هويدا رأفت الجندى مراقب عام
عدد الرسائل : 4821 بلد الإقامة : مصر احترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 10157 ترشيحات : 11 الأوســــــــــمة :
| موضوع: علم الدلالة 15/5/2010, 13:50 | |
| علم الدلالة
أولاً : عند الإغريق
من الطبيعي أن تكون الدلالة من أهم الموضوعات التي تشغل فكر الإنسان منذ القدم ، ولذلك كان للإغريق أثر واضح في بلورة مفاهيم لها ارتباط بعلم الدلالة ،فقد اهتم الفلاسفة القدماء بموضوعات اللغة وتحدّثوا في صميم علم الدلالة عندما ربطوا بين اللفظ ومدلوله ،وأولوا الكلمة اهتماماً كبيراً لارتباطها بسلوك الإنسان ،فلا تحضر الصورة إلى الذهن إلا حين النّطق بها . فرأى أرسطو أن المعنى يتطابق مع التصوّر الموجود في العقل ، وتكلّم عن الصوت والمعنى وميّز بين الأشياء في العالم الخارجي والمعاني والأصوات ،ويرى أن الصِّلة بين اللفظ والدلالة علاقة اصطلاحيّة ناتجة عن اتِّفاق وتراض بين البشر ،بذلك فتح باب النقاش حول الدلالة والمعنى ،كما تعرَّض أفلاطون إلى قضيّة العلاقة بين اللفظ ومدلوله ،وأكّد أن العلاقة بينهما طبيعيّة ، هذه العلاقة كانت واضحة منذ نشأتها ثم تطوّرت .
ثانياً : عند الهنود
أهتم الهنود بلغتهم مبكراً ،وقاموا بدراستها للحفاظ على كتابهم المقدَّس " الفيدا " فبحثوا في نشأة اللغة واكتساب بعض الأصوات لمعانيها ،وفي ذلك انقسموا إلى فريقين ؛ الأول قال : هي هبة الله اكتسبها الإنسان بالإلهام ، بينما قال الفريق الثاني : أنها اختراع البشر وضعت بالمواضعة. كما ناقشوا قضيّة اللفظ والمعنى واختلفوا في آرائهم ؛فمنهم من قال : أن اللفظ والمعنى لا ينفصلان عن بعضهما ، ومنهم من قال : أن العلاقة بين اللفظ والمعنى علاقة فطريّة وطبيعيّة ، وبعضهم قال : أن العلاقة بين اللفظ والمعنى علاقة ضروريّة ،كما أوسعوا النِّقاش في أنواع الدلالات للكلمة حتى توصّلوا إلى أربعة أقسام هي : قسم يدل على مدلول عام أو شامل ،نحو ؛ لفظ رجل ،وقسم يدل على مدلول كيفيّة ،نحو ؛ كلمة طويل ،وقسم يدل على حدث ،نحو ؛الفعل جاء ، وقسم يدل على مدلول ذات ،نحو؛الاسم محمد .
