الشاعر عبد القوى الأعلامى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالأحداثموسوعة الأعلامى الحرةأحدث الصورالتسجيلدخول

شاطر
 

 بريد الأهرام ( بريد الجمعة )

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1 ... 37 ... 70, 71, 72 ... 79 ... 88  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
حلاق العصافير
عضو جديد
عضو جديد
حلاق العصافير

ذكر
عدد الرسائل : 46
بلد الإقامة : مصر
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 Trader10
نقاط : 5978
ترشيحات : 1

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 I_icon_minitime31/10/2014, 23:51

بريد الجمعه يكتبه:احمد البرى
اللدغة الأخيرة !


بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 2014-635502971699807040-980

أكتب اليك هذه الرسالة راجية ان تنال اهتمامك، وأجد لديك ردا يهدينى فى حيرتي، وينقذ شقيقى الوحيد من الهلاك، فأنا سيدة فى الخمسين من عمري، ولى شقيقة متزوجة وتعيش فى الخارج، ويكبرنى شقيقنا بعدة سنوات، وقد توفى والدنا ثم لحقت به والدتنا، وصار أخى هو سندنا الوحيد فى الحياة، وأعتبره مثل ابنى تماما، ويعمل طبيبا وأستاذا جامعيا، ومشهود له بالكفاءة والعبقرية منذ صغره، كما أنه وسيم، ويتمتع بحضور قوي، لكنه الآن يتعرض لمحنة رهيبة جعلتنى أكتب اليك وأنا أبكى دما وليس دموعا من حسرتى على ما آلت اليه أحواله، وشبابه الضائع.

فلقد تزوج منذ سنوات طويلة بزميله له، فرضها عليه أساتذته، وأقنعوه بأن أقاربها سوف يساعدونه فى الترقية والنجاح، ومنذ اليوم الأول بدأت المشكلات بينهما، وكانت تستقوى عليه بأسرتها، وكأنه تزوج العائلة بأكملها، وتحمل الحياة معها من أجل أبنائه، إلى أن حدث شبه انفصال بينهما تحت سقف واحد، بعد اصابته بأمراض مزمنة، فكان يهرب الى عيادته، ويقضى فيها ساعات طويلة، ليتفادى العودة الى الجحيم الذى يعيش فيه، ويحاصره فى منزله، ولأن كل فريسة تحوم حولها الذئاب، فلقد وجدته بعض المترددات على العيادة هدفا سهلا لهن، خصوصا وأنه وسيم، وجاذبيته شديدة، حيث أدركن بخبراتهن أنه محروم من العطف والحنان، ومن هنا صار أسيرا للكثيرات، وكان يستجيب للبعض، ويصد البعض الآخر، ومن تربطه علاقة بهن كان يقطعها بعد فترة قصيرة، وكانت الأخبار تصلنى عبر شخص يعمل لديه منذ زمن طويل، فيقول لى أن هناك افعى تحوم حول شقيقي، وأنه نجح فى ابعاد اخري، إلى أن وقعت «الكارثة» وطرد أخى هذا الشخص لأسباب لا أعلمها، ثم فوجئت به يستعين بامرأة شديد القبح، فصارت تقضى معه فى مكتبه ساعات طويلة، لدرجة تبعث على الشك والريبة بينما استعان برجل مسن لاستقبال المرضي، ومن هنا ملأت الشكوك صدري، وأول ما تعجبت له هو: كيف سمحت زوجته المتجبرة بذلك، برغم أنها كانت تسرع الى عيادته بمجرد علمها بانه استقدم ممرضة للعمل معه، فتسبها وتطردها؟.. ولم اشأ أن أترك لشقيقى الحبل على الغارب فاستفسرت منه عن سبب استعانته بهذه المرأة، فردد علىّ سلسلة من الأكاذيب، التى صدقتها فى البداية، بأنه يفكر فى افتتاح عيادة ثانية وأنها فتاة تعمل ممرضة وتساعده كثيرا فى العمل بالعيادة، ثم تكشفت لى الحقائق سريعا، وهى انها ليست ممرضة، ومطلقة ولديها طفل، وسيئة السمعة، وعرفت بعد ذلك أن أباها وأمها وأختها يزورونها فى العيادة، ويحاولون التقرب الى شقيقى بصورة تثير الشك، وصارحته بما يجول فى خاطري، ونبهته الى أن هذه النوعية من النساء خطيرة،، فهذه السيدة يمكنها أن تسرقه، أو تضع له المخدرات، أو تجرى بعض الأعمال السحرية لاخضاعه لها، وقد تبتزه، أو تسعى لإيقاعه للزواج منها، لكنه فى كل مرة أحدثه فى أمرها يقنعنى بسلامة موقفه، وكنت أتظاهر امامه بالاقتناع بما يقوله لي. لكن شكوكى لم تتغير فى داخلي، ومع ملاحقتى له بالأسئلة حولها أخبرنى ذات مرة بأنها تمت خطبتها وسوف ترحل عن العيادة، الا أنها بقيت فيها، ثم قال لى إنها تزوجت بالفعل وان زوجها يعمل فى احدى المحافظات ويعود اليها فى اجازة كل شهر بضعة أيام.. وأمام اجاباته المتعددة على اسئلتي، أخذت اتساءل فى نفسي، ترى هل هى متزوجة من هذا الشخص الذى يتحدث عنه، أم أنها متزوجة من أخى سرا؟! وعلمت أن زوجته تعلم بأمرها ولا تبالي، وأن هذه السيدة على علاقة غير مشروعة مع أخي، وتسيطر عليه سيطرة كاملة لدرجة أنها سلبته إرادته وعقله فصار كالمسحور، واصبحت الآية معكوسة تماما، فهو امام مرضاه الخادم المطيع لأوامرها، وهى السيد المطاع بلا نقاش!

وتوالت الاتصالات بى من اشخاص اعرفهم، ويترددون على أخى الحبيب منذ سنوات وقالوا لى: أنه وقع تحت سيطرة كاملة لهذه السيدة ويؤكد ذلك أن عينيه صارتا حمراويين اغلب الوقت، وزائغتين يمينا ويسارا، وعندما أحدثه يسرح ولا يرد بسهولة، وأكلمه فلا يفهم الا ببطء شديد، وهو الذى كنا نتباهى بعبقريته وسرعة بديهيته، وفى النهاية ينكر كل ما أقوله، ويختلق مبررات واهية للإبقاء عليها، فاذا نصحته بأنها لا تمثل له شيئا وأنه يجب أن يبتعد عن الشر ويطردها يثور ضدى ويصيح بصورة هيسترية أنها أحسن امرأة فى الدنيا ، وأنه لا أحد غيرها يمكن أن يؤدى ما تقوم به، فأتعجب وأصمت، وأعود الى بيتى باكية!

وقد رأيتها تحاول لفت الانتباه اليها، فتدخل مكتبه وتخرج كل بضع دقائق حاملة اليه السم فى فناجين القهوة عدة مرات بلا توقف، وتتعمد ان تعطى انطباعا للآخرين بانها سيدة المكان، وتداوى بذلك عقدتها النفسية من شكلها الدميم!

وهاتفنى بعض سكان العمارة التى تقع بها العيادة لينبهونى بانه يذهب الى العيادة مبكرا فى أيام كثيرة لكى يقابلها قبل مواعيد العمل، وأنها تتعمد اغلاقها بالأبواب الحديدية والاقفال لكى تنفرد به، ولا يعلم أحد سوى الله ما تفعله به، حتى أصبح يرتعد منها، وينظر اليها قبل ان يرد على أحد، فهى له كالظل والقرين وهو لها كالعبد للسيد، والخادم لصاحب البيت..

فأين زوجته مما يحدث له؟.. إن الصدمة التى اوجعتنى انها تعرف هذه السيدة، وصارتا صديقتين بصورة غير طبيعية، برغم أنه معروف عنها الغرور والتكبر، ووصلت العلاقة الى حد الزيارات المنزلية المتبادلة بينهما، وتصدق كل ما تقوله لها مثل أخى الذى يطيع أوامرها، ويعطيها أمواله التى يتعب فى الحصول عليها من عيادته أولا باول، والمدهش ان زوجته تراها أيضا اشرف الشرفاء، وأخلص المخلصين، وبدلا من أن تراقبها، أو تضع كاميرات فى العيادة، أو حتى ترسل من يتأكد مما يحدث لزوجها، فإنها تصاب بهيستريا عندما ينبهها أحد الى خطورة ما تفعله بزوجها وأنها تزوجته، أو سرقت أمواله وأملاكه، أو قد تقتله بالمخدرات أو بكثرة ممارساتها معه.. وإزاء موقف شقيقى وزوجته من هذه الأفعي، أغلق باب غرفتى على نفسى وأبكي، ثم أقوم فأصلى وأطلب الهداية من رب العالمين.

ولقد فكرت فى إبلاغ الشرطة بأمر هذه السيدة اللعينة، لكن زميلة لى قالت: لا تفعلى ذلك لأنه يسيء إلى سمعة أخيك، وسوف يقال لك فى النهاية، مادام الاثنان متفقين فلا توجد جريمة، ثم فكرت فى أن أبحث عن زوجها وأتقصى أخباره إن كانت حقا متزوجة، لكن خشيت أن يقتل أخى فأكون قد قضيت عليه بيدي.

.. وما توصلت إليه مع زميلتى هو أن أرسل له شيخا «مبروكا»، فربما تكون هذه اللعوب قد سلبته إرادته عبر السحر أو أى وسيلة شيطانية رغما عنه، وبالفعل دبرت زميلتى كل شيء، وذهبت مع الشيخ إلى شقيقى على أنه قريبها ومريض، وعادت إلىّ بالخبر الصاعق بأن هذه المرأة سيئة، وأنها تراقب كل من يدخل اليه خوفا من أن يقول له كلمة ضدها، وأن الشيخ أخبرها بأنه واقع تحت تأثير سحر أسود، ومعمول له عمل هو وزوجته ليرتمى فى أحضانها هى وزميلة لها أحضرتها أخيرا للعمل معها، وأنها تمارس معه أبشع وأحقر أنواع التعذيب الجنسى والجسدى والعقلى لكى يظل خاضعا لها ولرغبتها الدنيئة وقد نجحت فيما أرادته لدرجة أنه هددنى بمقاطعتى لى ـ أنا شقيقته ـ إذا لم أتوقف عن الحديث فى هذا الأمر!

إننى لم يخطر ببالى يوما أن أرى أخى مستعبدا ذليلا على أيدى عصابة من المجرمين بهذه الصورة، ويسرح بى خيالى متسائلة: هل زوجته ضحية مثله؟.. أم أنها هى التى دفعت بهذه المجرمة للتخلص منه لكى ترث أمواله؟

.. لقد أصابنى المرض جراء ما يحدث له، وكلما تكلمت معه يكون طبيعيا ثم ينقلب إلى النقيض عندما أتطرق إلى العيادة، أو ألمح له بأننى يمكننى أن أحضر إليه أشخاصا ممتازين للعمل معه، أو أنه يمكنه أن يسافر إلى شقيقتنا فى الخارج للاستجمام، ويغلق عيادته لأنه ليس بحاجة إلى المال، بينما هو يحتاج إلى استعادة صحته. لكن هيهات أن يسمعنى أو يستجيب لى وأجدنى كمن يتحدث إلى شخص يعيش فى عالم آخر، جسده هو جسد شقيقي، لكن شخصيته وعقله وارادته تقودها هذه المرأة، فهل أنساق الى نصيحة زميلتي، وأحاول فك السحر عنه؟ وهل لو نجح هذا «الشيخ المبروك» فى فكها لن تعود المرأة المجرمة إلى المزيد من أعمال السحر والطلاسم والأحجبة ضده، وبصورة أبشع؟.. هل أخطف أخى بالقوة، وأصطحبه إلى المطار وأسافر به إلى شقيقتى لعلاجه؟.. هل أنفذ ما خطر لى من ابلاغ الشرطة وأقول لهم.. أنتم فى خدمة الشعب.. انقذوا أخي؟.. وهل لو فعلت كل ذلك ستتركه هذه الأفعى أم أنها قد تؤذيه ثم تنتقم منى فتسلط علىّ جنىّ وتخرب بيتي، وتستهدف أبنائى وزوجى بالأذي.

لقد حاولت مرارا استطلاع رأى زوجى فيما يحدث لأخى لكنه يرى أن أخى ليس مسلوب الإرادة، وأنه يفعل ما تمليه عليه بإرادته، ولكن كيف يعشق أخى امرأة دميمة وهو الذى يحب الجمال!

أما عن عائلة زوجة شقيقي، فهم جبابرة يسيطرون عليه، ويهددونه، ويتدخلون فى أدق شئونه إلا فيما يخص هذه المرأة، فلم أسمع لأحد منهم صوتا، وعندما حاولت فتح هذا الموضوع معهم، اتهمونى بأننى أحاول تخريب بيت شقيقي، وأن زوجته تنكر ما أقوله، ولم يحاولوا ولو مجرد التأكد من صحة ما أعرفه بل عاملونى بوقاحة، مما جعل زوجى يأمرنى بالابتعاد عنهم.

إننى لا أنام الليل، وكلما دق جرس هاتفى المحمول، أخشى أن يكون على الهاتف من يخبرنى بوفاة أخى لا قدر الله، فهل من نصيحة قبل فوات الأوان، فلقد أوصتنى والدتى قبل وفاتها على شقيقنا لأنها تعرف أنه يحمل قلب طفل صغير، ولم يؤذ أحدا فى حياته، ويشهد الله أن أجره أقل من نصف ما يتقاضاه زملاؤه، وأن الله كتب الشفاء على يديه لآلاف المرضي، ولم يقبل أن يتزوج بأخرى منذ سنوات تفاديا للمشكلات مع زوجته وحفاظا على بيته وأولاده، فهل أتركه فى وكر الأفعى حتى اللدغة الأخيرة القاتلة؟



ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

تعددت أخطاؤك فى حق شقيقك ومبعثها جميعا هو رغبتك فى السيطرة عليه من منطلق أنه سندك الوحيد، وأنك تعتبرينه بمثابة ابنك برغم أنه يكبرك بعدة سنوات، وأنك تفعلين ذلك تنفيذا لوصية أمك التى كانت ترى فيه طفلا كبيرا، وكان هذا السبب من وجهة نظرك مبررا كافيا لأن تفسدى عليه حياته، وتشوهى صورته أمام الآخرين، وأنت تتصورين أن ما تفعلينه فى مصلحته، وهذا المنهج الذى اتبعتيه معه واضح منذ البداية، وليس وليد «المرأة الدميمة» التى يستعين بها فى عيادته، فلقد تصورت ان كل اساتذة الجامعة ضغطوا عليه لكى يرتبط بزميلته، وأنهم اقنعوه بأن أهلها سوف يساعدونه فى الترقية والنجاح مقابل هذا الزواج، وهو أمر غير معقول من نواح عديدة أهمها أنه لا يمكن أن يكون هناك ضغط مباشر للزواج ولو من استاذ واحد، فالزواج أولا وأخيرا مسألة قبول، وبالأحرى فإن شقيقك هو الذى سعى للزواج منها، وما قلتيه بشأن اساتذته فيه مبالغة شديدة، إن لم يكن ليس له وجود اصلا، إذ ليس هناك من يسوق كل زملائه للضغط على شاب للزواج من ابنته على الأقل من باب الخجل والحياء مهما تكن أوصاف شقيقك وسماته التى لا تتوافر فى أحد غيره ـ على حد زعمك ـ فهو رجل عادى مثل كل الرجال ولا يملك شيئا خارقا للعادة يجعلك تصورين الأمر على هذه الصورة غير الواقعية.

ونتيجة لهذا التصور الخاطئ لم تتركيه بعد زواجه، وشأنه، وإنما شغلت نفسك به إلى الحد الذى صور لك خيالك أن هناك شبه انفصال بينه وبين زوجته، بعد إصابته ببعض الأمراض المزمنة التى تؤثر على قدرته الجسدية، فمن الذى أطلعك على هذا السر الذى لم يفض به إليك، وبالطبع لم تتحدث زوجته معك عنه؟، حيث لا توجد لك أى علاقة بها من الأساس، بل تتربصين بها دائما، وإذا كان ما قلتيه صحيحا فكيف لرجل تأثرت صحته بالمرض أن يقيم علاقات مع كثيرات من المترددات على عيادته أو يقع أسيرا لهن، فى الوقت الذى لا يستطيع فيه اقامة العلاقة الشرعية مع زوجته؟!

وقد بلغت بك الهواجس مداها إلى حد أنك كنت تدفعين زوجته الى مراقبته برغم التوتر الدائم بينكما، فتذهب إلى عيادته وتطرد كل ممرضة يأتى بها لكى تساعده فى أداء عمله خوفا من اطماعهن فيه، واستجاب الرجل لكل هذه الإملاءات التى ليس سند ولا مبرر، ولجأ إلى سيدة دميمة ـ على حد وصفك ـ ومع ذلك واصلت مطاردتك له، وأبلغت الجميع بما يدور من وساوس تجاهها، وهنا أدرك المحيطون بك بمن فيهم زوجك وعائلة زوجة أخيك أن ما تقولينه ليس سوى هواجس لا وجود لها إلا فى خيالك، فلم يستجيبوا لما تحاولين املاءه عليهم، ولذلك صببت عليهم اللعنات ورحت تطاردينه فى كل مكان، وفرضت عليه رقابة مشددة، واستعنت بعامل فى العيادة لكى يأتيك بأخباره، فسعى لكسب رضاك، ولو بتأليف مشاهد من خياله خوفا منك، بعد أن أدرك ما يسيطر على تفكيرك من هذه الناحية، ولما بلغ شقيقك ما يفعله استغنى عنه، وهو تصرف طبيعى مع مثل هذا الشخص، فلجأت إلى الجيران لتتبع خطواته، ونسيت أنك تسيئين إليه وإلى أسرتك بهذا الصنيع اساءة بالغة!.

والحقيقة أن أخاك صبر عليك كثيرا، وحاول ارضاءك بشتى السبل دون جدوى، كما أن هذه السيدة التى تدعين أنها تسيطر عليه لا تعرفين عنها شيئا بدليل أنك مرة تقولين أنها متزوجة، ومرة أخرى أنها كانت متزوجة، ومرة ثالثة أن شقيقك تزوجها بعد أن صار أسيرا لها بالسحر، ومرة رابعة أنها على علاقة غير شرعية به، وتغلق العيادة بالأبواب الحديدية والاقفال لتنفرد به قبل مواعيد العمل، ومرة خامسة أنها تجبره على تعاطى المخدرات وتدس له الأعمال السحرية فى القهوة التى تصفينها بالسم حتى يستجيب لاملاءاتها عليه!... ثم من هن المترددات على العيادة اللاتى ينقلن إليك أخباره، وكيف عرفن أنك أخته وحصلن على رقم هاتفك، ولماذا أخبرنك أنت بأمره، وليس زوجته إذا كان التجسس عليه من باب التطوع؟!.

أما التغيرات البادية على وجهه وفقا لكلامك، فمن المؤكد أنها نتيجة مرضه، كما أن متاعبه الصحية لا تعلمين عنها شيئا، ولا علاقة لها بما يدور فى نفسك من وساوس وشكوك لم تفلحى فى إقناع زوجته بها هذه المرة، وهى التى كانت تسارع إلى العيادة كلما جاءت ممرضة جديدة، فعبت عليها أنها لم تضع كاميرات داخل العيادة لمراقبته، وكأنه شخص مغيب عن الحياة، وعما يدور حوله، بل اتهمتيها بأنها ربما تكون هى التى دفعت إليه هذه المرأة لكى تتخلص منه وترث أمواله، فالكل فى نظرك يريد أمواله، زوجته وسكرتيرته، وكل من حوله!... أى تفكير هذا يا سيدتى؟ وأى سحر تتحدثين عنه، ولماذا لم يفك الشيخ الذى سقتيه إليه مع زميلتك الأعمال السحرية التى ادعى لك أنه واقع تحت تأثيرها؟!.

وحتى لو افترضنا أن شقيقك وقع فى الأخطاء التى تحدثت عنها، فإنه ارتكبها بارادته تماما، كما قال لك زوجك، وينبغى عليك أن تستريه لا أن تقومى بتتبع أخباره عن طريق من يعملون معه فى العيادة والجيران فى العمارة، وصديقاتك اللاتى تروين لهن كل ما يدور فى خيالك من أوهام تجاهه... ولاشك أن أفضل ما تقدميه الآن له، هو أن تكفى فورا عن ملاحقته، وأن تتوجهى إلى الله بالدعاء أن يحفظه من نزغات الشياطين، وأن يصرف عنه كيد هذه المرأة وغيرها، ويرده إلى رشده، ويقيه شر نفسه الامارة بالسوء، ويبصره بعيوبه، ويهديه الصراط المستقيم، ولا مانع من تذكيره سواء وجها لوجه، أو عن طريق رسالة مكتوبة بالله سبحانه وتعالى، وبعاقبة ارتكاب الكبائر، وما يترتب عليها من فساد البيت وضياع الأسرة، علاوة على العذاب النفسى والجسدى الذى يلم حتما بالعاصى المذنب، وأنه لا يرضى لك ما تتصورين أنه يفعله، ولا لزوجته، ولا لشقيقتكما المقيمة بالخارج، والأفضل له والأبقى عند الله أن يكف عن المضى فى طريق الضلال.

وفيما يتصل بعملية السحر التى تتوهمينها، فاننى أشك كثيرا أن شقيقك قد تعرض له، لكن لو حدث ذلك، فلابد أن تعرفى أن كل ضرر يقع له من قدر الله وبإذنه لقوله تعالى «وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله»، فلو اجتمع الإنس والجن على أن يضروا أى فرد بشىء لن يضروه إلا بشىء قد كتبه الله عليه، والعلاج الدائم والفعال هو ذكر الله، واللجوء إليه والتوكل عليه.

