ولكن مِن المؤكد أن كلمة«نقد» لازالت تبدو كلمة غامضة، فهى تستخدم تارة بمعنى معرفة الأثر والحكم عليه أو فهمه، وطورا آخر بمعنى تفسيره...(2) فهذه هى أهّم المعاني اللغويّة لمادّة النقد ولعلّها أو أكثرها ملائم لما يرادهنا من معنى، فقد استعمل النقد فى معنى تعقّب الأدباء
والفّنيين والعلماء والدّلالة عَلى أخطائهم وإذاعتها قصد التشهير أوالتعليم، وشاع هذا المعنى في عصرنا هذا وصارت كلمة النقد إذا
أطلقت فهم منها الثلب ونشر العيوب والمآخذ وقديما ألف أبوعبيد اللّه محمّدبن عمران المرزبانى المتوفّى سنة 438 ه (كتاب
الموشح) فى مآخذ العلماء على الشعراء ضمنه ماعيب على الشعراء السابقين من لفظ أو معنى أو وزن أو خروج على المألوف من
قوانين النحو والعروض والبيان، وشاع بجانب ذلك عندنا تقريظ الكتب والأشخاص والمذاهب السياسية والاجتماعية والآثار الفنيّة
مما يعد اكثره رياءً ومجاملةً دون أن يكون له حظ حقيقى من الحّق والإنصاف فهذا الاستعمال له أصل لغوى كما رأيت وإن لم يكن
هو المقصود المقرّر بين النّقاد المنصفين.
2- أمّا المعنى اللغوى الأوّل فلعلّه أنسب المعانى وأليقها بالمراد من كلمة النقد فى الإصطلاح الحديث من ناحية وفى اصطلاح اكثر
المتقدّمين من ناحية أخرى فإنّ فيه كما مرّمعنى الفحص والموازنة والتمييز والحكم وإذا ما وقفنا عندما يقوله الثقات من النقاد
رأيناهم لايجاوزون هذه المعانى من حدّ النقد وفى ذكرخواصّه ووظيفته، فالنّقد دراسة الأشياء وتفسيرها وتحليلها وموازتتها بغيرها
المشابهة لها أو المقابلة، ثمّ الحكم عليها ببيان قيمتها ودرجتها، يجرى هذا فى الحّسيات والمعنوّيات وفى العلوم والفنون وفى كلّ شىء متصّل بالحياة.(3) وقد رأينا السّابقين الذّين كتبوا فى النقد العربى أميل إلى حمل لفظ النّقد على هذه المعانى المتواصلة، فنقد الشعر لقدامة ونقد النثر
المنسوب له خطأ وكتاب العمدة لابن رشيق فى صناعة العشر ونقده ثمّ ما يتّصل بذلك من كتب الموازنة، كلّها عبارة عن دراسة
الشعر أو النثر وتفسيرهما وبيان عناصرهما وفنونهما ومايعرض لهما من أسباب الحسن أو القبح والتّنبيه على الجيد المقبول
والرّدىء المنبوذ إلى نحو ذلك ممّا هو إيضاح وعرض ثمّ تفسير وموازنة ثمّ أحكام ونصائح أو قوانين نافعة فى فنّ الأدب منظوما ومنثورا. 3- وهنا نستطيع أن نتقدّم قليلاً فنذكرما يقوله المحدثون فى تعريف النقد فهو عندهم التقدير الصّحيح لأىّ أثر فنّى وبيان قيمته فى
ذاته ودرجته بالنّسبة إلى سواه والنقد الأدبى يختصّ بالأدب وحدّه وإن كانت طبيعة النقد واحدة أو تكاد، سواء أكان موضوعه أدبا أم
تصويرا أم موسيقى(4) فالنقد الأدبى فى الاصطلاح هو تقدير النّصّ الأدبى تقديرا صحيحا وبيان قيمته ودرجته الأدبيّة ولإيضاح هذا التعريف وتحليله
نستطيع أن نذكر بجانبه الملاحظات الآتية:
(1) يبدأ النقد وظيفته بعدالفراغ من إنشاء الأدب، فالنقد يفرض أن الأدب قد وجد فعلا ثمّ يتقدّم لفهمه وتفسيره وتحليله وتقديره ؛
والحكم عليه بهذه الملكة المهذّبة أو الملهمة الّتى تكون لملاحظاتها قيمة تمتازه وآثار محترمة أمّا القدرة على إنشاء الأدب وتذوّقه
فليس فى مكنة النقد خلقها من العدم وإن كان يزيدها تهذيبا ومضاء على أنّ هذه الملكات الثلاث إنشاء الأدب وقدرته ونقده ـ قد توجد
معا متجاورة متعاونة فى نفس الأديب الموهوب.
