في حكم دخول الحائض المسجدَ
السؤال:
ما حكمُ دخول الحائضِ والنُّفَساءِ المسجدَ قَصْدَ الاستماعِ إلى خُطْبة الإمام أو المكوثِ فيه للحاجة؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فلم يَرِدْ دليلٌ ثابتٌ صريحٌ يمنع الحائضَ مِنْ دخول المسجد، والأصلُ عدَمُ المنع، وقد وَرَدَتْ جملةٌ مِنَ المؤيِّدات لهذا الأصلِ مقرِّرةٌ للبراءة الأصلية، منها: ما ثَبَتَ مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها فيما رواه البخاريُّ وغيرُه: «أَنَّ وَلِيدَةً كَانَتْ سَوْدَاءَ لِحَيٍّ مِنَ العَرَبِ فَأَعْتَقُوهَا ... فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَتْ»، قَالَتْ عَائِشَةُ: «فَكَانَ لَهَا خِبَاءٌ فِي المَسْجِدِ أَوْ حِفْشٌ»(١)، ولا يخفى عدَمُ انفكاكِ الحيضِ عن النساء إلَّا نادرًا، ولم يُنْقَلْ عنه صلَّى الله عليه وسلَّم أَنَّه أَمَرَها باعتزالِ المسجد وَقْتَ حيضتها والأصلُ عَدَمُه.
ولا يصحُّ أَنْ يُعْتَرَض عليه بأنه واقعةُ عَيْنٍ وحادثةُ حالٍ لا عمومَ لها؛ لأنَّ الذي يُضْعِفُ صورةَ تخصيصها بذلك كونُ القصَّةِ مؤكِّدةً للبراءة الأصلية، يُؤيِّدها عمومُ قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ المُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ»(٢)، ويُقوِّي هذا الحُكْمَ مَبِيتُ أهلِ الاعتكافِ في المسجد، مع ما قد يصيب المُعْتَكِفَ النائمَ مِنِ احتلامٍ والمُعْتَكِفةَ مِنْ حيضٍ، وهي أحوالٌ غيرُ خفيَّةِ الوقوعِ في زَمَنِه صلَّى الله عليه وسلَّم ومُنْتَشِرةٌ انتشارًا يَبْعُدُ معه عدَمُ علمِه صلَّى الله عليه وسلَّم بذلك وهو المؤيَّدُ بالوحي.
ويشهد للأصل السابقِ قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم لعائشةَ رضي الله عنها في حَجَّةِ الوداع لَمَّا حاضَتْ: «فَافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي»(٣)، ولم يمنَعْها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِنَ الدخول إلى المسجد للمُكْث فيه، وإنَّما نَهَاها عن الطواف بالبيت لأنَّ الطوافَ بالبيت صلاةٌ، وقد ثَبَتَ في الصحيحين مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها: «أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ ـ أي: النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالبَيْتِ»(٤)؛ فهذا يدلُّ على وجوبِ الطواف على طهارةٍ(٥)؛ بناءً على أنَّ كُلَّ أفعاله صلَّى الله عليه وسلَّم في الحَجِّ محمولةٌ على الوجوب في الأصل.
ومعلومٌ للعاقل أنَّ الفعل لا يمكن أَنْ يُؤْمَرَ به ويُنهى عنه مِنْ وجهٍ واحدٍ؛ لاستحالةِ اجتماعِ الضِّدَّين وهو تكليفٌ بما لا يُطاق، وإنَّما يجوز أَنْ يكون الفعلُ الواحدُ مأمورًا به مِنْ وجهٍ ومَنْهِيًّا عنه مِنْ وجهٍ آخَرَ؛ لإمكانِ اجتماعِ مصلحةٍ ومفسدةٍ في الفعل الواحد.
وبالنظر لوجودِ الوصف المانعِ مِنَ الطواف نهى عنه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لاشتمالِه على مفسدةٍ، وأَمَرَها بما يفعله الحاجُّ لاشتماله على تحصيلِ مصلحةٍ، ولا يخفى أنَّ «جِنْسَ فِعْلِ المَأْمُورِ بِهِ وَالمَثُوبَةَ عَلَيْهِ أَعْظَمُ مِنْ جِنْسِ وَمَثُوبَةِ تَرْكِ المَنْهِيِّ عَنْهُ»، وأنَّ «جِنْسَ تَرْكِ المَأْمُورِ بِهِ وَالعُقُوبَةَ عَلَيْهِ أَعْظَمُ مِنْ جِنْسِ وَعُقُوبَةِ فِعْلِ المَنْهِيِّ عَنْهُ»(٦)؛ وإذا تَقرَّرَ ذلك فإنَّ أَمْرَه صلَّى الله عليه وسلَّم لعائشةَ رضي الله عنها ـ وهي حائضٌ ـ أَنْ تفعل ما يفعله الحاجُّ إنَّما هو مِنْ جنسِ المأمورِ به، وهو أَعْظَمُ مِنْ جنسِ تركِ المَنْهِيِّ عنه؛ فلو كان أَمْرُه صلَّى الله عليه وسلَّم مُقْتَضِيًا لعدَمِ جوازِ دخولِ الحائض المسجدَ لَكان عدولًا عن جنسِ المأمور به إلى المَنْهِيِّ عنه وهو دونه في الرتبة؛ فيحتاج ـ حالتَئذٍ ـ إلى بيانٍ في الحال، و«تَأْخِيرُهُ عَنْ وَقْتِ الحَاجَةِ لَا يَجُوزُ» كما تَقرَّرَ في الأصول(٧).
