المستقبل الغامض لعملة "البيتكوين"
بعد صعودها القياسي
شهد الأسبوع الماضي تقلبات حادة في قيمة عملة البيتكوين، وهو ما قد ينبئ بالمستقبل المجهول الذي ينتظر هذه العملة الافتراضية.
في الأشهر الأخيرة، تهافت المستثمرون على العملة الرقمية المشفرة "بيتكوين" التي ظهرت منذ 8 سنوات. فبعد أن كانت قيمة البيتكوين في مطلع العام الحالي لا تتعدى ألف دولار، حققت الأسبوع الماضي ارتفاعا غير مسبوق لتتجاوز 10 آلاف دولار.
ولكن في غضون 24 ساعة فقط من تسجيل مستوي قياسي بتخطي قيمتها 11 ألف دولار، تراجعت قيمتها بنحو 20 في المئة، لتصل إلى 9 آلاف دولار فقط.
وقال بنك إنجلترا المركزي، على خفلية هذا التقلب في سعر العملة، صعودا وهبوطا، وما حصده من اهتمام إعلامي: "يجب أن يتوخى المستثمرون الحيطة والحذر" حيال عملة البيتكوين.
وبينما يقول البعض إن عملة البيتكوين تقترب من ذروتها وستأخذ في الانخفاض وإنها لا تعدو أن تكون فقاعة لا أساس لها، فإن البعض الآخر يشعر أنها قد تواصل ارتفاعها. يقول ديفيد ييرماك، أستاذ المالية وتغيير أساليب إدارة الأعمال بجامعة نيويورك: "لم يحدث شيء جديد هذا الأسبوع، فعملة بيتكوين دائمة التقلب. وكل من يرغب في الاستثمار فيها لابد أن تكون لديه القدرة على تحمل المخاطر".
ما هي عملة البيتكوين تحديدا؟
منذ عشر سنوات، ربما لم يكن أحد ليصدق فكرة التعامل بعملة غير مرئية، لا تخضع لضوابط حكومية ولا وجود لها خارج الإنترنت، ولعلنا كنا سننسبها لأفلام الخيال العلمي مثل "ماتريكس" أو "بليد رانر".
بإمكان الزبائن السداد باستخدام هاتف ذكي وتطبيق "كيو آر" لقراءة الشفرات. وكانت حانة "أولد فيتزروي" هي أول حانة في أستراليا تقبل التعامل بعملة البيتكوين
ولكن في الواقع، هذا هو البيتكوين، بديل رقمي للنقود أو العملات المعدنية. وعلى الرغم من أن هذه العملة ليست عملة رسمية، لأنها لم تصدر عن حكومة أو دولة، فإنها قد تستخدم للسداد عبر الإنترنت، ويمكن تحويلها رقميا، لتجنب الوقوع في متاهات الإجراءات البيروقراطية للبنوك التي تستهلك ساعات طويلة، وتوفير رسوم المعاملات وفترات الانتظار.
وقد تجاوزت الآن القيمة الإسمية الإجمالية لجميع البيتكوين الموجود في العالم 167 مليار دولار، علما بأن البيتكوين هو أول عملة رقمية من نوعها.
وماذا بعد؟
يقول البعض إن تخطي حاجز العشرة آلاف دولار ينبئ بدخول عملة البيتكوين مرحلة جديدة.
يقول روني مواس، مؤسس ومدير الأبحاث بشركة "ستاندبوينت ريسيرش"، والمتخصص في الاستثمار والأسهم وتقديم النصح في مجال العملات الرقمية: "نحن في الجولة الثانية فقط من مباراة من تسع جولات. فماذا سيحدث لو راجت هذه العملة بين غالبية الناس؟".
ويرى مواس أن عملة البيتكوين قد تدر أرباحا لا تقل عن الأرباح التي تحققها أسهم أمازون وغوغل، ويؤيد استثمار مبلغ كبير في البيتكوين، بدلا من أن نظل في موقف المتفرج. ويضيف: "بالنظر إلى المؤشرات الحالية، سيتنافس مستقبلا 200 مليون شخص للاستحواذ على بضعة ملايين من البيتكوين".
ويرى مواس أن وصول قيمة البيتكوين إلى 10 آلاف دولار، هو بمثابة "إعلان قبول العملة رسميا"، كما لو كان واجهة جذابة للترويج للبيتكوين.
ويضيف: "لم تكن عملة البيتكوين جديرة بالثقة عندما كان سعرها 1.000 دولار، ولكنها الآن أصبحت هدفا يسيل له اللعاب".
وضعت أول ماكينة صراف آلي للبيتكوين في مدينة فانكوفر، بمقاطعة بريتيش كولومبيا بكندا عام 2013، وتسمح للمستخدمين بشراء العملات الرقمية أو بيعها.
ولكن البعض لا يتوقع هذا النجاح للبيتكوين مستقبلا. وقال جوزيف ستيغليتز الخبير الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل لمجلة بلومبرغ: "إنها فقاعة ستمنح الكثير من الناس أوقاتا من اليسر والرخاء كلما صعدت عاليا، ثم لا تلبث أن تتراجع".
