بريد الجمعه يكتبه:احمد البرى
اللدغة الأخيرة !أكتب اليك هذه الرسالة راجية ان تنال اهتمامك، وأجد لديك ردا يهدينى فى حيرتي، وينقذ شقيقى الوحيد من الهلاك، فأنا سيدة فى الخمسين من عمري، ولى شقيقة متزوجة وتعيش فى الخارج، ويكبرنى شقيقنا بعدة سنوات، وقد توفى والدنا ثم لحقت به والدتنا، وصار أخى هو سندنا الوحيد فى الحياة، وأعتبره مثل ابنى تماما، ويعمل طبيبا وأستاذا جامعيا، ومشهود له بالكفاءة والعبقرية منذ صغره، كما أنه وسيم، ويتمتع بحضور قوي، لكنه الآن يتعرض لمحنة رهيبة جعلتنى أكتب اليك وأنا أبكى دما وليس دموعا من حسرتى على ما آلت اليه أحواله، وشبابه الضائع.
فلقد تزوج منذ سنوات طويلة بزميله له، فرضها عليه أساتذته، وأقنعوه بأن أقاربها سوف يساعدونه فى الترقية والنجاح، ومنذ اليوم الأول بدأت المشكلات بينهما، وكانت تستقوى عليه بأسرتها، وكأنه تزوج العائلة بأكملها، وتحمل الحياة معها من أجل أبنائه، إلى أن حدث شبه انفصال بينهما تحت سقف واحد، بعد اصابته بأمراض مزمنة، فكان يهرب الى عيادته، ويقضى فيها ساعات طويلة، ليتفادى العودة الى الجحيم الذى يعيش فيه، ويحاصره فى منزله، ولأن كل فريسة تحوم حولها الذئاب، فلقد وجدته بعض المترددات على العيادة هدفا سهلا لهن، خصوصا وأنه وسيم، وجاذبيته شديدة، حيث أدركن بخبراتهن أنه محروم من العطف والحنان، ومن هنا صار أسيرا للكثيرات، وكان يستجيب للبعض، ويصد البعض الآخر، ومن تربطه علاقة بهن كان يقطعها بعد فترة قصيرة، وكانت الأخبار تصلنى عبر شخص يعمل لديه منذ زمن طويل، فيقول لى أن هناك افعى تحوم حول شقيقي، وأنه نجح فى ابعاد اخري، إلى أن وقعت «الكارثة» وطرد أخى هذا الشخص لأسباب لا أعلمها، ثم فوجئت به يستعين بامرأة شديد القبح، فصارت تقضى معه فى مكتبه ساعات طويلة، لدرجة تبعث على الشك والريبة بينما استعان برجل مسن لاستقبال المرضي، ومن هنا ملأت الشكوك صدري، وأول ما تعجبت له هو: كيف سمحت زوجته المتجبرة بذلك، برغم أنها كانت تسرع الى عيادته بمجرد علمها بانه استقدم ممرضة للعمل معه، فتسبها وتطردها؟.. ولم اشأ أن أترك لشقيقى الحبل على الغارب فاستفسرت منه عن سبب استعانته بهذه المرأة، فردد علىّ سلسلة من الأكاذيب، التى صدقتها فى البداية، بأنه يفكر فى افتتاح عيادة ثانية وأنها فتاة تعمل ممرضة وتساعده كثيرا فى العمل بالعيادة، ثم تكشفت لى الحقائق سريعا، وهى انها ليست ممرضة، ومطلقة ولديها طفل، وسيئة السمعة، وعرفت بعد ذلك أن أباها وأمها وأختها يزورونها فى العيادة، ويحاولون التقرب الى شقيقى بصورة تثير الشك، وصارحته بما يجول فى خاطري، ونبهته الى أن هذه النوعية من النساء خطيرة،، فهذه السيدة يمكنها أن تسرقه، أو تضع له المخدرات، أو تجرى بعض الأعمال السحرية لاخضاعه لها، وقد تبتزه، أو تسعى لإيقاعه للزواج منها، لكنه فى كل مرة أحدثه فى أمرها يقنعنى بسلامة موقفه، وكنت أتظاهر امامه بالاقتناع بما يقوله لي. لكن شكوكى لم تتغير فى داخلي، ومع ملاحقتى له بالأسئلة حولها أخبرنى ذات مرة بأنها تمت خطبتها وسوف ترحل عن العيادة، الا أنها بقيت فيها، ثم قال لى إنها تزوجت بالفعل وان زوجها يعمل فى احدى المحافظات ويعود اليها فى اجازة كل شهر بضعة أيام.. وأمام اجاباته المتعددة على اسئلتي، أخذت اتساءل فى نفسي، ترى هل هى متزوجة من هذا الشخص الذى يتحدث عنه، أم أنها متزوجة من أخى سرا؟! وعلمت أن زوجته تعلم بأمرها ولا تبالي، وأن هذه السيدة على علاقة غير مشروعة مع أخي، وتسيطر عليه سيطرة كاملة لدرجة أنها سلبته إرادته وعقله فصار كالمسحور، واصبحت الآية معكوسة تماما، فهو امام مرضاه الخادم المطيع لأوامرها، وهى السيد المطاع بلا نقاش!