(2) يدلّ هذا التعريف على أنّ الغرض الأوّل من النقد الأدبى إنّما هو تقدير الأثر الأدبى ببيان قيمته فى ذاته قياسا على القواعد أو
الخواصّ العامّة الّتى يمتازبه الأدب بمعناه العام أو الخاص وهو النوع التوضيحى الّذى يعيين على الفهم الذّوق. وأمّا القول فى
درجته بالنّسبة لغيره فهو فى منزلته الثانية ومثله فى ذلك محاولة ترتيب الأدباء ترتيبا مدرّجا حسب كفاياتهم المتفاوتة أو وضع
نظام الموازنة بين آثارهم المختلفة وهو النوع الترجيحى الذّى يعنى بالمفاضلة بين الأدباء وذلك لكثرة الفروق الأساسية بين
الشعراء والخطباء والكتاب و المؤلّفين وقلّما نجدمنهم طائفة بينها مشابهات تسمح بعقد هذه الموازنة التّى تحدّد براعاتهم المتقابلة
فإذا سئلت عن جرير والفرزدق والأخطل أيّهم أشعر، فجوابك السّديد هو أن كلاً منهم أشعر معنى ذلك أن كلاً منهم يفضل زميليه
ببعض الصفات اللفظيّة أو المعنوّية أو الموضوعية فى حين أنك قدلاتجد بينهم من وجوه الإتّفاق مايكفى لعقد موازنة صالحة، ومع
ذلك فيستطيع كلّ إنسان أن يؤثّر ما يحبّه ويرفض ما عداه من آثارهما جميعا، وعلى النقد توضيح الميزات الجوهرية لتفوق كلّ
شاعر، فيساعدنا بذلك على تقدير كلّ منهم تقديرا أقوم وأهدى سبيلاً. (5)
عبير عبد القوى الأعلامى نائب المدير الفني
عدد الرسائل : 9451بلد الإقامة : مصراحترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 17866ترشيحات : 33الأوســــــــــمة :
3) ومها تكن وظيفة النقد وغايته التى يعمل لتحقيقها فلابد للنّاقد أن يكون ثاقب النظر، سريع الخاطر، مهذّب الذوق،قادرا على
المشاركة العاطفية (التعاطف) مع الأديب والبراءة من المؤثّرات الّتى تفسد عليه أحكامه كمايمرّبك فيما بعد، وذلك كلّه فوق الثقافة
الأدبية العلمية، والتمّرس بالأدب، ومعرفة أطواره التاريخيّة، وصلاته بالفنون الأخرى، وحسن فهمه وتعمّقه، إلى أبعد غاية، ليتسّرله
الإنصاف والحكم الصّحيح، وقداستطاع پوب (Pob) أن يرد المصادر الرئيسية التّى يستقى منها النقد إلى مراجع ثلاثة:(1) وهى
فكرة الطبيعة (2) وفكرة آثار السلف (3) وفكرة العقل، ولابدّمن الرجوع إلى الثلاثة جميعا وليس معنى هذا أنّ الأديب مُطالب بأن
يكون موزعا بين هذه الثلاثة لأنّ سلطان كلّ من هذه المراجع مثبت لسطان سائرها فالواجب أولا أن نتبع الطبيعة ولكن لكي يتسنّى
ذلك لابدّمن دراسة آثار القدماء، لأنّ القدماء كانوا على وفاق مع الطبيعة، وليس هناك خلاف بين الطبيعة وبين الشعر القديم،
ودراسة القدماء معناها دراسة الفنّ الأصيل الّذى ينطبق دائما على العقل، وسيأتى إيضاح ذلك فى أثناء الفصول الطويلة فى كتب النّقد . (4) وإذا كان موضوع الأدب هو الطّبيعه والإنسان، فإن موضوع النقد الأدبى هو الأدب نفسه أى الكلام المنثور أو المنظوم الّذى
يصوّر العقل والشعور، يقصد إليه النقد شارحا، مُحَّلاً، معلّلاً، حاكما، يعين بذلك القّراء على الفهم والتقدير، ويشير إلى أمثل الطرّق
فى التفكير والتصوير والتّعبير، وبذلك يأخذ بيدالأدب والأدباء والقرّاء الى خير السُبُل وأسمى الغايات والنقد يقوم على ركنين
أخطر ما يتعرض له مفهوم النقد الحديث عندنا هوالفصل بين النقدـ
بوصفه علّما من العلوم الإنسانيّة له نظريّاته وأسسه ـ وبين النقدمن حيث التطبيق.
