إعطاء الرشوة من أجل دفع ضرر الضرائب
السؤال: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما حكم الشرع في دفع مال لشخص معيّن حتى يقوم هذا الأخير بسحب وثيقة ما، وينجرّ عن بقائها في مستندات أو ملف شخص آخر معاملته معاملة قاسية من حيث الغرامة المالية، والضرائب الجبائية علما أنّ هذا الشخص المعيّن يعمل في المصلحة المختصة نفسها.؟
أفتونا مأجورين، وأجركم على الله، وجزاكم الله خيرا ورجائي أن يكون الجواب كتابيا -إن أمكن- وشكرا.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وبعد:
فإنّ من حبس عن ماله – ابتداء– فبذل إلى غيره مالا للسعي إلى خلاصه، أو ليحكم له بحق، أو لدفع ظلم عنه ولم يجد وسيلة للوصول إليه سواه، وكان الساعي موظفا في مصالح محلّ سعيه حين وقوع المظلمة فسق الآخذ فقط دون المعطي لاضطراره إلى التوصل إلى حقه بأيّ طريق كان، وأصل تأثيمه ما أخرجه أبو داود والحاكم وصححه من حديث بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: «من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا -أي منحناه راتبا- فما أخذ بعد ذلك فهو غلول»(١) ودليل تبرئة المعطي من الإثم حديث الملحِّينَ الذين لا يستحقون الصدقة فيعطيها لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سؤالهم له قال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَخْرُجُ بِصَدَقَتِهِ مِنْ عِنْدِي مُتَأَبِّطَهَا، وَإِنَّمَا هِيَ لَهُ نَارٌ»، فقال عمر: يا رسول الله كيف تعطيها و قد علمت أنّها له نار؟ قال: «مَا أَصْنَعُ؟ يَأْبَوْنَ إِلاَّ مَسْأَلَتِي وَيَأْبَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِيَ البُخْلَ»(٢) غير أنّه لا يجوز الدوام على هذا العمل إن علم أنّ المظلمة لا ترتفع إلاّ به لما فيه من الإعانة على الظلم وأكل أموال النّاس بالباطل، فضلا عن أنّ الاستمرار فيه يوّرث الرضا بالمعصية، وينقلب المنكر معروفا والمعروف منكرا لا يمكن تغييره، ولو بأضعف الإيمان فيمنع هذا الطريق سدا للذريعة.
هذا، وأخيرا فإنّ الواجب يقتضي نصر المظلوم بإخراجه من الظلم، وذلك بعدم التعاون معه على الإثم والعدوان المنهي عنهما بنص الآية ففي صحيح البخاري: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا»، قالوا يا رسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما؟ قال: «تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ فَذَلِكَ نَصْرٌ لَهُ»(٣).
والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلّم تسليما.
الجزائر في: ٢١ رمضان ١٤١٧ﻫ
الموافق ﻟ: ٣١ جانفي ١٩٩٧م
(١) أخرجه أبو داود في «الخراج» بابٌ في أرزاق العُمَّال (٢٩٤٣) مِنْ حديثِ بُرَيْدة بنِ الحُصَيْب الأسلميِّ رضي الله عنه. والحديث صحَّحه ابنُ الملقِّن في «البدر المنير» (٩/ ٥٦٤)، والألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٦٠٢٣).
(٢) أخرجه أحمد (١١٢٩٦)، وابن حبان رقم(٨٤٠)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب(١/ ٤٩٨)، وفي غاية المرام ص
٢٦٦) رقم(٤٦٣).
(٣) رواه البخاري في المظالم رقم(٢٤٤٣) وفي الإكراه رقم(٦٩٥٢). والترمذي في الفتن رقم (٢٢٥٥) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، ومسلم، في البر والصلة والآداب رقم(٦٧٤٧)، من حديث جابر رضي الله عنه