ديوان عازف الكلمات ... الشاعر حامد سالم

(( **- الأن أدرك أننا إنتهينا -** ))

الأن أدرك يا جميلة أنًَنا إنتهينا ..

فليغلق الليل أبوابهُ من بعدنا ..

و لتبكى قوافل العشاق فى الطرقات علينا .

و لسيتقيل القمر عن مهمات السهر ..

و ليسقط اللون الأزرق لون السًَحر ..

حين تنتحر طيور الصباح من الحزن فى مقلتينا .

وحين تغادر البحار سواحلها ..

و تُصلب النوارس على حطام المراكب ..

و يبكى الصقيع على يديًَنا .

و تصبح الحياة غابات من الضباب ..

و أنفاس المجهول تُخيفنا ..

و الطريق الذى نمضيه .. يعودُ إلينا .

الأن ..

الأن تأكدت بأننا إنتهينا ..

فأنظرى فى حقائب لقيانا عبر الشهور ..

ماذا وجدتى .. ؟

ما الذى من عِشقِنا جنيًْنا ..؟

مارست فى حبك كل أنواع العبادة ..

مارست الكفرْ ..

مارست السحرْ ..

و أنا و القلب لأصنام الوجد كم صلًَيْنا ..؟

وطافت الروح بك فى البلاد ..

ترعاك من عين العباد ..

وإن شربتُ جرعة ماء .. أقولُ كِليْنا .

أنفاس صدرى أوقفتها عليك ..

و شمسُ يومى أمرها بيديك ..

ولا عمراً أدونهُ فى سجلات الوجود إلا إذا ألتقينا .

و كانت الحياة تبدأ منًا ..و تنتهى لدينا .

لكننا الأن..

و لأول المرات نفترق ..و يكسرنا الوجع ..

و صار الرجوع إمتهاناً كبيراً ..

فما على شيىءٍ ..أنا و أنت .. قد أبقينا .

أنا وحدى

أنا وحدى التى تعلم ..

بأنك مثل الروح تدخلها ..

و تسكنها ..

و تلهو فى شئونها دوماً ..

و تكتبها بأشعارك .

و أنا التى جلست على عرشكْ ..

و ملكت مفاتيح مملكتكْ ..

و خزائن الذكرى ..و تفاصيل أسفارك .

و أنا التى تلعب على صدركْ ..

كما طفلة ..

و تلهومثل النسيم برأسها أفكارك .

و تقف خجلى على شفتكْ ..

حدودها الحلم .. لا أكثر ..

و فى حلمها تعيشُ الجنة فى نارك .

و أنا وحدى .. حين ينتهى ليلى ..

و تأتى الشمس ..

أرانى كوردةٍ ملقاةً خارج أسوارك .

كل عبيرى من ريح الحُلم ..

فلا أنا أملك يقين حبك لى ..

و أرفض صكوك حريتى ..

و أبقى أسيرة فى سجن أسرارك .

أنا وحدى يا مالكاً أمرى ..

و يا حب عمرى ..

أخاف حد الموت من صمتك ..

و أشعر أن نهايتى تأتى فى هبوب إعصارك .

أفرح لحظة .. و أحزن لحظة ..

و أضحك لحظة .. و أبكى لحظة ..

و أحلم لحظة ..

و ما أقسى أن تحسبُ باللحظات أعمارك .

أنا وحدى ..

التى أشعر العزً فى ضعفى ..

و أحب فى نفسى حنيى إليك و لهفى ..

و أعرف أن أيامى مرهونة بقرارك .

فهل سيأتى حبيبى يوماً ..

وترى الدنيا بدون عيونى ..

وترانى الدنيا خارج أقدارك..؟

أرجوك ..

إعلم متى أنتويت الرحيل ..

و متى عقدت العزم على السفر الطويل ..

أننى وحدى التى تعيش إنتظارك .

(( **- مع شراعات الرحيل -** ))

أشياءٌ بداخلى تأخذنى و لا تبقى ..

و تصرًُ عبر السنين على مواصلة الرحيل .

و تتركُ لى مابين الضلوع مخطوطات ذكرى ..

و نقوشاً بلون السواد على جدرانِ القلب العليل .

أدخلُ معابدها فى أواخرِ الليل أقرأها ..

و أندهشْ ..