فمن الواضح ان هذه النظريات والأسس لا تتوحّدمع النتاج الأدبى بوصفه عملاً فرديا،
فهى لم توجد ولم تتمّ متجرّدة من الأعمال الأدبيّة فى مجموعها وملابساتها، ولكّنها
نتيجة لعملّيات عقليّة تركيبية مبدؤها النظر الدّقيق والتأمّل العميق للنتاج الأدبي وثمرتها التقويم
لهذه الأعمال في ضوء أجناسها الأدبيّة وتطورها العالمى. وإذن لا منافاة بين النقد نظرا وعملاً،
بل لابّد من الجانب الأوّل ليثمر النقد ثمرته، بتقويم للعمل الأدبى، صادر عن نظريات تبيّن
الملتقى العام للمعارف الجمالية واللغوية فى تاريخ الفكر الإنسانى وهى غير معزولة طبعا عن التجربة الأدبيّة،
كما يزعم بعض أدعياء النقد وأعدائه الّذين ينعى على أمثالهم جون استيورات ميل فيما ق
اله من قبل (عام 1831) هذا الرّجل نظرىّ يقولها بعض النّاس ساخرين فتتحوّل
الى نعت ظالم جديب، انّها كلمة تعبر فى حقيقتها عن اسمى جهد للفكر الإنسانى وانبله(7) ويقوم جوهر النقد الأدبى اوّلاً على الكشف عن جوانب ـ النضج الفنّى فى النتّاج الأدبى
وتمييزها عمّا سواها على طريق الشرح والتعليل ثمّ يأتى بعد ذلك الحكم العام عليها فلا قيمة للحكم على العمل الأدبى وحده وان
صيغ فى عبارات طليّة طالما كانت تتردد محفوظة فى تاريخ فكرنا النقدى القديم وقد يخطيء ـ الناقد فى الحكم، ولكنّه ينجح فى ذكر
مبررات وتعليلات تضفى على نقدة قيمة فيسّمى ناقدا، بل قد يكون مع ذلك من اكبر النقاد، كما حدث للنّاقد العالمى سانت بوف فى
نقده لبعض معاصريه على حين لا نعدّمن يصدر الأحكام على العمل الأدبى ـ دون تبرير فنى ـ ناقدا، وان أصاب اذما أشبهه حينئذٍ
بالساعة الخربة تكون أضبط الساعات فى وقت من الأوقات، ولكن لايلبث أن يتكشف زيفها فى لحظات.
وأقدم صورة للنقد الأدبى نقد الكاتب أو الشاعرلما ينتجه ـ ساعة خلقه لعمله ـ يعتمدفى ذلك على دربة ومران وسعة اطلاع وتقتصر
اهميّة هذا النوع من النقد على الخلق الأدبى. فكل كاتب كبير هو ناقد بالفعل أو بالقوة ولكن نقده قاصرعن مهمة التوجيه والشرح،
وان استمر هذا النوع من النقد مصاحبا للخلق الأدبى فى كلّ عصوره.
وغالبا مايكون النقد ـ فى مفهومه الحديث ـ لاحقا للنتاج الأدبى لأنّه تقويم لشىء سبق وجوده ولكن النقد الخالق قديدعوإلى نتايج
جديد فى سمائه وخصائصه فيسبق بالدّعوة مايدعواليه من أدب بعد افادته وتمثّل للأعمال الأدبيّة والتيارات الفكرّية العالمية، ليوفق
بدعوته بين الأدب ومطالبه الجديدة فى العصر وهذا النوع من النقد مألوف فى العصور الحديثة لدى كبار الناقدين والمجدّدين من
الكتاب وقد كان خاصّة العباقرة الذين دعوا إلى المذاهب الأدبية فى مختلف العصور، فساعدوا على أداء الأدب لرسالته، وأسهموا
كثيرا فى تجدّده مع ارساء دعواتهم( على فلسفة جماليّة حديثة تضيف جديدا إلى ميراث الإنسانية ولاشكّ أنّ قصور الثقافة النقدية
لدى اكثر كتابنا من ابرز الأسباب فى تأخّر ادبنا ونقدنا معا فى هذا العصر. وهذا ما يتخلف فيه هؤلاء الكتاب عن نظراتهم فى الآداب
العالمية الحديثة.
