من فنون القصة القصيرة - دراسات أدبية للكاتب : محمد محمد البقاش
نصوارية الأضداد
(نص + حوار + أضداد)
نصوارية الأضداد نص ممدري ، وهو نص يقيد صاحبه بالحوار ولا شيء غير الحوار . يقيده بعدم الخروج عن الحوارية سواء كان ذلك في قصة أو رسالة أو شعر .. إنه ممقامة ممدرية يشتغل فيها على اللغة ، على المعارف ، وعلى كل أجناس الإبداع الأخرى إذا استطاعت المحافظة على حوارية النصوص ، وعمدت إلى عدم الخروج عنهـا مع عنصر التضاد ، ولا يهم من يكون المحاور - بفتح الواو - إذ قد تكون النصوارية مناجاة تصطنع أجراما متعددة في المناجاة كالنفس والروح والخيال وجرم اللاجرم ، وقد تكون غير ذلك ، ويتم تحديدها غالبا في الرموز الموسيقية . وبين يديك حضرة القارئ الكريم نص بعنوان : الحب اللاسع ، وهو نص حواري كما ذكرت ، ونص : طنجة الجزيرة . طنجة سييرا نيفادا . طنجة العنصرية ، وفاطمة والإجهاض .
لقد اخترت له كلمة مركبة من كلمتين هي : النص ، والحوار ، وتعني النصحوار ي ، والنصحوارية ، وفي جمعهما معا في الأدب الممدري يكون الإبداع نصحواريا ، أو هو نصواري ، ونصوارية ، فربما وفقت إلى هذه التسمية التي لا تزال على سلامتها ثقيلة على أذني بعض الشيء ، وربما لم أوفق ، وما حذا بي إلى ذلك سوى الخوف من كثرة النصوص الإبداعية التي لا تجنس ، إذ في عدم تجنيسها ضياع الأدب ، وتشتيت ذهن المتلقي دون أمل في استجماع تركيزه ، كما يمكن أن يكون ذلك ربما فقرا حاصلا في قدرات المبدع ، ولم لا ونحن نعلم أن الأدباء في جمهرتهم حاليا ليسوا مفكرين ، وهذا كاف لإدراك فقرهم في تجنسيهم لأعمالهم إن كانت فعلا أعمالا جديدة . الجنس الأدبي طريقة للتعبير بمكونات مخصوصة ، وسمات معلومة تتم المحافظة عليها دائما وأبدا ، هذا إذا أريد للعمل الأدبي أن يسمى باسمه ، وإلا فهو غير ذلك تماما ، ولا يعني هذا أن الجنس لا يتطور ، بل يتطور ، ويتشكل على تفريعات كثيرة تظل محافظة على السمات المخصوصة ، والمكونات المعلومة ، فإذا تم تجاوزها وجب الحذر من الانزلاق ، لأنك هنا تكون على شفا الخروج من طبيعة الجنس ، وقد تخرج منه إلى الدخول في جنس آخر ، وهذا رائع جدا ، ومطلوب بإلحاح ، لأنه إبداع حقيقي وعبقرية . .
وجنس حوار الأضداد بمكوناته الثلاثة : نص + حوار + أضداد يمكن للإنسان أن يتحدث به إلى نفسه ، يتحدث من نفس كريمة إلى نفس لئيمة ، من نفس أمارة إلى نفس لوامة ، من نفسه إلى غيره ، يمكن أن يجمع الأضداد ويفاعل بينها ، يقارعها يصارعها ، يكشف خفاياها ومزاياها ، يظهر محاسنها ومساويها ، يحاور به جميع الأجرام الأدبية . وهو من جهة أخرى بديل للسيرة الذاتية الصفيقة ، ففيها يمكن للإنسان أن ينشر صفاقته ولا حرج ، لأنه لا يعرف من يكون بالمتناقضات ، على المستحيي أن ينشر حياءه ، وعلى الصفيق أن ينشر صفاقته لأجل غاية تنشدها الممدرية .
ونصوارية الأضداد من جهة أخرى تستطيع الانتقال إلى الفكر ، تستطيع توظيف الفكر على شكل حوار الأضداد لتبيان رأي ونشر موقف واستظهار ميل خصوصا وأننا في زمن الملل لقراءة النصوص الطويلة .
ولا يقال بأنك ضيقت على الإبداع حين حصرته في نصوارية الأضداد ؛ إذ يمكن أن يكون الحوار دون أضداد ، لا يقال ذلك ، لأن نصوارية الأضداد مكون بسمات محددة ، فإذا خرج عنها تاه في غير نصوارية الأضداد ، انزلق إلى المسرحية مثلا ..
فلو نظرت إلى نصوص إبداعية جميلة ورائعة تجد صاحبها قد كتب عليها : نص ، فهل نجهل أنما جاء به نص ؟ كلا . إنه نص فعلا ، وتجنيسـه ممكن أيضا ، ولكن في إطار من العموم ، فنقول مثلا : نص أدبي تمييزا له عن النص الفكري ، ونقول : نص سياسي تمييزا له عن النص التشريعي وهكذا ، ولكن إذا أردنا دخول الأدب ، وطرق أبواب الإبداع المختلفة ، ألا نجد أجناسا وأجناسا قد تحددت من طرف أصحابها إلا تلك التي لم يرد لها تحديد ؟ ولو تجاوزنا هذا واعتبرنا النص مجنسا باللاتجنيس ، وكان الأمر محصورا في الأدب ، فقد نتجاوز عنهم ، ولكن أليس عيبـا أن أنكب على قراءة جملة أو فقرة لأتعرف أولا على نوعية النص وجنسيته ، هل هو سرد أم لا ؟ وإن كان كذلك فهل هو قصة ؟ وإن كان كذلك فهل هي قصة قصيرة ، وإن كانت كذلك ، فهل هي من الأدب الممدري ؟ لو كان الأمر امتحانا لطلاب الأدب من أجل اختبار مداركهم في تجنيس النصوص لما علقنا عليه .
