في حكم مالٍ مُكتسَبٍ مِنْ شركةٍ إشهاريةٍ فيها اختلاطٌ
السؤال:
ما حكم المال المكتسَبِ مِنَ العمل في شركةِ إشهارٍ فيها اختلاطٌ؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالمردود المادِّيُّ يختلف حكمُه باختلافِ نوع الإشهار أوَّلًا:
ـ فإِنْ كان الإشهارُ قائمًا على نشرِ الرذيلة والفساد كإشهار لوحات الخمور، والخدودِ والخصور، والملابسِ الكاشفة، وغيرِها ممَّا يُشيعُ الفاحشةَ في الذين آمنوا؛ فالمالُ المتقاضى مِنْ أجله باطلٌ لا يجوز اكتسابُه؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ اللهَ إِذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ»(١).
ـ أمَّا إذا كان الإشهارُ قائمًا على الفضيلة ـ في الجملة ـ أو نشرِ المُباحات ممَّا هو سبيلٌ إلى اقتنائها وتلبيةِ حاجةِ الناس إليها؛ فإنَّ المال المأخوذَ جائزٌ، ولا يعكِّرُ عليه أمرُ الاختلاط إذا كان لا يستطيع التخلُّصَ منه؛ لعموم البلوى ولندرةِ خُلُوِّ أماكنِ العمل منه؛ ذلك لأنَّ الاختلاط عارضٌ على العمل، وعوارضُ الشيءِ لا تُبْطِلُ الأصلَ، لكنَّ فاعِلَه آثمٌ إذا لم يَسُدَّ بابَ الفتنة.
وبناءً عليه، إذا كانَتْ هذه المؤسَّسةُ الإشهارية لا تخدم الرذيلةَ والفساد، لكِنْ يُوجَدُ فيها اختلاطٌ لا يؤثِّر في أخلاق العامل وسلوكِه، ولا يُخْشى عليه التأثُّرُ؛ فإنه يجوز العملُ مع الحيطة لدِينه، ويحاوِلُ اجتنابَ النساء قَدْرَ الإمكان؛ لقوله تعالى: ﴿فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ﴾ [التغابن: ١٦]، ولأنَّ الأصل انتيابُ الرجلِ أماكنَ العمل، وهو مأمورٌ بالاكتساب والنفقة، والمرأةُ ـ حالَ اختلاطها به ـ آثمةٌ؛ لأنها خالفَتْ أصلَها في القرار في البيت والمكوثِ فيه؛ لقوله تعالى: ﴿وَقَرۡنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ ٱلۡأُولَىٰ﴾ [الأحزاب: ٣٣]، فإِنْ خَشِيَ على نفسِه مَيْلَ قلبه والتأثُّرَ بالاختلاط المُفْضي إلى الفحشاء فالواجبُ عليه أَنْ ينتقل إلى عملٍ آخَرَ بعيدًا عن فتنة النساء والشهواتِ أو التقليلُ منها ـ إِنْ أمكن ـ عملًا بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ»(٢)، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ؛ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ»(٣).
هذا، ونسأل اللهَ لنا ولكم حُسْنَ العونِ والسداد، والتوفيقَ لِمَا يحبُّ ويرضى، وأَنْ يبعِّدَنا عن الزلل والفساد والفتن، ما ظَهَر منها وما بَطَن.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٠ مِنَ المحرَّم ١٤٢٦ﻫ
الموافق ﻟ: ٠١ مارس ٢٠٠٥م
(١) أخرجه أبو داود في «الإجارة» بابٌ في ثمن الخمر والمَيْتة (٣٤٨٨)، وأحمد (٢٢٢١)، وابنُ حبَّان (٤٩٣٨)، والدارقطنيُّ (٢٨١٥)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. وصحَّحه أحمد شاكر في تحقيقه ﻟ: «مسند الإمام أحمد» (٤/ ٣٤٧)، والألبانيُّ في «غاية المَرام» (٣١٨).
(٢) أخرجه البخاريُّ في «النكاح» بابُ ما يُتَّقى مِنْ شؤم المرأة (٥٠٩٦)، ومسلمٌ في «الرِّقاق» (٢٧٤٠)، مِنْ حديثِ أسامة بنِ زيدٍ رضي الله عنهما.
(٣) أخرجه مسلمٌ في «الرِّقاق» (٢٧٤٢) مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه.