خلي السلاح صاحي (الحلقة العاشرة)

إلى من يختصرون التاريخ . إلى من يريدون محو صفحات مضيئة من تاريخ الأمة . إلى الحاقدين على الوطن . إلى من يقومون بتخطي وتزييف وتشويه نضال الشعوب العربية . إلى من يقدمون للعدو خدمات غير مدفوعة الأجر وأحياناً مدفوعة . إليهم أقدم ومضات سريعة على سجل حافل من الكرامة العربية . يعجز التاريخ عن حصره بأكمله أو إحصائه . هذا السجل لشعب دفع ومازال يدفع فاتورة العروبة حتى الآن . أنهم رجال 48 ورجال 56 وهم من ذاقوا طعم المرارة في 67 وأذاقوا العدو الذل والهوان في سنوات حرب الاستنزاف . وهم أبطال العاشر من رمضان السادس من أكتوبر 73 وهم من كسروا غطرسة وغرور العدو الصهيوني في ( 6 ) ساعات . إليكم أخواني وأخواتي أتقدم بهذه الحلقات والتى أتمنى من الله أن تنال ولو القليل من استحسانكم .

=======================================

السرية 31 استطلاع

طريقك طويل يا غالية . طريق صعب وأنا فيه للنهاية . دمي وروحي فدا

دمعة حزينة . من قلبك الغالي . والمر في عروقي . حتى أحقق حلمك

الغالي . ... كانت هذه هي الكلمات التي يتغنى بها المجند ( أمين

المصري ) وهو يسير في صحراء سيناء . ومعه ثلاثة من زملائه

والضابط حمدي قائد السرية 31 استطلاع . المهمة رصد جميع مواقع

العدو في المنطقة التي حددتها القيادة لهم وأيضاً جميع بيانات عن

تحركات العدو ومواعيدها . هؤلاء الرجال قد اعتادوا على هذه المهام

وراء خطوط العدو . أصبحت روتين محبب إلى قلوبهم . المهمة هذه

المرة طويلة بعض الشئ . فهم مطلوب منهم التواجد خلف العدو لمدة

ثلاثة أشهر . مرت سنتان منذ هزيمة 67 . الإمداد والتموين بالنسبة لهم

مقطوع مع بدء العملية . فهم قد اعتادوا على العيش على أكل الشوك

والفئران والثعابين . هم رجال كالأشباح في النهار . يجيدون التخفي

والتمويه . وفي الليل يتقافزون على رمال سيناء وجبالها كالغزلان . لا

يسمع لهم الحفيف حتى وهم يجوبون داخل مواقع العدو يشاهدونا عن

كثب .

الزمان الآن : 1969 . الساعة الثانية ظهراً . شهر يوليو . درجة حرارة

الرمال المنبطح عليها الرجال ساخنة جداً .

الضابط حمدي : لا يتحرك أحداً منكم حتى لا يلاحظنا من في الهليكوبتر

التي تحوم فوقناً .

الجندي أمين : ممكن أغني لهم يا فندم فتحدث لهم حالة قرف ويتركون

هذه المنطقة .

الضابط حمدي ضاحكاً : إياك يا أمين تعملها ستجتمع علينا الطائرات

والمجنزرات علاوة على الثعابين والسحالي المجودة في كل سيناء .

وهنا ضحك كل من الرجال المنبطحون على الرمال ولكن دون حراك .

رد أمين بصوت عالي فقد اقتربت الطائرة كثيراً منهم : عموماً يا فندم

الثعابين والسحالي ستكون فائدة لنا فهي ستكون مخزون تعيينات لمدة

شهرين .

ضحك الجميع رغم جدية الموقف ولكن هكذا يكون الرجال في أحلك

المواقف غير عابئين للموت . ولكن أمامهم الأهم وهي المهمة التي

أرسلتهم مصر لها . وبعد مرور الطائرة بدأ الرجال في التحرك . وبدءوا

يرصدون أحد المواقع التي أمامهم . يرصدونها بأقل الأجهزة المتاحة .

في الغالب يكونوا هم الأجهزة . حتى لا يحملون معهم ما قد يكون عبئ

عليهم في التحرك . فمثلاً المسافات فتكون من اختصاص مصطفى عداد .

هكذا يلقبونه . فهو يحمل في جيبه الكثير من الحصى الصغير ويعرف

مقدار خطوته وكل مسافة معينة يخرج من جيبه حصاة ويضعها في

الجيب الآخر . ليعرفون كم مسافة الكيلو مترات التي قطعت من هدف إلى

آخر . وإذا وصلوا إلى بئر أو حافة جبلية فهم يرمون بحجر في لحظة

تشغيل ساعة إيقاف صغيرة وعند سماع ارتطام الحجر بالماء أو الأرض

يتم إيقاف الساعة لمعرفة كم من الثواني كان سقوطها . ويتم حسابها

بالنسبة لعجلة السقوط ليعرفوا ما عمق الهدف . وعندما يريدون معرفة

ارتفاع مبنى فكان يزحف شخص منهم إلى حافة المبنى من اليمين أو

اليسار أيهما آمن والشخص الآخر من مسافة بعيدة معه عصا ويمسكها

من أسفل بحيث تكون رأس العصا من أعلى بمحاذاة أعلى المبنى وصباع

يده الممسك بالعصا بمحاذاة المبنى من أسفل ثم يميل بها لتكون أفقية

وعن طريق عينه بعد أن يبدأ الشخص الآخر بالتحرك حتى يأتي إلى

محاذاة طرف العصا وهنا تكون المسافة التي مشاها هي ارتفاع المبنى .

وهناك طرق كثيرة لقياس عرض بحيرة أو جدول ماء دون أن يعبر

الشخص إلى الجهة الأخرى وغيرها وغيرها . إنهم رجال يباهي بهم

الشعب التكنولوجيا والأقمار الصناعية . دليلهم في الليل النجوم

والبوصلة الصغيرة ومصطفى عداد . جلس الرجال ليأخذوا قسطاً من

الراحة . فهم عملوا طول النهار وجزءاً كبيراً من الليل .

وفي لحظة تلفت الضابط حمدي لم يجد الجندي ( أحمد عمر ) وقال : أين الجندى أحمد .

رد عليه أمين : قصدك ( أحمد تعيينات ) يا فندم ؟ أكيد يعدوا الآن وراء

فأر أو سحلية حتى يعد لنا مأدبة العشاء .

ولم يكمل كلامه حتى حضر الجندي أحمد تعيينات ومعه جوال كبير

مملوء وحقيبة متوسطة الحجم . ورمى لهم الجوال . فتحوه وجدوا طعاماً

كثيرة . هذه لحوم وتلك معلبات . وأكياس البسكويت بالشيكولاته . وعلب

اللبن المجفف . ووجدوا أيضاً ملابس عسكرية إسرائيلية وعددها

خمسة . فرح كل الموجودين بهذا الصيد الثمين إلا الضابط حمدي قال :

ماذا فعلت أيها الجندي ؟ وما هذه الحقيبة التي بيدك ؟

ألقى الجندي أحمد الحقيبة في المنتصف وقال : هذه هي المفاجأة .هدية

صغيرة لمصر يا فندم .

فتح الجنود الحقيبة وبسرعة دارت همهمة بينهم من يقول : الله يخرب

عقلك . ومن يقول : هل عدت لعادتك بذبح جنود الصهاينة مرة أخرى .

فقد وجدوا في الحقيبة : واحد وعشرون أذناً بشرية مقطوعة وكلها

الأذن اليسرى .

قال الجندي أمين موجهاً كلامه للضابط : إنها عادته يافندم في كل عملية

استطلاع نقوم بها . فقبل ذلك كان مطلوب منا قياس الأعماق للقناة من

الجهة الشرقية . وكنا نعبر سباحة ليلا أنا وهو في نقط معينة . كانت

أدواتنا هي الملابس التى نلبسها والقلم الحبر الجاف . فكان واحد منا

يكون على الساتر الترابي لمراقبة العدو حتى لا يدهمنا وكان هو هذا

الفرد . وأنا أقوم بالدخول سيراً في القناة وكل ثلاثة خطوات أضع خطاً

على ملابسي حسب منسوب المياه عليها . وكثيراً جداً كنت لا أجده إلا

وهو عائد بالآذان اليسرى لجنود العدو . وكنت أجعله هو الذي يأخذ

المنسوب بعد ذلك وأنا أراقب حتى لا يفسد سرية المهمة .

