على تزويجى له بشرط ألا يدفع مليما واحدا فى هذه الزيجة!.. فأحسست بغصة فى حلقي، وألم فى قلبي، وبكيت بكاء صامتا ولسان حالى يقول: أى أب هذا؟... وهل هناك على وجه الأرض من يفعل بابنته مثلما يفعل بى أبى؟... ونظر خطيبى إليّ وقال لى إنه يوافق على شرطه من أجلى وأننا سنتجاوز معا هذه العقبة بإذن الله، وتمت خطبتنا منذ نحو ثلاثة أشهر، وشعرت لأول مرة بأنوثتي، وبأننى مخطوبة مثل كل البنات، ولى كيان، ومن حقى أن أفرح وأتكلم وأخرج مع خطيبي، وأنا مزهوة وفخورة به وبنفسي.

وجلست مع خطيبي، وقسمنا بيننا المسئولية عن تجهيز الأثاث، وبذل خطيبى منذ اللحظة الأولى كل جهده، لتنفيذ ما اتفقنا عليه، أما أنا فلم استطع الوفاء إلا بنصف الالتزامات المطلوبة مني، ووجدتنى ألجأ إلى البنوك للحصول على قرض بضمان مرتبي، فإذا بى أفاجأ بأن حالتى لا تنطبق عليها شروط الاقراض لأننى أعمل فى الحكومة منذ سبع سنوات بعقد مؤقت، مع أننى لم أنقطع يوما واحدا عن العمل، ولا يحدث تسريح للعمالة الحكومية، فإذا كنت استطيع أن آخذ قرضا حتى أربعين الف جنيه فلماذا لا يقرضنى هذا المبلغ، وأنا ملتزمة بالسداد، ومستعدة لتلبية كل الشروط بما فيها تحويل مرتبى إلى البنك ولكن لا أدرى ماذا أفعل؟

لقد لجأت إلى زملائى المعينين لكى يحصلوا على القرض عني، وأن أوقع لهم أى أوراق تثبت حقهم لديّ، فلم يوافق أحد، ولجأت إلى الشركات لتقسيط ما اشتريه منها من عفش وأجهزة ومفروشات، فوجدتنى أمام سراب، وأن كل الدعاية التى تبثها هذه الشركات وهم، ذهبت إلى جمعيات يقال إنها تعطى قروضا حسنة للمحتاجين، فلم أجد فيها من يسمعني!.

وإنى أسالك: أليس من حقى أن أحلم، وأن اشترى الأثاث اللازم لعش الزوجية، فلماذا يقف منى الجميع هذا الموقف العنيد بدءا من أبى الذى أكل حقوقي، والشركات والبنوك التى لا تقبل إقراضي، وحتى جهة عملى التى اشتغل بها منذ سبع سنوات لم تثبتنى بعد؟... وما هى الجريمة التى ارتكبتها ليحدث لى كل ذلك؟... أرجوك لا تتركنى فى حيرتى وحسرتي، وإنى ألجأ إليك بعد أن تخلى عنى الجميع، ولا أعرف غير بابك لكى يحل لى مشكلتي، فلم يبق على الموعد الذى اتفقنا عليه للزفاف سوى أيام، حيث إننا حددناه من قبل بنهاية الشهر الحالي، وهى فرصتى لكى اتخلص من كابوس أبى وزوجته، وإلا فإنها ستكون نهايتي، ولله الأمر.



ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

إنى أتعجب أن يكون هناك آباء بهذه القسوة التى لا مبرر لها.. لقد انتظرت بعد أن نشرت رسالتك الأولى التى سميتها «الستار الحديدي» أن يتزحزح عن موقفه، وأن يحتويك، ويدرك كم هو قاس عليك، لكنه لم يفعل، فغلاظ القلوب من أمثاله لا يهمهم سوى أنفسهم، ولا يعنيهم الآخرين، حتى فلذات أكبادهم، ولا أدرى كيف سيقابل وجه الله، وهو على هذه الحال المتشددة منك بلا ذنب، ولا جريرة سوى إرضاء زوجته، وابنه منها... وإنى اسألها إن كانت تدرك عاقبة فعلها أم لا؟.. وأنذرها بعذاب الله لها فى الدنيا قبل الآخرة، وللأسف فإن مثيلاتها وأمثالها لا يتعلمون هذا الدرس أبدا إلا بعد فوات الأوان.. وما أكثر المآسى التى حملها إليّ البريد عبر السنين لمن ندموا على صنيعهم بأولادهم، وأولاد أزواجهم، ومن فرقوا بين الأولاد والبنات وأن القصاص العادل جاءهم قبل الرحيل فى صورة مرض أو عوز، أو انعدام راحة البال، وتطاردهم الهواجس حتى إنهم يتمنون الموت فلا يجدونه... نعم يتمنون الموت.. ولا يتخيلون أن عذاب الآخرة سيكون أشد ألما وأطول أمدا.
إننى أحذر أباك مرة أخرى من المآل الذى ينتظره، وأحذر زوجته من عذاب الضمير حين تجد نفسها بلا حيلة فى وقت لن ينفعها فيه أحد، وأحذر أخاك من أن ينجرف فى تيارهما، وأتوجه بالنداء إلى من بيدهم الأمر لإقراضك المبلغ الذى تكتمل به سعادتك، مادمت ستقبلين بشروط البنوك، واستثنائك من شرط التعيين الدائم، فالعبرة بمن يسدد ما عليه.. أسأل الله أن يفك كربك، وأن يرزقك من حيث لا تحتسبين، وهو وحده المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أكرم عبد القوي
__________
__________
أكرم عبد القوي

ذكر
العمر : 57
عدد الرسائل : 23180
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 Profes10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 3011
نقاط : 37123
ترشيحات : 136
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 411

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 I_icon_minitime24/4/2015, 13:45

القفزة القاتلة !



بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 2015-635654222142967648-296