ثم إن نصوارية الأضداد ليست محصورة في الأدب كما أسلفت ؛ بل تتجاوز الأدب إلى الفكر والسياسة والتشريع .. انظر إلى نص : فاطمة والإجهاض ، فهو نص فكري يتناول الفقه الإسلامي في تعاطيه مع ظاهرة الإجهاض ؛ يبين حكمه .. يمكن أن نأتي بنصوص من غير الأدب ؛ نحصرها في نصوارية الأضداد .إن ما بعد الحداثة دودة تحيا في الوحل ، وكلما شطرتها شطرين كلما ضاعفت من أعداد الديدان ، لأنها تستطيع الحياة بشطريها المقسومين ، ولكنها في النهاية تظل عمياء يسهل تجاوزها ، وتركها لإوز الأدب ، وبط الأدب . هي التي قامت بخلط الأجناس الأدبية دون موجب حق لتعطي في النهاية ذوقا شاذا ، إنها لا تنتهي إلا إلى متعة اللامتعة . والمطل على النص الحواري مجرد إطلالة يدرك ببساطة أنه نص أدبي وفكري يتم فيه الاشتغال على اللغة وعلى المعارف ، وعلى كل أنواع الإبداع الأخرى إذا أمكن ، فصاحبه يبدع ويسجل إبداعه على رموز موسيقية ، أو يضعها له ناقد ، أو عالم بالصولفيج ، فإذا أردت قراءة إبداع فيه حوار ، ونظرت إلى الرموز الموسيقية ، أدركت بسرعة كم هي عناصر الإبداع التي جاء بها المبدع ، وهذا ربما يكون كافيا لحمل القارئ على الاطلاع على هذا النص الإبداعي . لم لا نعرض على القارئ والمتلقي سلعتنا فنغريه بتناولها خصوصا إذا أتقنا التأنق والتفنن وكنا بالفعل مبدعين لا مبدعين ، بتشديد حرف الدال ( المبدع الدعي ، أو الإبدعي ، أي الإبداع الدعي ) ، إننا في عصر هجرة القراءة ، وحتى لو كنا في عصر القراءة بامتياز ، فإن الظروف الراهنة ، والظروف المستقبلية لن تسمـح بقراءة ما هب ودب ، بل ستوجب ( وقد أوجبت ) علينا الاختيار ، وفي النهاية لا مناص من اختيار الأدب الممدري ، والفكر الممدري ، وترك الحداثة وما بعد الحداثة تستدفئان بجمر ليس من نبات الغضا ، إذ سرعان ما يصير جمرهما رمادا . وفي معرض قراءة في كتاب : ( عناكب من دم المكان ) لعبد السلام الموساوي يذهب صاحب الدراسة : إبراهيم القهوايجي إلى اعتبار العمل الإبداعي لعبد السلام الموساوي لعبة من لعب الخداع معللا ذلك بغياب العنصر الأجناسي فيها إذ يقول : " تمارس ( عناكب من دم المكان ) كعمل أدبي ، لعبة الخداع ، فهي لا تعلن عن جنسها ، فتستعيض عن ذلك بإيراد لفظة ( نصوص ) ، باعتبارها علامة لغوية دالة على جمع نكرة ، وهي بهذا المنظور النحـوي ، لا تشي بانتمائها إلى أي جنـس أدبي محدد ، وغياب الإشـارة الأجناسية ( شعر ، مجموعة قصصية ، رواية ، مسرحية . ) يجعل القارئ يقف حائرا حول الخانة التي يمكن إدراج هذا العمل ضمنها ، لهذا يجد نفسه ، في غياب هذه الإشارة المساعدة على اقتحام عالم هذه النصوص والاصطدام بها ، مجردا من كل الأدوات ، فيفاجأ من الوهلة الأولى بوجوده وجها لوجه مع وحدة سردية معنونة ب : ( المزمنون ) ، وبقدر ما يحس باكتمال هذا النص وتقاطعه مع الشكل السردي / القصصي ، بقدر ما يشعر بإمكان قول الكاتب أكثر مما قال ، وأنه لم يستنفذ كل ما لديه .. " العلم الثقافي . 10 أبريل 2004 صفحة : 3
ونحن لا نوافق القهوايجي على ما ذهب إليه ، إذ مجرد تناول النص ولو كان نكرة ، وقراءته يوضح للوهلة الأولى جنسه ، فهو إما أن يكون نصا أدبيا أو فكريا أو تشريعيا أو سياسيا أو علميا .. وقراءة النص الأول تؤكد ذلك بقيامه على فقرتين اثنتين دون تجاوزهما ، ويبقى الإشكال ليس في تجنيس العمل ، إذ هو مجنس مبدأ ، سواء وضعت عليه إشارة أجناسية ، أو لم توضع ، بل في مدى دقة التجنيس ، واختيار العلامات الدالة عليه ، والإشارات اللافتة إليه . فالنصوص الأدبية من حيث أجناسها كثيرة جدا ، وإذا لم توضع على إحداها إشارة أجناسية فإن ذلك لا يخرجها عن كونها نصا أدبيا ، ولكنه يضيف إلى القارئ والمتلقي عملا آخر ، لا أقول هو في غنى عنه ، وهو تقمص دور الكاتب في تجنيس عمله نيابة عنه ، ولا بأس ، ولكن لا يقال عنه أنه غير مجنس . واللعبة الواردة لعبة لطيفة قد تتعدى كونها حمل المتلقي وإغرائه بالحيلة ، إلى كونها إثارة لفضوله من أجل الاطلاع على النص ، ولا عيب ما دامت القراءة لم تعد مغرية للأعمال ذات الصفات الأجناسية .
