نشرت صحيفة" هآرتس" الإسرائيلية تحليلا مفصلا عن تأثير "صراعات توريث الحكم" في السعودية على نظام الرئيس السيسي، خلص إلى أن مصر قد "تشتعل" حال حدوث تغيرات في سياسة الملك الجديد سلمان بن عبد العزيز المتعلقة بتقديم المساعدات للقاهرة.
وقال" تسفي برئيل" محلل الشؤون العربية: إن النظام المصري يعتمد بشكل شبه كامل على المساعدات السعودية، ومن ثم يتعين على السيسي ضمان عدم تضرر تدفق الأموال لمصر بعد رحيل الملك عبد الله، في ظل تزايد طوابير المصريين على أسطوانات الغاز، والميزانية المثقلة بالديون، والعمليات التخريبية التي تضرب البلاد هنا وهناك.
“برئيل" اعتبر أن المخاوف من توقف المساعدات السعودية ليست الوحيدة التي تواجه السيسي بل أيضا إمكانية أن تصطدم طموحاته في إعادة مصر للقيادة في المنطقة بسياسة الملك السعودي الجديد، مضيفا" من غير المعروف إذا ما كان الملك الجديد سيوافق سياساته مع مصر، مثلما اعتاد سلفه، أم أنه سيعلم السيسي درسا في الزعامة؟”.
إلى نص المقال..
صراعات القوة بعد موت الملك عبد الله يمكن أن تؤثر على سياسات الولايات المتحدة بالمنطقة، وعلى مصر التي وبدون المساعدات السعودية يمكن أن تشتعل.
”مات المسؤول الكبير عن العرب”" كان هذا أحد عناوين الصحف، وأوردت صحيفة الأهرام عنوان" سلاما لك يا كبير العرب" وسارع الرئيس عبد الفتاح السيسي غداة جنازة الملك عبد الله للسفر إلى الرياض لتقديم العزاء للعائلة الحاكمة، التي لم تسمح للحزن بوقف اندلاع الخلافات داخلها.
لم ينتظر الملك الجديد سلمان حتى تبرد جثة أخيه غير الشقيق، وأعلن عن تعيين محمد بن نايف وليا لولي العهد. سوف يضطر محمد للانتظار قليلا. فسلمان عمره 79 عاما وهو مريض على ما يبدو بالزهايمر. لكن ولي عهده الأمير مقرن، صغير نسبيا 69 عاما. مع ذلك فإن مقرن يمكن أن يفقد منصبه، إذا ما تم تنفيذ مخططات سلمان على أكمل وجه، ونجح في إقناع هيئة البيعة بتغييره بمحمد، المنحدر من الفرع السديري للعائلة، المنافس للفرع الذي انحدر منه الملك الراحل عبد الله.
محمد وبعكس "مِقرن" يرتبط بعلاقات جيدة في أنحاء المملكة، وبشكل خاص مع القبائل الكبيرة. كذلك فإنه مقرب من الإدارة الأمريكية ويعتبر مقاتلا صارما للتنظيمات الإرهابية. في المقابل يعد أيضا محافظا في كل ما يتعلق بحقوق الإنسان.
حرب التوريث وصراعات القوة في المملكة لا تؤثر فقط على مصير أبناء العائلة ومواطني السعودية- بل تحمل في طياتها تهديد حقيقي لمكانة المملكة في الشرق الأوسط و لسياسات الوﻻيات المتحدة بالمنطقة. هذا ما يدركه الرئيس باراك أوباما الذي اختصر زيارته للهند من أجل السفر للرياض، لتقديم تعازيه ومحاولة ضمان عدم انحراف سياسات سلمان وولي عهده عن التقليد الطويل الذي بنيت عليه العلاقات مع الوﻻيات المتحدة.
هذا أيضا هو السبب الرئيس لزيارة السيسي للمملكة. فمصر مرتبطة من الناحية الاقتصادية تقريبا بشكل تام بالمساعدات السعودية. الملك عبد الله الذي منح مصر العام الماضي مليارات الدولارات، تمكن قبل موته أيضا من صياغة مبادرة المصالحة بين مصر وقطر.