عبير عبد القوى الأعلامى نائب المدير الفني
عدد الرسائل : 9451بلد الإقامة : مصراحترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 17866ترشيحات : 33الأوســــــــــمة :
دَبَّت حركة النهضة بالتجديد فى بداية الفترة الّتى حصل فيها الإحتكاك بين الشرق والغرب، بقصد الغزو للحصول على موارد جديدة
فى بقاع جديدة، حيث ارتبطت حركة الغزو بحركة فكرية فى مجالات الحياة المختلفة، ومنها الحركة الفكرية النقدية للأدب، فتشكّل
نتيجة الواقع تياران للنقد الأدبي العربي.
الأوّل: محافظ وكان استمرارا للنقد العربى التقليدى القديم
والثاني: مُجَدِّد أفاد في نقده من معرفته للآداب الأروبيّة.
التيارالأوّل ...التقليدي
كان هذا التيّار اكثر انتشارا وأقوى سلطانا، وكان يمثّله الشيخ حسين المرصفي فى الوسيلة الأدبية حيث كان يلقى محاضراته على أساس هذا التيّار على طلّابه فى دارالعلوم عند إنشائها (1870 م)
ونقدُ المرصفى ضمن هذا التيار فى الوسيلة الأدبيّة يقوم على موازنات
لها ثوابت على وفق النقد العربى القديم، من هذه الثوابت.
1- توجيه بعض النقدات دونما تقليد، معتمدا على الذوق الخاصّ
2- العناية بالنقد اللّغوى كما كان عندالقدامى
3- مؤاخذة الشاعر فى السرقة من حيث اللفظ والمعنى لاسيّما إذاكان السابق أصلح من اللّاحق
هذا التيار كان معاصرا للتيار المحافظ، وتميزعنه فى أنّه أفادمن معرفة أُدبائه للآداب العالميّة كالآداب الاوروبيّة، والعثمانية، والفارسيّة، وغيرها. وكان يهدف: أوّلاً ـ إلى تحرّر الشعر العربي من القيود القديمة. ثانياـ الى معالجة الموضوعات الّتى تهم هذا الشعر. ويتميّز هذا التيار بمايأتى: 1- الأخذ بالإنتقاص على شعر المدح، وبدء القصائد بالغزل، فترى مثلاً أحمد فارس الشدّياق (1887 م) يتهكّم على الشعر العربى، إذ يراه مغرقا بالمدح والتهانى فى المناسبات 2- الدعوة إلى التخلّص من التقليد، والتمسك بالإلتزام، خاصّة التزام الصدق، ومراعاة أحوال العصر. 3- الدعوة إلى وضع النظريات الشعرية والخروج إلى المحيط العربى ـ بالتخلّص من الذاتية والانطواء - بالتقاط الأحداث الّتى ألمّت بالأمّة العربيّة.
ويشمل هذا التيار مدارس التجديد وهى
1- المدرسة العراقية: وحملت شعلة النهوض والتجديد فى موضوعات الشعر على أيدى شعراء كثيرين منهم عبدالحسن الكاظمى (1935 م)، جميل صدقى الزهاوى (6193م)، معروف عبدالغنى الرصافى (5419 م)، محمدرضا الشببى (5619م)، ومحمّد مهدى الجواهرى (1997 م). 2- مدرسة المهجر ـ الشمالي والجنوبي(17) ـ وكان يمثلها الكثيرون من الأدباءمنهم جبران خليل جبران (1931 م)، إيليا أبوماضى،ميخائيل نعيمة، وعبدالمسيح حدّاد.
ج: مدرسة الديوان فى مصر:
أنشأها مجموعة من الأدباء منهم أحمد شوقى (1932 م) والرافعى (مصطفى صادق 1937 م)، والمازنى (ابراهيم عبدالقادر (9419 م) وعبدالرحمن شكرى (1958 م)، والعقاد (عبّاس محمود 6419 م)
د ـ مدرسة أبوللو فى مصر وشمال أفريقا:(18)
شكلّها أدباء كثيرون من المغرب العربى ومشرقه منهم أحمد شوقى (1932 م) وخليل مطران (9419 م) وإبراهيم ناجى (1953م)، وأحمد زكي أبوشادي (1955 م) والشابي (أبوالقاسم) والسيّاب (بدرشاكر).