ويشهد ـ أيضًا ـ للأصل المتقدِّم: ما ثَبَتَ مِنْ أَسْرِ ثُمامةَ بنِ أُثالٍ رضي الله عنه ورَبْطِه بساريةِ المسجد قبل إسلامه(٨)، وما وَرَدَ مِنْ إنزالِه صلَّى الله عليه وسلَّم وَفْدَ ثَقِيفٍ في المسجد قبل إسلامهم، ومُكْثِهم فيه أيَّامًا عديدةً وهو صلَّى الله عليه وسلَّم يَدْعوهم إلى الإسلام(٩)، كما أنه استقبل صلَّى الله عليه وسلَّم في مسجده نصارى نَجْرانَ حينما جاءوه لسماعِ الحقِّ ومعرفةِ الإسلام(١٠).
وهذا وغيرُه ـ وإِنْ كان يدلُّ على جوازِ إنزالِ المُشْرِك في المسجد والمُكْثِ فيه إذا كان يُرجى إسلامُه وهدايتُه مع ما كانوا عليه مِنْ رجسٍ معنويٍّ، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ٱلۡمُشۡرِكُونَ نَجَسٞ فَلَا يَقۡرَبُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ بَعۡدَ عَامِهِمۡ هَٰذَا﴾ [التوبة: ٢٨]، ولا يبعد أَنْ تتعلَّق بهم جَنابةٌ مِنْ غيرِ اغتسالٍ أو نجاسةٌ حِسِّيةٌ مِنْ بولٍ أو غائطٍ لعدَمِ الاحتراز ـ فإنَّ المسلم والمسلمةَ أَطْهَرُ حالًا وأعلى مَقامًا وأَوْلى بدخولِ المسجد والمُكْثِ فيه ولو اقترن بهما وصفُ الجنابةِ أو الحيضِ أو النفاس؛ لكونِ المسلمِ طاهرًا على كُلِّ حالٍ؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ المُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ»(١١)، ولا يَصحُّ أَنْ يُعْتَرَض بأنَّ حُكْمَ المنعِ خاصٌّ بالمسلمين دون المشركين فلا يُلْحَقون بهم إلحاقًا قياسيًّا؛ ذلك لأنَّ المعتقَد قائمٌ في أنَّ الكُفَّار مخاطَبون إجماعًا بالإيمان ـ الذي هو الأصلُ ـ ومُطالَبون بالفروع مع تحصيلِ شرطِ الإيمان؛ لثبوتِ الأوامِرِ الشرعية المُوجِبةِ للعمل والمتَّصِفةِ بالعموم لسائرِ الناس، كقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَيۡهِ سَبِيلٗا﴾ [آل عمران: ٩٧] وغيرها، والكافرُ مُعاقَبٌ أُخْرَوِيًّا على تركِ أصلِ الإيمان أوَّلًا، وما يترتَّب عليه مِنْ فروعِ الشريعة ثانيًا؛ لِمَا أخبر به تعالى عن سائِرِ المشركين ـ في مَعْرِضِ التصديق لهم؛ تحذيرًا مِنْ فِعْلِهم ـ: ﴿قَالُواْ لَمۡ نَكُ مِنَ ٱلۡمُصَلِّينَ ٤٣ وَلَمۡ نَكُ نُطۡعِمُ ٱلۡمِسۡكِينَ ٤٤ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلۡخَآئِضِينَ ٤٥ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوۡمِ ٱلدِّينِ ٤٦ حَتَّىٰٓ أَتَىٰنَا ٱلۡيَقِينُ ٤٧﴾ [المدَّثِّر](١٢).
هذا، وغايةُ ما يتمسَّك به المانعون مِنْ دخولِ الحائضِ المسجدَ:
١ ـ إلحاقُها بالجُنُب إلحاقًا قياسيًّا؛ إذ الجُنُبُ ـ وهو المَقيسُ عليه ـ وَرَدَ النهيُ عن قُرْبانه المسجدَ إلَّا إذا اتَّخذه طريقًا للمرور، وذلك في قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقۡرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمۡ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعۡلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغۡتَسِلُواْ﴾ [النساء: ٤٣]، ويكون حَمْلُ الآيةِ على إضمارٍ تقديرُه: «لا تَقْرَبوا مَواضِعَ الصلاةِ»، أو كنايةٍ عن المساجد حيث أُقيمَتْ مَقامَ المصلَّى أو المسجد.