وتوالت الاتصالات بى من اشخاص اعرفهم، ويترددون على أخى الحبيب منذ سنوات وقالوا لى: أنه وقع تحت سيطرة كاملة لهذه السيدة ويؤكد ذلك أن عينيه صارتا حمراويين اغلب الوقت، وزائغتين يمينا ويسارا، وعندما أحدثه يسرح ولا يرد بسهولة، وأكلمه فلا يفهم الا ببطء شديد، وهو الذى كنا نتباهى بعبقريته وسرعة بديهيته، وفى النهاية ينكر كل ما أقوله، ويختلق مبررات واهية للإبقاء عليها، فاذا نصحته بأنها لا تمثل له شيئا وأنه يجب أن يبتعد عن الشر ويطردها يثور ضدى ويصيح بصورة هيسترية أنها أحسن امرأة فى الدنيا ، وأنه لا أحد غيرها يمكن أن يؤدى ما تقوم به، فأتعجب وأصمت، وأعود الى بيتى باكية!
وقد رأيتها تحاول لفت الانتباه اليها، فتدخل مكتبه وتخرج كل بضع دقائق حاملة اليه السم فى فناجين القهوة عدة مرات بلا توقف، وتتعمد ان تعطى انطباعا للآخرين بانها سيدة المكان، وتداوى بذلك عقدتها النفسية من شكلها الدميم!
وهاتفنى بعض سكان العمارة التى تقع بها العيادة لينبهونى بانه يذهب الى العيادة مبكرا فى أيام كثيرة لكى يقابلها قبل مواعيد العمل، وأنها تتعمد اغلاقها بالأبواب الحديدية والاقفال لكى تنفرد به، ولا يعلم أحد سوى الله ما تفعله به، حتى أصبح يرتعد منها، وينظر اليها قبل ان يرد على أحد، فهى له كالظل والقرين وهو لها كالعبد للسيد، والخادم لصاحب البيت..
فأين زوجته مما يحدث له؟.. إن الصدمة التى اوجعتنى انها تعرف هذه السيدة، وصارتا صديقتين بصورة غير طبيعية، برغم أنه معروف عنها الغرور والتكبر، ووصلت العلاقة الى حد الزيارات المنزلية المتبادلة بينهما، وتصدق كل ما تقوله لها مثل أخى الذى يطيع أوامرها، ويعطيها أمواله التى يتعب فى الحصول عليها من عيادته أولا باول، والمدهش ان زوجته تراها أيضا اشرف الشرفاء، وأخلص المخلصين، وبدلا من أن تراقبها، أو تضع كاميرات فى العيادة، أو حتى ترسل من يتأكد مما يحدث لزوجها، فإنها تصاب بهيستريا عندما ينبهها أحد الى خطورة ما تفعله بزوجها وأنها تزوجته، أو سرقت أمواله وأملاكه، أو قد تقتله بالمخدرات أو بكثرة ممارساتها معه.. وإزاء موقف شقيقى وزوجته من هذه الأفعي، أغلق باب غرفتى على نفسى وأبكي، ثم أقوم فأصلى وأطلب الهداية من رب العالمين.
ولقد فكرت فى إبلاغ الشرطة بأمر هذه السيدة اللعينة، لكن زميلة لى قالت: لا تفعلى ذلك لأنه يسيء إلى سمعة أخيك، وسوف يقال لك فى النهاية، مادام الاثنان متفقين فلا توجد جريمة، ثم فكرت فى أن أبحث عن زوجها وأتقصى أخباره إن كانت حقا متزوجة، لكن خشيت أن يقتل أخى فأكون قد قضيت عليه بيدي.