عبير عبد القوى الأعلامى نائب المدير الفني
عدد الرسائل : 9451بلد الإقامة : مصراحترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 17866ترشيحات : 33الأوســــــــــمة :
ثمّ تتابع جيلٌ واع من الشعر المعاصر للكاظمى، أو لاحق له فى متقدّمتهم الزهاوى (جميل صدقى 6193 م) والرصافى (معروف عبدالغنى 5419 م)، والشبيبى (محمدرضا 5619 م) وغيرهم. ثمّ جاءت أجيال إقتفت أَثرهم وشاء القدر أن يعاصر الجواهرى (محمّد مهدى 1977 م) كلّ هذه الأجيال ويطغى عليها فى شعروطنى وقومّى، وانسانىّ مُجّسَّد المعالم. هؤلاء جميعا انتظم شعرهم المجتمع لأوطانهم، والأمّة، والحضارةالجديدة من مخترعات كالقطار والسيّارة والساعة والطيّارة والكهرباء ونظريّة دارون فى أصل الأنواع، وقضيّة الشكّ واليقين عند ديكارت، علاوة على المعركة، فى السفور والحجاب، وتجديد الشعر والخلاصة من ذلك أنّهم أرادو للشعر مفهوما، ووظيفة، ومتعة، تخدم الفرد والمجمتع والأمة، وتعينها على خروجها من(20) محنتها وتخلّفها، فالشعر فى مفهوم الزهاوى (جميل صدقى 6193 م) يجب أن ينبعث من مشاعر قائله نزيها غير مقيّد، ينبعُ من مشاعرٍ صادقةٍ جريئة مدافعةٍ عن الحّقِ قال:
إنّما الشّعُر من القا
ئل لِلشّعر شُعُورْ
وبه مُعتكفٌ فى
بَيتهِ وَهْوَ يَدوُرْ(21) (رمل)
والشعر له وظيفة مضافة إلى وظيفة التعبير عن المشاعر وهى (السَّلْوى) يلجأ إليها الشاعر ويلوذ بها لتحميه ممّا يرى من مآسى المجمتع قال: (رمل)
أيّها الشعرُ سُلُوىّ
أنت فى ساعَةِ هَمِىّ
أدرءالأحزانَ عنّى
بأَبِى أنتَ وأُمِىّ(22)
وهو إبداع لأنّ عهد التقليد وَلّى، ولم يعدله مكانٌ فى منازلِ الشّعرِ، حيث أنشد قائلاً (مُجتث):
الشِعرُ فيه هبُوطٌ
والشعر فيه طِلاعُ
ومنهُ تقليدُ مَنْ قَد
مَضى ومِنهُ (إقتراعُ)(23)
والشعر له مستويان، وخيرهمان ما كان دفاعا عن الحقّ قال (مجتثّ):
الشِعر ليسَ سواءً
مِنه سَمينٌ وغَثّْ
وأحْسَنُ الشعر ماكان
فيه للِحَقّ بَثّْ(24)
و الشعرُ فى مفهوم الرّصافى (معروف عبدالغنى 5419 م) وظيفته خدمة الوطن و الأمّة والإنسانيّة، إذيجب على الشاعر أن يطرح واقع المجتمع، ويدافع عن الأمّة ويتصدّى للظلم وحكم الإستبداد،والإستعمار فى تسبحٍ مبدع جديد، مروّحا عن هموم قائله:
عَلى أنّ لى طبعا لَبيِقا بِوَشْيِهِ
نزوعا إلى أَبكاره دوُن عيُونِهِ
لَعَمرُك إنّ الشعرَ صُمْصامُ حِكَمةٍ
وإنّ النُهى مَعْدودةٌ من قُيونِهِ(25)
والشعر فى رأي الشبيبي (محمدرضا 5619 م) له أهداف، ومُثُلٌ، ومعان أشار إليها فى قصائد كثيرة منهالامية العرب الجديدة) و(الهزار الشاعر) و (ذكرى شاعر)و(الإجتماع والشعراء) والشعر عنده له غاية تفصل بين الحّق والباطل، وتقصد إلى الصدق، وتنسكب فى معانى ألفاظه روح الإبتكار والخلود، وتسيل بين نسيج أبياته مُتعةُ السِّحْرِ أمّا الجواهرى؟ فهو لسان الشعب، والأمّة والإنسانيّة قال: (الكامل)