الآن يجب أن يضمن السيسي أن تدفق الأموال لمصر لن يتضرر بعد موت الملك. فالطوابير الطويلة من المصريين الذين يعانون نقص الغاز المنزلي والديون العملاقة التي تثقل كاهل الدولة باتت تقض مضجعه، إضافة للعمليات التخريبية المتوالية في أنحاء القاهرة، التي تستهدف السكك الحديدية وسيناء.
عندما تدار حرب ضد الإرهاب، وتتطلب أموالا فيجب أن يدفع أحدهم. قبل نحو أسبوع أوضح السيسي لمناصري حقوق الإنسان في مصر، أنه حريص على حقوق الإنسان بشكل لا يقل عن أي أحد، لكن هناك" 90 مليون شخص يجب أن يأكلوا، ويشربوا ويعيشوا. عندما تطالبون بحقوقهم، لا تنسوا أن الناس يجب أن تعيش".
لم تكن هذه بشرة مشجعة لحركات الاحتجاج التي أدركت خلال عام ونصف من حكم السيسي للبلاد أن آمالها في تغيير حقيقي غير قابلة للتحقيق. بالأمس حلت الذكرى السنوية الرابعة لاندلاع الثورة، بعد أن اندلعت مساء السبت مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين قتلت خلالها بميدان طلعت حرب وسط القاهرة الناشطة الحقوقية شيماء الصباغ. قانون التظاهر الدراكوني الذي قاد لاعتقال مئات الناشطين وأحكام السجن التي صدرت بحق مدونين أظهرت لمناصري الديمقراطية ما هي حدود حرية التعبير.
مصر ليس السعودية، التي أنفق ملكها مليارات الدولارات في تحسين رواتب الموظفين وبناء وحدات سكنية. المليون شقة التي وعد السيسي بها مواطنيه، والتي ستمول تكاليفها الإمارات العربية المتحدة والسعودية بشكل جزئي، سوف تنتظر عدة سنوات أخرى. بدون هذه المساعدات يمكن للجمرات الهامسة في مصر أن تتوهج إلى درجة الاشتعال. ولا يملك السيسي الآن ضمانة ألا يدخل النظام السعودي الجديد في أزمة تضر بقدرته على تقديم المساعدات كاملة.
ليست هذه المخاوف الوحيدة التي يثيرها تبدل الحكم السعودي في مصر. فالسيسي الذي يطمح في إعادة مصر لمكانتها كقائدة للشرق الأوسط، لا يعرف إذا ما كان الملك الجديد سيوافق سياساته مع مصر، مثلما اعتاد سلفه، أم أنه سيعلم السيسي درسا في الزعامة.
السيسي أيضا في انتظار مصدر إزعاج سياسي آخر، على شكل معركة الانتخابات البرلمانية، التي ستجرى في مارس وأبريل. وينوي 20 حزبًا وحركة سياسية علمانية تشكيل كتلة ائتلافية موحدة تخوض الانتخابات بقائمة مشتركة.
هذا ما يطمح إليه السيسي، لكن أيضا وبدون كتلة موحدة كهذه، فإن بإمكان السيسي ضمان انتخاب برلمان مؤيد، من خلال قانون الانتخابات، والذي ينص على أن 120 مرشحًا فقط من بين 567 يمكنهم النزول على القوائم، بينما ينافس 420 كمستقلين ويتم تعيين سبعة أعضاء بشكل مباشر من قبل الرئيس. ولأن عدد المقاعد المخصصة للمستقلين كبير للغاية، فإن أجهزة الحكم يمكن أن تحرص على وصول المستقلين الصائبين للبرلمان، وهو ما تتخوف منه حركات المعارضة، حيث يتوقع أن يكون بينهم الكثيرين ممن كانوا تحت قبة البرلمان في عهد حسني مبارك.
انتخاب البرلمان سوف يؤدي إلى إنهاء العملية السياسية التي رسمها السيسي، عندما احتل الحكم في يوليو 2013. لكنها نهاية عقيمة، لأن السيسي رسم ونفذ برامجه بالفعل أيضا بدون برلمان. فلماذا يهتم به الآن؟.