بسم الله الرحمن الرحيم
(25)
أمل دنقل
هو شاعر مصري مشهور ومفكر قومي عربي، ولد في عام 1940 بقرية "القلعة"، مركز "قفط" بمحافظة قنا" في صعيد مصر
مولد الشاعر ولد امل دنقل عام 1940 بقرية القلعه ,مركز قفط على مسافه قريبه من مدينة قنا في صعيد مصر,وقد كان والده عالما من علماء الازهر الشريف مما اثر في شخصية امل دنقل وقصائده بشكل واضح. سمي امل دنقل بهذا الاسم لانه ولد بنفس السنه التي حصل فيها ابوه على "اجازة العالميه" فسماه باسم امل تيمنا بالنجاح الذي حققه (واسم امل و شائع بالنسبه للبنات في مصر)
اثر والد امل دنقل عليه
كما ذكرنا بالاعلى كان والده عالما بالازهر الشريف وكان هو من ورث عنه امل دنقل موهبة الشعر فقد كان يكتب الشعر العمودي,وايضا كان يمتلك مكتبه ضخمه تضم كتب الفقه والشريعه والتفسير وذخائر التراث العربي مما اثر كثيرا في امل دنقل وساهم في تكوين اللبنه الاولى للاديب امل دنقل. فقد امل دنقل والده وهو في العاشره من عمره مما اثر عليه كثيرا واكسبه مسحه من الحزن تجدها في كل اشعاره.
حياة امل دنقل رحل امل دنقل الى القاهرة بعد ان انهى دراسته الثانويه في قنا وفي القاهره التحق بكلية الآداب ولكنه انقطع عن الدراسة منذ العام الاول لكي يعمل. عمل امل دنقل موظفا بمحكمة قنا وجمارك السويس والإسكندرية ثم بعد ذلك موظفا بمنظمة التضامن الافروآسيوي,وكنه كان دائما ما يترك العمل وينصرف الى كتابة الاشعار. كمعظم اهل الصعيد ,شعر امل دنقل بالصدمه عند نزوله الى القاهرة في اول مره ,واثر هذا عليه كثيرا في اشعاره ويظهر هذا واضحا في اشعاره الاولى. مخالفا لمعظم المدارس الشعرية في الخمسينيات استوحى امل دنقل قصائده من رموز التراث العربي ,وقد كان السائد في هذا الوقت التأثر بالميثولوجيا الغربية عامة واليونانيه خاصة. عاصر امل دنقل عصر احلام العروبه والثورة المصرية مما ساهم في تشكيل نفسيته وقد صدم ككل المصريين بانكسار مصر في1967 وعبر عن صدمته في رائعته "البكاء بين يدي زرقاء اليمامه"و مجموعته "تعليق على ما حدث ".
شاهد امل دنقل بعينيه النصر وضياعه,وصرخ مع كل من صرخوا ضد معاهدة السلام,ووقتها اطلق رائعته "لا تصالح"والتي عبر فيها عن كل ما جال بخاطر كل المصريين ,ونجد ايضا تأثير تلك المعاهده و احداث يناير 1977 واضحا في مجموعته" العهد الآتي"." كان موقف امل دنقل من عملية السلام سببا في اصطدامه في الكثير من المرات بالسلطات المصريه وخاصة ان اشعاره كانت تقال في المظاهرات على السن الآلاف. عبر امل دنقل عن مصر وصعيدها وناسه ,ونجد هذا واضحا في قصيدته "الجنوبي" في آخر مجموعه شعريه له"اوراق الغرفه 8" . عرف القارىء العربي شعره من خلال ديوانه الأول "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" (1969) الذي جسد فيه إحساس الإنسان العربي بنكسة 1967 وأكد ارتباطه العميق بوعي القارىء ووجدانه.
صدرت له ست مجموعات شعرية هي:
البكاء بين يدي زرقاء اليمامة - بيروت 1969.
تعليق على ما حدث - بيروت 1971.
مقتل القمر - بيروت 1974.
العهد الآتي - بيروت 1975.
أقوال جديدة عن حرب البسوس - القاهرة 1983.
أوراق الغرفة 8 - القاهرة 1983.