من الطبيعى أن يحزن الإنسان لما يصيبه من ابتلاءات الدنيا، لكنه يجب ألا يجزع ولا ييأس، ولا يفتح الباب على مصراعيه للخطأ، كما فعلت أنت طلبا للزواج، متناسية أنه ليس بهذه الطريقة تكسب الفتاة أو المرأة قلب من أحبته، وليس أيضا بعدم الحديث معه أو رفض لقائه، وانما عليها تحكيم عقلها فى تصرفاتها.
لا أعرف من أين أبدأ رسالتى إليك، فأنا لست بارعة فى الكتابة التى لم تكن يوما إحدى مهاراتي، وسوف أدخل فى صلب الموضوع مباشرة، حيث إننى فتاة فى سن الثالثة والثلاثين، عشت حياة عادية فى أسرة بسيطة ومستقرة حتى سن السابعة عشرة عندما حصلت على الثانوية العامة،  ومنذ ذلك التاريخ، وعلى مدى سبعة عشر عاما واجهت مصاعب عديدة، حطمت معنوياتى وقضت على حياتي. وكانت البداية عندما دخلت كلية نظرية، فهى وإن كانت تتماشى مع دراستى فى القسم الأدبى إلا أننى كرهتها.
ولم أفلح فى اجتياز موادها بالغة الصعوبة، وزاد من يأسى فى الاستمرار بها، ما عرفته من أن نسبة النجاح فيها كل سنة لا تتجاوز سبعة فى المائة. فكل المواد مبنية على الحفظ وليس الفهم، ورسبت فى السنة الأولي، مما ترك أثرا سيئا للغاية فى نفسي، وفكرت فى الانتقال إلى كلية أخرى حتى لا تفوتنى فرصة التعليم الجامعى لكن أبى وأمى لم يوافقا على سفرى إلى محافظة أخري، حيث تقع الكليات التى تناسب مجموعى والتى تقترب طبيعة الدراسة بها من دراستى النظرية، وفى العام التالى توقفت عن الذهاب إلى الكلية، واتجهت إلى العمل لعلى أعوض فشلى الدراسي، وسمعت كلاما شديد القسوة من أهلى بأن اخوتى جميعا سيكونون من خريجى الجامعات إلا أنا، فلم آبه لكلامهم، ومضيت فى طريقى نحو الهدف الذى رسمته لنفسى بأن أعمل ويكون لى كيان وسط من حولي.
وفى رحلة البحث عن وظيفة وقفت الخبرة والكمبيوتر عقبتين فى طريقي، فأخذت عدة دورات تدريبية، ثم وفقنى الله فى العمل بمستشفي، وكان كل احتكاكى فيه بالمرضى والممرضات، ثم جائتنى فرصة أفضل فى شركة كبرى للعمل سكرتيرة لصاحبها، ولكن منذ الاسبوع الأول وجدته يهينني، ويتعمد إحراجى أمام الجميع، فأصابتنى صدمة نفسية، ولم أجد تفسيرا لمعاملته لى بهذا الاسلوب، فكل من يعرفونه أنكروا أسلوبه فى توجيهي، وأكدوا انه ليس من طباعه أن يهين أحدا أو يسبه. وفشلت فى معرفة السبب الذى جعله يتصرف معى بهذه «الدناءة»، وذات يوم قررت مواجهته، فسألته: ما الخطأ الذى ارتكبته لكى تسبنى وتشخط فيّ «عمّال على بطّال» فأجاب: «معلهش.. أنا مريض سكر».. وللأسف لم يتوقف عن أسلوبه الفج معي، وتحملت إهاناته عاما كاملا إلى أن كرهت مجرد سماع إسمه، وراودنى حلم الدراسة من جديد، فدخلت الامتحان دون أى أمل فى النجاح، ولم أذهب إلى الكلية بعدها حتى ولو لأعرف النتيجة!
ومرت السنوات وأنا أتنقل من وظيفة إلى أخري، إلى أن التحقت بشركة يبدو أنها شركة كبيرة، وأن موظفيها محترمون، ولم يمر يومان فقط حتى عرفت أن صاحبها لا يعرف فى تعامله مع الآخرين غير «السباب»، فقلت فى نفسى «إن بإمكانى أن أتفادى أى معاملة غير لائقة بالتركيز فى العمل. ولن يمسك عليّ أحد أى غلطة بعد أن أصبحت ممتازة فى الكمبيوتر والأعمال الادارية، ولن أحتك بهذا الرجل فى أى أمر».. وبعدها بأيام وجدته فجأة واقفا ورائي، ويضع يده على كتفى ويتحسسني، فالتفت إليه، وأنا مذعورة بنظرة غضب. فإرتبك من رد فعلي، وقال: «خلصى شغلك بسرعة» وظل هذا الموقف محفورا فى ذاكرتى وابتعدت عنه تماما، ولم أدخل مكتبه إلا فى وجود أحد من الموظفين، لكنه كان ينتظر اللحظة التى يكرر فيها محاولاته لجذبى إليه، فلقد إنتهز فرصة وجودى بمفردي، وهو يمر بالشركة ووضع يده على ذراعي، فابتعدت عنه، وقلت له «فيه إيه حضرتك» ومن يومها بدأ سلسلة اهانات غير مبررة لي، وكثر صراخه فى وجهي، ومع تماديه فى إيذائى أخذت حقيبتى وإنصرفت من المكان إلى غير رجعة.
وخضت رحلة جديدة للبحث عن عمل آخر، ووجدت ضالتى عند سيدة لديها شركة بسيطة، والحق أننى إرتحت فى عملى معها، وبذلت أقصى جهدى لنيل ثقتها، وعاملتنى بكل حب لدرجة انها كانت تقدمنى للآخرين بقولها: «دى بنتي»، ونجحت الشركة، وما ان بدأت هذه السيدة فى اثبات وجودها، حتى جاء الاخوان إلى الحكم، وتدهورت أحوال البلد كلها، فاضطرت إلى تصفيتها.
عند هذا الحد توقفت حياتي، فلا أنا استقررت فى عمل، ولا أنا استكملت دراستى الجامعية، وانصرفت إلى عالم «الانترنت»، وعن طريقه تعرفت على شاب تحدثت معه كثيرا، وقال لى تفاصيل عديدة عن حياته، وانه يريد الارتباط بي، وما أن نطق برغبته هذه حتى قفز قلبى من الفرح، وأحسست أنه قريب جدا مني، وطلب رقم هاتفى فأعطيته له، فأخذ يحدثنى يوميا بالساعات، ثم دعانى إلى الجلوس معه فى أحد الأماكن العامة، فقبلت دعوته، وأحسست معه بحب كبير، ومن بين ما قاله لى أنه صاحب شركة، وأكبر منى بأربع سنوات، وأن أهله ناس طيبون، وتوطدت علاقتنا. ولم يبق إلا أن يطلبنى من أهلي.
وقبل أن أحدد معه موعدا لزيارتنا، وأخبر أهلى به، طرق بابى عريس فرحوا به فرحة عارمة، واعتبروا طلبه يدى نصرا كبيرا، واستجابة لدعاء السنين، أما أنا فلقد وقع الخبر عليّ كالصاعقة، وسارعت الى فتاى وأخبرته بأمر العريس الذى يرحب به أهلي، وأن عليه الإسراع فى زيارتنا، وأكدت له أنهم سيرحبون به من أول جلسة معه، ففوجئت به يماطلني، ويتعلل بحجج واهية لكى يتنصل من وعده لي، ثم طلب منى أن أجلس مع العريس إرضاء لأهلي، الى أن يرتب أموره ويتقدم لي!، وظللت أبكى طول الليل، وكتمت علاقتى بفتاي، ولم أخبر بها أحدا من أهلي، وجاءنا العريس، وجلست معه، ولكنى لم أنظر إليه أو أسمعه، وظللت طوال لقائنا فى حجرة الصالون شاردة ولم أركز فى أى كلمة قالها، ولم أنطق بحرف واحد، وحاول أهلى لفت نظري، وكانوا يشيرون لى من بعيد بأن أتجاوب معه، فلم أعرهم اهتماما وظللت صامتة الى أن انتهت الزيارة، وبعدها اتصل بى فتاى وسألنى عما فعلته مع العريس، فثرت عليه، وقلت له إنه ظهر على حقيقته، فرد عليّ بأنه يخفى عنى سرا، وحان الوقت لأعرفه لكى نكون على نور ـ على حد تعبيره ـ وهذا السر هو أنه متزوج منذ عشر سنوات ولديه ولد وبنت، وأن اسمه غير الاسم الذى عرفته به، وأنه تعرف عليّ منذ البداية، وفى نيته الزواج منى لأنه ليس سعيدا مع زوجته، وأنه سيتزوج، سواء منى أو من غيري، لكنه خشى أن يخبرنى بهذه الحقائق خوفا من أن أتركه.. فأحسست كأن السماء وقعت على رأسي، ولم يكن بيدى شيء أفعله، فلقد أوقعنى فى حبه، ولا أكذب عليك ـ يا سيدى اننى صدقت كل حرف من هذا الهراء.. نعم صدقته لأنى أحببته، حيث تجاوزت الثلاثين، ولم يتقدم لى سوى واحد غير مناسب، وقد سايرته، وأصبحت أقابله كثيرا، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، إذ تركته يضع يده عليّ كيفما شاء، وأنا التى لم أسمح لأحد أن يقترب مني، ووجدها فرصة لكى يحدثنى عن أشياء لم أسمعها من قبل، وكنت بالنسبة له أرضا خصبة للشرح وزراعة الأفكار الهدامة، وجاريته بمنتهى السذاجة، وتطور الأمر الى أن زرته فى مكتبه بمنطقة شعبية، ورأى منى ما أراده بحجة أننا سوف نتزوج، واستمرت علاقتى به لأكثر من عام حتى كرهته وكرهت نفسي.. إننى مازلت عذراء، لكن مجرد سماحى له بالاقتراب منى زلزل كياني، فلقد دأبت طوال حياتى على قيام الليل، وقراءة القرآن، ولم أكن أتخيل أن تصل بى الحال الى ما وصلت إليه، وصارت أمسياتى كلها بكاء لا ينقطع، ويمزقنى ضميرى ويكاد رأسى أن ينفجر من الضيق والندم.
ولقد عاهدت الله أن أغير حياتى تماما، وأن أعود الى سابق عهدي، وأغلقت كل منافذ الوصول لي، وعدت الى المواظبة على الصلاة والعبادة.. وجاءتنى فرصة للعمل فى مدرسة خاصة، ولكنى لم أعجب المديرة التى فشلت فى ارضائها، وظلت ورائى حتى فصلتني، وكل زملائى فى المدرسة ضربوا كفا بكف، فلم يجدوا مبررا للتنكيل بي!
إننى لا أفكر فى أى شيء الآن سوى الموت، ففيه راحة لى من متاعب الدنيا وأعتبر أن حياتى انتهت منذ عدم التحاقى بالكلية التى أرغبها قبل ستة عشر عاما، ثم توالت الأحداث الدامية فى حياتي، وأنا الآن بلا عمل ولا زوج ولا حتى صديقة أفضفض إليها بما تكنه نفسي، فأنا صامتة طوال النهار والليل، ويغلبنى البكاء فى كل وقت وحين، وأعيش مع أبى وأمى بعد أن تزوج أخوتى جميعا، وبقيت أنا مصدرا للتعاسة، ولا أمل فى الاستقرار العائلى بعد أن وصلت الى هذه السن، ولا فى العمل فكل من طرقت أبوابهم يشترطون ألا تزيد سن الموظفة على ثلاثين عاما، وأحيانا يشترطون خلع الحجاب، بل إن منهم من قال إن زى العمل لديه «بنطلون استرتش» و«بدي»، وهناك من يريدون سكرتيرة متحررة.. وقد ضعف بصرى من كثرة البكاء، وانهارت نفسيتى من نظرات الشفقة التى تطاردنى فى كل مكان، وها أنا أسيرة جدران حجرتى الأربعة أنتظر الموت بعد أن أصابنى اليأس من الحياة.

  • ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

استوقفتنى فى رسالتك جوانب عديدة تدل على أنك تعانين حالة تخبط شديدة منذ نشأتك، وقد ساعدت عوامل كثيرة على وصولك الى ما أنت فيه من حزن واكتئاب ورغبة فى الموت، والأمر برمته يقتضى أن تغيرى نفسك ومنهجك فى الحياة، لا أن تتقوقعى داخل حجرتك فى انتظار المصير المحتوم، فعلى جانب الدراسة رحت تصبين اللعنات على الكلية النظرية التى التحقت بها، وبررت عدم نجاحك فيها بصعوبة مناهجها لدرجة أن سبعة فى المائة فقط من الطلبة هم الذين يحالفهم التوفيق كل عام، وهو بالطبع رقم غير صحيح، ولو تدنت نتيجة أى كلية الى هذه الدرجة لتم إغلاقها وتسريح طلابها الى كليات أخري!، ثم إن دراستك فى الثانوية العامة كانت نظرية، وكان بإمكانك أن تلتحقى بالقسم العلمي، المهم أنك وبدلا من أن تعيدى ترتيب أوراقك، وتشغلى وقتك بالمذاكرة، فكرت فى أن تتركى كليتك وأن تتجهى الى العمل، ولا أدرى كيف وافقك والداك على صنيعك هذا؟، واننى أطرح هذا التساؤل، ليس لأن الاكتفاء بالمؤهل المتوسط فيه تقليل من شأن من يحمله، ولكن الأمر الطبيعى لمن اتجه الى دراسة الثانوية العامة أن يكون مساره الطبيعى هو الجامعة التى يكتمل بها المنهج التعليمي، ويكون الخريج على دراية وعلم بأحد فروع العلوم أو الآداب التى تؤهله لسوق العمل، كما هى الحال بالنسبة لمن يحصلون على الدبلومات الفنية.. صحيح أن والديك رفضا نقلك الى كلية فى الأقاليم تتطلب الغربة، أو السفر الدائم، خوفا عليك من العواقب المجهولة التى يمكن أن تصادفها بنت فى مثل سنك، لكن الصحيح أيضا أن انعدام الطموح الدراسى لديك هو الذى أوصلك الى الحالة التى اعتبرت فيها استكمال تعليمك أمرا هامشيا، فانقطعت عن الدراسة، ثم دخلت الامتحان مرة واحدة بعد رسوبك فى السنة الأولى من باب ذر الرماد فى العيون، وكان طبيعيا أن يتم فصلك من الكلية، لكنك لم تأبهى لذلك أو تكترثى له.
وأما عن جانب العمل، فلم يكن متاحا لك أن تجدى الوظيفة التى كنت تتطلعين إليها، ورضيت بأى فرصة عمل لدى من يقبل تشغيلك، وبرغم تعدد الشركات والمكاتب التى عملت بها، لم تجدى صاحب عمل يعاملك معاملة حسنة، فلقد أظهرتيهم جميعا وحوشا ضارية، الكل يترصد لك الأخطاء، بدءا بالمستشفى الكبير الذى لم ترتاحى فيه مع من عملت معهن من الممرضات، ثم الشركة الكبيرة التى عملت بها سكرتيرة لكن صاحبها دأب على اهانتك خروجا على طباعه الودودة التى يتعامل بها مع العاملين لديه، ولا أدرى لماذا خصك أنت وحدك بالمعاملة الغليظة والجافة والمهينة ـ على حد تعبيرك؟ ثم كانت التجربة التالية لها فى شركة تبين لك بعد التحاقك بها أن صاحبها لا يعرف غير لغة السب وسيلة للتعامل مع عماله وموظفيه، ثم أرادك أنت شخصيا، لكنك رفضت هذه العلاقة، وتركت العمل عنده، وبعدها وجدت ضالتك فى العمل لدى سيدة فاضلة قدمتك للناس بأنك ابنتها، ولكن للأسف انهت مشروعها فى سنة حكم الاخوان، ثم مديرة المدرسة الخاصة التى لم ترتح لك وفصلتك من العمل.. والحقيقة أننى أعيد سرد محطات عملك كلها لكى أبين لك بُعدا مهما هو أن هناك شيئا ما فى شخصيتك يجعل الآخرين يعيدون النظر فى موقفهم منك، ربما يكون هو العناد، والإصرار على تنفيذ ما يتراءى لك من قرارات دون الرجوع لمن بيدهم الأمر أو أن معاملتك لهم فيها شيء من الحدة، وعدم الاستماع للرؤساء، على غرار قرارك بترك الكلية رغما عن أبيك وأمك اللذين ذكراك بأنك الوحيدة التى اكتفت بالثانوية العامة، فى حين تخرج أخوتك البنون والبنات فى الجامعة، وتزوجوا، وكونوا أسرا، وشقوا طريقهم فى الحياة.
وعلى الجانب الأسرى والاجتماعي، فإنك افتقدت الحوار، وعشت سنوات الشباب أسيرة للوحدة، وغاب عنك أنه ما خاب من استشار.. ويقول الحق تبارك وتعالى «وشاورهم فى الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله».. أنت تتصورين أن قرارك هو الصواب، ورؤيتك هى المثلي.. وهذا منهج غير صحيح فى الحياة، واصرارك عليه هو الذى أوقعك فى حبائل هذا الشاب معدوم الضمير، فقفز قلبك فرحا به، وأنت لا تعرفينه، وانما راسلتيه عبر عالم «الفيس بوك» المجهول، فكانت القفزة القاتلة لك نفسيا، وكادت أن تفقدك أغلى ما تعتز به الفتاة، لكن الله سلم، وكان حريا بك أن تقطعى فورا علاقتك به مع تنصله منك، ودفعك للموافقة على من تقدم لك، لاعبا بمشاعرك، ولا تدرين إن كان «كلامه المعدل» بأنه متزوج ولديه ولد وبنت، صحيح أم لا؟.. فكل ما يريده هو أن يتسلى بك، ويمتص منك كل ما يستطيع أن يصل إليه، وفى النهاية وبعد أن يحقق غرضه، يتركك نهبا للإكتئاب وعذاب الضمير.
ولاشك أن اندفاعك نحوه لم يكن حبا، وهو لا يستحق مجرد التفكير فيه، وحسنا أنك استوعبت الدرس، وسددت «طريق الهلاك» الذى انسقت اليه بإرادتك.. فلا تفقدى ثقتك بنفسك والإنسان قادر على أن يبدأ حياته فى أى سن، ففى العمر متسع للعمل والزواج، وليس معنى أنك صادفت ظروفا قاسية أو أنك أخطأت فى عدم الاستجابة لنصائح أبويك أن كل شيء قد انتهي، ولكنه يعنى أنك صرت الآن أكثر قوة، وقادرة على أن تتبينى الغث من الثمين، فلا تجزعى من الألم ولا تخشى المعاناة، وانما اتخذى منها قوة لك، فإنك ان تعيشى على الكفاح والعطاء، ومجاهدة النفس، ومواجهة الصعاب، خير لك من أن تعيشى باردة المشاعر، فاترة الهمة، خامدة النفس، وفى ذلك يقول تعالى «ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين».
ومن الطبيعى أن يحزن الإنسان لما يصيبه من ابتلاءات الدنيا، لكنه يجب ألا يجزع ولا ييأس، ولا يفتح الباب على مصراعيه للخطأ، كما فعلت أنت طلبا للزواج، متناسية أنه ليس بهذه الطريقة تكسب الفتاة أو المرأة قلب من أحبته، وليس أيضا بعدم الحديث معه أو رفض لقائه، وانما عليها تحكيم عقلها فى تصرفاتها، وأن تضبط مسافة معينة منه، بحيث لا تقترب أو تبتعد أكثر منها، وأن تشرك أسرتها معها فى كل خطواتها وتسترشد برأى أهلها قبل قرار الزواج أو الدخول فى متاهات علاقة مع رجل، أى رجل، فكل شيء له حدود.. أما البكاء الذى صار هو الملمح البارز فى حياتك فإنه لن يجدى شيئا، فالتحكم فى ردود الأفعال تجاه ما يعترض المرء من متاعب ومصاعب هو دائما الأسلوب الأمثل للتعامل، كما أن الابتسامة للحياة تجعل المرء أسعد حالا، ليس لنفسه فقط وإنما أيضا لمن حوله، والمبتسمون هم الأكفأ فى العمل، والأكثر تحملا للمسئولية، والأقدر على مواجهة شدائد الحياة.
إن ما مضى من حياتك فات وانتهي، فلا تلتفتى إليه، لما فيه من قلق واضطراب، واضاعة للوقت، وفى ذلك تقول الحكمة الانجليزية الشهيرة «لا تنشر النشارة»، بمعنى أن نشارة الخشب لا يعقل أن نعيد نشرها مرة أخري، فكذلك ما مررت به من تجارب عليك أن تستفيدى منها، ولا تعيدى تكرارها بأى وسيلة من الوسائل.. هنا فقط سوف تمضين الى الأمام، وأؤكد لك أن باستطاعتك ذلك فما أسرع ما نتكيف مع واقعنا وحياتنا، ونقنع بعطاء الله لنا.
والنفس راغبة إذا رغبتها
وإذا ترد إلى قليل تقنع
فافتحى صفحة جديدة من حياتك، وتسلحى بدروس تجربتك التى نجاك الله منها، وتطلعى الى المستقبل بعين جديدة ملؤها الرضا والقناعة، وأسأل المولى عز وجل أن يحقق لك أمانيك فى العمل والاستقرار والزواج وراحة البال.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أكرم عبد القوي
__________
__________
أكرم عبد القوي