وأضيف إلى ذلك أن الميل الزائد عن الحد إلى إحدى النساء لا يعنى بالضرورة أن الشخص مسحور، فكثيرون من الرجال لا يغضون أبصارهم عن النساء، ويؤدى ذلك إلى التعلق ببعضهن من كثرة ترديد النظر اليهن، وزيادة التفكير فيهن، وتخيل صورهن فى أذهانهم، وأعظم دواء هو غض البصر، وعدم النظر إلى ما حرم الله أو التعلق به.

ولعل العلاج الناجع للحالة التى وصلت إليها بدعوى الخوف على شقيقك هو أن تحمدى الله على ما أنت فيه من نعم، وأن تبتعدى عن فكرة الانتقام لما يدور فى خيالك، فهى لن تعود عليك بفائدة، ونتيجتها الحتمية هى الحسرة والندم، فدعى هذه المرأة وشأنها، ويكفيك ما أسديتيه من نصائح له، لأن الشىء الذى يزيد عن حده ينقلب إلى ضده، وخير الأمور الوسط، فأتركى له حياته يتصرف فيها كيفما شاء، فهو رجل عاقل ونابه، ولا يحتاج إلى وصايتك، ولا وصاية غيرك، وربما يحتاج فقط هو وزوجته إلى مراجعة علاقتهما، والعمل على كسب السعادة الزوجية وأقول له : لا تدع أى خلاف بينكما يستمر إلى اليوم التالى، وعالج مشكلاتكما على الفور بالكلمة الطيبة، وعش حياتك بطريقة طبيعية من غير تكلف، وحارب الاستسلام للهم والقلق، وكن دائما بشوشا طلق الوجه، فالتوتر يولد الاضطراب والمرض، وتعامل مع الواقع، ولا تتعامل مع الظنون والاوهام، وأغرس فى زوجتك الثقة فى نفسها.. وهنا أقول لها : أشعرى زوجك بأنه الشخص المثالى الذى كنت تودين الارتباط به، وأنك فخورة به وبشخصيته، واحرصا معا على الهدوء، وكتمان الأسرار، ولا تدعا أحدا يتدخل فى حياتكما، لا من أهلك، ولا من أهله.

وأخيرا أقول لك يا سيدتى: إن للعبد سترا بينه وبين الله، وسترا بينه وبين الناس، فمن هتك الستر الذى بينه وبين الله، هتك الله الستر الذى بينه وبين الناس، فلا تفضحى شقيقك بما ليس فيه، وانبذى الأفكار الغريبة، وغير الواقعية التى جعلت نفسك أسيرة لها كتفكيرك فى خطفه وتسفيره إلى الخارج، وكأنه قطعة أثاث، وليس طبيبا مشهورا، وأستاذا جامعيا مرموقا، أو تحرير محضر له فى الشرطة، ثم خفت أن تفعلى ذلك حتى لا تتسلط عليك هذه السيدة بأعمال السحر، ونسيت أن تسألى نفسك: ولماذا لم تسحرك أنت أيضا لكى تضمن وقوف الجميع فى صفها.. وكل ما ذكرتيه يؤكد حاجتك إلى مراجعة نفسك وتحكيم العقل حتى لا تفقدى صوابك، فأنت تعانين حالة اضطراب نفسى شديد، ولا شك أن أفراد عائلة زوجة شقيقك محقون فى قولهم: أنك بأفعالك هذه سوف تخربين بيته، فكفى عن التمادى فى تشويه صورته، فلا وجود لكل ما قلتيه إلا فى خيالك وحدك نتيجة الخوف الزائد عن الحد عليه، والرغبة فى تملكه ومتابعة أحواله بناء على الرواسب النفسية داخل الأسرة باعتباره الولد الوحيد.

واعلمى أن اللدغات التى تخيلت أن هذه السيدة لدغت شقيقك بها لا أساس لها، ولن تكون هناك لدغة أخيرة، لأنه لم تكن هناك لدغات سابقة.

أسأل الله لك الهداية، ولشقيقك الاتزان والاستقرار والبعد عن المحرمات، وأرجو من زوجته ألا تغيب عنه، وأن تحتويه، وتنتشله مما قد يقع فيه من اغواءات، والله المستعان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
كابتن أحمد منصور
مشرف
مشرف
كابتن أحمد منصور

ذكر
عدد الرسائل : 6488
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 210
بلد الإقامة : المدينة الفاضلة
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 Office10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 Bookwo11
نقاط : 17058
ترشيحات : 47
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 710

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 I_icon_minitime7/11/2014, 09:28

بريد الجمعة: يكتبه:أحـمـد البـرى
الكرسى المتحرك!

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 2014-635508930253252716-325

أنا رجل فى سن الخامسة والخمسين، نشأت فى أسرة متوسطة بأحد أحياء القاهرة العتيقة، لأب يعمل مدرسا، وأم ربة منزل تمتد جذورها إلى عائلة معروفة بإحدى المحافظات الساحلية، ولى ثلاثة أشقاء، وتخرجنا فى كليات مختلفة عملية ونظرية، وصارت لكل منا حياته الخاصة، وحصلت على بكالوريوس الهندسة،

وكانت فرحة أسرتى بى كبيرة، ودوت الزغاريد فى المنزل، ومازلت أتذكر سجدة الشكر التى سجدتها والدتى لله عقب سماعها خبر نجاحى بتقدير جيد جدا، ماثلة أمام عينى، ولن أنسى أيضا دموع أبى، وهو يسمع الخبر، فلقد كانا يتمتعان بالطيبة والإيمان والتقوى، وانعكس نقاؤهما، وصفاء قلبيهما علينا، فصرنا مثلهما فى كل شىء... نسعد بالقليل، ونرضى بما قسمه الله لنا، وظل هذا منهجى فى الحياة إلى الآن.

وتقدمت للعمل فى أكثر من جهة وشركة، ووفقنى الله إلى الالتحاق بجهة صناعية كبرى، وركزت فى عملى كل جهدى، فنلت ثقة رؤسائى، وتدرجت فى المناصب بها سريعا، وفى إجازة أحد الأعياد، كنا فى زيارة إلى أقارب والدتى فى بلدها الريفى، وأعجبتنى فتاة تصغرنى بعدة سنوات، وكانت وقتها طالبة بكلية الآداب فى جامعة إقليمية، والحق أنها ملكت قلبى من أول نظرة لملامحها الهادئة ووجهها الطفولى، ووجدت لديها ميولا لى، بإحساس داخلى لا استطيع وصفه، فحدثت والدتى بشأنها، فردت علىّ بأنها من عائلتها، وتمت إليها بصلة قرابة، وعلاقتها وطيدة بأهلها، وأن لها خمسة أشقاء، ومن مستوى اجتماعى قريب من مستوانا، وطلبت منى أن أتمهل وأدرس الموضوع جيدا، فإذا تأكدت من مشاعرى ناحيتها فسوف تتقدم لأسرتها لجس النبض، كما جرت العادة فى الأرياف، وبعدها بأسبوع، أبلغت والدتى بأننى أديت صلاة الاستخارة، واستبشرت بها خيرا، فأسرعت فى اليوم التالى إلى أسرة فتاتى، ووجدت ترحيبا كبيرا بى، وخطبتها فى حفل حضره الأهل والأصدقاء، وساعدنى والدى فى شراء شقة بإحدى المدن الجديدة، وبعد تخرجها مباشرة أتممنا زواجنا، وبدأنا معا حياة جديدة، ووجدتها حلوة العشرة، ومع صباح كل يوم تطبع قبلة على جبينى، وتدعو لى بدعوتها الجميلة التى مازالت ترن فى أذنى «ربنا يجعل لك فى كل خطوة سلامة» ومضت الأيام سريعة، ودخلت فى مشروع تجارى مع صديق لى يعمل محاسبا فى إحدى الشركات الخاصة، وتفتحت أمامى أبواب الرزق.

ومر عام كامل دون أن تحمل زوجتى، فأصابها القلق من عدم الإنجاب، وخضنا فحوصا طبية عديدة، وتكررت زياراتنا إلى الأطباء، وجاءت النتائج كلها بأنها غير قادرة على الإنجاب بوضعها الحالى، وأنها قد تحتاج إلى علاج يستغرق فترات طويلة، فطمأنتها بأننا سنبذل أقصى ما نستطيع من أجل الإنجاب، لكن المسألة فى النهاية «قسمة ونصيب» وأننا أسعد من غيرنا ويكفينا حبنا وارتباطنا القوى، فالدنيا لا تكتمل لأحد، ثم مررنا بتجارب دوائية كثيرة باءت كلها بالفشل، وكانت الدموع تنهمر من عينيها بغزارة عقب كل زيارة، وأنظر إليها فيتقطع قلبى من أجلها، وأقسمت لها بالله العظيم أن هذه المسألة لا تشغلنى، وأننى لن أتخلى عنها، فلقد أحببتها كما هى، ولا حياة لى بدونها، وعندما تسمع ذلك منى تهدأ بعض الشىء، وتعود إلى ضحكتها البريئة، ثم سرعان ما تسيل أنهار الدموع على خديها، وخشيت أن يصيبها أى مكروه بسبب حزنها المكتوم وهى جالسة بمفردها بالمنزل، فكنت أتصل بها على فترات متقاربة، وأنا فى العمل للتسرية عنها، وعندما أعود إليها آخر النهار، أجدها قد أعدت طعام الغداء، وتنتظرنى لكى نتناوله معا، ونظل نتحدث معا فى أمور كثيرة، ونتفرج على التليفزيون، ولأنها تهوى القراءة والاطلاع، فقد أعددت لها مكتبة تزخر بشتى صنوف المعرفة، ثم أبلغتها بخبر أسعدها كثيرا، وهو أننى اشتريت قطعة أرض فى نفس المدينة الجديدة التى نقطن بها لكى نقيم عليها «فيلا» وعلى الفور بدأنا فى إقامتها، وكانت فرصة طيبة لها للخروج من البيت الذى تحبس فيه نفسها ليلا ونهارا، فداومت على متابعة انشائها، وقد استنفدت هذه «الفيلا» معظم مدخراتى علاوة على ثمن الشقة التى كنا نسكن فيها، وانتقلنا إلى الإقامة بها، وكانت زوجتى قد وصلت إلى سن الأربعين، فتضاءلت فرصها فى الإنجاب، فذكرتها من جديد بإرادة الله الذى يدبر الأمور كيف يشاء، وأعدت عليها تأكيد أننا أفضل من غيرنا، ويكفينا ما نحن فيه من توافق واطمئنان لا يتوافران للكثيرين.. صحيح أن أشقائى وأشقاءها قد تزوجوا ورزقهم الله بالبنين والبنات، لكن الصحيح أيضا أنه عز وجل ربما حرمنا من هذه النعمة لخير لنا لا نراه ولا نلمسه، وعلينا أن نرضى بحكمه وقدره.

وذات يوم وفى أثناء عملى فأجأتنى آلام شديدة لم أشعر بها من قبل، فحولنى طبيب الجهة التى أعمل بها إلى استشارى فى الأمراض الباطنية، طلب منى اشاعات وفحوصات عديدة، وما أن اطلع عليها، حتى تجهم وجهه وحولنى إلى أستاذ معروف فى جراحة الصدر، وهناك عرفت أننى أصبت بسرطان الرئة، وتلزمنى جراحة عاجلة لإزالة الجزء المصاب قبل أن ينتقل المرض إلى مكان آخر، وحاولت إخفاء مرضى عن زوجتى، لكنى لم أستطع، إذ أبلغها الطبيب بتفاصيل حالتى، وأننى سوف أستكمل العلاج بجلسات الكيماوى لمحاصرة المرض، وهنا سقطت على الأرض مغشيا عليها، وعلم بأمرنا أهلى وأهلها، فأتوا إلينا مهرولين، وانهار أبى وأمى تماما، وكانت أياما عصيبة، وتوالت المصائب، ونحن لا نصدق ما جرى، فلقد رحل أبواى واحد بعد الآخر، حيث مات أبى بعد شهر واحد ثم تبعته أمى، ولم يفصل رحيلهما سوى ثلاثة أسابيع، وبعدها بثلاثة أشهر رحل شقيقى الأكبر ثم رحل حماى، وغطت الأحزان العائلتين، كل هذا، وأنا ملازم الفراش بعد استئصال الورم، ولم أكن أغادر المنزل إلا لتعاطى جلسات «الكيماوى» وحصلت على إجازة من عملى لمدة ستة أشهر، وأوكلت أمرى إلى خالقى.

ثم حدث تطور جديد فى حياتنا، عندما جاءتنا أرملة شقيقى الأكبر، وقالت لزوجتى إن ابنها الأكبر خطب زميلة له، ونظرا لأن حالتهم المادية لا تسمح له بالحصول على شقة فى الوقت الحالى، فإنها ترجونا أن يتزوج ويقيم معنا إلى أن تتحسن ظروفه، فرفضت زوجتى بشدة، ودار هذا الحوار بينهما، وأنا نائم فى غرفتى بعد جلسة العلاج القاسية، وأبلغتنى به وهى تبكى بمرارة، وقالت: لقد ظهرت أطماعهم على حقيقتها، وأنهم سوف يبهدلونها بعد رحيلى، فهدأت من روعها وقلت لها... إنها «فيلتك» وسوف أقطع الشك باليقين، وسارعت إلى كتابتها وتسجيلها بإسمها فى الشهر العقارى، وفترت علاقتنا بأسرة شقيقى الراحل، بعد أن أدركت أن المسألة فيها طمع واضح، إذ إنه بإمكان ابن شقيقى أن يستأجر شقة فى الحى نفسه الذى نسكن فيه، ولا يثير حفيظتنا، وتجرح والدته زوجتى لأنها لم تنجب، وتجر علىّ متاعب جديدة، ويكفينى ما أعيشه من آلام وأوجاع.

ولأن ثقتى فى الله لا حدود لها، فقد انتظمت فى تعاطى العلاج، وكانت مشيئته سبحانه وتعالى أن تتحسن صحتى، وشيئا فشيئا شفيت من المرض اللعين، لكننا كنا على موعد آخر من الاختبارات الإلهية، فلقد شاءت الأقدار أن تمرض زوجتى، وأن يتكرر معها سيناريو الفحص والعلاج على النحو الذى حدث لى، وبينت الفحوص إصابتها بالسكر فى مرحلة متقدمة دون أن تدرى، وتطور المرض إلى غرغرينا فى ساقها اليمنى، وأجريت لها جراحة عاجلة تم فيها استئصالها، وبعدها بأشهر انتقل المرض إلى ساقها اليسرى، وبترت هى الأخرى، وصارت زوجتى أسيرة الكرسى المتحرك، واستعنا بسيدة تتولى شئون المنزل، وتظل معها طوال النهار إلى أن أعود من عملى، فأتسلم المهمة إلى صباح اليوم التالى، وبعد ما يقرب من عام تضاعفت متاعب زوجتى، بإصابتها بالفشل الكلوى، وخضوعها لجلسات الغسيل ثلاث مرات فى الأسبوع، ولك أن تتخيل مدى الألم الذى تعانيه، وهى على هذه الحال، وكم المشقة التى أتكبدها فى التنقل بها بين العيادات والمستشفيات، وقد صار الكرسى المتحرك هو العلاقة الأبرز فى حياتنا، فأحملها عليه إلى السيارة ثم أطويه وأضعه فى الحقيبة، ويتكرر المشهد يوما بعد يوم فى رحلتى الذهاب والعودة.

وهكذا تبدلت الأدوار، وأصبحت أنا الذى أشرفت على الموت سليما معافى، بينما هى التى لم تشك يوما من أى متاعب صحية أسيرة المرض، وقد ذبلت واصفر لونها، بعد أن كانت كالبدر ليلة التمام، وجاء اليوم المحتوم، فحين حل موعد جلسة الغسيل الكلوى رفضت زوجتى، ولأول مرة الذهاب لتلقى العلاج، وطلبت أن تبقى فى المنزل لكنى لم أدع لها فرصة لتنفيذ ما أرادت خوفا على حياتها، وأخذتها إلى المستشفى، وما أن بدأت جلسة الغسيل حتى فاضت روحها إلى بارئها، فبكيتها بكاء حارا، ولم أتمالك نفسى لأول مرة فى حياتى، وارتميت على السرير الذى تتمدد عليه، فحملنى الأطباء إلى غرفة العناية المركزة، واعطونى مهدئات، ولم أدر بما حولى، وأخذوا هاتفى،واتصلوا بأهلى وأهلها، فجاءوا على الفور، وتسلموا جثتها، ولازمنى بعضهم فى المستشفى، وخرجت بعد عدة أيام، وقد خلت الدنيا منها، وتلفت حولى، فلم أجد غير الكرسى المتحرك الشاهد على رحلة العذاب الأليم الذى قاسته فى أواخر عمرها، ودولاب الملابس، كما هو بترتيب يديها.

وجاءنى شقيقاى وعدد من أبناء أعمامى، وقالوا لى إن الوضع قد تغير، وعلىّ أن أتزوج من سيدة ترعانى، وتكون لى عونا وسكنا فيما تبقى لى من عمر، وربما تنجب لى أولادا يعوضوننى عن حرمانى من الأبناء لعدم قدرة زوجتى الراحلة على الإنجاب.. فإستمعت إليهم فى صمت، ووعدتهم ببحث الأمر فى الوقت المناسب، ولم تمر على زيارتهم أيام حتى فوجئت باخوة زوجتى يطالبوننى بميراثهم فى الفيلا، فهى مسجلة بإسمها، وأصبح لهم النصيب الأكبر فيها؟!.

سمعت كلامهم وأنا لا أصدق ما أسمعه... أيصل بهم الأمر إلى هذا الحد؟... إنهم يعلمون أن الفيلا ملكى، وأن أختهم لم يكن معها مالا لتدفعه فيها، وأنا سجلتها باسمها ارضاء لها، ولكى أطمئنها على أنه لن يستطيع أحد أن ينازعها فيها بعد رحيلى، ولكن شاءت الاقدار أن ترحل من الحياة قبلى، فهل يعقل أن يأخذوا منى شقاء عمرى، دون وجه حق؟... صحيح أن القانون سيكون فى صفهم من واقع الأوراق والمستندات، لكن أين الضمير، وأين القانون الإلهى؟. لقد أمهلونى بأخذ حقى فى حجرتين، وترك باقى الفيلا لهم، وإلا فإنهم سيلجأون إلى أخذ الفيلا عن طريق المحكمة!... لقد تذكرت موقف زوجتى الراحلة حين رفضت أن يعيش ابن شقيقى المتوفى معنا بضعة أشهر إلى أن يدبر سكنا خاصا به، وأيدتها فى موقفها... ولكن ها هم أهلها يطلبون منى الآن أن أتقوقع فى حجرتين، أو أن أترك المنزل نهائيا، فهل يعقل هذا؟.. وبماذا تشير علىّ فى هذا الموقف العصيب؟.

ولكاتب هذه الرسالة أقول:

أؤيدك فيما اتخذته من خطوات، وما سرت عليه من منهج عبر مشوارك فى الحياة، ماعدا تسجيل ممتلكاتك باسم زوجتك على أساس أنك مريض وسترحل عن الدنيا قبلها، فحتى لو حدث ذلك مع أن هذه المسألة فى علم الله وقضائه وقدره، فإن مجرد تسجيل أى من ممتلكاتك باسمها سوف يترتب عليه فيما بعد حقوق لأناس ليست لهم، وكان الأفضل والأولى أن تهبها بعض ما تملكه، وليس كله على نحو ما فعلت.

وإذا انتقلنا إلى فلسفتك العامة فى الحياة نجد أن الرضا بما قسمه الله، صار «ديدنك» ومنهاجك الذى لم تحد عنه لحظة واحدة، فعشت بقلب صاف، نقى لا يعرف حقدا ولا ضغينة لأحد، ولقد كان بإمكانك أن تتزوج من أخرى بعد أن تأكدت أن زوجتك غير قادرة على الإنجاب، لكنك لم تفعل ذلك لسببين أولهما: إيمانك القوى بالله سبحانه وتعالى بأنه فعال لما يريد، وقد يرزقك بالأبناء فى أى وقت يشاء، وثانيهما أنك وضعت نفسك مكان زوجتك، واتخذت قرارك بناء على ما استقر فى وجدانك، وبمثل هذا التفكير الراقى يثبت الحب، وتتعمق المودة، ويبنى الزوجان جسرا من الترابط لا تستطيع أن تفصم عراه أى خلافات، ولا تؤثر فيه أى شوائب.

نعم يا سيدى... لقد ضربت المثل الرائع للزوج الذى يتقى الله، ويضع الأمور فى نصابها الصحيح، فلم تغرك الدنيا، ولم تنل من شيمك ولا أخلاقك أى إغراءات، فكنت شهما وأنت فى عز صحتك وعطائك، وظللت قويا متماسكا برغم ما أصابك من مرض عضال، وتصرفت بحكمة تغيب عن الكثيرين فى مثل هذه المواقف، فلم تتوقف عند مسألة الإنجاب، بل وكانت مبادرتك الرائعة ورسالتك المطمئنة التى، قلما يفعلها الأزواج بأن الإنجاب قسمة ونصيب، «وأمر بيد الله سبحانه وتعالى» وهو كسائر أمورنا فى الحياة علينا أن نسعى إليه، ولكن ليس علينا إدراكه لأنه أمر إلهى خارج عن إرادة الإنسان، وفى ذلك يقول الحق تبارك وتعالى «يهب لمن يشاء إناثا، ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكرانا وإناثا، ويجعل من يشاء عقيما، إنه عليم قدير».