كلمات سبارتكوس الأخيرة.
من أوراق أبو نواس.
اصيب امل دنقل بالسرطان وعانى منه لمدة تقرب من الاربع سنوات وتتضح معاناته مع المرض في مجموعته "اوراق الغرفه 8"وهو رقم غرفته في المعهد القومي للاورام والذي قضى فيه ما يقارب ال 4 سنوات,وقد عبرت قصيدته السرير عن آخر لحظاته ومعاناته. لم يستطع المرض ان يوقف امل دنقل عن الشعر حتى قال عنه احمد عبد المعطي حجازي ((انه صراع بين متكافئين ,الموت والشعر)) .
رحل امل دنقل عن دنيانا في الحادي والعشرين من مايو 1983 لتنتهي معاناته في دنيانا مع كل شيء.
من قصائده
العرافة المقدسة
جئت إليك مثخنا بالطعنات والدماء
أزحف في معاطف القتلى، وفوق الجثث المكدسة
منكسر السيف، مغبر الجبين والأعضاء
أسأل يا زرقاء
عن فمك الياقوت عن نبوءة العذراء
عن ساعدي المقطوع .. وهو ما يزال ممسكا بالراية المنكسة
عن صور الأطفال في الخوذات... ملقاة علي الصحراء
عن جاري الذي يهم بارتشاف الماء
فيثقب الرصاص رأسه .. في لحظة الملامسة
عن الفم المحشو بالرمال والدماء
أسأل يا زرقاء
عن وقفتي العزلاء بين السيف .. والجدار
عن صرخة المرأة بين السبي والفرار
كيف حملت العار
ثم مشيت؟ دون أن أقتل نفسي؟ دون أن أنهار؟
ودون أن يسقط لحمي .. من غبار التربة المدنسة؟
تكلمي أيتها النبية المقدسة
تكلمي بالله باللعنة بالشيطان
لا تغمضي عينيك، فالجرذان
تلعق من دمي حساءها .. ولا أردها
تكلمي لشد ما أنا مهان
لا الليل يخفي عورتي .. ولا الجدران
ولا اختبائي في الصحيفة التي أشدها
ولا احتمائي في سحائب الدخان
.. تقفز حولي طفلة واسعة العينين.. عذبة المشاكسة
كان يقص عنك يا صغيرتي .. ونحن في الخنادق
فنفتح الأزرار في ستراتنا .. ونسند البنادق
وحين مات عطشا في الصحراء المشمسة
رطب باسمك الشفاه اليابسة
وارتخت العينان
فأين أخفي وجهي المتهم المدان؟
والضحكة الطروب: ضحكته ..
والوجه .. والغمازتان
***
أيتها النبية المقدسة
لا تسكتي .. فقد سكت سنة فسنة لكي أنال فضلة الأمان
قيل لي اخرس
فخرست وعميت ائتممت بالخصيان
ظللت في عبيد عبس أحرس القطعان
أجتز صوفها
أرد نوقها
أنام في حظائر النسيان
طعامي الكسرة والماء وبعض التمرات اليابسة
وها أنا في ساعة الطعان
ساعة أن تخاذل الكماة والرماة والفرسان
دعيت للميدان
أنا الذي ما ذقت لحم الضان
أنا الذي لا حول لي أو شأن
أنا الذي أقصيت عن مجالس الفتيان
أدعي الى الموت ولم أدعَ الى المجالسة
تكلمي أيتها النبية المقدسة
تكلمي تكلمي
فها أنا علي التراب سائل دمي
وهو ظمئ يطلب المزيدا
أسائل الصمت الذي يخنقني
ما للجمال مشيها وئيدا
أجندلا يحملن أم حديدا
فمن تري يصدقني؟
أسائل الركع والسجودا
أسائل القيودا
ما للجمال مشيها ويدا
ما للجمال مشيها وئيدا؟
من أوراق " أبو نواس"
(الورقة الأولى)
"ملك أم كتابة ؟"
صاح بي صاحبي، وهو يلقي بدرهم في الهواء
ثم يلقفه
(خارجين من الدرس كنا .. وحبر الطفولة فوق الرداء
و العصافير تمرق عبر البيوت
وتهبط فوق التخيل البعيد )
..
