وفاة لؤلؤة الموساد شولا كوهين التي تجسست لعقدٍ من الزمن في لبنان وسوريّة
ووصلت إلى كبار المسؤولين وهرّبت اليهود لإسرائيل
الناصرة-“رأي اليوم”- من زهير أندراوس:منذ تاريخ نشوئه شكلّ لبنان، المعادي تاريخيًا لإسرائيل، لقمة دسمة لها، حيث اعتبر لبنان العائق الأكبر بالنسبة لإسرائيل لتشكيل دولتهم المزعومة وإحلال السلام الدائم والشامل مع العرب. وحاولت إسرائيل بكلّ الوسائل المتاحة خرق لبنان وإضعاف دولته وأجهزته التي بالأصل كانت تعاني أزمات سياسية حادة.
استطاعت إسرائيل خرق الطبقة السياسية اللبنانية والمجتمع المخملي، بامرأة يهودية تدعى شولا كوهين قدمت إلى لبنان عام 1947 وعرفت عن نفسها أنّها مندوبة لإحدى الشركات السياحيّة الأوروبيّة، استطاعت بعد فترة قصيرة أنْ تحظى بثقة واسعة في المجتمع اللبنانيّ الحاكم، وتطورت علاقاتها مع كبار موظفي الدولة في لبنان، وعرضت خدماتها الجنسية عليهم وتمكنت من فتح عدة ملاهي جنسية لأغراض جنسية واستقبلت مسؤولين مرموقين في الدولة اللبنانية بينهم نواب ووزراء.
ليل الأحد الاثنين توفيت الجاسوسة الإسرائيليّة شولاميت كيشك كوهين المعروفة بـ”شولا” أوْ “لؤلؤة الموساد”، التي تجسست لأكثر من عقد من الزمن في لبنان على أجهزة الدولة اللبنانية في ستينات القرن الماضي، وقامت بتهريب يهود وأموال إلى إسرائيل. وكتبت صحيفة “يديعوت احرونوت” “وداع… الجاسوسة الإسرائيلية رقم واحد في لبنان”، معلنة وفاتها في القدس عن 100 عام.
وبحسب مصادر أمنيّة في تل أبيب، قالت الصحيفة العبريّة، إنّ شولا كوهين كانت أشهر جاسوسة في تاريخ الموساد، وهي والدة السفير الإسرائيلي الأسبق في القاهرة، إسحق ليفانون، التي أطلق عليها الإسرائيليون لقب لؤلؤة الموساد.
ولدت كوهين في الأرجنتين عام 1920. وانتقلت عائلتها إلى مدينة بعقوبة شمال بغداد في العراق، ثم عادت وانتقلت للعيش في مدينة البصرة العراقية. وفي ما بعد هاجروا إلى فلسطين عام 1937. ووصلوا إلى حيفا قبل أنْ ينتقلوا للعيش في القدس، حيث أقمت الجاسوسة هناك حتى مماتها. باشرت كوهين عملها كعميلة للموساد في بيروت عام 1947. ودرست في مدرسة إفلينا دي روتشيلد في القدس، وأنهت دراستها الثانوية في سن السادسة عشرة بسبب تميزها الدراسي ونجاحها، بحسب ما قالت يوما في مقابلة مصورة. وكانت قد انتقلت إلى بيروت على اثر زواجها من جوزيف كيشيك، وهو تاجر يهودي من لبنان كان يملك متجرًا في سوق سرسق في وسط بيروت، والذي كان يكبرها بعشرين عامًا.
وبحسب المعلومات التي سُمح بالنشر عنها، فقد باعت كوهين خدماتها الجنسية لمئات من كبار موظفي الدولة في لبنان، في ما بين 1947 و1961. وقد كانت تستقبل زبائنها في بيتها في منطقة وادي أبو جميل، وهو الحي اليهودي القديم في وسط بيروت. وكان عملها في مجال الدعارة مقدمة لاختراق النافذين في الدولة اللبنانية.
