الإصابة بالتسمم أمر مروّع حدوثه لأي شخص، وكلما تعلمتُ عن آثار السموم، كلما أصابني الفزع حول تعمّد أي شخص أن يلحق هذا الأذى بأي كائن حي آخر، وهو ما يجعل المحاولات، اليائسة غالباً، لإنقاذ ضحايا التسمم مفهومة ومبررة، إذ كيف يمكنك تجاهل إمكانية تخفيف العذاب والمعاناة التي تصاحب في كثير من الأحيان تعاطي جرعات زائدة من المواد السامة؟
الكونياك
قد تعتقد بعد مشاهدتك للأعمال الدرامية التاريخية البوليسية أو قراءة روايات أغاثا كريستي، أن الإجراء القياسي في حالات التسمم هو تقديم "الكونياك" كعلاج، وهو مشروب كحولي قوي، وتظهره خصائصه الطبية كمعجزة، خاصة أنه يقدم لأشخاص يعانون من ضائقة مادية أو عاطفية. ورغم كونه أقل فائدة في حالات التسمم؛ لكنه على أية حال خيار أكثر عقلانية من بعض البدائل التي تم تجربتها في الماضي.
ي الماضي، عندما لم يكن سبب التسمم مفهوماً بعد؛ تم تجربة جميع أنواع العلاجات المجنونة، التي ذهب أغلبها سُدى دون نفع يذكر.
فـ"قرن وحيد القرن" والتمائم والتعويذات والـ"بازهر" كل ذلك أُوصي به كعلاج لهؤلاء الذي يشعورن بتهديد حيواتهم جرّاء السموم وآثارها. والكلمة "بازهر" تأتي من الكلمة الفارسية "بادزهر"، وتعني الترياق، لكنها في الواقع أحجار وكتل صلبة تُستخرج من الجهاز الهضمي للحيوانات وفي العادة من "الماعز البري"، وتُعلّق في سلاسل حول الرقبة بحيث يمكن غمسها بسهولة في مشروبات غريبة لإلغاء أثر السموم، ولا يكون مفاجِئاً إذا علمنا أن تأثير الـ"بادزهر" كان مثله مثل التمائم؛ غير مُجدٍ أبداً.
كأس السم
وتضمنت بعض العلاجات الأخرى أيضاً تناول بعض الشراب في "كأس السم"، وهي كؤوس كانت مصممة لكشف السموم إن تم تقديمها فيها، كما كان بعضها الآخر يستخدم في علاج حالات التسمم المشتبه بها، فكانت تلك الكؤوس المزخرفة تُصنع أحياناً من معادن "الأنتيمون"، فيضاف لها القليل من المشروبات الحمضية التي تذيب كمية ضئيلة من الأنتيمون الذي يسبب التقيؤ في الحال، والتقيؤ من شأنه أن يزيل السموم من المعدة. لكن مع ذلك، فالأنتيمون نفسه مادة شديدة السُمّية، إذ يكفي دخول غرام واحد منه للجسم ليسبب الوفاة. أما الآن، فهناك بدائل أكثر آماناً لإحداث التقيُّؤ.
ما يثير الدهشة هو أن بعض هذه العلاجات التاريخية كانت عملية وفعّالة. فمثلاً، دعا بعض الناس لأكل الطين عند الاشتباه في التسمم، فمن شأن ذلك محاصرة السم داخل طبقات المادة الطينية، وتعتبر هذا الفكرة بداية التمهيد للاستخدام الحديث للفحم النشط، فعندما يُبتلع الفحم؛ يمكن احتواء السوم في المسام الصغيرة جداً به، قبل أن يمتصها الجسم، لكن تعتمد فعالية هذا العلاج على تناوله في وقت قريب نسبياً بعد تناول المادة السامة.
لكن ربما لا يلاحظ الفرد أنه ابتلع شيئاً ساماً على الفور، كما أن للسموم طرقاً أخرى تتخذها للوصول إلى الجسم، مثل امتصاص الجلد أو الاستنشاق، لذا؛ يتطلب الأمر علاجات أخرى محددة لمواجهة آثار السم داخل الجسم.
وبالفعل تم تطوير عدد كبير من العقاقير عبر السنوات بهدف إزالة السموم أو إبطال مفعولها داخل الجسم، لكنني أتساءل أحياناً عن الطريقة التي اكتشف بها أحدهم أن مُركّباً معيناً هو ترياق فعّال.
لنأخذ على سبيل المثال "زُرقَة بروسيا" وهي مادة صبغية ملونة يستخدمها الفنانون كما تستخدم في التصوير الفوتوغرافي، وهي أيضاً علاج فعال للتسمم بمادة "الثاليوم". لا أعرف كيف اكتشف أحدهم تلك المادة وأثرها، لكني أراهن أنها قصة عظيمة.
عالج السموم بالسموم
الأكثر إثارة للدهشة هو أن بعض السموم يمكن علاجها على نحو فعّال ببعض السموم الأخرى! فقد أضحت آثار العديد من السموم داخل الجسم مفهومة وواضحة، وبالتالي أمكن علاجها باستخدام بعض ترياق أو مادة محددة، حتى ولو كان ذلك الترياق سُماً آخر في حد ذاته. فعلى سبيل المثال، "إستركنين" هي مادة عالية السُمّية لكن يمكن علاجها باستخدام مادة "الكورار" وهي أيضاً مادة شديدة السمية، لأنهما تتفاعلان مع نفس مُستقبلات الأعصاب، لكن بآثار عكسية لكل منهما. هناك أيضاً حالات التسمم بـ"الأتروبين" التي تُعالَج بواسطة "الفيزوستيغمين"، كما تُعالَج حالات تسمم "الفيزوستيغمين" بواسطة "الأتروبين".
أما اليوم، فالتقدّم في مجال الرعاية الطبية يعني أن ضحايا السم من المرجح بقاؤهم على قيد الحياة، ويمكن علاج الأعراض وتخفيف المعاناة بشكل أفضل مما كان عليه الأمر في الماضي، حتى وإن كان الترياق المباشر غير متوفر. كما أن القيود القانونية المفروضة على بيع أغلب المواد السامة تزيد صعوبة الحصول على المواد السامّة، ولكن بالطبع لا تزال هناك حوادث وأخطاء. وعموماً، فالإكثار من أي شيء يمكن أن يشكل خطراً.
وأخيراً، إن كنت تعتقد أن شخصاً ما في حالة تسمم، فلا تخرج للبحث عن الماعز البري أو وحيد القرن، ولا تبحث عن المشروبات الكحولية، فقط اتصل بخدمات الطوارئ. وفي هذه الحالة فإن معرفة ما تناوله ومقدار كميته ومتى وكذلك الاحتفاظ بأي شيء أكله أو شربه أو حتى القيء الخاص به؛ يمكن أن يساهم في تحليله لتحديد نوع السم. وكذلك ملاحظة أي أعراض أخرى مثل التعرق أو التقيؤ أو صعوبة التنفس، وأي شيء يساعد في إعطاء فكرة عن نوع المُرّكب الذي يحويه السم يساهم بالطبع في توفير العلاج الأكثر ملائمة للحالة.
huffpostarabi