لا شك أن الحضارة المصرية كان لديها تأثير في تاريخ البشر و إن هناك أسس اجتماعية و ثقافية جذورها واضحة في نمو الحضارة مصرية خلال سبع قرون من وجودها كما أن هناك عديد من القيم الحضارية التي ورثت من المصريين القدماء ومن أهمها الوضع الاجتماعي للمرأة في حياة المصريين القدماء. فكانت المرأة في هذا المجتمع القديم تشارك الرجل في حياته الدينية و السياسية والاجتماعية كما تشاركه في حياته اليومية. طبقا للمصادر المتاحة يمكننا ان نستنتج ان وضع المراة المصرية في هذا العصر كان افضل بكثير من وضعها في اليونان القديمة او روما فيتعجب هيرودوت المؤرخ اليوناني المعروف في مذكراته التي تتعلق بزيارة مصر القديمة بحقوق المصريات في ارث زوجها.
كانت ديانة المصريين القدماء تساوي بين الآلهة و الالهات. فعبد المصريون القدماء الآلهات كرموز للذكاء والإخلاص و الحب مثل الآلهة ايزيس و حاتحورو ساخمت .
الارتباط بين الالهة والإله في الديانة المصرية كان ارتباطا مقدسا و يرمز إلى نظام الكون لذلك اصبح الزواج بين المصرين عقدا مقدسا و مهما و يشير إلى المشاركة و الإخلاص و المساواة.
هناك أوراق بردية تدل على أن الزواج الأحادي كان معروفا حتى في عصر ما قبل الأسرات أي قبل سبعة آلاف سنة وذلك دليل على أهمية الزواج و مدى قدسية الزواج والتي نجدها في إحدى الأساطير التي تفسر ظاهرة فياضان النيل.
كان المصريون القدماء يؤمنون بان مياه النيل تزداد عندما الآلهة ايزيس تتذكر وفاة زوجها اوزوريس و تجلس عند شط النهر و تبكي، فدموعها تنزل الى النهر و تزداد المياه فيأتي فياضان النيل.
كانت المرأة في العصر الفرعوني تعمل في مجالات عديدة لاسيما السياسة. و في تاريخ مصر القديمة العديد من الأمثلة للملكات والوزيرات التي قدر ذكاءهن أم الفرعون الذي بنى الهرم الأكبر و اسمها حوتب تولت الحكم بدلا من ابنها الصغير حتى بلغ السن المناسب للحكم هناك أيضا ملكات استمرت في الحكم سنينا طويلة مثل الملكة حاتشبسوت التي حكمت مصر عشرون عاما و ملكات كانت تحكم مصر بجانب أزواجهن مثل زوجة اخناتون نفرتيتي – جميلة الجميلات و زوجة امنحوتب –السمراء- تي و أشهرهن آخر ملكة لمصر و هي كيلوبترا التي أصبحت بعد ذلك بطلة للروايات و الأفلام.
أيضا المرأة في العصر الفرعوني كان بإمكانها أن تصل إلى مناصب مهمة في الدولة فنجد أسماء و ألقاب في أوراق بردية تثبت لنا ذلك هناك أسماء سيدات كن يعملن في القضاء مثل القاضية نبت التي كانت حماة للملك بابي من الأسرة السادسة أي في بداية تاريخ الدولة المصرية تقريبا. أيضا نجد اسم طبيبة مصرية اسمها بسخت و من الأوراق يمكننا أن نستنتج إنها قد كانت من احسن و اقرب أطباء الفرعون.
استطاعت نساء مصر أن تثبتن ذاتهن في الحياة الاجتماعية و الثقافية ايضا فنجد مثلا كثيرا منهن ألقابهن تدل على وظيفة الكاتب و هذه الوظيفة في بعض الأوقات كانت توصل إلى مناصب حكومية عالية مثل وظيفة المحاسب في القصر الفرعوني أو مدير المخزن و غيره كما نكتشف العديد من نساء هذا الزمن يعملن في التجارة و إدارة مخازن المعابد. كل هذه الوقائع تشير إلى استقلال المرأة المصرية في العصر الفرعوني و مدى حقوقهن في جميع مجالات الحياة لا سيما حقوقهن القانونية في التملك أو الزواج و الإرث و إذا قارنا وضع المرأة الرومانية و المصرية في هذا العصر سنرى إن المصرية كانت تتمتع بحرية و حقوق اكثر و كان وضعها بعيدا عن وضع نساء روما اللاتي كن يعانين من نقص في حقوقهن المدنية.
