الشاعر عبد القوى الأعلامى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالأحداثموسوعة الأعلامى الحرةأحدث الصورالتسجيلدخول

شاطر
 

 بريد الأهرام ( بريد الجمعة )

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1 ... 36 ... 69, 70, 71 ... 79 ... 88  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
أكرم عبد القوي
__________
__________
أكرم عبد القوي

ذكر
العمر : 57
عدد الرسائل : 23180
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 Profes10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 3011
نقاط : 37123
ترشيحات : 136
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 411

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 I_icon_minitime29/8/2014, 17:29

النصف الآخر


لى تعليق على رسالة «الستار الحديدي» للفتاة التى يرفض أهلها تزويجها، وفرضوا عليها حصارا لا تجد منه فكاكا، فأنا لدى نفس المشكلة برغم أننى شاب ولست فتاة،
حيث أمر بظروف مماثلة لها، ويحاربنى والدى فى موضوع الزواج مع أننى أمتلك مقومات الزواج والحمد لله، فأنا خريج احدى كليات القمة الطبية، وعملت فى احدى دول الخليج، وبلغ عمرى الآن خمسة وثلاثين عاما، وكلما تقدمت لفتاة يرحب أبى بها جدا أمامي، ثم يذهب دون علمى لأهل العروس ويبلغهم رفضه هذه الزيجة طالبا منهم ابلاغى برفضهم لى على اساس أن هذا الرفض نابع منهم!
فهل من الممكن أن تصلنى بهذه الفتاة ونرتبط معا على سنة الله ورسوله، فمشكلتنا واحدة، وبالتالى لن أتراجع مهما فعل والدها معي، وهى كذلك لن تتراجع مهما فعل والدى معها.
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
انه أمر عجيب حقا ما يفعله والدك معك، فما الذى يدعوه إلى ارتكاب هذا الخطأ الذى يشوه صورته هو وليس صورتك أنت.. ولماذا لا تصارحه بما تعرفه؟.. فسواء ارتبطت بكاتبة رسالة «الستار الحديدي» أو لا فإنك لابد أن تضع حدا لهذا الموقف غير المقبول من أبيك، فإذا كان يهدف من وراء ذلك إلى الحصول منك على مساعدة مالية منتظمة، فليفصح عن رغبته ولتناقش معه الأمر فى هدوء، أما أن يعمد إلى فعلته هذه فإنه يحط من شأنه، ويثير الشكوك حولك، فهل هناك أب يصنع ذلك بإبنه؟.
ولا يوجد من يؤيد فرض «الستار الحديدي» فى مسألة الزواج، مادامت الشروط المتعارف عليها متوافرة فى الطرفين.. وأرجو أن ترسل لى ببياناتك، وليدبر الله أمرا كان مفعولا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أكرم عبد القوي
__________
__________
أكرم عبد القوي

ذكر
العمر : 57
عدد الرسائل : 23180
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 Profes10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 3011
نقاط : 37123
ترشيحات : 136
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 411

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 I_icon_minitime6/9/2014, 00:05

الملاك والشيطان!

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 2014-635454582099425378-942

حيرتنى الدنيا بكل مآسيها وتقلباتها على مدى سنوات عديدة، إلى أن وجدتنى محاصرا بالمتاعب من كل جانب،ولا أرى بصيصا من الأمل يمكن أن يساعدنى فى تجاوز محنتى وآلامي، فقررت أن أكتب إليك بحكايتى عسى أن أجد لديك ما يسرى عنى بعض همومي،

فأنا صيدلى قاربت على سن الخمسين، وأعمل فى السعودية منذ فترة طويلة، وقد نشأت فى أسرة بسيطة الحال لأب موظف، وأم ربة منزل، ولى أربعة أشقاء، وأصر والدى رحمه الله على إلحاقنا جميعا بالجامعة برغم ضيق ذات اليد، وكان لزاما عليّ أن أسافر إلى الخارج، فور أدائى الخدمة الوطنية لمساعدة إخوتي، وأقبلت على مهمتى نحوهم بكل حب وارتياح، فزوجت شقيقيّ الأكبر والأصغر، كما ارتبطت فى إحدى إجازاتى بفتاة جذبتنى بجمالها الأخاذ، ولم أتوقف عند أى عوامل أخرى تتعلق بالجوهر بعيدا عن المظهر الكاذب، واعتقدت وقتها أن فارق السن والتعليم فى صالحي، وأنها ستكون مطيعة لي.. المهم أننى أخذتها معى إلى السعودية، ففوجئت بها تفتعل المشكلات، وتعشق الشجار، ولم تعرف حياتنا طعم الاستقرار، ورزقنا الله بطفلنا الأول ففضلت أن تعود إلى مصر، لتفادى الاحتكاك المستمر معها، وأن أحصل من عملى على إجازة مرتين سنويا، أكون خلالهما بجوار أسرتي، ولم أقصر فى المصاريف، ولبيت لها كل طلباتها، بل وكنت أعطيها أكثر مما تطلب، وسارت أمورنا على هذا النحو إلى أن أنجبنا ثلاثة أولاد «ولدا وبنتين»، وفى إحدى إجازاتى حدثتنى عن ضرورة عودتى نهائيا إلى مصر لكى نكون معا بجوار أولادنا، ووعدتنى بحياة هادئة، وأظهرت لطفا وحنانا فى تعاملها معى بعكس طبيعتها التى وجدتها عليها منذ ارتباطى بها، ثم أذهلتنى فى جلسة صفاء وود عندما قدمت لى مبلغا كبيرا، قالت إنها ادخرته من المصروف الذى كنت أعطيه لها، وأنه حق لي، فحرام عليها إن هى أخفته عني، ففرحت جدا ليس بالمبلغ، ولكن بصنيعها الذى يحمل معانى كثيرة من الاخلاص والود وحسن النية، وقلت لها: «احتفظى به، ولك عندى مفاجأة قريبا»، حيث اتفقت معها على بيع الشقة، وشراء بيت لنا ولأولادنا. وهكذا ابتلعت «طُُعم» المال الذى ادخرته، وبعت الشقة واشتريت منزلا مكونا من ثلاثة أدوار، وكتبته باسمها، وكررت على مسامعى خوفها عليّ وحرصها على أن نعيش معا حياة سعيدة، ولم يتبق معى سوى مبلغ قليل افتتحت به صيدلية صغيرة فى إحدى القري، وبدأت حياتى العملية فى مصر، وكلى أمل أن تستقر أحوالي، لكن الأمور المادية فى الصيدلية سارت من سيئ إلى أسوأ، ولم تتحمل زوجتى شظف العيش مقارنة بما كانت تعيشه قبل نفاد نقودي، وكثرت المشكلات بيننا، لدرجة أننا انفصلنا لمدة ستة أشهر، فعشت فى شقة مستقلة بعيدا عنها، وحدثت والدها فى شأنها، فتدخل لإنهاء خصومتنا، لكنه لم يفلح فى إقناعها بتسوية خلافاتنا برغم أننى لم أقصر فى حقها، وأصرت على الطلاق، وحاولت أن أثنيها عما تفكر فيه، ولكن هيهات، وبعد جلسات ومداولات، انتهينا إلى بيع البيت بحيث تأخذ هى والأولاد ثلثى ثمنه، واخذ أنا ثلثه، وكان لها ما أرادت، ولجأت إلى محام للاتفاق على النفقة التى سيحصل عليها أولادي، ووقعت تعهدا بأن أدفع لهم ألفا وسبعمائة جنيه كل شهر، واشترت هى شقة عاشت فيها مع الأولاد، أما أنا فأخذت مبلغ مائة وعشرة آلاف جنيه، هو نصيبى من بيع المنزل، فاشتريت سيارة، ورخصت صيدلية جديدة فى قرية مجاورة للقرية التى افتتحت بها الصيدلية الأولي، وأقمت مع والدتى فى شقتها.

وبعد شهرين اتصلت بى مطلقتي، وطلبت منى أن أقابلها لأمر مهم، ولما التقينا قالت لى إنها تريد أن تسلمنى الأولاد، ليكونوا فى حضانتي، فوافقت بشرط أن نكتب اتفاقا جديدا أدفع بموجبه ألف جنيه نفقة شهرية لهم، إذا أرادت استرجاع الأولاد مرة أخري، فوافقت ووقعت لى ورقة بذلك، ولم أهتم بأن آخذ منها الورقة الأولى التى تعهدت فيها بدفع ألف وسبعمائة جنيه نفقة كل شهر لهم، لاعتقادى أن الأولاد لن يرجعوا إليها مرة ثانية إذا حاولت أن تأخذهم، وأن الأمور بيننا لن تصل إلى المحاكم، فكل شيء حتى الطلاق تم بصورة ودية، وفوق كل ذلك تصورت أن الاتفاق الأحدث يجبّ ما قبله ويلغيه!



وأرجأت تسلم أبنائى الثلاثة إلى أن أجد زوجة مناسبة لى ترعى أولادى الذين مازالوا صغارا، فابنى الأكبر فى الصف الخامس الابتدائي، والبنتان.. إحداهما فى الصف الثالث الابتدائي، والأخرى فى الصف الثاني، ويحتاجون إلى المتابعة والرعاية.



ووجدت أن أفضل من أرتبط بها، وتقدر ظروفى سيدة تتردد على الصيدلية، توفى زوجها منذ سبعة أعوام، ولديها طفل عمره ثمانى سنوات، وهى من عائلة طيبة، ووالدها ميسور الحال، ولها خمسة أخوة ذكور متزوجون، وكلهم يقيمون فى بيت العائلة بشقة مستقلة، ومشهور عن هذه السيدة حب الخير، ومساعدة الآخرين ولا ترد محتاجا أو سائلا، وأسرتها كذلك، وأبوها لديه تجارة وقطعة أرض زراعية، ويعيشون حالة من الرضا والقناعة، كما أن ظروفى متشابهة مع ظروفها، وعرضت عليها الزواج، وتزوجنا فى بيت بالايجار فى القرية التى افتتحت بها الصيدلية، ونقلت أولادى إلى المدرسة بالقرية نفسها، وما إن علمت مطلقتى بخبر زواجى حتى ثارت عليّ ثورة عارمة، وأخذت الأولاد إلى قسم الشرطة، ومن هناك تسلمتهم، وبدأنا معا حياتنا الجديدة.



ومنذ الاسبوع الأول لمجيء أبنائى للمعيشة معي، ظهر المخطط الذى أعدته مطلقتى لتدمير حياتي، إذ نفذوا تعليمات أمهم بكل دقة، وبدأ هذا المخطط باستنزافى ماليا، حيث كنا نفاجأ باختفاء أى نقود أو قطع ذهبية خاصة بزوجتي، كل عدة أيام، خصوصا فى يوم الزيارة الأسبوعى الذى كنت آخذهم فيه بالسيارة للقاء أمهم، ومع تكرار السرقة تأكدت أنهم السارقون، فضربتهم على هذه الفعلة الشنعاء، فاعترفوا بأنهم يفعلون ذلك حتى أعود إلى أمهم، فمنعت الزيارة، وقطعت الاتصال بها، فأصبحت تأتى لزيارتهم سرا فى المدرسة، وتعطيهم تعليمات جديدة فى كل مرة، وبعدها لاحظنا اختفاء اللحوم والدجاج من الثلاجة، فراقبتهم، وشاهدت ابنتى الكبرى وهى تأخذ كيسا من «الفريزر» وهى ذاهبة إلى المدرسة، وتلقيه فى «الزبالة»، وصار أولادى يجتمعون كل يوم فى غرفة، ويخططون ماذا يفعلون فى اليوم التالى وذات مرة سمعت صوت كسر فى المطبخ، فأسرعت لاستطلاع ما حدث، فوجدت أطقم الصينى محطمة، وكانت الخطة مرة تحطيم الصيني، ومرة أخرى كسر الأكواب الزجاجية، وثالثة تخريب «سيفون الحمام»، ورابعة إضافة التراب والرمال إلى جوال الدقيق.. وهكذا استمرت الحال على مدى عام كامل، فكل يوم خسارة جديدة مدمرة، وعذاب أليم لا يتحمله أحد، وساءت حالتى النفسية وتدهورت صحة زوجتي، فأصيبت بالسكر وارتفاع ضغط الدم، ثم جاء اليوم الذى سرق فيه ابنى ثلاث غوايش ذهبية هى كل ما تملكه من شبكتها، وألقاها فى الزبالة خارج المنزل، ولما اكتشفت زوجتى ما فعله، انتابتها غيبوبة السكر، وبعد أن حاصرت ابنى بالأسئلة وهددته بالضرب المبرح اعترف بفعلته وذهبنا إلى المكان الذى قال لنا إنه ألقاها فيه فلم نجد شيئا.



هنا قررت أن تكون لى وقفة نهائية معهم فجمعتهم مع متعلقاتهم الشخصية، وذهبت بهم إلى شقة أمهم، فتسلمتهم، وتكالبت الأمراض على زوجتى فأصيبت بقرحة فى المعدة ونزيف حاد، وقيء دموي، ثم توفى والدها، وصارت حياتى حزنا وألما على تدهور حالتها.. وبعد حوالى عام قدمت مطلقتى الورقة الأولى للمحكمة والخاصة بنفقة الأولاد وطالبتنى بدفع ألف وسبعمائة جنيه شهريا منذ الشهر الأول لطلاقنا، مع أننى أخذت الأولاد سنة كاملة، كما أن هناك ورقة موقعة منها بألف جنيه فقط فى الشهر، لكن جاء الحكم فى صفها بالدفع أو الحبس.



وإزاء ما حدث لى لم يكن أمامى بدا من أن أتنازل عن الصيدليتين لأى صيدلي، وأبيع سيارتي، وأعود إلى السعودية من جديد، وتزامن ذلك مع وضع زوجتى طفلا، وعادت إلى المعيشة مع أمها، وضاقت موارد الدخل، بعد رحيل أبيها، وأصبحت هى المسئولة عن أمها وابنها من زوجها المتوفى ، وأسرتين بهما أطفال أيتام، كان والدها ينفق عليهما، وتولت هى المهمة بعد رحيله، وأشفقت عليها وعلى نفسى من الظروف التى ألمت بنا، ومهما وصفت لك هذه السيدة العظيمة فلن أوفيها حقها، فهى تشبه الأم تريزا فى العطاء والعطف على الفقراء، ورابعة العدوية فى الزهد، فكل من حولها يحيا فى سعادة ويرتدى أجمل الثياب ، ويتناول أحسن الطعام، أما هى فتجد ضالتها فى رسم البسمة على شفاههم، بينما تعيش حياة أفقر وأقل منهم فى كل شىء، وأراها تردد دائما عبارة عن هؤلاء الأيتام الذين ترعاهم، حيث تقول «من أنا حتى أحرم هؤلاء من رزق ساقه الله إليهم على يدي».



وجاءتنى زوجتى إلى السعودية، ونعيش منذ عام بها، وحصلنا على شقة فى شارع فيصل خلف شارع الهرم، بمبلغ مائة وتسعين ألف جنيه على المحارة، ودفعنا من أقساطها حتى الآن مائة وأربعين ألفا، وباقى خمسين ألفا، وعلى الجانب الآخر فلقد تزوجت مطلقتى ثم تم طلاقها بعد فترة وجيزة، وعادت إلى تحريك دعوى قضائية ضدي، وصدر علىّ حكم بالحبس، واسمى مدرج الآن على قوائم ترقب الوصول فى مطار القاهرة لتنفيذ الحكم، ولم أفلح فى إثنائها عن هذا التصرف معي، وكل ما فعلته أنها عرضت عليّ عن طريق وسطاء أن تتنازل عن القضية مقابل أن أعود إليها، فكيف أطلق «الملاك» وأعود إلى «الشيطان»؟..



إننى أعيش مأساة، وأكاد أموت فى اليوم مائة مرة، فلقد أصيبت زوجتى فوق كل أمراضها بسرطان الصدر، وتحتاج إلى علاج سريع قبل أن تستفحل حالتها، وليس أمامى حل سوى أن أبيع الشقة بالمبلغ الذى دفعته حتى الآن، وآخذ شقة بالايجار فأعالج زوجتي، وأسدد لمطلقتى المبلغ المطلوب مني، فالمصائب لا تأتى فرادي، حيث إن الشركة التى أعمل بها سوف تستغنى عنى وعن كل الصيادلة كبار السن ثم تستعين بصيادلة من الشباب بمرتب أقل وأبلغونى رسميا بأن عقدى سوف ينتهى فى ديسمبر المقبل.



