بريد الجمعة يكتبه : أحـمــد البــــرى
المظهر الخادع !
أجد فى حكايات أبطال بريدك الشهير ما يسرى عنى أحزانى، فأستلهم من دروسهم فى الحياة ما يعيننى على ما أواجهه من متاعب تمتد إلى أكثر من واحد وعشرين عاما. ووجدتنى أكتب إليك حكايتى بعد أن أوشك صبرى على النفاد، وفاض بى الكيل مما أعانيه من هموم وآلام، فأنا سيدة أقترب من سن الأربعين. نشأت فى أسرة بسيطة بمدينة ساحلية. لأب طيب القلب يعمل صيادا، وأم ربة منزل، ولى أختان تكبرانى ببضع سنوات،
الأولى متزوجة من عامل بأحد المصانع، والثانية مرتبطة بصياد مثل أبى، وكان من عادات قريتنا تزويج البنات فى سن صغيرة، وجاء الدور علىّ وأنا فى المرحلة الثانوية، ولم يفكر أحد فى مستقبلى، أو يتوقف عند رغبتى فى استكمال تعليمى، فلقد حل موعد الزواج، وساعد على سرعة تزويجى أننى جميلة، وخفيفة الظل، وذكية كما يصفنى الآخرون، ورأى أبواى أننى يجب أن أتزوج، ولا مناص من الارتباط كعادة قريتنا، وتمت خطبتى لشقيق زوج أختى، ولم أجد فيه ما يجعلنى أرفضه. فهو طيب القلب. ويتمتع بأخلاق حميدة، وقريب لنا، ويكن لى حبا كبيرا، وظللنا مخطوبين لمدة عام، وخلال مناقشاتنا طلب منى أن أترك الدراسة، وأجلس فى المنزل إلى أن يتمكن من إتمام عش الزوجية ونتزوج، فرفضت، وقلت لأبى: إننى أرغب فى استكمال الدراسة، فأيدنى فى موقفى، وفسخنا الخطبة، واندلعت مشكلات لا حصر لها فى العائلة، وعشنا فترة عصيبة، وكادت أختى تنفصل عن أخيه، لولا تدخل الأهل والأقارب لإصلاح ما فسد من علاقتهما من أجل أولادهما.
وانصرفت إلى نفسى ودراستى، وأنا أحلم بالالتحاق بالجامعة، وأن أصبح إنسانة مرموقة لى وضعى الاجتماعى بين الناس، وأعيش فى مستوى راق، وليس هذا المستوى الذى أحيا فيه، وسيطر على تفكيرى أن التعليم هو باب السعادة والأمل، فركزت فى دراستى واعتمدت على نفسى فى تحصيل المواد الدراسية، ولم ألتحق بأى درس خصوصى، وكم كانت نظرة أهلى إلىّ تسعدنى عندما أجدهم فخورين بى، ويشيدون بذكائى أمام الآخرين، ولا أنسى أبدا فرحة أمى عندما ترانى وأنا قادمة من المدرسة، ودعوتها الدائمة لى بأن يرزقنى الله الزوج الذى أستحقه، وثناءها علىّ، ووصفها لى بأننى ابنتها النابهة العاقلة.
والله ياسيدى لا أبالغ فى وصف نفسى، ولست مغرورة، ولكنى فقط أشرح لك كيف كانت حالتى، وإلى أين انتهى بى المطاف، فلقد حلت بى الطامة الكبرى عندما تقدم لى عريس يرتدى قناع الأخلاق والطيبة عن طريق قريب لى بعد شهور من فسخ خطبتى، ورد عليه أبى، بأننى سوف أستكمل تعليمى، فقال له: وأنا لا أمانع فى تعليمها وهى معى، فوافق أبى بناء على ذلك، وأحسست براحة كبيرة، واعتبرت موقفه من الدراسة أمرا نهائيا، وفرحت بأن أملى فى التعليم لن يضيع بعد زواجى، ومازالت كلماته لأبى ترن فى أذنى إلى الآن، فكلامه طيب، وأسلوبه فى الحديث يشد من يتكلم معه، وليس هذا وحده. وإنما أيضا مظهره وشكله يصنعان له هيبة، فهو طويل وعريض ووسيم، ويأسر من ينظر إليه فيصدقه دون أن يعلم حقيقة ما يخفيه وراء هذه الهيبة، ووجدتنى معجبة به، بل إن الكثيرين حسدونى عليه!.