كأنى أول المراتِ أراها مكتوبة بلغةِ المستحيل .

تتوهُ حروفها فى أدمعى ..

و ما أسمع غير اّهتها فى مواجعى..

و يدها القاسية تشدٌنى لواقعى المرًُ البخيل .

و صدى صوت الأغانى الحزينة ..

و لحظات الشجن الدفينة ..

و صرخة من القلب تنبىء عن موت الحلم الجميل .

أفيقُ على وشوشات القلم للأوراق ..

و كلمات كالسًٌم أبحثُ فى حروفِها عن ترياق ..

فلا أجد غير ليلٍ بالهمومِ ثقيلاً .. طويل .

أكان مكتوباً أن أعتنق السراب ..

و أسبحُ له على رمال العذاب ..

و أضيعُ فى صحراء الوهم .. ولا وصول ..؟

فلا أنا أُنْهى المأساة ..

ولا شمس الأحزان تَشرعُ فى الأفول .

أكان مُقدراً عشقُ المحال ..

و أن أبنى قصورى فى الخيال ..

و يستهوينى الفراش الذى ينام على وسادته المجهول ..؟

أم أننى أدمنت وجع الموت ..

أمارسه كل ليلة صورةٍ و صوت ..

حتى يأتينى طائر الفجر يهمس فى أُذنى ..

و يقول ..

نم .. يا شاعراً .. و عاشقاً ..

صورته قصائدُ العشقَ قاتلاً .. وهو المقتول .

(( **- ليلة من ليالى الوجع -** ))

فى ليلة حزنى .. أتذكر ..

بعضاً من ماضى سنواتى .

تدمع عينى .. أتحسر ..

و أوارى وجهى فى كفي .. خجلاً من ذاتى .

و من بين خطوطى فى راحتيًَا ..

تخرج رائحة أقدارى ..

من طفلٍ فارقنى طويلاً .. لعجوزاً اّتِ .

أتدثر همًْى .. و أستفسر ..

ماذا فى عمرى إخترتُ ..؟

لا إسمى .. ولا لونى و رسمى ..

و لا تاريخ ميلادى .. أو يوم وفاتى .

ما أخترتُ وشم الأحزانَ على جلدى ..

و لا أخترت أنفاس العشق فى صدرى ..

و دوما ماً تختارُنى حماقاتى .

أنا المجبور على فعل الحياة ..

و لستُ فاعلها ..

أنا المقهور .. أنا المهزوم ..

رغم الزيف فى إنتصاراتى .

أخرجتُ وجهى من كفى ..

و دعوت النوم أن يأتى ..

فسمعت الليل يسخر منى ..و يسألنى ..

أسئمتَ الموت فى أوقاتى ..؟

أنظر للنجم من خلال نافذتى ..

فأراهُ يومضُ .. و يرمينى ببعض البريق ..

كأنما يشفقُ على حالى .. و يُسرعُ فى مواساتى .

أرتد للفراش أصرخ ..

أهرب ..

و أعض وسادتى وجعاً ..

و أُطلقُ العنان لخيول اّهاتى .

تغزونى الليلة جحافل الأشجان ..

و قد عادت من السفر الطويل ..

لتصلبنى فى حكاياتى .

و صوراً من العهد القديم ..

و نقوشاً من التراتيل ..

و أغانى الزمن الجميل ..

وهمسُ أمرأة فى أُذنى .. أحبك حياتى .

أتعقب خطو الهمس لعلىًَ أعرفها ..

فأرانى موهوماً .. غارقاً فى خيالاتى .

ألملمُ فوق السطور ملامحها ..

أتعقبُ حروف إسمها فى ذاكرتى ..

أركضُ خلف مشاعرها فى دروب كلماتى .

و أرسمها ..

رويداً .. رويداً ..

رأيتها تجلس فوق طاولتى ..

و تمسكُ بيدها الصغيرة محبرتى ..

و تغمسُ ريشة الدفء فى لون نبضاتى .

و تمسح على رأسى المجهد ..

و تأخذنى على صدرها الناهد ..

و تربتُ فى رقة الأم على ظهر لحظاتى .

تقول لى معاتبةً .. متى تهدأ ..

متى تخلع رداء الحرب عن نفسك ..

متى يا حبيب العمر تكُفًُ عن الغزواتِ ..؟

و أبكى حين أرد عليها ..