ذكر
العمر : 57
عدد الرسائل : 23180
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 Profes10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 3011
نقاط : 37123
ترشيحات : 136
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 411

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 I_icon_minitime1/5/2015, 22:27

بريد الجمعة يكتبه: احمد البرى
اللافتة القاسية !

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 2015-635660298632946855-294

أكتب اليك تجربتى مع تقلبات الحياة التى تفاجئ المرء بمرارات ومتاعب من حيث لا يحتسب، فلا يجد أمامه الا الصبر على البلاء أملا فى رحمة الله، وتطلعا الى غد أكثر اشراقاً، فأنا رجل على أعتاب الستين من العمر، نشأت فى أسرة متوسطة لأبوين متحابين أنجبا أربعة أولاد أنا أوسطهم. وكان والدى يعمل فى تجارة الأخشاب. وميسور الحال، وعشنا معا حياة مرفهة لم ينقصها شيء، واستمتعنا فيها بما أفاء الله علينا به من نعم، وبعد رحيله استقل كل منا بحياته، وبقى الحب والمودة والتواصل، فلا يمر يوم حتى نطمئن على بعضنا، ونتبادل المشورة فى كل أمورنا، وأنشأت ورشة للأخشاب نالت شهرة كبيرة فى المنطقة كلها.
وذات يوم همست أمى فى أذنى برغبتها فى أن تفرح بي، وأنها تعرف ابنة الحلال المناسبة لي، فامتثلت لرغبتها، وارتبطت بمن وقع اختيارها عليها، ووجدتها طيبة الأصل، هادئة الطبع، حلوة العشرة، ورزقنى الله بأول مولود سميته «أحمد»، ملأ حياتنا حبا وسعادة، ومهما وصفت لك فرحتى به، فلن أستطيع، فلقد كنت اتلهف العودة الى البيت، لكى ألعب معه، واستمتع بضحكاته الجميلة، ومداعبته، وانطلاقه حولنا، ومرت الأيام وأنجبت أربعة أولاد آخرين، لكن أحمد ظل هو الأقرب منى والأحب الى قلبي، ربما لأنه أول فرحتي، أو لأننى نظرت اليه كرجل للبيت، وكبير للأسرة من بعدي، وهذا ماجعلنى أحبه أكثر من نفسي.

وجمعنا بيت العائلة حتى كبر أولادى الخمسة، وحصل أحمد على دبلوم فنى صناعي، وساعدتنا دراسته على تطوير العمل فى الورشة التى صارت شغله الشاغل، واعتمدت عليه فى كل مايخصها ورأيتنى فيه بحماسة الشباب، والرغبة فى صنع شيء جميل فى الحياة، وزاد سعادتى به العلاقات الطيبة التى ربطته بالناس، وتوسعت الورشة. وكثر عائدها، وادخرنا جزءاً منه، واشترينا قطعة أرض مبان بالتقسيط. وأقمنا عليها بيتا صغيراً مكونا من غرفتين وصالة وحمام ومطبخ، وانتقلنا اليه بعد السنوات الطويلة التى قضيناها فى بيت العائلة، وبرغم صغر مساحته بالنسبة لأسرة تضم سبعة أفراد، فإننا رأيناه أجمل بيوت الدنيا، فيكفى أن يكون لك مكان مستقل تشعر فيه بالراحة ، وتنعم بالاستقرار، وبدأنا فى تسديد أقساط الأرض التى اشتريتها وكان عائد الورشة يغطى الأقساط ومصاريف الأسرة، وسارت بنا الحياة فى تعاون جميل، وما أسعد الأوقات التى قضيتها مع أولادى وهم يلتفون حولى فى الورشة، بعد عودتهم من المدرسة، وإصطحبهم الى المنزل، ونحن نتبادل الضحكات والنكات، ثم نخلد الى النوم. انتظارا لصباح جديد، فنعاود نشاطنا بكل طمأنينة وحيوية.

وجاء موعد التحاق أحمد بالخدمة العسكرية، فترك فراغا كبيرا فى حياتنا الاجتماعية والعملية فعاودت العمل بمفردى فى الورشة الى أن قضى مهمته الوطنية، وعاد الينا من جديد فدبت الحياة فى كل شىء حولنا، وحدثته عن رغبتى فى تزويجه، فرد علىّ «أصبر ياحاج لما نسدد الاقساط اللى علينا» فتركته ثلاثة أشهر، ثم كررت عليه عرضي، وأيدتنى والدته، وتركنا له حرية اختيار من ترتاح اليها نفسه، فأشار علينا برغبته فى خطبة فتاة من نفس القرية التى نقطن بها، فزرناهم، وصارحنا أهلها بكل ما يتعلق بظروفنا الحياتية، وما علينا من التزامات، وانه سيتزوج فى بيت الأسرة على نفس حالته، وعندما تتيسر الأمور سيبنى الدور الثانى من البيت، وتصير له شقة خاصة به، ووافقت الفتاة وأهلها. واخلينا له حجرة مستقلة وزودناها بالأثاث الذى اتفقنا عليه، وأقمنا له حفل زفاف حضره أهل القرية كلهم، وقد تسابقوا جميعا لتهنئته، والتمنيات له بحياة موفقة، وتمت فرحتنا به على خير، وما أجمل اللحظات التى مرت بي، وأنا أرى الفرحة تملأ عينيه، وعلامات الاطمئنان والراحة تعلو جبهته، وسجدت لله شكرا على نعمته، والدموع تنهمر من عيني.. نعم ياسيدي، فى تلك اللحظة أحسست بأننى بدأت فى جنى ثمار جهدى وشقائى فى الحياة، ولكن بداخلى شىء يقلقنى على ابنى الأكبر الذى طالما سيطر على مشاعرى وأحاسيسى دون أن ينقص من محبتى لأشقائه شيئا، وكنت قد أخليت البيت كاملا له لكى يستمتع بعروسه، أما نحن فذهبنا الى بيت شقيقى الأكبر، وقضينا معه أسبوعا، ثم عدنا إلى المنزل وسعدنا بزوجة إبنى وعاملناها كابنة لم نرزق بها.

وبعد خمسة وعشرين يوما بالتحديد أبلغنى أحمد برغبته فى أن يبنى حجرتين فى الدور الثانى للمنزل، لكى ينتقل للاقامة فيهما، ويترك الدور الأرضى لانه لايتسع لعدد الاسرة الكبير ولم تكن الظروف وقتها تسمح ببناء سقف الحجرتين بالحديد المسلح، ففكر كإجراء مؤقت فى أن تتم تغطيته بألواح الخشب والبوص، فلم أقف ضد رغبته، وفى أثناء وقوفه مع العمال، وقع الزلزال الذى دمر بيتنا الهادئ السعيد، اذ سقط السقف فوق ابنى العريس، وجاءنى الخبر المشئوم فى الورشة، فأسرعت اليه، ووجدت أن العمال أخرجوه من تحت الأنقاض فاقداً الوعي، وغارقاً فى دمائه، وحملناه الى مستشفى الجامعة بالزقازيق، وفحصه الأطباء. وقالوا لنا انه مصاب بجروح وكدمات بسيطة، وليس به أوجاع تتطلب بقاءه فى المستشفي، ولما عدنا به الى المنزل، وحاولنا ايقافه على قدميه، سقط على الأرض، فأرجعناه الى المستشفى مرة أخري، فحجزوه فى غرفة سيئة. ووصفوا له مجموعة من الأدوية والحقن من خارج المستشفي، وغيرها من التجهيزات الطبية فاشتريناها، وأعطيناها للطاقم المعالج له، وظل ستة أيام طريح سرير الحجرة التى وضعوه فيها دون اجراء أى جراحة له، أو حتى أشعة للاطمئنان على حالته، فحدثت له مضاعفات خطيرة، اذ تبين فيما بعد أن أربع فقرات من العمود الفقرى تأثرت نتيجة الحادث، وكان ضرورياً اجراء جراحات عاجلة له، لكن إهماله بلا متابعة طبية ترك أثراً سلبياً على الحبل الشوكي، وأصابه بالعجز عن الحركة نهائياً.

وخيم الحزن على المنزل، وساد الصمت أرجاءه، بعد أن تحول «العريس» الذى ملأ الدنيا أملا وطموحاً ونشاطاً الى كومة لحم، فحتى حاجته لم يعد باستطاعته أن يقضيها بمفرده، وجلست أفكر فى أمره، ماذا أفعل لإنقاذ ابنى الذى صار حقل تجارب لغير المتخصصين ونقلته الى مستشفى خاص، وبدأت رحلة عذاب وخوف من المصير الذى يتهدده، وراسلت كل ما أعرفه من الجهات الطبية ووزارة الصحة لانقاذه، ولم يسمعنى أحد، وصرفت ما كنت أدخره، لمتطلبات الأسرة، ومع ضيق الحال بعت الورشة، وتحولت الى عامل فيها، وتزامن مع هذه الأحزان التى تكالبت علينا أن عروس ابنى ذهبت الى بيت أهلها، وتركته يصارع مرضه وأحزانه، وكانت الصدمة شديدة اذ لم نكن نتوقع منها ذلك، وبعد أن اعتبرناها منذ لحظة خطبتها له ابنة لنا، ولم نقصر معها، وكانت سعيدة بزوجها سعادة بالغة، ولا أدرى كيف تتغير معادن الناس الى هذا الحد؟ وهل يأمنون تقلبات الدهر التى لا تستقر على حال؟ ولم نعلق بأى كلمة على موقفها أو نطلب منها ان تقف بجوار زوجها، فهذه ثوابت راسخة فى النفوس لا يتعلمها الناس. ولا يكتسبونها، وتم الطلاق بهدوء، فاخذت كل مستحقاتها، ولم تمض أيام على طلاقها حتى علمنا أنها حامل واختلطت دموع ابنى فرحا بانه سيصبح أبا وحزنا على حاله وموقف مطلقته التى انتزعت الرحمة من قلبها، ومرت شهور الحمل ووضعت طفلا سماه أبوه «محمد» وأرسلت له الملابس والمصروفات وما هى إلا شهور معدودة حتى بعثت به إلينا!

انها رحلة مريرة مازلنا نعيشها. ولم نيأس من ان تحوطنا رحمة الله وكرمه ورعايته.. صحيح ان العمليات التى أجريت لابنى فشلت جميعا، وأصيب بشلل نصفى فى الجزء الاسفل إلا أن الأمل الذى يبثه فينا كبار الأطباء يجعلنى أواصل كفاحى من اجل علاجه.

وما اندهش له هو موقف الجهات الحكومية. فكلما بعثت باستغاثة بحالة ابنى أرسلوا لى كرسيا متحركا، ثم خصصت له محافظة الشرقية كشكا فى أطراف المركز الذى تتبعه قريتنا فى مكان ليس به عمران ولا حياة، ويلاقى الأمرين ذهابا اليه وعودة الى البيت، ولا جدوى منه.

ان إيمانى بالله لاحدود له، وثقتى كاملة فى حكمة ما ابتلى سبحانه وتعالى ابنى به من مرض، لكنى سأظل اطرق الأبواب سعيا لعلاج أحمد الذى بلغ سن الثامنة والعشرين، وتقتلنى الحسرة كلما نظرت اليه. وهو يحمل ابنه الصغير فى «حجره» ويقبله ويلعب معه، وقد علت وجهه نظرة انكسار لحاله، أتدرى ماذا فعلت قبل أن اكتب اليك هذه السطور؟

لقد ذهبت الى خطاط أعد لى لافتة كبيرة قاسية مكتوبا عليها «هذا المنزل للبيع» ووضعتها فى مدخل بيتي، نعم سأبيع البيت مادامت هناك بارقة أمل فى شفائه، ونحن جميعا راضون تمام الرضا بما قسمه الله، ونأمل أن يكشف عنه الضر، ولسان حالى يردد دائما عبارتك الشهيرة التى تأتى كثيرا فى ردودك على رسائل قرائك «لا يأس مع الحياة».

ولكاتب هذه الرسالة أقول:

ما أروع الصبر على الشدائد، ففيه الخلاص من متاعب كثيرة، وهو أرفق من الجزع، ومن لا يصبر اختيارا، سوف يصبر اضطرارا، ويقاس قدر المرء بمقدار صبره، والإنسان الصابر لا يبالى بما يواجهه من صعاب، ولا بما يعترضه من مصاعب.

اذا كان عندك يا زمان بقية

مما تهين به الكرام فهاتها

وفى المصائب يكون الملاذ الآمن عند الله، فهو وحده القادر على أن يجعل حياتنا مملوءة بالرضا والطمأنينة، برغم المصائب، أو أن يحيلها الى عذاب نفسى أليم برغم الأموال والقصور والممتلكات والمناصب، وفى كل الأحوال علينا أن ندرك أن الله قريب منا، ومطّلع على أحوالنا.. يقول تعالى «ولا تيأسوا من روح الله، إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون»، ويقول أيضا «ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون»، كما يقول عز وجل «لا تدري، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا»، ثم يقول «إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم».

وكلما لجأ الإنسان إلى ربه وجد لديه عوامل السعادة والقناعة بما أعطاه له ورزقه به، ومع القناعة والرضا تتفتح الأبواب من حيث لا يدرى لقوله تعالى «ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب»، وربما تكون المصيبة التى ألمت بابنك فأقعدته هى البداية لحياة مختلفة أرادها الله له، وأجدنى أتأمل قول الشاعر

رب مخيفة فاجأت بهول

جرت بمسرة لك وابتهاج

ورب سلامة بعد امتناع

ورب اقامة بعد اعوجاج

هذه هى الدنيا لكن الكثيرين لا يعتبرون، ولا يتعلمون دروسها، ومنهم زوجة ابنك التى لم تصبر على ما أصاب من أحبته وارتبطت به، فجزعت وتركت المنزل مع أول اختبار من اختبارات الحياة، فهل تضمن هى أن تظل سليمة الى الأبد بلا نوازل ولا مرض، وهل أمنت تقلبات الدهر حتى تصنع صنيعها هذا؟.. إن آفة الكثيرين أنهم لا يدركون فداحة ما يصنعون إلا بعد فوات الأوان، لأنهم لا ينظرون إلى ما هو أبعد من مواطئ أقدامهم، ولا يعون أن الحياة سلسلة متصلة من الاختبارات والابتلاءات لكل منها زمان ومكان، فالكل مبتلى وعليها أن تعى أن دورها فى البلاء لم يحن بعد، وربما يأتيها فى يوم لا ينفع فيه الندم واجترار ما صنعته بيديها، فربما تعيد النظر فى موقفها، وتطلب العودة الى زوجها ليعيش ابنهما فى كنفهما، آملة أن يسبغ الله عليهم من نعمه وفضله ما يسعدهم ويخفف متاعبهم، فالسعادة لا تتحقق بالمال والجاه والصحة، وما أكثر خبرات الحياة التى تنقلها إلىّ تجارب الآخرين ممن ملكوا المال، ومن عانوا شظف العيش، وتأكدت من حصيلتها أن الإنسان اذا لم يعش فى حدود يومه، يتشتت ذهنه، وتضطرب أموره، وتكثر همومه.. من هنا صار لزاما علينا، ونحن نطلب السعادة أن ننسى الماضى بما فيه، ولا ننشغل بالمستقبل، وأن نذكر الله دائما، فبذكره تطمئن القلوب، وتتحقق الراحة والطمأنينة، وعلى كل منا أن يهيئ نفسه لتلقى أسوأ الفروض، وأن يدرك أن ما حدث له فيه الخير، فكل قضاء المسلم خير، وإن مع العسر يسرا، وأن يوقن دائما قوله تعالى «وفى السماء رزقكم وما توعدون».

