بيع البيوت المؤجَّرة مِن غير إذنِ أصحابها
السؤال: نصُّ السؤال على النقاط التالية:
١. عمارةٌ يملكها صاحبُها وقد أَكْرى شُقَقَها للناس منذ مدَّةٍ بعيدةٍ؛
٢. صاحِبُ العمارة على عاتقه ضرائبُ طائلةٌ ويرفض دَفْعَ ثمنها للدولة؛
٣. هذه العمارة حالتُها مُزْرِيةٌ حيث تعرَّضَتْ جدرانها للتصدُّع وقنواتُ المراحيض بلغت الذروة في التعطُّل عن القيام بمَهامِّها، الأمر الذي جعل سكَّانَ العمارة يقومون بتصليح بيوتهم والقنوات الرئيسية على حسابهم الخاص؛
٤. الدولة خيَّرَتْ صاحِبَ العمارة (بعد مجالس قضائية) بين دفعِ الضرائب التي على كاهله وإصلاح العمارة للسّكَّان حتى لا تصير خطرًا حقيقيًّا عليهم، وبين (في حالة رفضه للأمر الأول) التنازل عنها لتصير من حق الدولة وبالتالي يكون من حق هذه الأخيرة التدخل في الشؤون الخاصة بالعمارة وسكانها وفعلا قامت بنقل عدد لا بأس به من السكان إلى مساكن أخرى مع بقاء الأغلبية في عمارتهم العتيقة؛
٥. صاحب العمارة لم يكترث لهذه الأوامر وبقي كعضو أشل، حيث إنّه لم يدفع الضرائب، ولم يصلح العمارة، ولم يعد يأتي أصلا ليتقاضى كراء وهذا منذ أكثر من عشرين سنةّ
٦. الدولة بدورها أهملت السكان الباقين ولم تعطهم أي وثائق رسمية لمساكنهم؛
٧. السكان بدورهم تحرروا من صاحب العمارة ومن الدولة أيضا، حيث إنّهم (ونظرا لتفاقم أزمة السكن عندنا) أصبحوا يبيعون بيوتهم بطريقة البيع (بالكلمة فقط) أي بدون وثائق رسمية ما عدا وصل الكراء والغاز والماء، وليس كلّ السكان يملك هذه الأوراق الأخيرة؛
٨. الشاهد ممّا سبق عرضه أنّ بعض السكان المتدينين يسألون هذا السؤال:
ما حكم بيع بيوتهم بهذه الطريقة؟ ألا يدخل هذا في بيع ما لا يُملك؟
إذا كان الجواب بعدم جواز بيع مثل هذه البيوت فما حكم المال الذي تقاضاه صاحبه بعد أن باع بيته بدون أوراق رسمية وبقبول تام من المشتري؟ (أي أنّ المشتري اهتم بالمسكن حتى وإن كان بدون وثائق).
أفتونا مأجورين وجزاكم الله خير الجزاء
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين؛ والصلاة والسلام على مَن أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فإنّ هذه المعاملة المذكورة في نص السؤال ليست بيعا عينيا حقيقيا، لأنّ باذل العوض لا يملكها أولا، ولا تنتقل ملكيتها إلى المشتري ثانيا، فانتفاء شرط ملكية الشيء المبيع ورضا صاحبه يفضي إلى الحكم بالمنع شرعا لقوله تعالى:﴿ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل﴾ [البقرة:١٨٨] ولقوله صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ»(١) الدال على أنّه لا يحلّ بيع الشيء قبل أن يملكه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ»(٢)، والقواعد الشرعية المتفق عليها تأباه أيضا مثل قاعدة أن المالك أحق بالتصرف في ملكه.
غير أنّ صورة السؤال المطروح إنّما تتعلق بأخذ بدل الخلو من مستأجر لآخر، أي يأخذ المستأجر الأول مالا في مقابل إخلائه المحلّ لمستأجر جديد يحلّ مكانه.
وفي تقرير الحكم، فالمسألة تحتاج إلى تفصيل، وبيانه: إمّا أن يكون عقد الإيجار محددا بوقت بين المالك والمستأجر أو لا؟
فإن كان محددا وبقي جزء من مدة التعاقد بين المالك والمستأجر، جاز للمستأجر الأول أخذ مال من مستأجر جديد مقابل إخلائه المحلّ له ليحلّ مكانه، وهو ما يسمى ببدل الخلو، ومشروعيته مستمدة في حقيقة الأمر من جواز بيع المدة الباقية من المنفعة المستحقة بعقد الإيجار.
أمّا إذا كانت المدة طويلة الأجل أو غير محددة أصلا على ما هو جار في بعض القوانين خلافا لنص عقد الإجارة الشرعية، فإنّه في هذه الحالة لا يسوغ بيع المدة أو استئجار العين، ولا يصح أخذ البدل المالي إلاّ بموافقة المالك فإن رضي استحق بدل الخلو وأخذه، وإن سخط فالأصل أن يعود المستأجر الأول والجديد إلى ما كانا عليه قبل التعاقد.
والعلم عند الله تعالى؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
(١) أخرجه أبو داود في «سننه» كتاب الإجارة، باب في الرجل يبيع ما ليس عنده: (٣٥٠٣)، والترمذي في «سننه» كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك: (١٢٣٢)، والنسائي في «سننه» كتاب البيوع، باب بيع ما ليس عند البائع: (٤٦١٣)، وابن ماجه في «سننه» كتاب التجارات، باب النهي عن بيع ما ليس عندك: (٢١٨٧)، وأحمد في «مسنده»: (١٥٧٠٥)، من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه، والحديث صححه ابن الملقن في «البدر المنير»: (٦/ ٤٤٨)، والألباني في «الإرواء»: (١٢٩٢).
(٢) أخرجه الدارقطني رقم(٣٠٠)، وأحمد رقم(٢١٢٣٧)، والبيهقي في السنن رقم(١١٨٧٧)، من حديث أبي حرة الرقاشي، وصححه الألباني في الإرواء(٥/ ٢٧٩)، رقم(١٤٥٩)، وصحيح الجامع(٧٥٣٩).