قراءة نقدية فى ديوان : قربان لإله الحرب من كربلاء إلى قانا إلى القدس شعر حسن طلب "1- 2 "
كتب: أ.د خالد فهمي " كلية الآداب - جامعة المنوفية"
(1)هل ثمة شعرية للدمار!
صحيح أن مصطلح الدمار الشامل وليد لمعجمية الحرب والعسكرية، والنظام العالمى فى حركته المراوغة لكسر إرادة من يريد من الدول والأنظمة، وهو يحوى فى مفهومه جرثومة التدمير الهائل المروع الذى يدمر ويخرب الحياة فى جنباتها المتنوعة. ولم أجد إلا فى النادر من ينقله إلى ميادين معرفية أخرى، على ما جاء فى بعض الكتابات المعاصرة التى تستعمله لوصف فعل الآلة الإعلامية فى المرحلة الراهنة فى بعض ما أصدره من كتب. والعجيب أن قراءة تاريخ العلاقة بين اللغة والاستعمار ربما يقود إلى القول بأن ثمة استعمالا للغة بما هى سلاح دمار شامل، يستثمره المستعمرون- بكسر الميم- على امتداد التاريخ لتخريب عقول المستعمرين بفتح الميم. وتاريخ الشعرية فى العصر الحديث يبرهن على أنه غير برىء فى بعض المناطق، استعملته أجهزة المخابرات، ووظفته لخدمة أغراضها فى عدد كبير من البلدان العربية بشهادة كثير من المؤرخين والمفكرين على ما فصلت القول فيه سوندرز!
لقد دفعت أجهزة المخابرات أموالا طائلة لعازفين أو زمارين استأجرتهم زمانا طويلا ليعزفوا ألحانا خاصة، فكان هؤلاء العازفون والزمارون قطعا من السلاح الشامل تستهدف تشويه العقول والوجدانات وتجريفها، وتخريبها. لقد أصبح عندنا شعرية للدمار بهذا المفهوم، نطقت بها أصوات كثيرة وما تزال.
(2) قربان لإله الحرب مثال غير أخير لشعرية الدمار!
فى مارس سنة 2013م صدر للشاعر حسن طلب ديوان هو (قربان لإله الحرب من كربلاء إلى قانا إلى القدس) عن الهيئة المصرية العامة للكتاب فى (128) صفحة وقد نبه الشاعر إلى أن قصائد الديوان كتبت فى الفترة الممتدة من 2003م إلى سنة 2008م، والوعى الشعرى يفرض علينا أن نقرر أن شيئا ما لا يقع فى الديوان إلا جاء محكوما بقصد وإرادة، باعتبار أن الشعر إرادة ووعى.
والديوان يفرض على قارئه أحكاما بعينها، ولاسيما أن الشاعر حسن طلب يملك أدواته، وهو واحد من الأصوات الشعرية الحقيقية التى تملك القدرة، والشاعرية، وباستطاعته أن يمتع متلقيه، بما يملكه من قدرات فنية.
وأنا مضطر إلى إستراتيجية بعينها قبل التدليل على أن هذا الديوان مثال لشعرية الدمار، أرجو أن يتحملنى القارئ فيها قليلا.
وهذه الإستراتيجية تتلخص فى التمهيد بين يدى الملاحظ النقدية بعدد من نصوص اللسانيات أو علم اللغة المعاصر، بما هو المرجعية المركزية لبرامج النقد المعاصرة جميعا:
أولا- يقول لويس جان كالفى فى كتابه حرب اللغات والسياسات اللغوية: ص 284 إن الغزو بالنحو يعقب غزوا بالسلاح!
ثانيا- ويقول كذلك ص 227 كل تعديل فى الدلالة سوف يعدل الإحساس بالعالم.
ثالثا- ويقول كذلك ص 286 هناك لسانيون فى خدمة الاستعمار من أمثال كينيث بايك ودافيد كريستال، ومن ثم أقول إن هناك شعراء فى خدمة الدمار!
رابعا- ويقول باسكال بيك فى كتابه أجمل قصة عن اللغة: ص 9 إن الإشارة اللغوية هى بامتياز ثمرة التعرف إلى الهوية.
خامسا- ويقول كلود حجاج فى كتابه إنسان الكلام: مساهمة لسانية فى العلوم الإنسانية ص 265 إن ضبط اللسان وإصلاح معجمه نشاطان سياسيان.