و لا أراها .. سوى طيفاً ..

قد رحلت من قبل أن أشرعُ فى إجاباتى ..!

(( *** حيـــن أكــــون معــــك *** ))

حين أكون معكْ ..

أملكُ كل الكون وحدى ..

و أعرف أنى مثلُ الخاتم فى أُصبعكْ .

ملكاً أنا على بقاعِ الأرض ..

لكننى مملوكاً بصك الهوى لكْ ..

مسحوراً بكْ .. حين أسمعكْ .

و أدعوا كل نساء العالم تأتى ..

تشهد أنكِ أجمل أنثى ..

فما أبهاكِ .. و ما أروعكْ .

حين أكون معكْ ..

تدخلُ أنفاسكِ صدرى ..

يرقص قلبى نشواناً فى أضلعكْ .

كطفلٍ غجرى يركض مرحاً ..

و يهللُ فرحاً .. لو يدخل مخدعكْ .

يمشى برفقٍ مثل الطائر فوق فراشك ..

ينثرُ زقزقات العشقَ على مسامعكْ .

كأنما جاء للحب يدعوك ..

و يطلبُ المستحيل ..

حين من الجوع يسأل أن يرضعكْ .

حين أكون معك ..

أضحك لو تضحكين ..

و تضحك السماء معى ..

و أبكى .. و يبكى الكونَ فى مواجعكْ .

كأنًَ اّلامكِ تمزق روحى ..

و تتجمع سحابات حَزَنى فى مدامعكْ .

فأمسحُ بيديًا على يديكِ ..

و أغرقُ فى مقلتيكِ ..

و الحبًَ ينثركِ على دربى و يجمعكْ .

حين أكون معك ..

و أغضبُ منكِ .. أثورُ عليكِ ..

و أدخل صدرى لكى أقلعكْ .

يبكى قلبى ..

و يرجونى صبراً ..

و يظل يُلاحقنى حتى ألين و أُرْجعِكْ .

فقولى ما بينى و بينكِ ..

ماذا فعلتى ..

لكى أخلعُ نفسى عن عرشى و أزرعكْ ..؟

(( **- وداعاً حبيبى -** ))

حبيبى..

و أخر المرات منى ستسمعها ..

و أخر المرات سوف ترانى .

حبيبى ..

عندى كلاماً كثيراً ..

و دمعاً كثيراً ..

ووجعاً كثيراً ..

و ها قد ذاد عليهم منكَ حرمانى .

حبيبى ..

و لأول المرات يكون لى حبيب ..

كأن وجهك حين مر أمامى ..

أخبرنى أنى أنثى ..و فسًر تفاصيل كيانى .

وخرجتُ من بين أصابعك إمرأة أخرى ..

أشربُ من لون الحبر فى قلمك ..

يا أجملُ إحساساً مرًَ فى عمرى ..

ويا أحلى عطراً سافر فى شريانى .

موسيقى الحرف على شفتك ..

تسمعها أذنى .. تأكلها شفتى .. يتلذذها لسانى .

أه يا رجلاً دوخنى ..

ضيعنى ..

فى بحر هواه .. و مزًَق عنوانى .

حتى تركت مدائن مملكتى ..

خلفى ..

و جئت على بابك أعلن أنك فارسُ أزمانى .

يا رجلاً ..

صَمَتَ فأسمعنى شعراً ..

و نطقت عيناهُ فذوًَبَ أشجانى .

لا أدرى حين أقابله ..

هل مثل الناس أنا أعشق ..

أم أن العشق لديه مذاقاً ثانى .؟

لم أعرف أن الحب عميقاً ..

و رقيقاً ..

من فرط الرقة أبكانى .

و هل كل الإناث هكذا دوماً ..

تنتابهم أحلامُ اليقظة ..

و تغشاهم ملائكة الهوى كما تغشانى .؟

الله حبيبى حين تهمس و أنت المَلك ..

فى خجلٍ ..

و تقول عيناك الجميلة .. أنك تهوانى .

أخرجُ من مدار الأرض عاريةً ..

أغزل من ضوء القمر فُستانى .

و أراها وسادتى على مدى صدرك ..

و نكهة تبغك تُغرى ثغرى ..

و دخانك الأزرق صار برفانى .

