في حكم الهِبَة في مرض الموت
السؤال:
عائلةٌ تتكوَّن مِنْ خمسةِ إخوةٍ: أختين وثلاثةِ إخوةٍ، وأمِّهم، تُوُفِّيَ أبوهم سنة: (١٣٩٧ﻫ ـ ١٩٧٦م)، ثمَّ تُوُفِّيَ جَدُّهم أبو أبيهم سنة: (١٤٠٥ﻫ ـ ١٩٨٤م)، البيتُ الذي يسكنونه كان مِلْكًا لجدِّهم أبي أبيهم.
ـ هذا الجدُّ له ابنٌ واحدٌ متزوِّجٌ ويسكن وَحْدَه (عمُّ الإخوة الخمسة)، وكان مُتَّبِعًا لزوجته الفاسدة الأخلاقِ والسيرة، ولظروفٍ خاصَّةٍ (مِنَ الناس مَنْ يقول: سَحَرَتْه زوجتُه الفاسدة)، لم يهتمَّ بوالدَيْه، ولم يساعِدِ الإخوةَ أبناءَ أخيه الخمسة اليتامى، بل لم يُساعِدْ حتَّى أباه.
ـ هذا الجدُّ له ـ أيضًا ـ بنتٌ واحدةٌ متزوِّجةٌ، عمَّة الإخوة اليتامى الخمسة.
لمَّا مَرِضَ هذا الجدُّ وأوشك على الوفاة ذَهَبَ مع ابنته وبرِضاها، ومع أمِّ الإخوة الخمسة إلى المُوثِّق (رأَوْا مِنْ باب المصلحة أَنْ يجعلوا مأوًى لهؤلاء الأطفال اليتامى)، وكَتَبَ عقدًا يُؤكِّدُ فيه أنَّ البيت هِبَةٌ للإخوة الخمسة اليتامى الذين لا مأوَى لهم ولا عائلَ ولا والِدَ.
لمَّا كَبِرَ هؤلاء الإخوةُ الخمسة أنفقوا على هذا البيتِ القديم لترميمه.
عمُّ وعمَّةُ الإخوةِ الخمسة لا يزالان على قيد الحياة.
١) ما هو الحكم الشرعيُّ في هذه الهِبَة؟
٢) هل يترتَّبُ على هؤلاء الإخوة الخمسة إثمٌ إِثْرَ اكتسابهم لهذه الدار؟
٣) هل صحيحٌ أنَّ العمَّ والعمَّة يجب أَنْ يأخذوا حقوقَهم رغم هذه الظروف؟
٤) هل كاتبُ العقد (الجدُّ) له إثمٌ إِثْرَ هذا الإجراءِ الذي رأى فيه المصلحة؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فهذه الهِبَةُ إِنْ كانَتْ منجَّزةً في الحال غيرَ معلَّقةٍ على شرطٍ ولا مُضافةً إلى المستقبَل(١)، ووقَعَتْ في حالةِ صحَّةِ الجدِّ الواهب؛ فإنَّها تُخْرَجُ مِنْ جميعِ أمواله قولًا واحدًا لا خلافَ فيه(٢)، وإِنْ كان الجدُّ في حالةِ المرضِ فإنَّ هذه الهِبَةَ هِبَةُ المريضِ فلا تجوز إلَّا مِنَ الثلث(٣) ما دام الموهوبُ لهم غيرَ وَرَثةٍ، وتُنزَّلُ الهِبَةُ منزلةَ الوصيَّة، قال ابنُ المنذر ـ رحمه الله ـ: «وأجمعوا على أنَّ حُكْمَ الهِبَاتِ في المرض حكمُ الوصايا، وتكون مِنَ الثلث إِنْ كانَتْ مقبوضةً»(٤)، فإِنْ كانَتِ الهِبَةُ زائدةً على ثلثِ مالِه يكون الزائدُ موقوفا على إجازةِ الورثة، فإِنْ أجازوه نَفَذَ، وإِنْ لم يجيزوه بَطَلَ الزائدُ على الثلث(٥).
فإِنْ تَقرَّرتِ الحالةُ الأولى ـ وهي حالةُ الصحَّة ـ فلا يَلْحَقُ الإثمُ الجدَّ ولا الإخوة، وليس للعمِّ والعمَّة أيُّ مطالَبةٍ بتلك الدارِ الموهوبةِ لهم.
أمَّا في الحالة الأخرى ـ وهي حالةُ المرض ـ فإنَّه إِنْ لم يقصد بتصرُّفه الإضرارَ بالوَرَثة فلا يترتَّبُ عليه إثمٌ ـ إِنْ شاء الله ـ.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٣ ربيع الأوَّل ١٤٢٢ﻫ
الموافق ﻟ: ١٤ جويلية ٢٠٠١م
(١) لأنَّ الهِبَة تمليكٌ لمعيَّنٍ في الحياة؛ فإِنْ علَّقها على شرطٍ كان وعدًا، [انظر: «المغني» لابن قدامة (٥/ ٦٥٨)]. وإِنْ أضافها إلى ما بعد الموت كانَتْ وصيَّةً، [انظر: «التعريفات الفقهية» للبركتي (٢٣٧)].
(٢) «المغني» لابن قدامة (٦/ ٧١).
(٣) انظر: «بداية المجتهد» لابن رشد (٢/ ٤٦).
(٤) «الإجماع» لابن المنذر (١٢٥).
(٥) انظر: «المغني» لابن قدامة (٦/ ٧١)، «مغني المحتاج» للشربيني (٣/ ٥٠).