.. وما توصلت إليه مع زميلتى هو أن أرسل له شيخا «مبروكا»، فربما تكون هذه اللعوب قد سلبته إرادته عبر السحر أو أى وسيلة شيطانية رغما عنه، وبالفعل دبرت زميلتى كل شيء، وذهبت مع الشيخ إلى شقيقى على أنه قريبها ومريض، وعادت إلىّ بالخبر الصاعق بأن هذه المرأة سيئة، وأنها تراقب كل من يدخل اليه خوفا من أن يقول له كلمة ضدها، وأن الشيخ أخبرها بأنه واقع تحت تأثير سحر أسود، ومعمول له عمل هو وزوجته ليرتمى فى أحضانها هى وزميلة لها أحضرتها أخيرا للعمل معها، وأنها تمارس معه أبشع وأحقر أنواع التعذيب الجنسى والجسدى والعقلى لكى يظل خاضعا لها ولرغبتها الدنيئة وقد نجحت فيما أرادته لدرجة أنه هددنى بمقاطعتى لى ـ أنا شقيقته ـ إذا لم أتوقف عن الحديث فى هذا الأمر!
إننى لم يخطر ببالى يوما أن أرى أخى مستعبدا ذليلا على أيدى عصابة من المجرمين بهذه الصورة، ويسرح بى خيالى متسائلة: هل زوجته ضحية مثله؟.. أم أنها هى التى دفعت بهذه المجرمة للتخلص منه لكى ترث أمواله؟
.. لقد أصابنى المرض جراء ما يحدث له، وكلما تكلمت معه يكون طبيعيا ثم ينقلب إلى النقيض عندما أتطرق إلى العيادة، أو ألمح له بأننى يمكننى أن أحضر إليه أشخاصا ممتازين للعمل معه، أو أنه يمكنه أن يسافر إلى شقيقتنا فى الخارج للاستجمام، ويغلق عيادته لأنه ليس بحاجة إلى المال، بينما هو يحتاج إلى استعادة صحته. لكن هيهات أن يسمعنى أو يستجيب لى وأجدنى كمن يتحدث إلى شخص يعيش فى عالم آخر، جسده هو جسد شقيقي، لكن شخصيته وعقله وارادته تقودها هذه المرأة، فهل أنساق الى نصيحة زميلتي، وأحاول فك السحر عنه؟ وهل لو نجح هذا «الشيخ المبروك» فى فكها لن تعود المرأة المجرمة إلى المزيد من أعمال السحر والطلاسم والأحجبة ضده، وبصورة أبشع؟.. هل أخطف أخى بالقوة، وأصطحبه إلى المطار وأسافر به إلى شقيقتى لعلاجه؟.. هل أنفذ ما خطر لى من ابلاغ الشرطة وأقول لهم.. أنتم فى خدمة الشعب.. انقذوا أخي؟.. وهل لو فعلت كل ذلك ستتركه هذه الأفعى أم أنها قد تؤذيه ثم تنتقم منى فتسلط علىّ جنىّ وتخرب بيتي، وتستهدف أبنائى وزوجى بالأذي.
لقد حاولت مرارا استطلاع رأى زوجى فيما يحدث لأخى لكنه يرى أن أخى ليس مسلوب الإرادة، وأنه يفعل ما تمليه عليه بإرادته، ولكن كيف يعشق أخى امرأة دميمة وهو الذى يحب الجمال!
أما عن عائلة زوجة شقيقي، فهم جبابرة يسيطرون عليه، ويهددونه، ويتدخلون فى أدق شئونه إلا فيما يخص هذه المرأة، فلم أسمع لأحد منهم صوتا، وعندما حاولت فتح هذا الموضوع معهم، اتهمونى بأننى أحاول تخريب بيت شقيقي، وأن زوجته تنكر ما أقوله، ولم يحاولوا ولو مجرد التأكد من صحة ما أعرفه بل عاملونى بوقاحة، مما جعل زوجى يأمرنى بالابتعاد عنهم.