حقاً .. أنت حبيبى ..

و يكفينى فرحاً ..

أنك يوماً فجرتَ ينابيعُ حنانى .

حبيبى .. الوقت يمضى ..

و قد جاء الأن موعد رجوعى زنزانتى ..

و خلف الباب يقف بالسوط سجانى .

سأعودُ كما كنت نهاراً حجرية ..

و سأحفظ حبك فى ذاكرتى الأبدية ..

وأعيشك دوماً ما بين حُلمى و هذيانى .

و سأرحل مهما رحلتُ ..و أنت لديًا ..

مالك أمرى .. و مليكى .. و سلطانى .

وداعاً حبيبى ..

سأمضى ..

و سألقاك فى ليلى ..

فلا تنسى أنك فى قلبى ..

و أرجوك حبيبى .. لا تنسانى .

(( **- ندوب على وجه القمر - ** ))
**-**-**-**

قالت ..
سألتُكَ عنك .. فلم تجبنى ..
أترانى سألت الليل عن سر القمر .؟
أم أنه الغموض ملامح روحك ..
وستاركَ الذى به تستتر .؟
سكتت هُنيهة ثم عادت ..
يقولون أنك تقتل أحبابك ..
و تصلبُ أرواحهم على بابك ..
و تشرب من دماهم نخب المنتصر .
و أنك تُشعلُ نارا كبيرة ..
ترميهم فيها حيرة .. و غيرة ..
و تضحك مثل المخمور و تتهمُ القدر .

ضحكتُ ..
و الدمع فى العين يروادها ..
وأجبتُ .. يا صغيرة بالمختصر .
أنا وجه الحقيقة الذى من كثر ما أضاء
عميت عنه أبصارُ البشر .
أنا الصدقُ الذى أمنت به الأوراق ..
و عاهدته الحروف على الوفاء ..
فما خانها يوماً أو غدر .
أنا مثل كل الأشياء الجميلة ..
و النبيلة ..
التى هجرت الأرض أو صارت حجر .
يا صغيرة ..
هاك عينى فأنظريها ..
حدقى فيها ..
ليس فيها شيئاً خطر .
كل الذى هناك .. زمان فات ..
و ذكريات ..
و أسماء من على القلب تركوا أثر .
و هاك ضلوعى .. أدخليها ..
و بعثرى ما فيها .. و لملميها ..
و حاذرى على قلبى المُنكسر .
ولا تقربى أنهار الدمع فى صدرى ..
هى لى وحدى ..
على شطاّنها تنبت الأوجاع مثلُ الشجر .
فى الصدر غابات من الأحزان ..
و الهذيان .. و الألام ..
و فيه طول المواسم لا ينقطعُ المطر .
و فيه أنا المسكين الذى رحل مع الأنين ..
و ما عاد منذُ الرحيل ..
و لا عرفت عنى خبر .
و عمرى المهاجر عبر تلال الحنين ..
إلى ماوراء السنين ..
و لا أدرى متى يعود من السفر .
يا صغيرة ..
أنا ما أغويت عشاقى برفقة ليلى ..
و لا ذبحتُ أعمارهم مثلى على مقصلة السهر .
وما فتحتُ لهم أبوابى ..
وما خدعتهم بجوابى ..
و لا ملأت كؤوسهم بسرابى ..
قد كنت مثلُ القمر أشاركهم حفلات الضجر .
يقولون أعزف لنا ..
و تلك قلوبنا ..
فأمدُد أناملك و لامس فينا الوتر .
ويضحكون .. و يمرحون .. و ينامون..
و يحلمون ..
و يتركوننى وحيداً فى المدى شارد البصر .
أتوهم أشياءاً .. و أسمعُ أشياءاً ..
و أقاتلُ أشياءاً ..
ما رأيتها ولا رأتنى ..
و أحلم بأن يعود عمرى .. و أنتظر .
يا صغيرة ..
إمضى عنى .. و لا تسألينى ..
و لا تثيرى فى النفس شجونى ..
كفانى جنونى خلف حلمى الذى راح و أندثر .

صبرا صديقتى ..

كل الدى تتخيلينه الأن عنى .. كان ..

و صار أطلالا قد طاها ناب الدمار .

كل الذى تتدخليه الأن فى مدنى ..

أنقاضا هجرتها البلابل .. و الزنابق ..

