بينما كان قطز في إعداده المتحمس، وفي خطواته السريعة لمواجهة طوفان التتار القادم، إذ برُسل هولاكو بين يديه يُخبرونه أن اللقاء سيكون أسرع مما يتخيل، وأن الحرب على وشك الحدوث!
جاءت رسالة هولاكو مع أربعة من الرسل التتر تفيض تهديدًا ووعيدًا .. وقرأ قطز فإذا فيها ما يلي:
“بسم إله السماء الواجب حقه، الذي ملكنا أرضه، وسلّطنا على خلقه. الذي يعلم به الملك المظفر الذي هو من جنس المماليك. صاحب مصر وأعمالها، وسائر أمرائها وجندها وكتابها وعمالها، وباديها وحاضرها، وأكابرها وأصاغرها.
أنّا جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلّطنا على من حل به غيظه. فلكم بجميع الأمصار معتبر، وعن عزمنا مزدجر. فاتعظوا بغيركم، وسلّموا إلينا أمركم. قبل أن ينكشف الغطاء، ويعود عليكم الخطأ. فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرق لمن اشتكى.
فتحنا البلاد، وطهرنا الأرض من الفساد. فعليكم بالهرب، وعلينا بالطلب. فأي أرض تأويكم؟ وأي بلاد تحميكم؟ وأي ذلك ترى؟ ولنا الماء والثرى؟ فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من أيدينا مناص فخُيُولُنَا سوابق، وسيوفنا صواعق، ورماحنا خوارق، وسهامنا لواحق.
قلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال! فالحصون لدينا لا تمنع، والجيوش لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يسمع؛ لأنكم أكلتم الحرام، وتعاظمتم عن رد السلام، وخنتم الأيمان، وفشا فيكم العقوق والعصيان.
فأبشروا بالمذلة والهوان: {فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ} [الأحقاف 20]، {سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء 227].
وقد ثبت أن نحن الكفرة وأنتم الفجرة. وقد سلطنا عليكم من بيده الأمور المدبرة، والأحكام المقدرة. فكثيركم عندنا قليل، وعزيزكم لدينا ذليل، وبغير المذلة ما لملوككم عينا من سبيل.
فلا تطيلوا الخطاب، وأسرعوا رد الجواب. قبل أن تضطرم الحرب نارها، وتوري شرارها. فلا تجدون منا جاهًا ولا عزًا، ولا كتابًا ولا حرزًا، إذ أزتكم رماحنا أزًا. وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية، وعلى عروشها خاوية.
فقد أنصفناكم، إذ أرسلنا إليكم، ومننا برسلنا عليكم”[1].
وانتهت الرسالة العجيبة التي خلت من أي نوع من الدبلوماسية، إنما كانت إعلانًا صريحًا بالحرب، أو البديل الآخر وهو التسليم المذل، ولا بُدَّ أن يكون التسليم مذلًا، بمعنى أنه دون شروط، أو حقوق.
وبعدها عقد قطز مجلسًا استشاريًا أعلى، وبدءوا فورًا في مناقشة القضية الخطِرَة التي طُرحت أمامهم، والخيارات محدودة جدًّا، إما الحرب بكل تبعاتها، وإما التسليم غير المشروط.
لقد قرر قطز بعد أن استشار مجلسه العسكري أن يقطع أعناق رُسل التتار الأربعة بالرسالة التهديدية، وأن يعلّق رءوسهم على باب زويلة في القاهرة، وهو يرمي بذلك إلى طمأنة الشعب بأن قائدهم لا يخاف التتار، وهذا سيرفع من معنوياتهم، كما أن هذا الردّ العنيف سيكون إعلانًا للتتار أنهم قادمون على قوم يختلفون كثيرًا عن الأقوام الذين قابلوهم من قبل.
lite.islamstory.com