وهذا التفسيرُ ـ وإِنْ نُقِل عن بعض السلف كابنِ مسعودٍ رضي الله عنه وسعيدِ ابنِ جُبَيرٍ وعكرمةَ والزُّهْريِّ وغيرِهم ـ إلَّا أنَّه مُعارَضٌ بتفسيرٍ آخَرَ يَحْمِل الصلاةَ على ذاتها الشرعية، ويكون معنى الآيةِ: «ولا تَقْرَبوا الصلاةَ جُنُبًا إلَّا أَنْ تكونوا مُسافِرين ولم تجدوا ماءً فتَيمَّموا»، وهذا التفسيرُ منقولٌ عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ وابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهم، ومُجاهِدٍ والحسنِ بنِ مسلمٍ وغيرِهم، وبه قال أحمد والمُزَنيُّ.
والتفسير الأَوَّل الذي حَمَلَ «الصلاةَ» على مَواضِعِها أو حَمَلَه على الكناية عن المساجد مُخالِفٌ للأصل؛ إذ «الأَصْلُ فِي اللَّفْظِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقِلًّا وَمُكْتَفِيًا بِذَاتِهِ»، لا يتوقَّف معناهُ على تقديرٍ، خلافًا للإضمار. وإذا دارَ اللفظُ بين الاستقلال والإضمار فإنَّه يُحْمَلُ على الاستقلال لقِلَّةِ اضطرابه، والتفسيرُ الثاني مُسْتَغْنٍ ـ في دلالته ـ عن الإضمار، بخلافِ الأَوَّل فهو مُفْتَقِرٌ إليه، ومعلومٌ أنَّ الألفاظ المقدَّرةَ إنَّما يُصارُ إليها عند الحاجةِ وانعدامِ وجودِ لفظٍ مُناسِبٍ لمعنى اللفظِ ضرورةً لتصحيحِ الكلام، وقد استقام المعنى بالتفسير الثاني فلا يُعْدَل إلى غيره.
وقد يُعْتَرَض بأنَّ قوله تعالى: ﴿عَابِرِي سَبِيلٍ﴾ لو حُمِل على أنهم المسافرون لم يكن في إعادةِ ذِكْرِهم في قوله تعالى: ﴿وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ﴾ معنًى مفهومٌ؛ إذ لا فائدةَ في تَكراره، وانتفاؤها عَبَثٌ يجب تنزيهُ الشارعِ عنه، ولو أفاد تَكرارُه التأكيدَ لَكان خلافَ الأصل؛ إذ «الأَصْلُ التَّأْسِيسُ، وَهُوَ أَوْلَى مِنَ التَّأْكِيدِ»؛ ذلك لأنَّ «الأَصْلَ فِي وَضْعِ الكَلَامِ إِنَّمَا هُوَ إِفْهَامُ السَّامِعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ».
فجوابُه: أنَّ التأسيس مَبْنِيٌّ على صَرْفِ كلمةِ «الصلاة» عن معناها الحقيقيِّ إلى المعنى المجازيِّ وهو خلافُ الأصل؛ إذ «المُقَرَّرُ فِي الأُصُولِ أَنَّ النَّصَّ إِذَا دَارَ بَيْنَ الحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالمَجَازِ الشَّرْعِيِّ فَحَمْلُ اللَّفْظِ الشَّرْعِيِّ عَلَى حَقِيقَتِهِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى المَجَازِ»، فضلًا عن ذلك فإنَّه يَلْزَم مِنَ القولِ بأنَّ في القرآنِ مَجازًا أنَّ القرآن يجوز نَفْيُه؛ لإجماعِ القائلين بالمَجاز على أنَّ كُلَّ مَجازٍ يجوز نفيُه ويكون نافِيهِ صادقًا في نَفْسِ الأمر، ولا ريبَ أنَّه لا يجوز نفيُ شيءٍ مِنَ القرآن(١٣).
وبناءً على ما تَقدَّم فحَمْلُ اللفظِ المبنيِّ على حقيقته الشرعية، المكتفي بذاته على وجهِ الاستقلال ـ وإِنْ أفاد التأكيدَ ـ أَوْلى مِنْ حَمْلِه على المَجاز المُفْتَقِرِ في دلالته إلى الإضمار ـ وإِنْ أفاد التأسيسَ ـ لأصالةِ الحقيقة الشرعية، وهي مُقدَّمةٌ على الحقيقة العرفية واللغوية؛ فمِنْ بابٍ أَوْلى مع المجاز الشرعيِّ.