إننى لا أنام الليل، وكلما دق جرس هاتفى المحمول، أخشى أن يكون على الهاتف من يخبرنى بوفاة أخى لا قدر الله، فهل من نصيحة قبل فوات الأوان، فلقد أوصتنى والدتى قبل وفاتها على شقيقنا لأنها تعرف أنه يحمل قلب طفل صغير، ولم يؤذ أحدا فى حياته، ويشهد الله أن أجره أقل من نصف ما يتقاضاه زملاؤه، وأن الله كتب الشفاء على يديه لآلاف المرضي، ولم يقبل أن يتزوج بأخرى منذ سنوات تفاديا للمشكلات مع زوجته وحفاظا على بيته وأولاده، فهل أتركه فى وكر الأفعى حتى اللدغة الأخيرة القاتلة؟
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
تعددت أخطاؤك فى حق شقيقك ومبعثها جميعا هو رغبتك فى السيطرة عليه من منطلق أنه سندك الوحيد، وأنك تعتبرينه بمثابة ابنك برغم أنه يكبرك بعدة سنوات، وأنك تفعلين ذلك تنفيذا لوصية أمك التى كانت ترى فيه طفلا كبيرا، وكان هذا السبب من وجهة نظرك مبررا كافيا لأن تفسدى عليه حياته، وتشوهى صورته أمام الآخرين، وأنت تتصورين أن ما تفعلينه فى مصلحته، وهذا المنهج الذى اتبعتيه معه واضح منذ البداية، وليس وليد «المرأة الدميمة» التى يستعين بها فى عيادته، فلقد تصورت ان كل اساتذة الجامعة ضغطوا عليه لكى يرتبط بزميلته، وأنهم اقنعوه بأن أهلها سوف يساعدونه فى الترقية والنجاح مقابل هذا الزواج، وهو أمر غير معقول من نواح عديدة أهمها أنه لا يمكن أن يكون هناك ضغط مباشر للزواج ولو من استاذ واحد، فالزواج أولا وأخيرا مسألة قبول، وبالأحرى فإن شقيقك هو الذى سعى للزواج منها، وما قلتيه بشأن اساتذته فيه مبالغة شديدة، إن لم يكن ليس له وجود اصلا، إذ ليس هناك من يسوق كل زملائه للضغط على شاب للزواج من ابنته على الأقل من باب الخجل والحياء مهما تكن أوصاف شقيقك وسماته التى لا تتوافر فى أحد غيره ـ على حد زعمك ـ فهو رجل عادى مثل كل الرجال ولا يملك شيئا خارقا للعادة يجعلك تصورين الأمر على هذه الصورة غير الواقعية.
ونتيجة لهذا التصور الخاطئ لم تتركيه بعد زواجه، وشأنه، وإنما شغلت نفسك به إلى الحد الذى صور لك خيالك أن هناك شبه انفصال بينه وبين زوجته، بعد إصابته ببعض الأمراض المزمنة التى تؤثر على قدرته الجسدية، فمن الذى أطلعك على هذا السر الذى لم يفض به إليك، وبالطبع لم تتحدث زوجته معك عنه؟، حيث لا توجد لك أى علاقة بها من الأساس، بل تتربصين بها دائما، وإذا كان ما قلتيه صحيحا فكيف لرجل تأثرت صحته بالمرض أن يقيم علاقات مع كثيرات من المترددات على عيادته أو يقع أسيرا لهن، فى الوقت الذى لا يستطيع فيه اقامة العلاقة الشرعية مع زوجته؟!
وقد بلغت بك الهواجس مداها إلى حد أنك كنت تدفعين زوجته الى مراقبته برغم التوتر الدائم بينكما، فتذهب إلى عيادته وتطرد كل ممرضة يأتى بها لكى تساعده فى أداء عمله خوفا من اطماعهن فيه، واستجاب الرجل لكل هذه الإملاءات التى ليس سند ولا مبرر، ولجأ إلى سيدة دميمة ـ على حد وصفك ـ ومع ذلك واصلت مطاردتك له، وأبلغت الجميع بما يدور من وساوس تجاهها، وهنا أدرك المحيطون بك بمن فيهم زوجك وعائلة زوجة أخيك أن ما تقولينه ليس سوى هواجس لا وجود لها إلا فى خيالك، فلم يستجيبوا لما تحاولين املاءه عليهم، ولذلك صببت عليهم اللعنات ورحت تطاردينه فى كل مكان، وفرضت عليه رقابة مشددة، واستعنت بعامل فى العيادة لكى يأتيك بأخباره، فسعى لكسب رضاك، ولو بتأليف مشاهد من خياله خوفا منك، بعد أن أدرك ما يسيطر على تفكيرك من هذه الناحية، ولما بلغ شقيقك ما يفعله استغنى عنه، وهو تصرف طبيعى مع مثل هذا الشخص، فلجأت إلى الجيران لتتبع خطواته، ونسيت أنك تسيئين إليه وإلى أسرتك بهذا الصنيع اساءة بالغة!.