ثالثاً : عند العرب القدماء
يعتقد الكثير من الباحثين أن علم الدلالة لم تعرفه العرب ،وكأنَّهم لم يقرءوا التاريخ ،أو أنهم تنكّروا لهذا التراث العظيم ،وهذا فيه ظلم إجحاف بحقِّ علمائنا وجهودهم في اللغة ،فقد اهتمّ علماء العربيّة في البحث الدلالي بدافع ديني لما يؤديه من دور كبير في فهم الخطاب القرآني ،وما يتمثَّل في المحافظة على لغة القرآن الكريم لصحة تلاوته واستخلاص الأحكام الشرعيّة منه .وكان الخوف من اختلاف المعنى أو إفساده في تلاوة القرآن بشكل غير صحيح أكبر الأثر في الاهتمام والنهوض بعلم اللغة ،ولذلك ناقشوا إعجاز القرآن ومعاني الغريب فيه . انعكس التفكير اليوناني على تفكير علماء العربيّة ،منهم من انتصر إلى رأي أفلاطون في تحديد العلاقة بين اللفظ والمدلول،فقد عقد ابن جنّي في خصائصه فصولاً للكشف عن العلاقة بين اللفظ و المدلول وأكدَّ أن هذا الموضوع شريف لطيف ،وقد نبَّه عليه الخليل وسيبويه وتلقته الجماعة بالقبول له والاعتراف بصحَّته ،وقال الخليل : كأنَّهم توهَّموا في صوت الجندب استطالة ومد ،فقالوا صرَّ ،وتوهَّموا في صوت البازي تقطيعاً فقالوا صرصر . ونرى ابن جنِّي يوافق رأى سيبويه في المصادر التي جاءت على وزن فعلان من أنها تأتي للاضطراب والحركة نحو؛ ثوران وغليان ، فهو يذهب إلى وجود علاقة بين اللفظ ومعناه . وتحدَّث كثيراً في الأصوات التي تتقارب مخارجها تتقارب معانيها وفي ذلك قال : الهمزة أُخت الهاء ومن ذلك قوله تعالى : " ألم تر إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزُّهم أزّا " ،أي تزعجهم وتقلقهم ،وهذا في معنى تهزُّهم هزَّا ،فتقارب اللفظان لتقرب المعنيين ،وكأنهم خصّوا هذا المعنى بالهمزة لأنَّها أقوى من الهاء ،وهذا المعنى أعظم في النفوس من الهز ،لأنك قد تهزُّ ما لا بال له كالجذع وساق الشجرة . كما بحثوا في الوضوح والغموض والصحة وعدمها وما تتعرَّض له دلالة الألفاظ من تحوّل في المعنى إلى معنى آخر،كما درسوا أسباب هذا التحوّل ومظاهره ،فنظروا إلى الألفاظ من زوايا متعدّدة ليتَّسع نطاق الدراسات اللغويّة ،وشكَّلت العلاقة الدلاليّة محور اهتماماتهم اللغويّة ،فدرسوا أُصول الألفاظ وميّزوا بين اللفظ الذي تعدّدت معانيه والمعنى الذي تعددت ألفاظه واللفظ وضدّه ،وما استعمل من الألفاظ على حقيقة معناه وما استعمل مجازًا أو ما تطوّر من معاني الألفاظ من الخاص إلى العام أو المعنى العام الذي خصص . ولهذا قسم الجرجاني المعاني إلى قسمين ؛المعاني المعجميّة والمعاني التخيليّة " وهي أن تقول المعنى ومعنى المعنى ،تعني بالمعنى لا مفهوم من ظاهر اللفظ الذي تصل إليه بغير واسطة ،وبمعنى المعنى أن تعقل من اللفظ معنى ثمَّ يفضي بك ذلك المعنى إلى معنى آخر . هذه الاهتمامات والدراسات وضعوها في مصنَّفاتهم فشكّلت اللبنات الأساسية والخطوط العريضة لعلم الدلالة ، وعلى رأس هذه المصنّفات كتاب الغريب لأبي القاسم بن سلام ـ 224 هـ والألفاظ لابن السكيت ، وأدب الكاتب وغريب الحديث ،وكتاب الخصائص لابن جنّي الذي عقد فيه أربعة أبواب لها علاقة في علم الدلالة هي؛باب تلاقي المعاني على اختلاف الأصول والمباني وباب الاشتقاق الأكبر وباب تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني وباب إمساس الألفاظ أشباه المعاني ،كما وضع ابن فارس معجم المقاييس الذي كشف فيه عن الصلات القائمة بين الألفاظ والمعاني ،ووضع الزمخشري معجم أساس البلاغة للتعريف بين المعاني الحقيقيّة والمجازيّة ،وتحدّّث عبد القاهر الجرجاني عن دور السياق في الإبانة عن المعني من خلال نظريّة النظم ،كما وضع الثعالبي فقه اللغة وأسرار العربيّة ، وجلال الدين السيوطي وضع المزهر في علوم العربية ، وغيرهم الكثير ، هذا التراث العربي العظيم يؤكد مدى اهتمام علماء العربيّة القدماء في دراسة اللغة العربيّة وحرصهم على حمايتها من العابثين . |
|