ولو حَمَلْنا تفسيرَ الآيةِ على تقديرِ الإضمار فإنَّ الحكم يقتصر على الجُنُب، ولا تُلْحَق به الحائضُ إلَّا بنوعِ قياسٍ يظهر فيه قادِحُ الفرقِ بينهما جليًّا مِنْ ناحيةِ أنَّ الجُنُبَ غيرُ معذورٍ بجَنابته وبيده أَنْ يتطهَّر، والآيةُ تَحثُّه على الإسراعِ بالتطهُّر، بخلافِ الحائض فمعذورةٌ بحيضتها؛ فلا تملك أَمْرَها ولا يَسَعُها التطهُّرُ مِنْ حيضتها إلَّا بعد انقطاعِ الدم؛ فحيضتُها ليسَتْ بيدها، وإنَّما هي شيءٌ كَتَبَه اللهُ على بنات آدَمَ، وهذا الفرقُ الظاهرُ بين المَقيسِ والمَقيسِ عليه يقدح في القياسِ فيُفْسِده، وتبقى الآيةُ محصورةً في الجُنُب دون الحائض جمعًا بين الأدلَّة.
ومع ذلك فحَمْلُ لفظِ «الصلاة» على الحقيقة الشرعية والاستقلالِ أَوْلى بالتفسير؛ لِمَا يشهد له مِنْ عمومِ حديثِ: «المُسْلِمُ لَا يَنْجُسُ»(١٤)، وما تَقدَّم مِنْ أدلَّةٍ شاهدةٍ على الجواز: كمَبِيتِ الوليدة السوداءِ وأهلِ الاعتكاف، وقولِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لعائشةَ رضي الله عنها لمَّا حاضَتْ: «افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي»(١٥).
وفضلًا عن ذلك، لو سُلِّمَ القياسُ على الجُنُبِ فقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أصحاب الصُّفَّةِ كانوا يبيتون في المسجدِ لا مأوَى لهم سواه(١٦)، وقَدْ تُصِيبُ بعضَهم جنابةٌ بالاحتلام، مع ذلك لم يُنْقَلْ عنه صلَّى الله عليه وسلَّم ما يدلُّ على مَنْعِهم مِنَ المُكْثِ في المسجد؛ ويُؤيِّد ما ذَكَرْنا ما أخرجه سعيدُ بنُ منصورٍ في «سُنَنه» بإسنادٍ حَسَنٍ عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ عن عطاءِ بنِ يسارٍ قال: «رَأَيْتُ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُونَ فِي المَسْجِدِ وَهُمْ مُجْنِبُونَ إِذَا تَوَضَّئُوا وُضُوءَ الصَّلَاةِ»(١٧).
٢ ـ وأمَّا الاستدلال بحديثِ جَسْرَةَ بنتِ دَجاجةَ قالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا تَقُولُ: «جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُجُوهُ بُيُوتِ أَصْحَابِهِ شَارِعَةٌ فِي المَسْجِدِ فَقَالَ: «وَجِّهُوا هَذِهِ البُيُوتَ عَنِ المَسْجِدِ»، ثُمَّ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَصْنَعِ القَوْمُ شَيْئًا رَجَاءَ أَنْ تَنْزِلَ فِيهِمْ رُخْصَةٌ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ بَعْدُ فَقَالَ: «وَجِّهُوا هَذِهِ البُيُوتَ عَنِ المَسْجِدِ؛ فَإِنِّي لَا أُحِلُّ المَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ»»(١٨)، فلو صحَّ الحديثُ لَكانَتْ دلالتُه صريحةً على تحريمِ دخول المسجدِ على الحائض والجُنُب، ولكنَّه ضعيفٌ لا يصلح للاحتجاج به؛ لمجيئه مِنْ طريقِ جَسْرَةَ، وحاصِلُ القولِ فيها: أنَّ الحُجَّةَ لا تقوم بحديثها إلَّا بشواهِدَ؛ ولهذا قال الحافظ في «التقريب»: إنها مقبولةٌ(١٩)، أي: مقبولةٌ إذا تُوبِعَتْ، وإلَّا فلَيِّنَةٌ، وفي هذا الحديثِ لم تُتابَعْ، والحديثُ ضَعَّفه جماعةٌ منهم الإمامُ البخاريُّ والبيهقيُّ وابنُ حزمٍ وعبدُ الحقِّ الإشبيليُّ وغيرُهم.
٣ ـ أمَّا حديثُ أُمِّ عطيَّة رضي الله عنها قالَتْ: «أَمَرَنَا ـ تَعْنِي: النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنْ نُخْرِجَ ـ فِي العِيدَيْنِ ـ العَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الخُدُورِ، وَأَمَرَ الحُيَّضَ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى المُسْلِمِينَ»(٢٠)، الذي استُدِلَّ به على مَنْعِ الحائض مِنَ المصلَّى؛ فتكونُ ممنوعةً مِنَ المسجد مِنْ بابٍ أَوْلى، ومِنْ جهةٍ أخرى فلو حُمِل اللفظُ على «الصلاة» لَأفاد التأكيدَ الذي يُقْصَدُ به تقويةُ لفظٍ سابقٍ، وهو على خلافِ الأصل؛ لأنَّ الأصل في وضعِ الكلام إنَّما هو التأسيسُ؛ لذلك كان حَمْلُه على «المصلَّى» أَوْلى مِنْ حَمْلِه على «الصلاة».