لقد أدركت بنفاذ بصيرتك أن كل شىء بقدر، وأن الدنيا لا تكتمل لأحد، فهى كثيرة التبعات، ممزوجة بالكدر ومخلوطة بالنكد، والإنسان منها فى كبد، ولا أحد يعيش فيها حياة الكمال، فهى «جامعة الضدين» والفريقين والرأيين، خير وشر، صلاح وفساد، سرور وحزن، ولذلك عشت واقعك، وقبلتها كما هى. وطوعت نفسك على معايشتها ومواطنتها، وأدركت أن الصفو والكمال ليس من شأنها، ولا من صفاتها، فأخذت منها ما تيسر، وتركت ما تعسر! وبذلك نفذت المنهج العقلانى بكل تفاصيله، فرأيت فى الحرمان من الإنجاب خيرا، وآمنت بأنك لو إطلعت على الغيب لإخترت الواقع.. وبرغم أن زوجتك هى السبب فى عدم الإنجاب فإنها لم تنتهج نهجك، وغلبت عليها الأنانية فى بعض الأحيان مع تقديرى لكل آلامها وظروفها الصعبة التى مرت بها، وذلك حين رفضت استضافة ابن شقيقك الراحل بضعة أشهر، ثم اتخذت هذا الموقف ذريعة لكى تكتب «الفيلا» باسمها فتؤمن لها حياة مستقرة، بعد رحيلك إذا حاول أهلك الحصول على ميراثهم منك حينئذ مع أنه حقهم الطبيعى بلا تحايل على شرع الله، ولكن شاءت الأقدار أن تتبدل الأحوال وتنقلب الأوضاع، ويتم الله شفاءك، وترحل هى عن الحياة.

وليس معنى ذلك أننى أؤيد ما ذهب إليه ابن شقيقك الأكبر فى طلب المعيشة معكما لفترة من الزمن، فالأمر على هذا النحو فيه شبهة طمع من جانبه، وربما من جانب أهلك الذين ظنوا نفس ظنون زوجتك بقرب رحيلك عن الدنيا، ولو أنه طلب منك مساعدته فى تأجير شقة، أو بعض المال على سبيل القرض الحسن لكان ذلك أفضل للجميع.

أما أهل زوجتك فإننى أسألهم: هل هذه هى المروءة والشهامة؟ وإرضاء الضمير، ومراعاة الله سبحانه وتعالى فى زوج اختكم؟ فحتى لو أن القوانين الوضعية تكفل لكم الحصول على معظم أجزاء منزل هذا الرجل، بما حرره من وثيقة لزوجته الراحلة، فكيف تقبلون ذلك وأنتم تعرفون حقيقة ما حدث، فكل هدفه كان إرضاءها، والتسرية عنها، وبث الأمان فى نفسها بأنه لن ينازعها أحد فى المعيشة بالفيلا بعد رحيله، ثم ألم تتعلموا من درس شقيقتكم التى كانت ملء السمع والبصر، ثم رحلت عن الحياة فى الوقت الذى تعافى فيه زوجها؟!.

ويبقى أن أقول لك: إن امامك الآن خطوتين مهمتين أرجو أن تتخذهما:

الأولى: أن تنفض عنك غبار الأحزان، وتبحث عن زوجة تشاركك ما تبقى من مشوار الحياة، وأن تدقق الاختيار، فقد يرزقك الله منها بالذرية الصالحة، والثانية: أن توسط مجلس حكماء من عائلتيكما للحديث مع إخوة زوجتك الراحلة، والتوصل معهم إلى حل وسط يكفل لهم الحصول على مبلغ من المال نظير الحق الشرعى لشقيقتهم كزوجة لك، وإعادة كتابة عقد باسمك، وأننى أحذرهم من عواقب التعنت والإصرار على أخذ ما ليس من حقهم، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

ويبقى الدرس الأكبر فى قصتك البليغة، وهو أن الشدائد مهما تعاظمت وامتدت، فإنها لا تدوم على أصحابها، ولا تخلد على مصابها، بل إن أقواها اشتدادا وامتدادا، وسوادا، هى الأقرب إلى أن تنقشع وتنفرج عن يسر وفرج وحياة مشرقة وضاءة، وهكذا نهاية كل ليل غاسق، فجر صادق:

فما هى إلا ساعة ثم تنقضى ويحمـد غبّ الســير من هو ســائــر

أسأل الله أن يزيدك إيمانا وطمأنينة، وأن يذلل لك الصعاب، ويديم عليك الحكمة والاتزان، وأن يكتب لك التوفيق والسداد... إنه على كل شىء قدير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
كابتن أحمد منصور
مشرف
مشرف
كابتن أحمد منصور

ذكر
عدد الرسائل : 6488
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 210
بلد الإقامة : المدينة الفاضلة
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 Office10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 Bookwo11
نقاط : 17058
ترشيحات : 47
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 710

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 I_icon_minitime7/11/2014, 09:30

الظاهرة الخطيرة

أنا سيدة أشغل وظيفة كبرى، وكان زوجى يشغل وظيفة مماثلة إلى أن أحيل إلى التقاعد العام الماضى، ولى ثلاثة أبناء لم نقصر يوما واحدا فى رعايتهم وتأمين مستقبلهم، وقد حرمنا أنفسنا من أشياء كثيرة فى سبيل توفير كل ما يطلبونه، فليس لنا أى هدف سوى إسعادهم، وأكتب إليك بشأن أحدهم، فلقد جاهدنا حتى حصل على الثانوية العامة بمجموع كبير أتاح له الالتحاق بإحدى كليات القمة،

لكن شياطين البشر أحاطوا به من كل جانب وأقنعوه بتناول العديد من أنواع المخدرات، بدأت المأساة بلعبة أو ضحكة وانتهت إلى الإدمان.. وحفاظا عليه ألحقناه بمصحة، وجدناها تدار بمجموعة من المدمنين المتعافين، وتحمل زوجى كثيرا من الأعباء المالية لذلك، واستمر برنامج علاجه ستة أشهر، بتكاليف خيالية، وضاع منه عام دراسى، وبعد كل هذا العذاب، وجدناه كما هو، ولم يطرأ أى تحسن ملموس على صحته، ثم عاد إلى الإدمان من جديد، مع صفات استحدثت فيه منها الكذب والبلادة والأنانية المفرطة، وصار شخصا لا نعرفه، وحاولنا تقليل مصروفه اليومى، إلا أنه لجأ إلى أخذ أشياء من المنزل وبيعها بأى سعر لكى يشترى الأقراص اللعينة، وهكذا أصبح شخصا خطيرا، ولغزا كبيرا لا يمكن فهمه أو التعامل معه، فكيف نعيده إلى حالته الأولى وما هو دور الرقابة على مراكز العلاج، وكيف يمكن منع تسرب هذه السموم إلى داخل البلاد، وأين أجهزة الدولة من هذه الظاهرة الخطيرة؟.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

رسالتك يا سيدتى جرس إنذار لكل الجهات المسئولة، وفى مقدمتها وزارة الصحة، لاتخاذ التدابير العاجلة نحو التصدى لظاهرة الإدمان، ومحاسبة كل من يتعاطى هذه السموم، ويتاجر فيها، وحسنا فعلت بعض الجامعات، بإجراء تحاليل مخدرات لطلبة المدن الجامعية واستبعدت العشرات، وبينهم طالبات يتعاطين الأقراص المخدرة، وليت هذا الإجراء يمتد ليشمل كل الطلبة، فلا يكون هناك مكان لمدمن فى مدرجات الجامعة، ولا فى المدارس، ويتم إجبار من يتعاطون المخدرات على العلاج فى مصحات متخصصة تخضع لإشراف فعلى لأجهزة الدولة، لكن الكثير من مراكز الإدمان الخاصة يتخذها أصحابها وسيلة لجمع المال، ولا يستعينون فيها بأطباء، ويحدث هذا فى ظل غياب تام من وزارة الصحة.

وعلى جانب آخر فإن للأسرة دورا مهما فى تربية أبنائها، ومساعدتهم على اختيار أصدقائهم، فغالبا ما يقع الطالب فى دائرة المخدرات عن طريق زملائه، فعلى الآباء والأمهات متابعة ابنائهم وتعريفهم بعواقب الإدمان، إذ يخسر الإنسان نفسه، ويصبح بلا قيمة، ويجب أن تنتبه أيضا الأندية ومراكز الشباب إلى هذه الظاهرة، فترعى رياضات متنوعة تجذب الشباب، ليقضوا أوقات فراغهم فيها بعيدا عن مستنقع المخدرات.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أم البنات
مشرفة
مشرفة
أم البنات

انثى
عدد الرسائل : 9513
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 210
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 Unknow10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 8010
نقاط : 19672
ترشيحات : 44
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 333310

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 I_icon_minitime14/11/2014, 09:14

الإنذار الأخير!

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 2014-635515106005541463-554

استوقفتنى رسالة «الكرسى المتحرك» التى روى لك فيها كاتبها قصته الرائعة عن سلوكه الراقى، وتدينه الواضح، ورضائه بقضاء الله فكان أن قدر له سبحانه وتعالى الشفاء من مرض عضال، لكنه يتعرض لموقف صعب، لم يكن يتصور أن يجد نفسه فيه، بعد أن سجل أملاكه باسم زوجته، التى ألحت عليه بذلك ظنا منها أنه سيرحل عن الحياة، ولم يرزقا بأولاد، وبالتالى ستؤول معظم التركة إلى أخوته.
فإذا بها هى التى تموت، بينما هو تعافى وكتب الله له الشفاء، ثم فوجئ بأشقاء زوجته الراحلة يطالبونه بحقهم فى أملاك شقيقتهم التى لم يكن لها أى ملك سوى ما كتبه له!! وقد دفعنى ردك الحكيم عليه، إلى أن أروى لك قصتى لتكون درسا وعبرة لكل الناس ألا تغرهم الدنيا، التى لا تساوى عند الله جناح بعوضة، لكن أكثرنا لا يدرك ذلك إلا بعد فوات الأوان، فأنا مهندس أقترب من سن الستين، نشأت فى أسرة ثرية بالقاهرة لأب مهندس، وأم معلمة بالتربية والتعليم، وأربعة أشقاء، ولد يكبرنى بعامين، وثلاث بنات يصغرننى بعدة سنوات، وتمتد جذور عائلتى أبوىّ إلى الأرياف، وقد تعارفا وتزوجا عن طريق الأهل والمعارف، والتحق أبى بشركة مقاولات كبرى، وتدرج فى مناصبها، واسندت إليه مشروعات عديدة، ونجح فى أن يؤسس شركة صغيرة فى نفس مجاله الهندسى، بالاشتراك مع أحد معارفه، حيث لم يكن ممكنا أن يسجل الشركة باسمه، وهو موظف، ووقعا أوراقا بينهما تثبت حقوق كل منهما، أما السجل التجارى فكان باسم شريكه، وتدرجت والدتى فى عملها، واحتلت منصبا مهما برغم صغر سنها فى ذلك الوقت، واكتملت لنا أسباب السعادة، وأقبلنا على الحياة فى جو جميل شجعنا على المذاكرة والتفوق، وصار والدنا المثل الأعلى لنا، فالتحق شقيقى الأكبر بكلية التربية مثل والدتنا، والتحقت بعده بكلية الهندسة مثل والدنا، وتبعنا شقيقاتنا فى كليات مختلفة، وما أجمل برنامجنا اليومى الذى عشقته على النحو الذى سرنا عليه سنوات طويلة، حيث كان بيتنا خلية نحل منذ تباشير الصباح... الكل يعد أوراقه التى سيذهب بها إلى كليته، وأبى وأمى يعدان ملفات العمل، ونتناول معا طعام الإفطار، ولا يهنأ أحدنا بوجبتى الغداء والعشاء أيضا إلا بمشاركة الجميع.

ومرت الأيام، وتخرج شقيقى الأكبر فى كليته، وعمل بالتدريس، ثم تزوج فى حفل كبير من زميلة له، جمعتهما قصة حب، وكانت صداقة والدتى بوالدتها هى مفتاح تعارفهما وزواجهما، ثم تخرجت فى كليتى، ووجدت الوظيفة فى انتظارى، وهى إدارة مشروع والدى، فلقد منحنى تفويضا بالتوقيع بدلا منه على الأوراق والمستندات الخاصة به بعد أن أستشيره فى كل أمر، وأخذ موافقته على القرار النهائى.

ومع توالى نجاحات الشركة، قرر أبى الانفصال عن شريكه، وأعطاه كل مستحقاته، وصارت الشركة ملكا لأبى، ولكنها مسجلة بأسمائنا أنا وأشقائى، وأعطانى تفويضا جديدا بإدارتها لخبرتى كمهندس، كما أننى لا أعمل فى جهة أخرى، وتزوجت ابنة رجل أعمال معروف تربطه صلة قوية بأبى، وتعمل بأحد المصارف الكبرى، وأنجبت منها ولدا وبنتا، كما أنجب شقيقى الأكبر ولدا وبنتين، وتزوجت شقيقاتى الثلاث من شباب ينتمون إلى عائلات مرموقة، وأنجبن البنين والبنات، وتحولت أسرتنا الصغيرة إلى عائلة كبيرة، وعشنا حياة رغدة، لم يعكر صفوها أى شىء.

وذات يوم، وبينما كنت أتابع سير العمل فى الشركة، جاءنى موظف يعمل مع أبى، وأبلغنى أنه شعر ببعض التعب، وتم نقله إلى المستشفى للفحص والعلاج، فأسرعت إليه، ووجدته ممددا على سرير العناية المركزة، وقد دخل فى غيبوبة استمرت عدة أيام، ثم رحل عن الحياة، فكانت الصدمة الأولى، إذ أنه لم يكن يعانى أى أمراض، ولم يشك من أى متاعب.. رحل، وهو فى عز صحته، وأوج نشاطه ولا تسعفنى الكلمات، لكى أصف لك حالة الحزن التى خيمت على العائلة كلها فلقد كان مثالا حيا للرجل الناجح الوفى، المخلص لمن حوله، فلم تعرف الضغينة طريقا إليه، ولذلك بكاه الجميع، ودعوا له بالرحمة والمغفرة، وحسن الثواب، وبعد نحو ثلاثة أشهر، فاتحنى أخوتى فى الميراث، فرددت عليهم بأنهم سيأخذون حقوقهم فى الوقت المناسب، بعد دراسة أوضاع الشركة، وتحديد ما لها، وما عليها وأعترف بأننى ماطلتهم كثيرا بحجج متعددة، وكان همى هو الحفاظ على الشركة كما هى بحوزتى!.

ومثلما فوجئت برحيل أبى من قبل، فقد تكررت المفاجأة برحيل شقيقى الأكبر فى أثناء إجرائه جراحة بالقلب، ولم تتحمل والدتى الصدمة الثانية، فسقطت مريضة، ولازمت الفراش فترة طويلة، وطالبتنى بأن أعطى أخوتى حقوقهم، وبادرت قبل رحيلها بتوزيع ما كانت تدخره من مال على الجميع، ثم فاضت روحها إلى بارئها... وهنا تقطعت أواصر الأخوة بيننا، فأخذ أولاد شقيقى الراحل وأخواتى البنات موقفا عدائيا منى، وقاطعونى، وصرت وابناى وزوجتى معزولين عنهم، وحدثتنى نفسى بأننى على حق، فهم مستقرون فى أعمالهم وبيوتهم، وأنا لا دخل لى سوى العائد من هذه الشركة، وإذا صفيتها ماذا سأصنع بعد ذلك؟... ولقد أيقنوا بأنهم لن يحصلوا على شىء من ميراث أبيهم، فانصرفوا عنى، ولم أعد أراهم، حتى إن اولاد أخى لم يسألوا عنا، ولا حتى فى المناسبات، فإذا سعيت لزيارتهم قابلونى بجفاء، ولم تفاتحنا أرملته فى أى شىء يخص الميراث، واعتمدت فى تربيتها اولادها على مرتبها ومساعدات من والدها... وهذه الاعترافات اقولها الآن لأبين فداحة ما ارتكبته فى حقهم.

وجاء الدور علىّ فى المرض، على نحو لم تكن له أى مقدمات، إذ لم أكن أدرى أننى مصاب بفيروس «سى» الذى نشط فجأة، ونهش كبدى، ولم يكن هناك بد من أن أخضع لجراحة عاجلة، وأوصى الأطباء بزرع كبد كامل لى فى الخارج باعتبارها الحل الوحيد لى، فسافرت إلى دولة أوروبية، وتم حجزى لعدة أشهر ثم أجريت لى الجراحة التى استنفدت معظم أموال الشركة فى السوق، وتكبدت خسائر كبيرة، ولم استطع تلبية المطالب المتزايدة من العملاء، ولا تسديد ديون البنوك، أضف إلى ذلك الظروف التى مرت بها مصر خلال السنوات الأخيرة، ولو بعت أصول الشركة فإنها لن تغطى هذه المديونيات.

ولم يعد أولاد أخى ولا شقيقاتى يسألوننى عن الميراث، وكانوا يتصلون بى كلما علموا بأننى فى وعكة صحية، وزارونى مرة أخرى بعد عودتى من الخارج، وأنا أشعر بما فى داخلهم من حزن مكتوم، وعزمت على أن أعطى كلا منهم حقه، معترفا بأننى أخطأت باستيلائى على الشركة، فالأوراق الذى تثبت حق كل منهم موجودة لدّى منذ أن أوكل أبى إلىّ المهمة، ولهم حقوق أيضا فى عائد الشركة طوال السنوات الماضية منذ رحيل أبى، وأصبح هذا الموضوع شاغلى الأول، وهمى الأكبر، ثم جاءنى «الإنذار الأخير» لتدارك ما فات، بإصابتى بالسرطان فى المخ، فلقد أدركت أن حياتى أوشكت على النهاية، وأنا أكتب إليك هذه الرسالة من على فراش المرض بلا ترتيب، والقلم يهتز فى يدى، وأتلفت حولى، فلا أجد أحدا بجانبى سوى زوجتى، فابناى مشغولان بحياتهما، ويزورانى كل عدة أيام، وأحيانا يكتفيان بالاتصال بنا تليفونيا، وشقيقاتى وأزواجهن يسألون عنى كل فترة، ولكننا افتقدنا الألفة والمحبة والدفء العائلى الذى عشناه فى سنوات شبابنا مع أبينا وأمنا، كما أن مصاريف العلاج الباهظة تدفعها زوجتى الآن من مالها الخاص، فأكاد أعلن إفلاس الشركة.

إن ضميرى يؤنبنى، وأخشى أن ألقى الله فى أى لحظة، وحقوق شقيقاتى وأولاد أخى لم أعطها لهم، فهل يصفحون عنى، ويتجاوزون عما ألحقته بهم من أذى بحرمانهم من ميراث أبيهم؟... إننى الآن على استعداد للتنازل عن الشركة بأكملها لهم للتصرف فيها، كيفما شاءوا، فكل ما أسعى إليه هو أن أرحل عن الدنيا خاليا من المعاصى والذنوب، فهل توجه إليهم كلمة ترجوهم فيها أن يعيدوا المياه بيننا إلى مجاريها، وبدء صفحة جديدة؟.. فأنا أعيش الآن فى انتظار لحظة العودة إليهم قبل أن يحين الأجل المحتوم.

ولكاتب هذه الرسالة أقول:

لقد غرك المال، فعصيت الله بأخذك أموال أشقائك، دون وجه حق، وكانوا أكثر حكمة منك، فلم ينازعوك أمام المحاكم حفاظا على صورة أسرتكم ووضعكم الاجتماعى، وما كان ينبغى أن تفعل ذلك، وقد اتاك الله من فضله الكثير، كما كانوا فى أحوج ما يكونون إلى ميراثهم من أبيهم للاستعانة به على متاعب الحياة، ومن يساندهم ويكون لهم أبا بديلا، وليس إنسانا انانينا لا هّم له إلا الاستحواذ على حقوق الآخرين.

لقد مات أبوك بلا مرض، ولم تتعظ لوفاته، ورحل شقيقك الأكبر بصورة مفاجئة، فلم تتوقف مع نفسك، لتعيد حساباتك، وواصلت سيطرتك على الشركة، وكان باستطاعتك الحفاظ عليها، واعطاءهم عائدهم منها، ولا أدرى كيف طاوعك قلبك، وارتاح ضميرك طوال هذه السنوات وأنت تأكل مالهم؟... وبعد كل ما رويت من مراوغات حتى وصلت إلى ما انت عليه الآن، لم يعد فى العمر متسع من الوقت لمزيد من المماطلة فى هذه المسألة المصيرية، فأسرع إلى استرضاء أولاد شقيقك، وأخوتك بإعطائهم الأوراق والمستندات التى تثبت حقهم فى الشركة، وتعويضهم مما يتيسر لديك الآن من أموال حتى، ولو كانت قليلة، وأن تطلب منهم العفو عما اقترفته من إهدار حقوقهم، وتصفية نفوسهم مما علق بها من شوائب أفعالك ضدهم، ومواقفك منهم، وأقول لهم: لقد متعكم الله بالصحة وراحة البال، وسارت بكم سفينة الحياة هادئة، وفى ذلك تعويض كبير عن الميراث الذى لم تحصلوا عليه طوال السنوات الماضية، فلكل شىء نهاية، وها هى حالة الاحتقان مع شقيقكم النائم على فراش المرض قد حانت، فاصفحوا عنه، فمن عفا وأصلح فأجره على الله.

وتدفعنى رسالتك يا سيدى إلى طرح سؤال مهم هو: متى يكون المال مجمعا للعائلة لا مفرقا لها؟ والإجابة هى أنه يكون مصدر التقاء لها عندما يصبح الشرع هو العامل الحاسم فى المعاملات بينهم، ومن الضرورى أن يتنبه الآباء إلى عدم ترك المسئولية فى يد واحد فقط من أبنائهم، وأن تكون هناك أوراق مكتوبة للعمل بها عند الحاجة، ويكون توكيل الأب أحد ابنائه لإدارة أمواله مرهون بشروط تضمن حقوق أخوته، ولا يعطى زمام كل الأمور إليه، فيبخسهم حقوقهم، ويستولى على أموالهم، كما استوليت أنت على حقوق أخوتك، فى وقت كانوا فيه فى أمس الحاجة إلى المال وتركتهم يواجهون الحرمان، بينما كنت ترفل فى معيشة رغدة وحياة مرفهة..