" إن الوعي بالفروق النوعية بين الأجناس الأدبية هو - في جوهره - وعي بالوسائل التعبيرية المتباينة للإنسان " بلاغة النادرة . د : محمد مشبال ، دار جسور للطباعة والنشر والتوزيع ، طنجة ، الطبعة الثانية 2001
ومن جهة أخرى فإن الرموز الموسيقية الموضوعة في النص الحواري ليست رموزا ملزمة ؛ بحيث لا يستعاض عنها بغيرها ، ليست هي كذلك ، فللكاتب أن يضع بدلا عنها أرقاما . يضع حركات . يضع رموزا أخرى ، رسوما ، كاريكاتير ، صورا فوتوغرافية ، خربشات ، أو لا يضع شيئا ، له أن يضع ما يشاء ، ولكن مراعاة لإمكانية تضمنها لعناصر الإبداع من حيث العد والإحصاء إذا تقرر ذلك .
الحب اللاسع
( نصوارية الأضداد )
_ أفرغ فيك حمولتي غير الملونة ولن أمل ، سأظل أفرغها ولو قضيت زمن استواء الحمراء على هضبتها ، وتاج محل على أرضيته ، فهل تساعديني ؟ أو ما سمعت ؟ أوما تملكين أذنا واعية ؟ أنا لا أخاطب شبحا . لا أتحدث إلى نفسي . لا أعمل على ترجيع الصدى . سأضرب عن الكلام . سأعصب لساني حتى لا يراك . سأفقأ عيني حتى لا تكلمك ، ولكن هل تستحقين مني كل هذا ؟ هل تقدرين ما أنوي فعله ؟ وإن كان كذلك ، فمن يشهد لك ؟ من يحكم علي بحقد مرير ؟ فأنا لا أحقد إلا على الحقد ، فكفى تحريض هرمون الأدرينالين علي .
- رويدك يا مفتون . ما تنوي فعله لا يكفيني . أنا لا أرتوي بالماء ، ولا أشبع بالطعام . أنا لست آدميا . ليس لدي قلب يهتز ، أو عقل يرتج . لا أملك عقلا ، ولا عاطفة . أنا الجفاء . أنا الخشونة . أنا الغلظة . أنا القسوة . أنا الحجر الأصم . أنا نفس الأنا المثخن بالحب اللاسع .
- وهذا الألق المتطاير في القيعان ، وذاك الجمال المسكوب في الوديان ، ألست صنيعتهما ؟ أليسا جزءا منك ؟ ثم ذلك المتربص كالنحلة للرحيق ، ألا تشفقين على ظمئه ؟ ألا تتكرمين بشيء من حلو العطاء تنعشينه به ؟
جاهد في القسوة ما شئت ، فلن تجدني هشة ، أو تلمسني لدنة . أنطوي علي خير ممدري عميق . أدفع به إلى أن يغيض ممعانا فيك ، ويغيض ، لتتعلق به ، وتفنى في طلبه .
هل يفرحك قفزي كالكر كند ، ويطربك جريي كالسعدان ، أو تسخرين مني ؟
لا ! لا ! أنا أدفعك ثمن حبك ، فهل تساوم على حب لاسع ؟ فوالله إن ذقته ثانية واحدة ، حرقتك به ثوان عديدة ، ولكنه نبيل ، راق ، يتفاوح بالبشر والحبور ، ويبز الزهر المتوج ، والورد الشادي
- لا تقولي إلا ما أحب ، وعلى قدر ما أحب .
وهل كنت تتصورني الآخر ؟ أنا أنت . إيه والله ، أنا أنت ، ولو أنك لست أنا .
طنجة الجزيرة
( نصوارية الأضداد )
- أنا طنجة ، نعم أنا هي . جميلة ساحرة ، وفاتنة باهـرة . سابقت المدن فسبقتها . توجت جميلة الجميلات . شمس المغـرب أنا ،
رغم ما بي قد عنى . أفتح ذراعي لكل قادم ، وأسعد بكل مقيم . قـدم عهدي في حمل القلوب النبيلة ، ثم استحلت إلى حامل للشياطة .
وطئتني قدم موسى والشيخ الخضر . في قبيلة أكـلا حضرت إقامة جدار الغلامين اليتيمين . في مدشر مديونة حضرت طلعة ذي القرنين . هناك يأخذك خمري من عينيك فتثمل للغروب . تراها في الأفق البعيد تذرف دمع الحزن ، تنحني تواضعا لبارئها ، وتدعوه أن ينتقم لطنجة ، تنزل من عليائها في تؤدة وهي تمتطي سرعة رهيبة ، ترسل شعاعا مليئا بالحياة ، تبعثه رقصا يرتدي لون الشفق .
أنا طنجة . أنا التي أخاطب فيك المروءة ، وأعزف لك على وتر الغيرة ، فهل تغار علي ؟
إن لم أغر عليك كنت مضيعك .
- ألست مضيعي ؟
كلا .
- فلماذا إذن لحقني الذل والهوان ؟
لا تحمليني وزر ما آل وضعك إليه .
- أضاعوني .. أضاعوني .. وأي مدينة أضاعوا !
أنا طنجة الصبا والشباب ، أنا المغرب كل المغرب . اسم طنجة اسم بديل لاسم المغرب ، واسم طنجاورة اسم بديل لاسم المغاربة . كنت المغرب الأقصى تمييزا لي عن الأوسط والأدنى . كنت مراكش ، واليوم أنا طنجة وغدا .