في عام 1956 وسّعت كوهين أعمالها في الدعارة، فقد أصبحت تملك خمسة بيوت دعارة إضافية في مناطق مختلفة من بيروت، وقد جهز الموساد كوهين بكلّ أجهزة التسجيل اللازمة، مثل آلات التصوير السرية، لتثبيتها في غرف النوم في بيوت الدعارة التي تملكها، واستخدمت كوهين فتيات لبنانيات كوسيلة لجذب السياسيين والموظفين اللبنانيين والسوريين.
وأضافت المصادر عينها قائلةً إنّ كوهن تمكّنت من تصوير الكثير من موظفي الدولة اللبنانية مع العاملات في بيوت الدعارة خاصتها. وفيما بعد استأجرت مطعمًا في شارع الحمراء في بيروت، وحولته إلى حانة أسمتها (رامبو باب). وهكذا استطاعت الجاسوسة الإسرائيليّة الانخراط في الحياة الاجتماعية في لبنان ومن إقامة علاقات مع كبار المسؤولين الحكوميين.
ومن المعلومات المتداولة عنها نقلا عن “مركز تراث المخابرات” أنها، عشية إعلان قيام دولة إسرائيل، حصلت على معلومات عن استعدادات عسكرية لبنانية وعربية للحرب ضدّ إسرائيل، وشعرت أنّ بإمكانها أنْ تساعد في المجهود الحربيّ للدولة الوليدة، فاتصلت شولا بمسؤولين يهود في الاستخبارات العسكرية وأعربت عن رغبتها بالانتماء إلى الجهاز، وعملت في الوحدة 504 للجهاز. وبعد تأسيس دولة إسرائيل، انتقلت إلى جهاز الموساد. وعملت خلال السنوات 1947-1961 في نقل معلومات عسكريّة عن سوريّة ولبنان.
وكانت شولا شخصية محورية في أنشطة تهريب اليهود من لبنان ودول عربية أخرى إلى إسرائيل. وقالت في مقابلة معها باللغة العبرية نشرت قبل سنوات إنّها التقت جميع رؤساء أجهزة الاستخبارات اللبنانية والشرطة. وقالت: كنت ألتقي رؤساء، التقيت الرئيس كميل شمعون في ذلك الوقت، ورئيس حزب الكتائب اللبنانية بيار الجميل، على حدّ تعبيرها.
كما أكّدت كوهين في المقابلات العديدة التي أجريت معها بعد عودتها إلى إسرائيل، أنّ زوجها لم يعلم طوال الوقت بأنّها كانت تعمل جاسوسة وأنّها هربت اثنين من أولادها السبعة إلى إسرائيل، وأقنعت زوجها بأنهما في إجازة وسوف يعودان، كما هرّبت أكثر من ألف يهودي من لبنان إلى إسرائيل.
اعتقلت كوهين في آب (أغسطس) من العام 1961 في لبنان. وروت في ما بعد أنها تعرضت للتعذيب، وحكم عليها بالإعدام، قبل أنْ يخفف الحكم في الاستئناف.
وقال اللواء الركن المتقاعد سامي الخطيب، الذي كان مسؤولاً في مديرية الاستخبارات اللبنانيّة لدى اعتقال كوهين لقناة “الجزيرة” في برنامج وثائقي عن الجاسوسة الإسرائيلية في كانون الأول (ديسمبر) 2016، إنّ شولا كوهين لم تكن امرأة عادية، مشيرًا إلى أنّها كانت جزءً من شبكة جاسوسية خطيرة وكبيرة، لا بل أهّم شبكة جاسوسية عرفت في ذلك الوقت، على حدّ تعبيره.
بعد حرب حزيران 1967، أفرج عن كوهين في عملية تبادل للأسرى، وسافرت مع عائلتها إلى القدس وعاشت فيها. وقال ابنها اسحق ليفانون الذي شغل منصب سفير إسرائيل في مصر وتمّ ترحيله مع طاقم السفارة الإسرائيلية في أيلول (سبتمبر) 2011 بعد أنْ حاصرهم آلاف المتظاهرين، قال إنّ والدته كانت ساطعة التفكير حتى لحظاتها الأخيرة بصورةٍ لا تُصدّق، بحسب وصفه.