هويدا رأفت الجندى مراقب عام
عدد الرسائل : 4821 بلد الإقامة : مصر احترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 10157 ترشيحات : 11 الأوســــــــــمة :
| موضوع: عوامل تطور الدلالة 15/5/2010, 13:55 | |
| عوامل تطوّر الدلالة
قبل الحديث عن عوامل تطوّر الدلالة لا بدّ من التعرُّف على هذا المفهوم؛ فالعوامل هي الأسباب المؤثِّرة الظاهرة، وعند نقول عوامل تطوّر الدلالة فإننا نقصد المؤثرات التي تؤدي إلى تطوّر دلالات الألفاظ وتغيُّر وجه اللغة عبر التاريخ، فمن المعروف أن اللغة العربيّة كائن حي ينمو ويتطوَّر مع الظواهر الاجتماعيّة والتاريخيّة والنفسيّة كنتيجة حتميّة لنمو النشاط الإنساني، وبمرور الزمن لابدَّ أن يطرأ على ألفاظ هذه اللغة بعض التطوّر والتغيير، فهناك أشياء كثيرة تُجدُّ وأحوال تنشأ وأفعال تُستحدث ومعان تتولَّد وتساهم في عمليّة التطوير والتغيير والذي غالباً ما يسير ببطء وتدرُّج ويستغرق وقتاً طويلاً لا يستطيع الإنسان أن يحس به أو يلحظه بين يوم وليلية. وأكد أغب اللغويين أن انتقال اللغة من جيل إلى جيل يُعدُّ من العوامل المهمّة في تغيير المعنى وتطوّره من خلال الانحرافات المستمرّة، فالألفاظ التي كانت تستخدم في العصر الجاهلي لم تبق جامدة في العصر الإسلامي، وإنما تحرَّكت وأخذت دلالات جديدة، على سبيل المثال أصل العقر هو ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف وهو قائم، اتسع هذا اللفظ حتى استُعمل في القتل والهلاك. فالألفاظ من أكثر العناصر اللغوية استجابة للتغيير لأنها لامكن أن تظل في قوالب ثابتة، فهي قابلة للتأثّر بالزمن وأطواره التاريخيّة، فالعلاقة الاجتماعيّة والصناعيّة وتطوّر العلوم والثقافة تعمل على تغيير المفردة إلى دلالة أُخرى. مع أن العلماء القدامى أقرّوا بهذا التطوّر إلا أنهم قصروه على مرحلة ما قبل عصر الاحتجاج، واعتبروا أي تطوّر بعده مولّد أو لحن، ولذلك وقف الأنبا ري مدافعاً عن اللغة العربيّة عندما وصف من يحاولون تشويه العربيّة والاعتداء عليها وهم أهل البدع والرّزع ولا يُحتَجُّ بألفاظهم، وهو يقصد بذلك الشعوبيين. ومن العلماء من أنكر هذا التطوّر ولم يعترف به كابن فارس الذي يقول بتوقيفيّة اللغة . والحقيقة كما أشرنا لها أن تطوّر الدلالة في اللغة موجود وهذا أمر طبيعي ولو أنكره المنكرون، فاللغة مهما أُحيطت بسياج من الحرص والمحافظة على خصائصها إلا أنها في تطوّر مستمر، فهي ليست إلا عادات صوتيّة تؤديها عضلات خاصة يتوارثها الخلف من السلف، غير أن تلك العضلات لا تؤدي تلك العادات الصوتيّة بصورة واحدة في كل مرة، وقد يلحظ عالم الأصوات ببعض الفروق الدقيقة بين نطق أبناء اللغة الواحدة في البيئة الواحدة . أسباب تطوّر الدلالة :
تعود أسباب تطوّر الدلالة اللغوية لعدة عوامل خارجيّة وداخليّة منها :
أولاً : العوامل الخارجيّة، ويمكن حصرها في :
1 ـ العوامل الاجتماعيّة :
تتمثل العوامل الاجتماعيّة في: أ) العلاقة بين أفراد المجتمع الواحد من حيث السلوك والثقافة وأساليب الحياة المختلفة. ب) ويدخل فيها الانتقال من بيئة إلى أُخرى، سواء كان هذا الانتقال طوعي أم كان قصري، فنزوح شعب ما من بيئة إلى بيئة جديدة يعمل على تأثّر أصوات تلك اللغة بأصوات المحتلّين أو النازحين. ج) و مما يؤثّر في تطوّر الدلالة مكان السكن، فالسكان الذين يعيشون في المدينة أو في مجمّعات إسكانيّة أو في المخيّمات، تُخلق بينهم لغة مشتركة، كاستخدام أصحاب المجتمع المخملي لبعض الألفاظ الوافدة من لغات أجنبيّة فنسمع في مجتمعهم يستخدمون بليز وأُكّي ونو و ون منت و أنكل وغيرها، وبذلك تزداد سرعة التطوّر بازدياد عدد المتحدّثين بها. د) الفهم الخاطئ لدلالات بعض الألفاظ أو الابتذال الذي يصيب بعضها. هـ) كما تلعب الحاجة دوراً بارزاً في خلق بعض الألفاظ التي يحتاجها الإنسان لمواكبة تطوّرات العصر في مختلف الميادين الاجتماعية والسياسيّة والاقتصاديّة نحو الغسّالة والثلاجة والخلوي والموبايل وغيرها، وهذه المهمّة أصبحت تقوم بها مجامع اللغة العربيّة. و) ومما لا شكَّ فيه أن استخدام الكلمات في معنى مجازي يؤدي إلى انزياح المعنى الحقيقي وثبوت المعنى المجازي لارتباطه بأذهان الناس، فالوغى هو في الأصل اختلاط الأصوات في المعركة، إلا أنه أخذ مدلولاً آخر يدل على الحرب نفسها عندما تقول ساحات الوغى.
2 ـ العوامل النفسيّة :
تتمثل العوامل النفسيّة في العواطف والمشاعر الإنسانية كالتفاؤل والتشاؤم، فتقول للملدوغ السليم من باب التفاؤل في الشفاء، ولا نذكر مرض السرطان تشاؤماً فنقول المرض الخبيث.
3 ـ العوامل التاريخيّة :
من العوامل التاريخيّة التي تؤثّر في تطوير الدلالة إحياء الألفاظ القديمة والعودة إليها، حيث كانت تلك الألفاظ تدل على شيء ما فانقرض لسبب ما، تمَّ إحياء هذا اللفظ لسد النقص في الثروة اللغويّة على أن يتوفر عنصر المشابهة بين اللفظ القديم الذي له الاسم، والشيء الجديد الذي صار له نحو؛ الدبّابة والبريد.
ثانياً : العوامل الداخليّة والخاصّة :
تتمثل العوامل الداخليّة والخاصّة في الأصوات اللغويّة والتراكيب والعناصر النحويّة وصيغ الكلمات ومعانيها. فالتطوّر الصوتي في بعض الألفاظ يخلق ألفاظاً جديدة تشبه ألفاظاً أُخرى فتكتسب معناها نحو لفظ القماش الذي يعني في اللغة العربيّة أرذال الناس وما وقع على الأرض، والقمش الرديء من كل شيء والجمع قماش ، و " كلمة كماش الفارسيّة تعني نسيج من القطن، فتطوّرت الكاف فيها فأصبحت قافاً، وبذلك أصبحت قماش تدل على المنسوجات ". لقد ذكرنا أن الاستعمال المجازي من العوامل الخارجيّة التي تساهم في تطوّر الدلالة اللغويّة وهو كذلك من العوامل الداخليّة. |
|