أريد نفسي جزيرة سابحة ، فشقوا لي قناة من أصيلا أو العرائش ، أمعنوا في شقها حتى تصلوا بها إلى البحر الأبيض المتوسط ، اصنعوا لي حزاما مائيا ، فأنا كالسمكة ، وذلك يسعدني . مروا ببواخركم . سافروا عبر قناتي . راقصوا مراكبكم فوق مياهها الملهمة ، متعوا العين والقلب ..
أغار على قناة تربط البحر الأحمر بالمتوسط ، وأخرى تعقد على المحيط الهادي والأطلسي . طول قناة السويس لا يتعدى مائة واثنين وسبعين كيلومترا ، بينما المسافة بيني وبين العرائش لا تتجاوز ثمانين كيلومترا .
أنا طنجة . أحلم بقناة تزيدني حبا وودا ، أحلم بها حلما يكاد يصبحني على واقعه ، فلستم طنجاوة إن لم تخلقوها .
طنجة سييرا نيفادا
( نصوارية الأضداد )
- أنا الجزيرة المبتهجة . أنا المدينة الحالمة . كنت خضراء نقية ، والآن صرت جرذاء قذرة . قذارتي هي قذارتكم . أنتم أنـتن من النتن ، وأخبث من الظربان . عبثتم بمناطقي الخضراء ، لوثتموني ، فوا رفاة رقد هيا إلى جلد الأرواح الخبيثة .
حللتم أهلا ، ونزلتم سهلا فوق صعيدي . رحبت بكم . منحتكم كرمي ، وتوخيت أن تكونوا كالفلاح المحسن ؛ الذي يعيد إلى أرضه ما أخذ منها من غلال على شكل سماد ، فخاب ظني فيكم ، وما جزاء الإحسان بمنطقكم إلا الإساءة . قدمتم من البوادي الصافية ، والأفضية النقية ، هرعتم من الحواضر الموبوءة تشكون زلزال بطونكم ، فهل أنا كنيفكم ؟
أنت طنجة المتوجة ، وهذا يغيظني ، سأحمل كل ساكن بيت فيك على مد يده ، سأجعل منكم شحاحـذة ، سأحملكـم على
الاستعطاء .
- سمعت برواية عن جمع ترأسه الوزير الكبش ، حلف بالله أن يدفع أبنائي إلى الشحاذة ، وها قد مد الطفل يده ، مدها الشاب والكهل .. مدتها الصبايا ، مدتها الفتيات والنساء .. نبتت في ظاهرة التسول المقنن ، فهل أسعدتك الشماتة ؟
صنعتم لي حزاما من الإسمنت ، وأنا أريده من الماء والخضرة . أختنق من التلوث وأتألم . فوتم مناطقي الخضراء ، فعريتموني عراكم الله وفضح نساءكم من تحت سرتهن . فهل آمل خيرا فيكم بعد فضائحكم ؟
رباه .. رباه .. هل من رجز تنزله من السماء على الظلمة كما أنزلته على أهل سدوم ؟
رباه .. رباه .. هل من عقوبة تمحوهم بها كما محوت قارون ؟
تألمي وتقطعي ، اهتزي وارتجي .. سأدمر ما بقي . لن تنجو من هوسي منطقة خضراء واحدة . اذهبي إلى الجبل الكبير ، أليست
غاباته رئة لك ؟ سأدمرها ، وإن ذبل وزير المالية ، وقد من دبر ، ولم أجد من يفوت لي غابات الجبل الكبير والرميلات ومديونة فسأزرع نطفتي في رحم الأحجار الثلاثة بشاطئ مرقالة لاستولاد وزير بديل أسميه : المفوت ، وعندها أشغر عليك .
- عادات الكلاب الشغر ، وقريبا ستشغرون برجلين . لئام بطبعكم . جرذان باستساغتكم السباحة في المياه الحارة ، عزيز عليكم رش رذاذ النفايات على عقولكم وقلوبكم ، ولكن رويدكم ، سأصنع جبلا إسمنتيا ، سأرفعه حتى يستوطنه السحاب ، وعندها أضاهي به سييرا نفادا . سيتساقط عليه الثلج . سأجعل منه موطنا للتزلج . سأفجر قيعانه . ستنساب منه العيون والوديان . سينبت الخضرة ، وستعود به طنجة إلى ألقها ورونقها .
طنجة العنصرية
( نصوارية الأضداد )
- أنا طنجة أم المدن العربية . جاب أفضيتي الزموري عبد الرحمن المجذوب . أشاع أن أعين أبنائي على البحر ، وجلوسهم على الصخر ، وآذانهم على الخبر ، عمرت مقولته في طنجة حتى باتت سبة في جبين طنجاوة .
نعم إنها سبة في جبين أبنائك ؛ ويستحقونها .
- لنرى: إن جلوس أبنائي على الصخر كناية عن تواضعهم ، واستعارة لقوة رابطتهم . وكون آذانهم على الخبر فهو كناية عن وعيهم السياسي ، فهم مثقفون قراءة وسماعا ، ذووا معارف ثرة ، يتقنون لغات عديدة ، فالفقيه دميجو في فضاء الرواية الممدرية رمز فخر لهم . وكون أعينهم على البحر ، فهو كناية عن فطنتهم ، فالدخيل معلوم لديهم فراسة . والخائن مدرك منهم عرفا . ولص المال العام معروف لدى أطفالهم بداهة . إنهم من طينة زكية يألفون ويؤلفون .
كلا ، ما أبناؤك إلا نفايات .