سادسا- ويقول كذلك ص 292 إننا نستطيع فى الألسنة قراءة تاريخ الحرية والاستعباد!
ومرة أخرى أرجو أن تعتمد هذه الفقرات المنقولة هنا عن بعض مراجع اللسانيات المعاصرة، ولكننى أذكر بأنها إستراتيجية، أقصد من ورائها أن يعتمدها القارئ مرجعية عندما يستشعر شيئا من الإفراط فى قراءة أدلة شعرية الدمار التى سألتقطها من ديوان: قربان لإله الحرب!
إن أول ما يظهر من فحص الديوان هو تشويه كامل لرموز الفكرة الإسلامية المادية وقد سبق هنا تقرير أن الإشارة اللغوية هى ثمرة الهوية بامتياز، وهو ما يقود إلى الإقرار بأن ازدراء العلاقة اللغوية (الهلال) وحياطته بسياق مهين، وذليل، وغير متعاطف يعنى فى القراءة والتحليل ازدراء الهوية التى تمثلها وتعلن عنها، لقد ظل الهلال على امتداد الثقافة العربية المرتبطة بالإسلام مسكونا بالجليل، والعلوى، والخصب، والنور، لكنه تحول عند حسن طلب إلى شىء آخر مهين، ومزدرى، ومؤخر الرتبة، ونصبه هدفا يرمى عن طريقه الأفكار التى طالما مثلها، وكان رمزا عليها.
يقول الشاعر : ص 38
• ارسم هلالا من صناديق النفايات
• اصطنعه من القمامة...
• من فتات مخلفات عساكر الثكنات
والمستوطنات!
ومن المهم جدا تأمل المفردات المحيطة المكونة لصورة الهلال، ودورانها حول القذارة بشكل مباشر.
ويقول الشاعر: ص39
• ارسم هلالا فى الهواء
• لكى يطير إلى مشايخ مركز الإفتاء
أو لموظفيه
• لينظروا العيدين فيه..
• ويجعلوه تميمة جنسية لمن استطاع
• ويعلنوا إشباع من جاع!
• ارسم هلالا.. وأسمِه:
• بضعا من الأبضاع
أو فرجا حلالا!
• ارسم هلالا واحدا إن شئت
• أو مثنى.. ثلاث
إلى رباع!
إننى مضطر هنا أن أقرر عن بوالو فى فن الشعر ص 17 فقرة 75 (تجنبوا الوضاعة أيا كان موضوعكم".
وعند هذه النقطة تعيينا تتبدى إستراتيجية توظيف الشعرية سلاح دمار شامل، تتحول به جماليات الكتابة الشعرية المعتمدة على تقنيات الإنشاء الطلبى ولا سيما تقنية الأمر، ثم تقنيات البيان ولاسيما الاستعارة، ثم تقنيات التكافل النصى، أو التناص عندما يعتمد نثر قوله تعالى : ﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ﴾، أقول تتحول به إلى سلاح مادى يسعى نحو:
أ- كمال التشويه لرموز التاريخ الوطنى فى تجلياتها الإسلامية، وهو كمال التشويه الذى تدرج من تشويه المؤسسة (مركز الإفتاء) ثم تشويه علمائها (المشايخ) ثم إهانة الرموز المركزية فى الثقافة الوطنية عندما يصور الهلال (فى صورة بضع والبضع هو فرج المرأة) ثم إلى اقتباس النص الحكيم وحياطته بما قد رأيت من ازدراء مهانة.
إن القارئ يستطيع أن يلمح فى هذه المقاطع الشعرية تاريخا كاملا من الازدراء والاستهانة والتحقير، تستهدف التدمير، والانتقاص من محدد مركزى مؤسس للشخصية المصرية.
ب-اعتساف المعنى
وقد أدرك علماء اللغة المعاصرون الغربيون منهم قبل غيرهم أن اختيار مفردة ما من قوائم مفردات ولو كان الأمر فى الشعر ليست لعبة بريئة بحال لعشاق صناع التراكيب والجمل، وساعة يتحول الهلال إلى ما رأيت فإن ثمة حربا معلنة باسم الشعر ينبغى التنبه إليها وأذكر القارئ الكريم أن الإسلام فى يوم ما حرم استعمال يثرب علما على المدينة المنورة لأنها تحولت شعارا للنفاق، واللمز للمجتمع الإسلامى! ( يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــع )
جريدة الشعب