لقد انسدت جميع الأبواب فى وجهى، ولا أدرى كيف سأعود إلى مصر خلال الأسابيع المقبلة وسط حصار حكم السجن الذى ينتظرني، وأمراض زوجتى التى تضيع مني، ولا أملك ما أعالجها به.. «إنها الدنيا التى لا تستقر على حال، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ولكاتب هذه الرسالة أقول:

لقد بنيت حياتك على «الاعتقادات الخاطئة»، فاتخذت كل خطوة بناء على اعتقاد يثبت عدم سلامته فيما بعد، بدءا من ارتباطك بالفتاة الجميلة التى تصورتها «ملاكا» واعتقدت أنها بحكم فارق السن والتعليم ستكون تابعة لك، وتنفذ أوامرك بكل دقة، ثم تحولها إلى «شيطان» جعل حياتك نكدا وألما وهما، وربما حدثت أمور أخرى لم تذكرها هى التى أجَّجت الصراع بينكما، ثم اعتقدت أنها بإنجاب المزيد من الأولاد سوف تتراجع عن الخط المعاند لك، وتمتثل لأوامرك، متجاهلا أنك تقود نفسك الى المصير الذى انتهيت اليه بالفعل، وكان يتحتم عليك ان تكون لك وقفة معها بعد المولود الأول، فلا تقدم على الانجاب ثانية إلا بعد التأكد من أنها الزوجة المطيعة المحبة لك، وأنها بالفعل ملاك كما تصورتها، ولم تغيرها الأيام، لأن الزوجة إذا كرهت زوجها، لن تصلحها كنوز الدنيا كلها ولو انجبت دستة من الأولاد.. لكنك للأسف استمررت فى «منهجك الخاطئ» فحتى عندما طلقتها صارت المسألة بالنسبة لك مجرد نزهة فلقد وافقت على أن يذهب الأولاد إلى أمهم وحررت لها وثيقة بالمبلغ الذى أرادته، وقبل ذلك وافقت على أن تشترى بيتا بكل ما معك من أموال باسمها، واعتبرت المبلغ الذى عرضته عليك «طُعما» بعد فوات الأوان!.. وكنت فى جميع خطوات حياتك مسلوب الإرادة لاغيا عقلك، منساقا إلى ما تمليه عليك، حتى وأنت فى أوج خلافاتك معها، ولا أدرى أين خبرتك بمن ارتبطت بها، وعشتما معا سنوات عديدة، تحت سقف واحد، فلقد سلمت لها الحبل على الغارب، فتسلطت عليك وأفقدت ابناءكما القدوة فى أبيهم، وهو المثل الاعلى لهم، ومصدر حمايتهم، وازاء كل ذلك لم يكن ممكنا ان تستقيم حياتكما الزوجية، بعد أن فشلت زوجتك الأولى فى مساعدتك على القيام بدورك كرب اسرة، وتحولت من «ملاك» الى «شيطان»،



وزاد من تفاقم ازمتكما معا عدم وجود رغبة حقيقية لدى كل منكما لسماع ما بنفس الطرف الآخر، من خلال احترام متبادل، فالعتاب يكون ناجحا عندما يحرص الطرفان على احترام بعضهما، والعتاب الايجابى يتحقق بالتواصل والحوار حول السلبيات، واذا استقامت العلاقة بين الأبوين، تربى الأولاد فى جو نقى على أسس سليمة، وأمكن تذويب أى مشكلة باللين والتشاور، حتى ولو بعد الانفصال، لكن تسلط مطلقتك عليك أعماها عن رؤية الصواب، فغرست فى أبنائها صفة رذيلة، وخلقت منهم «أطفالا شريرين»، سوف يعانون الأمرين فى حياتهم، بل وسوف يسلكون نفس المسلك معها بالكذب والغش والسرقة والخداع، لتلقى جزاء ما صنعته بيديها وبتفكيرها الهدام، وسيأتيها يوم تندم فيه أشد الندم على تحولها من «ملاك» إلى «شيطان».. وتحضرنى قصة معبرة تؤكد خطورة التحول فى شخصية الفرد على خلاف الفطرة التى فطر الله الناس عليها، إذ يحكى أن حاكم ايطاليا دعا فنانا تشكيليا شهيرا، وأمره برسم صورتين متناقضتين توضعان عند باب أكبر مركز روحى فى البلاد، إحداهما لملاك والأخرى لشيطان لرصد الاختلاف بين الفضيلة والرذيلة» وبحث الفنان عن مصدر يستوحى منه اللوحتين، فقابل طفلا بريئا وجميلا، تطل السكينة من وجهه الأبيض المستدير، وتغرق عيناه فى بحر من السعادة، فأخذه وذهب معه إلى أهله، واستأذنهم فى استلهام صورة الملاك من خلال جلوس الطفل أمامه كل يوم حتى ينهى رسم صورته وخلال شهر أصبح الرسم جاهزا، ومبهرا، وكان نسخة من وجه الطفل مع القليل من إبداع الفنان.. ثم راح يبحث عمن يستوحى منه صورة الشيطان، لكن بحثه طال لأكثر من عشرين عاما، وأصر على أن تكون تحفته الفنية مستمدة من الواقع لا الخيال، فزار السجون والعيادات النفسية، وأماكن المجرمين، لكنه وجدهم جميعا بشرا وليسوا شياطين.. وأخيرا عثر الفنان فجأة على «الشيطان»، إنه رجل سيئ يبتلع زجاجة خمر فى حانة غير نظيفة فاقترب منه الرسام، فوجده قبيح المنظر كريه الرائحة، وله شعرات تنبت وسط رأسه كأنها رءوس الشياطين وعديم الروح، ولا يأبه بشىء، وفمه خال من الأسنان، ويتكلم بصوت عال، وبدأ الفنان مهمته، وذات يوم لمح دمعة على خد «الشيطان»، فسأله عما به، فأجابه بصوت أقرب إلى البكاء المختنق «أنت يا سيدى الذى زرتنى منذ اكثر من عشرين عاما، حين كنت طفلا صغيرا، واستلهمت من وجهى صورة «الملاك»، وها أنت اليوم تستلهم منى صورة «الشيطان».. لقد غيرتنى الأيام والليالى حتى أصبحت نقيض ذاتى»!. وانفجرت الدموع من عينيه، وارتمى على كتف الفنان، وجلسا معا يبكيان أمام صورة الملاك!



وهكذا فإن كل انسان يخلق على الفطرة... لكن مطلقتك لم تحافظ على الفطرة التى وهبها الله لها، فأساءت إلى نفسها، ولعلها تستوعب الدرس فتتمسك بالنقاء الذى كان موجودا بداخلها، وهو درس لنا جميعا يجب أن نتعلمه.



أما زوجتك الثانية، فهى «الملاك» الذى لم يتغير، إذ حافظت على صورتها الجميلة وأسلوبها الهادئ فى التعامل مع الآخرين، واتساقها مع نفسها، فأرضت ربها، ولم تبال باختبارات المرض التى ساقها الله إليها، ومثل هذه السيدة العظيمة المحبة للخير، لن يتخلى الله عنها، وسوف يكتب لها الشفاء حين يأذن سبحانه وتعالى، علاوة على ما أعده لها الواحد الأحد يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.



فأعد ترتيب حياتك وفكر بعقلانية فيما مررت به من أحداث، وسوف تتكشف لك سبل جديدة، تعيد بها رسم خريطة حياتك، سواء ببيع الشقة أو تقسيط المبالغ المستحقة عليك، أما علاج زوجتك فهو أمر ميسور بإذن الله، فمنه المدد وإليه النشور، فتبتل إليه وسوف تسعد بالنتيجة بعونه ومشيئته.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أكرم عبد القوي
__________
__________
أكرم عبد القوي

ذكر
العمر : 57
عدد الرسائل : 23180
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 Profes10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 3011
نقاط : 37123
ترشيحات : 136
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 411

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 I_icon_minitime12/9/2014, 15:21


بريد الجمعة يكتبه : أحمد البرى
بنـت الأصــول !



بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 2014-635460557746722410-672

أنا سيدة فى الحادية والخمسين من عمرى، نشأت فى حى شعبى بالقاهرة، لأب موظف بالسكة الحديد، وأم ربة منزل، وثلاثة أشقاء «ولدان وبنت»، وترتيبى الصغرى بينهم.

وأكسبتنى طبيعة حيّنا الشهامة والشجاعة، وتربيت على الفضيلة والأخلاق العالية، ورضيت دائما بأقل القليل فى كل شىء، وتولدت لدى قناعة بأن السعادة فى الرضا وراحة البال، وسبقت بتفكيرى مَن حولى، وكنت أستغرب كثيراً حديثهم المتكرر عن الغنى والثراء والعيشة المرتاحة، وكبرت وحصلت على الثانوية العامة، وألتحقت بكلية نظرية فى جامعة القاهرة العريقة، ووجدت ضالتى فى الخطابة وإلقاء الأشعار، وكتابة الخواطر عما يدور من أحداث سواء فى الجامعة أو الحياة العامة، وماأشاهده من مواقف، وصرت ضيفة دائمة على الندوات واللقاءات الفكرية والأدبية، وقد حبانى الله بجمال طبيعى يلفت الأنظار، لكنى لم أهتم به كما تفعل الكثيرات لجذب العرسان، ومع ذلك ظللت موضع إعجاب الزملاء والمعارف، وفى السنة الثالثة تقرب لى زميل بالفرقة نفسها التى أدرس بها، وطلب منى عنوان أسرتى لكى يتعرف علينا، فاستفسرت منه عما يريده من أهلى، فأجابنى بأن أباه يشغل وظيفة مهمة بجهة سيادية، ومن عائلة معروفة، ويسكنون بحى راق فى القاهرة، ويملك والده عمارة فى هذا الحى وليس له سوى شقيقة واحدة تصغره بعامين، وأنه يرغب فى الارتباط بى، وشجعه أبوه على طلب يدى بعد أن حدثه عنى كثيراً، فأفهمته أننى لا أفكر فى الزواج الآن، وإذا تزوجت فلن تكون هذه هى الطريقة التى أرتبط بها، وبصراحة فإننى لم أرتح إليه، منذ اللحظة التى لفت فيها نظرى إلى مسألة الزواج، فشخصيته لا تتناسب مع شخصيتى، وهيئته العامة تعطى انطباعاً للآخرين بأنه بلا شخصية، ولا يجيد الحديث وكلماته دائما مبعثرة، وبدا لى أنه يخفى عنى شيئاً ما، ولم يأبه بما قلته له، وتبعنى فى أثناء عودتى إلى المنزل، وعرف محل سكنى، وجاءنا بالفعل ذات يوم بصحبة أبيه فانبهرت أسرتى بعائلته الكبيرة، وثراء أبيه، ووظيفته المهمة، وبارك أبى وأمى وأخى الأكبر، ويعمل مهندساً، زواجى منه رغما عنى، وقالت أمى لى وقتها: «إن الحب يأتى بعد الزواج، وإن كل البنات يغيرن آراءهن بعد الارتباط، وقرءوا الفاتحة، ثم عقدوا قراننا فى حفل كبير، دفع والد زوجى كل تكاليفه، ووجدتنى فى مواجهة مستمرة مع أسرتى بسبب هذه الزيجة التى ساقونى إليها مرغمة، وفى السنة الدراسية الأخيرة عرف زملائى وزميلاتى بعقد قراننا، وانهالت علينا تعليقاتهم الساخرة، ودأبوا على المقارنة بينى وبينه فأنا طويلة وجميلة، وتبدو شخصيتى قوية وأتمتع بحضور طاغ، كما يصفوننى، أما هو فقصير وملامح شخصيته مغايرة تماماً لى، ومن ينظر إلينا يشعر بأن شيئاً ما خطأ فى هذه الزيجة فتجاهلتهم جميعاً، وحاولت إقامة جسر من التفاهم بيننا، وأوهمت نفسى إننى سأتعود عليه بمرور الأيام، وبعد أن تخرجنا فى الكلية كان كل شىء جاهزاً من مهر وشقة ومستلزمات الزواج، ووجدتنى داخل قفص الزوجية ليس فى إحدى شقق البرج السكنى الذى يملكه والده، وإنما فى شقة كانت أسرته تعيش فيها بالايجار، ولم يرغب أبوه فى تركها لصاحبها، لأن إيجارها الشهرى بضعة جنيهات، فى حين يصل الإيجار الحالى لمثيلاتها فى الحى المتميز إلى ثلاثة آلاف جنيه !

وبدأت حياتى الجديدة، ولم أذق طعم السعادة مثل كل البنات، ولم أطق تصرفات زوجى منذ اللحظة الأولى لإغلاق باب شقتنا علينا، وأصبت بخيبة أمل فى كل شىء، فحتى مصاريف البيت إعتمدنا على والده فى تدبيرها، فكنا نأخذ مصروفنا يوماً بيوم، وتبين لى أنه مصاب بالصرع. وتأتيه نوبات المرض فى أى وقت، فيرتمى على الأرض، وأظل أصرخ إلى جواره، وأتصل بذويه، فلا يأتينا أحد، وإنما يملى علىّ أبوه تعليمات لإفاقته، وإعطائه الدواء فى مواعيده، وجاءنى أبواى وشقيقى الأكبر ذات يوم بعد بكاء مرير لاستطلاع أحوالى، فقلت لهم : «هذه هى الزيجة التى تصورتم أننى سأكون سعيدة فيها بزواجى من ابن الحسب والنسب، وغرتكم المظاهر، وتجاهلتم مشاعرى وكيانى كإنسانة لها رؤيتها فيمن تتمناه زوجاً لها، وقد استجبت لرغبتكم إرضاء لكم، وهاآنذا أعانى الأمرين».. فحاولوا تهدئتى ورفضوا طلبى بخلع زوجى إذا لم يستجب لتطليقى، ووقفوا ضدى للمرة الثانية خوفا من «كلام الناس»، وأسمعونى خطبا عصماء بأنه لا يصح أن أترك إنساناً مريضاً، فبنات الأصول لا يتخلين عن أزواجهن أبداً، مع أن بداخلهم نفس الاحساس الذى أشعر به، ولم أجد مفراً من أن أعود إلى سجن زوجى، وتمكن والده من توفير فرصة عمل له فى احدى الوزارات بمرتب بسيط، إلى جانب مساعدة يقدمها له كل شهر، وكان علينا ان ندبر امورنا فى حدوده، وأصبحت أتسول من أسرتى ما يكفينى من مصروف، أما زوجى فكان يذهب الى عمله يوما ويغيب أياما، وتوالت عليه إنذارات الفصل، وتدخل والده كثيرا بشهادات مرضية لكى يستمر فى عمله، وظللنا نعيش على أعصابنا فى كل يوم يصر فيه على عدم الذهاب إلى العمل وبلا أسباب، ثم التحقت بوظيفة ادارية فى هيئة حكومية، ورزقنا الله بطفل، وكم أشفقت عليه من المصير المؤلم الذى يتهدده فى ظل هذه الحياة العصيبة، واوكلت امرى الى خالقى، وسارت حياتى من المنزل الى العمل، وبخلاف ذلك لم أغادره أبدا، ولم أشارك فى أى مناسبة لأن كل من يشاهدون زوجى يستغربون هذا الوضع، وينظرون الى فى طمع، لدرجة أن أحد معارفه أخذ يتردد علينا كثيرا، وذات يوم دعاه الى حفل فى مدينة ساحلية وأعطاه الدعوة، وتركه يذهب بمفرده، ثم فوجئت به يدق جرس الشقة، ولما فتحت الباب، وجدته أمامى، فسألته عما جاء به، وهو يعلم أن صديقه غير موجود بالمنزل، فقال لى: إنه جاء من أجلى، وإنه هو الذى رتب له الدعوة لكى يتمكن من الجلوس معى بمفردنا، فنهرته، وأغلقت الباب فى وجهه، وصارت لى منذ ذلك اليوم وقفة مشددة مع معارف زوجى، حيث طمعوا فىّ جميعا، ولم أسلم من نظراتهم، وايماءاتهم لى فى كل موقف أو لقاء، وزادت الضغوط العصبية علىّ، فكرهت الرجال، وصرت أخشى من مجرد حديث أى شخص معى، ولو من باب الزمالة فى العمل، وهكذا تكونت لدى عقدة نفسية لم أشف منها، أما زوجى فكان مندهشا دائما من موقفى، ولم يلق بالا لتوسلاتى بأن يغير طريقته فى التعامل مع الآخرين، وكثيرا ما قلت له إن من يدخلون شقتنا أو يتقربون منه إنما يريدوننى ويرغبون فىّ، فيسمع كلامى أحيانا، ويتجاهلنى معظم الوقت، ولم تكن هناك فائدة من أن أخبر أهلى أو أهله بما أتعرض له، لأننى اذا حدثتهم بهذا الأمر سوف «اشوشر» على نفسى، وربما تصوروا ما لم يحدث، وكتمت احزانى ومضت سنوات عديدة، وكبر ابنى ولاحظ حالة أبيه، وعراكنا المستمر، فأصيب بحالة اكتئاب، وصحبته الى اكثر من طبيب وأدخلته مدارس خاصة حتى وصل الى المرحلة الثانوية.

