النزاع الحدودى بين مصر والسودان
وأثره الاقتصاديالنزاع الحدودى بين مصر والسودان وأثره الاقتصادي
استكمالا لتناول المشكلات الحدودية الداخلية والخارجية فى الوطن العربي سأتناول منها مشكلة مثلث حلايب وشلاتين فمن المتعارف عليه أن النزاعات الحدودية فى الدول العربية مشكلة تأرق حكومات الدول وتهدد الشعوب لأنها تؤثر على الأمن القومي ، فهى إنعكاسا على مدى قوة الدولة وسيادتها ، ومن بين النزاعات العربية الحدودية الداخلية مشكلة الحدودية بين مصر والسودان فى النزاع على مثلث حلايب وشلاتين ، فالصراع بينهما لم يأخذ المنحى العدائي المعلن، بل التزم كل الفرقين بطريقة الفعل ورد الفعل فى إطار سلمي ، ولكي نحدد عمق المشكلة لابد أن ننطلق من نقطة الجذور التاريخية فى إطار سردي مختصر من عهد الإنتداب البريطانى و تحركات الجانب المصري وردود أفعاله تجاه الجانب السودانى لنعبر من خلال هذا السرد التاريخى لنصل الى موقف الإخوان المسلمين من النزاع أثناء الحكم ، ومنه إلى النزاع بعد ثورة 30 يونيو إلى ان صل للأثر الإقتصادي لهذا الخلاف ووضع تصور لتكامل اقتصادي بين الطرفين وقبل الدخول فى النزاع لا بد من احديد الموقع وبيان ما تحمله تلك الارض من ثروات .
موقع حلايب وشلاتين الاستراتيجى
تقع حدود مصر مع السودان على خط العرض 22 شمال خط الاستواء ، وتقع حلايب وشلاتين على الحدود المصرية السودانية فى الجانب الإفريقى للبحر الأحمر ومساحتها 20.580 كم2 وسمي بمثلت حلايب لانه يتكون من ثلاث مناطق تعد اضلاع المثلث المتنازع عليه وهى حلايب وأبورماد وشلاتين ، كما تعد البوابة الجنوبية لمصر ويقدر عدد سكانها يبلغ 27 ألف نسمة ينتمون الى قبائل البشاريين ، تتميز تلك المنطقة بخصوبة تربتها والتى تعتمد على المياه الجوفية ومياه الأمطار والأبار والعيون العذبه ، كما يوجد بتلك المنطقة محمية جبل علبة جنوب شرق حلايب وهى اكبر المحميات الطبيعية ، والتى يوجد بها آثار فرعونية.
الأهمية الاقتصادية لمثلث حلايب :
تتميز تلك المنطقة بتنوع مصادرها الاقتصادية سواء من ناحية الثروة السمكية والبحرية والثروة المعدنية كما انها تتميز بخصوبة تربتها وتوافر المياه فيها حيث تعتمد على المياه الجوفية ومياه الامطار والابار والعيون العذبة .
