في نسيان عدد الرضعات
السؤال:
رجلٌ تقدَّم ليَتزَوَّج فتاةً مِن قرابته، وأمُّه تقول: إنَّها أرضَعَتْها، وأمُّ الفتاة تُنْكِرُ، ولا تذكرُ عددَ الرضعات، فهل تَثْبُتُ الأخوَّةُ مِن الرضاع في هذه الحال؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فإذا أثبتَتْ أمُّ الخاطبِ الرضعةَ وأنكرَتْ أمُّ المخطوبةِ ذلك إنكارًا غيرَ مُؤَكَّدٍ ـ أي: لم يَستنِدْ نَفْيُها إلى العلم بالعدم ـ ﻓ «المُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي» على ما تَقرَّرَ في الأصول لاشتماله على زيادةِ علمٍ؛ فتَثْبُتُ الرضعةُ أو الرضعاتُ التي تَذْكُرُها حينئذٍ.
أمَّا إذا كان إنكارُها مُؤكَّدًا ـ أي: استند النفيُ إلى العلم بالعدم ـ فيتساقطان ويكون المَصيرُ إلى الأصل وهو العدمُ؛ ذلك لأنَّ الرضاعَ مِن الأمور الحِسِّيَّة وليس مِن الأمور الاجتهادية؛ فالعقلُ يقتضي أن تكون إحداهما مخطئةً، ولَمَّا كان الخطأُ غيرَ مُعيَّنٍ لَزِم الإثباتُ مِن وجهٍ آخَرَ، فإن تعذَّر فالأصلُ عَدَمُ تَحقُّقِ الرضاع.
وإذا شَكَّتْ في عددِ الرضعات في الحالة الأولى ـ وهي تقديمُ المُثْبِت على النافي ـ فينبغي البناءُ على اليقين؛ لأنَّ «اليَقِينَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ» كما تقرَّر في علمِ القواعد، وهي قاعدةٌ مُجْمَعٌ عليها كما قال القرافيُّ ـ رحمه الله ـ: «وهي أنَّ كلَّ مشكوكٍ فيه يُجْعَل كالمعدوم الذي يُجْزَم بعدمه»(١)؛ ذلك لأنَّ قاعدةَ: «الأَصْلُ فِي الأَبْضَاعِ التَّحْرِيمُ» إنما يُعْمَل بها فيما إذا كان في المرأةِ سببٌ مُحقَّقٌ للحُرْمة؛ فلو كان في الحُرْمةِ شَكٌّ لم يُعْتَبَر، ويُمثِّلُ أهلُ العلم لذلك بما إذا أَدْخَلَتِ المرأةُ حَلَمَةَ ثَدْيِهَا في فمِ رضيعةٍ ووَقَعَ الشكُّ في وصول اللبن إلى جوفها لم تَحْرُم، وكذلك إذا قالت: «لم يكن في ثديي لبنٌ حين ألقَمْتُها ثديي»، ولم يُعْلَم ذلك إلَّا مِن جهتها؛ جاز لابنها أن يتزوَّج بهذه الصبيَّة(٢).
وعليه، فإذا لم تُتَيَقَّنِ الخمسُ رضعاتٍ المحرِّماتُ ـ على أَظْهَرِ المذاهب وأقواها ـ فإنَّ العدم يصير ثابتًا مُتيَقَّنًا، لا يرتفع بِمُجرَّدِ طروءِ الشكِّ عليه؛ إذ لا يُعْقَل إزالةُ ما كان يقينيًّا بما هو أضعفُ منه، بل بما كان مثلَه أو أقوى منه؛ لذلك يكون الحكمُ عدمَ ثبوتِ التحريم بينهما بسببِ الرضاع؛ لعدمِ وجودِ المانع ـ وهو اكتمالُ العدد المحرِّم ـ إلَّا إذا تَيَقَّنَتْ أمُّ الخاطب أنَّ العدد مُستَوفًى؛ فيَثْبُتُ التحريمُ وقتئذٍ.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٠٤ شوَّال ١٤١٧ﻫ
الموافق ﻟ: ١١ فيفري ١٩٩٧م
(١) «الفروق» للقرافي (١/ ١١١).
(٢) «الأشباه والنظائر» للسيوطي (٦١)، «الأشباه والنظائر» لابن نجيم (٦٧).