وذات يوم خرجت الى العمل، وتركت زوجى نائما، ولما عدت وجدته كما تركته، فظننت أنه لم يذهب إلى العمل كما يفعل كثيرا، وأعددت طعام الغداء، وظللت أناديه بأن يصحو ويتناول الغداء معنا، وقلت لابنى، «أيقظ اباك.. كفاية نوم»، ولما لم يستجب لكل صيحاتنا، دخلت عليه فوجدته منكفئا على وجهه بلا نفس، فصرخت بأعلى صوت: الحقونى، فتجمع الجيران، وأبلغوا الاسعاف، وجاء الطبيب وفور أن نظر اليه، قال: البقاء لله، فارتميت على الأرض، ولم أدر بنفسى إلا فى المستشفى، وابنى الى جوارى، أما زوجى فلقد وراه الثرى، وبعد يومين عدت الى البيت وبصحبتى قائمة من الأدوية التى أوصى الاطباء أسرتى بان اتناولها، وفقا لنظام معين حتى لا تحدث لى انتكاسة صحية، وما إن افقت حتى وجدتنى محاطة بسلسلة من الممنوعات.. ممنوع ان أبيت بمفردى.. ممنوع أن أغيب خارج المنزل بعد اذان المغرب، حتى لو اقتضت ظروف العمل ذلك.. الخ، والسبب أننى صرت أرملة، ويجب ان تكون خطواتى محسوبة، وهنا أدركت أهمية زوجى برغم كل ظروفه الخاصة، وايقنت بصحة المثل القائل: «ضل راجل ولا ضل حيطة»، ولم يطل الوقت، اذ سرعان ما تسارعت الاحداث من حولى، اذ توفى حماى بعد زوجى باسابيع، ثم تبعه أبى، وأمى وخلت الدنيا ممن كانوا يساندوننى و يقفون الى جوارى.. اما والدته سامحها الله فلم تعطنا شيئا من الميراث، بحجة أن البرج السكنى بايجارات قديمة، وأنها لا تملك سوى المعاش، واستأثرت اخت زوجى بكل شىء، فهى تسكن مع زوجها فى إحدى شقق البرج.. أما أنا وابنى فنسكن فى الشقة المؤجرة منذ أيام والده، وقد طالبنا صاحب المنزل بترك الشقة بعد رحيل الأب والابن، كما أنه حصل على قرار إزالة للعقار كله الذى خلا من السكان إلا نحن.. وأما اخوتى فانصرف كل منهم إلى حياته وأسرته، ولم يعد أحد يسأل عنا وتلفّت حولى فوجدتنى بلا سند ولا معين.. والتحق ابنى بالجامعة، وركزت كل همى فى تربيته غير مبالية بالأمراض التى حاصرتنى، وأتعاطى الأدوية لعلاجها مع كل وجبة طعام، ولم يعرف اليأس طريقه الىّ، وتخرج ابنى هذا العام، ولن أنسى يوم تخرجه، حيث انهمرت دموعى أنهارا، وأنا استرجع شريط ذكرياتى الحزينة، وما واجهته من متاعب فى حياتى بسبب نظرة «الحسب والنسب» التى دفعت اسرتى الى اجبارى على الزواج ممن لم تكن لى رغبة فيه وتحملت الأمرين فى حياتى، ولم أذق طعم السعادة أبدا بعد أن تبين أن كل ما تصوروه ليس سوى وهم سرعان ما تكشفت حقيقته.. صحيح أن سعادتى بتخرج ابنى لا توصف، لكنى أرجو من كل الآباء والأمهات أن يستوعبوا هذا الدرس، فلا يجبرون بناتهم على الزواج من أجل مظاهر كاذبة، فالتوافق بين الزوجين وراحة بالهما معا بالدنيا كلها.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

«لا فخر فيما يزول، ولا غنى فيما لا يبقى» فالحسب والثراء لا يغنيان عن المرء شيئا، وقد أدركت ذلك مبكرا، إذ لم يمض وقت طويل حتى استوعب أهلك هذه الحقيقة، حينما وجدوك تمدين يديك إليهم طلبا للمساعدة فى المعيشة، وهم الذين كانوا يتصورون أنهم زوجوا ابنتهم لمن سيوفر لها حياة مرفهة من كل الوجوه، وأنها سوف تنتقل نقلة كبرى من الحى الشعبى الذى تعيش فيه إلى الحى الراقى والوسط الاجتماعى لأبناء الحسب والنسب، فإذا بكل شىء يصبح سرابا، ويكتشفون أنهم القوا بها فى الجحيم، ولكن لم يكن هناك مجال للتراجع حفاظا على مظهرهم العام امام الناس، من منطلق أن تطليقك منه بعد فترة قصيرة من الزواج، قد يفسره البعض على غير الحقيقة، ونتيجة لهذه النظرة القاصرة أجبروك على مواصلة هذه الحياة التى لا تستقيم أبدا، فمهما تبلغ درجة ثراء الزوج أو حسبه ونسبه، فلا تساوى شيئا فى ميزان السعادة الزوجية.

لقد روُى أن داود عليه السلام، بينما هو يسيح فى الجبال، إذ مر على غار، فإذا فيه رجل عظيم الخلقة من بنى آدم قد مات، وعند رأسه حجر مكتوب فيه بالنقش «أنا دويسيم الملك، ملكت ألف عام، وفتحت ألف مدينة، وهزمت ألف جيش، وفضيت ألف بكر من بنات الملوك، ثم صرت إلى ما ترى، فصار التراب فراشى، والحجارة وسادتى، فمن رأنى، فلا تغره الدنيا كما غرتنى». فلا شىء يعادل راحة البال والرضا والقناعة يا سيدتى، ولو ادرك أهلك ذلك، ما أوقعوك فى زيجة جرت عليك أذيال الحسرة والندم، وليس معنى أن «بنت الأصول» يجب أن تتأقلم مع ظروفها، وتكون قنوعة وصبورة، وناكرة لذاتها فى سبيل الزوج، أن يتم إرغامها على الاستمرار فى زيجة لا تشعر فيها بالراحة.. زيجة قامت على الخديعة والمظاهر الكاذبة.. ولا أؤيدك ابدا فى المثل الذى سقتيه «ضل راجل ولا ضل حيطه» لأن الرجل فى هذه الحال يكون عبئا على المرأة، وليس مساعدا لها، ومؤازرا خطواتها. فالأصل فى العلاقة الزوجية أن الاثنين يسبحان معا فى بحر الحياة، ويساعد الزوج زوجته على تخطى الصعاب ومواجهة الامواج، ويحميها ويدعمها، وهذه هى الصورة الطبيعية فى حياة كل زوجين، ولا يكون الرجل مجرد ساتر أو ظل أمام الناس، وأحسب أنك تجاوزت هذا المثل بعطائك الكبير لابنك وكفاحك المستمر، وعزيمتك التى لم تعرف الوهن.

وبعد كل ما مر بك من متاعب وآلام أقول لك : إنك إن لم تعيشي فى حدود يومك، تشتت ذهنك، واضطربت أمورك، فإذا أصبحت لا تنتظرى المساء، وإذا امسيت، فلا تنتظرى الصباح، فهكذا يرتاح بالك وتشعرين بالراحة والأمان.. فانسي الماضى بما فيه، وأعلمى أن الاهتمام بما فات حمق، والانشغال بالمستقبل لا جدوى منه، فهو فى علم الغيب، فدعى التفكير فيه إلى أن يأتى، ووطنّى نفسك على تلقى أسوأ الفروض، ولعل فيما حدث خير لك، فالمصائب مراهم للبصائر وقوة للقلب، وعليك أن تتأملى دائما قوله تعالى «وفى السماء رزقكم وما توعدون».

ولقد آن لك أن تشعرى بالسعادة، بعد أن استقرت أحوالك، وتخرج ابنك فى الجامعة، وأديت واجبك نحوه، فالحقيقة الغائبة عنك، هى أن الإنسان لا يمكن أن يشعر بالسعادة إلا بعد مكابدة الشقاء، ولا يحس بالطمأنينة إلا بعد التعب، ولا يدرك الصحة والعافية إلا بعد المرض والآلام، وبمعني اشمل فان الاشياء لاتعرف إلا بأضدادها، ونحن كبشر لا نقدر نعم الله علينا، إلا إذا ابتلينا بشىء من الخوف والجوع، ونقص من الأموال والانفس والثمرات، فما الشقاء والتعب والمرض، وغيرها من الابتلاءات إلا نعمة لمن يتقبلها، ويتعظ بها، وهى نقمة لمن يكفر بها ولا يصبر عليها.

إذن القضية ليست فى الابتلاء نفسه فهو من قدر الله، ولكن فى موقفنا منه، وهذا ما نملكه باختيارنا، مدركين حكمته سبحانه وتعالى، من حتمية الابتلاء وضرورة التعامل معه بأسلوب صحيح من خلال الاعتصام بالله والرضا بقضائه والعمل الصالح ابتغاء مرضاته، فإذا أدركت يا سيدتى أن ما حدث لك منذ ارتباطك بزوجك، ثم مسيرتك معه إلى ما وصلت إليه الآن هو نصيبك من الدنيا، لاطمأنت نفسك، وعشت ما بقى من عمرك مرتاحة البال، بعد أن أديت مهمتك الجليلة تجاه ابنك بنجاح، وأحسب أنه استفاد كثيرا من تجربة أبيه المؤلمة، وهو قادر بما أصقلته به هذه التجربة على أن يشق طريقه فى الحياة، معتمدا على نفسه بعيدا عن الجاه والنسب الذى لم يبق منه شىء.. أما نصيحتك بضرورة ان يتوخى الأهل الحذر، وهم يسوقون بناتهم إلى الزواج من باب المظاهر الكاذبة، فإننى أثمّن ما ذهبت إليه، وأدعو الجميع إلى التفكر فى تجربتك الثرية المليئة بالصبر والدروس... وفقك الله وسدد خطاك. إنه على كل شىء قدير.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أكرم عبد القوي
__________
__________
أكرم عبد القوي

ذكر
العمر : 57
عدد الرسائل : 23180
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 Profes10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 3011
نقاط : 37123
ترشيحات : 136
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 411

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 I_icon_minitime12/9/2014, 15:55

الأم الحجرية

تزوجت من زميلة لى بالعمل، ونفذت كل ما طلبته منى، وعشنا معا أحد عشر شهرا بلا نزاع، وأنجبت طفلنا، فى شهر رمضان الماضى، وقعت بيننا مشادة كلامية، بسبب المصروفات وضغوط الحياة، ثم طلبت منى أن أشترى بعض مستلزمات المنزل والمعيشة، فخرجت قاصدا «السوبر ماركت» وعند عودتى لم أجدها، ووجدت ابننا الرضيع وحده فى سريره يصرخ بشدة.

فاتصلت بها فوجدت هاتفها مغلقا، فاتصلت بوالدها فرد علىّ بأنه سوف يحضرها معه بعد الإفطار، ولما تأخر عن الموعد الذى حدده أعدت الاتصال به، فقال سوف نؤجل اللقاء إلى ما بعد العيد، لأن حالتها النفسية سيئة، فقلت له : ماذا حدث لكى تفعل ما فعلت؟.. ومن سيرعى الطفل الرضيع، ونشبت مشادة كلامية أنهاها بقوله : «إبنك عندك، وبنتى عندى»!.. ولم أجد أمامى حلا سوى أن أصحب ابنى إلى والدتى، وهى سيدة عجوز وتسكن فى مدينة غير التى أسكن فيها، حتى ترعى ابنى.. وأوكلت مهمة الصلح بيننا إلى عمى، حيث إن والدى متوفى، فزار حمى، وكانت المفاجأة أن زوجتى تصر على الطلاق، وفى الوقت نفسه لا تأخذ الطفل!.

واضطررت إلى الحصول على إجازة من عملى لرعاية طفلى، وكثرت أيام غيابى حتى إنهم وجهوا إلى عدة إنذارات بالفصل، وبالفعل تم فصلى، ثم ظهرت لى فرصة عمل جديدة، لكنى حائر ولا أدرى ماذا أفعل فزوجتى ترفض تسلم الطفل فى موقف مذهل لا أجد له تفسيرا، وقد انقلبت حياتى رأسا على عقب؟.

<< ولكاتب هذه الرسالة أقول :

واضح من رسالتك أن الطلاق لم يتم بعد، وما حدث هو مجرد رغبة أبدتها زوجتك لمن زارهم من أجل الصلح.. وبالتالى فإنه لم يتم تعيينها حاضنة لطفلها، إذ لا يتحقق ذلك إلا بعد الطلاق، وإذا عينتها المحكمة حاضنة فسوف تأخذ الطفل، ولا يجوز لها الرفض، وفى حالة زواجها أو صعوبة أن تكون حاضنة فإن أمها هى التى تكون حاضنة، وهناك ترتيب محدد لمسألة حضانة أبناء الطلاق.. وبالنسبة لحالتك، فإن الأفضل أن تحاول تسوية الخلافات بينكما، حيث إنك لم تذكر شيئا عن الأسباب التى دفعتها إلى مغادرة المنزل، وطلب الطلاق، وإذا لم تتمكن من إصلاح علاقتكما، فالأفضل الانفصال الرسمى، واللجوء إلى المحكمة لتحديد مصير طفلك، وليت أمه تدرك أنها ترتكب إثما كبيرا بتركها ابنها، وهو طفل رضيع بسبب مشكلات تافهة، ولا أدرى كيف طاوعها قلبها أن تبتعد عنه، وهى التى حملته ووضعته، وصار جزءا منها، ولا يعقل أبدا أن تصنع أمه هذا الصنيع، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أكرم عبد القوي
__________
__________
أكرم عبد القوي

ذكر
العمر : 57
عدد الرسائل : 23180
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 210
بلد الإقامة : مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 Profes10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 3011
نقاط : 37123
ترشيحات : 136
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 411

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 I_icon_minitime19/9/2014, 23:45

بحر العذاب

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 2014-635466698096027966-602
أنا رجل أقترب من سن الستين، ولدت فى أسرة ريفية، لأب فلاح، وأم ربة منزل، ولى أربع شقيقات، تكبرنى اثنتان، وتلينى اثنتان، ولأننى الولد الوحيد للأسرة، فقد أصبحت محط اهتمامهم ومتابعتهم فى كل خطوة، والويل كل الويل لمن تتقاعس من شقيقاتى عن خدمتى، إذ ينالها التوبيخ، وأحيانا العقاب من أبى وأمى على حد سواء،
وفور أن أكملت دراستى الجامعية بإحدى الكليات النظرية، أصرت والدتى على تزويجى من أجل أن تفرح بى، فأنا ولدها الوحيد، وراحت هى وأبى يلحان علىّ أن أتزوج، ففكرت فى فتاة من أسرة معروفة، كنت أراها باستمرار وهى ذاهبة إلى مدرسة التجارة المتوسطة للبنات فى المدينة المجاورة لقريتنا، وقد جذبتنى بساطتها ووجهها البشوش وصفاؤها وهدوؤها، فأشرت على أبى بأن يخطبها لى إن لم يكن لدى أسرتها مانع. فأوكل خطوة «جس النبض» لأمى التى زارتهم، وفاتحت أمها فى ارتباطى بها، فأمهلتنا أسبوعا ثم طلب أبوها أبى، والتقى به فى جلسة اتسمت بالود الشديد، وأسر إليه بأنه يبارك زواجنا، ولكن من باب الأمانة فإن ابنته أجريت لها عملية فى القلب لعلاج بعض المتاعب به. وانها أصبحت على ما يرام، وإذا قدر لنا الارتباط، فسوف يصحبها إلى الطبيب فى وجود أسرتى، ليكون كلام الطبيب واضحا أمامنا، بل وأشار علينا باختيار الطبيب الذى نريده، فارتحنا لكلامه وصراحته، ومن باب الاطمئنان على صحتها، فإنها خضعت لفحوص عديدة أكدت جميعها انها لا تعانى أى مضاعفات، ومن الممكن أن تحمل وتلد بشكل طبيعى.