... نعم إننى أشعر بمدى الألم والأسى الذى عاناه أولاد شقيقك على يديك، فلا يعرف طعم اليتم إلا من يكابده فى سن صغيرة يحتاج فيها إلى الأب أو من يشعره بالحنان والعطف، لكن الشيطان زين لك سوء عملك فأخذت ما ليس لك حق فيه، ونسيت أن الله يمهل ولا يهمل، وأنك قد تحصد نتاج عملك فى الدنيا قبل الآخرة.

وإذا كان قد حدث ما انجررت إليه بإرادتك، فإن رابطة الأخوة التى جمعتكم هى الأسمى والأبقى على أى علاقة أخرى، فأنتم لا تحملون نفس الدم فقط، بل أيضا شركاء فى البيت الذى شهد لحظات سعادتكم وشقائكم، وتقاسمتم معا الضحك والبكاء، والنجاح والاخفاق، وتآزرتم فى السراء والضراء، ولكن سيطرة أوهام الثراء عليك، كانت كفيلة بتحويل المودة إلى عداء، والمؤازرة إلى جفاء.

ولقد أسهم والدك ـ رحمه الله ـ فى انفصام هذه الرابطة بتمييزك عليهم، من منطلق أنك تدير الشركة، ثم أعطاءك أوراقها... صحيح أنها تثبت حقوق أخوتك، لكنها بحوزتك، ولم تخرجها أو تعطها لهم بعد رحيل أبيك، وكان عليه أن يودعها أمانة لدى أحد أعمامك، أو أن يعطى كل واحد، ما يخصه بشرط ألا يتصرف فيه إلا بعد وفاته... فهناك أناس كثيرون فعلوا ذلك، وجنبوا ابناءهم الشقاء بعد رحيلهم، وصارت أواصر المحبة مستمرة كما هى، لم يزعزعها ميراث، أو مال، بعد أن أطمأن كل واحد إلى أنه أخذ نصيبه العادل منه.

وإننى أثمن موقف شقيقاتك، وأولاد شقيقك الراحل الذين لم يسمحوا لأنفسهم بأن يجروك إلى المحاكم، وفضلوا مكابدة الحاجة على إظهار نزاعهم لك على مرأى ومسمع من الجميع، والمؤسف أنك لم تلتفت إلى موقفهم النبيل، وظل المال سدا منيعا بينك وبينهم، مع أنه حقهم الذى كفله لهم الله سبحانه وتعالى... وجاء «الإنذار» الإلهى الأخير لك بابتلائك بالمرض لكى تتفكر فى أبويك وشقيقك الراحلين، كم عمروا فى الدنيا؟.. وأين هم الآن؟ وماذا افادتك الأموال التى أخذتها دون وجه حق؟.. وأذكر هنا خبرا استوقفنى فى أثناء أداء مناسك الحج هذا العام عن رجل بسيط، سافر إلى مكة، واستقر بها عاملا فى النظافة، وكان قد ترك بلاده بعد أن واجه بها شظف العيش، إذ حرمه شقيقه من ميراث له كان سيوفر له حياة مستقرة، وحمد الله أن استقرت أحواله فى هذا المكان المقدس، فينعم فيه بالقليل لكنه يعيش راضيا مطمئنا، وانقطعت صلته تماما بأخيه، وفجأة وجده أمامه حول الكعبة فى بيت الله الحرام، فانخرط الاثنان فى بكاء شديد وسط تكبير الحجاج الذين شهدوا هذا المشهد البليغ، وسمع من شقيقه ما حدث بعد مغادرته البلاد، حيث اصابه السرطان، ويعانى ضغوطا نفسية شديدة وتأنيب ضمير لا حد له، فحمل رحاله وجاء إلى مكة لكى يحج بيت الله الحرام، وهو يمنى نفسه بأن يغفر الله له، وكانت توبته صادقة، فساق الله أخيه إليه، ليعطيه حقه، ويعودان معا، وقد اكتملت لهما أسباب السعادة وراحة البال.

إنها دروس الحياة وعبرها التى نتعلم منها كل يوم جديدا، لكن الدنيا تغر الناس، ونسوا قول الحق تبارك وتعالى: «فلا تغرنكم الحياة الدنيا»، فهى إلى زوال، ولا أدرى كيف ينام أخ أو أب.. وهو ظالم لابنائه أو أخوته بحرمانهم من حقوقهم؟... وكيف يمكن له أن يتمتع بمال ليس له وحده، وإنما هناك من يشاركه فيه، لكنه يمسكه عنه، ألا يعى هؤلاء أن ما يفعلونه حرام، وأن المال يأتى، ولا يدوم، فهو كحالة المد والجزر، أحيانا يسيل بين أيدينا، فنصرف بسخاء، وأحيانا يشح منا، فلا نجد ما نصرفه، وذلك لحكمة إلهية ينذرنا بها الله، لكى نحس بالفقراء، ومن هم بحاجة إلى المال، فلا نبخل عليهم فى وقت الرخاء، ومن هنا فرض علينا الزكاة ودعانا إلى الصدقات التى تطهر أموالنا وأنفسنا، وتجعلنا أكثر احساسا بغيرنا، فما بالنا بحقوق الأشقاء فى ميراث أبيهم؟.

فلنتأمل الحياة والموت حولنا، ونتساءل، ماذا يأخذ الإنسان معه إلى قبره؟ ثم يجيب ويحكم بنفسه، إن كان هذا المال يستحق كل هذه الخلافات والقطيعة بين الأخوة والأحباب أم لا؟.

أسرع يا سيدى بالتكفير عن معصيتك ربك، وأعد إلى أخوتك حقهم وحاول أن تعوضهم عما فات فى حدود ما هو متاح لك، وأرجوهم أن يستجيبوا لندائك، وأن يتواصلوا معك من جديد، وسوف يقبل الله توبتك، فلقد سئل الإمام ابن تيمية عن المعصية: هل هى خير للعبد، فقال: نعم بشرط الندم والتوبة والاستغفار والانكسار، واسأل الله أن يكتب لك الشفاء، وأن يمتد جسر التواصل بينك وبين شقيقاتك وأولاد شقيقك الراحل، وكل عائلتك وأصدقائك بإذنه تعالى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أم البنات
مشرفة
مشرفة
أم البنات

انثى
عدد الرسائل : 9513
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 210
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 Unknow10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 8010
نقاط : 19672
ترشيحات : 44
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 333310

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 I_icon_minitime14/11/2014, 09:28

عروس تحت الضغط

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 2014-635515106433599975-359

منذ عشرة أعوام وشهرين، تحولت حياتي من حياة بنت في الجامعة تعيش حياة جميلة، الي سيدة تكابد آلاما لا تستطيع أي كلمات وصفها، فلقد كان عمري تسعة عشر عاما عندما تقدم لي من ظن أهلي أنه عريس يصعب رفضه، من حيث التدين والالتزام، والمستوي المادي، وقالوا لي إنه مناسب تماما، ولأنني تربيت علي أن ما يراه والداي هو الرأي الصحيح والسديد، فإنني وافقت عليه، وفي أثناء خطبتي له تأكدت أنه لا يصلح لي، وصارحته بأنني غير مرتاحة له، لكنه وعدني بأنه سيفعل ما في وسعه لإسعادي، وحذرني أهلي من فسخها، فخشيت أن أكون ظالمة له،
وعند عقد القران اكتشفت أنه يكبرني بسبعة عشر عاما، ووجدتني عروسا تحت الضغط، فكتمت أحزاني، ولم أختر عفشا ولا حتي فستان الفرح، وانسقت الي مصيري الذي ليس لي يد فيه.

وبعد الزفاف وجدته كما تصورت، فأنا بالنسبة له مجرد شيء من الأشياء التي يمتلكها، وأهملني كثيرا، وتعبت نفسيا وجسديا، ثم حملت، ولم يستمر حملي سوي شهرين، ثم حملت مرة أخري، ومرت شهور الحمل بطيئة، ورزقني الله بطفل جميل، فاعتقدت أن زوجي سيتغير الي الأحسن بعد انجابي، ولكنه للأسف زاد في عناده معي وجفائه لي، وبكيت كثيرا، ورجوته أن يجعل بيتنا مستقرا مثل كل البيوت التي تحيطنا وبيوت معارفنا وأصدقائنا، لكنه لم يعرني اهتماما.. وهو يفعل ذلك معي عندما نكون بمفردنا أما أمام الناس فإنه يظهر بصورة مغايرة تماما، ووجدتني أطرق أبواب العيادات والمستشفيات، وكان رد الأطباء يأتيني دائما بأنني أعاني حالة نفسية متدهورة، ولم أجد بدا من طلب الطلاق لاستحالة استمرار حياتي علي هذا النمط العجيب، فاعترض أهلي بشدة، وطلبوا اعطاءه فرصة جديدة، فعدت من حيث أتيت، وعلي مدي عام ونصف العام بعد آخر مرة طلبت فيها الطلاق، وجدتني أزداد سوءا.

ولما ذهبت الي استشاري في الأمراض النفسية والعصبية، قال لي «اذا استمررت علي هذه الحال فسوف تصابين بشلل نصفى»، فذهبت الي بيت أهلي من جديد، وقصصت عليهم ما قاله الطبيب، فالتزموا الصمت، وأبلغته بما اعتزمته فهددني بأنه إما أن يأخذ ابني، أو أن أكتب له ورقة موقعا عليها بأنني اذا تزوجت يصبح ابني في حضانته، فرفضت عرضه، وتم الطلاق، وأصبح ابني في حضانتي، وأتركه يبيت مع أبيه يوما أو يومين كل أسبوع، وعاملته بما يرضي الله.

وكبر ابني، ونحن نعيش معا في بيت أبي، ورفضت كل عروض الزواج خوفا عليه، لكنه يلح علىّ الآن أن يكون لنا بيت مستقل، وفهم مسألة الزواج فلم يمانع في زواجي، وأخشي الزواج مرة ثانية، فكثيرات من المطلقات يفشلن في الزواج في المرة الثانية أيضا، لأن الرجال يريدون دائما من المطلقة أن تتنازل عن الكثير من الأشياء التي تتمناها أي فتاة فيمن ستتزوجه.

وأنا أسألك: أليس لي الحق في أن أتزوج من شخص مناسب لي في السن والفكر والمستوي الاجتماعي؟ ولماذا ينظر إليها الآخرون علي أنها «خاطفة رجال»، وأنها معقدة ويسهل اغواءها؟.. ولماذا يتحدث البعض عنها كأنها آفة أو شيء «معيوب»؟.. وأرجو أن تسمح لي بأن أطلب من الأمهات أن يترفقن ببناتهن، ولا يضغطن عليهن بحجة أنهن يريدن الفرح بهن، وأن أهمس في أذن كل أم تري أن زواج ابنها من مطلقة كارثة، ولو وافقت عليها تعاملها بصورة سيئة، ان تراجع مواقفها وتسأل نفسها لو كانت ابنتها في هذا الوضع، هل كانت ستفعل ذلك؟ وأطلب من الشباب والرجال أن يراعوا الله في زوجاتهم، وأن يتذكروا وصية رسول الله صلي الله عليه وسلم «واستوصوا بالنساء خيرا».. واسأل الله التوفيق للجميع.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

يجب ألا يضغط الأهل علي ابنتهم لكي تتزوج من شخص لا ترغب فيه، فالنتيجة الحتمية ستكون الطلاق، وسوف تبوء كل محاولات ترميم هذه الزيجة بالفشل، فالبنت تتزوج في أي سن وكذلك الرجل، وكل منهما يعد النصف الآخر الذي يكتمل به البناء الأسري، لكنهما لا يلتقيان إلا بإذن الله، وعلي المجتمع كله أن يغير نظرته الي المطلقة، فهي لم ترتكب إثما ولا جريرة، وانما تمردت علي حياة لم تجد نفسها فيها، وتسعي الي الزواج ممن يقدرها، ويسعدها وتسعده، وكما أن هناك امرأة مطلقة، فهناك رجل مطلق، فلماذا لا تنسحب عليه هذه النظرة غير الموضوعية هو الآخر؟..

بشيء من العقل والتفكير، نجد أن الناس تحمّل المرأة فوق طاقتها، فلا تلقي بالا يا سيدتي لما يقوله الآخرون، وكوني قوية، وسوف يوفقك الله الي من يقدرك وتسعدين به ويسعد بك ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أشرف المنياوي
عضو متألق
عضو متألق
أشرف المنياوي

ذكر
عدد الرسائل : 760
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 210
بلد الإقامة : محافظة المنيا
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 Engine10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 S3eed10
نقاط : 6984
ترشيحات : 5
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 I_icon_minitime21/11/2014, 13:08

بريد الجمعة يكتبه: أحمد البري
بـركـان‭ ‬النكـد‭!‬

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 2014-635521130998723468-872
استوقفتنى هذا الأسبوع مئات الرسائل التى يندب كاتبوها حظهم العاثر فى الحياة، بسبب مشكلات وأزمات مع شركاء حياتهم، مع أنها قد تبدو تافهة للكثيرين ومن الممكن تجاوزها وعدم التوقف عندها، فهناك الزوجة التى تشكو بمرارة من متاعب لاذنب لها فيها مع زوجها، وترى أنها فعلت المستحيل لإرضائه. ولكن هيهات أن يرضى أو يلين له جانب، فهو مستمر فى غطرسته معها، وتجاهله لها، ولم تفلح محاولات إصلاحه، أو دفعه إلى معاملتها بشكل راق، وهكذا يصل صدامهما معا إلى حد استحالة العشرة بينهما، فتتفكك الأسرة وتنفصم عرى الرابطة الزوجية، و يتشرد الأولاد. مع أنه لو احتكم الزوج إلى العقل، واتصف بقليل من الحكمة لسارت سفينة الحياة فى مسارها الطبيعى.. وهناك الزوج الذى يلقى باللائمة على زوجته، ويراها دائما نكدية وعصبية، ولا تهتم بنفسها ولا به، وتعامل أهله معاملة غير لائقة، وأن هناك ملايين ممن يتصفن بسمات تفوقها كثيرا، يتمنين أن يعشن فى ربع مستوى المعيشة التى تحياها. فهى لا تحمد ربنا، وتسعى إلى تخريب بيتها بيديها غير عابئة بالأولاد، وتحاول استفزازه بشتى السبل وتدفعه إلى طريق مسدود، فلا يجد مناصا من تطليقها تحاشيا للنكد الذى لاينتهى!

حكايتى‭ ‬مع‭ ‬زوجى


استجمعت شجاعتى لأروى لك حكايتى لعل غيرى من السيدات يجدن فيها حكمة وموعظة يستفدن بها فى مواجهة العواصف فى حياتهن، وأملا فى أن أجد لديك حلا يريحنى من العذاب الأليم الذى أحياه، فأنا سيدة تخطيت الأربعين ببضع سنين، ونشأت فى أسرة متوسطة لأب شديد القسوة والأنانية، وأم طيبة للغاية، أو قل هى نهر متدفق من الحنان، لكنها مغلوبة على أمرها، فلقد لاقت كل صنوف العذاب منه، لكنها ظلت صابرة، وراضية بنصيبها، وأنا ابنتهما الوحيدة، ونتيجة لهذه التربية الصارمة، أصبحت شخصيتى صلبة ظاهريا، لكنى فى داخلى أحمل ضعفا وانكسارا، بمعنى اننى صرت صورة من أمي، وركزت كل جهدى فى الدراسة وأنهيت تعليمى الجامعى بتفوق، والتحقت بعمل أخذ كل وقتي، فكنت أذهب إليه فى الصباح، ولا أعود إلى المنزل إلا فى المساء، فأدخل إلى حجرتى مباشرة وأظل قابعة فيها إلى اليوم التالي، واضعة همى فى نفسى ولا أحدث به أحدا غيري، وتنهمر دموعى كثيرا، فلا أستطيع أن أحبسها، وابتعدت عن الرجال قدر استطاعتي، فحتى زملائى عزفت عن التعامل معهم إلا فى حدود ما يقتضيه العمل، وحرصت على إخفاء كرهى لكل الرجال والذى تولد لدى من تجربة أمي، ولم ألق بالا لمحاولات البعض التقرب مني، فكلهم سعوا إليّ لجمالى ورشاقتى مع أنى لا أعيرهما أى اهتمام، ولم يشغلا بالى كمعظم البنات. ولا يعنى ذلك اننى متبلدة المشاعر، لكنى كنت أحلم بمن يملأ قلبى وعقلي، ويدفئ برد حياتى بالحنان والأمان والحياة المستقرة التى لم أذق طعمها.

ووسط هذه المشاعر المختلطة حدثتنى أمى عن الزواج، وقالت لى كما تقول الأمهات دائما لبناتهن انها تريد أن تطمئن عليّ قبل رحيلها عن الحياة، فاستمع إليها، وأرثى لحالها، ويملؤنى الرعب من أن أكرر تجربتها مع أبي، ويالها من تجربة مؤلمة، فلقد عاشا معا حياة من الجحيم، وما أكثر ما سمعته من عبارات قاسية وجهها إليها، وهو لا يبالى بي، ولا بما يترسب فى نفسى من إحتقان تجاهه، وبرغم خوفى الشديد من الزواج، فلقد وجدتنى منساقة إليه هربا من جحيم أبي، واخترت شابا ممن تقدموا لى أملا فى الخروج من حياتى الكئيبة، ولم يخطر ببالى أننى سأنتقل إلى جحيم آخر باختياري، فمنذ اليوم الأول وجدت زوجى رجلا لايمكن الاعتماد عليه أبدا، إذ لا يتحمل أى مسئولية، وأنانى مثل أبى تماما، ولا تعرف المروءة طريقا إليه، وكل ما يشغل عقله بالنسبة لزوجته هو العلاقة الخاصة، وفيما عداها لا قيمة لها لديه، فاستسلمت لأقدارى وتحملت المسئولية عنه، وصرفت من مالى الخاص الذى ادخرته لنفسى من عملي، وقد تزوجته برغم أن شواهد فترة الخطبة أنبأتنى بالكثير من طباعه خصوصا فيما يتعلق بالالتزامات المادية. حيث تحملت العبء الأكبر فى تجهيز الشقة، ومضت الأيام، ورزقنى الله بالأولاد، وهم أجمل ما فى حياتي، فكرست لهم كل وقتى وجهدي، ثم ماتت أمى ـ رحمها الله ـ فبكيتها كثيرا، ولا تفارق صورتها خيالي، ماتت الصدر الحنون الذى لم أكن أجد ملجأ إلا إليه، فى أوقات الشدة وما أكثرها فى حياتي، ولقد كان يوم رحيلها زلزالا هز كياني، ومازالت توابعه مستمرة إلى الآن.

وواجهتنى سلسلة جديدة من القهر والظلم، ليس من زوجى وحده، وإنما أيضا من أهله، وتكررت خياناته لي، وأحسست بها مرارا لكنى لم أكن متأكدة منها، ثم جاءنى من أبلغنى أن زوجى تقدم لفتاة تعمل معه طالبا يدها، بعد أن عاشا معا قصة حب ملتهبة، فأسرعت إليه، وارتميت تحت قدميه، وأنا أبكى بحرقة، وأطلب منه أن يتراجع عما اعتزمه، وأن يعاملنى معاملة حسنة، ورجوته أن نبدأ صفحة جديدة، وسأكون الزوجة المحبة له والتى تحترم التراب الذى يسير عليه، فرد علىّ بأن بينى وبينه جدارا عاليا لن يستطيع أن يتخطاه، وأزلنى وداس على كرامتى على مرأى ومسمع من أهله، وأمام صديقاتى وجيراني، فانطويت على نفسي، ولجأت إلى ربى فالتزمت بالصلاة وداومت على قراءة القرآن الكريم، ولم أعد الشخصية الصلبة «ظاهريا» فتدفق حنانى على من حولي، وبرغم أنه لمس كل ذلك، فإنه لم يشفع لديه أن يغير موقفه مني، ووجدتنى وحدى أسبح ضد التيار، وتخلى عنى أهله الذين اعتبرتهم أهلي، وقدمت لهم كل رعاية واهتمام، بل ورأوا أنه يستحق غيري، ولم أستسلم لهذا الطوفان، فدافعت بكل عزيمتى عن بيتى وأولادي، وحاربت هذه الفتاة، وأنهيت هذا الارتباط، وهنا حدث انفصال بينى وبينه، لكن دون طلاق، وتدخل المعارف والأصدقاء، وأصلحوا بيننا، ولكن زوجى لم يتغير بل زاد على طباعه السيئة طبعا آخر، وهو الخروج الدائم من المنزل، وافتقدنا التواصل برغم أننا نعيش تحت سقف واحد، ثم عاد الشجار من جديد، وعلا صوته عليّ واتهمنى باننى «رجل ولست امرأة» لشخصيتى القوية، ولم يعجبه ما طرأ عليّ من تغير ويقول لى «بلاش الضعف ده»!.. وبسبب حالة التوتر التى لا تنتهى تم طلاقنا مرتين، ثم عدنا إلى بعضنا مرة أخري، ووفقنى الله إلى العمل بجهة حكومية، وصار لديّ مصدر دخل أنفق منه على أولادى إذا قصر أبوهم من الناحية المادية، والحقيقة اننى تعبت من كثرة النكد، فلقد غابت الابتسامة عنى من ضغطه الشديد علينا، ولم أعد أقوى على تحمل هذه المعيشة القاسية، ولا أجد سبيلا أمامى سوى المهدئات والمسكنات.