والحقيقة أن أخاك صبر عليك كثيرا، وحاول ارضاءك بشتى السبل دون جدوى، كما أن هذه السيدة التى تدعين أنها تسيطر عليه لا تعرفين عنها شيئا بدليل أنك مرة تقولين أنها متزوجة، ومرة أخرى أنها كانت متزوجة، ومرة ثالثة أن شقيقك تزوجها بعد أن صار أسيرا لها بالسحر، ومرة رابعة أنها على علاقة غير شرعية به، وتغلق العيادة بالأبواب الحديدية والاقفال لتنفرد به قبل مواعيد العمل، ومرة خامسة أنها تجبره على تعاطى المخدرات وتدس له الأعمال السحرية فى القهوة التى تصفينها بالسم حتى يستجيب لاملاءاتها عليه!... ثم من هن المترددات على العيادة اللاتى ينقلن إليك أخباره، وكيف عرفن أنك أخته وحصلن على رقم هاتفك، ولماذا أخبرنك أنت بأمره، وليس زوجته إذا كان التجسس عليه من باب التطوع؟!.
أما التغيرات البادية على وجهه وفقا لكلامك، فمن المؤكد أنها نتيجة مرضه، كما أن متاعبه الصحية لا تعلمين عنها شيئا، ولا علاقة لها بما يدور فى نفسك من وساوس وشكوك لم تفلحى فى إقناع زوجته بها هذه المرة، وهى التى كانت تسارع إلى العيادة كلما جاءت ممرضة جديدة، فعبت عليها أنها لم تضع كاميرات داخل العيادة لمراقبته، وكأنه شخص مغيب عن الحياة، وعما يدور حوله، بل اتهمتيها بأنها ربما تكون هى التى دفعت إليه هذه المرأة لكى تتخلص منه وترث أمواله، فالكل فى نظرك يريد أمواله، زوجته وسكرتيرته، وكل من حوله!... أى تفكير هذا يا سيدتى؟ وأى سحر تتحدثين عنه، ولماذا لم يفك الشيخ الذى سقتيه إليه مع زميلتك الأعمال السحرية التى ادعى لك أنه واقع تحت تأثيرها؟!.
وحتى لو افترضنا أن شقيقك وقع فى الأخطاء التى تحدثت عنها، فإنه ارتكبها بارادته تماما، كما قال لك زوجك، وينبغى عليك أن تستريه لا أن تقومى بتتبع أخباره عن طريق من يعملون معه فى العيادة والجيران فى العمارة، وصديقاتك اللاتى تروين لهن كل ما يدور فى خيالك من أوهام تجاهه... ولاشك أن أفضل ما تقدميه الآن له، هو أن تكفى فورا عن ملاحقته، وأن تتوجهى إلى الله بالدعاء أن يحفظه من نزغات الشياطين، وأن يصرف عنه كيد هذه المرأة وغيرها، ويرده إلى رشده، ويقيه شر نفسه الامارة بالسوء، ويبصره بعيوبه، ويهديه الصراط المستقيم، ولا مانع من تذكيره سواء وجها لوجه، أو عن طريق رسالة مكتوبة بالله سبحانه وتعالى، وبعاقبة ارتكاب الكبائر، وما يترتب عليها من فساد البيت وضياع الأسرة، علاوة على العذاب النفسى والجسدى الذى يلم حتما بالعاصى المذنب، وأنه لا يرضى لك ما تتصورين أنه يفعله، ولا لزوجته، ولا لشقيقتكما المقيمة بالخارج، والأفضل له والأبقى عند الله أن يكف عن المضى فى طريق الضلال.
وفيما يتصل بعملية السحر التى تتوهمينها، فاننى أشك كثيرا أن شقيقك قد تعرض له، لكن لو حدث ذلك، فلابد أن تعرفى أن كل ضرر يقع له من قدر الله وبإذنه لقوله تعالى «وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله»، فلو اجتمع الإنس والجن على أن يضروا أى فرد بشىء لن يضروه إلا بشىء قد كتبه الله عليه، والعلاج الدائم والفعال هو ذكر الله، واللجوء إليه والتوكل عليه.