ولم يطل الوقت بنا فقد أعلنا الخطبة ثم عقد الزواج والزفاف خلال أسابيع معدودة، وتزوجنا فى شقة بمنزل أسرتى المكون من ثلاثة طوابق، واقبلت على حياتى معها بكل سعادة وارتياح، وللحق فإننى وجدتها حلوة العشرة، صافية النفس كما توقعتها منذ أن رأيتها لأول مرة، وبعد حوالى شهرين حملت زوجتى، وفرحنا بحملها كثيرا، لكن الفرحة لم تدم طويلا، إذ أصابها اعياء شديد، فنقلناها إلى المستشفى، حيث أجهضها الأطباء حفاظا على حياتها، وتكرر ذلك مرتين بما معناه استحالة أن تنجب لمتاعبها عند الحمل، وان كانت تمارس حياتها الزوجية مثل أى زوجة سليمة، ووجدتنى حائرا بين أن تمضى حياتى على هذا النحو، أو أن أتزوج بغيرها، وحسمت أمرى بتطليقها على غير رغبتها، وكان مشهدا حزينا، ونحن نجلس أمام المأذون والدموع تنهمر من عيوننا، ولكن مضيت فى قرارى، وقلت لها: «انت طالق». ومازال رد فعلها يرن فى أذنى كلما تذكرت ذلك اليوم المشئوم، عندما قالت لى: «حرام عليك».. وكنت وقتها فى الثالثة والعشرين من عمرى، بينما هى لم تكمل تسعة عشر عاما، وبعدها بأيام حاول أهلى التسرية عنى بالبحث عن زوجة بديلة، ووجدوا ضالتهم فى ابنة خالى، وهى الأخرى حاصلة على دبلوم متوسط، وتصغر مطلقتى بعام واحد، ولم أمانع فى الارتباط بها، وفرحت الأسرة بزواجنا، وبارك خالى زواجنا بعد أن أخذ موافقتها، وما إن علمت مطلقتى بنبأ خطبتى، حتى سقطت على الأرض مغشيا عليها من هول الصدمة، وتدهورت حالتها سريعا، ولم ينجح الأطباء فى إنقاذها، فلقيت وجه ربها وسط دموع أهل البلدة الذين خرجوا جميعا فى وداعها، وما أقسى الكلمات التى سمعتها من المعارف والجيران، بأنها ماتت كمدا وحسرة على تطليقى لها بلا ذنب ولا جريرة، وإننى الذى سعيت الى الزواج منها برغم انهم أبلغونى بحالتها الصحية، فإذا كنت قد تزوجتها وهى بهذه الحال، فلا يعقل أن أصدمها بما فعلته بها، فأجلت زواجى الثانى إلى أن تهدأ نفسى وأتعافى من آلامى النفسية، ومضت عشرة أشهر قاسية، ثم أتممت زواجى من ابنة خالى، لكن يبدو أن العذاب النفسى مكتوب علىّ، إذ مرت عدة أشهر بلا حمل، زرنا خلالها أكثر من طبيب، وجاءت الفحوص بأنها غير قادرة على الانجاب، ودخلنا فى دوامات أطفال الأنابيب وخلافه، حتى مرت ثلاث سنوات كاملة دون جدوى، ودبت الخلافات مع أسرة خالى، ثم تكرر ما حدث مع زوجتى الأولى فطلقت الثانية، وساءت علاقاتنا بأسرة خالى، ووصل الأمر إلى حد المشاجرات وتقطعت أواصر العلاقة العائلية، وأصابنى اليأس من الزواج والاستقرار.

عند هذا الحد حسمت أمرى بالسفر إلى الخارج، طلبا لأمل جديد فى حياة أفضل تخفف متاعبى، وطرقت أبواب العديد من مكاتب السفر، وحصلت على عقد عمل مناسب، لإحدى دول الخليج، ولا أستطيع أن أصف لك حالة أسرتى ليلة السفر من بكاء وعويل، وكأنى ذاهب إلى حبل المشنقة، وليس إلى دولة عربية يحلم الملايين بالسفر إليها، لكنى مضيت إلى هدفى بلا تردد، وهنا بدأت نقطة التحول الخطير فى حياتى، فبعد فترة قصيرة، التقيت بزميلة لى فى العمل، تزامن سفرنا معا إلى البلد الخليجى، ومع لقاءاتنا اليومية نشأت بيننا علاقة حب وحدثتها عن زيجتى السابقتين اللتين فشلتا بسبب عدم الإنجاب، وسألتها إن كانت تقبل الزواج بى أم لا، ووعدتنى بأن تعرض الأمر على أسرتها فى اجازة الصيف، وفى نهاية العام جئنا إلى مصر، واصطحبت أبى فى زيارة إليهم بالقاهرة، ووجدنا ترحيباً كبيراً منهم، وعقدنا الزواج، ثم سافرنا معا، وأتممنا الزفاف فى البلد العربى، واقبلت على حياتى معها، وأنا أحلم بحياة مستقرة وسعيدة، وحملت زوجتى سريعاً ووضعت طفلنا الأول قبل مرور عام على زواجنا، وغمرتنى السعادة بقدومه، واعتبرته فاتحة خير فى حياتى، بعد أن حققت حلم أبوى بالإنجاب، ولما حان موعد الاجازة السنوية، لم تأت زوجتى معى إلى القرية التى أقطن بها، وإنما طلبت أن تستأجر شقة فى القاهرة لتكون قريبة من أسرتها، فتنزل بها هى وابننا، وكان لها ماأرادت، ولما علم أبى وأمى وشقيقاتى بأنها لن تسكن فى شقتى بمنزلنا الريفى، تباينت ردود الأفعال، وظهرت الخلافات، خصوصاً أنها لم تفكر ولو فى مجرد زيارة أسرتى !.. وكانت اجازة سيئة انعكست بالسلب علىّ،ولم أفلح فى إثنائها عن موقفها، وكان هذا الموقف الغريب بداية للخلافات التى دبت بيننا.

وعدنا الى الدولة الخليجية من جديد، ومر عامان آخران شهدا أحداثاً متباينة، حيث رزقنا خلالهما بابننا الثانى، ومرض أبى مرضاً شديداً ثم رحل عن الحياة، حزينا على استئجارى شقة فى القاهرة وتركى المنزل الذى بناه بشقاء السنين، وما صاحب ذلك من كلام الناس فى القرية بأن زوجتى الثالثة أخذتنى من أهلى، وحاولت أن أشرح لأسرتى أن مايفكرون فيه، لا أساس له فى الواقع، وأنهم يحملون الأمور أكثر مما تحتمل ولكنى فشلت، وبعد ذلك بأسابيع رحلت أمى، وهى حزينة أيضاً، وبكيتها كثيرا، وتضاعفت صدمتى ببعد شقيقاتى عنى، حيث تزوجن جميعاً، وانصرفت كل منهن إلى بيتها وزوجها وأسرتها، وأغلقنا المنزل الذى صار سكنا لـ«البوم والغربان»!

وعدت إلى الغربة من جديد، ولم أزر مصر لسنوات طويلة، وكلما حان وقت الاجازة، أرفض المجىء إلى مصر، بينما تحرص زوجتى على اصطحاب ابنينا فى كل الاجازات لتقضيها بين أهلها.. وهكذا باعدت الأيام بينى وبين أهلى، وأسرة زوجتى، وافتقدت التواصل مع الجميع، وألحقت ولدّى بمدرسة أجنبية فى البلد العربى، وانحصر كل عالمى فى عملى، فكنت أقضى فيه وقتى كله، وأعود إلى المنزل للنوم فقط، وتولد حاجز نفسى بينى وبين زوجتى وولدى، وحاولت أن أحتويهما، لكنها فرضت سطوتها كاملة عليهما، وفوجئت فى إحدى الإجازات بأنها أنهت عقدها فى الخارج، واشترت شقة فى حى راق بالقاهرة، وألحقت الولدين بجامعة خاصة فى مصر، ثم كانت الطامة الكبرى بأنها حصلت على الطلاق بالخلع. بعد أن أثبتت أننى مقيم بالخارج بصفة دائمة، وحاولت أن أتفاهم معها، لكنها رفضت أى نقاش، وتقطعت كل خيوط الصلة بيننا، وغيرَّ ولداى أرقام هواتفهما، فجمعت أشيائى وأنهيت خدمتى، وعدت إلى مصر، واستقرت بى الحال فى منزل أبى القديم فى القرية التى نشأت فيها، وتلفت حولى فوجدتنى وحدى، إذ لم أعد أرى شقيقاتى وهن يعشن فى قرى مجاورة لنا.

وعرفت أن والد زوجتى قد رحل عن الحياة، بينما تعيش أمها معها، هى وابناى، وبعثت رسالة إليهما قلت لهما فيها إننى لم أقصر فى حقهما، وأن كل سعيى فى الحياة، وشقائى فى الدنيا، كان بسبب رغبتى فى الإنجاب. وأن فرحتى بهما لا تعادلها كنوز الدنيا، وليس لى غيرهما ولا يعقل أن يكون جزائى هو حرمانى منهما، فأنا لم أهملهما، لكن أمهما هى التى غدرت بى، لمجرد أننى رغبت فى الاقامة بالخارج إلى أن ينتهى عقدى، ويكفيها ماصنعته بأهلى عندما رفضت المعيشة معهم، ولو لبضعة أيام خلال الاجازات السنوية.

وقلت لهما أيضا، إننى عندما عدت إلى المنزل الفسيح فى قريتنا والذى تفوح منه رائحة الأسرة وعبق الماضى الجميل، لم أكن أرفض أن يعيشا فى القاهرة، بل إننى نويت أن أشترى لهما شقتين فيها، لكن أفضل ألا تنقطع صلتنا بأصولنا الريفية، ويبدو أننى كنت أبحث عن سراب، إذ لم يلق إبناى بالا برسالتى وتجاهلاها تماما!

اننى أحيا وحيدا فى قريتنا بإحدى محافظات وسط الدلتا، وأخشى أن أموت وحيدا بعد أن هجرنى الجميع بمن فيهم شقيقاتى، وأبناء أعمامى، وأريد أن أنبه قراءك عبر بريدك واسع الانتشار بألا تغريهم مظاهر الدنيا وملذاتها، فهناك جوانب كثيرة قد تكون مصدر سعادة، ونحن غافلون عنها، ولعل فى شريط حياتى الكثير من العظات، إذ هجرنى إبناى، ولم تنفعنى أموالى، وها أنا انتظر الموت وحيداً، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

&lt; ولكاتب هذه الرسالة أقول:

لقد ضللت طريقك الى السعادة منذ البداية، عندما تصورت أنها فى إنجاب الأولاد، وتعجلت مجيئهم، فلم تصبر على زوجتك الأولى التى لم ترتكب إثما، أو تفعل ما يغضبك، وكانت واضحة معك، عندما تقدمت لخطبتها، فأخبرك أبوها بكل ما يتعلق بصحتها، وتأكدت من صدق كل ما قاله لك على لسان الطبيب، وقد حملت اكثر من مرة ولكن الله لم يقدر لك الانجاب فطلقتها وهى لم تكمل سن العشرين بعد، ثم تزوجت ابنة خالك التى طال بقاؤها معك بلا انجاب، فكان مصيرها الطلاق هى الأخرى، ثم رحت تبحث عن ضالتك فى الخارج إلى أن صادفت من ارتبطت بها، وأنجبت منها ولدين.. وهنا تصورت أن طائر السعادة حل عليك، بعد ان تحققت لك امنيتك الغالية، وعزلت نفسك عن أهلك ومعارفك، وفضلت البقاء فى الخارج، حتى الاجازة الصيفية التى تكون دائما فرصة لزيارة الأهل والأصدقاء، كنت تقضيها هناك، واعتقد أنك فعلت ذلك بهدف جمع اكبر قدر من المال، حتى ان زوجتك ضاقت ذرعا بتصرفاتك فخلعتك، وأنقذت نفسها من المعيشة الضنك التى كانت تحياها معك، وأحسب أن شراءها شقة بالقاهرة من مالها الخاص، هو المؤشر الواضح على ذلك، فلم تكن لتخسر شيئا لو أنك طاوعتها فى شراء شقة بالقاهرة، وتواصلت مع أهلك بالقرية التى نشأت فيها، وما كانت لترفض هذا الحل لو أنك اقترحته عليها فى حينه.

وأتذكر هنا قول الاحنف لمعاوية: «اولادنا ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم أرض ذليلة، وسماء ظليلة، إن عصوا فارضهم، وإن سألوا فاعطهم، ولا تكن عليهم قفلا، فيملوا حياتك، ويتمنوا وفاتك».

نعم يا سيدى، فلقد ارتكبت خطأين جوهريين هما اللذان أوقعاك فى «بحر العذاب» النفسى، وأوصلاك إلى ما أنت فيه الآن من متاعب.. أما الخطأ الأول، فهو عدم صبرك على زوجتيك الأولى والثانية اللتين لم تنكر عليهما حسن العشرة وطيب النفس والقناعة، فالأولى تمنت رضاك ولو أمهلت نفسك بعض الوقت لرزقك الله منها بالذرية الصالحة، فكل يوم يتوصل الطب إلى ادوية ونظم علاج حديثة، والثانية أيضا، وهى ابنة خالك التى كان تطليقك لها بداية قطيعة أسرتها لكم، والخلافات والمشاحنات العائلية الناتجة عن زواج الأقارب ثم انفصالهم تماما عن أسرتكم.. وقد اردت ان تهرب من هذا العذاب النفسى بالسفر إلى الخارج.. وهناك ارتكبت الخطأ الثانى، وهو أنك تركت زوجتك الثالثة تفعل ما يحلو لها، بأن تقضى إجازتها فى القاهرة فى شقة استأجرتها خصيصا لها وتعود أنت إلى أسرتك بمفردك!، وهكذا بمرور الوقت تولد الجفاء بين اسرتيكما، وزاد من حدته أنها بثت فى نفسى ولديها «روح القطيعة» والبغضاء، وأنت منعزل على نفسك، ولا أدرى كيف تركتهما لسطوة زوجتك وأهلها، وأنت الذى خسرت حبك، وزوجتيك الأولى والثانية من أجل الانجاب.. إنه تصرف خاطئ تماما تجنى الآن ثماره المرة.

ويطول الحديث عن مفاتيح السعادة، إذ يراها البعض فى الماديات كالصحة والمال والجاه والسلطة، بينما يراها البعض الآخر فى المعنويات كالدين، والعلم، والصداقة ومساعدة المحتاجين، وقد يطلبها البعض بالجمع بين الماديات والمعنويات، ومن حكمة الله سبحانه وتعالى الا تتوقف السعادة على أسباب خارجية كالصحة والأجل والمال، مما لا يكون للإنسان يد فيه، وانما جعل السعادة داخلية مردها شعور «الرضا والطمأنينة»، وذلك بعد بذل الجهد والاستعانة بالله والتوكل عليه والرضا بقضائه.

والواقع أن نعمة السعادة بالايمان لا تدانيها نعمة أخرى، فالإنسان مع الله لا يشعر بالخوف أو الحزن، وإنما ينعم بالأمن والطمأنينة، ولا يتحقق الأمان بالمال أو الاولاد أو الجاه، وانما يتحقق بالاعتصام بالله تعالى، والالتزام بتعاليمه، حيث يقول تعالى «هو الذى أنزل السكينة فى قلوب المؤمنين ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم».. ويقول المتصوفون «لو علم الملوك ما ننعم فيه من رضا وسعادة، لنازعونا وقاتلونا على هذه النعمة».

ما أريد أن أقوله لك يا سيدى هو أن مفتاح سعادتك فيما تبقى لك من عمر فى يديك، فالحقيقة أن الايمان وحده هو الذى يحرر الإنسان من كل خوف أو حزن أو قلق، إذ لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، كما أن حاجة الإنسان إلى التدين هى كحاجته إلى الطعام والتنفس، وسيظل الايمان بالله والتوكل عليه، مفتاح السعادة وسرها، والضابط الذاتى لتوازن الإنسان.

إن الفرصة مازالت متاحة أمامك لتعيد حساباتك، وتحاول مد جسور الود مع شقيقاتك وعائلتك وابنيك، وانى أذكرهما بحقك عليهما، وما طالبهما به المولى عز وجل ببر الوالدين، ومصاحبتهما فى الدنيا بالمعروف، واذكر أمهما بأن تحذر عقاب الله، إذا أساءت اليك عندهما، فالواجب عليها أن تقرب المسافات بينكم، لا أن تصنع الفجوات، فإذا كانت ترغب فى عفو الله ورضاه فعليها ان تتوقف عن بث الكراهية فى نفسيهما تجاهك، وأن تشجعهما على التواصل معك، فهذا انفع لهما فى الدنيا والاخرة، وبه يسلمان من الألم النفسى والعقاب الالهى لعقوق الأبوين. والأفضل لهما أيضا ان يقدما نفسيهما لمن سيرتبطان بهما عن طريقك، «فمن ليس له كبير، يشترى له كبيرا»، كما يقولون، فما بالهما بأن يكون الكبير هو الأب الذى يحتويهما، وهما اغلى لديه من نفسه».. وفقك الله وسدد خطاك على طريق الحق، وهو على كل شىء قدير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بيومي الفيومي
عضو مبدع
عضو مبدع
avatar

ذكر
عدد الرسائل : 818
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 210
بلد الإقامة : الفيوم مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 Unknow10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 8010
نقاط : 7316
ترشيحات : 7
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 I_icon_minitime26/9/2014, 17:16

النظرات القاتلة!