قال عالم الآثار المصرية و عالم المصريات الفرنسي كريستيان كور إن حتى المرأة المصرية البسيطة التي كانت تعيش في الريف كانت تمضى حياة ممتعة و سعيدة لأنه من الواضح إن المساواة بين الجنسين كان شيئا طبيعيا و فطريا في المجتمع المصري القديم لكن بدون مبالغة و بالحفاظ على دور المرأة الأساسي كأم و زوجة و ربة بيت و كثيرا ما نرى رسومات من العصر هذا تبين المرأة كعاملة في الحقل تساعد زوجها في جمع المحصول مثلها مثل الرجل إذا احتاج الأمر.
الحضارة المصرية لم تنسى في قوانينها العديدة قضايا المرأة و خلال قرون صدر الكثير من القوانين تنظم دورها و وضعها الشرعي في المجتمع و أهمها كانت تخص عقد الزواج و وضع قوانين تحتوي على حقوق الأزواج قبل بعضهما و متطلباتهما و مسألة الميراث بعد الطلاق ،.وعقد الزواج كان يطالب الطرفين بالإخلاص و الاحترام و يعطي للمرأة في حالة الطلاق بدون سبب حق اخذ أمتعتها التي أتت بها إلى بيت زوجها في ليلة الزفاف و في حالة الطلاق باتفاق الطرفين أو لسبب محدد كانت المرأة المصرية لها الحق في ثلث ممتلكات الزوجين. لكن من الواضح إن الطلاق عند المصريين كان شيئا غير محبوب و نادرا أو قليلا ما يحدث. و اجمل و ارق دليل على دور المرأة المهم في حياة كل رجل مصري سواء ملك أو فلاح كان التمسك الشديد بتقليد دفن الزوجات بجانب الرجل في نفس القبر ، فكما كان المصريون القدماء يقولون: الزوجان شريكان في الحياة و لا يفرقهما حتى الموت بل يظلان عاشقان في الآخرة.
المدهش إن كل طفلة مولودة في الطبقة العليا أو في الأسرة الملكية كان من الواجب أن تبدأ تعليمها مثل الصبيان أي في السنة الرابعة من عمرها و البنات مثل الأولاد كن يتعلمن الكتابة و القراءة بالهيروغليفية و الأدب المصري القديم و الحروف الهيرية و هي شكل من أشكال الكتابة المصرية القديمة لكن ابسط من الهيروغليفية و تستعمل في الحياة اليومية و لا تستخدم في النصوص الدينية و الرسمية كما في الكتابة الهيروغليفية. بنات الملوك و الأمراء كان لديهم الحق في تعلم المنهج كاملا و الذي كان يحتوي على مبادئ و أساسيات علم الرياضيات و الهندسة . وهناك قول لأحد حكماء مصر القديمة :
"إذا تبحث عن الحكمة و السعادة أحب زوجتك و شريكتك و اهتم بها و أرعاها فهي ستهتم ببيتك و ترعى أطفالك و ترويهم بحبها. اهتم بها ما دمت على قيد الحياة لأنها هدية و نعمة من ربك الذي استجاب لصلاتك و دعواتك. تمتع بهذه النعمة لان تقديس هذه العطية الالهية هو ما يرضي ربك.
حس بآلامها قبلها لأنها أم لأطفالك . إذا جعلتها سعيدة ستسعد أولادك وإذا اعتنيت بها ستعتني بهم . هي وديعة في قلبك و يديك و أنت المسئول عنها أمام ربك لأنك أّخذت على نفسك عهدا أمام مزار الالهة انك ستكون أخا و أبا و شريكا و صديقا لزوجتك و عاشقتك".
الزواج كان يسمى "جعل زوجة" أو "اخذ زوجة" و .يبدو إن كلمة الأب و رأيه كان أساسي و الأهم وفقا للنظام البطريقي العام في مصر القديمة و مع ذلك رأي الأم لم يكن متجاهل فكما تقول فتاة مصرية في شعرها الفرعوني :
"لا يعرف شيئا عن مدى اشتياقي له و لأحضانه فسأرسل كلمة لامي لتنقذني......"
و المعروف إن إذا البنت كانت يتيمة فالرأي و الموافقة على الزواج كان يرجع إلى العم أو الأخ أي إلى الرجال الأقارب. لكن هذا ما يخص تاريخ مصر ما هو في البداية أي في عصر الأسر الأولى لكن نجد إن في عقود الزواج من الأسرة السادسة و العشرين إضافة في العقد و هي جملة الزوجة التي تقرر موافقتها على الزواج فبعد استماعها إلى قول زوجها: جعلتك زوجتي تجيبه و تقول: جعلتني زوجتك. قليلا ما نعرف عما قبل الزواج فلا ندري هل كانت هناك فترة التعرف أو خطوبة رسمية . أيضا مسألة سن الزواج ليست واضحة و معروفة . السن لم يذكر في العقود الزوجية وهناك إشارات في بعض الأبحاث و المراجع الحديثة عن زواج الأطفال ولكن لم يكن قائما على أسس حقيقة مؤلفة من الوقائع و ليس هناك ما يدل على ذلك في برديات أو رسومات على حوائط المعابد التي نعتبرها منبع المعلومات عن مصر القديمة . لكن يمكننا أن نستنتج إن الزواج كان يتم تقريبا في سن الثانية عشر للفتاة و حوالي الرابعة عشر للولد لان هذا كان سن البلوغ عند المصريين القدماء و ما تثبته البرديات الدينية التي كانت تهتم بهذا الأمر.
و من التقاليد الأخرى عند المصريين الزواج من طبقة اجتماعية واحدة و الاستثناء من هذا التقليد كان يحدث أحيانا في الوسط الملكي و من اشهرها زواج الفرعون نونخت من كاتبته و بعد فترة تزوج الملك مرة اخرى من صانعة تعمل في القصر. أيضا الملك المشهور امنحوتب تزوج امرأة من عامة الشعب سوداء و اسمها تي و ذكرت من قبل في هذا المقال كامرأة حاكمة لأنها كانت بالفعل تساعد زوجها في حكم مصر و اشتهرت بذكائها و عدلها .
لم تذكر أي عقوبات في زواج المصريين من الجنسيات الأخرى فالكثير منهم كانوا يتزوجون من السوريين و النوبيين و أيضا الكثير من أميرات مصر القديمة تزوجن من الأجانب و اصبحن زوجات لملوك أشوريين و سومريين و حثيين.معظم حالات الزواج هذه كانت لأهداف سياسية لكن هناك قصص حب كثيرة بين الفراعنة المصريين و أميرات من خارج مصر مما يدل على عدم وجود عقوبات اجتماعية في علاقات كهذه . لكن الأمر كان يختلف عند الزواج من النساء العبيد هذا الارتباط لم يكن معترفا به من الجهة القانونية و المرأة إذا أنجبت من هذه العلاقة فأطفالها يظلون عبيدا و الحل الوحيد أن تحرر نفسها قبل الزواج بدفع مال أو التبني من جهة إحدى الأحرار أما الرجل فكان باستطاعته أن يحرر أولاده بالتبني أيضا .
المرأة في مصر القديمة كان لها مكانتها الخاصة في المجتمع و كما رأينا إذا أرادت أن تثبت ذاتها فالأبواب كانت دائما مفتوحة أمامها و كما كانت تقدر كأم و زوجة كانت أيضا تقدر كعالمة أو طبيبة أو كاتبة وكحاكمة