"ملك أم كتابة؟"
صاح بي .. فانتبهت، ورفت ذبابه
حول عينين لامعتين
فقلت : "الكتابة"
...
... فتح اليد مبتسماً، كان وجه المليك السعيد
باسما في مهابة.
***
"ملك ألأم كتابة؟"
صحت فيه بدوري
فرفرف في مقلتيه الصبا و النجابة
وأجاب : " الملك"
(دون أن يتلعثم .. أو يرتبك)
وفتحت يدي
كان نقش الكتابة
بارزاً في صلابة .
.....
......
دارت الأرض دورتها
حملتنا الشواديف من هدأة النهر
ألقت بنا في جداول أرض الغرابة
نتفرق بين حقول الأسى .. وحقول الصبابة
قطرتين ، التقينا على سلم القصر
ذات مساء وحيد
كنت فيه : نديم الرشيد
بينما صاحبي .. يتولى الحجابة !!
(الورقة الثانية)
من يملك العملة
يمسك بالوجهين
والفقراءُ : بين .. بين .
(الورقة الثالثة)
نائماً كنت جانبه ، و سمعت الحرس
يوقظون أبي
خارجيّ ؟
أنا .. ؟!
مارق ؟
من ؟ أنا !!
صرخ الطفل في صدر أمي
(وأمي محلولة الشعر واقفة .. في ملابسها المنزلية)
أخرسوا
واختبأنا وراء الجدار
أخرسوا
وتسلل في الحلق خيط من الدم
(كان أبي يمسك الجرح
يمسك قامته .. ومهابته العائلية)
يا أبي
أخرسوا
وتواريت في ثوب أمي
و الطفل في صدرها ما نبسْ
ومضوا بأبي
تاركين لنا اليتمَ .. متشحاً بالخرس .
(الورقة الرابعة)
- أيها الشعر .. يا أيها الفرح المختلس ّّ
...
(كل ما كنت أكتب في هذه الصفحة الورقية صادرته العسس)
....
(الورقة الخامسة)
... وأمي خادمة فارسية
يتناقل سادتها قهوة الجنس وهي تدير الحطب
يتبادل سادتها النظرات لأردافها
عندما تنحني لتضئ اللهب
يتندر سادتها الطيبون بلهجتها الأعجمية !
***
نائماً كنت جانبها، ورأيت ملاك القدس
ينجني ، ويربت وجنتها
وتراخىا الذراعان عني قليلاً
قليلاً..
وسارت بقلبي قشعريرة الصمت :
-أمي
وعاد لي الصوت
-أمي
وجاوبني الموت
-أميّ
وعانقتها .. وبكيت
وغام بي الدمع حتى انحبس !
(الورقة السادسة)
لا تسألني إن كان القرآن
مخلوقاً .. أو أزلي.
بل سلني إن كان السلطان
لصاً .. أو نصف نبي !!
(الورقة السابعة)
كنت في كربلاء
قال لي الشيخ أن الحسين
مات من أجل جرعة ماء ..
وتساءلت
كيف السيوف استباحت بني الأكرمين
فأجاب الذي بصرته السماء :
انه الذهب المتلألئ : في كل عين .
.............
إن تكن كلمات الحسين
وسيوف الحسين
وجلال الحسين
سقطت دون أن تنقذ الحق من ذهب الأمراء
أفتقدر أن تنقذ الحق ثرثرة لشعراء ؟
و الفرات لسانٌ من الدم لا يجد الشفتين.
*****
مات /ن أجل جرعة ماء
فاسقني يا غلام .. صباح مساء
اسقني يا غلام
علني بالمدام
أتناسى الدماء
تعليق على ما حدث في مخيم الوحدات
1
قلت لكم مرارا
إن الطوابير التي تمر
في استعراض عيد الفطر و الجلاء
(فتهتف النساء في النوافذ انبهارا)
لا تصنع انتصارا.