فى لحظة من العمر يتوقف المرء مع نفسه، ويسترجع ما مر به من مواقف وأحداث،
وقد يعيد حساباته، ويصحح مساره معترفا بأخطائه، وبتجاهله النصائح التى أسديت إليه فى حينها، ووجدتنى أعيش هذه اللحظة بكل ما فيها من دموع وندم، ودعنى أروى لك قصتى منذ البداية، فأنا سيدة فى سن الثالثة والثلاثين، نشأت فى أسرة ريفية، لأب حاصل على مؤهل عال، وأم لم تكمل تعليمها، إذ توقفت عن الدراسة بعد حصولها على الشهادة الإعدادية، ولى شقيقان، وأنا الصغرى، ومنذ أن وعيت على الدنيا، وجدت أبى مسافرا إلى الخارج، حيث جاءه عقد عمل، عقب أدائه الخدمة الوطنية، واستقرت به الحال فى السعودية، وقد تزوج من والدتى فى إحدى إجازاته، وواظب على السفر طوال العام، والعودة إلى مصر فى إجازة سنوية لمدة شهر، وهكذا افتقدت حنانه الذى لم يكن لى ولا لشقيقىّ نصيب فيه، وأوكل أمرنا إلى والدتنا التى اتسمت معاملتها لنا بالغلظة والشدة، ظنا منها أن أى لين فى المعاملة قد يفسد أخلاقنا، وكبرت، والتحقت بالمدرسة الإعدادية، وربطتنى صداقة قوية بزميلة لى، ودأب أبوها، وهو صديق لأبى، على الاهتمام بشئوننا، وزيارتنا بانتظام، وكان يعمل مدرسا، وشيئا فشيئا، ومع دخولى المرحلة الثانوية طلب أن يعطينى درسا خصوصيا مع ابنته، فنحن معا فى نفس الصف والمدرسة، ولم تمانع أمى، وأصبحت أراه يوميا، وتعودت عليه، لدرجة أننى أحسست أننى صرت فردا من أفراد أسرته، فكان يطلب منى أن أعد له كوب شاى، أو فنجان قهوة، فى أثناء الدرس، ولاحظ زملائى البنون والبنات الذين يأخذون لديه درسا فى مادته، اهتمامه الزائد على الحد بى، وأخبروا أمى بذلك، لكنها لم تهتم بما قالوه، ومر العام الدراسى والتحقت بالصف الثانى الثانوى، ثم مرض أبى مرضا شديدا، عاد على إثره إلى مصر، وأنهى خدمته بالسعودية، وذاقت والدتى الأمرين فى عرضه والتنقل به على المستشفيات أملا فى علاجه، وباءت محاولاتها بالفشل، ورحل عن الحياة، ولم يتغير شىء فى حياتنا، فأمى هى التى تتولى شئوننا، وتقوم بمهام الأب والأم معا، وزاد اهتمام والد صديقتى بى، فصار يطلب منى فى أوقات كثيرة الذهاب إليه فى البيت لكى يشرح لى بعض الدروس التى يرى أننى لم استوعبها، وبمرور الوقت وجدتنى أسيرة حبه، فارتبطت به بشدة، وكثيرا ما كان يحدثنى عن جمالى، ويسألنى عما إذا كان ينقصنى شىء، فيحضره لى، فأشكره، وهكذا صار هو شغلى الشاغل، ثم أفصح عن حبه لى، وعندما كان يجدنى حزينة يربت على كتفى، ولا يتركنى إلا بعد أن تعود الابتسامة لى، وزاد تعلقى به أننى لم أر منه خلقا سيئا، أو لمسة لا تليق، وصرت أنا وابنته أختين، وكنا نقضى معا معظم الوقت، وفى الصف الثالث الثانوى قال لى إنه كان يتمنى لو كنت فى سن كبيرة نسبيا تسمح له بالزواج منى، ففرحت جدا وقلت له: أنا الآن كبيرة، وموافقة على الارتباط به، فرد علىّ بأنه لو عرض الأمر على أمى، فلن توافق عليه، ولن يوافق أيضا شقيقاى، وهنا زين لنا الشيطان سوء العمل بأن أهرب معه فى آخر يوم فى الامتحان، ونتزوج ونضع أهلى امام الأمر الواقع، ويكفينى أنه لم يمسسنى بسوء، أو يقول لى كلمة تحمل أى نوع من الإيحاءات غير الاخلاقية، كما أنه عوضنى عن غياب أبى حتى عندما كان على قيد الحياة، ونجحت الخطة ووجدته فى انتظارى فى ميدان المحطة القريب من المدرسة، وانتقلنا إلى عاصمة المحافظة التى نقطن بها، ووقعنا عقد زواج عرفى، للضغط على أهلى بقبول الأمر الواقع، واتصلت بهم وابلغتهم بزواجى، فانقلبت الدنيا ضدى، وهددونى بالقتل، فلم أجد بدا من أن أحرر محضرا بقسم الشرطة لعدم التعرض لى، وجاءت قوة من القسم بصحبتى أنا وزوجى، وأخذوا تعهدا عليهم بألا يمسنى أحد بأى ضرر وصار الزواج رسميا أمام المأذون، وقاطعنى الجميع: أمى، وشقيقاى، وأعمامى، وكل أقاربى، وصرت مقطوعة من شجرة عائلتى، وعلى الجانب الآخر نبذتنى صديقتى بعد أن قالت لى إننى خطفت أباها، ولن أنسى ابدا كلمتها القاسية «منك لله» ومنذ تلك اللحظة، وهى ترمقنى بنظرات قاتلة دون أن تنطق ببنت شفة، وكذلك فعل اشقاؤها الثلاثة «ولد وبنتان» أما أمهم فلقد اختفت تماما عن الانظار مع أنها تعيش فى المنزل نفسه الذى دخلته وأنا كسيرة ذليلة بعد أن انفض من حولى الجميع، وحاول زوجى تعويضى، مقدرا لى تضحيتى الكبيرة من أجله، ولكن «ما قيمة المال وأنت حزين»، فلا شىء يعادل الصحة وراحة البال ثم من أين تأتى لى الطمأنينة، وقد عادانى كل من حولى، لقد صرت مسيرة، ولا اختيار لى فى أى شىء، وحملت وأنجبت ولدا وبنتين، ولم يطرق باب شقتى أحد سوى سيدة طيبة من الجيران، فهى الوحيدة التى أشفقت على حالى، وحرصت على زيارتى من حين لآخر.
والحق أن زوجى لم يقصر فى شىء تجاهى، ولم يفلح فى إقناع ابنته بتغيير موقفها المعادى، فأنا بالنسبة لها، وإن كنت صديقتها ورفيقة عمرها، إلا أننى صرت زوجة أبيها، وصار لكل منا مساره الخاص، فأنا لم أكمل تعليمى، واكتفيت بالثانوية العامة التى لم أفرح بنتيجتها مثل كل الطلبة والطالبات، بينما هى أكملت تعليمها وتخرجت فى الجامعة.


وجرت فى نهر حياتى مياه كثيرة، فتزوجت صديقتى وبالطبع لم أحضر حفل زفافها وكذلك تزوج أشقاؤها، ثم رحل زوجى عن الحياة فجأة، فأصابتنى صدمة عصبية لزمت على أثرها المستشفى، وتكفلت السيدة الطيبة برعاية ابنائى، ولم تلن أو ترق قلوب الآخرين لحالى، وأفقت بعد أكثر من أسبوعين على واقع جديد لم أحسب حسابه، فلقد صرت أرملة ترعى ثلاثة أبناء، وأنا فى سن الثالثة والثلاثين وبعد فترة تصورت أن رحيل زوجى سيجعل أمى وإخوتى يصفحون عنى، وينسون الماضى، وتخيلت أن صديقتى وأشقاءها ربما يدركون أن أبنائى أخوتهم أيضا... لكن هذا لم يحدث، بل إننى عندما التقيت بها عند باب المنزل وجها لوجه، حاولت أن أتحدث إليها لكنها رمقتنى بنظرة قاتلة، كما هى عادتها منذ زواجى من أبيها رحمه الله، أما أمى وشقيقاى، فلقد اعتبروا أننى مت منذ زمن بعيد، وكذلك حال أعمامى وأخوالى.


لقد عشت حياتى فى عذاب أليم، ولن أنسى أبدا أننى خرجت من بيت أبى مغضوبا علىّ، وأننى لم أهنأ بحفل عرسى مثل كل البنات.. إننى اعرف أنك وقراءك ستلوموننى، بل وربما تصبون اللعنات علىّ، لكن صدقنى يا سيدى لقد ضللت الطريق منذ نشأتى، حيث وجدت أبى بعيدا عنا، وهو حى يرزق وتخيلت أن والد زميلتى هو أبى، بعد أن غمرنى بحبه وحنانه، فاندفعت إليه بلا وعى، وبعد زواجى منه رجوته أن يعيد المياه إلى مجاريها مع أسرتى، ولكن هيهات أن يفتحوا لى، ولو نقطة ضوء أنفذ منها إليهم... وأؤكد لهم أننى لا أريد ميراثا ولا مالا، وراضية بالمعاش الذى أتقاضاه عن زوجى، وكل ما أرغبه هو مد جسر التواصل مع أسرتى، وأهل زوجى، وأعتذر لكل من أخطأت فى حقهم، وأقول لكل البنات : لا تغركن المشاعر الفياضة، وأحاسيس الحب فى سن المراهقة، فالحياة الزوجية ومشكلات الزواج هى المحك الرئيسى فى التعامل مع الآخرين بمن فيهم الأهل والمعارف والأصدقاء، وليست كلاما وغراما وحبا وهياما.


وأقول لصديقتى العزيزة إبنة زوجى: كفاك جفاء لى، فأنت لا تشعرين بالنار التى تحرق قلبى كلما نظرت إلىّ «نظراتك القاتلة» وأقول لأمى وإخوتى: إن الله يغفر الذنوب جميعا، ألا تغفرون لى هذا الذنب الذى ارتكبته فى حقكم؟ فأنا فى النهاية، وإن كنت قد تزوجت على غير رغبتكم، فإننى تزوجت على سنة الله ورسوله، ولم ارتكب ما يشينكم أو ينقص من قدركم، والحمد لله رب العالمين.


< ولكاتبة هذه الرسالة أقول:


الكل أخطأ فيما وصلت إليه الآن من ندم وحسرة على الخطوة غير المحسوبة التى تتجرعين مرارتها وأنت فى عز الشباب، فلقد أخطأ أبوك حينما ترك نفسه للسفر الدائم حتى نهاية العمر غير مبال بأسرته، ولا بالمتاعب النفسية التى تنعكس على زوجته وأولاده، فلم يكن له هدف فى الحياة سوى جمع المال والانجاب، وترك المسئولية لزوجته، متناسيا أن الأبناء إذا فقدوا أباهم، وهو على قيد الحياة، فإنهم يلتمسون أبا لهم يهتم بأمرهم، ويشعرهم بالعطف والحنان، وهكذا وجدت ضالتك فى صديق أبيك، ووالد زميلتك التى تدرس معك فى الفصل الدراسى نفسه، والذى ارتكب خطأ فادحا بخيانته صديقه وتغريره بابنته، حتى سقطت فى شباكه، لكن مثله لا يعبأ بحق الصداقة، ولا بكلام الناس ولا بأسرته والمحيطين به، وتعامى عن كل ذلك مستجيبا لأهوائه الشخصية وطامعا فى افتراس فتاة فى عمر ابنته، وكذلك أخطأت أمك بتركها العلاقة المفتوحة بينكما، ولم تبال بما قاله لها زملاؤك، ولا يعفيها من المسئولية أنها كانت حسنة النية تجاه الأستاذ صديق الأب، الذى تصورت أنه لا يمكن أن يغرر بفتاة صغيرة يعتبرها مثل ابنته! وأخطأت أنت أيضا بالانجراف فى هذه العلاقة غير المتكافئة مع أنك قادرة على التفرقة بين التصرف السليم الواضح، والتصرف الخاطئ الذى يجر باب المتاعب، ويدفع المرء إلى الخطأ.


إن معظم النار من مستصغر الشرر، وإذا لم تتم معالجة أى مشكلة فى مهدها فإنها تكبر وتكبر إلى أن تصبح السيطرة عليها مستحيلة، وهكذا صار إيجاد حل ملائم لما أوقعت نفسك فيه أمرا صعبا، ولكن مع تبدل الأيام والأحداث ورحيل زوجك، أصبح على أمك أن تدرك أن ما مضى فات، وأن المستقبل غيب، وأن لنا الساعة التى نحن فيها، ومهما يكن من أمر، فأنت ابنتها، ولا يمكن أن تنسلخ البنت من أسرتها، فعلاقة الأمومة تسمو فوق كل العلاقات الإنسانية، وإذا لم تغفر لك خطأك فى حقها وحق نفسك، فمن تنتظر أن تفعل ذلك؟


وأدعو شقيقيك أيضا، وقد صارا رجلين أن ينظرا نظرة موضوعية لما أنت فيه، وقد صرت فى حاجة إليهما، فلا يخذلانك، وعليهما أن يحتوياك أنت وأولادك، حتى لا تتكرر المأساة مع ابنتك، ويكفيك أنك استوعبت درس تجربتك الأليمة.


أما عن صديقتك ومع تقديرى للجرح النفسى العميق الذى أصابها منذ زواجك من أبيها، فإننى أهيب بها باسم «النفس الصافية» التى لا تحمل حقدا ولا ضغينة لأحد، أن تعرف أنه ما من إنسان على ظهر الأرض إلا وله أخطاء، فهى وإن كانت تختلف من شخص إلى آخر، فإننا جميعا نرتكب الآثام ثم نتوب عنها، وفى ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل بنى آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون».. وأقول لها: إذا كانت صديقتك قد تزوجت أباك وكسرت قلبك وقلب أمك، وأشقائك، فإن إخوتك منها من لحمك ودمك، فلا تتركيهم فى مهب الريح، ولا يعلم أحد ما تخبئه الأيام، فالتمسى رضا الله فى احتوائهم. وكونى لهم أما ثانية، ولست أختا لهم فحسب.


وأما الدرس الأكبر لكل الآباء والأمهات فهو ألا يتركوا بناتهم فريسة لذوى النفوس المريضة طمعا فى صفقة حسابية فى إطار البحث عن عريس مرتاح ماديا أو وهما بعلاقة حب فاشلة فى ظل افتقاد الحنان الأبوى والأسري، فمثل هذه الزيجات تفشل حتما، ولو بعد حين نتيجة عدم توافق الاحتياجات. واختلاف نمط التفكير، مما يجعل هناك تباينا فى النظر إلى الأمور، ويخلق حالة من عدم الرضا بين الطرفين.


ويبقى أن أقول لكم جميعا: حان وقت الرضا بما قسمه الله، فإذا رضى المرء بالقليل من الرزق، رضى ربه عنه بالقليل من العمل، والرضا يفتح باب السلامة، ويجعل القلب السليم نقيا من الغش والغل، ولا ينجو من عذاب الله إلا من أتاه بقلب سليم، فأرجو منكم جميعا أن تعفوا عن هفوات بعضكم، وأدعوكم إلى تدبر الآية الكريمة «خذ العفو، وأمر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين» فلا ينبغى لأحدكم أن يترصد الآخر لخلق ما ينكره عليه، إذا رضى بسائر أخلاقه لأن اليسير مغفور، والكمال معوز، وقد قال الكندى «كيف تريد من صديقك خلقا واحدا، وهو ذو طبائع أربع، مع أن نفس الإنسان التى هى أخص النفوس به، ومدبرة باختياره وإرادته لا تعطيه قيادها فى كل ما يريد، ولا تجيبه إلى طاعته فى كل ما يحب، فكيف بنفس غيره».. وقال تعالى «ولا تزكوا أنفسكم، هو أعلم بمن اتقى»، فحسبك أن يكون لك من أخيك أكثره.