ورغم ذلك، فإن المواطن العادي قد لا يلمس وجود عملة البيتكوين على أرض الواقع إلى حد ما. بالطبع لا يخلو الأمر من بعض الاستثناءات، فأنت لا يمكنك استخدام عملة البيتكوين في أغلب المتاجر، لأن وضعها القانوني يختلف من دولة لأخرى.
وفي الكثير من الأماكن، زادت المخاوف من أن تصبح هذه العملة وسيلة لغسل الأموال أو تسهيل بيع السلع غير المشروعة نظرا لكونها مشفرة ولا تكشف إلا عن القليل من المعلومات عن هوية المستخدم وبيانات المعاملة.
هل توجد ضوابط حكومية؟
بينما يظن البعض أن البيتكوين هي مستقبل النقود، يرى البعض الآخر أن هذه الضجة المثارة حول العملات الرقمية ستخفت بمجرد أن تتخذ الحكومات إجراءات جادة لتنظيم التعامل بالعملات الافتراضية. وماذا عن وضع العملات الرقمية في الوقت الراهن؟ يقول تادج دريجا، عالم الأبحاث بمبادرة العملات الرقمية التي ينظمها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، في معرض وصفه لحالة اللامركزية التي تتصف بها عملة البيتكوين، "إنها فوضى عارمة"، وهذا يعني أنه لا توجد جهة مركزية، مثل حكومة أو مصرف، للإشراف على توزيعها أو استخدامها.
ويعمل دريجا وفريقه على تطوير أنظمة لزيادة معايير الأمان في المعاملات بالبيتكوين وتسهيل استخدامها مستقبلا. ولكنه يصف العملة الرقمية الآن بأنها "خطيرة" إذا تركت على وضعها الحالي.
ويضيف دريجا: "وقياسا بالذهب، أعتقد أن الحكومات قد تنظم عمل المؤسسات التي تتعامل بها، وليس الذهب نفسه، وفي هذه الحالة، لن يكون لها دخل في تحديد وزن المعدن، أو لونه، بل عليها فقط أن تنظم كل ما يمكنها تنظيمه".
يقول روغوف إن الحكومات في الوقت الراهن أطلقت العنان للبيتكوين لتساهم في دفع عجلة الابتكارات التكنولوجية.
ولهذا يفترض البعض أن التنظيم الحكومي سيفضي إلى انفجار فقاعة البيتكوين.
ويرى كينيث روغوف، أستاذ السياسة العامة والاقتصاد بجامعة هارفارد وكبير الخبراء الاقتصاديين سابقا بصندوق النقد الدولي، أن المجتمع الدولي سيضيّق الخناق على هذه العملات الرقمية، وأنها لن تصبح عملة رسمية ومطابقة للقوانين، حتى في الدول التي بذلت قصارى جهدها لتشريع استخدام البيتكوين، مثل اليابان وأستراليا، لأن الحكومات لن تسمح للناس بإجراء معاملات مالية ضخمة من خلال طرق لا يمكن تتبع أطرافها.
ويقول روغوف إن الحكومات في الوقت الراهن أطلقت العنان للبيتكوين لتساهم في دفع عجلة الابتكارات التكنولوجية.
وبينما يتوقع روغوف أن عملة البيتكوين ستواجه منافسة ضارية مع صعود غيرها من العملات الرقمية المنافسة، يقول إنها قد تصبح مثل موقع "ماي سبيس" للتواصل الاجتماعي الذي أخذ نجمه بالأفول بعد سطوع غيره من مواقع التواصل الاجتماعي، وسيكون التحدي الأكبر الذي ستواجهه هذه العملات هو التنظيم الحكومي.
ويضيف روغوف: "استبعد تماما أن تهيمن العملة الافتراضية المشفرة على التعاملات المالية، وأن يتوقف الناس عن دفع الضرائب. فالحكومات هي التي تسن القوانين وبإمكانها أيضا أن تظل تغيرها حتى تمنعك من بلوغ مرادك".
ويضيف: "النقطة الفارقة هي التوقيت الذي ستسحب فيه الحكومات البساط من تحت أقدام العملات الافتراضية. ولكن هذا سيتطلب بعض التنسيق الدولي. ورغم ذلك، لا أظن أن البيتكوين ستصبح بلا قيمة، فستظل بعض الدول المارقة تدعم التداول بهذه العملات".
وماذا عن الوقت الحالي؟ يقول مواس إن التقلب الذي شهدناه الأسبوع الماضي في سعر البيتكوين، قد ينبيء "ببداية صعود وهبوط حاد في أسعار البيتكوين".
وسواء ارتفعت أسعارها إلى مستويات قياسية أو هوت إلى أدنى معدلاتها، يقول دريج "ستزيد، بلا شك، في الأيام المقبلة، فرص العمل للمحامين".
bbc