إن المدافع التي تصطف على الحدود، في الصحارى
لا تطلق النيران .. الا حين تستدير للوراء
إن الرصاصة التي ندفع فيها .. ثمن الكسرة و الدواء
لا تقتل الأعداء
لكنها تقتلنا .. إذا رفعنا صوتنا جهارا
تقتلنا ، وتقتل الصغارا
2
قلت لكم في السنة البعيدة
عن خطر الجندي
عن قلبه الأعمى، وعن همته القعيدة
يحرس من يمنحه راتبه الشهري
وزيه الرسمي
ليرهب الخصوم بالجعجعة الجوفاء
والقعقعة الشديدة
لكنه .. إن يحن الموت
فداء الوطن المقهور و العقيدة :
فر من الميدان
وحاصر السلطان
واغتصب الكرسي
وأعلن "الثورة" في المذياع و الجريدة !
3
قلت لكم كثيرا
إن كان لابد من الذرية اللعينة
فليسكنوا الخنادق الحصينة
(متخذين من مخافر الحدود .. دورا)
لو دخل الواحد منهم هذه المدينة :
يدخلها .. حسيرا
يلقي سلاحه .. على أبوابها الأمينة
لأنه .. لا يستقيم مرح الطفل
وحكمة الأب الرزينة
من المسدس المدلى من حزام الخصر
في السوق ..
وفي مجالس الشورى
***
قلت لكم
لكنكم
لم تسمعوا هذا العبث
ففاضت النار على المخيمات
وفاضت .. الجثث
وفاضت الخوذات و المدرعات.
سبتمبر 1970
لا تصالحْ!
(1 )
لا تصالحْ!
..ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى..:
ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك،
حسُّكما - فجأةً - بالرجولةِ،
هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ،
الصمتُ - مبتسمين - لتأنيب أمكما..
وكأنكما
ما تزالان طفلين!
تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي -بين عينيك- ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء..
تلبس -فوق دمائي- ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!
(2)
لا تصالح على الدم.. حتى بدم!
لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ
أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟
أقلب الغريب كقلب أخيك؟!
أعيناه عينا أخيك؟!
وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك
بيدٍ سيفها أثْكَلك؟
سيقولون:
جئناك كي تحقن الدم..
جئناك. كن -يا أمير- الحكم
سيقولون:
ها نحن أبناء عم.
قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك
واغرس السيفَ في جبهة الصحراء
إلى أن يجيب العدم
إنني كنت لك
فارسًا،
وأخًا،
وأبًا،
ومَلِك!
(3)
لا تصالح ..
ولو حرمتك الرقاد
صرخاتُ الندامة
وتذكَّر..
(إذا لان قلبك للنسوة اللابسات السواد ولأطفالهن الذين تخاصمهم الابتسامة)
أن بنتَ أخيك "اليمامة"
زهرةٌ تتسربل -في سنوات الصبا-
بثياب الحداد
كنتُ، إن عدتُ:
تعدو على دَرَجِ القصر،
تمسك ساقيَّ عند نزولي..
فأرفعها -وهي ضاحكةٌ-
فوق ظهر الجواد
ها هي الآن.. صامتةٌ
حرمتها يدُ الغدر:
من كلمات أبيها،
ارتداءِ الثياب الجديدةِ
من أن يكون لها -ذات يوم- أخٌ!
من أبٍ يتبسَّم في عرسها..
وتعود إليه إذا الزوجُ أغضبها..
وإذا زارها.. يتسابق أحفادُه نحو أحضانه،
لينالوا الهدايا..
ويلهوا بلحيته (وهو مستسلمٌ)
ويشدُّوا العمامة..
لا تصالح!
فما ذنب تلك اليمامة
لترى العشَّ محترقًا.. فجأةً،
وهي تجلس فوق الرماد؟!
(4)
لا تصالح
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ..؟
وكيف تصير المليكَ..
على أوجهِ البهجة المستعارة؟
كيف تنظر في يد من صافحوك..
فلا تبصر الدم..
في كل كف؟
إن سهمًا أتاني من الخلف..
سوف يجيئك من ألف خلف
فالدم -الآن- صار وسامًا وشارة
لا تصالح،
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
إن عرشَك: سيفٌ
وسيفك: زيفٌ
إذا لم تزنْ -بذؤابته- لحظاتِ الشرف
واستطبت- الترف
(5)
لا تصالح
ولو قال من مال عند الصدامْ
".. ما بنا طاقة لامتشاق الحسام.."