وأذكر قول أبى الدرداء رضى الله عنه «معاتبة الأخ خير من فقده، فإذا كنا نحن غير راضين عن أنفسنا، فكيف نرضى عن غيرنا؟».. نعم يا سيدتي.. فى كل إنسان نقيصة، والكمال لله وحده، وأننى أدعو أهلك وأهل زوجك رحمه الله إلى العفو والاغضاء عن أى تقصير من جانبك، وأن يصفح كل منكم عن الآخرين، فيما ارتكبوه من أخطاء، ولتعملوا بقوله تعالى «فاصفح الصفح الجميل» أى الرضا بغير عتاب، فتطووا صفحة الماضى وتتطلعوا إلى المستقبل بصفحة جديدة ناصعة البياض، عمادها النفوس المؤمنة الراضية بقضاء الله، فتتفتح لكم أبواب الأمل والسعادة.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بيومي الفيومي
عضو مبدع
عضو مبدع
avatar

ذكر
عدد الرسائل : 818
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 210
بلد الإقامة : الفيوم مصر
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 Unknow10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 8010
نقاط : 7316
ترشيحات : 7
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 I_icon_minitime26/9/2014, 17:18

تحت الصفر


أكتب إليكم عن أسرة تسكن الصعيد «الجواني»
، وما أدراك ما الصعيد فى ظروفه وأحواله القاسية، فهذه الأسرة مات عائلها منذ خمسة عشر عاما، وكان يعمل مزارعا أجيرا، فهو لم يترك لهم شيئا، وصارت الأم وخمسة أبناء فى مهب الريح، ولم يكن باستطاعتها أن تقدم لهم أى عون أو مساعدة، وصار الولدان يعملان بجانب الدراسة فى أى أعمال تتاح لهما، وأصبحت البنات يخدمن فى البيوت، وبرغم هذه الأحوال المتردية، فإن الابن الأكبر حصل على ليسانس الفلسفة ثم دبلوم فى العلوم التربوية، وحصلت الابنة التى تليه على الثانوية العامة، والابن الذى يقع ترتيبه الثالث بينهم على الإعدادية، والرابعة على دبلوم تجارة، أما الخامسة فلم تنل أى قدر من التعليم.
وانحصر دخل هذه الأسرة التى تتكون من ستة أفراد فى معاش الضمان الاجتماعي، الذى لا يكفى ثمن أرغفة الخبز التى تقتاتها الأسرة.. أما «العشة» التى يسكنون فيها فلا تسمى منزلا، وليس لها سقف ولا حوائط مبنية، ولا حتى دورة مياه، وشاء القدر أن أتعرف على هذه الأسرة عن طريق «سعيدة» الابنة التى تجيئنى من حين لآخر لمساعدتى فى ترتيب المنزل وهى حاصلة على الثانوية العامة ولم تكمل تعليمها لظروف أسرتها.. اسمها سعيدة وللأسف ليس لها ولا لأسرتها نصيب من اسمها، فمن أين تأتى السعادة وهم بهذه الحال؟.. لقد زرتهم وتأكدت من كل ما عرفته عنهم، وتوليت مع أبناء الحى جمع مبلغ صغير استطعنا به بناء حوائط المنزل، وقمنا بتركيب عداد الكهرباء على أحدها، ووفرنا عددا من الجرادل البلاستيك لقضاء حاجتهم فيها، لان البنات يخفن من الذهاب الى الخلاء ليلا، ورضيت الأسرة بحالها.


لكن المصائب لا تأتى فرادى، إذ أصيبت سعيدة وشقيقها الأكبر بانزلاق غضروفى، ولم يتم تعيين الابن فى أى جهة، ولا يجد عملا يدر عليه دخلا يساعده فى تربية إخوته.


فهل أجد لديك يا سيدى حلا يخفف المتاعب عن كاهل هذه الأسرة؟


> ولكاتبة هذه الرسالة أقول:


لا تكفى كلمات الصبر وحدها لأفراد هذه الأسرة، وانما أوجه رجائى مباشرة الى اللواء طارق سعد الدين محافظ الأقصر راجيا منه تعيين هذا الشاب فى وظيفة مدرس من خلال المسابقات المطروحة الآن لتزويد المدارس بمدرسين جدد، وهو الرجاء الذى أوجهه أيضا الى الدكتور محمود أبوالنصر وزير التربية والتعليم، فهذا الشاب حصل على دبلوم الدراسات العليا فى مجاله التربوى ويستحق هذه الوظيفة قبل آخرين لم ينالوا هذا القسط من التعليم.


وأما عن الأسرة نفسها، فإن أهل الخير لن يتوانوا عن استكمال بناء هذا المنزل البسيط، وتزويده بدورة مياه آدمية، وسوف ندرس هذه الحالة على الطبيعة من كل جوانبها، والله المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
همسة عتاب
عضو متميز
عضو متميز
همسة عتاب

انثى
عدد الرسائل : 541
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 210
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 Unknow10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 8511
نقاط : 6634
ترشيحات : 3
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 I_icon_minitime10/10/2014, 21:30


المرحلــة الخطيــرة!

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 2013-635202376896612853-661_590x315

فى تصورى أن المرحلة الأخيرة من خريطة المستقبل هى أهم المراحل وأخطرها على الاطلاق وهى مرحلة الانتخابات البرلمانية.
ودليلى على ذلك أننا على ما يبدو لم نستعد لهذه الخطوة كما يجب وكما حدث فى الاستفتاء على الدستور والانتخابات الرئاسية وأننا لا نريد أن نفعل ذلك إما لعدم ادراك غالبيتنا لأهميتها، أو لانشغال معظم المواطنين فى البحث عن لقمة العيش ومواجهة ارتفاع الأسعار وما شابه من تحديات حياتية يومية، أو لتركيز بعضنا فى مكاسب حزبية أو تنظيمية أو شخصية بغض النظر عن مصلحة الوطن، وما يزيد الأمر صعوبة أننا صرنا شعبا يميل أكثر للاختلاف حين يكون الاتفاق واجبا ويميل أكثر للنزاعات حين يكون الاتحاد ملزما.. وعلى ما يبدو فإنه حين ينسى أو يتغافل بعضنا عن أهمية هذه الخطوة.. نرى آخرين يعملون بكل جدية فى سبيل توحيد جهودهم وصفوفهم وتكثيف عملهم وحشدهم من أجل الحصول على أغلبية أو أكثرية أو نسبة كبيرة من مقاعد البرلمان.. بعض هؤلاء يسعى إلى ذلك لاعتقاده بأن هذا هو السبيل الأخير المتبقى لإسقاط أو إفشال النظام والحكومة وإفشال الدولة طبقا للدستور (البرلماني) الجديد الذى يعطى للبرلمان حقوقا كثيرة لم يعهدها من قبل.. وهؤلاء لن يألوا جهدا فى الحشد الذى تسهله الأموال الضخمة التى تأتى اليهم من الخارج والداخل وكلنا يعرف مصدرها ودافعها ويسعى البعض الآخر لذلك وهو يتصور أن التواجد بأغلبية أو أكثرية فى البرلمان صار الوسيلة المتبقية من أجل إعادة حلم «تطبيق شرع الله» واقامة نظام الحكم الإسلامى أو الخلافة الإسلامية. وهذا البعض الاخير يتصور أنه يلعبها بذكاء «وحرفنة» وينكر عزمه عن ذلك ناسيا أو متناسيا أنه يتعامل مع شعب واع أذكى منه يتعلم من دروس الماضى ويستوعبها ويستفيد منها.. وهذا البعض الاخير لايرى بأسا فى التعاون والتحالف مع البعض الاول أو مع أى «بعض» آخر فى سبيل تحقيق مآربه الظاهر منها والباطن، وهناك بعض آخر.. ذاق حلاوة عضوية البرلمان فى عصور سابقة.. وهو فى الغالب أدمن حلاوتها وتصور أن خلو الساحة الآن سوف يعيد له حلمه وهيبته وحصانته التى أفتقدها بعد طول حيازة لها وتمتع بمميزاتها. ويرتكن معظم أفراد ذلك «البعض» إلى سابق خبرته وخدماته وأحيانا عشيرته وعصبيته خاصة فى الصعيد والأرياف بالإضافة إلى أمية وقلة وعى ناخبيه ومنتخبيه.. وهذا البعض أيضا يمتلك من مقومات احتمالات الفوز ما يحفزه على الامل فى تحقيق حلمه من خلال الأموال والافراد والعصبيات.

وهناك بعض «مستتر» آخر يتمثل فى عدد ممن يطلق عليهم «رجال أعمال» وهؤلاء يحلمون بأن البرلمان وعضويته سوف يسهل لهم الكثير من أعمالهم كما أنه سوف يحول دون أن يتخذ البرلمان أية قوانين أو تشريعات تحد من أنشطتهم الاحتكارية (أو المستغلة) أو تتصدى للفساد بجميع صفوفه. وهؤلاء أيضا لديهم من الاموال والامكانات ما يساعدهم على الاقل فى الحلم بالحصول على قطعة كبيرة «من تورتة» البرلمان.. وعلى الجانب الآخر فاننا نرى مجموعة من السياسيين السابقين الذين التحقوا بالثورة أو ملحقها وركبوا سفينتها، وبعد أن اطمأنوا لعدم امكانية غرقها تشدقوا بها وبقائدها وصاروا من الثوريين الاحرار، وهؤلاء سعيا وراء البقاء فى ضوء النجومية من خلال البرلمان حاولوا فى البداية أن يكونوا تكتلات وتآلفات وتحالفات وفشلوا لانهم بكل بساطة «فاهمين بعض كويس» ولان الله أعلم منهم بالنيات مهما يكن صخب الشعارات وزيف التشدقات، ما الحل إذن؟ الحل أن يكون لهذه الثورة ولهذه الدولة الظهير الشعبى الجماهيرى المخلص الذى يؤازرها بصدق واقتناع ويحميها من كل من سبق ذكرهم ووعى الجماهير بخطورتهم على المجتمع والدولة. إلى جانب أهمية وخطورة المرحلة الاخيرة من خريطة الطريق ويحفزهم على المشاركة فيها، وعدم التكاسل أو التراخى فى أداء ذلك الواجب الوطنى المهم ويذكر المواطنين بما سبق وعانيناه فى برلمانات سابقة بسبب سوء اختيارنا لممثلينا فيه، وانخداعنا ببعضهم أو عدم اكتراثنا بالمسألة ككل، والاهم من ذلك هو ان يكون لهذا الظهير مرشحوه الذين يثق فيهم ويساندهم ويدعمهم ويحفز المواطنين بجميع السبل والوسائل على انتخابهم..... وأرجو ألا أكون قد بالغت فى حلمي.

د. علاء الدين القوصى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
كابتن أحمد منصور
مشرف
مشرف
كابتن أحمد منصور

ذكر
عدد الرسائل : 6488
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 210
بلد الإقامة : المدينة الفاضلة
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 Office10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 Bookwo11
نقاط : 17058
ترشيحات : 47
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 710

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 I_icon_minitime17/10/2014, 23:21

الملاك الحزين!

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 2014-635490924088745264-874

لم أتصور يوما أن أبحث عن مخرج من النفق الطويل الذى أدخلت نفسى فيه بإرادتى، متوهمة انه الواجب والأصول، لكن مرارة الأيام جعلتنى أتوقف فى هذه المرحلة من العمر لكى أعيد حساباتى، وأتطلع إلى حل يريحنى من العذاب، ويفتح لى أفقا جديدا من الأمل،
وها أنا أسرد لك حكايتى راجية أن ترشدنى إليه، فلقد ولدت فى أسرة متوسطة لأب موظف، وأم لم تنل قسطا كبيرا من التعليم لكنها تتمتع بطيبة وحنان يحسدها عليهما الجميع، ولى شقيقان يكبرانى ببضع سنوات، وأنا البنت الوحيدة، وأصغر أفراد الأسرة، ولم يكن كل ما نطلبه يجاب لنا، فوالدى يتقاضى راتبا بسيطا يكفى بالكاد المتطلبات الضرورية للبيت والأولاد، وليس هناك مجال لأى أعباء اضافية.
واستمرت حياتنا على هذا النحو إلى أن وفق الله أبى فى الحصول على عقد عمل بدولة عربية، فتحسنت ظروفنا، وصرنا فى وضع مادى أفضل بكثير مما كنا عليه، وتفوقنا فى دراستنا، وحصل شقيقى الأكبر على بكالوريوس الهندسة، ثم شقيقى الذى يليه على ليسانس الحقوق، وحصلت أنا أيضا على مؤهل عال من كلية عملية، وفور تخرجى تم تكليفى فى إحدى الجهات، ثم تعيينى بها، وكان عمرى وقتها اثنين وعشرين عاما، وأقبلت على عملى بكل جد ونشاط، واكتسبت سمعة حسنة، واتسمت بين زملائى وزميلاتى بخفة الظل، وروح الدعابة، مما جعلنى محبوبة من الجميع، وتدرجت فى العمل سريعا، واحتللت موقعا لم يصل إليه أى من زملائى من نفس دفعتى.

وربانى أبى تربية الأولاد، متناسيا أننى بنت، وسعدت بذلك، وساندت والدى فى كل شىء، وتحملت عنه أعباء كثيرة مما كان يجب أن يقوم به شقيقاى، وربما ما دفع والدى إلى الاعتماد علىّ هو أن شقيقى الأكبر كان يدرس فى إحدى الجامعات بمحافظة غير التى نقطن بها، وكانت إجازته التى يقضيها معنا هى أيام الأربعاء والخميس والجمعة من أول كل شهر، وفى الوقت نفسه لم يطلب من شقيقى الأصغر القيام بأى عمل يقتضى مجهودا أو يتطلب الحركة لمسافات طويلة، إذ انه ولد بعيب جسمانى فى الجانب الأيسر، ولم يكن قادرا على القيام بأى عمل، وهكذا أوكل أبى إلىّ مهمات عديدة ليست من مسئولياتى كبنت، وأديتها بنجاح وارتياح، وتخرج شقيقى الأكبر، وهو يكبرنى بثمانى سنوات، وفور حصوله على شهادته قرر أبواى تزويجه لكى يفرحا به، وبأولاده الذين تمنيا أن يرياهم فى حياتهما وقبل رحيلهما عن الحياة على حد تعبيرهما الذى كرراه على مسامعنا كثيرا، وهو مدلل منذ الصغر، واحتل مكانة خاصة لدى والدى، لدرجة أننى وشقيقى الآخر كنا نغار منه، ولم يجرؤ أحدنا على أن يفاتحهما فى هذا الأمر برغم آثاره النفسية السيئة علينا، والتى لم تلفت نظرهما أو يعيراها أى اهتمام.

وتزوج بالفعل فى حفل كبير من فتاة رشحاها له، ووافق على ارتباطه بها. وأقام فى منزل قريب منا، وهو ملك لأبى، ومرت عدة سنوات. وكنت وقتها قد بلغت سن الثامنة والعشرين، وتعب والدى صحيا لفترة قصيرة ثم رحل عن الحياة، وسقطت والدتى على الأرض مغشيا عليها فور أن أبلغنا الطبيب بوفاته وتبين إصابتها بجلطة فى المخ، أثرت كثيرا على حالتها الصحية، فلم تعد تستطيع الوقوف على قدميها بمفردها، وتحتاج إلى من يتحرك معها فى كل خطوة تخطوها، علاوة على زيارات الأطباء، ومراكز الأشعة والتحاليل، فصرت لها كل شئ، يديها ورجليها، وعقلها وقلبها، وتحملت أقدارى بصبر وجلد، ولم يمر عام واحد حتى لحق بها شقيقى الثانى، وهو يكبرنى بست سنوات، إذ ظهرت عليه أعراض غريبة، وشكا من أنه لايقوى على المشى، وكان يسقط على الأرض فجأة بلا سبب واضح، وذقت الأمرين فى تشخيص حالته، حيث أصبحت زبونة دائمة على العيادات والمستشفيات، وفحصه أطباء فى مختلف التخصصات من باطنة ومخ وأعصاب، وكانت لكل طبيب رؤيته وتحاليله وأدويته، وقد تدهورت حالة شقيقى تماما، وأخيرا شخص أستاذ معروف فى المخ والأعصاب حالته بأنه مصاب بالتصلب المتناثر أو ما يسمى مرض MS..و هذا المرض ليس له علاج حتى الآن وكل ما يتعاطاه المصاب به مجرد أدوية للحد من الانتكاسات التى تلحق به واحدة بعد الأخرى، والمضاعفات الخطيرة نتيجة تغلغل المرض فى جسده، وبعد عامين فقد أخى القدرة على المشى، وصار ملازما للسرير، والعلاج الطبيعى.