- مهلا ، لا ننتهي من إشاعة حتى تحبكوا أخرى . قلتم أن أبنائي كسولون ، لا يعملون ، بطالون ، عشاقون للخمول ، ثم شمتم بمجازين يعملون في الإنعاش الوطني ، وقد رفضتم استغلال جهدهم وكفاءتهم في مينائكم المتوسطي ، اشترطتم على الأمي لكي يسوق " البرويطة " أن يتقدم إلى الامتحان فينجح ليسوقها . تعلمون أن قبيلة أنجرة مكلومة من الإسبان منذ هجروهم قسرا من الأندلس . تعلمون أن أغلبهم بدو أمي ، طالما كذبتم في قنواتكم ودورياتكم حين زعمتم الاهتمام بالبادية ، صرحتم وصرحتم بجعل البادية مثل المدينة في حق التعليم والتطبيب والإنارة ؛ وكذبتم ، وصدقتكم كذبا . سرقتم أراضيهم باسم قانون نزع الملكية ، قلتم أن أبنائي عنصريون ونسيـتم أنكم حاضنة العنصرية بظلمكم ووقاحتكم ، ثم ازددتم فرحا ببليتهم . أضافوكم مع ضيفنكم ، أكرموكم رغم قلة القرى ، عاملوكم بود ورقة ، يحسبونكم إخوانا ، ثم أخيرا وليس آخرا يصبحون نفايات ، ولكن قل لي : هلا حملتم ميناءكم ورحلتم عنا ؟ هل أنتم سليلوا عناقيد الغضب ؟
لم أفهم .
- إنك لحري أن تجهل لا أن تعلم ، غبي ، تافه وجبان .
لا تستعملي معي مثل هذه الألفاظ .
- لماذا ؟
لأنك إلى الآن جزء من المغرب غير النافع .
- أمع استعماري هذا لم أزل من المغرب غير النافع ؟ هل تعيش زمن الحسن الثاني ؟ هل سمعت بتصريح الأديب عبد السلام البقالي حين طالبه الحسن الثاني بالبقاء في قصره بعد تخرجه ؟
وماذا قال له ؟
- قال له : أن المغرب من عرباوة باتجاه الجنوب . فهل لا زلت في هذا العهد ؟ لو كنت فتى سورة الكهف لكنت ببدنك وروحك كنزا ، ولكنك أهون ممن لا مكرم له .
اسمعي: أي مؤسسة تعنى بالشأن العام من أمن ودرك وقوات مساعدة ومالية وتخطيط ومجالس جهة ومجالس حضرية وقروية وتعليم ومكاتب فروع أحزاب ونقابات واتحادات وغير ذلك لن يسيرها أحد من طنجاوة ؛ لن يحصلوا إلا على أعمال وضيعة . وأي شركة كبرى مؤثرة في ساكنة طنجة ستتحول عن أربابها ، والتهمة جاهزة .
- هل ستتهمون البطرونة بتبييض الأموال من أجل سرقتها ، عفوا من أجل مصادرة أموالها ؟
نعم .
- إذن فالجبلية وثمان سنوات سجنا لها مع مصادرة أموالها من البنوك جزء من مخططكم . هذه سابقة لم يشهدها السجن المدني بطنجة حين قبع فيه من يفوق الجبلية إجراما في ترويج المخدرات .
لماذا لم نضع أيدينا على أموال مروجي المخدرات من أبناء الشمال وهي بالبلايين ؟
- لأنها أموالكم ، أليس كذلك ؟ فأنتم متسترون خلفهم ، يشهد على ذلك المرصد الجيوسياسي الذي ضم أسماء تسكن مواقع فوق السحاب . صحيح أن الجلاد لا يجلد نفسه ، ولكن الأخطبوط يأكل أطرافه عند الجوع ، إنهم أكباشكم ، ولكن رويدكم ، فأنتم مفضوحون في الرأي العام ، ولكنكم تجهلون وتتجاهلون ؛ لأنكم قوم عمون .
استدرجتك طول هذه المدة لأتأكد أن أبناءك عنصريون .
- وكيف عرفت ؟
ألم تقولي : أمع استعماري هذا لم أزل من المغرب غير النافع ؟
- ذكرتني بقصيدة شعرية لا شعرية وضع فيها لفظ الجارية ، فانتفخ لها ودج أحدهم لمجرد ذكر الجارية ، ولكن ذكر الجارية لم يكن لنادلات القصور والفيلات ، ولا لراقصات الديسكوطيكات والكباريهات ، بل كان للعين ، للباصرة .
لقد نسيت قوله تعالى : " هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها " سورة : هود . الآية : 61 . يبدو أنكم لن تتخلوا عن الإساءة إلى طنجاوة ؛ سامحكم الله .
أبنائي يعتقدون أن الجزائر وتونس وطرابلس والقاهرة والخرطوم ودمشق وبغداد والقدس والرياض والقدس وكابول وطشقند بلادهم ، بلادنا جميعا ، فنعم الاعتقاد ، وبئس الضد .
فاطمة والإجهاض
( نصوارية الأضداد )
ـ مبروك عليك يا فاطمة ، كم شهرا مر على حملك ؟
ثلاثة أشهر
- جميل ، إلى أين تمضين ؟
إلى المستشفى .
- جميل ، من أجل سلامة جنينك ومراقبة حملك ، نابهة ؛ كذلك يجب أن تكون الأمهات .
لا ، لا ، أذهب للإجهاض .
- تذهبين لقتل ولدك ! أما تخشين الله ؟
لا أعلم له أبا ، فكيف أحتفظ بولد لا والد له ، ثم إنني لا أرى في الإجهاض شيئا مشينا قبل تمام مدة الحمل .
- يبدو أنك تجهلين حكم الإجهاض . إن للإجهاض حالتين اثنتين :
أ - حالة يكون فيها الجنين دون روح .