واليوم أجد أولادى يهربون منا.. إما بالزواج أو باللجوء إلى الدراسات العليا، وهكذا يعيد التاريخ نفسه. فما حدث لى وأنا صغيرة يتكرر الآن، لكن أخشى ما أخشاه هو مصير طفلتى الصغيرتين اللتين منحهما الله لى على كبر، إذ أحس بأن حياتى لن تستمر طويلا، وإذا مد الله فى أجلي، فإننى أعتقد أن انفصالى عن زوجى هو المصير الذى لا مفر منه، ونحن على هذا الوضع الذى لا يتحمله بشر، لقد زرت الطبيب الذى يعالجنى وعرضت عليه متاعبي، فنصحنى بأن أغير نمط حياتى لأن الانفعالات الزائدة، وسوء الحالة النفسية، سوف يعصفان بي، ويتسببان فى إنهياري، وكثيرا ما أسأل نفسي: لماذا عاد زوجى إليّ بعد مرتين من الطلاق، وكيف يعاشرنى كزوجة وهو كاره لي؟.. وأسئلة كثيرة تراودنى ولا أجد لها إجابة؟..

وإنى أبعث برسالتى إليك لكى ترشدنى إلى حل يريحنى فيما تبقى لى من عمر، وقد أوكلت أمرى إلى الله الذى أوانى ورزقنى وسترني، وهو سبحانه وتعالى من يؤنس وحدتي، ويطمئن قلبى بذكره، والحمد لله رب العالمين.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
الباعث الأكبر على حالة القلق التى تعيشينها الآن هو أنه تم طلاقك من زوجك مرتين. بمعنى أنه اذا حدث الطلاق للمرة الثالثة فى ظل حالة الشجار المستديمة بينكما، فلن ترجعى اليه مرة أخري، وستكون لك حياة مختلفة، سواء عشت مع أولادك وكرست وقتك لهم، او تزوجت من آخر اذا كانت لديك الرغبة وأتاحت لك الظروف ذلك.

وبصراحة شديدة فاننى لا أجد مبررا لهذا القلق بعد عشرتك الطويلة مع زوجك، فأنت ترغبين فى استمرار الحياة الزوجية معه، وهو أيضا لديه الرغبة نفسها، وإلا ما اعادك الى عصمته بعد الطلاق مرتين، ووافقت أنت على هذه العودة المتكررة أملا فى أن تصفو حياتكما من الشوائب، وربما تكونين ـ يا سيدتى قد أسهمت بشكل او بآخر فى تعكير الجو العام بينكما بشخصيتك القوية، حتى وإن كنت تخفين وراءها قلبا مفعما بالطيبة والحنان، كما أسهم فيما أصبحت عليه حياتكما هو الآخر ببخله وتقصيره وتركك تواجهين طلبات الأسرة بامكانيات بسيطة، مع أنه فى استطاعته تلبية احتياجات أبنائه دون أن ينظر الى ما تدخرين من مال سوف تأخذين منه بطبيعة الحال عند الحاجة.

وهذا هو مبعث النكد المستمر فى حياتكما. ولو أنه أراد أن يتزوج من الفتاة التى تحدثت بشأنها، لنفذ ما يرغب فيه، ولكنى أعتقد أنه فعل ذلك من باب التهديد اذا استمررت على عنادك له، وقد نجح فيما ذهب اليه، بدليل أنك سارعت نحوه، وارتميت تحت قدميه طالبة منه الصفح عنك، وأنك سوف تحترمين التراب الذى يسير عليه، وغيرها من التعبيرات التلقائية التى قلتيها فى ثنايا رسالتك.

ومن أهم ما يجب أن تلمسه الزوجة من أسباب للتخلص من نكد زوجها أن تهتم به، وتشعره بأهميته، وتتجاهل المشكلات التى يفتعلها، ولكن عليها فى الوقت نفسه ألا ينصب تركيزها على دائرته، ويجب أن تضبط مسافة معينة فى التعامل مع أهله فلا تبتعد أكثر منها او تقترب الى حد الاحتكاك المستمر معهم، فهذا يزيد الخلافات ولا ينقص منها، كما أن الرجل يحب الزوجة التى تقدر ذاتها كثيرا، وتجبره على تقديرها.

ومن المفاهيم المغلوطة لدى الكثيرين أن الرجل اذا تباسط مع أهله وأدخل السرور عليهم، فإن هيبته تضيع، وهذا مفهوم خاطيء ولكنه منتشر. والمشكلة أن الزوجة تشعر إنها وحيدة مع هذا الرجل الذى لا يشاركها أى لحظة حلوة، ولا ترى فى الحياة معه غير الواجبات والأعباء دون أى لحظات ترويح عن النفس، وهذا النمط من الأزواج يحتاج الى حنكة فى التعامل.

وأظنك ياسيدتى بكل ما مررت به من أحداث على مر حياتك مع زوجك قادرة على الوصول الى الصيغة المثلى للتعامل معه، ومشاركته اهتماماته، وتوسيع دائرة معارفك، واحذرى تسفيه آرائه او الاستخفاف بها فى اثناء الشجار، واعلمى أن الكلمة الطيبة هى بلسم الحياة الزوجية خصوصا فى حالة احتدام النقاش، فهى تنزل على الزوج بردا وسلاما، وتهديء روعه، وتصفى قلبه، كما أن الحوار الهاديء البسيط يجعل لعلاقتكما مذاقا آخر، وأخيرا عليكما تجنب الاعتقاد الخطير أن كلا منكما يواجه صعوبة فى الاستمرار مع الآخر، وفى الوقت نفسه يجب تجديد العلاقة الزوجية بمزيد من العطاء والحب والتسامح، فتعود الأمور الى نصابها الصحيح، فانبذى كل الأفكار العالقة بذهنك، وسوف تتيسر لك الأمور وأحسب أن حياتكما معا سوف تشهد فجرا جديدا من الحب والود الى آخر العمر بإذن الله.



قصتى مع زوجتى
قررت أن أكتب إليك، وكلى أمل أن أجد إجابة على السؤال الذى يراودنى منذ فترة، فأنا شاب ولدت ونشأت فى القاهرة لأبوين من صعيد مصر، وتوفى أبى شهيداً فى حادث مروع خلال عمله، وكان عمرى وقتها أقل من ثلاثة أعوام، ورفضت أمى الغالية الزواج بعد رحيله، وتفرغت لتربيتنا «ولدين وبنتين» وشققنا طريقنا فى الحياة بما غرسته فينا من قيم الصعيد الأصيلة من الكرم، وحب الحق ونبذ الباطل، والشهامة والصدق والتضحية، ووجدتنى رجلاً أتحمل المسئولية، ولم أكن قد بلغت الحادية عشرة من عمري، ولا أنسى أول يوم عمل فى حياتى عندما كان مطلوباً من الصبية وأنا واحد منهم أن نحمل بعض الأشياء من الطابق الأرضى إلى الطابق الخامس بأحد العقارات تحت الإنشاء، وبعد ساعتين من بدء العمل اتفق الصبية على تغيير خطتهم بسرقة ماتم رفعه فى أيام سابقة من الطابق الأرضى إلى الطابقين الثانى والثالث، وبذلك يوفرون وقتاً وجهداً، ورفضت أن أفعل مثلهم، ولما جاء المقاول فى نهاية اليوم وتابع ماحدث عرف أننى الوحيد الذى عمل بالطريقة الصحيحة التى كلفنا بها، إذ أن الصبية الذين كانوا معى لم يزيلوا العلامات الموجودة على الأشياء والتى تميز كل دور عن غيره من الأدوار الأخري، وانكشفت فعلتهم وحصلت على أجرى كاملا، وواصلت العمل فى اليوم الثاني.. أما هم فلقد طردهم المقاول، وظل الإخلاص فى العمل والإجتهاد فى الدراسة هو ديدنى وبعد تخرجى فى جامعة القاهرة وفقنى الله فى العمل باحدى الشركات، وأصبحت أعمل من خلال شركتى فى عدد كبير من الفنادق فئة خمس نجوم، وخلال شهور احتللت المركز الأول فى المبيعات، وألتحقت بعدة دورات تدريبية لتحسين لغتى الانجليزية، ثم عملت بواحدة من كبريات الشركات العالمية، وحصدت ترقيات متتالية، وتم تعيينى مديراً بها، ثم تلقيت عرضاَ للسفر إلى إحدى الدول لأقوم مع فريق دولى متعدد الجنسيات بتأسيس شركة جديدة مماثلة للشركة الكبرى التى أعمل فيها، وسافرت بالفعل، وأسست الشركة، وصرت النائب التنفيذى الأول لرئيس الشركة، وبعد عامين قررت العودة إلى مصر والبحث عن زوجة مناسبة لي، وارتبطت بمن توسمت فى شخصيتها الحنان والرومانسية وسافرت معى إلى البلد الذى أعمل به، وما أن وصلنا إلى هناك حتى وجدت إنسانة أخرى مختلفة تماماً، بركان غاضب، ومشتعل دائما بلا سبب، عصبية تفوق الوصف، ورغبة دائمة فى وأد أى سعادة، وحالة مزمنة من الشك بسبب سفرياتى إلى دول كثيرة كجزء من عملي، ووجدتها أيضاً متسلطة بلا سبب،بل ووصل بها الأمر إلى حد أنها ترى فى رعايتى والدتى العجوز إنتقاصاً من وقتها، فتصب على الجميع براكين النكد لأتفه الأسباب، وهى دائما غير راضية عن كل شيء.

هل تتصور ياسيدى أننى كنت أحضر لها الورد، فلا تأخذه مني، وتنادى عاملة المنزل لتضعه فى المطبخ، وبعد ساعات تأمرها بأن تلقيه فى سلة المهملات.. وهى فوق كل ذلك لاتطيق أن ترى إنساناً سعيداً أو حتى مبتسماً، حتى الخادمة لم تسلم من أذاها، وكثيراً ماطردتها بلا سبب، ثم تعيدها، وتكرر السلوك نفسه معها، والله حتى كلمة «الحمد لله» فشلت فى أن أجعلها تنطقها وتتعود عليها.. وأمام هذه الحالة المزاجية التى لا تفسير ولا علاج لها طلقتها بعد ثلاث سنوات ونصف السنة من الزواج البركاني، فلقد أعطيتها عشرات الفرص لكى تغير طباعها، ولكن هيهات أن تصلح شأنها، وعند الطلاق أعطيتها مايزيد على حقوقها، وقد أثمر هذا الزواج القصير، والذى لم أذق فيه طعم الراحة والاستقرار إبنة رائعة الجمال، وتعيش مع والدتها وأراها أسبوعياً، وأتحدث معها يومياً، وأعرف صديقاتها ومعلماتها، وأزورها فى المدرسة بشكل دوري، وأغدق عليها من كل مارزقنى الله به، فهى حب عمري، وقطعة من قلبي.. لكن والدتها سامحها الله هى سبب تفتيت الأسرة.

لقد جمعت عبر رحلة السنين ثروة طائلة لم أكن أحلم بواحد فى المائة منها عندما بدأت أول المشوار، ولم أقصر فى مساعدة كل من لمست لديه طموحاً من العاملين معي، وأديت الحج عنى وعن والدى رحمه الله، كما أدت والدتى الحج أيضاً، ومنذ شهور استقرت بى الحال فى مصر وأنشأت شركة خاصة فى مجال جديد تماما، ولك أن تتخيل إنسانا ناجحا فى عمله لكن مطلقته هى السبب فى فشل حياته الزوجية، فهل من سبيل للاستقرار على شاطيء الأمان فى بحر الحياة الهائج بالمتاعب والمنغصات؟

ولكاتب هذه الرسالة أقول:

مع التأكيد أن زوجة بهذه الصفات التى ذكرتها تصعب الحياة معها، فلقد كان عليك أن تفهم شخصيتها، وتعاملها على هذا الأساس، لأن تغيير الأشخاص تماما غير منطقى ولن يحدث إلا بإرادة صاحب المشكلة نفسه، وفاتك أن تلعب أكثر من دور فى حياة زوجتك قبل أن تنفصل عنها، وذلك بحبك وحنانك فتحاورها وتساندها وتشرح لها ما يغيب عن فهمها وإدراكها بصبر، مثل حكاية الشك التى تسربت إليها من كثرة سفرياتك مع أنها تعلم أنك فى مهمة عمل، ولا تسافر للنزهة، واذا كانت سفينة الحياة قد انتهت بكما عند هذا الحد، فإنك مطالب بتحرى الدقة وأنت تتطلع الى زوجة جديدة تكمل معها مشوار الحياة، وينبغى أن تعلم أنك لن تجد زوجة بالمقاس، وأسوق إليك ما فعله أبوذر الغفارى رضى الله عنه، فعندما تزوج من امرأة وضع معها الطريقة المثلى للحياة السعيدة، حيث قال لها: يا زوجتى العزيزة.. اذا أنا غضبت فارضني، واذا أنت غضبت رضيتك، وإلا فلن نصطحب، أى ستصبح حياتنا صعبة، نعم يا سيدي، فالحياة الزوجية ليست معركة، وانما هى تعاون على البر والتقوي، وصدق الله العظيم إذ يقول «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة».

والخطأ الأكبر الذى يقع فيه الزوجان أنهما يتركان المشكلات بينهما تتراكم دون مواجهتها أولا بأول، وبغير أن يعبر كل منهما عن قلقه ومخاوفه وتوقعاته وآلامه وهمومه، والصحيح أن يرفع كل واحد شكواه الى الآخر بكلمات واضحة ونبرة ودودة مع الاستمرار والمثابرة، والإلحاح فى عرض الشكوى حتى تصل الى ضمير الطرف الآخر، واذا فعلا ذلك استقرت حياتهما، واذا استمرا فى الضغينة ووصلا الى مرحلة الاستفزاز المتبادل يكون قد غاب عنهما المعنى الحقيقى للمودة والرحمة.

ومن المهم معرفة الأسباب الحقيقية وراء وصول النكد الى المنزل، وعلاجها فى هدوء وصبر، ومسح الماضى السلبى داخل الحياة الزوجية، واستدعاء الذكريات والمواقف التى تدعم العلاقة بينهما.. وأتذكر هنا وصية عبدالله بن جعفر بن أبى طالب لابنته حيث قال لها «إياك والغيرة، فإنها مفتاح الطلاق، وإياك وكثرة العتب فإنه يورث البغضاء، وعليك بالكحل فإنه أزين الزينة، وأطيب الطيب الماء».

وأقول لكل زوجة: اعلمى أن احترامك زوجك، هو احترام لنفسك وكيانك، وأن ما بينكما من المشكلات سر ينبغى ألا يخرج الى الغير من أهلك وأهله، وأقول لكل زوج: إن حبك زوجتك سيعود عليك بالحب والتضحية والاحترام، وأن التفانى فى رعايتها يزيدكما ترابطا وألفة، وأقول للجميع: خذوا الأمور بالتفاهم والاحترام والبعد عن العصبية والشجار لأتفه الأسباب، فهيا ياسيدى: ابدأ حياة جديدة قائمة على الرحمة والمودة، وواصل مشوارك فى الحياة بنفس النجاح الذى حققته، وانتظر حسن العاقبة مادمت تراعى الله فى كل خطواتك، وسوف يكتب لك التوفيق والسداد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
كابتن أحمد منصور
مشرف
مشرف
كابتن أحمد منصور

ذكر
عدد الرسائل : 6488
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 210
بلد الإقامة : المدينة الفاضلة
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 Office10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 Bookwo11
نقاط : 17058
ترشيحات : 47
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 710

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 I_icon_minitime28/11/2014, 16:30

بريد الجمعه: يكتبه:احمد البـرى
الشريك الثالث!


بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 2014-635527162476500880-650

اشتد بى اليأس، ولم أجد غير بابك ملاذا ألجأ إليه طلبا للرأى والمشورة، فأنا سيدة فى الخمسين من عمرى،

نشأت وتربيت فى أسرة ريفية بسيطة بإحدى قرى محافظة ساحلية لأب يعمل مزارعا بالأجر اليومى، وأم ربة منزل، وكلاهما لم ينل أى حظ من التعليم، وأربعة أشقاء، ثلاثة ذكور يكبروننى بعدة سنوات، وأخت واحدة تصغرنى بعامين، ولم تكمل تعليمها بعد الشهادة الابتدائية، وتوقفت عن الدراسة برغبتها مثل عادة البنات فى القرى حتى وقت قريب، وقد حبانى الله بالجمال والذكاء، فكنت محط أنظار الجميع، وشجعنى أساتذتى على التفوق، فحصلت على مركز متقدم بمدرستى فى المرحلتين الابتدائية والإعدادية، وانتقلت إلى الصف الأول الثانوى وسط زغاريد الأهل ومباركة الجيران، ولم تمر أشهر معدودة حتى طرق بابى عريس من القاهرة يمت لنا بصلة قرابة، ولم تكن لى أى معرفة سابقة به، وما حدث هو أنه رآنى فى حفل زفاف احدى قريباتى فى الحى الشعبى الذى يسكن فيه، وأعجب بى، وتحدث مع والدته بشأنى ورغبته فى الزواج منى، فأثنت على اختياره، وقالت له إنها قريبتنا، وأفضت إلى والدتى بما اعتزماه، ولما تأكدت أسرته من موافقتنا، جاء والده وأبرم اتفاقا مع والدى على عقد القران والزفاف خلال ثلاثة أشهر، بما يعنى أننى سأتوقف عن دراستى عند هذا الحد، فعريسى غير متعلم، ويعمل فى ورشة للنجارة مع أبيه وإخوته، وبالطبع سأنتقل للاقامة معه فى القاهرة... إذن كل الدروب مغلقة امامى لتحقيق حلمى فى الدراسة والحصول على مؤهل جامعى، وهو الهدف الذى كثيرا ما حلمت به، لكنه تحطم على صخرة الزواج، والتقاليد والأعراف السائدة لدينا، وبكيت بكاء مريرا، ورجوت أبى أن يؤجل زواجى ويعطينى الفرصة، ولو لمدة عامين للحصول على الثانوية العامة، والانتساب إلى إحدى الكليات النظرية، ولكن هيهات أن يقتنع بشىء هو يراه ضد ما جرى العرف عليه فى بلدتنا، فنحن لن نكون نشازا عن القاعدة التى تقول إن البنت مكانها البيت، واستسلمت لاملاءات أبى، وتم زفافى إلى زوجى فى يوم مازلت أذكره بكل تفاصيله، إذ لم تعرف البسمة طريقا إلىّ، وكنت أسمع الزغاريد التى تنطلق حولى، وكأنها طلقات رصاص موجهة إلى قلبى الصغير، وبين يوم وليلة وجدتنى زوجة فى بيت بحى شعبى يضم العائلة كلها، وكان زوجى يخرج فى الصباح الباكر بصحبة أبيه وإخوته، ويعودون آخر اليوم، فتتجمع الأسرة لتناول طعام العشاء، ثم نتفرق إلى حجراتنا، فننام ساعات الليل انتظارا لصباح جديد، وعلى هذا النمط سارت حياتنا، ومرت أشهر، ولم أحمل، فظهرت بوادر القلق على الجميع بمن فيهم أهله وأهلى، وبدأت الأقاويل بأننى غير قادرة على الإنجاب، فالمرأة فى هذه الحالة هى المتهمة وحدها، وأجريت لى فحوص عديدة أثبتت أننى سليمة، وبعد ضغوط عديدة خضع زوجى لفحوص مماثلة، وأخيرا تبين أنه المسئول عن عدم الإنجاب، ودخلنا فى دوامة التجارب الدوائية تارة، وخوض تجارب أطفال الأنابيب تارة أخرى، وباءت المحاولات كلها بالفشل، وساءت حالتنا النفسية أنا وزوجى، وسيطر الحزن على أسرتينا، خاصة أننا الوحيدان اللذان لم نرزق بأولاد، واعتبرت ذلك اختبارا من الله لقوة إيماننا.

ووجدتنى ازداد قربا من زوجى، ولم أفكر لحظة واحدة فى الطلاق منه والزواج من آخر قادر على الإنجاب، فالحق أننى وجدته طيب القلب، حلو العشرة، ولم يسئ لى ذات يوم، حتى إن الخلافات المعتادة بين الأزواج والزوجات لم تعرف طريقها إلينا، وهذا فضل من الله لم ينعم به الكثيرون.



ومرت سنوات وأنا راضية عن حالى إلى أن وصلت لسن الثالثة والاربعين، واكتفيت باللعب مع اولاد إخوة زوجى، وأولاد إخوتى فى الزيارات المتبادلة بيننا، وتوقف حلمى فى الأمومة عند عاطفتى تجاههم، دون أن يكون لى ابن من صلبى، وذات ليلة استيقظ زوجى كعادته كل يوم لأداء صلاة الفجر، ودخل الحمام للوضوء، وسمعت فجأة صوت ارتطام شىء على الأرض، فأسرعت إليه استطلع ما حدث، فوجدت زوجى ملقى على الأرض، والدم ينزف من رأسه، فصرخت بأعلى صوتى، وجاءنا أبوه وإخوته، وحملوه إلى المستشفى، ولم يفلح الأطباء فى إسعافه، وفارق الحياة، شىء ولا فى الكوابيس المزعجة، فالأمر كله لم يستغرق دقائق معدودة، وصارت الأيام مثل بعضها، وظل سؤال واحد يشغلنى هو: كيف ستمضى حياتى بعد رحيله؟... وأفقت على طلب أهل زوجى الراحل، بإعطائى حقى فى الميراث نقودا، والانتقال إلى سكن آخر، فحاولت أن أتفاهم معهم بهدوء، ولكنهم أصروا على موقفهم، وتغيرت معاملتهم لى، وأمهلونى شهرين لتدبير أمرى، ولم أشأ أن أرفع دعوى فى المحكمة للحصول على حقى كما هو، وليس نقودا، لن أستطيع بها أن أشترى سكنا آخر، إذ ليس لى مكان يؤوينى بعد أن حصلت على حقى فى المنزل من ميراث أبى، وصرفه زوجى الراحل، ضمن متطلبات المعيشة، وشددت رحالى إلى إخوتى، وأبلغتهم بما جرى لى. فلم تدعنى أختى أكمل حديثى، وكذلك زوجها، أكرمهما الله. فلقد جاءا معى إلى القاهرة، وأخذت مستحقاتى، ومتعلقاتى الشخصية، وانتهى بى المطاف فى منزل أختى، حيث خصصت لى حجرة مستقلة، وبرغم أن زوجها رجل بسيط يعانى أمراضا عديدة إلا أنه كان سباقا إلى تقديم طلب معاش لى فى الضمان الاجتماعى، وظللت ثلاث سنوات على هذه الحال، كما أن اخوتى الأشقاء برغم بساطة معيشتهم، وقلة دخلهم، فإنهم حرصوا على السؤال عنى والاطمئنان علىّ.. وأوكلت أمرى إلى خالقى، وعشت فى حالة سلام داخلى، وفوضت أمرى إلى الله سبحانه وتعالى، وبعد نحو ثلاث سنوات جاءنى أخى الأكبر، وجلس معى بصحبة أختى وزوجها، وقالوا لى إن رجلا فاضلا من محافظة مجاورة يرغب فى الزواج منى بعد رحيل زوجته، وزواج جميع أولاده، واننى ستكون لى حياتى الخاصة، والحقيقة أننى تخوفت كثيرا من الارتباط الثانى، واستعدت زكريات ما حدث لى منذ إخراجى من المدرسة، وتزويجى رغما عنى، وعدم إنجابى، ثم رحيل زوجى، وطرد أهله لى، وتساءلت فى نفسى: لماذا لا أجرب نصيبى. فربما أجد راحتى لديه، ويخفف جزءا من آلامى، ويحمل عنى بعض همومى، ويضمد جراحى؟!، وبذلك أخفف العبء على أختى وزوجها وأولادهما. فوافقت عليه. وانتقلت إلى حياة مختلفة تماما عن التى عشتها من قبل، وبصراحة فإننى لم أجد من زوجى الثانى أيضا إلا كل شىء طيب.