و عافتها الطيور و الانوار .

كل الذى ترينه حطام قلب ..

و اكفان تضم رفات ذكرى ..

و فتات مشاعر .. وبقايا اشعار .

ما عاد فى جوفى غير قبرى ..

احمله و أمضى ..

و أرحل بالسنين الباقيات نحو القرار .

أنتظر كل صباح ومساء ..

أن يأتى بريد الموت ..

و أزرع حولى أشجار السنط و الصبار .

فلا تنكأى الجراح بعفوية ..

قاتلة يا صديقتى أوجاع الكبار !

دعى كل شىء كما هو و ارحلى ..

فأجمل ما عندك و أحلاه ..

هو عندى بطعم المرار !

صعب جدا أن نكون صدقينى ..

و عسيرا أن نلتقى فى حوار !

لا تسألينى عن الأسباب ..

ففى هذا القلب الواهى ألاف .. الاف الأسرار .

أخاف عليك منها ..

و أخشى عليك السير فى كتابى ..

مشطورة بين أحرف الخوف .. وبين سطور الانبهار !

ستكرهينى .. و تعشقينى ..

و تأخذك الحيرة مثل دوامات البحار !

صعب أن تتفهمى تاريخى ..

و أن تصدقين ما تقرأين فى الأسفار .

أنا فاتح الألف مدينة ..

و أنا قرصان الألف سفينة ..

و انا عاشق الألف جميلة ..

و أنا الذى ترينه الأن بنهاية المشوار .

مصلوبا على جدار الزمن ..

مقهورا أجتر العمر اجترار !

لا تنظرى الىُ هكذا عجبا ..

قد كنت موجودا مثل الهواء ..

لا يقف فى وجهى بابا أو جدار .

كنت ترنيمة الحب والعطاء ..

و تميمة كل أنثى فى المساء ..

و لمسة الدفء تحت الدثار .

كنت رب أرباب العشق أوزعه ..

على العاشقين بحكمة .. و اقتدار .

هنا نظرة .. هنا بسمة ..

هنا لقيا .. هنا لوعة ..

و هناك ريحا للشوق و اعصار .

فى كل مقلة تريننى .. وعلى كل شفة ..

كنت همس القرط المدلى للأذن ..

و بوح العقد للجيد ..

و غرام المعصم و السوار .

فى قوارير العطر تركت عبقى ..

و فى أقلام الروج سكبت دمى ..

و فى الملاءات رائحة عرقى ..

و لى فى كل فراش مقام و مزار .

كنت الحب فى كل شىء ..

فى الرجل المتعب أمام المدفأة ..

و فى الراقص و البرد القارص تحت الأمطار .

فى الورع القائم يتعبد ..

و فى الفاسق بالليل يعربد و يهتك الأستار .

كنت الحقبقة فى الهوى .. وكنت السراب ..

كنت جلاء اليقين .. و كنت الضباب ..

كنت أول أنبياء العشق .. و أخر الكفار !

كنت الرجل الذى ما أمن يوما لأمرأة ..

و ما نام يوما بغير أمرأة ..

مشدودا نحو الجنة .. مزروعا وسط النار !

ما من شعور فى الحب الا و كنت به ..

و عشقت حواء بكل الأعمار .

لكن رغم حضورى الدائم هذا ..

ما كان لى أبدا خيار !

و لديك الأن فرصة فاغنميها ..

و أحسنى يا صديقتى الأختيار !

أنتظرى صغيرتى ..

لم أسمح لك بالخروج بعد .

إنتظرى ..

فما تجاوزت حين ناديتك صغيرة ..

لكنما المقصود فيها ود .

ورغم كل الذى سمعته منك عنك ..

مازلتى الأميرة ..

و الكون جميعه لك مملوكاً وعبد .

و لاتحسيبنا جميعاً سعداء ..

فمنًَا المكسور قلبه ..

و الفاقد دربه ..

و الموشوم بالأحزان على القد .

و فينا الباكى على حبه ..

و العاصى ربه ..

و فينا من أنزوى خلف أسواره ..

و من بنى على قيد الحياة له لحد .

جميعنا فى درب الوجع أصدقاء ..

نتشارك الهموم فى المساء ..

من الهذيان ..لا نعرفُ لهواً من جد .