فالصواب أنه لا دلالةَ فيه على هذا المعنى؛ لأنَّ المراد بالمصلَّى ـ في الحديث ـ إنَّما هي الصلاةُ ذاتُها؛ بدليلِ روايةِ مسلمٍ وغيرِه وفيها: «فَأَمَّا الحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلَاةَ»(٢١)، ويُقوِّي هذا المعنى روايةُ الدارميِّ: «فَأَمَّا الحُيَّضُ فَإِنَّهُنَّ يَعْتَزِلْنَ الصَّفَّ»(٢٢)؛ فحَمْلُه على الصلاةِ نَفْسِها ليس فيه خلافٌ، بينما إذا ما حُمِل على لفظِ «المصلَّى» فهو مختلَفٌ فيه، وقد تَقرَّر أنَّ «المُتَّفَقَ عَلَيْهِ أَرْجَحُ مِنَ المُخْتَلَفِ فِيهِ». ومِنْ زاويةٍ أخرى فحَمْلُه على التأكيد ـ وإِنْ كان خلافَ الأصل ـ إلَّا أنه أَوْلى بالتقديم؛ لوجودِ قرائنَ تدلُّ عليه، منها: أنَّ لفظ الاعتزالِ الذي هو التنحِّي والبعدُ عن الشيء يتعدَّى بحرفِ «عن» الدالِّ على المجاوَزة، وهو يدلُّ بدلالةِ الالتزام على ابتداء الغاية؛ إذ كُلُّ مجاوَزةٍ فلا بُدَّ لها مِنِ ابتداءِ غايةٍ؛ فيكون المصلَّى هو مبدأَ الاعتزالِ وهو الغايةُ المأمورُ بها؛ فدلَّ على أنَّ الحائض حَلَّتْ به ابتداءً، عِلمًا أنَّ المصلَّى غيرُ محدودٍ بحَدٍّ حَتَّى يمكن أَنْ تخرج منه، ولو سُلِّم أَنَّه محدودٌ حَدًّا عُرْفيًّا لَمَا وَسِعَها أَنْ تَرِدَه مِنْ جديدٍ عند سماعِ خُطْبة العيد ودعوةِ المُصلِّين الذي هو عِلَّةُ خروجها إلى المصلَّى؛ فدلَّ ذلك على أنَّ المراد بالمصلَّى: الصلاةُ ذاتُها.
وعلى تقديرِ حَمْلِ الحديث على اللفظين معًا ـ لِلُزوم أحَدِهما مِنَ الآخَر ـ باعتزالِ الحائضِ المصلَّى والصلاةَ، بحيث لا يكون أحَدُ اللفظين نافيًا للآخَر؛ فلا دلالةَ فيه ـ أيضًا ـ على مَنْعِ الحائض مِنْ دخولِ المسجد؛ ذلك لأنَّ صلاة العيد التي كان يُؤدِّيها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مع أصحابه إنَّما كانَتْ بالفضاء، ولم يُنْقَل عنه بسندٍ مقبولٍ أنه أدَّاها في المسجد، وقد جُعِلَتِ الأرضُ كُلُّها مسجدًا(٢٣)، والحائضُ والجُنُبُ يُباح لهما جميعُ الأرض بلا خلافٍ وهي مسجدٌ؛ فلا يجوز أَنْ يُخَصَّ بالمنع مِنْ بعضِ المساجد دون بعضٍ(٢٤).
٤ ـ أمَّا قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم لعائشةَ رضي الله عنها: «نَاوِلِينِي الخُمْرَةَ مِنَ المَسْجِدِ»، قَالَتْ: فَقُلْتُ: «إِنِّي حَائِضٌ»، فَقَالَ: «إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ»(٢٥)، فقَدِ اخْتُلِف في فِقْهِ الحديث، وهل الخُمْرةُ كانَتْ داخِلَ المسجدِ أم خارِجَه؟
فمَنْ أجاز لها دخولَ المسجدِ بظاهرِ لفظِ الحديث السابق الذي يفيد أَنَّ الخُمْرة كانَتْ داخِلَ المسجدِ فقَدْ حَمَلَ قولَه صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ» على قيامِ عُذْرِها بحيضتها ولا دَخْلَ لها ولا إرادةَ لها فيها، ويُعضِّد هذا المعنى قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم لها: «إِنَّ هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ»(٢٦)؛ وعليه فلا دلالةَ على مَنْعِ الحائض مِنَ الدخول إليه.
ومَنْ مَنَعَ منه الحائضَ فقَدِ استدلَّ بروايةِ النسائيِّ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فِي المَسْجِدِ إِذْ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ، نَاوِلِينِي الثَّوْبَ»، فَقَالَتْ: «إِنِّي لَا أُصَلِّي»، قَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِكِ»، فَنَاوَلَتْهُ»(٢٧)، وفي روايةِ مسلمٍ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المَسْجِدِ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، نَاوِلِينِي الثَّوْبَ»، فَقَالَتْ: «إِنِّي حَائِضٌ»، فَقَالَ: «إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ»، فَنَاوَلَتْهُ»(٢٨)؛ فإنَّ ظاهِرَ حديثَيْ أبي هريرة رضي الله عنه يفيد أنَّ الخُمرة كانَتْ خارِجَ المسجد، وأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَذِنَ لها في إدخالِ يَدِها فقط دون سائِرِ جسَدِها، ولو كان أَمَرَها بدخولِ المسجد لم يكن لتخصيصِ اليد معنًى.