وخلال أسابيع تزوجت، ولم أكن قد بلغت سن الثامنة عشرة بعد، وكانت المفاجأة المدوية فى انتظارى، إذ كشف زوجى عن وجهه الطبيعى، فأذاقنى كل ألوان القهر والعذاب، ولم أعش يوما واحدا مثل كل الزوجات اللاتى أعرفهن، ولم تعرف الفرحة طريقها إلى قلبى منذ زواجى منه، وكانت أول صدمة لى هى أنه سحب أوراقى من المدرسة التى سجلت فيها اسمى للدراسة من المنزل، وقال لى بكل تحد «مفيش تعليم» فجمعت متعلقاتى الشخصية، وهرولت إلى بيت أبى، وصممت على الطلاق، وكنت وقتها حاملا فى طفلى الأول، لكن أبى رأى أن أعود إلى زوجى، فانزعجت لموقفه وذكرته هو ووالدتى بأننى فسخت خطبتى من العريس الأول بسبب موقفه من استكمال تعليمى، برغم أنه كان واضحا، ولم يخدعنى كما فعل زوجى الذى كذب علينا جميعا، ولم يكن عند وعده، وظل يرسم لنا صورة مغايرة تماما لحقيقته إلى أن نال غرضه وتزوجنى، وأكدت لهما وأنا فى حالة «هيستريا» أننى لن أستطيع الاستمرار معه على هذا الوضع. وهنا رددا على مسامعى أن الطلاق الآن ليس فى مصلحتى، خاصة وأننى حامل. وأن كلام الناس كثير، وعلينا أن نتحاشاه، وأوصانى أبى بأن أحتوى زوجى عسى أن تنصلح حاله، وعدت إلى بيته من جديد. وأنا منكسرة ومنهارة.. عدت إليه وأنا على يقين من أننى منذ تلك اللحظة لم تعد لى كلمة ولا وجود، وأن معاملته لى سوف تزداد سوءا، وهذا هو ما حدث بالفعل، حيث افتعل الخلافات والمشاجرات لأتفه الأسباب. ووصلت به الغطرسة إلى حد أنه قذف بى إلى خارج المنزل، وألقى علىّ يمين الطلاق. وعدت إلى بيت أسرتى من جديد وكلى إصرار هذه المرة على الانفصال. ولم يكن قد مر على زواجنا سوى أشهر معدودة. وقلت لأبى وأمى: إذا كان كل هذا قد حدث لى وأنا لم أكمل معه عاما واحدا، فكيف ستكون حالنا بعد ذلك؟
وتكررت عودتى إليه بذريعة الحفاظ على الأسرة، ثم تكشفت لى حقيقة جديدة، وهى أنه عاطل. وليس تاجرا. كما ادّعى لأبى عندما تقدم لى طالبا يدى، وأن شقيقه الوحيد هو الذى يصرف علينا!! إذ يعطيه ثلاثين جنيها فى الأسبوع لكى يدبر أمره، فذهبت إلى أهلى ورويت لهم ما تأكدت منه، فهدأونى وقالوا لى: «عودى إلى بيتك، وسوف نساعدك بقدر ما نستطيع»، فكتمت أحزانى فى نفسى، وصبرت على ما ابتليت به من زوج لا يعرف أى مسئولية، هو منظر أمام الناس، أما حقيقته فلا يعلمها أحد سواى!
وتوالت السنوات، وأنا أذهب إلى أهلى تارة وأعود إلى بيت زوجى تارة أخرى، ولا أعرف له عملا، ولا مصدرا للدخل، وصارت حياتنا مجرد أيام نقضيها بأى شكل، وكم مرت علينا ليالى عديدة بلا طعام، وآخذ من أبى ما يساعدنى على تدبير معيشتنا، وأنجبت فى هذا الوضع أربعة أبناء، وتحملت المعيشة الضنك، ومعاملة والدّى زوجى القاسية أيضا، فطباع حماى هى نفس طباع زوجى، وحماتى تكرهنى بلا سبب، ولكى تعاملنى معاملة كريمة، يتعين علىّ أن أؤدى لها جميع طلباتها كأنى خادمة، وإلا فلا أجد غير الأسلوب الجاف والكلام الجارح. وعندما أطالب زوجى بالبحث عن عمل لكى يحمى ماء وجوهنا من هذا الذل، يرد علىّ «اشتغلى أنت» ولا أدرى ما هو العمل الذى يناسبنى، وأنا لم أكمل تعليمى، وعندما أذكره بحرمانى من التعليم يقول: «هذه هى معيشتى وإن لم تعجبك أمامك الباب يفوّت جمل» بمعنى أنه يطردنى، وهو يعلم أننى ليست لى حيلة، خاصة بعد أن مات أبى، ولا يوجد لى سند فى الحياة ألجأ إليه، كلما اشتدت حاجتى إلى نقود. ولا أستطيع أن أصف لك مدى الضيق الذى يطبق علىّ عندما يمرض أحد أبنائى، ولا عند دخول المدارس ومتطلباتها الكثيرة، وفى النهاية لا أجد غير أمى التى تقتطع جزءا من معاشها البسيط لكى تساعدنى به.. يحدث ذلك أمام زوجى وعائلته لكنهم لا يلقون بالا لما نعانيه، وللأسف الشديد فإن صورتهم أمام الناس عكس الواقع تماما، وجميع جيرانهم مخدوعون فيهم..
ولقد وصلت بنا الحال إلى حد أننا بتنا ليالى عديدة دون عشاء فى الوقت الذى يأكل فيه عند أمه دون أن يتذكر أولادنا الذين تركهم جوعى، ولقد خطر على بالى أن آخذهم إلى أى بلد بعيد عن قريتنا، ولا يعرفنا فيه أحد من أجل أن نتجنب شرور زوجى الذى لا يعرف إلى الرحمة سبيلا، لكنى خفت عليهم من أن يصيبهم مكروه، ولم يغمض لى جفن ليلا على مدى سنوات، وأظل أبكى حتى الصباح، لدرجة أننى بت أخشى قدوم يوم جديد لأنه يعنى أننا فى حاجة إلى مصاريف جديدة، وأنا ليس بحوزتى مليم واحد لشراء طعام الإفطار أو لمصروفات الأولاد.
أعرف ياسيدى أنك تتعجب من أن يحدث ذلك فى وجود أبيهم لكنها الحقيقة التى أعايشها ليلا ونهارا، فلقد ذهبت ابنتى إلى أبيها لكى تأخذ منه خمسة جنيهات تشترى بها ملزمة مطلوبة فى المدرسة فضربها على رأسها، ففقدت الوعى، ونقلتها على الفور إلى المستشفى، وهو ثابت فى مكانه وكأن شيئا لم يحدث!.. وقد دفعتنى أفعاله الوحشية إلى التفكير فى الانتحار. ولكن خوفى من الله ومن المصير الذى يتهدد أولادى بعد رحيلى عن الحياة دفعانى إلى التراجع ولم يفارق لسانى الدعاء بأن يفك الله كربنا، وذات يوم دق جرس الباب، وعندما فتحته وجدت صديقة لى من أيام الدراسة ففرحت بها جدا. وجلسنا معا نستعيد الذكريات الجميلة، وسألتنى عما إذا كنت أعرف سيدة تعمل معها فأجبتها على الفور: أعرف، فتعجبت من سرعة إجابتى، وقالت لى: هل تعرفين ماذا ستعمل؟ فرددت عليها بتلقائية: بصراحة أنا محتاجة الشغل، فتعجبت مرة أخرى لحالى، فكما قلت لك فإن كل الناس يرسمون صورة لزوجى مغايرة، تماما لما هو عليها، وبكت صديقتى على بكائى، ثم حاولت أن تتماسك، وطلبت منى أن أذهب معها إلى الحضانة التى تديرها لكى تعلمنى كيف أتعامل مع الأطفال الذين يتعلمون فيها، وأمهلتها إلى اليوم التالى لكى أستأذن زوجى، وما أن نطقت أمامه كلمة «شغل» كما طالبنى من قبل، حتى هاج ضدى، وقال بصوت عال: «طلاقك كوم، وعملك كوم تانى»، ثم قال: «إنت عايزة تكشفينى للناس، وتقولى لهم إننى عاطل»..