وأضيف إلى ذلك أن الميل الزائد عن الحد إلى إحدى النساء لا يعنى بالضرورة أن الشخص مسحور، فكثيرون من الرجال لا يغضون أبصارهم عن النساء، ويؤدى ذلك إلى التعلق ببعضهن من كثرة ترديد النظر اليهن، وزيادة التفكير فيهن، وتخيل صورهن فى أذهانهم، وأعظم دواء هو غض البصر، وعدم النظر إلى ما حرم الله أو التعلق به.
ولعل العلاج الناجع للحالة التى وصلت إليها بدعوى الخوف على شقيقك هو أن تحمدى الله على ما أنت فيه من نعم، وأن تبتعدى عن فكرة الانتقام لما يدور فى خيالك، فهى لن تعود عليك بفائدة، ونتيجتها الحتمية هى الحسرة والندم، فدعى هذه المرأة وشأنها، ويكفيك ما أسديتيه من نصائح له، لأن الشىء الذى يزيد عن حده ينقلب إلى ضده، وخير الأمور الوسط، فأتركى له حياته يتصرف فيها كيفما شاء، فهو رجل عاقل ونابه، ولا يحتاج إلى وصايتك، ولا وصاية غيرك، وربما يحتاج فقط هو وزوجته إلى مراجعة علاقتهما، والعمل على كسب السعادة الزوجية وأقول له : لا تدع أى خلاف بينكما يستمر إلى اليوم التالى، وعالج مشكلاتكما على الفور بالكلمة الطيبة، وعش حياتك بطريقة طبيعية من غير تكلف، وحارب الاستسلام للهم والقلق، وكن دائما بشوشا طلق الوجه، فالتوتر يولد الاضطراب والمرض، وتعامل مع الواقع، ولا تتعامل مع الظنون والاوهام، وأغرس فى زوجتك الثقة فى نفسها.. وهنا أقول لها : أشعرى زوجك بأنه الشخص المثالى الذى كنت تودين الارتباط به، وأنك فخورة به وبشخصيته، واحرصا معا على الهدوء، وكتمان الأسرار، ولا تدعا أحدا يتدخل فى حياتكما، لا من أهلك، ولا من أهله.
وأخيرا أقول لك يا سيدتى: إن للعبد سترا بينه وبين الله، وسترا بينه وبين الناس، فمن هتك الستر الذى بينه وبين الله، هتك الله الستر الذى بينه وبين الناس، فلا تفضحى شقيقك بما ليس فيه، وانبذى الأفكار الغريبة، وغير الواقعية التى جعلت نفسك أسيرة لها كتفكيرك فى خطفه وتسفيره إلى الخارج، وكأنه قطعة أثاث، وليس طبيبا مشهورا، وأستاذا جامعيا مرموقا، أو تحرير محضر له فى الشرطة، ثم خفت أن تفعلى ذلك حتى لا تتسلط عليك هذه السيدة بأعمال السحر، ونسيت أن تسألى نفسك: ولماذا لم تسحرك أنت أيضا لكى تضمن وقوف الجميع فى صفها.. وكل ما ذكرتيه يؤكد حاجتك إلى مراجعة نفسك وتحكيم العقل حتى لا تفقدى صوابك، فأنت تعانين حالة اضطراب نفسى شديد، ولا شك أن أفراد عائلة زوجة شقيقك محقون فى قولهم: أنك بأفعالك هذه سوف تخربين بيته، فكفى عن التمادى فى تشويه صورته، فلا وجود لكل ما قلتيه إلا فى خيالك وحدك نتيجة الخوف الزائد عن الحد عليه، والرغبة فى تملكه ومتابعة أحواله بناء على الرواسب النفسية داخل الأسرة باعتباره الولد الوحيد.
واعلمى أن اللدغات التى تخيلت أن هذه السيدة لدغت شقيقك بها لا أساس لها، ولن تكون هناك لدغة أخيرة، لأنه لم تكن هناك لدغات سابقة.
أسأل الله لك الهداية، ولشقيقك الاتزان والاستقرار والبعد عن المحرمات، وأرجو من زوجته ألا تغيب عنه، وأن تحتويه، وتنتشله مما قد يقع فيه من اغواءات، والله المستعان.