أرض النوبة هي الامتداد الجنوبي الطبيعي لأرض مصر، وهي تقع في مساحة جغرافية تمتد من جنوب مصر الي شمال السودان، وقد لا يمكن التحديد الإقليمي الدقيق لها، بل قيل إنها بدأت الحضارة والزراعة قبل مصر الفرعونية.
عندما دخل المسلمون مصر اهتم الفاتحون بتأمين حدود مصر الجنوبية، وأكثر من ذلك نشر الإسلام في تلك المنطقة جنوب مصر وفي قلب أرض النوبة، وقد يكون تأمين حدود مصر الجنوبية، هدفا واضحا لدي الفاتحين، ولكن كما نعلم فإن تبليغ الدعوة الإسلامية كان هدفا استراتيجيا لدي المسلمين.
كان المسلمون يطلقون على النوبة لفظ “الأساود”، إذ أن كل المصادر والمراجع القديمة تصفهم بهذا الاسم، وقد اصطدم المسلمون بالنوبة في أول سنوات الفتح لمصر؛ حيث أرسل إليهم عمرو بن العاص جيشا بقيادة عقبة بن نافع الفهري سنة 21هـ، ولكن الجيش رجع دون تحقيق شيء، إذ قابله أهل النوبة ببأس شديد، ورجع كثير من المسلمين بأعين مفقوءة، فقد كان النوبة رماة مهرة بالسهام، يصيبون بها إصابات دقيقة حتى في العيون، ولذلك سماهم المسلمون “رماة الحدق”.
ومع هذا فإن عمرو بن العاص لم يصالح أهل النوبة، وقد توالت محاولات المسلمين لدخول النوبة، لكنها استعصت على الفتح نحو عشر سنين، ثم كانت ولاية عبد الله بن سعد بن أبي سرح لمصر فى عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان سنة 25هـ؛ حيث هاجم أهل النوبة صعيد مصر, فما كان من ابن أبي سرح إلا أن خرج في جيش تعداده عشرين ألف مقاتل وسار إلى دنقلة عاصمة النوبيين وحاصرها.
وفي النهاية بعد حصار طويل استسلم أهل النوبة وسألوا الصلح، فأجابهم المسلمون إلى هدنة عرفت باسم “معاهدة البقط”، وكان هذا الصلح في رمضان سنة 31هـ؛ وهي أشبه بمعاهدة اقتصادية بين مصر وبلاد النوبة: مصر تمدهم بالحبوب والعدس، والنوبة ترسل الرقيق لمصر.
فهي في واقع الأمر عبارة عن هدنة أمان وضعت بلاد النوبة في وضع فريد أو مرحلة وسطى بين دار الإسلام ودار الحرب، وقد شكلت هذه الاتفاقية طبيعة العلاقات بين مصر وبلاد النوبة طيلة ست قرون.
وبمعاهدة البقط دخل الإسلام النوبة، فلم يمض إلا زمن قليل ليسلم أهل النوبة كلهم، وكان صلح عبد الله بن سعد بن أبى سرح مع أهلها فتحا حقيقيا، أنهى كل قتال سبقه بين النوبة وبين المسلمين.
lite.islamstory.com