عند هذا الحد تأكدت أن زوجى ليس طبيعيا، وصممت على العمل، ولأول مرة أعزم على شىء وأنفذه، ولو أننى فعلت ذلك منذ سنوات لما وصلت إلى هذه الحال المتردية، وفى اليوم التالى ذهبت إلى صديقتى فساعدتنى، وعلمتنى، وزادت على ذلك أنها اقترحت علىّ افتتاح مشروع مماثل لمشروعها، وعرضت الاقتراح على أمى فساعدتنى فى تنفيذه،إذ أعطتنى حجرة من منزلها لهذا الغرض. وجاءنى عشرة أطفال بدأت بهم الحضانة، وتوسعت فيها شيئا فشيئا، وصار لدى مصدر دخل. ومرت السنوات، وتفوق أولادى فى الجامعة والمدارس التى يدرسون بها، فابنى الأكبر بالفرقة الثالثة فى كليته، وأخته التى تليه فى الصف الثانى بكليتها، والثالثة فى الثانوية العامة، والرابع بالصف الثالث الابتدائى، وكلهم يتصفون بالأخلاق الحميدة، ويشيد بهم وبتربيتهم كل من يتعامل معهم.
ولقد حاصرتنى المتاعب الصحية، لكنى ماضية فى أداء دورى تجاههم، وأبوهم على حاله لم يتغير، وأتمنى من الله أن يساعدنى على توصيلهم إلى بر الأمان. وأرجو من قرائك فى كل مكان ألا ينخدعوا فى المظاهر الكاذبة، وأن يتحروا الدقة فى اختيار أزواج بناتهم، وأرجوكم جميعا أن تدعوا لى الله أن يعيننى على أداء رسالتى نحو أولادى إلى النهاية،، والحمد لله رب العالمين.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
تسليمك بالأمر الواقع الذى وجدت نفسك فيه بعد زواجك من هذا الشخص المخادع، كان الخطوة الأولى على طريق تغلبك على آلامك، وانصراف زوجك الى نفسه، وعدم بحثه عن عمل اعتمادا على مبلغ يحصل عليه من شقيقه الأكبر، ولا أدرى بأى حق يعطيه هذا المبلغ كل أسبوع؟ وأين والده منه؟.. وكيف سلموا جميعا بوضعه هذا؟ وأعتقد أن لدى الشقيقين وأبيهما تجارة لا تدرين عنها شيئا، أو مشروعا يدر عليه عائدا ثابتا.. المهم أنك دبرت أمرك فى حدود ما هو متاح لك بالاستعانة بأبيك ثم بأمك التى ساعدتك من معاشها البسيط، وكان فضل الله ونعمته عليك عندما جاءتك صديقتك تطلب منك أن تدليها على من تساعدها فى الحضانة التى تديرها، ووجدت ضالتك لديها، فخرجت لأول مرة عن الانصياع المستمر لزوجك، وعملت معها، وتفتح أمامك باب الرزق فأسست حضانة صغيرة، فتركك تعملين، ولم ينفذ تهديده بتطليقك اذا أقدمت على العمل، والحقيقة أن هذه النوعية من البشر تظهر عكس ما تبطن، وتقول كلاما وتنفذ شيئا آخر، وأمثاله يريدون أن يجنوا الثمار دون مجهود.. المهم ألا يطلب أحد منهم شيئا ولا أن يضطروا الى أن يدفعوا ثمن أى شيء.
وكان يقينى منذ قراءتى السطور الأولى لرسالتك، أن كل ليل مهما طال، فلابد أن يعقبه صباح تشرق فيه شمس السعادة، وأن الحزن والتعب والكد، ما هى إلا مقدمات للطمأنينة والراحة والحصاد، ولابد لسيمفونية الحياة أن تنتهى بنغم جميل.. هذه هى حكمة الحياة ياسيدتي، وسوف يتحقق العدل الإلهى حين يشاء سبحانه وتعالي، وهو أعدل العادلين، فلقد تعرضت لظلم بيّن وغطرسة من زوج لا يراعى الله فى زوجته ولا فى أولاده الذين أنجبهم وتركهم فى مهب الريح، ولو أن هناك أمرا أعيبه عليك برغم كفاحك الذى يستحيل على الكثيرات أن يخضنه فى وجود الزوج على قيد الحياة، فإننى أعيب عليك انجابك أربعة أولاد فى هذه الظروف القاسية، فإذا كانت متاعبك قد بدأت مع حملك الأول، فلقد كان بإمكانك أن تكتفى به الى أن تتحسن الأوضاع المعيشية والحياتية مع زوجك، ولا أدرى لماذا استسهلت المسألة و«الجواب باين من عنوانه» كما يقولون؟
وأحسب أن دافع أبويك الأساسى لتزويجك منه، هو أنهما تصورا أنك ستعيشين فى مستوى أفضل من مستواكم، وأنه عريس الحسب والنسب، وهذه آفة كبرى تتسلط على كثيرين من الناس، ولايدركون الحقيقة إلا بعد فوات الأوان.