والحديثُ تَنازَعَه الفريقان، والظاهرُ أنه غيرُ صريحٍ في المنع ولا في الإباحة؛ فينبغي العدولُ عنه إلى غيره مِنَ الأدلَّة، وإذا لَزِمَ الترجيحُ بينهما كان حَمْلُ قوله: «إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ» على معنَى قولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ»، وتفسيرُه به أَوْلى؛ لأنَّ «مَا يُعَضِّدُهُ دَلِيلٌ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا لَمْ يُعَضِّدْهُ دَلِيلٌ آخَرُ».
ومِنْ جهةٍ أخرى فإنَّ الاستدلال بالحديث على تخصيصِ إدخالِ اليد في المسجد دون سائِرِ الجسد تأباهُ الصناعةُ الأصولية، وقد تَقرَّر في القواعد أنَّ: «تَحْرِيمَ الشَّيْءِ مُطْلَقًا يَقْتَضِي تَحْرِيمَ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ»(٢٩)؛ لذلك كانَتِ الأدلَّةُ المُقرِّرةُ للبراءة الأصليةِ مُثيرةً لغَلَبَةِ الظنِّ ومُوجِبةً للعمل.
ومع ذلك، فإِنْ كان في تركِ الحائضِ دخولَ المسجدِ ما تَتحقَّقُ به مصلحةٌ راجحةٌ مِنْ تأليفِ القلوب عن طريقِ رَدْمِ الخلافِ فإنَّه «يُسْتَحَبُّ الخُرُوجُ مِنَ الخِلَافِ»(٣٠)، وقد تَرَكَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم تغييرَ بناءِ البيت لِمَا فيه مِنْ جَمْعِ القلوب وتأليفِها(٣١)، وصَلَّى ابنُ مسعودٍ خَلْفَ عثمان رضي الله عنهما بعد إنكارِه عليه لإتمامِ الصلاةِ في السفر دفعًا للخلاف ونبذًا للشِّقاق(٣٢).
أمَّا إذا كانَتِ الحاجةُ أو المصلحة داعيةً إلى دخول المسجد لطَلَبِ العلمِ الشرعيِّ أو للاستفتاء مثلًا؛ فإنَّ مَأْخَذَ المُخالِفِ يكون ضعيفًا، وحالتَئذٍ فليس الوَرَعُ والحيطةُ الخروجَ مِنَ الخلاف؛ لأنَّ شَرْطه أَنْ لا تُؤدِّيَ مُراعاتُه إلى تركِ واجبٍ أو إهمالِ سُنَّةٍ ثابتةٍ أو خَرْقِ إجماعٍ، بل الوَرَعُ في مُخالَفتِه لموافَقةِ الشرع؛ فإنَّ ذلك أَحْفَظُ وأَبْرَأُ للدِّين والذِّمَّة.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٢ مِنَ المحرَّم ١٤١٩ﻫ
الموافق ﻟ: ١٩ ماي ١٩٩٨م
(١) أخرجه البخاريُّ في «الصلاة» بابُ نومِ المرأةِ في المسجد (٤٣٩) مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.
(٢) أخرجه ـ بهذا اللفظ ـ البخاريُّ في «الغُسْل» بابُ عَرَقِ الجُنُب وأنَّ المسلمَ لا ينجس (٢٨٣) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه، ومسلمٌ في «الطهارة» (٣٧٢) مِنْ حديثِ حُذَيْفَةَ بنِ اليَمان رضي الله عنهما. وأخرجه بلفظِ: «إِنَّ المُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ»: البخاريُّ في «الغُسل» بابُ الجُنُبِ يخرج ويمشي في السوق وغيرِه (٢٨٥)، ومسلمٌ في «الحيض» (٣٧١)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الحيض» باب: تقضي الحائضُ المناسكَ كُلَّها إلَّا الطوافَ بالبيت (٣٠٥)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٢١١).
(٤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الحجِّ» باب الطواف على وضوءٍ (١٦٤١)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٢٣٥)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.
(٥) والظاهر الراجحُ أنه يَلْزَمُ الطهارةُ الكبرى دون الصغرى كما في الفتوى رقم: (٧٠٦) الموسومة ﺑ: «في حكم الطهارة للطواف» على الموقع الرسمي.
(٦) انظر أفضليةَ جنسِ فعلِ المأمور به على جنسِ تركِ المَنْهِيِّ عنه في: «المجموع» لابن تيمية (٢٠/ ٨٥) وما بعدها، و«الفوائد» لابن القيِّم (١٥٧) وما بعدها.