ب - وحالة أخرى يكون فيها بروح .
فما يكون بعد النفخ ، فهو قتل وجريمة لا خلاف عليها بين العقلاء من علماء الإسلام وفقهاء الشريعة ، ولا يعترض على ذلك إلا أمريكا ومن يتعلق بدبرها ، لأنها تسعى كالحية لتسويق إباحة الإجهاض بغية إشاعة الفساد في العلاقات الجنسية ، وهدم الأسرة ؛ والقضاء على ما بقي من أخلاق وقيم إنسانية . والإجهاض في المجتمعات العربية ؛ ومجتمعات البلاد الإسلامية قليل لقلة الزنا . فالغرب نصفه أو يزيد بحسب ما تنشره الصحف الغربية مكون من أولاد زنى ، حتى أن خمس آباء بريطانيا ليسوا آباء ، لأنهم يربون أولادا من غير صلبهم ، عرف هذا مؤخرا من الفحوصات الطبية للمورثات .
اذكري إن شئت تاريخ 20 دجنبر سنة 2005 ، إنه تاريخ تغيير قانون الأحوال الشخصية في إنجلترا وأيرلندا ، فلقد تم على الفور زواج 800 زوج من الرجال في يوم واحد ، وتوقع الخبراء زواج 22000 حالة من المثليين في السنوات الخمس القادمة ، فقد تمت مساواتهم بالناس العاديين في القانون والأحوال الشخصية والمال والإرث .
وأرى بعد حين قريب إنجابهم للذرية في رحم نساء أو حاضنات زجاجية عن طريق الاستنساخ ..
والحالة الثانية يكون الجنين فيها بروح ، وهو مقرر علميا في أقل من ثنتين وأربعين ليلة على التلقيح ، والإجهاض هنا مباح ولا شيء فيه ، لأنه إسقاط لما ليس فيه روح ، إملاص للنطفة ، وليس إملاصا للجنين ، سواء كان ذلك بعملية جراحية ، أو حمل ثقل ، أو حركة عنيفة ، أو شرب دواء .. إن الذي يوافق على إسقاط الجنين من أب أو أم أو طبيب أو مجتمع يقترف جناية القتل .
لا ، لا تقل ذلك ، فهناك إجماع على إسقاط الجنين .
- هل تتحدثين عن خضوع الصينيين لقانون تحديد النسل في اثنين ، وترتيب عقوبات خطرة على المخالفين ؟
لا . أليس المرض يبيح للمرأة إسقاط جنينها عندنا ؟
- إن كان ذلك في التداوي فله شروطه . فلا يسقط جنين بعد تخليقه إلا إذا قرر الأطباء المهرة ، والعلماء النزهاء أن في إبقائه موت للأم ؛ وموت الجنين معها ، عندها يضحى بالجنين من أجل حياة الأم بدل أن يموت الاثنان معا .
فهل أبقي على ولدي ؟ وإن أبقيته فما هو وضعي ؟ وما هو وضعه ؟
- نعم احتفظي به ، وألحقيه بأبيه إن كان معلوما لديك ، وإن لم يكن فامنحيه أصلا خاصا به ، ولا تخلطي . لا تكـوني ما بعد حداثية . فما بعد الحداثي معتوه لا يؤمن جانبه ، لأنه خلاط من غير الخلوط المغاربة . لا تلحقي ولدك بنسب ليس له . وأما وضعك فهو وضع أية أم أنجبت ولدا ، فلا تضيفي إلى جريمة الزنى جريمة القتل . وأما وضعه فهو وضع البريء الخالي من أية ضنة .
***
- لا تبك يا فاطمة ، أو ابكي ، ولكن عند اعتزالك ربك ؛ فلست سوى ضحية . فسعار الجنس ليس من اختصاص الحيوانات ، لأنها ملتزمة بفطرتها . فالطير لا تبيض في فصل الشتاء . والكلبة لا تلد في الخريف . والهرة لا تنجب في الصيف . والأفعى لا تبيت في الربيع ، والبغلة لا تتناسل من البغال .. ففكرة الحريات ، ومنها الحرية الشخصية تبيح للإنسان أن يتمتع ويستمتع ، لا تقيده في متعة دون أخرى ، تبسط أمامه متع الحياة كلها ، وبها أصبح الزنا والمعاشرة خارج نطاق الزواج عاديا ، بل مشروعا محميا بالقانون . فالغرب قطعان حيوانات نتيجة هذه الحرية ، فلو تقرر لمستمتع الاستمتاع بأم متزوجة ، وتقرر لنفس الأم الاستمتاع جنسيا بالراغب فيها ، كان ذلك حقا لهما ؛ يدخل في ممارسة الحرية الشخصية في المواقعة ، وعندها لا تحتج إن كانت المنكوحة جدتك أو أمك أو أختك أو زوجك أو ابنتك أو جارتك ..
ملاحظة:
في الحب اللاسع ?ان یجب أن ت?ون هنا? سطور ملیئة بالرموز الموسیقیة إذ هی ?ذل? فی مخطوطی، ول?ننی لم أصورها بالس?انیر حتی توضع فی محلها فمعذرة وربما تدار?ت الأمر لاحقا
أضيفت في23/06/2006/ * خاص القصة السورية/ المصدر الكاتب محمد البقاش
القصّة الظليلة
تقنية الكتابة
ظهرت القصة الظليلة في المدينة الولود طنجة ، ولا غرابة . فشمس المغرب جارة طريفة مدينة مبدعة . ومن أراد أن يكون مبدعـا فعلا ، فعليه أن ينتسب إليها ، أن يستوطنها ، أو يحبها ، ويحب أهلها . لقد شهدت طنجة ميلاد هذا الجنس الأدبي بتاريخ 15 أبريل سنة 2004 م .