الثروة المعدنية : إن هذه المنطقة ذاخرة وغنية بالثروة المعدينية حيث تحتوي على خام المنجنيز تتوفر كميات كبيرة من المنجنيز الخام والذى يعد من أعلى وأجود المنجنيز بالاضافة الى الماغنيسيوم والنحاس والحديد والفوسفات، و اليورانيوم والكروم والنحاس والذهب والفضة والذهب والجرانيت و البترول
الثروة السمكية والبحرية : توجد بها ثروة كبيرة سمكية وشعابا مرجانية وحشائش بحيرية وكائنات بحرية نادرة وتحتوى على السلاحف البحرية
التسلسل التاريخي للخلاف
فى عهد الانتداب البريطاني :تاريخ الخلاف بين البلدين يعود الى الانتداب البرايطانى حيث تم رسم الحدود بين مصر الوسودان من خلال الاتفاقية الثنائية بين بريطانيا ومصر 1899 فكانت حلايب وشلاتين ابو رماد داخل الحدود المصرية ، فى عام 1902 جعلت بريطانيا الحكم الاداري لهذه المنطقة للسودان وظل ذلك الامر خلال الحكم الملكى للملك فارق، وبعد ثورة يوليو 1952م تم انفصال مصر عن السودان
فى عهد عبد الناصر: وقد شب النزاع فى عام 1958 حيث ارسلت الحكومة المصرية مذكرة إلى الحكومة السودانية أبدت فيه اعتراضها على قانون الإنتخابات السودانية الذى دخل منطقة حلايب وشلاتين ضمن الدوائر الإنتخابية وذكرت أن حلايب وشلاتين تقع تحت السيادة المصرية ، وقد أرسل الرئيس جمال عبد الناصر فى نفس العام قوات عسكرية الى تلك المنطقة و كاد أن يتحول إلى نزاع مسلح إلا أنها ظلت خاضعة تحت السيادة المزدوجة
فى عهد أنور السادات : لم يظهر الخلاف فى عهد الرئيس فترة الحكم
فى عهد مبارك : 1992 عاد الخلاف مرة أخرى يطفو على السطح حين اعترضت مصر على اعطاء السودان حق التنقيب عن البترول فى المياه المقابلة لمنطقة حلايب وتوقف التنقيب حتى يفصل فى الخلاف
موقف السودان من مثلث حلايب
1- فى عام 1994 رفعت الحكومة السودانية مذكرة للأمم المتحدة وجلس الأمن ومنظمة الإتحاد الإفريقى ادعى فيها أن مصر قامت بتسعة وثلاين غارة على الحدود السودانية .
رد مبارك على المذكرة : رفض مشاركة مصر فى مفاوضات وزراء الخارجية عام 1995 التابع لمنظمة الاتحاد الإفريقي .
2- فى عام 2000 م قامت الحكومة السودانية بسحب القواته من حلايب وسيطرت القوات المصرية عليها .
3- واعلنت السودان 2004 أنها لم تتخلى عن مثلث حلايب ولم تسلمها للمصريين وانها قد رفعت مذكرة للأمم المتحدة على المطالبة بسحب القوات المصرية من المنطقة.
4- فى عام 2010 اعتمدت الحكومة السودانية حلايب وشلاتين منطقة إنتخابية إلا أن الحكومة المصرية جاءت بالرد عليها واعتمدتها فى الانتخابات البرلمان عام 2011
5- فى عام 2014 جددت السودان الشكوى للامم المتحدة ضد الحكومة المصرية بشأن النزاع على حلايب وشلاتين وهذا ما اعلنه وزير الدفاع السودانى .
النزاع فى حكم الأخوان المسلمين
1- فى عهد محمد مرسي :زار مرسي السودان فى ابريل عام 2013 وصرح للرئيس عمر البشير بأن مصر ستعيد مثلث حلايب الى ماقبل 1995
رد السفير المصري إيهاب فهمى ذلك : بالنفي ووصف هذه الأنباء بأنها اشاعات لا ترتكز على معلومات سليمة
2- أختفاء حلايب وشلاتين من الخريطة المصرية :اختفت فى تلك الفترة حلايب وشلاتين من على الخريطة المصرية فقد نشرت الأمم المتحدة على موقعها الرسمي منذ مارس 2012 خريطة لمصر بدون حلايب وشلاتين تحمل رقم 3795 (المراجعة الثالثة) ، وخريطة أخرى للسودان رقم 4458(المراجعةالثانية) تضم المنطقتين للسيادة السودانية وقد جاء على موقع حزب “الحرية والعدالة” حين نشر خريطة لمصر حذفت منها منطقة حلايب وشلاتين.
النزاع الحدودى بعد ثورة 30 يونيو :
في عهد السيسي : تم تعديل الخريطة الى سابق عدها شاملة حلايب وشلاتين تحت السيادة المصرية وتم تعميمها على المدارس بعد الإختفاءها .
وقد زار السودان رئيس أركان القوات المسلحة الفريق صبحى صادق وذلك فى ابريل 2013 وأصل بلهجة حاسمة أن مثلث حلايب أرض مصرية .
أيضا كانت تصريحات الإعلامية للسفير المصري بدر عبد العاطي المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية تؤكد بأن منطقة حلايب وشلاتين مصرية وجزء من الأراضى المصرية وإن خط الحدود 22 هو الذي يقسم بين مصر والسودان، ولا نقبل حلولا وسطية مع السودان في ملف حلايب.