نتجرع كؤوس الوهم و ننتشى ..

و نقيمُ ما بيننا و بين الواقع سد .

نستمسكُ فى أطراف الليل ..

نسألها الستر علينا ..

نخافُ أن يطلُعُ علينا غد .

هذا أنا ..

أرى الجحيم فيما يراهُ الناس مجد .

ملكاً على مملكة من الأوراق ..

تُمطرنى بنزيف الجراحات يوماً ..

و يوماً تُزيننى بأطواق الورد .

و حيناً تغتالنى ليلاً ..

وترمي بقايا للبحر ..

يحملها ما بين جزرٍ و مد .

و شهوراً تغلفها غيمات البكاء ..

و ما من لحظات يسقطُ فيها الدمع على الخد .

و إن كفرت بكل أصنامها العظام ..

صرخت فى وجهى .. مرتد .

و تُجمعُ حولى عُبًَاد الليالى ..

و على الملأ ..

تقطع رأسى لتُقيمُ الحد .

الأن يمكنك الرحيل ..

أو البقاء ..

لك الأمان .. و لك عندى عهد .

أن أراك بغير العيون التى رأتك ..

و أن أبقيك فى الذكرى سنيناً ..

و إلى ما يشاءُ العد .

شريطة أن تعطينى الأن وعداً ..

بأن لا أقرأ منك بعد اليوم رد .

(( **- سلام الله - ** ))
**-**

الأن أدعو الله سيدتى ..

فى سرًى .. و علانيتى ..

أن تنتهى عند هذا الحد بنا المأساة .

قبلما ننظرُ فى عيوننا خجلاً ..

و الحب أسفل مضاجعنا مقتولاً ..

و نقبل الخضوع و التسليم لشروط الأه .

فتعالى نمضى من حيثُما جئنا ..

نندسُ فى زحام البشر ..

و نتوه مرغمين فى طرقات الحياة .

و نحفظُ أخر ما تبقى من مشاعرنا ..

و الباقيات فى صدورنا من أنفاس المحبة ..

و بعض الملامح من طفلنا الذى تاه .

أتدرى ..

بعضُ الليالى كنتُ أبكى ..

حين أتخيل بدايات العشق فينا .. و أيام صباه .

و كيف أحببتك بكل العنف ..

و كيف قتلت و قتلنى لأجلك الخوف ..

و سمعتُ نبض قلبى فى صدرك صداه .

و كيف واجهتُ وحدى قبائل الكراهية ..

و صارعتُ تنين الحقد على باب مدينتنا ..

و طهرت شوارع مشاعرنا من كل البُغاه .

و أجلستك بكل الود على عرشى ..

و أسلمتك مفاتيح قلبى ..

و الأمرُ أمرك فيما تراهُ العيون و ما تقولُ الشفاه .

و لأن كل شيىء ٍ فينا يتغير مع الزمن ..

و لأنك تجيدين صناعة الأوجاع و الشجن ..

فقد جاء اليوم الذى كنت أخشاه .

الأن يا سيدتى سوف أمضى ..

راحلاً إلى أين .. لست أدرى ..

ففضاءُ الحزن مفتوحاً على السنين مداه .

دعينى ألملم أوراقى ..

و أملأ بصورك أحداقى ..

و أحمل فى حقائبى الألم ..

يتقدمنى الندم .. و أتبعُ خطاه .

و حين تمرين بالبيت يوماً ..

فأنثرى بعد الزهور على الأطلال ..

و أطلقى بعض البخور فى زواياه .

و تذكرى .. أن هذا البيت ..

كُنًا من نبضات القلب .. و دفقات الدم ..

و سهر الليالى .. و السهد .. كًنًا بنيناه .

و قد صار اليوم أكوام من رماد الذكريات ..

تبكى الأحلام و الأمنيات .. و تنعى من بناه .

فسلامٌ عليكِ .. من قلبى الذى فارقته ..

و تركته لديكِ ..

و رحت أبحثُ فى الغيب ِ عن قلب ٍ سواه .

عليك .. سلامُ الله .

» ديوان الشاعر يسرى الأرنب
» ديوان الشاعر أبو العلاء حرز
» ديوان الشاعر ابن سينا
» ديوان الشاعر عمر عبد التواب مجاهد
» ديوان الشاعر الشريف حسن الغالبى