(٧) نَقَلَ ابنُ قُدامة ـ رحمه الله ـ عدَمَ الخلافِ على هذا الأصل، انظر: «روضة الناظر» لابن قدامة (٢/ ٥٧)، «المسوَّدة» لآل تيمية (١٨١). وأفاد الشيخُ الشنقيطيُّ أنَّ مَنْ أجازَهُ وافَقَ على عدَمِ وقوعه، انظر: «المذكِّرة» (١٨٥) و«أضواء البيان» (١/ ٩٧، ٩٨) كلاهما للشنقيطي.
(٨) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الصلاة» بابُ الاغتسال إذا أَسْلَمَ، وربطِ الأسير ـ أيضًا ـ في المسجد (٤٦٢)، ومسلمٌ في «الجهاد والسِّيَر» (١٧٦٤)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(٩) انظر الحديثَ الذي أخرجه أبو داود في «الخَرَاجِ والإمارة» بابُ ما جاء في خَبَرِ الطائف (٣٠٢٦)، وأحمد (١٧٩١٣)، عن عثمانَ بنِ أبي العاص رضي الله عنه. وضعَّفه الألبانيُّ في «السلسلة الضعيفة» (٤٣١٩).
(١٠) ذَكَرَ ذلك ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ في «زاد المَعاد» (٣/ ٥٤٩) مِنْ روايةِ ابنِ إسحاق قال: «حدَّثني محمَّد بنُ جعفر بنِ الزبير ...»، كما ذَكَرَها ابنُ كثيرٍ ـ رحمه الله ـ في «تفسيره» (٨/ ٥٠)، قال ابنُ رجبٍ الحنبليُّ ـ رحمه الله ـ في «فتح الباري» (٣/ ٢٤٤): «قيل: هذا مُنْقَطِعٌ ضعيفٌ لا يُحْتَجُّ بمثله». وذَكَرَ القصَّةَ ابنُ هشامٍ في «سيرته» (١/ ٥٧٤). وإسنادُ هذه القصَّةِ مُرْسَلٌ لأنَّ محمَّد بنَ جعفر بنِ الزبير بنِ العوَّام الأسديَّ ثِقَةٌ، ولكنَّه لم يَلْقَ أحَدًا مِنَ الصحابة؛ لذا عدَّه الحافظ ابنُ حجرٍ مِنَ الطبقة السادسة.
(١١) تقدَّم تخريجه قريبًا، انظر: (الهامش ٢).
(١٢) انظر اختلافَ العلماء في مسألةِ مُخاطَبةِ الكُفَّار بفروع الشريعة في: «المعتمَد» لأبي الحسين (١/ ٢٩٥)، «التبصرة» للشيرازي (٨٠)، «الإشارة» للباجي (١٩٨)، «أصول السرخسي» (١/ ٨٧)، «المحصول» للفخر الرازي (١/ ١٤٥)، «الإحكام» للآمدي (١/ ١١٠)، «شرح تنقيح الفصول» للقرافي (١٦٣)، «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٢/ ٧ ـ ١٦)، «زاد المَعاد» لابن القيِّم (٥/ ٦٩٨ ـ ٦٩٩)، «الأشباه والنظائر» للسيوطي (٢٥٣)، «شرح الكوكب المنير» للفتوحي (١/ ٥٠٣)، «فواتح الرحموت» للأنصاري (١/ ١٢٨)، «إرشاد الفحول» للشوكاني (١٠)، «مذكِّرة الشنقيطي» (٣٣ ـ ٣٤).
(١٣) انظر: «منع جواز المَجاز» للشنقيطي (٤، ٥).
وأهلُ السُّنَّةِ يختلفون في وقوعِ المجاز في القرآن: فمنهم مَنْ مَنَعَ وقوعَه مُطْلَقًا، ومنهم مَنْ أجازه فيما عدا آياتِ الصفاتِ الواجبَ حملُها على الحقيقةِ دون المجاز. والظاهر أنَّ الخلاف لَفظيٌّ على ما صَرَّح به ابنُ قُدامة ـ رحمه الله ـ، [انظر المسألة في: «تأويل مُشْكِل القرآن» لابن قتيبة (١٠٣، ١٠٩، ١٣٢)، «الفقيه والمتفقِّه» للخطيب البغدادي (١/ ٦٤)، «روضة الناظر» لابن قدامة (١/ ١٨٢)، «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٥/ ٢٠٠، ٢٠١، ٧/ ٨٨، ٩٠ ـ ٩٦، ١٠٨)، «الصواعق المُرْسَلة» لابن القيِّم (٢/ ٦٣٢)، «شرح الكوكب المنير» للفتوحي (١/ ١٩١)].
(١٤) تقدَّم تخريجه، انظر: (الهامش ٢).
(١٥) تقدَّم تخريجه، انظر: (الهامش ٣).