عندما يملأ الحق قلبك:
تندلع النار إن تتنفَّسْ
ولسانُ الخيانة يخرس
لا تصالح
ولو قيل ما قيل من كلمات السلام
كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنَّس؟
كيف تنظر في عيني امرأة..
أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها؟
كيف تصبح فارسها في الغرام؟
كيف ترجو غدًا.. لوليد ينام
-كيف تحلم أو تتغنى بمستقبلٍ لغلام
وهو يكبر -بين يديك- بقلب مُنكَّس؟
لا تصالح
ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام
وارْوِ قلبك بالدم..
واروِ التراب المقدَّس..
واروِ أسلافَكَ الراقدين..
إلى أن تردَّ عليك العظام!
(6)
لا تصالح
ولو ناشدتك القبيلة
باسم حزن "الجليلة"
أن تسوق الدهاءَ
وتُبدي -لمن قصدوك- القبول
سيقولون:
ها أنت تطلب ثأرًا يطول
فخذ -الآن- ما تستطيع:
قليلاً من الحق..
في هذه السنوات القليلة
إنه ليس ثأرك وحدك،
لكنه ثأر جيلٍ فجيل
وغدًا..
سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً،
يوقد النار شاملةً،
يطلب الثأرَ،
يستولد الحقَّ،
من أَضْلُع المستحيل
لا تصالح
ولو قيل إن التصالح حيلة
إنه الثأرُ
تبهتُ شعلته في الضلوع..
إذا ما توالت عليها الفصول..
ثم تبقى يد العار مرسومة (بأصابعها الخمس)
فوق الجباهِ الذليلة!
(7)
لا تصالحْ، ولو حذَّرتْك النجوم
ورمى لك كهَّانُها بالنبأ..
كنت أغفر لو أنني متُّ..
ما بين خيط الصواب وخيط الخطأ.
لم أكن غازيًا،
لم أكن أتسلل قرب مضاربهم
أو أحوم وراء التخوم
لم أمد يدًا لثمار الكروم
أرض بستانِهم لم أطأ
لم يصح قاتلي بي: "انتبه"!
كان يمشي معي..
ثم صافحني..
ثم سار قليلاً
ولكنه في الغصون اختبأ!
فجأةً:
ثقبتني قشعريرة بين ضعلين..
واهتزَّ قلبي -كفقاعة- وانفثأ!
وتحاملتُ، حتى احتملت على ساعديَّ
فرأيتُ: ابن عمي الزنيم
واقفًا يتشفَّى بوجه لئيم
لم يكن في يدي حربةٌ
أو سلاح قديم،
لم يكن غير غيظي الذي يتشكَّى الظمأ
(
لا تصالحُ..
إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة:
النجوم.. لميقاتها
والطيور.. لأصواتها
والرمال.. لذراتها
والقتيل لطفلته الناظرة
كل شيء تحطم في لحظة عابرة:
الصبا - بهجةُ الأهل - صوتُ الحصان - التعرفُ بالضيف - همهمةُ القلب حين يرى برعماً في الحديقة يذوي - الصلاةُ لكي ينزل المطر الموسميُّ - مراوغة القلب حين يرى طائر الموتِ
وهو يرفرف فوق المبارزة الكاسرة
كلُّ شيءٍ تحطَّم في نزوةٍ فاجرة
والذي اغتالني: ليس ربًا..
ليقتلني بمشيئته
ليس أنبل مني.. ليقتلني بسكينته
ليس أمهر مني.. ليقتلني باستدارتِهِ الماكرة
لا تصالحْ
فما الصلح إلا معاهدةٌ بين ندَّينْ..
(في شرف القلب)
لا تُنتقَصْ
والذي اغتالني مَحضُ لصْ
سرق الأرض من بين عينيَّ
والصمت يطلقُ ضحكته الساخرة!
(9)
لا تصالح
فليس سوى أن تريد
أنت فارسُ هذا الزمان الوحيد
وسواك.. المسوخ!
(10)
لا تصالحْ
لا تصالحْ