وعشت فترة فى استقرار، وأحسست براحة نفسية، وحمدت الله على ما أنا فيه، وأحس زوجى ببعض التعب، فزار الطبيب أكثر من مرة، لكن آلامه زادت بشكل كبير، فحملناه إلى مستشفى شهير فى المدينة المجاورة للقرية التى نسكن فيها، وجاءت الفحوص الطبية صادمة، إذ أكدت أنه مريض بالسرطان فى العمود الفقرى. ولم يجد أولاده بدا من أن يبيعوا قطعة أرض يملكها أبوهم لتغطية مصاريف علاجه، وكنا نلتقى فى موعد الجلسة ونحمله إلى معهد الأورام لتلقى العلاج، وشيئا فشيئا تدهورت صحته تماما، ولم يعد يستطيع الوقوف على قدميه، فأنظر إليه، فأجد الدموع تترقرق فى عينيه، فإذا بى أجهش بالبكاء بصوت مسموع. وما أقسى اللحظات التى كنا نحمله فيها إلى السيارة ثم نصعد به إلى حجرة العلاج بالمستشفى، ثم نعيده إلى المنزل بالطريقة نفسها، وقد أصابه الهزال، وجاء يوم رفض فيه أن يتناول أى طعام أو شراب، بل ورفض أن يذهب إلى جلسة العلاج، فحملناه رغما عنه إلى المستشفى كالعادة، فاستسلم لنا وهو شبه غائب عن الوعى. وارتجف قلبى من شدة خوفى عليه، وفى أثناء الجلسة توقف الطبيب عن استكمال جرعة الكيماوى، وقال فى أسى: «البقاء لله».. هنا ارتميت على الأرض، وغبت عن الوعى فنقلونى إلى العناية المركزة وأفقت هذه المرة على واقع مرير جديد، وتكرر سيناريو ما حدث لى بعد وفاة زوجى الأول، فما هى إلا شهور معدودة حتى طلب منى أولاد زوجى نفس الطلب السابق بأخذ حقى والرحيل من حيث أتيت، ولم يكن ممكنا أن أنازعهم فى المحاكم، كما لم أنازع إخوة زوجى الأول، فأنا لا أقبل أن أعيش وسط أناس لا يريدوننى، فمهما بلغت درجة طيبتهم وشهامتهم، فأنا فى النهاية قد حللت محل أمهم، ولا يرغبون فيمن تذكرهم بها، وهكذا عدت إلى أختى فلقيت منها ومن زوجها كل ترحيب بى وجدد لى ـ شفاه الله ـ أوراق معاش الضمان الاجتماعى، وركزت كل جهدى فى تربية أولاد أختى، فتابعت دروسهم، وقمت بتوصيلهم إلى المدارس، وصاروا كل عالمى، واعتبرتهم تعويضا لى عن الأولاد، فهم بالفعل أولادى، وينادوننى بـ «ماما»، وكلما نادانى أحدهم بها أشعر بالسعادة، وتسرى البهجة فى نفسى، فأنا بالفعل أمهم، وما أعظم الفرحة التى ترتسم على وجه أختى بهذا النداء الجميل.



ومنذ أيام تكرر المشهد السابق من جديد، وجاءنى إخوتى بزوج جديد أرمل، ويكبرنى بعدة سنوات، وقد تزوج أبناؤه إلا بنتا مازالت فى المرحلة الثانوية، ومن القرية نفسها التى نقطنها، ويعلم بقصتى كاملة، ويؤكد أننى سأكون كل شىء فى حياته، وأن أولاده جميعا يرحبون بى، بل ويرون أننى مثالية فى كل شىء بعد أن روى لهم مشوار حياتى الذى يعلم عنه الكثير من التفاصيل بحكم انه من أهل القرية، لكنى ما إن سمعت عن زواج ثالث، إلا وانخرطت فى بكاء متواصل، فأنهى اخوتى الجلسة معى، وأوكلوا الأمر إلى أختى التى يعرفون كم تحبنى، وكم أحبها، وبعد ما يقرب من أسبوع، قالت لى بهدوء شديد.. زواجك هذه المرة مختلف تماما، انت هنا معى، وهذه حجرتك وهذا بيتك، ولن تبعدى كثيرا، فالرجل الفاضل الذى تسبقه سيرته الطيبة، من أهل القرية، ثم إن الأعمار بيد الله، ولا يدرى أحد ماذا سيصنع به القدر.. تزوجى على بركة الله، وربنا يوفقك.. سمعت كلماتها التلقائية وهى التى لم تنل أى قدر من التعليم ووجدتنى فى حيرة من أمرى، فهل بعد رحيل شريكين لى فى الحياة ارتبط بشريك ثالث، وأترقب ما سيحدث لى.. إننى أعلم تماما أن الأجل مكتوب ومحدد، وقد أرحل قبله عن الحياة، لكنى اعود وأسأل نفسى: لماذا لا أرضى بما أنا فيه الآن، وأستكمل مسيرتى فى الحياة على هذا النحو إلى أن يحين الأجل المحتوم؟!.

إن الحيرة تقتلنى ياسيدى.. وقد عجزت عن التفكير، فبماذا تشير علىّ؟.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

تفقد الحياة معناها فى اللحظة التى يصيبنا فيها اليأس، ويتملكنا الحزن، والمسألة برمتها، ياسيدتى، لا تتعلق باختيار شريك ثالث لحياتك بعد رحيل شريكيك الأول ثم الثانى، فالأعمار لا حيلة لنا فيها، وقد قدرها المولى عز وجل بميزانه وحساباته، فقال تعالى... «لكل أجل كتاب»، «فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون» وفى ذلك يقول الشاعر.



كم من مريض مات بغير علة...

وكم من سقيم عاش حينا من الدهر

ولديك المثالان على ذلك، زوجك الأول الذى مات فجأة بلا مرض، وزوج شقيقتك المريض الشهم، الذى مازال حيا يرزق، ولم يهزه المرض، ويتلقى العلاج المستمر، ومع ذلك يواصل حياته بشكل طبيعى، ويسعى فى الأرض بغير ضيق ولا ضجر، فلا تنظرى إلى عرض الزواج المقدم لك الآن على أنه تجربة ثالثة، فلقد انتهت زيجتاك السابقتان بعد رحيل الزوجين، وقد أثنيت على كليهما، ولكن لعبت الظروف دورا فى تركك منزل الزوجية نتيجة تعنت إخوة زوجك الأول، وعدم رغبة أولاد زوجك الثانى فى بقائك معهم، ولا يعنى ذلك أن التجربة ذاتها سوف تتكرر بحذافيرها، وإنما يتعين على إخوتك أن يضعوا النقاط على الحروف مع من تقدم للزواج منك، بتحديد كل شىء يتعلق بحقوقك الزوجية، فهذا هو الأصل فى الزواج، ولا تؤخذ المسألة بحسن النيات، ولا بنقاء سريرة الرجل الراغب فى الارتباط بك، فالأوراق المكتوبة تريح الجميع، وتعطى كل ذى حق حقه.



إن ما واجهته، يا سيدتى من مصاعب وآلام نفسية هو مسألة قدرية، لا يد للبشر فيها، وقدرك أن تواجهى الاختبار الأصعب فى الحياة، بعد أن تحملت الاختبارات السابقة، وهى كثيرة بدءا من امتثالك لرغبة أسرتك فى إخراجك من المدرسة، وتزويجك بمن رأوه مناسبا لك، ثم عدم انجابك، ورحيل زوجك الأول، وتكرار الأمر نفسه مع زوجك الثانى.. ومن تتحمل كل هذه المآسى يصعب أن يعرف اليأس طريقا إليها أو تركن للاختيار السهل، بالبقاء مع أختها، على بدء حياة جديدة خوفا من قدر إن أراده الله سبحانه وتعالى، فلا راد لحكمه، فلا تترددى فى قبول الزواج من هذا الرجل الذى اطلقت عليه اسم «الشريك الثالث» فمن تصنع صنيعك تبدو دائما كالورقة الخضراء التى لا تسقط ابدا مهما هبت عليها الرياح، واشتدت حولها العواصف والأعاصير، وعادة ما يكون آخر مفتاح فى مجموعة المفاتيح هو المناسب لفتح الباب، ولعله هذا الرجل الذى ربما يكون الحق تبارك وتعالى قد ساقه إليك لتعويضك عن كل ما ألم بك من شدائد.



إن اختبارات الحياة تبين مدى صلابة الإنسان أو ليونته، وقوته أو ضعفه، وأراك قوية بعزيمتك ورجاحة عقلك فى تسيير الأمور، فلا تجعلى الأحزان التى مرت بك حبلا يشدك إلى الخلف، بل اصنعى منها طاقة تدفعك إلى الأمام، ولا تنسى وعد الله «وبشر الصابرين» ومادامت هناك حياة، فأن الأمل موجود، وهو النافذة التى مهما صغر حجمها، فإنها تفتح آفاقا واسعة فى الحياة، والأمل شىء رائع، والأشياء الرائعة لا تموت، كما أن أروع هندسة فى العالم هى أن يبنى المرء جسرا من الأمل على نهر من اليأس، وإذا كنت ترين أن الأحداث التى مررت بها على مدار مشوار عمرك حتى الآن، كلها ضدك، فإن الله معك، ومن كان الله معه، فإنه عز وجل يكفيه، فآفة الكثيرين أنهم ينظرون دائما إلى الباب الخلفى، ويديرون ظهورهم إلى الأبواب المفتوحة، وهى كثيرة.



إننى أرجو، يا سيدتى، ألا تتخلى عن صفاء نفسك ورضاك بما قسمه الله لك، ففى ذلك طمأنينة لا يعادلها شىء، ومن ثمرات الإيمان بالله أنه سبحانه وتعالى يسلى العبد عند المصائب، ويهون عليه الشدائد، «ومن يؤمن بالله يهد قلبه» وفى الحديث القدسى «أنا عند ظن عبدى بى، فليظن بى ما شاء»، فأحسنى الظن بالله، وتقربى إليه، وتأملى هذا القول البليغ:

كم فرج بعد إياس قد أتى



وكم سرور قد أتى بعد الأسى



من يحسن الظن بذى العرش جنى



حلو الجنى الرائق من شوك السفا



وأرجو أن تنفضى عنك غبار الأحزان، ويكفيك أنك تشربين الماء الزلال، وتستنشقين الهواء الطلق، وتمشين على قدميك، وتنامين ليلك فى أمان... أسأل الله أن ينزل السكينة على قلبك، وأن يرشدك إلى طريق الصواب والفلاح.. إنه على كل شىء قدير.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
رنة خلخال
مرشح
رنة خلخال

انثى
العمر : 45
عدد الرسائل : 1481
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 210
بلد الإقامة : الفيوم
احترام القوانين : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 111010
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 Unknow10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 8010
نقاط : 7520
ترشيحات : 5
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 I_icon_minitime5/12/2014, 10:18

الفريسة الثمينة!

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 2014-635533240909252487-925

أعيتنى الحيل، وتفرقت بى السبل، وفشلت فى الوصول إلى حل لما أعانيه، فقررت أن أكتب إليك حكايتي، عسى أن تجد لى مخرجاً مما انسقت إليه بإرادتي، وأصبحت أسيرا له، فأنا رجل فى الثانية والستين من عمري، عشت حياة عادية، حيث تخرجت فى إحدى الكليات، وعملت فى شركة كبرى،
وتزوجت، ورزقنى الله بولد وبنت، وحاولت كثيرا تجاوز الخلافات بينى وبين زوجتى من أجل أن تمضى بنا سفينة الحياة، إلى أن استحالت العشرة بيننا، وأنا فى سن الرابعة والخمسين، فسافرت إلى إحدى دول الخليج العربي، وانضم ابناى إلى والدتهما، وحرصت على التواصل معهما، والاطمئنان عليهما، فهما قرة عيني، وفى إطار بحثى عن زوجة تستقر بها حياتي، تعرفت على سيدة مغربية تحمل جنسية دولة أوروبية رائدة، عن طريق موقع للزواج على شبكة الإنترنت، وقد صرت أسيرا لها، إذ حاصرتنى بشتى السبل، لتعرف كل اخباري، وموقفى المالي، وعلاقتى بابنيّ، وأوعزت لأخريات من بنات جلدتها بتتبع أخباري، فكن يتصلن بى عن طريق نفس موقع الزواج، ويحاولن معرفة ما أكون قد أخفيته عنها من معلومات، ولم أكن أدرى أنهن على اتصال ببعضهن!.

وحسمت أمرى بالزواج منها، وعرضت عليها المجيء للمعيشة معى فى الدولة الخليجية التى أعمل بها، لكنها رفضت، وطلبت منى السفر إليها فى بلدها الأوروبي، بحجة أنها مرتبطة به، ولكى تكون قريبة من ابنتها هناك، وأقنعتنى بأن حياتنا فى أوروبا سيكون لها طعم آخر، ولا أود الدخول فى تفاصيل الإنهاك والابتزاز المادى الذى تعرضت له منها، والمراوغات والمماطلات فى إتمام هذه الزيجة، حتى وجدتنى مستقيلا من عملي، وجامعا كل ما معى من حصيلة بيع سيارتى و«عفشى» ومستحقات نهاية الخدمة، وأودعتها فى حسابها، ثم سافرت إليها، وهناك واصلت مماطلتها فى إتمام الزواج بأكاذيب وحجج اتضح لي، فيما بعد عدم مصداقيتها، فلقد أبلغتنى أن المسئولة عن ملف الزواج فى البلدية التى يتبعها سكنها فى إجازة، فصدقتها خصوصا أننى تأكدت بالفعل أنها قدمت الملف، ومعها ما يثبت ذلك، وبالمصادفة كنت أتجول بمفردي، ومررت من أمام مقر البلدية، فدخلت لأسأل عما إذا كانت المسئولة عن الزواج، قد عادت من إجازتها أم لا، فوجدتها أمامي، وقالت لى أنها ليست فى إجازة، وإن ملف زواجى من هذه السيدة قد أغلق بناء على طلبها، وإنها مستعدة لفتحه مرة أخرى كمساعدة منها لي، ثم سألتني: هل تعرفها جيدا لكى تتزوج منها؟... وعندما لاحظت دهشتى من السؤال، ومحاولتى استيضاح الأمر منها، أنهت المقابلة بأسلوب مهذب، دون أن تجيب على استفساري، وخرجت من البلدية، وقد انفجر داخلى بركان من الضيق والحزن، ودار فى رأسى شريط علاقتى بها، وابتزازها لي، وملاحقتها هى وصديقاتها لكل خطواتي، وفور عودتى إلى المنزل واجهتها بما قالته لى المسئولة عن ملف الزواج، فراحت تتذرع بأكاذيب أخري، ومبررات واهية، لم أقتنع بها بعد أن تغلغل الشك فى نفسي، فطلبت منها تسليمى مالي، كما اتفقنا من قبل، فوعدتنى بتحويله لى فى اليوم التالي، ثم أجلت التحويل يوما بعد يوم بحجج بدت لى مكشوفة جدا، وحاولت أن تكون أكثر ودا ولطفا معى عن ذى قبل، ولكنى أصررت على موقفي، وكلما تحدثت فى الهاتف تجرى ابنتها نحوي، وتحتضنني، وتضع رأسها على كتفي، فى محاولة مكشوفة لكى تعرف مع من أتكلم، ثم تبلغ أمها بما سمعته، وذات يوم طلبت منى أن نخرج معا فى نزهة بسيارتها نتفق خلالها على ما أريده، وأعطت مفتاح البيت لشخص آخر، ورتبت معى الأمر على أن تعطينى مالي، وأعود إلى مصر، وعدنا إلى البيت آخر النهار، وبت ليلتي، وفى الصباح ذهبت إلى مكتب الطيران لحجز تذكرة السفر، وانتظرتها أن تأتى لى بالمبلغ الكبير الذى أودعته لها فى البنك، لكن الوقت مر، وأغلق المكتب أبوابه، ولم تأت ثم جاءنى اتصال منها، بأنها فى طريقها إليّ، وأنها تأخرت لظروف خارجة عن إرادتها، ومضت ساعات طويلة، وأنا لا أدرى ماذا أفعل، ثم فوجئت بها أمامي، ومعها حقيبة ملابسي، فألقت بها على الرصيف، حيث كنت واقفا، وأنا فى ذهول شديد، وعندما سألتها عن أموالي، قالت لى «مالكش عندى شيء» وانطلقت بالسيارة بسرعة البرق، وفتحت الحقيبة، فلم أجد بها المستندات التى تثبت أننى أودعت أموالى باسمها، فاتصلت بالكثيرين من المصريين والعرب بهذه الدولة، لإفادتى ماذا أفعل إزاء هذا الموقف العصيب، فلم يساعدنى أحد، ولم يكن ممكنا إبلاغ البوليس، وقتها دون أن يكون معى مستند يثبت أن لى حقا لديها، أو أننى أودعت باسمها أى مبلغ ووجدتنى بلا مأوى ولا ملاذ، ولا معين فى هذا البلد الأجنبي، وارتميت على الأرض مغشيا عليّ نتيجة صدمة مخية، وشلل نصفى مؤقت، ولما أفقت تلفت حولي، فإذا بى فى غرفة الإنعاش فى المستشفى الجامعى والرئيسي، حيث حملنى المارة إليه، وقد طلبت مغادرته، لأننى لا أملك تكاليف العلاج، فأكد لى الأطباء الذين تناوبوا على علاجي، أننى من المستحيل أن أخرج من المستشفى إلا بعد الشفاء التام، وأن مسألة التكلفة لن تكون محل مناقشة إلا بعد انتهاء العلاج، ولما علموا بقصتى حولونى إلى الإخصائى الاجتماعى بالمستشفي، الذى وجهنى إلى إخصائى قانونى لتوجيه النصح، والإرشاد لى للخلاص من الأزمة التى عصفت بي، والحقيقة أنه ساعدنى فى الحصول على نسخة من مستندات إيداعى أموالى باسم السيدة المغربية، وفى رفع دعوى نصب واحتيال ضدها أمام القضاء، ونظرا لعدم إجادتى لغة هذا البلد، ولقوة علاقات هذه السيدة التى تمتد لأكثر من اثنين وعشرين عاما، والتى تتغلغل فى جميع مؤسسات الدولة، كما أن زوج أختها يعمل فى البوليس، فقد تم تمرير التحريات، ومن ثم حفظ الدعوى الجنائية ضدها، وليس أمامى سوى إقامة دعوى مدنية، وحاولت اللجوء إلى أى جهة مصرية تساعدنى فى استعادة حقي، ولو على مستوى النصح القانوني، فقوبلت بالتجاهل الشديد حتى من السفارة المصرية هناك.. وانسدت كل الأبواب فى وجهي، وتحولت إلى مريض نفسي، وبالفعل دخلت مستشفى للأمراض النفسية، فتعرفت فيه على سيدة أوروبية، تخضع فى المستشفى للعلاج من إدمان «المسكرات» التى أصابتها بحالة نفسية سيئة، وحكيت لها قصتي، واعتمدت عليها فى ترجمة الرسائل المرسلة لى من المدعى العام، بخصوص السيدة المغربية، والحقيقة أنها انتشلتنى من الحيرة التى تملكتني، فلقد عرضت عليّ المبيت بشقة أمها المقيمة بدولة أوروبية أخري، حيث إنها لا تأتى إلى بلدها إلا فى أوقات متباعدة جدا، فوافقت على عرضها شاكرا فضلها، وأعطتنى مبلغا بسيطا من المال كعربون إقامة دعوى مدنية ضد المغربية، وذهبت إلى محام لتوكيله فى القضية، وبعدها بأيام تعرضت لضغوط رهيبة لمغادرة هذه الدولة، وعدم اقامة الدعوي، لدرجة أن المحامى نفسه قال لي: إننى حتى لو كسبت القضية فلن أستطيع استرداد أموالي، إذا ادعت هذه السيدة عدم قدرتها على السداد، إذ لا يجبرها القانون على تسديد المال فى حالة عدم توافر فائض لديها، ونصحنى بالسفر إلى مصر إلى أن يتمكن من إقامة الدعوي، وفعلت ما أشار عليّ به، وتكبدت عناء اتصالات دولية عديدة به، دون الوصول إليه، ففى كل مرة كانت سكرتيرته هى التى ترد عليّ، وتعدنى بإخباره، ثم أعاود الاتصال به، واكتشفت أننى أبحث عن سراب.. ولم أجد ملجأ سوى السيدة الأوروبية التى قابلتها فى المستشفي، والحق أنها لم تتأخر عن مساعدتى فى الاتصال بالمحامى وهيئات المساعدة القانونية المجانية للضغط عليه لرفع الدعوي، وعندما حل موعد الجلسة كان يتعين عليّ حضورها، ولكن سفارة هذه الدولة بمصر رفضت إعطائى تأشيرة دخولها بحجج مختلفة، وعندما علمت السيدة الأوروبية بالمأزق الذى أواجهه عرضت عليّ الزواج، فقبلت بالارتباط بها مع أنها فى مثل عمري، وسافرت إليها وتزوجتها، وحضرت الجلسة الأولى بعد أن تم تأجيلها عدة مرات.