فى أكتوبر 2016 قدمت وزارة الخارجية السودانية، شكوى تبعية مثلث حلايب للسودان لدى مجلس الأمن الدولي، ودعمتها بشكوى إضافية حول الخطوات التي تقوم بها القاهرة في (تمصير) حلايب.
وفي أبريل/نيسان 2017، رفضت القاهرة طلب الخرطوم بالتفاوض المباشر حول منطقة "حلايب وشلاتين"، أو اللجوء إلى التحكيم الدولي.
وكما نشاهد معا أن النزاع أدي إلى إهمال تلك المنطقة لفترات طويلة ولم يتم استثمار الثروات الموجوده بيها بشكل جيد وتوتر العلاقات جعل هناك تعثر في حركة التكامل الإقتصادي بين مصر والسودان فى العديد من المجالات حيث حرم السودان من النهوض فى مجالات الزراعة والتصنيع ، رغم توافر التربة الخصبة فى الاراضى السودانية وتوافر التربة الخصبة فى المنطقة المتنازع عليها كما ادى إلى هشاشة العلاقات الاقتصادية.
ولكننا نأمل بأن يكون هناك تعاون بين الجانبين المصرى والسودانى للتنمية بإقامة تكامل اقتصادي بين البلدين واسدال الستار على النزاع القائم فهو مازال نزاع سلمى ، وعلينا أن نأخذ من أسبانيا والمغرب نموذجا تطبيقى لتحقيق التعاون الإقتصادي فرُغم إحتلال إسبانيا لستة جزر مغربية إلا أن التعاون الإقتصادي مستمر بينهما قوي فإسبانيا هي الشريك الثانى في الإقصاد المغربي بعد فرنسا . وبالتالى عندما يتم إنشاء مشروعات إقتصادية بالمنطقة لن يكون العائد فقط إقتصادى بل سيكون له أثر متفرع منه وهو الأثر السياسي فحين يشعر أهالى مثلث حلايب بالإهتمام من جانب الحكومة المصرية سواء من الناحية الإقتصادية أو الإدارية ، لن نجد حركات تمرد مطالبة بالإنضمام للسودان أو خلايا إرهابية وسيشعر المواطن هناك بالانتماء الفعلى للدولة عن طريق توجيه الإستثمارات لحلايب وشلاتين وأبو رماد وذلك بانشاء مشروعات كبري وإعطاء تسهيلات للمستثمرين لاقامة مشروعاتهم سواء كانت مشاريع سياحية بما انها تملك أكبر محمية طبيعية وأثار فرعونية أو مشروعات صناعية و ارسال بعثات للتنقيب عن البترول ، وكذلك الإهتمام بالمرافق والطرق التى تيسر حركة النقل والتجارة. كما نأمل أيضا في المزيد من التعاون بين مصر والسودان من حيث تبادل العمالة حيث توجد فى مصر وفرة الأيدى العاملة المدربة فى مجال الزراعية ، يمتلك السودان مساحة قابلة للزراعة فيه تقدر بحوالي 200 مليون فدان ولكنه يفتقر إلى العمالة الزراعية الكافية حيث أن المجال الزراعي ليس فقط زراعة المحاصيل بل يضاف إليه الإنتاج الحيواني والري وذلك سيفتح لمصر بوابة جنوبية لحل مشكلة البطالة ، فمصر لديها ثروة بشرية ضخمة ولديها الخبرة الكافية التي تكفي لسد إحتياج السودان لزراعة اراضيها والاستفادة منها بشكل كامل ، وعليه فإن النزاع لن يجدي شئ وإن كان أسباب النزاع دائما تهدف إلى الحصول على مكاسب اقتصادية وسياسية تكون هي نفسها سبب الخسائر في الموارد الاقتصادية والبشرية والعسكرية ، فدائما ما تتسبب المشاكل الحدودية فى زعزعة الأمن القومي لدى البلدين مما يؤدي إلى توتر العلاقات الدبلوماسية وتأزمها و قد يصل إلى التدخل العسكري يكون الرابح فيه خاسر . عبير عبد القوي الأعلامي