وهنا صرخ فيهم الضابط حمدى علينا بإخلاء المكان بسرعة فهذا المكان

سيتحول إلى قطعة من جهنم . والتفت إلى أحمد وقال : حسابك سيكون

إن شاء عسيراً معي بعد المهمة يا جندي .

جمع الجنود الأغراض بسرعة . ولم يتوقفوا عن العدو إلا على بعد

خمسة عشر كيلو متراً . ودخلوا منطقة وعرة واتخذ كل منهم ملجأ . وما

هي إلا دقائق حتى تحول المكان إلى ظهر . طائرات العدو الهليكوبتر

تجوب المكان حول الموقع . كل كشافات أبراج الموقع بدأت في التحرك

بجنون . وصوت الرشاشات وهي تقوم بتمشيط الدائرة المحيطة بهم .

الطائرات تقصف الرمال بالصواريخ . قنابل الضوء بدأت تضئ المكان .

وقد صدق حدس الضابط حمدي . تحولت المنطقة إلى قطعة من النيران .

فالعدو جبان . رد فعله مجنون . محموم . ألقوا ذخائر تبيد ثلاث فرق من

فرق الجيش . الرصاص يتطاير حول الأبطال . لولا اختبائهم الجيد

لهلكوا . ساعة ونصف في وسط الجحيم . هدأ بعدها القصف وخرجت

الدبابات والمصفحات تجوب المكان . وهنا أصدر الضابط حمدي أمره

بالجري مرة أخرى ناحية المنطقة التي ستنتهي الدبابات والمصفحات من

تمشيطها . لأنهم لن يتركوا شبر على مسافة خمسون كيلو متر دون

تمشيط . ومع أول ضوء بدأت الدبابات تعود . والرجال موجودون في

أماكنهم . يعدون عليهم دباباتهم . ومصفحاتهم . وأبراجهم . وعدد

الطيران . وحتى الأنفاس . فالعدو لا يعرف أن الرجال مازالوا موجودين

في أحضانهم . وتحت جلودهم . يأس العدو . اعتبرها عملية من عمليات

قوات الصاعقة وقد تم التقطهم من نقطة ما . هو يحاول أن يفهم نفسه

ذلك حتى لا يضطر للمواجهة . أصبح الصباح . وبزغت الشمس .

الأبطال منبطحون في بعض الأخاديد الصغيرة التي خلفتها صواريخ العدو

داخل الرمال . شاهدوا أغرب منظر قد لا يروه طول حياتهم . شاهدوا

الرمال حولهم محروقة . الأرض عبارة عن حفر بجميع المقاسات . سهل

لهم ذلك اختبائهم إلى اليوم الثاني ليعودوا لإكمال مهمتم مرة أخرى . فلا

يوجد في الدنيا شيئاً يمنعهم إلا مشيئة الله عز وجل .

إلى اللقاء في الحلقة القادمة

شكراً

لك أستاذنا

رأفت بك الجندي

على هذا المرور القيم

على محاولتي القصصية المتواضعة

وأتمنى من الله أن تنال ولو القليل من استحسانكم

فهذا

يكفيني ويفيض

بسم الله الرحمن الرحيم

أخي الكريم

أ... أيمن كل عام وانت بكل الخير

ومصرنا الغاليه بكل الخير

وكل العروبه بكل الخير

سلمت يمينك

مع خالص تحياتي

» خلي السلاح صاحي (الحلقة الحادية عشر)
» خلي السلاح صاحي (الحلقة التاسعة)
» خلي السلاح صاحي (الحلقة الثامنة)
» خلي السلاح صاحي (الحلقة السابعة)
» خلي السلاح صاحي (الحلقة السادسة)