(١٦) انظر: الحديثَ الذي أخرجه البخاريُّ في «الرِّقاق» باب: كيف كان عيشُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابِه؟ (٦٤٥٢) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(١٧) أخرجه سعيد بنُ منصورٍ في «سننه» (٤/ ١٢٧٥) رقم: (٦٤٦). وقال الألبانيُّ في «الثمر المستطاب» (٢/ ٧٥٤): «وهذا إسنادٌ صحيحٌ على شرطِ مسلمٍ».
(١٨) أخرجه أبو داود في «الطهارة» بابٌ في الجُنُب يدخل المسجدَ (٢٣٢)، والبيهقيُّ في «السنن الكبرى» (٤٣٢٣)، وابنُ خزيمة (١٣٢٧)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها. وحديثُ جَسْرَةَ بنتِ دَجاجةَ ذَكَرَه الألبانيُّ في «الإرواء» (١/ ١٦٢) عند الحديث رقم: (١٢٤)، وقال: «ضعيفٌ، في سنده جَسْرَةُ بنتُ دجاجة، قال البخاريُّ: «عندها عجائبُ»، وقد ضَعَّف الحديثَ جماعةٌ منهم البيهقيُّ وابنُ حزمٍ وعبدُ الحقِّ الإشبيليُّ، بل قال ابنُ حزمٍ: «إنه باطلٌ»، وقد فَصَّلْتُ القولَ في ذلك في «ضعيف السنن» رقم: (٣٢)»، وخَرَّجه في «الإرواء» برقم: (١٩٣) وضَعَّفه، وذَكَرَ عِلَلَ مَنْ ضَعَّفه، وذَكَرَ أَنَّه ردَّ في «ضعيف سنن أبي داود» على مَنْ صَحَّحه كابنِ خزيمة وابنِ القطَّان والشوكانيِّ، وضعَّفه ـ أيضًا ـ في «تمام المِنَّة» (ص ١١٨).
(١٩) «تقريب التهذيب» لابن حجر (٢/ ٥٩٣).
(٢٠) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «العيدين» بابُ خروج النساء والحُيَّضِ إلى المصلَّى (٩٧٤)، وباب: إذا لم يكن لها جلبابٌ في العيد (٩٨٠)، وفي «الحيض» بابُ شهود الحائضِ العيدين ودعوةَ المسلمين (٣٢٤)، وفي غيرِ هذه المواضع، ورواه مسلمٌ في «صلاة العيدين» (٨٩٠)، مِنْ حديثِ أُمِّ عطيَّة رضي الله عنها.
(٢١) رواه مسلمٌ في «صلاة العيدين» (٨٩٠) مِنْ حديثِ أمِّ عطيَّة رضي الله عنها.
(٢٢) أخرجه الدارميُّ في «سننه» (١٦٥٠) مِنْ طريقِ عبد العزيز بنِ عبد الصمد عن هشام بنِ حسَّانَ عن حفصة عن أمِّ عطيَّة رضي الله عنها، ورجالُ سَنَدِه كُلُّهم ثِقَاتٌ، أمَّا عبد العزيز فإِنْ كان هو العَمِّيَّ فهو ثِقَةٌ حافظٌ، وأمَّا هشام بنُ حسَّان الأزديُّ فهو ثِقَةٌ ـ أيضًا ـ.
(٢٣) انظر حديثَ جابرِ بنِ عبد الله رضي الله عنهما المُتَّفَقَ عليه: أخرجه البخاريُّ في «التيمُّم»(٣٣٥)، ومسلمٌ في «المساجد» (٥٢١).
(٢٤) انظر: «المحلَّى» لابن حزم (٢/ ١٨٢).
(٢٥) أخرجه مسلمٌ في «الحيض» (٢٩٨) مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.
(٢٦) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الحيض» باب: كيف كان بدءُ الحيض؟ وقولِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «هذا شيءٌ كَتَبَه اللهُ على بناتِ آدَمَ» (٢٩٤)، وباب: تقضي الحائضُ المناسكَ كُلَّها إلَّا الطوافَ بالبيت (٣٠٥)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٢١١)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.
(٢٧) أخرجه النسائيُّ في «الطهارة» باب استخدامِ الحائض (٢٧٠) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢٨) رواه مسلمٌ في «الحيض» (٢٩٩) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢٩) انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢١/ ٨٥).
(٣٠) انظر هذه القاعدةَ في: «الأشباه والنظائر» للسيوطي (١٣٦)، «القواعد الفقهية» للندوي (٣٣٦).
(٣١) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الحجِّ»بابُ فضلِ مكَّةَ وبنيانِها (١٥٨٣)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٣٣٣)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.
(٣٢) أخرجه أبو داود في «المناسك» بابُ الصلاة بمِنًى (١٩٦٠) موقوفًا على ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه، وأصلُه في الصحيحين دون قولِ ابنِ مسعودٍرضي الله عنه: «الخِلَافُ شَرٌّ»: البخاريُّ في «الحجِّ» بابُ الصلاة بمِنًى (١٦٥٧)، ومسلمٌ في «صلاة المسافرين وقَصْرِها» (٦٩٥).