وبعد زواجى من الأوروبية ظهرت الشخصيات القميئة لها ولأهلها، فهى مدمنة خمر حتى الثمالة، وتتخيل أشياء لم تحدث، وكانت لذلك انعكاسات سيئة على صحتى البدنية والنفسية، وعانيت الأمرين من أهلها، إذ إنهم لم يخفوا كراهيتهم العرب والمسلمين، وسعوا حثيثا لطردى من البيت لعلمهم أننى فى حاجة إليه، وليس لى مأوى غيره، وساعدتهم زوجتى على طردى أحيانا بضغط منهم، ثم كانت تساعدنى دون علمهم لحاجتها الشديدة إليّ حيث إننى أرعاها، وأشترى لوازم المنزل لها، وأطهو الطعام، وأمنعها من تعاطى الخمور قدر المستطاع، وقد وصل بهم الأمر إلى حد إخراجى من المنزل رغما عني، ولكن البوليس منعهم، حيث إننى أقيم به رسميا، وهنا توقفت عن اعداد الطعام، وأصبحت اتناوله خارج البيت، وعرفت أن زوجتى تخشى الخروج من المنزل، وأن ما تريده منى هو خدمتها أو أن أغادر المكان ولما رفضت لفقت أم زوجتى لى اتهامات عديدة، لكى تضعنى فى موقف سيئ مع البوليس، فاستأجرت أحد العرب من بلدان شمال افريقيا، ليسحبنى خارج المنزل بحجة احتياجه لى للذهاب معه إلى مكان بعيد لقضاء حاجة له، ونجحت فيما فكرت فيه، وغيرت مفتاح الشقة، فاضطررت إلى الإقامة فى مكان آخر، لكن زوجتى كانت تعيدنى إلى المنزل فى الأوقات التى تكون حالتها فيها على ما يرام، إذ كانت تتردد على المستشفى لفترات طويلة.. وتكررت القصة معها ومع والدتها بسيناريوهات مختلفة مما أثر سلبيا على حالتى النفسية، فى الوقت الذى لاحقتنى فيه السيدة المغربية فى كل إدارة حكومية أذهب اليها طلبا لخدمة ما، لكى تضيق الخناق عليّ، وترسل بنى جلدتها لكسر صندوق البريد الخاص بى وبزوجتى فى مدخل العمارة، وسرقة ما به من مراسلات، فتثور المشكلات بيننا ظنا من زوجتى بحالتها المرضية أننى أستولى على بريدها.. واضطررت من جديد للعلاج فى مستشفى الأمراض النفسية مع المماطلات فى القضية من جانب المسئولين هناك لتجنب إدانة مواطنتهم المغربية، وللأسف فإن القضاء لا يناقش مثل هذه القضية إلا مرة واحدة كل عام، واتهمت المحامى بالموافقة الضمنية على هذه المماطلة، وقد استجاب لى أخيرا، وها أنا أنتظر الحكم القابل للاستئناف خلال شهور.. أما بخصوص طردى من المنزل الذى أقيم به، فلقد نصحنى الإخصائى الاجتماعى فى المستشفى بالشكوى إلى دائرة الإسكان لافتعال مشكلة مع أم زوجتى لطردها من المنزل، أو على الأقل كتابة عقد ايجار جديد يكون اسمى مذكورا فيه، لكن لم أشأ الخوض فى هذا الشأن حتى لا تتسع دائرة مشاكلي، والتركيز فى قضيتى الأهم مع المغربية، وحتى لا أكون ناكرا وجاحدا لوقفة هذه السيدة الأوروبية معي.

وأنى أسألك: هل أغادر هذا البلد، وأعود إلى مصر بعد الحصول على حكم المحكمة بإعادة ما أودعته باسم المغربية لى، وتطليق هذه الزوجة التى زادت مرضي، وأصبحت الغيرة الشديدة تصيبها لو تحدث معى ابنى أو ابنتى أو أحد اصدقائى القدامى باللغة العربية، أو كلما خرجت من البيت لأداء الصلاة فى المسجد، وصرت سجينا، لا عمل لى سوى خدمتها.. هل أفعل ذلك؟ أم أنتظر عامين آخرين إلى أن أحصل على إقامة دائمة بهذه الدولة فأتمتع فيها بتأمين خدمى ممتاز، وأنال إعانة شهرية، ولكنى حينئذ سأكون سجين هذا الزواج إلى نهاية العمر؟!

إننى أعانى وحدة قاتلة هنا، وكنت من قبل كثير التحرك والسفر لطبيعة عملى السابق الممتع، وقد صرت الآن أسيرا للمرض والهواجس، وتشتت الذهن ولا أدرى ماذا أفعل؟.. فبماذا تشير عليّ؟.

ولكاتب هذه الرسالة أقول:

هناك جوانب عديدة للأزمة التى أوقعت نفسك فيها، أبرزها ما يتعلق بالسيدة المغربية حاملة الجنسية الأوروبية، التى تأكد لها أنك صيد ثمين، من خلال الدردشة بينكما عبر أحد مواقع الزواج على الإنترنت، فنصبت شباكها حولك، ونجحت فى الإيقاع بك، بعد أن تجمعت لديها كل الخيوط التى حاولت إخفاءها عنها، إذ حصلت على المعلومات الدقيقة التى كونت بها فكرتها المتكاملة عن كل ما يخصك من خلال صديقاتها اللاتى دفعتهن فى طريقك، وربما يكن جميعا عضوات فى شبكة للإيقاع بالرجال العرب الذين يطمعون فى الحياة بأوروبا، ويغرينهم بهذا العالم المجهول بالنسبة لهم، فيسعين إلى افتراس ضحاياهن، وما أكثر الإغراءات التى يلقين بها فى طريق الفريسة حتى تصبح أسيرة لهن!.. ويتضح ذلك جليا عندما تكاثرت عليك السيدات، ورحن جميعا يخطبن ودك، وبلعت الطعم، وقلت لكل واحدة منهن معلومات مختلفة عما قلته للأخرى دون أن تدرك الخطة الموضوعة للسيطرة عليك، وأفتراسك فى الوقت المناسب.

وما قالته لك مسئولة الزواج فى البلدية التى تقطن بها السيدة المغربية هو عين العقل الذى غاب عنك عندما سألتك: هل تعرفها؟.. وهو تساؤل لا يحتاج إلى استفسار، فالأمر واضح، وهو أنك وقعت ضحية عملية نصب... لكنك تجاهلت القواعد التى كان يجب أن تتبعها، لأن كل همك هو أن تتزوجها، فأى زيجة هذه التى تدفع المرء إلى تسليم كل ما يملكه لكائن من كان، حتى لو كنت قد تزوجتها بالفعل؟!

ولذلك كانت النتيجة الطبيعية لصنيعك هذا أن أحدا لم يساعدك ممن اتصلت بهم، عندما ألقت إليك هذه السيدة بحقيبة ملابسك على الرصيف ثم لاذت بالفرار، فلقد أودعت مالك فى حسابها البنكى برغبتك، وليس تحت ضغط أو إكراه، بل وأودعته من البلد الخليجى، وقبل سفرك إليها.

ولم تتوقف أخطاؤك عند هذا الحد، وإنما تماديت فيها، حيث تزوجت السيدة الأوروبية من باب الطمع، لأنها سوف تفتح لك باب الاستمرار فى بلدها، والحصول على الإقامة الدائمة فيه، ولم يعنك سنها، ولا حتى إن كنت ترتاح لها عاطفيا أم لا، فكل ما ركزت فيه هو مصلحتك، فلقد تزوجتها، وأنت تعلم أنها «مدمنة مسكرات» على حد تعبيرك، ولم تتعاف من حالتها المرضية.

والواضح من سردك الوقائع المريرة التى واجهتها أنك كنت تبحث عن نموذج مثالى للطرف الآخر، لكنك لم تجده، فشريك الحياة الذى يريد أن يكون شريكه فى العلاقة الزوجية منطبقا على الأفكار التى يرسمها فى ذهنه، والتى يصوغها له عقله فى أحلامه الوردية، يعيش حياة الحرمان عندما يفاجأ بواقع على خلاف ما تصوره، وأن الطرف الآخر يختلف عنه فى أشياء كثيرة، ويرفض أن يقدم تنازلات مطلوبة لاستمرار الحياة الزوجية، وتفهم الظروف المحيطة بشريك الحياة، وتعلم فن تأجيل بعض الرغبات، باعتبار أن الحياة لا تكتمل لأحد، كما أن الزواج الناجح لا يتحقق بالإنترنت، فهو علاقة مباشرة بين اثنين يعرفان بعضهما جيدا، ويعطيان نفسيهما مهلة كافية لدراسة جوانب الاتفاق والاختلاف بينهما، ولا أدرى كيف لرجل عاقل فى مثل سنك وخبرتك وعملك أن ينجرف فى هذا المنحدر برغم ما مر به من تجارب، ومنها زيجتك الأولى من أم ابنيك التى لم تذكر شيئا عن دوافع انفصالك عنها، ومهما يكن من أمر فلقد كان عليك أن تتحسب خطواتك فى زواجك الثانى، وترتبط بمن لك بها علاقة مباشرة، فيها تفاعل ومصداقية، لا أن ترتكب حماقات المراهقين الذين تجذبهم الإغراءات الشكلية، والكلام المعسول.

وإنى أسألك: ألم تدرك بعد انفصالك عن زوجتك الأولى أن الزواج يجب أن يقوم على المشاركة بين الزوجين بصورة عملية وواقعية، والود والاحترام، والمساندة فى الظروف الصعبة؟.. وإذا كنت قد أدركت ذلك، ولم يتوافر فى زواجك منها، فما الذى دفعك إلى المغامرة المدمرة بالجرى وراء أوهام السيدة المغربية التى لم تذكر كيف انسقت إليها إلى هذه الدرجة غير المعقولة؟ واكتفيت بالقول: أنك لم تشأ أن تتطرق إلى ذكر الوقائع التى أوقعتك فى حبالها، وأعتقد أنك فعلت ذلك بإرادتك لكى تثبت لها حسن نيتك، بعد أن حاولت نسج علاقة بمن دفعتهن إلى طريقك لاختبارك، فإذا بك تقول لكل واحدة منهن كلاما يختلف عما تقوله للأخريات، فلما انكشف أمرك، انهرت واستجبت لما أملته عليك، فخسرت كل شىء... مالك واستقرارك وصحتك، وعملك، حتى إنك تتطلع الآن إلى الإعانة المالية التى تمنحها الدولة الأوروبية للمقيمين فيها إقامة دائمة، وترى فى التأمين الصحى سببا كافيا لاستمرار حياتك هناك، فهل من العقل والحكمة أن يغلق المرء حياته على هذا الهدف؟... وهل أن تأكل وتشرب، وتتلقى العلاج فقط ـ دون أن يكون لك طموح فى العمل، حتى ولو بعد سن المعاش بالاشتراك فى الجمعيات الخيرية وخدمة الآخرين، وإضافة شىء جديد للحياة ـ هو كل ما تهدف إليه؟.. إن الأمل موجود ما دامت الحياة قائمة، لكن ما حدث لك هو أنك أصبت بالقلق والحيرة والارتباك، وأصبحت الآن تعانى ألما مستمرا، وصداعا دائما، وأرى أنك تعرف الرأى الصواب، وقد حددته بالفعل، وهو عودتك إلى مصر بعد حكم المحكمة المنتظر فى قضيتك، لكنك تحاول أن تقنع نفسك بالاستمرار فى البلد الأوروبى، وإذا لجأت إلى الحل الثانى، فإنه سوف يقضى على أملك فى حياة مستقرة وسعيدة، فكم تساوى الغربة بهذا الوضع الذى تحياه، ومن أدراك أنك ستسلم من السيدة المغربية بعد ان تستعيد مالك منها، ثم كيف ستقيم مع زوجتك الأوروبية بعد أن طردتك أمها، وحتى إذا حصلت على حق السكن لديها وفقا للقوانين المعمول بها هناك، فمن يدريك بما سيكون عليه رد فعلها؟..

إن المسألة برمتها لا تحتاج إلى تردد، وإنما تحتاج إلى تصميم وعزم أكيد، فإن الشجاعة تكون فى اتخاذ القرار، لا أن تضطرب، وتراوح مكانك، وفى ذلك يقول الشاعر:

إذا كنت ذا رأى فكن ذا عزيمة

فإن فساد الرأى أن تترددا!

وينبغى عليك أيضا أن تنهى الضوائق النفسية التى تعانيها باتخاذ قرار نهائى بالعودة إلى مصر، وتطليق زوجتك الحالية، وبدء صفحة جديدة فى حياتك، فالعمر واحد، والساعة التى تمر لن تعود، ولذلك يجب أن تعيشها فى سعادة، وهذه السعادة لن تتحقق إلا بحسم أمرك، فليس يعبس النفس والوجه كاليأس، فإذا أردت الأمل حارب اليأس، والفرصة سانحة لك الآن، كما أن باب الاطمئنان وراحة البال مفتوح أمامك فتطلع إلى الأمل وتوقع الخير، وفقك الله وسدد خطاك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أشرف المنياوي
عضو متألق
عضو متألق
أشرف المنياوي

ذكر
عدد الرسائل : 760
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 210
بلد الإقامة : محافظة المنيا
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 Engine10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 S3eed10
نقاط : 6984
ترشيحات : 5
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 I_icon_minitime12/12/2014, 22:56

بريد الجمعة : يكتبه : احمد البرى
الأميرة الحائرة!


بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 2014-635539278522352296-235

أكتب إليك وأنا فى أمس الحاجة إليك لأنك الشخص الوحيد، الذى أتوسم فيه أن يشير علىّ بالرأى السديد، بعد وفاة أبى الذى كان ظلى وسندى وطبيبى وحكيمى فى الحياة، وأروى لك قصتى منذ البداية، فأقول أننى سيدة فى الخامسة والثلاثين من عمرى، أعمل فى وظيفة مرموقة بوزارة البترول، وعلى قدر كبير جدا من الجمال، كما يقول كل من يرانى، ويتحدث معى، وقد نشأت فى أسرة طيبة لأب جامعى يعمل فى وظيفة كبرى، وأم حنون تتمتع بالطيبة البالغة، وصفاء النفس الذى يلمسه من يتعامل معها لأول وهلة، وأنا الوسطى بين خمسة أشقاء، وأخت واحدة، وتربينا جميعا على الحب والتفاهم، وغرس فينا أبى المبادئ الإنسانية الرائعة، وصارت لنا مكانتنا الاجتماعية المتميزة.

وكنت الوحيدة المدللة عند والدىّ، وقد غمرنى أبى بكل ما تشتهيه أى فتاة من الغالى والنفيس، من الدول العربية والأجنبية التى كان يسافر إليها بحكم عمله، لدرجة أن أفراد عائلتى اطلقوا علىّ لقب «الأميرة»، من كثرة ما يوفره لى أبى من ملابس، وما يمنحنى إياه من هدايا، وبعد حصولى على الثانوية العامة، التحقت بإحدى كليات جامعة القاهرة، وبدأت مرحلة جديدة من حياتى تعرفت خلالها على شاب من عائلة ثرية جدا، وربطتنا علاقة حب قوية، وحكيت لأبوى كل شىء عنه، فأخبرانى أنهما على استعداد لمقابلته هو وعائلته لمزيد من التعارف، فنقلت ما قالاه لى إليه، وانتظرت رده، لكنه تجاهل الأمر، ولما سألته عن سبب تأخره فى إبلاغ أهله، ماطلنى بأسباب واهية، وشيئا فشيئا عرفت السبب الحقيقى لموقفه، وهو أن أهله يرفضوننى أنا وعائلتى، ويرون أن إبنهم مازال شابا طائشا لا يعرف مصلحته، وعندما أخبرت أبى بما علمته، طلب منى الابتعاد عنه، وعدم الحديث معه، فامتثلت لأوامره، وتحاشيت الحديث مع زميلى، فضغط على أهله لكى يخطبونى له، فوافقوا على زيارتنا، وعندما رآنى فى الكلية أبلغنى بموقفهم الجديد، وطلب منى تحديد موعد مع أهلى لطلب يدى، فاحسست بسعادة غامرة تسرى فى عروقى، ولا أستطيع أن أصف لك مدى شعورى بالفرحة، عندما زارونا وجلسوا مع أبى، إذ تصورت وقتها أن طائر السعادة يرفرف على بيتنا، وأن حلمى فى الزواج من الشاب الذى ارتحت إليه سوف يتحقق، وتابعت ما دار فى هذه الجلسة باهتمام شديد، وأنا اترقب اللحظة التى يعلن فيها أبى موافقته على خطبتى له، فإذا به يقول لهم، أعتذر عن تلبية طلبكم، فليس عندى بنات للزواج، فخرجوا غاضبين، وأنا أتصبب عرقا من هول الصدمة، وواجهنى أبى بما قالوه فى أثناء الجلسة، فلقد جرحوه بكلمات قاسية، وانتقصوا منى ومنه، ووصل الامر بهم إلى حد قولهم إنهم لا يتشرفون بهذا النسب، وقد حضروا إلينا لضغط ابنهم عليهم، ولم اقتنع بتبريره، وكسر هذا الصدام ما بينى وبين أبى من مودة، وظللت فى حيرة من أمرى، بين رفض أبى حبيبى الذى ارتبطت به عاطفيا، وقد أحزنه الموقف العصيب الذى عاشه واسرته فى منزلنا، واصرار أبى على شراء كرامتى، كما قال لى، وبصراحة شديدة، فإننى لم أقتنع برد فعل أبى، الذى خسرته لانه بتصرفه هذا كان يرد على موقف أسرته منذ البداية، وكل ما شغل تفكيرى وقتها، هو وأد علاقة حبى، وبعدها طلب منى فتاى أن نتزوج بعيدا عن أهلى، فرفضت بشدة من منطق المبادئ التى تربيت عليها، والتى لا تجيز للفتاة أن تخرج عن طاعة أهلها، ولم يتوقف رفضى عنده وحده، وإنما رفضت كل من تقدموا لى بلا سبب برغم أن أبى وافق على الإرتباط بعدد منهم، بل وزكى لدّى أحدهم، لكن أبلغته عدم ارتياحى له، وقد فعلت ذلك دون أى دراسة أو أن أعطى نفسى مهلة للتفكير لموقف أبى المعاند لفتاى، ثم طرق بابى شاب رفضه أبى، ولما عرفت بهذا الرفض، أصررت على الزواج منه، وكأننى أريد الانتقام، ويبدو أننى كنت غائبة عن الوعى، ولم أدرك أننى أنتقم من نفسى، واستغرب أبى لموقفى، وجلس معى وشرح لى أسباب رفضه له، لكنى صممت أذنىّ عن سماع أى مبررات أو أسباب لعدم قبوله، وتمسكت به، وأصابت أبى حالة ذهول من اصرارى عليه، ولم يجد بدا من الموافقة على زواجى منه، ثم فوجئت به ليلة الزفاف، وقد أحضر مصحفا، ووضعه أمامه، وأقسم عليه، بألا أعود إليهم غاضبة من زوجى، وأن البيت مفتوحا لى للزيارة فقط، ومضيت فى طريق الزواج وأنا أعلم تماما أننى سأتحمل نتيجة عنادى، وأزفت الأزفة، وانتقلت إلى عش الزوجية، وصرت تحت سقف واحد مع من لم أحمل له ذرة حب واحدة، واستمررت فى حياتى معه، وأنجبت منه ولدين، ولكن هيهات أن تتغير طباعه، فهو رجل عنيف فظ، من الممكن أن تسميه «جليدا» أو «جمادا» إذ لا تتحرك له مشاعر، ولا تنتفض له دمعة، غليظ، قاس، صلب، وقد عانيت الأمرين من أمه وأخته التى تكبرنى ببضع سنوات ولم تتزوج، وقاسيت ما لم تتعرض له أى سيدة ممن اعرفهن، حيث تتشاجران معى لأتفه الأسباب، وتفتعلان المشكلات من لا شىء، ولم أهنأ بيوم واحد سعيد فى هذا البيت، ففكرت فى الانفصال عن زوجى، لكنى تراجعت من أجل ابنى اللذين خفت عليهما من النشأة غير الطبيعية.