وهكذا أصبح علىّ أن أوفق بين عملى، ورعايتى أمي وشقيقى الثانى، أما شقيقى الأكبر، برغم أن منزله لا يبعد عنا سوى خطوات معدودة فلم يبال بنا أو يشفق علىّ من الحمل الثقيل الذى أتحمله دون ضجر أو تخاذل، ولم أتقاعس لحظة واحدة عن مهمتى تجاههما، ورفضت الحديث فى الزواج أو مجرد التفكير فيه، إلى أن أكمل هذه المهمة الانسانية التى لا ترقى إليها أى مهمة أخرى.

ويبدو أن قدرى هو أن تمتد مسئوليتى إلى جميع أفراد الأسرة بمن فيهم شقيقى الأكبر، الذى لم يكن له وجود فى حياتنا، إذ أصيب بجلطة فى القلب، وارتفاع فى ضغط الدم، وكانت التعليمات الطبية له بأن يتناول نوعيات محددة من الأطعمة لكى لا يتعرض لانتكاسة صحية، لكنه لم يهتم بأى ملاحظات للأطباء، وتعرض لمضاعفات خطيرة، ولم يجد بدا من تغيير خمسة صمامات بالقلب، وهى جراحة دقيقة طرقت من أجلها باب مستشفى إستثمارى كبير، وبتوفيق من الله نجحت العملية على يد خبير أجنبى، ومكث شقيقى فى المستشفى ثلاثين يوما، ولم أخبر والدتى وشقيقى الثانى بطبيعة الجراحة التى أجريت له، خوفا من انتكاسة حالة والدتى أكثر مما هى فيه، وقلت آنذاك إنه دخل إلى المستشفى لاجراء قسطرة تشخيصية، وافتعلت أسبابا كثيرة لعدم عودته إلى المنزل بسرعة، ومنها ان الأطباء يريدون الاطمئنان عليه وعلى نسبة السكر فى الدم وضبطه، وكذلك السيطرة على ارتفاع ضغط الدم، أما عن زوجته فقد أبلغتها بالحقيقة فور خروجه من حجرة العمليات، وطلبت منها ألا تتحدث مع والدتى وشقيقى الثانى فى حالة زوجها. وظللت على اتصال دائم بالأطباء المعالجين له إلى أن أوصلته إلى بر الأمان، وعاد إلى منزله، وزار والدتى لكى يطمئنها على نفسه، وما أن رأت الجرح الكبير فى صدره نتيجة عملية القلب المفتوح التى أجريت له حتى أغمى عليها، ودخلنا فى دوامة جديدة من الجولات على الأطباء إلى أن استقرت حالتها.

وطوال هذه الرحلة الحزينة من حياتى، لم ألتفت إلى حياتى الخاصة، مثل كل فتاة تتمنى الزواج والاستقرار، فبعد عدة عروض تلقيتها فى السنوات الأولى التى تلت رحيل أبى ومرض والدتى وأخى الثانى، قررت عدم الزواج لأننى لن أستطيع التوفيق بين متطلبات الأسرة وعملى، وتأكدت وقتها اننى لو تزوجت، فسوف أحمل بعد عام على أقصى تقدير لقب مطلقة، ولم يكن دافعى إلى هذا القرار نابعا من فراغ، وإنما جاء بعد أن طرق بابى شباب كثيرون يطلبون الارتباط بى، وما أن أقص على الواحد منهم حكايتى حتى يأتينى رده المحبط أحيانا والغريب أحيانا أخرى، فلقد قال لى أحدهم «أنا سأتزوجك أنت وحدك، ولن أتزوج عائلتك كلها»، وقال آخر: «إننى سوف ارتبط بك لكى تساعدى أمى»، وقال ثالث: «والدتى تعبانة، وتحتاج إلى من يراعيها».. من هذا المنطلق اتخذت قرارى بعدم الزواج، وفضلت أن أرعى أسرتى على أن أتزوج بأى من هؤلاء الشباب، وكنت إذا تقدم لى شاب أو حاول أن يتقرب إلىّ، أرفضه دون إبداء الأسباب، واعتبرت ما أنا فيه من متاعب، إنما هو اختبار من عند ربنا، فمن الصعب جدا أن أتخلى عن والدتى وأخى، لأننى إذا فعلت ذلك فسوف أكون بنتا لا تعرف الأصول، ولم يربها أهلها!

ومنذ عام ونصف العام رحلت والدتى عن الحياة، وتركتنى مع شقيقى المريض، وقد بلغت سن السادسة والأربعين، وكلما خلوت إلى نفسى أستعيد شريط حياتى فأجدنى قد قدمت كل ما فى استطاعتى وكنت «رجل البيت» طوال عمرى بسبب مرض أخى الثانى، وعدم وجود شقيقنا الأكبر فى حياتنا، وكنت أظنه سوف يتغير بعد الجراحة الخطيرة التى نجاه الله منها، والتى لم أتركه لحظة واحدة خلالها إلى أن استعاد صحته، لكنه إنصرف إلى أسرته، ولم يهتم بأمرى أو يقدر تضحياتى، فها هو منغمس فى حياته وأولاده، وقد قام بتزويج ابنته الكبرى لشاب يعرفه واسكنهما فى المنزل الذى يعيش فيه، ويبحث عن زوج لابنته الثانية ويعمل بالمثل الذى يقول: «أخطب لبنتك وما تخطبش لإبنك». والمثل الآخر الذى يحكى لسان حاله: «لو ما جوزتهمش فى حياة عينى هيلوصوا بعد وفاتى»!

ولم يفكر حتى اليوم فى أمرى، مع اننى والحمد لله، أتمتع بخفة الدم ومحبوبة فى العمل، ولا يظهر علىّ عمرى الحقيقى، ومن يرانى لا يعطينى سنى، ،وهى نعمة من الله، ومازال يأتينى العرسان ولكن، وما أدراك ما كلمة لكن، نعم هو عريس ولكن خرج إلى المعاش ومعه حقيبة أدويته، ويريد من تمرضه وتتولى أعمال المنزل، وهناك من يكبرنى بقليل ولكنه يريد مربية لأولاده، وهناك المتزوج غير المرتاح مع زوجته ويسعى للارتباط بشرط أن يتم الزواج عرفيا أو سريا، وبالطبع لم أوافق، ولن أوافق على الارتباط بشخص من هؤلاء.

وانى أسألك، لو أن والدى حي، هل كان سيتركنى أمضى إلى ما أنا فيه الآن، أو صارت حالى كالتى أحياها من حزن وهم وتعب، وهل كان سيعمل بمبدأ شقيقى الأكبر بضرورة تزويجى فى حياته، قبل أن «ألوص» بعد وفاته؟،،، أليس ذلك بالفعل هو ما وصلت إليه بعد هذه السن الكبيرة دون زواج.. ثم هل تجدنى قد أخطأت بـ «الاسترجال» وتحمل مسئوليات ليست لى؟.

إننى لا أنام الليل.. وأفكر دائما فى قرارى الذى اتخذته منذ ثمانية عشر عاما بالعزوف عن الزواج من أجل والدتى وأخى الثانى، ثم أنظر إليه وهو نائم لا حول له ولا قوة فاستغفر الله وأستعيذ به من الشيطان الرجيم، ويبقى سؤالى الأخير: هل فى العمر بقية لاستعادة الأمل فى الحياة أم أنه قد فات الأوان؟



ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

استوقفتنى فى تجربتك المليئة بالعبر والعظات، الطريقة التى تربيت بها أنت وشقيقاك، والتى أستطيع أن ألخص أهم بنودها فى تسلط أبويك عليك، وتدليلهما الزائد عن الحد لشقيقك الأكبر، واهمالهما شقيقك الثانى الذى لم يهتما بأمره أو يلقيا بالا لما يعانيه من متاعب وآلام، وتركا لك مسئولية إدارة شئون الأسرة التى زادت أعباؤها بعد رحيل أبيك، لتجدى نفسك تسبحين بمفردك فى بحر الحياة الهائج، والمطلوب منك أن تمتصى كل الأمواج، وتواجهى العواصف، ليس فيما يخصك فقط. وانما أيضا فى جميع شئون الأسرة، حتى شقيقك الأكبر المدلل الذى تحملت عبء رعايته فى فترة مرضه إلى أن أجريت له الجراحة الدقيقة وتعافى تماما، بينما اكتفت زوجته بزيارته مثل أى شخص آخر وهى التى كانت من المفروض عليها أن تقوم بهذا الدور، ومع ذلك لم يقدر لك شقيقك ذلك، وانصرف إلى حاله التى تعود عليها، ولم استغرب لموقفه، إذ ماذا تنتظرين ممن لم يتحمل أية مسئولية فى حياته، وكان دائما هو الآمر الناهى الذى يأمر الآخرين فيطيعونه بلا نقاش أو مراجعة، وهذا كله مرده إلى تدليله فى الصغر، فصار هذا ديدنه ولن يستطيع أحد تغيير سلوكه إلا إذا راجع نفسه، وأدرك خطأ الدرب الذى يسير فيه، كما أنه بكل أسف لم يتعلم من درس مرضه، وظل على تخليه عنكم، ولم يفكر فى مساندتك أو حتى مجرد الحديث معك فيما يخصك بعد رحلة كفاحك الطويلة من حيث الزواج والاستقرار، وركز اهتمامه على تزويج بناته، وأعتقد أن زوجته لها اليد الطولى فى ذلك، وانه لم ينح هذا المنحى من تلقاء نفسه، فقام بتزويج واحدة منحها شقة بمنزله، ويكرر الأمر نفسه مع ابنته الثانية حاليا، وهو يفعل ما يفعله دون أن يتوقف عند صنيعك له.

وفى إطار حديثنا عن التربية أقول: إن الانسان لا يوفق فى شىء كما يوفق إلى مرب ينمى ملكاته الطبيعية، ويعادل بينها، ويوسع أفقه، ويعوده السماحة وسعة الصدر، ويعلمه أن يكون مصدر خير للناس بقدر ما يستطيع، وأن تكون نفسه محبة للخير، وقلبه مملوءا عطفا وبرا بالآخرين، وهذه هى المبادئ التى التزمت بها، فى الوقت الذى لم يتعلم شقيقك الأكبر منها شيئا، وهى خصال حميدة، جعلت منكِ إنسانة قوية أدت ومازالت تؤدى مهمتها تجاه أسرتها بنجاح، وليس هذا «استرجالا» بالمعنى الذى ذهبت إليه، وإنما هو شهامة وإيمان بالله وثقة بالنفس.. وبرغم كل الهموم الملقاة على عاتقك، فإنك لم تتخلى عن خفة الظل، فالنفس الباسمة ترى الصعاب فيلذها التغلب عليها، تنظرها فتبتسم وتعالجها فتبتسم، وهذه الصعاب أمور نسبية، فكل شئ صعب عند النفس الصغيرة، ولا شئ مستحيل عند النفس العظيمة.

ويحضرنى قول الشاعر:

إذا تضايق أمر فانتظر فرجا

فأصعب الأمر أدناه إلى الفرج

وحينما يثق الانسان بربه، ويفوض الأمر إليه ويتوكل عليه، فإنه ينقذه من الكربات ويخرج به من الأحزان، «وكفى بربك هاديا ونصيرا». فعليك نبذ الحزن وجلب السرور، واستدعاء الانشراح، والتوكل على الله، وسؤاله الحياة الطيبة، وصفاء الخاطر، وراحة البال، فكل ما مررت به من تجارب، وما أتيتيه من أفعال أراها تصرفات عظيمة لا يأتيها إلا ملاك قدم عطاء وافرا للآخرين عن طيب نفس، ومن يتمتع بهذه الصفات لايمكن أبدا أن يحزن أو يعرف إليه الندم سبيلا، فالحقيقة انك قدمت نموذجا عظيما للفتاة التى آثرت أسرتها على نفسها، وهذا فضل لك يجعلك راضية عن نفسك، ويؤكد نقاء معدنك، وليس وهما كما تتصورين، ولا تنسى قوله تعالى: «ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة».. نعم أنت واحدة من هؤلاء الذين يجدون راحتهم فى خدمة الآخرين، فما بالنا لو أن هؤلاء هم الأب والأم والإخوة، فطوعى نفسك لمعايشة أوضاعك واعفى واصفحى عن شقيقك الذى تجاهلك، وغضى الطرف عما واجهته من متاعب جسام، وسوف يأتيك من هو جدير بك، فالعمر متسع أمامك، والانسان ينشد الزواج والاستقرار والسعادة فى أى مرحلة من العمر، ومن يدرى، فلعل الله يدخر لك من يعوضك عن كل ما لاقيته من صعاب، وربما لو تزوجت فى مرحلة مبكرة من العمر ما عرفت طعم الاستقرار، وما أكثر الرسائل التى يحملها إلىّ البريد عن حكايات البنت التى وصلت إلى سن كبيرة، ولم تتزوج، أذكر منها فتاة تعدت سن الأربعين، وهى تعيش فى قرية لم تبلغ فيها فتاة ستة عشر عاما دون زواج، بل وكثيرات منهن يتزوجن بعقود عرفية لأنهن لم يصلن إلى سن الزواج بعد وفقا لقانون الأحوال الشخصية، وعانت هذه الفتاة نظرات الآخرين، والأسئلة المتلاحقة خصوصا من السيدات عن سبب عدم زواجها، ولما شاء الله أن تتزوج رزقها بإنسان فاضل شاركها كل شىء حتى شئون المنزل، وكان كريما، دمث الخلق، ثم توج الله سعادتهما بإنجاب ولد وبنت، واستنتجت من هذه التجربة التى مازال بطلاها ينعمان بالحب والاستقرار أن العبرة ليست بالسن التى تتزوج فيها الفتاة، وإنما بالحياة السعيدة المطمئنة التى سوف تحياها، وقد تنجب المرأة فى سن كبيرة، ولا تنجب فى عمر صغير، أما الجمال فهو مسألة نسبية، إذ أن للرجل عينا ليست للمرأة، وعندما يستقر الحب فى القلب، فلا شئ يعادله، وها هو الشاعر يقول:

عين الرضا عن كل عيب كليلة

وعين السخط تبدى المساويا

ويبقى أن أقول إن كل شىء بقدر، وأن الانسان يستوفى رزقه وحياته فى الدنيا حين يأذن الله، فانتظرى طائر السعادة الذى سيحلق ببابك ويكلل مشوارك الرائع بالهدوء والاستقرار.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
كابتن أحمد منصور
مشرف
مشرف
كابتن أحمد منصور

ذكر
عدد الرسائل : 6488
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 210
بلد الإقامة : المدينة الفاضلة
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 Office10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 Bookwo11
نقاط : 17058
ترشيحات : 47
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 710

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 I_icon_minitime24/10/2014, 12:58

الاعتراف القاتل!

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 70 2014-635496886455538519-553

أتابع بانتظام رسائل قراء بريدك واسع الانتشار من المتألمين والمجروحين الذين يلجأون إليك طلبا للمشورة، فتأتى ردودك عليهم بلسما لجراحهم ودواء لآلامهم، وقد فكرت منذ ما يقرب من عام فى أن أعرض عليك تجربتى القاسية وهى توضح جانبا مهما من المعاناة التى يتعرض لها الكثيرون لكنهم يكتمون أحزانهم وينطوون على أنفسهم.

ولا يذوقون طعم السعادة لأسباب لا ذنب لهم فيها، برغم أنهم لا يتوانون لحظة من أجل إسعاد الآخرين، كما أطرح سؤالا أرجو أن أجد لديك الإجابة عليه، وهو سؤال كاد رأسى أن ينفجر بحثا عن إجابة له، فأنا رجل تخطيت سن الخمسين بقليل، وأعمل فى جهة اقتصادية كبرى، وأبذل جهدا مضنيا فى المهام الموكلة إلىّ، ولا أعرف غير لغة الاخلاص والصمت، فلا يكاد أحد أن يسمع لى صوتا، ولم أحاول يوما أن ألفت أنظار المسئولين إلىّ بالحديث المستمر عن نفسى كما يفعل الآخرون، والتزم الهدوء التام، فلا يشعر بى من حولى، وجاءت طبيعتى متسقة مع نشأتى، فلقد تربيت فى أسرة متوسطة يجمع أفرادها الحب، ولا تعرف الضغينة طريقا إليهم، وربما يكون هذا هو سر الهدوء الذى أتمتع به، وأحمد الله عليه، وبعد تخرجى فى الجامعة وأدائى الخدمة الوطنية تزوجت زواجا تقليديا عن طريق الأهل والمعارف، ولم تطل فترة الخطبة، ولم نلتق معا قبل عقد القران والزفاف سوى مرات قليلة، وبالتالى لم تتح لى فرصة التعرف على طباعها، فكل من الشاب والفتاة يحاول أن يتجمل أمام الآخر، ولا تظهر عليه صفاته الحقيقية إلا بعد أن يغلقا عليهما باب الزوجية.