وما أكثر النماذج المضيئة التى أسعد بلقائها، وبينهم شباب صنعوا من آلامهم طرقا الى النجاح، وواصلوا مسيرتهم بصبر وعزيمة حتى حققوا ما أرادوا، وأحدثهم شاب فى مثل عمر ابنك، واجه ظروفا أصعب مما مر به ابنك، إذ بترت ساقاه فى حادث قطار، وصار أسير كرسى متحرك، وعندما قابلته لاحظت عليه علامات الرضا، فبادرته بالتحية، وسألته عن سر سعادته، فقال «أنا أفضل من غيري، فهناك كثيرون يعانون أمراضا صعبة، ويتحملون مشقة العلاج القاسي، أفلا أتحمل عجز ساقيّ، وأنا فى قمة صحتي»، وطلب منى مساعدته فى شراء ماكينة لحام لكى يعمل عليها، ويكسب قوت يومه بالجهد والعرق ولا يسأل الناس كما يستسهل بعض من يعانون ظروفا مشابهة لذلك، وفى اليوم التالى قدمنا ماكينة اللحام هدية له، ومعها مبلغ يبدأ به مشروعه الصغير، لكنه رفض بكل إصرار أن يأخذ المبلغ، واكتفى بماكينة اللحام قائلا «هناك من هو أحق به مني».. فزدت انبهارا بشخصيته وقوته، وتمنيت لو أن أمثاله يكونون على غراره، ودعوت له بالتوفيق، وبعدها بأسابيع اتصلت به للاطمئنان عليه، فقال إن الزبائن يأتونه من كل مكان، وأن الله فتح له بابا واسعا للرزق، ويعيش حياته بشكل طبيعى بعد أن تأقلم مع ظروفه، ورضى بما قسمه الله له.

من هنا أستطيع أن أقول لك، إن رضاكم بما قسمه الله لكم، هو الخطوة الأولى نحو الاطمئنان الى المستقبل، وأرجو أن يكون ابنك مثالا لهؤلاء الشباب الذين تحدوا اعاقتهم بصبر وإيمان، وشقوا لأنفسهم مسارات بديلة تساعدهم على الإبحار فى نهر الحياة، وأمامه الآن طريقان يجب أن يقطعهما بالتوازى معا.. الأول هو أن يستمر فى زيارة المراكز الطبية التى تعالج حالته، وانى استصرخ الأطباء المتخصصين فيها أن يهبوا لنجدته، ومساعدته فى إجراء الجراحة اللازمة له، عسى أن يخرج منها بنتيجة إيجابية تحسن حالة ساقيه، ويتمكن من الوقوف عليهما، والثانى أن يعمل فى الكشك مع سعينا لتزويده بالبضاعة اللازمة له، أو امتهان صنعة مناسبة لظروفه الصحية، ويرغب فيها وفقا لدراسته الصناعية، وكل ما أرجوه أن تواصل نظرتك المتفائلة الى الحياة، وأن تدفعه الى أن ينفض عنه غبار الأحزان، ويتطلع الى الدنيا بعين جديدة، والله المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أكرم عبد القوي
__________
__________
أكرم عبد القوي

ذكر
العمر : 57
عدد الرسائل : 23180
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 Profes10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 3011
نقاط : 37123
ترشيحات : 136
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 411

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 I_icon_minitime15/5/2015, 12:41

بريد الجمعة يكتبه : أحـمــد البــــــرى

الصورة القديمة!


بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 74 2015-635672383427739449-773

أنا محاسبة بدرجة مدير عام، قاربت على سن الخامسة والخمسين، أعيش فى تصالح مع نفسي. ولا يحمل قلبى ضغائن للآخرين،
وعلاقتى بالجميع قائمة على الاحترام والتقدير، ويقولون عنى إننى أتمتع بالرومانسية والواقعية معا، إذ تأثرت كثيرا بأغانى أم كلثوم، وعبدالوهاب، وعبدالحليم وفريد، وغصت فى أعماق مشكلات الأسرة والمجتمع واكتسبت خبرات عديدة فى الحياة، وكانت أمى ــ رحمها الله ــ تستشيرنى فى أمور البيت وعلاقاتها بمن حولها، وتستأنس برأيي، وعلى هذا النحو الجاد صارت حياتي، وفى المرحلة الجامعية لم ألتفت إلى نظرات الإعجاب من زملائي، ولم أهتم بمحاولات أبناء الجيران التقرب مني، ليقينى التام بأن هذه التصرفات ما هى إلا «لهو أطفال» أو «لعب مراهقين»، وادخرت عواطفى لمن سيكون نصيبى فى المستقبل، وربطت أبى وأمى علاقة رائعة، وحب واحترام لمسهما الجميع، ولم أر خلافا كبيرا بينهما على شىء، وأنا الابنة الوسطى لهما بعد ولدين يكبرانى أحدهما طبيب، والآخر يعمل فى جهة سيادية، وبنتين تصغرانى الأولى مهندسة والثانية مرشدة سياحية، وكلهم تزوجوا وصارت لهم بيوت ناجحة ومستقرة، وبالنسبة لى فقد تزوجت زواجا تقليديا دون أى معرفة سابقة بمن ارتبطت به، حيث إنه مهندس حفيد زميل أبى فى العمل، وتقدم لخطبتى، ووافق عليه بعد أن أقنعنى أنه شاب مناسب لي، وأنه يعرف جده وصديق عمره، وعقدنا القران. ولم يتم زفافنا إلا بعد عامين، وقدم لى مهرا متواضعا، وشبكة رمزية، وتحمل والدى معظم تكاليف الزواج حبا ووفاء لجده، وخلال تلك الفترة اكتشفت صفات سيئة فيه. فهو عصبى المزاج، وغير اجتماعي، ولا يعرف الواجب الذى تمليه عليه العلاقات الاجتماعية، حيث دخل أبى وقتها المستشفى لأزمة صحية ألمت به، فلم أجده بجانبي، ولم يسأل عنه كما يفعل الآخرون، فغضبت وثرت عليه، وقررت الانفصال عنه، لكن أهلى هوّنوا من الأمر، بأنه مشغول، ولا يقصد تجاهل أبي، فرضخت لكلامهم، وتوهمت أنه سوف يتغير إلى الأحسن بعد الزواج، وأرجعت حالة الاضطراب التى يعانيها إلى ظروفه العائلية، إذ نشأ هو وإخوته فى كنف زوج أم بخيل، وسيئ الطباع، وعاملهم معاملة قاسية لا تعرف اللين، فصاروا إلى ما هم فيه من مناخ يختلف تماما عن المناخ الذى عرفته وتربيت فيه، وعندما دخلت بيتهم بعد الزفاف وجدت أن والدته وزوجها شبه منفصلين، ويعيش كل منهما فى حجرة مستقلة بعيدا عن الآخر، ثم تطور الأمر، فأصبحا يعيشان فى شقتين، ولا يعرف أحدهما طريقا إلى شقة شريك حياته!، فانزعجت لهذا الأمر، وطُبعت هذه الصورة فى ذهني، ولم تفارقه حتى الآن، وأراها ماثلة أمامى عند نشوب أى خلاف بينى وبين زوجي، وأجدنى دائما خائفة من شيء ما، ولكنى لا أعيه.
وانهالت الصدمات عليّ واحدة تلو الأخري. وأنا صامتة. لا أتكلم، ولا أحدّث أحدا بما أتعرض له لكى لا تتسع دائرة الخلافات، وأحافظ على مكانته لدى الآخرين، ونظرتهم إليه، لكن كتمانى ما أتعرض له يقتلنى فى اليوم مائة مرة، ولا سبيل إلى تداركه. أو الرجوع عنه. ولا أستطيع أن أروى لك كل ما صدر منه من أفعال، لكنى سأشير إلى بعضها لماما، حتى تكتمل الصورة لديكم عما أعانيه، فمثلا فى بعض الأوقات عندما يعود من العمل، يدخل حجرته ولا يتكلم معي، وأظل أسأل نفسي: ماذا جري؟ ولا يهدأ لى بال حتى أعرف سبب صمته وانعزاله، وفى النهاية أكتشف أن كوبا أو طبقا تزحلق رغما عنى فانكسر!.. أو أن ملح الطعام جاء ناقصا، أو زائدا قليلا عن المستوى الذى تعودت أن أطهى به الطعام. وهذا لم أعهده فى أسرتى من قبل، بل أذكر أن زوجة أخى ــ شفاها الله ــ وضعت ملحا فى الشاى بدلا من السكر، فضحكنا من قلوبنا، وصارت جلستنا أكثر جمالا، ولم يحدث ما يعكر صفوها، أما لو حدث ذلك فى بيتى فإن زوجى يحيل حياتنا إلى نكد لا يتوقف!
أيضا لم يحضر زوجى لحظة ولادة أبنائنا كلهم، وهم ولدان وبنت، وقد تزوج اثنان منهم، أما الثالث فيعمل فى شركة كبرى ولم يرتبط بعد، وعندما أشاهد فيلما يروح فيه الزوج ويجيء أمام غرفة العمليات، قلقا على زوجته، أتعجب لأمر زوجى الذى تمنيت أن يشاركنى تلك اللحظات، ولو لمرة واحدة!، أما أنا على الجانب الآخر فلا أتأخر عن السهر على راحته، إذا أحس بأى تعب، وذات مرة دخل المستشفى لأزمة عارضة، فتركت عملى وأولادي، وظللت إلى جواره حتى تعافى وعاد معى إلى المنزل، وبعدها بشهور دخلت المستشفى لإجراء جراحة عاجلة لي، فلم يحضر إلا بعدها بساعات، بدعوى أنه كان مشغولا بدفع المصروفات الدراسية لأحد أبنائنا!.. وبعد ثلاثة أيام عدت إلى المنزل، فإذا به يحضر كمية من اللحوم والأسماك، ويطالبنى بتنظيفها وحفظها، ولما استغربت ما يقوله وما يفعله، رد عليّ بأن أى جرح يلتئم بعد ثلاثة أيام. ولم أجد مفرا من أن أنفذ طلبه، ودموعى تسبقنى على حالي، وكدت أسقط على أرض المطبخ، ولا أستطيع أن أصف حجم المرارة والقهر اللذين أحس بهما كلما تذكرت ذلك اليوم.
وتمادى فى غطرسته فإذا تعطل مثلا الخلاط لانتهاء عمره الافتراضي، يرى أننى السبب، وإذا لم يعمل «الهاتف المحمول» فأنا التى خربته، وإذا توقفت المروحة فأنا لعبت بها، فكل شيء يصيبه عطل أو خلل يلقى بمسئوليته على كاهلي، حتى يخيل إلىّ إننى سبب ثقب الأوزون!. فهو يرى ما يريد أن يراه، ويتغاضى عن الجوانب الجميلة، ولا يتحدث عنها ولو بكلمة تطيب الخاطر، فأنا حريصة على إنفاق مرتبى بالكامل على بيتي، وتنسيقه وترتيبه، وتزويده باللمسات الفنية، فهنا أباجورة، وهناك زرع وفى أحد الأركان فازة قيمة، وفى ركن آخر تابلوه رائع، وكل من يدخل بيتنا يشيد بلمساته الجمالية إلا هو، أما إذا جمعتنا رحلة أو مصيف مع إخوتى أو زملائى فى العمل، فإنه يتعمد إحراجى أمامهم، والإنقاص مني، ويروى مواقف تافهة حدثت منذ سنوات من نوع «الطبق المكسور»!، ويكون رد فعلى هو الصمت، ثم الانتقال إلى موضوع آخر حفظا لماء وجهي.
وأذكر ذات مرة أننى احتجت مبلغا لشراء بعض الأشياء، وطلبته منه على سبيل القرض، على وعد بأن أرده إليه بعد أن أقبض مرتبي، ففوجئت به يقدم لى إيصالا بالمبلغ للتوقيع عليه!.. ولا أدرى لو لم أسدده له ماذا كان سيفعل بالإيصال!.. ولو لم يكن لى مرتبى الخاص، كيف سأشترى حقيبة أو فستانا أو دواء؟!
وفى الوقت الذى يفعل معى هذا الصنيع، أعطيه ما يشاء من مرتبى عن طيب خاطر، وأطمع فى أن تتحسن تصرفاته الغريبة، ولكن بلا جدوي!. بل إنه فى عيد الأم عاب على أولادى أنهم اشتروا لى هدية كهربائية قيّمة، وتمنى لو كانت الهدية بمبلغ أقل.. إلى هذه الدرجة بلغت تصرفات زوجى وأنا صابرة وثابتة، ولم تؤثر أفعاله فى ثقتى بنفسي، لكنى أجدنى أسترجع الصورة القديمة بين والدته وزوجها، وأتساءل فى داخلي: هل يريد أن ينتقم لأمه وأخواته فى شخصى بتقمص شخصية زوج أمه؟ وماذا جنيت ليصنع بى ذلك؟.. أم أن بحياته امرأة أخرى ربما تكون قد غدرت به، ولم يجد سواى ليصب عليها غضبه؟!
إننى امرأة طبيعية، تصيب وتخطئ، وتتقى ربها فى زوجها وأولادها، وحريصة على سلامتهم النفسية، وقد حاولت قدر استطاعتى أن أعاتبه فى هدوء، لكنه فى كل مرة أتحدث فيها معه يتحول إلى «الرجل الأخضر». وأصبح جانية ولست مجنيا علىّ. وهذا أمر عادى بالنسبة لرجل أنانى يريد أن يأخذ كل شيء ولا يعطى أى شيء.. ويجادل بالباطل، ويتوهم أشياء لا وجود لها إلا فى خياله ويصدقها، ثم يعاقبنى عليها حتى مرضت بالسكر، ثم أفقت على مرور خمسة وثلاثين عاما على زواجى منه، وأنا أعيش نفس السيناريو اليومى من تصيد الأخطاء التى يراها من وجهة نظره كبيرة، أما هو فعبقرى زمانه، ولا يخطئ أبدا، حتى إذا أعد «طبق سلاطة» يصفه بأنه رائع، وإذا أعد طعاما بسيطا، يتغزل فيه، فليس لى أن أصنع صنيعه!، وفوق كل هذا بخيل ومنافق، وليس لى أى حق نفسى ولا مادى عنده، ولا أدرى، لماذا يبخل علىّ بالمشاعر، والكلام الطيب؟ وكل ما يفعله من وجهة نظره لإرضائى ومصالحتى عندما يتمادى فى إيذائى وأنا صامتة أنه يلجأ إلى «العلاقة الزوجية» دون مراعاة لحالتى النفسية، فمن غير اللائق أن أكون مهانة نهارا ثم أسايره ليلا، وأنا لست مهملة فى نفسى وأحاول أن أكون دائما فى أبهى صورة.