ولقد تحملت ما لم تتحمله أنثى فى مثل عمرى، وفى كل زيارة إلى أسرتى تتأرجح الدموع فى عينىّ، وأحس بعتاب أبى لى كلما نظر إلىّ، ولسان حاله يقوله «أنت من تشبثت بالزواج ممن لم يقدرك».. فو الله يا سيدى كنت اتحمل الكثير من اهانات زوجى، وتجريحه، واهماله لى، برغم أننى لم ارتكب خطأ، أو أفعل شيئا يضايقه، وقد حاولت أن ألفت نظره إلى موقفه غير المفهوم منى، وطلبت منه صراحة أن يقول لى كلمة حلوة، أو يتيح لى بضع دقائق من الحنان، ولكن هيهات أن يفعلها!.. تخيل يا سيدى انه لم يقل لى كلمة «أحبك» على مدى خمسة عشر عاما، برغم أننى طلبتها منه، ولا تربطنى به إلا «العلاقة اللعينة» التى اكرهها، وأشعر فيها أننى «بهيمة أنثى» لعدة دقائق، وقد فعلت المستحيل، لكى يحس بإنسانة تكرس له كل حياتها، ولست آلة تدور فى البيت، فهو لا يتكلم معى، إلا فى الطعام والشراب، وشراء ملابس الأولاد ومدارسهم، كما أننى أصرف مرتبى بالكامل فى متطلبات المعيشة إذ أن دخله لا يكفى لتلبية ما نحتاجه، ولا تجد معى ربع جنيه خاصا بي، ولم يشفع لى كل ذلك بأن يكون لطيفا معى أنا وولديه، وقد غلبتنى دموعى أمام أبي، فأفضيت إليه ببعض ما أعانيه، وحدثته عن العناء الكبير الذى أتحمله من اهانات زوجى وأهله، وقسوته علينا، فهو لا يعرف طريقة للتفاهم والتربية سوى الضرب، ولم يشأ أبى أن يكرر على مسامعى أننى التى أخترته بإرادتي، أو أن يذكرنى بموقفه عندما أصررت على الزواج منه، وإنما أخذ يهديء من روعي، ويبث فى نفسى كلمات الصبر، ويعوضنى أنا وأبنّى عن الحب والحنان اللذين نفتقدهما تماما.. وصار أبى الملاذ الوحيد لنا، فكلما ضاق صدرى بما أعيشه من متاعب وآلام أهرع إليه، فأجد لديه التعويض الرائع، ويا لها من لمسة جميلة حينما يربت على كتفي، إذ أشعر بأن متاعب الدنيا قد زالت تماما، وأخرج من تحت يديه، وأنا ليس بى شيء..

لكن الأشياء الجميلة لا تدوم يا سيدي، إذ توفى أبي، وكانت وفاته صدمة زلزلت كياني، وأرتبكت حياة ابنّى اللذين ارتبطا به ارتباطا لم يحله إلا موته، ولن أنسى أبدا المشهد المؤثر عندما طلب أبى ابنّى الصغير قبل أن يدخل فى غيبوبة الموت، وقبّل يده، وقال لى إن أولادى هم أولاده.. ومات القلب الحانى الذى كنا نهرع إليه من صحراء الجفاف والقسوة، فنجد لديه أنهار الحنان والرحمة والحب.

وبعد رحيله بقليل، تعرفت على زميل لى فى العمل، تودد إليّ بشكل كبير، ووجدته يعرف عنى كل كبيرة وصغيرة، وأبلغنى أنه ظل عامين كاملين يخفى حبه لى فى صدره، ولم يبح لأحد به، وقد جمع معلومات عنى كثيرة ليقف على حقيقة وضعى الاجتماعي، ولديه معرفة بالمشكلات المستمرة بينى وبين زوجي، والتى على أثرها حدث الطلاق مرتين ثم عودتى إلى عصمته من أجل مصلحة أبنّي، وهذا ما حدث بالفعل، فمن كثرة مشاجراته، والمشادات بيننا كان يلقى عليّ يمين الطلاق، فأغضب عند أسرتي، لعدة أيام، ثم يأتى إلينا طالبا الصلح من جديد، فأوافق عليه، وبالطبع إذا تكرر الطلاق للمرة الثالثة فلن أعود إليه بحكم الدين، وواصل زميلى كلامه قائلا: أنه يرغب فى الزواج منى بعد انفصالى عن زوجي، فنهرته بشدة، بأنه لا يصح أبدا ما يقوله، لكنه استمر فى ملاحقتي، مؤكدا أننى أظلم نفسى وابنّى واننى إذا ارتبطت به، فسوف تتغير حياتنا وسيصبح أبا لهما، وسأكون أنا أما لولديه، فلقد ماتت زوجته، وتركت له ولدين، ولم تتوقف ملاحقاته لي، ومع صباح كل يوم يأتينى بإغراءات جديدة دون كلل أو ملل، ووصل الأمر لدرجة أنه قام بتسجيل فيلا بالشهر العقارى باسمى أنا وولدى، واشترى لى سيارة فارهة باسمي، وسيارة باسمى أيضا لابنّي، وقال لى إنه فعل ذلك دون أى ارتباط بيننا لكى يقنعنى بمدى حبه لي، وتأمين مستقبلي، ومستقبل ولدّي، فرفضت اغراءاته المادية، لأنها لا تعنينى فى شيء، فما يشغلنى ويسيطر على حياتى هو أننى أفتقد الحب والحنان والرأفة فى زوجي، وأفتقد تقديره لي، واحساسه بي، فأنا مثل أى امرأة أحتاج إلى كلمة حلوة، وإلى جو نفسى هاديء، وخال من المشكلات والضغوط العصبية التى لا يمر يوم بدونها وبغير أن يسلط زوجى لسعات لسانه علينا، فلقد تعود ألا ينادى ابنينا باسميهما حيث ينادى على الكبير يا «بغل»، والصغير يا «جحش»، ناهيك عن الضرب الذى يجعلنا نتشاجر كل يوم حتى فاض بى الأمر، ولم أعد أتحمل كل هذا الجفاء والعنف، وقد وصلت إلى مرحلة «اللحظات الأخيرة» من التفكير فى الحل النهائى لما أنا فيه، ويتنازعنى الآن اختياران لا ثالث لهما: الأول هو الانفصال ليس للزواج من هذا الشخص الذى قدم لى اغراءات يسيل لها اللعاب، فلقد رفضته بشكل قاطع، وتوقف عن ملاحقتي، وإنما أفكر فى الانفصال وأنا أعرف أنه لا سبيل لعودتى إليه هذه المرة، لأننى على حافة الانهيار العصبى بسبب الضغط بلا توقف، وأجد فى طلاقى منه للمرة الثالثة خلاصا نهائيا من الألم النفسى والحسي، فطوال سنوات زواجى منه لم أجد منه لمسة حانية، أو حتى كلمة «كتر خيرك» على تحمل عصبيته ووقوفى إلى جانبه، فهو الوحيد الذى لا يرى أى مميزات فيّ، أنا التى كل من يرانى يحسده عليّ، ويقول له: زوجتك لا يوجد مثلها. لكنه يسمع الكلام ويصمت، وأننى أخشى على ابنّى إذا أستمرا فى هذه المعيشة فربما يتحولان إلى شخصين غير سويين.

وأما الاختيار الثانى فهو أن أظل أسيرة هذا الارتباط اللعين، وهو ما أحتاج إلى رأيك فيه، فإذا وقع اختيارك، على هذا الحل فإننى أرجوك أن تكتب لزوجى بأن يغير أسلوب تعامله معى أنا وولدينا، لعل الله يجعل الحل على يديك خاصة أنه من قرائك، ويقتنع بردودك، فلقد فاض بى الكيل وانسدت كل السبل أمامي، والحمد لله رب العالمين.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

آفة بعض الرجال أنهم لا يشعرون بالنعمة التى أنعم الله بها عليهم، فيتمادون فى غيهم، ويتفننون فى اضاعتها من بين أيديهم، ففى الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «خير ما يرزق به المرء زوجة صالحة، إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها، اطاعته، وإذا أقسم عليها أبرته، وإذا غاب عنها حفظته فى ماله وعرضه»، وأنت تتمتعين بهذه الصفات جميعا بجمالك الواضح من سردك قصتك، وامتثالك لما يطلبه منك، وحفاظك على نفسك وعدم انجرارك إلى الاغواءات الكثيرة، وأبرزها ما قدمه لك زميلك فى العمل. والذى لا أدرى كيف وصلت به الجرأة إلى حد أنه يلاحقك يوميا بطلب الطلاق، لكى يتزوجك، وقد أغراك بفيلا سجلها بإسمك، وأيضا بسيارتين فارهتين احداهما لك والأخرى لابنيك، والواقع أنه بتسجيلها فى الشهر العقارى تكون قد أصبحت ملكا لك، فهل هو بهذه السذاجة حتى يفعل ذلك دون أن يتأكد من موقفك من عرض الزواج به، أم أنه أصدر توكيلا بإسمك فى الفيلا والسيارتين للتصرف فيها، وبإمكانه إلغاء التوكيل فى أى وقت؟. ما أريد أن أقوله لك أنها لعبة وحيلة من جانب شخص لا ضمير له للإيقاع بك، إذ ماذا سيفعل الآن وقد صارت هذه الأشياء ملكا لك لو كان صادقا فيما قاله، وكيف سيستعيدها إذن؟ وهل سيطلب منك اعادة بيعها وتسجيلها له؟ عموما احمدى الله أن نجاك من الوقوع فى براثن هذا الشخص معدوم الضمير، وإذا كان التسجيل الذى حدثك عنه بالبيع واعطاك أوراقا تثبت ذلك، فأعيدى إليه أشياءه فورا، وأقطعى كل السبل عليه، بل وهدديه بفضح أمره إذا لم يبتعد عنك، وليعلم أن حسابه عند الله سيكون عسيراً، إذ كيف يسمح لنفسه بأن يلاحق إمرأة متزوجة فى كنف رجل آخر، فلقد نهى رسول الله «صلى الله عليه وسلم» عن أن يخطب المرء على خطبة أخيه، بمعنى لو أن فتاة مخطوبة لأحد الأشخاص، فلا يجوز لآخر أن يتقدم لخطبتها، فما بالنا بزوجة فى عصمة رجل آخر، إنه بفعلته هذه قد ارتكب إثما عظيما، وعليه أن يتقى الله ويبتعد عن هذا الطريق الذى سيورده موارد الهلاك.

ولا أدرى كيف عرف زميلك هذا بالمشكلات الواقعة بينك وبين زوجك، وأنك قد تعرضت للطلاق منه مرتين، فأغلب الظن أن كثيرين من زملائك وزميلاتك بالشركة التى تعملين بها يعرفون قصتك. ولذلك عليك الحذر من الحديث فى المسائل الشخصية أمام الآخرين، فمادام الأمر لم يصل إلى حد الانفصال النهائى، فمن الأفضل تدارك الخلافات داخل جدران منزلكم، إذ أن تدخل الآخرين يكون دائما نحو الهدم لا البناء، كما فعل هذا الشخص الانتهازى الذى حاول تخريب بيتكم طمعا فيك ورغبة فى الفوز بك، ولو على حساب أسرة تقع فيها خلافات مثل كل الأسر والبيوت، وربما يكون الاختلاف الوحيد، هو أن الآخرين يتداركونها سريعا، ولكن زوجك يتمادى فيها، وأحسب أنه بعد تطليقك مرتين، سيكون هذه المرة أكثر حذرا فى تعامله معك وابنيه، ولو أنه يفكر فى الزواج من أخرى لما أعادك إلى عصمته مرتين، ولو أنك تفكرين فى الارتباط بغيره، لانتهزت فرصة طلاقك فى الإفلات من جحيمه، والبحث عن شخص مناسب.. إذن كل منكما يحب الآخر ويحتاج إليه، لكنه يفتقد الوسيلة التى تقربه من شريك حياته، ومن هذا المنطلق أدعوه إلى تقليص الفجوات، وزيادة مساحات الاتفاق بينكما، ولعل «الحوار الإلحاحى» فى علاقتكما معا يسهم فى رأب الصدع، فتؤكدين حبك له، وأنه هو شغلك الشاغل، والشخص الوحيد الذى أصررت على الارتباط به، برغم تحفظات الآخرين، وتلينين له الجانب، وعليك ألا تجعلى علاقتك الخاصة به «علاقة لعينة» كما صورتيها، وإنما حوِّلى وقائعها إلى دقائق من السعادة، فيشعر بحنينك له ويدرك خطأه بمعاملته القاسية لك ولابنيك، فالتربية السليمة لا تقوم أبداً على الغلظة وإنما تتطلب بث الأخلاق الحميدة، والسلوك القويم فى نفوس الأبناء، وليعلم أيضاً أن الاسلوب الخشن فى التعامل مع الأطفال سوف ينعكس عليهم فى الكبر، ولعله يذكر المثل القائل «من شابه أباه، فما ظلم» فالأبناء يقلدون أباءهم، ولذلك يجب أن تقوم تربيتهم على الألفة، والمحبة، والتوجيه، والنصح ولا ترتكز على فرض الإملاءات، وإصدار الفرمانات.

والرجل القوى هو الذى يخضع زوجته لإرادته دون أن يأمرها بذلك فهى إذا وجدت منه المعاملة الحسنة، والعشرة الطيبة، فإنها تلقائياً سوف تلغى إرادتها، وتصبح رهن إشارته بعد أن تكون قد إطمأنت إليه، وتأكدت من صدق حبه وإخلاصه لها، وهو عندما ينتهج هذا النهج، ويعاملها ككيان له وجود. فسوف تشعر بتأثيرها فى حياته، وتسعى إلى التكامل معه، لا الهروب منه، ولو أخطأت معه فى بعض الهنات البسيطة، فإنه مطالب بالتجاوز عنها، فالرجل الذى لا يغفر هفوات زوجته، هيهات أن ينعم بحبها، فالحب إحساس داخلى يتولد بالاخلاص والتواد والتراحم، وليس سلعة تباع وتشترى، ومن الواجب عليك ياسيدتى أن تتجاوزى عما ارتكبه زوجك فى حقك، وتلغيه من عقلك وتفكيرك، لأنك إذا تعمقت فى إثبات أخطائه فى حقك، وأخذت المسائل معه على الضد، فسوف تزيد «الوحشة» ويستمر الخصام، وهو أيضاً مطالب بنفس ماأطلبه منك، وهو أن يدرك أن أفعاله معك على نحو مايصنعه بك، سوف تزيد احتقان نفسك وقد يفقدك بسببها إلى الأبد.

ولا يفوتنى أن أؤكد لك بعد نظر أبيك رحمه الله فيما يتعلق بأمور الحياة، فلقد كان على حق عندما رفض تزويجك من زميلك بالجامعة، إذ كان الفشل هو مصير تلك الزيجة لو أكتملت لنظرة أهله الدونية لكم، ولو كنت قد ارتبطت به، لكان انتقام أهله منك هو النتيجة المتوقعة، ومن ثم فشل الزيجة، وهذا الدرس يجب أن تعيه كل البنات اللاتى يتعرضن لمثل هذه المواقف، فالحياة الزوجية مختلفة تماماً عن «حب الجامعة»، وكم من زيجات بنيت على هذا الحب الذى لم ينضج، وكان مصيرها فى النهاية هو الفشل..

صحيح أن لكل قاعدة استثناء، ولكن فى الغالب يكون مصير علاقات الجامعة هو الفشل، مالم تكن قائمة على التدقيق فى الاختيار، وإعطاء كل شاب وفتاة نفسيهما فسحة من الوقت للتأكد من مشاعرهما، ومدى توافق أسرتيهما مع بعضهما.

وأرجو أن تكون الصورة قد اكتملت لديك أنت وزوجك، فتمهدان الطريق أمامكما لمواصلة مشوار الحياة إلى النهاية على أسس متينة من التفاهم والحب، ولتعلما أن السعادة فى المنهج الوسط، فلا غلو، ولا جفاء، بمعنى الاعتدال فى أخذ الأمور والحكم على الأشياء دون زيادة أو نقصان، إذ يقول تعالى «فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم».

وإياك أن تيأسى من الفرج فكل الأمور بيده عز وجل، وتأملى قول الشاعر:

أتيأس أن ترى فرجا

فأين الله والقدر؟

نعم فمن يكون فى معية الله، لا تضيق نفسه، ولا يتسرب اليأس إليه، وإنى على يقين بأن زوجك سيعيد النظر فى موقفه، وسوف تبتسم لأسرتكم الحياة قريباً بإذن الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أشرف المنياوي
عضو متألق
عضو متألق
أشرف المنياوي

ذكر
عدد الرسائل : 760
بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 210
بلد الإقامة : محافظة المنيا
العمل : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 Engine10
الحالة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 S3eed10
نقاط : 6984
ترشيحات : 5
الأوســــــــــمة : بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 Awfeaa10

بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 Empty
مُساهمةموضوع: رد: بريد الأهرام ( بريد الجمعة )   بريد الأهرام ( بريد الجمعة ) - صفحة 71 I_icon_minitime12/12/2014, 22:57

الرد القاسى


أنا فتاة تعديت سن الخامسة والعشرين بقليل، أعمل مدرسة ومن أسرة متوسطة، وكان والدى يعمل فى إحدى الهيئات الحكومية، وأنا واخوتى تلقينا تعليما جامعيا حيث ان لى شقيقتين تكبرانى وقد تزوجتا، وتعيشان حياة سعيدة مع زوجيهما وهما من أصحاب المراكز المرموقة،

أما شقيقنا الوحيد فلقد اتجه الى العمل الحر بعد أن أنهى دراسته الجامعية، وكان محط اعجاب الكثيرين، لكنه سرعان ما غرق فى الديون، واضطر الى التوقيع على أوراق ضمان لحقوق الآخرين، وبعد أن وعدوه بالصبر عليه، لم يطل انتظارهم، وقدموا ما بحوزتهم من مستندات الى المحكمة، وصدرت ضده أحكام قضائية، مما دفع أبى الى مساعدته بكل ما يملك لكى يخلصه من هذا الكابوس الذى حوّل حياته الى جحيم، وكان من الطبيعى أن يلجأ أبى الى محام للمرافعة عن أخى فى هذه القضايا، ووقع اختياره على محام يتمتع بسمعة حسنة، واستطاع بفضل الله مساعدته، وخلال فترة القضايا تعرفت عليه، وأعجبت بحسن أخلاقه ونشأت بيننا علاقة حب، لكنى كنت أخشى أن يأتى الرفض من أسرته، وعندما أسررت اليه بما أخاف منه، قال لي: إنه صاحب الاختيار، كما أنه ليس معقولا أن شابا بلغ سن الثالثة والثلاثين وفى وضع مثله مازال يتلقى الأوامر، فلقد أصبح واعيا بما يكفى ليقرر مستقبله الأسري، وطلب منى أن أنتظر بعض الوقت الى أن يحصل على شقة، وبالفعل عندما تسلمها أخبر أهله برغبته فى الارتباط بي، فوافقت والدته وأخوته، لكن أباه اعترض على هذه الزيجة، نظرا لما حدث من أخي، كما تربطنا بهم معرفة قديمة، وطلب منى فتاى الانتظار بعض الوقت الى أن يحين الوقت المناسب لإعادة فتح الموضوع معهم مرة أخري، وجاءنى كثيرون من الشباب يرغبون فى الارتباط بي، لكنى رفضتهم جميعا، وامتثل أهلى لارادتي، إلا واحدا أجبرونى على قبوله، فأسرعت الى فتاي، ورويت له ما حدث، فإذا به يفاجئنى برد حاد قاس قال فيه: إنه لا يريد أن يظلمنى معه، ويرغب فى الابتعاد عنى قالها بكل برود، فأعدت طلبى عليه بألا يتخلى عني، لكنه صمم على موقفه، فقبلت من تقدم لي، ولم تطل خطبتى له، فمن الطبيعى ألا أكمل حياتى مع شخص لا أحس تجاهه بأى مشاعر!

إننى لا أصدق أن فتاى الذى انفتح له قلبى أصبح بهذا الجفاء وهذه القسوة، فلماذا يأخذنى أبوه بذنب لا يد لى فيه، واذا كان أخى قد أخطأ فما هى جريمتى لكى تنظر إلىّ أسرته هذه النظرة؟.. لقد مضت شهور على فراقنا، لكن قلبى لم يبتعد عنه، واسعى كثيرا الى معرفة أخباره، فهل ترانى على حق؟.. وما هو رأيك فى موقف والده؟.

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

حتى لو أتممت الزواج من فتاك، فإن حياتك معه مرشحة للفشل، وأغلب الظن أنه لا يريدك، لكنه يبحث عن مخرج من ملاحقتك المستمرة له، فلقد قال لك إنه صاحب قراره، ولا يملى أحد من أفراد أسرته عليه أمرا، ثم عاد وقال لك: إن هناك مشاكل كثيرة بسبب موقف أهله منكم.. ثم كيف تندفعين الى من لا يقدرك على هذا النحو؟.. اقطعى علاقتك به، وافتحى صفحة جديدة من حياتك مع من يستحقك ويقدرك، ويرى فيك غاية المني، وليس من تجرين وراءه لكى يرضى عنك.

أما قصة أخيك، فهى حكاية أخري، ولعله يدرك أن أفعاله الهوجاء لا تنعكس عليه وحده، وإنما يمتد أثرها الى باقى أفراد أسرته، فينتهج نهجا سليما، ويختار طريقا واضحا فى تجارته، فالمسألة ليست فهلوة وانما بقدر الجهد ينال الإنسان العائد، ومن هذا المنطلق عليه أن يعيد النظر فى تجارته، ويبدأ من جديد، وسوف يكلل الله جهده بالنجاح.

فاهدئى وتريثى قبل الإقدام على الارتباط بمن يطرق بابك طلبا للزواج، وسوف تجدين وقتها أنك أخطأت فى حق نفسك كثيرا عندما ارتميت على فتاك تخطبين وده فإذا به يصدك، فالحقيقة المرة أنه لم يرغب فيك من البداية، كونى قوية واثبتى أمامه، فالاندفاع له عواقب وخيمة، وفقك الله وسدد خطاك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
بريد الأهرام ( بريد الجمعة )
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 71 من اصل 88انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1 ... 37 ... 70, 71, 72 ... 79 ... 88  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» بريد الجمعة يكتبة : احمد البرى الطفل الكبير !
» سطو مسلح على مكتب بريد في المعادي
» سطو مسلح على مكتب بريد «قها» في القليوبية
» اجعل لك بريد مجاني على الـ hotmail - شرح بالصور
» كيفية حظر بريد الكتروني بسكربت whmcs

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الشاعر عبد القوى الأعلامى :: المنتديات العامة :: المنتدى العام-
انتقل الى: