كيف نكون جميعا أغنياء ؟؟؟ - الجزء الثالث
أساتذتي الأفاضل : إستكمالا لما بدأناه في الجزئين الأول والثاني ، نذكر هنا ثاني الإمكانات اللازمة للدولة لكي تمارس تطبيقها لمبدأ التوازن الإجتماعي في حدود تلك الإمكانات .. وهو :
ايجاد قطاعات عامة
ولم يكتف الإسلام بالضرائب الثابتة التي شرعها لأجل إيجاد التوازن، بل جعل الدولة مسؤولة عن الانفاق في القطاع العام لهذا الغرض. فقد جاء في الحديث عن الإمام موسى بن جعفر (ع): أن على الوالي في حالة عدم كفاية الزكاة، أن يموّن الفقراء من عنده بقدر سعتهم حتى ستغنوا.
وكلمة: (من عنده) تدل على أن غير الزكاة من موارد بيت المال، يتسع لاستخدامه في سبيل إيجاد التوازن، بإغناء الفقراء، ورفع مستوى معيشتهم .
وقد شرح القرآن الكريم دور الفيء الذي هو أحد موارد بيت المال_ في إيجاد التوازن، فقال: ((ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى، فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم )).
وقد مر بنا: أن هذه الآية الكريمة تتحدث عن مصرف الفيء، فتضع اليتامى والمساكين وابن سبيل، إلى صف الله والرسول وذي القربى. وهذا يعني: أن الفيء معد للانفاق منه على الفقراء، كما هو معد للإنفاق منه على المصالح العامة المرتبطة بالله والرسول. وتدل الآية بوضوح على أن إعداد الفيء للإنفاق منه على الفقراء، يستهدف جعل المال متداولاً وموجوداً
لدى جميع أفراد المجتمع، ليحفظ بذلك التوازن الاجتماعي العام، ولا يكون دولة بين الأغنياء خاصة.
والفيء في الأصل: ما يغنمه المسلمون من الكفار بدون قتال. وهو ملك للدولة، أي النبي والإمام باعتبار المنصب. ولذلك يعتبر الفيء نوعاً من الأنفال وهي الأموال التي جعلها الله ملكاً للمنصب الذي يمارسه النبي والإمام كالأراضي الموات أو المعادن على قول.
ويطلق الفيء في المصطلح التشريعي على الأنفال بصورة عامة، بدليل ما جاء في حديث محمد بن مسلم عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: ((الفيء والأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة الدماء، وقوم صولحوا أو أعطوا بأيديهم وما كان من أرض خربة، أو بطون أودية، فهو كله من الفيء.. الخ ))(فان هذا النص واضح في إطلاق اسم الفيء، على غير ما يغنمه المسلمون من أنواع الأنفال. وفي ضوء هذا المصطلح التشريعي، لا يختص الفيء حينئذ بالغنيمة المجردة عن القتال، بل يصبح تعبيراً عن جميع القطاع الذي يملكه منصب النبي والإمام .
وعلى هذا الأساس نستطيع أن نستنتج: أن الآية حددت حكم الأنفال بصورة عامة، تحت إسم: الفيء وبذلك نعرف أن الأنفال تستخدم في الشريعة لغرض حفظ التوازن، وضمان تداول المال بين الجميع، كما تستخدم للمصالح العامة.
وإلى اللقاء بمشيئة الله تعالى في الجزء الأخير من هذه السلسلة .