والآن بلغ بى الضيق مداه فهجرت حجرتى الخاصة بعد مشكلة جديدة معه، وانتقلت إلى حجرة ابنتي، وكأن صورة أمه وزوجها تتكرر معي، وهى الصورة القديمة المطبوعة فى ذهنى منذ زواجى منه، وهكذا أجدنى وكثيرات غيرى خادمات، ومديرات منازل، وزوجات شرعيات فى الوقت نفسه، بل إن الخادمة أكثر حظا، حيث تتقاضى أجرا عن عملها وتلقى معاملة حسنة ممن تعمل لديهم حتى لا تتركهم وتذهب إلى أسرة أخري، أما أنا ومثيلاتي، فنعمل داخل البيت وخارجه، ونقوم بكل الواجبات، والمسئوليات دون أن نسمع كلمة شكر واحدة.. ولقد شدتنى رسالة «السيمفونية الحزينة» التى يقول كاتبها إن زوجته هجرته إلى دار المسنين بعد أن تزوج زواجا عرفيا فاشلا، وفضلت الحياة فيها على المعيشة معه، ويتساءل: كيف تترك بيتها ومملكتها التى تحمل كل ذكريات حياتها؟.. إنها فى الحقيقة امرأة مغلوبة على أمرها لم يكف زوجها ما قدمته على مدار السنين ليعذبها بما فعله، وهما فى سن متقدمة، وجحد وأنكر عطاءها، ولم يفكر إلا فى نفسه، وتركها تعانى الوحدة، وتصارع الأمواج وحدها، فماذا كان ينتظر منها، أما ابناها اللذان يرسلان إليها مبلغا شهريا لتعيش به فى دار المسنين فكان الأولى بهما أن يأخذاها معهما حيث يعيشان، وليت الجميع يتعلمون الدرس مما حدث لهذه الأسرة، ولولا أولادى وأحفادى لطلبت منك عنوان دار المسنين التى تنزل بها هذه السيدة، لأكون فى الحجرة المقابلة لها، وأرجو أن يعلم الرجال أن حب المرأة يكون نفسيا وعاطفيا أكثر منه جنسيا.. وأخيرا أسألك: هل ترانى قد أخطأت فى حق زوجي، بعد أن سردت لك بعض مواقفى ومواقفه دون مغالاة، وبماذا تنصحنى؟
 ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
آفة الكثيرين أنهم يتفننون فى صنع «العكننة» لأسباب تافهة، فيلجأ إليها بعض الرجال لإثبات أنهم أصحاب الكلمة العليا فى بيوتهم، ولا يشق لهم غبار فى كل ما يفعلونه، وما يتخذونه من قرارات، ولا يعترفون بعطاء زوجاتهم أبدا، حتى لا يتملكهن الغرور، وبالتالى يفلت الزمام من أيديهم، وفى المقابل تحيل بعض الزوجات بيوتهن إلى نكد لا يتوقف، ولا يهدأ لهن بال، لأن أزواجهن لا يفكرون إلا فى أنفسهم، وأنهم يتركون لهن كل أمور الحياة، ولا يشغلهم شيء سوى أعمالهم، ولو أنصف هؤلاء وأولئك شركاء حياتهم لاعترفوا بفضلهم، ولأيقنوا أن الحياة الزوجية الصحيحة قائمة على الأخذ والعطاء، وأن قوامة الرجال على النساء بما أنفقوا، وتحملوا مسئولياتهم تجاههن.. ولا يكون ذلك أبدا بالشخط والصوت العالي، أو الضرب كما يفعل بعض ضعاف النفوس، وإنما يتحقق بالتواد والتراحم، وحسن العشرة، والكلمة الطيبة التى ينعكس أثرها على الأبناء فينشأون فى جو أسرى هادئ وكيان مستقر يولد لديهم الأمان والطمأنينة، فيصبحون فيما بعد أرباب أسر لا تعرف الشجارات إليها طريقا.
وتعد الخلافات البسيطة، والتى تزيد حدتها بمرور الأيام نتيجة التغاضى عنها من «التابوهات» التى يفضل الكثيرون التكتم حولها، وعدم البوح بها حفاظا على السمعة، غير مبالين بأن هذه الخلافات تظل كامنة فى العقل الباطن لديهم، فتؤثر على حياتهم وأولادهم، فالصورة القديمة الماثلة فى ذهنك عن حماتك وزوجها، وانفصال كل منهما فى نهاية الأمر بشقة مستقلة، ومعايشة زوجك معاناة أمه، ربما يكون لذلك تأثيره العميق فى شخصية زوجك الذى يكرر معك ما فعله زوج أمه بما يدخل فى نطاق العنف الأسرى الذى يفكك روابط الأسرة، فتنعدم الثقة بين أفرادها، ويتلاشى الإحساس بالأمان.
وقد يتساءل البعض: وماذا نصنع لكى تمضى حياتنا الزوجية بنجاح إذا كانت الأمور تسير على هذا المنوال؟.. والإجابة سهلة وبسيطة وهى أن من أبرز العوامل التى تساعد على نجاح العلاقة الزوجية الحب، إذ يجب على كليهما ألا ينتظر أن يكون حبهما ناضجا مكتملا منذ بداية حياتهما معا، لأن الجانب الحسى لديهما، خاصة بالنسبة للمرأة، فى هذه المرحلة يقوم بحاجة إلى تهيئة طويلة، وتربية دقيقة، فعليه أن يحتويها، وعليها أن تقترب منه، وتقصر المسافة النفسية بينها وبينه، ويأتى بعد ذلك الاحترام، فمن المهم أن يحترم كلاهما الآخر، ويتقبل عيوبه قبل مزاياه، فقد يكون جزء منها وليد الظروف والبيئة، ولذلك يحاول ألا يعيب على شريك حياته ما يراه منه، فهناك عيوب قد تذوب تلقائيا عندما يشعر أن شريكه يقبلها فقط من أجله، برغم أنها قد تكون صفات غير مرغوبة، فالانتقاد الدائم والنزاع المستمر بشأنها لا ينتج عنه سوى مزيد من المصاعب والمتاعب، ويرتبط بالاحترام أيضا التقارب الفكري، بمعنى أن الطرفين يجب أن يتقابلا فى المنتصف، ومن هذا المنطلق يجب على زوجك أن يحترمك، وأن تبادليه الاحترام، فلا يتكلم عنك بما يغضبك، وأنت كذلك يجب أن تتحدثى عن محاسنه، ولا تقابلى إساءاته بمثلها، ولتعلما أنه لا يصح ذم شريك الحياة أمام الآخرين، حتى ولو على سبيل الدعابة، لأن ذلك يهدم صرح الشريك فى داخله، قبل أن يهدمه فى عيون الآخرين.
أيضا فإن الانتماء من العوامل المهمة لنجاح الحياة الزوجية، فالزواج ليس مجرد علاقة رسمية فقط بموجب عقد الزواج، أو مجرد علاقة جسدية أباحها العقد ذاته، بل هو أسمى من ذلك بكثير، إنه يعنى أن شخصين ارتضيا أن يكملا مسيرة حياتهما معا، فيتقاسمان مرها قبل حلوها، ويشعر كل منهما بآلام الآخر كأنها آلامه، ويرقص قلبه فرحا بأفراح شريكه، فكل نجاح أو تحقيق هدف يسجل للكيان الأسرى وليس لفرد معين، ولذلك فإنى أعتب على زوجك أنه لم يشاركك فرحة قدوم الأولاد وعدم وجوده إلى جوارك فى الأزمة الصحية التى تعرضت لها، وكان واجبا عليه أن يكرر صنيعك معه عندما تركت كل شيء ورافقتِه فى المستشفي، فالتعاون سمة ضرورية للأزواج الناجحين، والصداقة بينهم تفتح الطرق المسدودة التى قد تنشأ مع تراكمات السنين، فلا تدعى اليأس يسيطر عليك يا سيدتى واتركى حجرة ابنتك وعودى إلى حجرتك، وحاولى تضميد الجراح التى أصابت حياتك الزوجية، فلا يكفى أن تسعدى بأولادك وأحفادك فقط، وانما عليك أيضا ألا تنبذى زوجك من حياتك، فهو أساس هذه الأسرة الكبيرة، فإذا ابتعد عنكم انهار هذا الكيان المستقر، وكل ما ذكرتِه من هفوات صغيرة، وعلى مدى هذا العمر يمكن أن تتغاضى عنه، فجزء من أزماتنا أن «نخزن» فى ذاكرتنا كل شيء، ونسترجع الآلام كل حين، مع أن فى استطاعتنا دائما أن ننظر الى الجانب المشرق، وكم قلنا «إن ما مضى فات، والمؤمل غيب ولنا الساعة التى نحن فيها».. نعم سيدتي: هذا هو المنهج العقلانى الذى نتلاشى به الخلافات، وننسى الأحزان، فالماضى ولى ولن يعود، وعلينا أن نستخلص منه الدروس والعبر، لا أن نستعيده بأحزانه ومآسيه، والحاضر الذى نعيشه الآن هو ما يجب أن نركز فيه، وإنى أسأل زوجك: ترى ماذا كسبت من «العكننة» التى سببتها لزوجتك؟ وهل انكسار كوب أو عطل مروحة حتى لو كانت زوجتك المتسببة فيه، يجعلك تعاملها بهذه القسوة؟.. ألا تدرك تبعات ردود أفعالك عليها؟
إن الحياة أبسط من ذلك، فأعيدا النظر فى أسلوب حياتكما معا، وقربا المسافات بينكما، فبقليل من التدبر تسير سفينة الحياة.. أسأل الله أن يكتب لأسرتكما السعادة، وأرجو أن تنسى «الصورة القديمة» التى مازالت تنغص عليك حياتك، إذ لا أعتقد أن زوجك يفكر فيها، أو أنها تخطر بباله، وإنما هو يعيش وفق معتقدات خاطئة، وأحسب أنه سوف يعيد النظر فيها، ويصلح ما أفسده، والله المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
بريد الأهرام ( بريد الجمعة )
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 74 من اصل 88انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1 ... 38 ... 73, 74, 75 ... 81 ... 88  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» بريد الجمعة يكتبة : احمد البرى الطفل الكبير !
» سطو مسلح على مكتب بريد في المعادي
» سطو مسلح على مكتب بريد «قها» في القليوبية
» اجعل لك بريد مجاني على الـ hotmail - شرح بالصور
» كيفية حظر بريد الكتروني بسكربت whmcs

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الشاعر عبد القوى الأعلامى :: المنتديات العامة :: المنتدى العام-
انتقل الى: