هل لدينا بالفعل 'أسلوب مفضل' للتعلم؟
إذا أردت أن تصنع كعكة مثلجة، ربما تحتاج إلى تعلم ذلك سريعا من خلال مشاهدة شخص يفعل ذلك في المطبخ
الكثير منا لديه أسلوبه المفضل في التعلم، سواء عن طريق مشاهدة خبير متخصص في مجاله أو التعلم بمفردنا. فهل هذه هي أسهل الطرق لكي نتعلم الأشياء؟
عندما نُجرب أمراً جديداً، هل نتعلمه بشكل أسهل من الرسوم التوضيحية أم من شخص يوضح كيفية القيام به أم عن طريق محاولة القيام بالأمر بنفسك؟ لعلك ستميل إلى الإجابة بأن الأمر برمته يعتمد على طبيعة المهمة التي ستقوم بها؟
لا يمكن تعلم قيادة السيارات، على سبيل المثال، عن طريق كتاب أو من شخص جالس في المطبخ يشرح لك كيفية القيام بذلك. أما مشاهدة شخص وهو يصنع كعكة مثلجة أو حلوى فإن ذلك يعطيك فكرة عن طريقة عملها، ربما كان تعلمها عن طريق الممارسة، الخطأ والصواب، سيستغرق وقتاً طويلاً. ولكن عموماً، لعلك تفضل التعلم بنمط معين، أو كما يطلقون عليه في مجال التربية والتعليم، أسلوب مفضل للتعلم.
طُورت، عبر السنين، أنواع مختلفة من تصنيف أنماط التعلم، النمط البراغماتي (العملي) مقابل النظري، والتفكير الواقعي مقابل التفكير المجرد، والشخص المنظَّم مقابل المبدع، وغيرها الكثير. ووجدت دراسة حديثة أن هناك أكثر من 30 تفرعاً ثانوياً لهذا الموضوع.
تُمنح المدارس فرصة شراء العشرات من أدوات التقييم المختلفة، وبعض أشهر هذه الأدوات يصنف الأطفال إلى فئات حسب تفضيلهم التعلم عن طريق الرؤية أو السمع أو عمل الأشياء بأنفسهم.
أخذت آلاف المدارس حول العالم بمبدأ تقييم أسلوب التعلم المفضل للطفل ومن ثم، وحيثما أمكن ذلك، تطبق هذا الأسلوب في التدريس.
المعلمون يعرفون الاختلاف الكبير بين الطلاب في طريقة اكتساب معلومات جديدة
تتلخص هذه الفكرة، التي يطلق عليها اسم فرضة التناغم ، في أن تلقي الطفل التعليم بأسلوب يتناغم مع أسلوبه المفضل سيؤدي إلى تعلم أسهل، وبالتالي سيبلي بلاءً أفضل. وأصبحت هذه الفكرة تستخدم بصورة أكبر في المدارس، لدرجة أن بعض المدارس تقسم التلاميذ إلى فئات حيث يُكتب على الجزء الأعلى من قمصانهم أحرف "م" أو "س" أو "ل" (مرئي، سمعي، لمسي) لكي يستدل المعلمون بالضبط على الأسلوب المفضل لكل طالب.
ويلاحظ كل معلم التنوع بين الطلاب المختلفين عندما يتعلق الأمر بتعلم أفكار جديدة، ويدرك بالضبط كم تصبح عملية التعليم صعبة. ينبغي أن يتقبل المعلمون أي شيء من شأنه أن يسهل عملية التعليم، لكن هناك تفاؤل بفكرة تناغم الافتراضات، التي لا تسلّم فقط بخصوصية الإنسان عن غيره لكنها تعني أيضا أنه يمكننا جميعاً أن نتعلم بشكل جيد إذا وجدنا أسلوب التعلم الملائم لنا. نعرف أننا نختلف عن بعضنا البعض، فلِمَ لا نُسهّل عملية التعلم عن طريق الاستفادة من مكامن قوتنا؟
يبدو أن المعلمين يتفقون مع هذا الرأي، ففي عام 2014 أخذ بول هاوارد جونز الأستاذ بجامعة بريستول، عيّنة من المعلمين من خمس دول، ووجد أن نسبة المعلمين الذين يتفقون مع فكرة تعلم التلاميذ بشكل أفضل إذا تلقوا تعليما وفقا لأسلوبهم المفضل تتراوح بين 93 في المئة في المملكة المتحدة و97 في المئة في الصين وتركيا.
لا تتعلق القضية بما إذا كان هناك أساليب للتعلم أم لا، لكن فيما إذا كان التعلم عن طريق أسلوبك المفضل سيحقق نتائج أفضل. وبالتالي، إذا كنت شخصاً يتعلم عن طريق الرؤية، هل تتعلم بشكل أفضل عندما ترى صوراً وليس سماع تعليمات؟ هناك أعداد كبيرة جداً من الدراسات المنشورة في هذا الأمر، غير أن بعضها محدود النطاق جدا، والقليل منها فقط ظهر في مجلات المراجعة والنقد المتخصصة.
استغرقت إحدى أكبر الدراسات المتعلقة بأساليب التعلم 16 شهراً ونُشرت عام 2004. وقال القائمون على تلك الدراسة إن هناك 71 نمطا مختلفا للتعلم، ثم حللوا 13 منها بالتفصيل. لكنهم أصيبوا بخيبة أمل عندما وجدوا أن هذا المجال كان "أوسع وأكثر غموضا وتناقضا وإثارة للجدل" مما توقعوا.
وتوصل القائمون على الدراسة إلى أنه وبعد 30 سنة من الأبحاث فإنه لا يوجد إجماع في الرأي حول أفضل السبل لقياس أساليب التعلم أو التدريس. ووجد الباحثون دراسة تشير إلى أن التدريس اعتماداً على أسلوب التعلم أدى إلى نتائج مختلفة.
وللتأكد من أن التدريس حسب أسلوب التعلم المفضل سيأتي بمردود مختلف، تحتاج أية دراسة إلى تقييم أساليب التعلم ثم تقسيم الطلاب عشوائياً إلى مجموعات ليتعلموا بأساليب مختلفة، قبل أن يخضع الجميع لنفس الاختبار.
وأخيراً، ينبغي التأكد مما إذا كان الأشخاص الذين تعلموا بأساليبهم المفضلة يقدمون أداء أفضل، والأمر الحاسم هو إذا كان الذين تعلموا بالأسلوب "الخطأ" هم أسوأ حالا. وإذا ثبتت صحة النظرية، فإنه سيكون بمقدورنا تحديد هذا النوع من التفاعل والتجاوب.
الشخص الأكثر ميولا للتعلم عن طريق المشاهدة يلتقطون المزيد من الصور في جولاتهم الميدانية، بحسب الباحثين
وعندما نُشرت الدراسة الكبيرة التالية في عام 2008، وجد القائمون عليها أمرا مثيرا للانتباه وهو أن عدداً قليلاً من الدراسات اتبعت تلك الخطوات. ومن بين أربعة من أفضل الدراسات المختصة، وجدت ثلاثة منها أن عملية التناغم باختيار الأسلوب المفضل للتعلم لم تحدث أي فارق، وفي بعض الأحيان كان أداء الطلاب أفضل عند تدريسهم بأسلوب تعلمهم المفضل، ولكن ذلك كان حال جميع أفراد المجموعة، مما يشير إلى أن نمط التدريس كان العامل المؤثر وليس تناغم التدريس مع أسلوب كل شخص منهم.
واكتشف الباحثون دراسة واحدة فقط ذات منهجية صارمة ونتائج ايجابية. ولكن حتى مع كل ذلك، فإنهم يؤكدون أن نفقات تدريس كل شخص على حدة وفقا للأسلوب المفضل عالية جدا إلى درجة أن أية مدرسة سترغب في أن ترى ما هو أكثر من تحسن ملحوظ من الناحية الاحصائية؛ فإن الباحثين بحاجة لرؤية دليل على وجود فروقات كبيرة في أداء العديد من الطلاب.
أقر القائمون على هذه المراجعة التي أجريت عام 2008 بعدم توصلهم إلى أي دليل، مما جعلهم يوجهون نداءً مفتوحاً لملئ هذا الفراغ. حتى إن الباحثين أعطوا تفاصيل تصميم النوع الصحيح من الدراسة. لذا، وعند نشر أحدث مراجعة للتناغم من قبل فريق آخر، كانوا حريصين ليروا إن كانت دعوتهم تلك قد لقت آذاناً صاغية. والنبأ السار هو أن عدد الدراسات التي استخدمت طرقاً فعالة قد إزداد، لكن الدراسات الست التي فتشت عن نوع الاندماج المذكور أعلاه لم تجد شيئاً.
ورغم ذلك، بدأ قبول أسلوب التناغم بدون تمحيص يشهد تغييراً. تشجع القائمون على الدراسة عندما وجدوا إن بعض الكتب (وليس جميعها) المعدّة لمعلمي التلاميذ قد بدأت تشير إلى نقص الأدلة حول التدريس استنادا إلى أنماط التعلم. لكنهم أصيبوا بخيبة أمل لرؤية بعضها يشير إلى أن المعلمين لا زالوا يمارسونها على أية حال.
غير أن هناك دراسة مثيرة للإهتمام حصل فيها الأطفال على فرصة للذهاب إلى خارج المدرسة، ليذهبوا في "رحلة تصوير" يلتقطون خلالها الصور ويشاركون في حلقات نقاشية، في الوقت الذي تُراقب فيه تحركاتهم باستخدام النظام العالمي لتحديد المواقع (جي بي اس). جرى تقييم أساليب تعلمهم في بداية الرحلة، وقد جاء أداء العديد من الأطفال متناغما مع أساليبهم في التعلم.
كان المتعلمون بطريقة اللمس يتحركون هنا وهناك أكثر من غيرهم خلال أوقات اللعب خارج الفناء، والتقط المتعلمون بطريقة المشاهدة المزيد من الصور لمشاهد أكثر روعة، أما المتعلمون بأسلوب السمع فقد تكلموا أكثر من غيرهم أثناء النقاشات. ولم يقيم الباحثون إذا كان هذا قد ساعدهم على التعلم، ولكن ظهرت أدلة في النهاية على أن أساليبنا المفضلة في التعلم لها على الأقل تأثيرات على الطريقة التي نتصرف بها في العالم الخارجي، مع أننا لا نعرف إن كانت تؤثر على النتائج أم لا.
ليس جميع الطلاب يمكنهم فهم التفسيرات الموجودة في المناهج الدراسية بنفس الطريقة
لكن، لماذا لا يؤثر التناغم أكثر على نتائج الاختبارات، مع أننا نشعر بأنه ينبغي لها أن تؤثر؟ علينا أن نتذكر أن حواسنا لا تعمل بصورة منفصلة. وحتى القراءة هي أكثر من مجرد عملية بصرية. تُوظَّف مناطق معينة من الدماغ في الوقت الذي نتخيل فيه مشاهد من كتاب ما أو عندما نتأمل ونستذكر ما مررنا به. لا تعمل أنظمة الدماغ بشكل منفرد، لذا فحتى عندما نصغي بانتباه إلى شيء ما، لا تتوقف لدينا العملية البصرية.
وعليه، فهل من المنصف القول إنه جرى الكشف عن زيف أساليب التعلم؟ يجيب القائمون على مراجعة 2015، "ليس ذلك الأمر صحيح تماماً". يوجد بالفعل عدد قليل جداً من الدراسات التي أجريت بعناية، مما يعني صعوبة تزويد المعلمين بمشورة صحيحة حول ما ينبغي عليهم عمله. ولكن عند النظر إلى أفضل الأدلة المتوفرة حتى الآن، فإنه من الواضح أنه لا يوجد دليل قاطع بأن التدريس حسب أسلوب التعلم يؤدي إلى تحسن في أداء الطلاب.
غير أنه إذا حبّذ المعلمون تطبيق هذه الأساليب، فعندئذ حتى لو كانت هناك فرصة ضئيلة لنجاحها، ربما لن يكون هناك ضير من تجاهل نقص الأدلة. تكمن المشكلة، كما سلطت الضوء عليه مراجعة عام 2004، بأن التدريس بهذه الطريقة يمكنه أن يعيق تقدم الطلاب. ربما يبدو الاعتماد على مكامن قوتنا فكرة جيدة، لكننا نحتاج عند سن الرشد أن نكون قادرين على التعلم بمختلف أنواع الطرق والأساليب. ولذا، ربما يكون من المفيد أكثر على المدى الطويل أن نمارس استخدام الحواس التي لا يبدو أننا نستفيد منها بشكل جيد.
كما يمكن لخطر تصنيف الطلاب، حسب أسلوبهم المفضل في التعلم، أن يؤدي إلى قولبتهم بشكل معين. فإذا تجاهلنا الصعوبات الدراسية للطلاب لأنهم يفضلون، على سبيل المثال، الأسلوب اللمسي فقد نغفل مصاعبهم تلك بدلاً من تقييمها ومتابعتها. كما يمكن أن ينتهي الطلاب بوضع قوالب محددة لأنفسهم. وقد أشار القائمون على مراجعة 2004 إلى قول بعض الأشخاص في أحد المؤتمرات إنه لكونهم من "الطلاب الذين يواجهون مصاعب في التعلم عن طريق اللمس والسمع" فلم يكن هناك داعٍ لأن يقرأوا كتاباً، أو يستمعوا لأي شخص لأكثر من بضع دقائق متتالية في المرة الواحدة.
لا نستطيع القول إن فكرة التناغم لن تنجح أبداً، كما أن هناك معلمين يؤكدون على فاعليتها ونجاحها ، ولكن عندما يتعلق الأمر بالأدلة، فإنها حتى الآن غير واعدة.
BBC