القصة الظليلة ظهرت لإنعاش الإشفاق على ( الكتاب ) و ( الشعراء ) و ( المبدعين ) الذين يتهمون الشعر القديم في نفسه ولا يتهمون ذاتهم فيه ، فبدل أن يهتدوا إلى قصورهم في فهم الشعر القديم وتذوقه ، يتهمون الشعراء الذين ينحون نحو الأقدمين في اعتماد علم العروض ، واعتماد اللغة العربية ( القديمة ) باستعمالهم لغة لم تعد مطروقة الآن ، وشكلا شعريا تقليديا لم يعد يغري ، الشيء الذي يعقد فهم الناس للشعر القديم والجديد الذي يسير على منواله ، ويحول بينهم وبين الاستمتاع بشعرنا القديم ، و ( الجديد ) ، ثم إنهم حين يتناولون المقامات لبديع الزمان الهمداني والحريري مثلا يمتعضون منها ، وإذا سألتهم عن مضامين المقامات وأسلوب كتابتها والتفنن في اللغة المكتوبة بها ، يجيبونك إجابة تنم عن ضعف شديد في فهم اللغة ، ومن لا يفهم اللغة كأداة للذوق ووسيلة للفهم حقيق أن لا يفهم ما تنطوي عليه من إبداع ، ثم إن هناك الكثير منهم يقع ضحية مخطط يرمي إلى ضرب العربية ، والغريب في الأمر أن جميع مستعملي القلم في العالم العربي ، وجميع من يكتب بالغة العربية حتى أولئك الحقدة يستعملون نفس لغة المقامات ونفس لغة القرآن والسنة مع هجران طفيف لبعض عشرات المفردات .. وهي لغة مطروقة في الكتابات منذ ظهور القرآن والسنة إلى يومنا هذا ، ومن هنا كانت القصة الظليلة من جهة أخرى محاولة لحمل القراء الذين لا يتذوقون الشعر القديم أن يقر أوه ناطقا في السرد الممدري ، يقرأونه في قالب نثري قصصي ممدري هو القصة الظليلة لعل قراءتهم له فيها تجدد الحياة في ذوقهم الميت ، فتحملهم على تذوقه .
القصة الظليلة إبداع ظليل . وهي قصة مستوحاة من قصيدة شعرية منسوبة للحطيئة . هذه القصيدة تتضمن سردا ووصفا ، وعقدة وحلا ، وبداية ونهاية .. بها عناصر صالحة لبناء القصة القصيرة ، والقصة الطويلة ، والرواية ..
القصة الظليلة تأخذ اسمها من الظل ، فهي قصة تحمل ظل قصيدة شعرية لصاحبها جرول بن أوس الملقب بالحطيئة ، ولولا هذه القصيدة السردية لما كانت هذه القصة ، إنها مقتبسة منها . وبما أنها كذلك ، فإن ذلك يعني وجود سابق ومسبوق .
إن عناصرها موجودة في قصيدة الحطيئة ، وهذا هو الذي أوجد صلة بينهما ، وهو الذي أعتبره ظلا للقصة القصيرة ، فكانت القصة ظليلتها ، أي ظليلة القصيدة .
وإذن فكل قصة تقتبس من قطعة شعرية ، أو قصيدة ، تقتبس من بيت شعري ، أو بيتين ، أو أكثر ، يطلق عليها القصة الظليلة . وهذه القصة لا تصلح مثلا فيما يسمى بالشعر الحر ، وقصيدة النثر ، أو الشعر المنثور ، والنثر المشعور ، والنثيرة ، أو ما إلى ذلك . لا تبنى القصة الظليلة إلا بالشعر الملتزم بعلم العروض ، بالشعر الذي يسمى شعرا ، ولا خلاف عليه .
وإذا تم تجاوز ذلك ، وأريد خلق القصة الظليلة في الشعر الحر ، وقصيدة النثر ، أو غيرهما ، فإن ذلك لا يستقيم ، لأنه يكون كتابة نثر بنثر مثله ، وهو قبيح ، إلا إذا أريد به كتابة نثر فني مقتبس من نثر فني آخر ، فهذا لا بأس به ، ولكنه لا يعطينا قصة ظليلة ، قد يعطينا جنسا أدبيا جديدا يستوعبه الأدب الممدري ، جنسا أدبيا يحتاج إلى اسم أنا لست معنيا به الآن ، لأنه ليس من بنات أفكاري .
ظهر لي أثناء قراءتي لقصيدة الحطيئة : ( وطاوي ثلاث ) أن أكتبها قصة ، وأن ألتزم بشيء مما جاء فيها قل ، أو كثر ، مع إضافات جديدة من صنع الخيال ، وكان ذلك أيضا مدعاة لخلق تقنية جديدة . فالقصة الظليلة قصة تحمل ملامح ومواصفات وشروط لا يصح تجاوزها .
إنها من جنس الأدب الممدري ، وإلا فليست هي بالقصة الظليلة .
وشروط كتابتها هي :
أولا : أن تكون القطعة والقصيدة ، أو البيت الشعري والبيتين ، يتضمنان سردا .
ثانيا : أن يلتزم القاص ، والروائي بشيء مما جاء في الشعر ، قل أو كثر .
ثالثا : أن يتم توقيعها من طرف مؤلفين اثنين هما : الشاعر ، والقاص . أو الشاعر ، والروائي .
هذه هي التقنية التي ظهرت في القصة الظليلة ، وهي جنس أدبي جديد سيمتعنا به القاص ، والروائي . سيعمد القاص والروائي إلى اعتماد هذه التقنية لكتابة قصة ظليلة ، ورواية ظليلة ، سيعمد إلى قصائد سردية رائعة ، وما أكثرها ، للاقتباس منها .
وفي النهاية نستمتع بقصص وروايات ظليلة يشترك فيها مؤلفان اثنان ، شاعر ، وقاص . أو شاعر وروائي . سنستمتع بنصوص سردية رائعة قد كتب تحتها اسمان ، واحد للشاعر صاحب القصيدة الشعرية ، والقطعة ، أو البيت من الشعر والبيتين الذين تم الاقتباس منهـما ، والثاني للقاص ، والروائي الذي بنى قصته وروايته بشيء اختاره من الشعر السردي . ستكتحل أعيننا برواية ، أو قصة قد كتب تحتها :
محمـد محمـد البقــاش محمـد محمـد البقـاشmohammed_bakkach@hotmail.com /
جرول بن أوس{ الحطيئة } عبد الله بن عمر العرجي أبو الطيب المتنـبي أحمد شوقي أبو فراس الحمداني
الأفق البدين
(قصة ظليلة)
لا يمل السراب الرقص فوقها . يداعب الأسباب والأوتاد ويستمع لعزف الرياح عليها . تخترقه العين ، ثم ترتد على آثارها قصصا . لا ترضى لونا بديلا عن بقرة موسى .
قلب خيمة تجلس أسرة يجلدها الجوع جلدا . تشارف أرواحهم التراقي . يتخمون من جلادهم ، ثم يعتصون على الطوى .
أسرة هاج اشتياقها للطعام المهاجر . الفقر جرم مقايم يؤزهم أزا ، يحاور الأب والابن والزوج . لا يناظرهم ، ( شوبهم ) يغالبهم رغم نذالته ووضاعته ، رغم جبنه وغباوته ، بين الحين والآخر يقدم كلبهم فيشاغر عليه ، وعلى الجرم ، ويسقيهما عطرا .
السماء فوقهم ظليلة بلهيبها . والأرض تحتهم ساكنة بنارها . شظف عيشهم ردف قناعتهم . يتقاسمون الفاقة ، ولا يملون المداولة ..
بدن الأفق فأطلق وليده . قدم مدفوعا بأنزيمات هائجة كأن بينها وبين أنزيمات الخيمة قرابة . وانتصب الشبح كما ينتصب لص الشعوب في واشنطن ، عندها وقف ابن أبيه ، وركض حافيا نحوه يريد خطف ما جنه ، ثم توجه إلى أبيه يقول :
- لا تغتم يا أبت .
فرد عليه أبوه :
- كيف ، وهذا ضيف ولا قرى ؟
- يا أبت اذبحني ، ويسر له طعما .
- لا ، سأعتذر بالعدم .
- إذن يظن لنا مالا فيوسعنا ذما .
أصبحت حيرتهم كخلايا الدم تطرق الجسم كله بما تحمله من أسى وأسف . بات العربي بخيلا بفقره وعوزه ، صار الكريم لئيما ، واللئيم كريما ..
نادى جرول على ابنه قبل حضور الضيف ، وكان قد حفر حفرة وسيعة انطرح فيها وهو يقول له :
- عجل يا بني وئدني ، فسيتجاوز عنك ضيفك لصغرك ، ولا يتهمك بالبخل .
التراب يلقى على المنطرح في الحفيرة . الضيف يقترب . الابن يسرع في غيار والده خشية العار . الأم تتخاذل ، وتثبط همة ولدها . الطفل لا يبالي . ولما لم يغض أباه في الأرض ، وكان الضيف قد وقف على القبر ، وشمر عن ساعديه لمساعدة الطفل على دفن قريبه ، خاطبته زوج جرول قائلة : " إن زوجي سليم من أفعى ، ويعتقد في شفائه بالطمر " ، عندها أبدى الضيف معرفته بالشفاء ، ورغبهم في خبرته ، فترجته الأم ، ثم أخرج الضيف جرول من قبره ، وطرحه على بطنـه ، واهتم بثقبين أحدثتهما زوجة جرول توكيدا لصدقها ، وتمويها لنابي الأفعى ، فشرع الرجل يجرح موضع اللدغ في رجل جرول ويعصرها ، ويمتص الدم الملوث بفمه ..
أضحى جرول ساعتها تحت سلطان الألم من زوجه ، وضيفه ، وسلطان العار من فقره وحاجته . كان تحتهما يلقي بنظره في الأفق البعيد ، ويتأمل أشباحا أخرى ظهرت له لتزيده ألما وغما ، لم يكن يتصور غير ضيوف أخر يقصدون خيمته ، ولكنه حين تبين أدرك أنها حمر وحشية تقصد مستنقعا قريبا من خيمته .
تحرر من يد الطبيب الضيف ، ونهض مندفعا نحو قوسه وكنانته ، وجرى خلفها .
أدرك جرول الفرائس وهي تنهل من ماء المستنقع . رأى حمرا لا تبالي ، لو كانت إلى جانب أسد تشاركها منهلها لما نفرت ، حمر عطاشى قد أدركت رواءها بعد عناء .
انتظر جرول فرائسه حتى ترتوي ، وتأخذ نفسها ، وحين اطمأن إلى ارتوائها سدد سهما من كنانته إلى السمينة منها فأصابها .
أقبل على فريسته وهي تفحص برجلها حتى وقف عليها باشا قد ذهبت حيرته ، وزالت حسرته ..
جر صيده وقد أرهقه اكتنازها ، وأعياه اعتثارها ..
باتوا كراما قد قضوا حق ضيفهم ، فلم يغرموا غرما ، وقد غنموا غنما ..
بات أبوهم من بشاشته أبا لضيفهم ، والأم من بشرها أما .
المصدر : syrianstory