وانى أسأل زوجك: ألست أبا مثل كل الآباء، وتعلم أن الأولاد تقر بهم العيون، وتبتهج النفوس، وتطمئن إليهم القلوب، وأن الأصول الطيبة لها فروع زاكية، إذ يقول تعالى «ذرية بعضها من بعض»، فإذا كان معدن المرأة كريما، فنعم الأم التى ستحفظ الأولاد، وكذلك اذا كان معدن الرجل طيبا، يصبح حافظا لأولاده، ولقد كانت زوجتك من النوع الطيب، لكنها ابتليت بك، فلم تيأس واستعانت بالله، وساعدها والداها قدر استطاعتهما، ثم جاءتها من أخذت بيديها بفكرة صائبة كان لها مردود رائع، واستطاعت أن تضع قدميها على الطريق الصحيح، ألا تستحى أن تفعل هى ذلك وأنت عاطل بلا عمل؟.. ولماذا لا تكون صريحا معها، فتبين لها بوضوح حكاية المبلغ الذى تحصل عليه من شقيقك، وتشرح لها ظروفك وأوضاعك المادية، ومنهجك فى الحياة إن كان لك منهج؟.. هذا ما كان يجب عليك أن تفعله، وأراك مطالبا الآن بأن تبدأ معها صفحة جديدة نادما على تقصيرك فى حقها حتى تكسب أولادك الذين يتابعون صنيعك، ويتعجبون من أمرك، وسوف تفقد مساندتهم لك حين تنقلب الأمور، وتتبدل الأوضاع، ووقتها سوف تشكو هجرهم وعقوقهم.. فاعمل حسابا لهذا اليوم الذى سيأتيك ولو بعد حين.
إن اهمال الرجل أولاده، سوف يترتب عليه اهمالهم له فيما بعد، ووقتها سوف يصبح من الخاسرين النادمين حيث يقول الله تبارك وتعالي: «قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، ألا ذلك هو الخسران المبين».
وأعود إليك يا سيدتي.. فأقول لك.. إننى استشعر حالة القلق التى تعيشينها خوفا على أولادك، وتأكيدك أنهم يتمتعون بصفات تختلف تماما عن أبيهم، وأنهم متسقون مع أنفسهم، بمعنى أنهم يتصفون بنفس الصفات التى يظهرون بها أمام الآخرين، وليسوا مثل زوجك، ومع تقديرى للدور الرائع الذى تؤدينه، والذى أعتبرك فيه «قاهرة المستحيل»، إذ قل من تقوم بهذا الدور فى وجود الأب بين أولاده، فإننى أرجوه أن يعى أن سلوكه مع أبنائه سوف يترك لديهم جراحا غائرة لا يرجى شفاؤها، فالابن يتأثر بأبيه وبسلوكه وأخلاقه، ومعاملاته أشد التأثر خاصة أن زوجك قريب من الأولاد، ويعيش معهم فى البيت نفسه، وهم يلاحظون أفعاله وسلوكياته، ويعرفون الكثير عن أخطائه، ولا يربطهم به أى حوار ولا نقاش، ولا جلسة ود، ولعله يتذكر القول المأثور «وينشأ ناشيء الفتيان فينا.. على ما كان عوده أبوه».
لقد آن الأوان لأن يدرك زوجك خطأه، فحاولى أن تمدى جسور الصلة معه بعيدا عن العناد والتحدي، فأى تنازل يقدمه أى منكما هو مكسب لكم جميعا، وحاولى إصلاح ما فسد من علاقتك بحماتك وحماك وليس معنى أن تساعديهما فى أداء بعض الأعمال المنزلية أنك صرت خادمة، بل ان حماتك فى مقام أمك، والكلمة الطيبة تقرب بين القلوب، والضيق يباعد المسافات بينها، فليكن منهجك فى التعامل مع أهل زوجك قائما على المودة، ولتضبطى مسافة بينكم، فلا تنخرطى معهم طول الوقت، ولا تبتعدى عنهم تماما، وإنما حافظى على علاقة متوازنة بهم تجعلهم يعيدون النظر فى موقفهم منك شيئا فشيئا، ووقتها ستجدين زوجك شخصا آخر.
ولعل الجميع يستوعبون الدرس من قصتك المعبرة فيحسنون اختيار الزوجة أو الزوج، ولا يندفعون وراء المظاهر الخادعة.