ومنذ اليوم الأول تبين لى أن زوجتى من ذلك النوع من البشر الذى لايرضى بأى شىء أبدا، حيث بذلت قصارى جهدى لإرضائها وتلبية طلباتها لكنها لم تتخل عن سخطها وغضبها ورفضها كل ما أحاول التقرب إليها به، زد على ذلك أنها لاترى فى كل ما حولها سوى العيوب، حتى الفجر الجميل وزهور الربيع تسخر منها، وليس ما أقوله مبالغة منى فى تشويه صورتها، إذ إنها علقت على ورد قدمته لها أكثر من مرة تعليقا ساخرا، وكأن الرومانسية والتعبير عن الحب أمر غريب وتافه يستحق السخرية!!

وما زاد من ألمى هو أن زوجتى لا يعجبها شىء، وقد أحالت حياتنا إلى قلق دائم، فما إن تستقر فى شقة حتى تطلب تغييرها، والانتقال إلى أخرى فى مكان آخر واضطر إلى الاستجابة لها، وإلا كان الصراخ والعويل الذى لايتوقف إلى أن يتحقق لها ما تريد، وهكذا انتقلنا إلى شقق عديدة خلال سنوات قليلة، مع كل ما ترتب على ذلك من تغيير كامل فى نمط الحياة وأسلوب المعيشة!

وإزاء طلباتها المتزايدة اضطررت إلى الالتحاق بعمل إضافى أذهب إليه بعد عملى الأساسى، ولا أعود إلى البيت إلا فى ساعة متأخرة من الليل، فاستريح عدة ساعات، ثم أعاود العمل فى الصباح الباكر.. ولم تلق بالا لمتاعبى، فهى لا يعنيها إلا نفسها والشقة الفاخرة التى طالما حلمت بها كما تقول، وكان لها ما أرادت، فلقد وضعت مدخراتى فى الشقة الموعودة، ومازلت أدفع ماتبقى من أقساطها حتى الآن، لكن هيهات لها أن ترضى بشىء، فهى فى حالة تذمر وخصام دائم ليس معى فقط، وإنما أيضا مع أهلها، لدرجة أن والدتها ماتت رحمها الله، وهما متخاصمتان، فخصام زوجتى من النوع الحديدى الذى لا يلين، والشيطانى الذى لا يعرف الرحمة! وهى كذلك تكره والدها، ولم ألحظ يوما أنها تتحدث مع أحد من إخوتها، فالكل تراهم أعداء لها، وتتهم جميع أفراد أسرتها بالمساهمة فى نكبتها وضياع عمرها. وكثيرا ما أجلس إلى نفسى ليلا بعد أن يطير النوم من عينى، وأتساءل: لماذا تفعل ذلك مع اننا نحيا حياة مستقرة لاتتوافر للكثيرات، وننعم بما تحسدها عليه قريباتها وجاراتها؟ وبالطبع لا أجد إجابة على هذا السؤال المتكرر مع النكد المستمر بلا سبب. ولما احترت فى أمرها ذهبت إلى دار الافتاء، وقصصت على أحد علمائها الأفاضل حكايتى معها، واستطلعت رأيه فيما تفعله، فتعجب من أمرها، واصفا إياها بالنموذج العجيب من البشر، وعدت من عنده وقد أعيتنى الحيل فى إرضائها وإصلاح حالها، وظللت أعانى هذه المعيشة المضطربة، وأصبت بعدة أزمات صحية وتطلبت حالتى إجراء أكثر من جراحة، ولم تأبه لمتاعبى وتركتنى أصارع المرض وأتردد على الأطباء والمستشفيات بمفردى، ولم تساندنى كما تفعل كل الزوجات بلا استثناء، وما أثار دموعى وهز كيانى هو أن الغرباء هم الذين سارعوا إلى مؤازرتى، أما هى فلم تعبأ بى، واستمرت على ما هى عليه من تجاهل، وكأنى غير موجود على قيد الحياة!

وتحملت كل هذا الأذى النفسى من أجل ابنى وابنتى اللذين رزقنا الله بهما، فلا ذنب لهما فيما تفعله والدتهما معى، ولا حل لهذه النفس الكارهة، وهذا القلب الذى يضرب به المثل فى القسوة والسواد!

ومرت الأيام على هذا النحو الكئيب الى أن جاء يوم الثامن عشر من يونيو من العام الماضى، وكنت وقتها قد توقفت عن العمل الاضافى طلبا للراحة بعد تدهور صحتى الجسمانية والنفسية، وعند عودتى من عملى الأساسى، وجدت ابنى طالب الجامعة الذى يدرس بكلية القمة وأنفق عليه ما يزيد على ثلاثة آلاف جنيه كل شهر، نائما، وكانت الساعة وقتها تشير الى السابعة مساء، وهو الموعد المحدد لأحد الفنيين لإصلاح بعض الأعطال فى الشقة، فحاولت ايقاظه مرات عديدة، لكى يقف مع الفنى فى أثناء عمله، لكنه لم يبال بندائى فارتفع صوتى عليه لما رأيته من استهتار ولا مبالاة شديدة، فإذا به يسبنى بألفاظ نابية بشعة، ثم تهجم علىّ وأصابنى بجرح فى وجهى، وهددنى بالقتل، والله العظيم، هذا ما حدث من ابنى الذى واصل سيل بذاءاته ضدى لعدة ساعات، فأصبت بصدمة عصبية لم أفق منها حتى هذه اللحظة، ولم يفارق هذا الموقف خيالى منذ وقوعه، ولا أدرى كيف فعل ابنى ما فعله بى، وأنا الذى تحملت من أجله هو وأخته قسوة أمهما وجبروتها وعشت معظم حياتى بلا رفيق فى الحلوة والمرة، ولا قلب حنون يحتوينى وقت الشدة، وكتمت احزانى وغضبى، وحاولت أن أتعامل مع هذه الواقعة المريرة بعقلانية، إذ خشيت وقتها مع احتدام الموقف أن أستل سلاحا واطعنه به، ثأرا لكرامتى، ولم أجد بدا من أن أترك هذا المنزل الذى لم أذق به يوما سعيدا، وعشت فيه عذابا أليما، وأنا الآن أحيا بمفردى فى شقة أخرى بالايجار، أما عن موقف زوجتى، فلقد رفضت سلوك هذا الابن، لكنها فى الوقت نفسه اعترفت لى اعترافا قاتلا بأنها تكرهنى منذ أن تزوجتنى، وياله من اعتراف نزل علىّ كالسكين الحادة.. صحيح أننى كنت أشعر دائما بهذه الكراهية، لكننى لم أتخيل أبدا أن تصل الى هذا الحد.. وإنى أسألك: من يرضى بزوجة مثل هذه السيدة المتحجرة التى تكره الجميع حتى أمها وأباها وزوجها؟.. وماهو التصرف مع ابنى وهو من نوعية الابناء العاقين والمستهترين بكل شئ حتى بأبيهم، وهل مكتوب علىّ أن أعيش فى عذاب وهوان وحرمان إلى أن أموت؟!

* ولكاتب هذه الرسالة أقول:

فى الحقيقة إنك وزوجتك تتحملان معا أسباب ما وصلت اليه حياتكما من انهيار، وتفكك حتى فعل ابنك معك هذا السلوك الشائن الذى سيحاسبه الله عليه يوم القيامة، وربما يلقى جزاءه العادل فى الدنيا قبل الآخرة على ما اقترفته يداه، وتطاوله عليك إلى حد أن يصيبك بجرح فى وجهك، فهى تتحمل الجانب الأكبر من الأسباب بكتمانها كراهيتها لك، وعدم الشعور بالراحة معك لمدة تزيد على عشرين عاما، وتتحمل أنت الجانب الآخر بإحساسك بهذه الكراهية دون أن تفكر فى أن تفاتحها فى سلوكها وموقفها منك، فلقد آثر كل منكما الانجرار فى حياة خالية من المشاعر، والتغطية على الاحساس بالمرارة، حتى انكشف الغطاء بعد سنوات طويلة من الألم الداخلى والمعاناة النفسية فوق الطاقة، وكان من الضرورى وجود تواصل مفتوح بينكما فتتصارحان بحقيقة المشاعر، لكى لا يتراكم الغضب والانزعاج داخل كل واحد تجاه الآخر، ويحدث طلاق نفسى وتتحول حياتكما إلى قنبلة انفعالية قابلة للانفجار فى أى لحظة، وهو ما حدث بالفعل عندما انفجرت الاحاسيس المكتومة، فصارحتك بما تكنه لك من كره، وعبّر ابنك عن المشاعر نفسها بهذا الموقف الذى لا يصدر من ابن تربى تربية سليمة، فلقد نشأ وترعرع فى هذا الجو المشحون بالتوتر، وتأثر بما تمليه عليه أمه، ولم يكن ما فعله وليد اللحظة، وإنما جاء نتيجة تراكمات داخلية، حان وقت انفجارها عندما علا صوتك عليه، وهو درس لكل الآباء بألا يتركوا أبناءهم دون توجيه وإرشاد كما فعلت أنت.

ودعنا نتحدث بصراحة، أنه لا كراهية بلا سبب كامن أو ظاهر، أما الأسباب الظاهرة لكراهية المرأة زوجها، فإن أهمها ينحصر فى عدم المعاشرة بالمعروف، وتهديدها الدائم بالعقاب أو الطلاق، والتقصير فى الإنفاق على البيت بصورة تؤدى الى حرمانها من الضروريات برغم سعة رزق الزوج، وقدرته على الإنفاق دون إفراط أو تفريط، فالبخل والتقتير من أبرز أسباب الكراهية لدى كثيرات من الزوجات، وهو ما اتهمتك به زوجتك، لكنك تنفيه عن نفسك تماما.. وأما الأسباب غير الظاهرة فأبرزها غياب أو تغييب مشاعر الحب، لأن عدم الشعور بين الزوجين بالحب المتبادل يجعل العلاقة بينهما مجرد «مساكنة» أو «زواج مصلحة» بارد، لا حياة فيه، ولا استقرار, مع افتقاد الشعور بالأمن والطمأنينة بسبب توقعها غدر الزوج بها، لأنه يهددها تصريحا أو تلميحا بالزواج بأخرى، لمجرد وقوع خلاف بسيط فى وجهات نظرهما، كما أن انعدام التوافق النفسى، وانقطاع التواصل الروحانى بينهما يعتبر من أدق وأخفى أسباب الكراهية، وربما يحب أحدهما الآخر من طرف واحد، بينما الآخر يبغضه، ولكنهما يحرصان على الاستمرار معا لاعتبارات أخرى كالمحافظة على الأسرة، ولاشك أن انعدام المصارحة، وتأخر المصالحة عند وقوع الشقاق أو ظهور أسبابه يهدد كيان الأسرة، فكتمان الآلام النفسية يغرس بذور البغض، ويبعث نبضات الكراهية، ولابد من الإسراع إلى جبر ما صدعته المواقف المختلفة فور وقوعها لكى لا تصل الأمور إلى حد الطلاق.

وتؤكد تجارب الحياة أن أفضل شعار يمكن أن يتخذه الأزواج لتفادى الخلافات هو أنه «لا يوجد حريق يتعذر إطفاؤه فى بداية الاشتعال بكوب ماء»، فأكثر الخلافات الزوجية التى تنتهى بالطلاق ترجع إلى أشياء تافهة تتطور تدريجيا إلى أن يتعذر إصلاحها، وهو ما أراه جليا فى تجربتك ـ يا سيدى ـ فبرغم أنك لم تسرد تفاصيل قصتك مع زوجتك، والتى قد نستشف منها ما أدى إلى فتور العلاقة بينكما إلى حد الكراهية، إلا أننى أرى أنه كان من الممكن رأب الصدع الذى أصابها فى مهده، فالمرأة فى غضبها أكثر حساسية من الرجل، وأكثر مرونة منه فى تأقلمها وتكيفها مع الحياة، وهى فى حالة الغضب لا ترى أيا من المحاسن، لأنه يسيطر على مشاعرها وأحاسيسها، ولذلك يجب عدم الاعتماد على ما تقوله فى لحظة الغضب، فربما تتراجع عنه، وهى دائما إذا غضبت من زوجها تقول له «لم أر منك خيرا أبدا»!.

ولقد فات على زوجتك أنك مثل كل الرجال، شقيت وتعبت من أجل أن تهيئ لها الحياة التى تتمناها، وأنك كنت دائما تنتظر منها أن تمنحك الدفء والحنان، والحب والعناية والرعاية، وأن تكون لها سندا فى الحياة وسط المصاعب والضغوط، فهمّ الرجل وشغله الشاغل هو أن يؤمن لزوجته وأولاده حياة كريمة من طعام وسكن وكساء، وعندما يعدم الوسائل المؤهلة إلى هذه الرغبات، ولا يعرف كيف يحققها، فإنه يظل حزينا مهموما، وهو بطبعه لا يعبر دائما عما يجول بخاطره من هموم وآلام ورغبات وأحلام، وحب، وتعب، بل يحاول أن يكتمها لسببين أساسيين: الأول أنه لا يريد أن يراه أهله عاجزا أمام تحقيق متطلباتهم، والثانى: ألا يتأذوا أو ينزعجوا مما جرى له، بل يريدهم سعداء فرحين، وأسوأ اللحظات فى حياة كل رجل، أن يكون غير مقبول عند زوجته وأسرته، وصورته مهزوزة أو ضعيفة أو سيئة، وهذا هو ما حدث لك من زوجتك التى فاجأتك باعترافها القاتل بأنها تكرهك منذ زواجك منها، ثم تصرف ابنك الأحمق، والذى يجب محاسبته عليه، وما حدث من الاثنين لم يكن وليد اللحظة، وإنما جاء نتيجة تراكمات طويلة، ساهمت فيها زوجتك بتنشئة ابنك تنشئة خاطئة، وأنت غائب معظم الوقت فى العمل.

وقد حان وقت حسمك الأمور ووضعها فى نصابها الصحيح، إذ لا يمكن أن تستقيم حياتك على المنوال الذى أنت عليه الآن، وعليك أن تنظر إلى المسألة من منظور آخر، فزوجتك إما أن تكون مريضة، وتعانى نزاعات داخلية تقتضى علاجها نفسيا، بدليل أنها فى حالة خصام دائم مع من حولها، وهنا ينبغى عرضها على طبيب متخصص فى الأمراض النفسية، قبل أن تتفاقم حالتها، ويصبح من المستحيل علاجها، وإما أن تركيبتها قائمة على الكراهية بدليل خصامها مع الجميع حتى والدتها التى ماتت، وهما متخاصمتان، بالاضافة إلى اعترافها بكراهيتها لك، وهنا لا بديل عن الانفصال، وتستطيع أن تواصل مشوارك فى الحياة مع من تقدرك، وترى فيك رجلا قويا ومخلصا، لكنك لم تصادف من تقدرك حق قدرك... أما ابنك فعليه أن يعى أن سلوكه معك لا يقره الدين، ويأباه العقل، وسوف يندم مهما يطل الوقت على فعلته النكراء، فإذا كان يريد النجاة ورضا الله فليبادر بالاعتذار عن جريمته، ويؤكد لك خطأه فى حقك، بل إن عليه دورا أساسيا فى ترميم ما تصدع من بنيان الاسرة، بالسعى إلى مد جسر التواصل بينهم وبينك.. فهون الأمر عليك يا سيدى، وأعد حساباتك وفق معطيات الأوضاع التى تعيشها الآن، واقرأها قراءة جيدة ثم احسم أمرك بلا تردد، وعليك فى خطواتك المقبلة، وأنت تنشد الراحة والطمأنينة والسعادة، أن تحسن دائما إلى أهلك، وأن تتجنب الإساءة إليهم لتكون دائما فى أمن وأمان، وفى ذلك يقول الحق تبارك وتعالى «الذين آمنوا، ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، أولئك لهم الأمن، وهم مهتدون» فما أحلى الإيمان وسلامة النفس والقلب، وفقك الله، وسدد خطاك.. إنه نعم المولى ونعم النصير.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
بريد الأهرام ( بريد الجمعة )
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 70 من اصل 88انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1 ... 36 ... 69, 70, 71 ... 79 ... 88  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» بريد الجمعة يكتبة : احمد البرى الطفل الكبير !
» سطو مسلح على مكتب بريد في المعادي
» سطو مسلح على مكتب بريد «قها» في القليوبية
» اجعل لك بريد مجاني على الـ hotmail - شرح بالصور
» كيفية حظر بريد الكتروني بسكربت whmcs

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الشاعر عبد القوى الأعلامى :: المنتديات العامة :: المنتدى العام-
انتقل الى: