عبد العزيز حمودة : التراث بين التغريب و التأصيل

:
نصيرة مصابحية استاذة بالمركز الجامعي سوق اهراس

يحاول عبد العزيز حمودة التأسيس لنظرية نقدية عربية قوامها التراث ، و من خلال كـتابيه "الـمرايا المحدبة والمرايا المقعرة"،يصوغ الموقف الإشكالي العام القائم على البــحــث عن الهــوية وعن الأنا الضائعة،لذلك نجده متحاملا على أفكار عصر النهضة العربية التي يتسم معظمها ـ حسبه بموقف معاداة التراث والانفصال عنه بغية تأسيس وعي نقدي جديد. كـما يرى بأن الحداثيين العرب قاموا باستعادة الفكر الغربي من منطلق الانبهار أو الإحساس بالدونية اتجاه مورثهم ، الـــشيء الذي ألبهم على التراث فانعكس سليا على نتاجهم الفكري.
وينطلق هذا الناقد من حالة الشرخ التي بلغتها الساحة النقدية العربية، في علاقتها مع موروثها وكذلك في عجزها عن إنتاج فكر نقدي نابع من خصوصية الثقافة العربية . لـــذلك نجـــده في كتابه المرايا المحدبة متحاملا على المنهجين الغربيين البنيوية والتفكيك، ويؤكد بأن الوسط النقدي العربي الحداثي أعاد صياغتها بشكل مشوه ، وذلك بسبب إخراجهما من وسطهما الأصلي إلى وسط فكري أخر غريب عنهما ، فالــنسخة العــربية المشوهة لهذين المشروعين ظهرت نتيجة لتجاهل الحداثيين العرب للمرجعيات الفلسفية والفكرية والسياسية والــثقافية ،التي أنتجتهما و يرى بأن ذلك الــــتشويه الذي لحقهما أمر طبيعي ومتوقع،لأن نقادنا لم يعيشوا عسر مخـــاض بـــروزهما إلى الـواقـع،حـيث يـــــقول: " الـــحـــداثة الغـــربية وتجـــلياتها البنيوية والتفكيكية على وجه الخصوص، خرجت من عباءة المزاج الثقافي الغربي على مدى ثلاثة قرون أو تزيد ، ثم أن أي حداثة أخرى لا بد أن ترافق ثقافتها هي وليست أي ثقافة أخرى، وإلا فقدت مفرداتها و مصطلحاتها دلالاتها المحددة وأصبحت تشير إلى دلالات لا وجود لها أصلا في الثقافة الغربية التي تزرع فيها"(1)
وبالتالي فإن تطبيق هذين المشروعين على النصوص التراثية سيؤدي حتما إلى تشويه النتائج المتحصل عليها ، لان المقدمات الإجرائية التي انطلق منها النقاد نستطيع وصفها بالمستلبة وبالتالي ستكون القراءة خاطئة ومن ثم تشويه البعد الفني و الجمالي للنصوص التراثية، و يرى هذا الناقد أن سياسة تحديث التعليم التي بدأها محمد علي في مصر هي السبب الرئيسي في تصدع الموقف النقدي العربي،لذلك يناقش أراء رواد الحداثة على اختلاف الثقافتين العربية والغربية،بسبب تعدد الحداثات الغربية من جـهة و علاقاتها الوطيدة بوسطها الفكري و الابستمولوجي من جهة أخرى.
بالإضافة إلى أن مشروع الحداثة العربية ظل معزولا عن الجماهير لارتباطه بالنخب السياسية العربية ، وبذلك تحـــولت الحـداثة العربية من دعوة شاملة إلى التغيير إلى دعوة إيدولوجية أفرزتها السلطة . ولم يتعرض هــــذا الناقد في نقده للفكر الحداثي إلى نقد تلك الايدولوجيات التي فـــــرضت عمليات التحديث، كما أنه لم يتعرض إلى نقد العلاقة القائمة بين المفكر المثقف و السلطة السياسية .
ويبني عبد العزيز حمودة مشروعه النقدي انطلاقا من نقد آ راء النقاد الحاثيين العرب ، حيث يرى بأن آراءهم و كتاباتهم عاجزة عن بلورة نظرية نقدية عربية نتيجة تمسكهم بالفكر الغربي .
و يــرى هذا الناقد بان التراث زاخر بمختلف الإشارات النقدية التي نستطيع من خلالهـا تكـوين نظـرية لغوية و أدبية نابعة من خصوصية الفكر العربي. و انطلاقا من هذه النقطة شــن هـــذا الناقد هجوما ضاريا على كتابات رواد الحداثة، ورماهم بالعجز وعدم القدرة على استيعاب الفكر الغربي بطريقة واضحة وأن نتاجاتهم الفكرية لا تتعدى حدود الخربشات العبثية، وفي ذلك بقول:"إن الأخذ بـالحداثة الغربية و تجلياتها النقدية ، يعتبر نوعا من الترف بل العبث الفكري لا تستطيع ولم تستطع حتى لآن أن تنـقذه التبريرات المختلفة التي يسوقها النقـاد الحداثييون العرب من دعاوي الأصالة واسـتقراء التراث" (2)، فعجز الحداثي العربي عن فهم المنهج البنيوي أو التفكيكي و الالتزام بأطره الـفلسفية و المنهجية التزاما دقيقا حسب حمودة- جعله يجني على النص التراثي و ذلك بتجريده من أصالته ورميه في غياهب أطر منهجية غريبة عن تربتها الأصلية وغريبة عن ذهن الحداثي في حد ذاتـــه ، ما أدى إلى تغييب ذلك الحس الجمالي الفني الأصيل في النص التراثي وتعويضه بطلسمات لا تمتد للنتاج التراثي ولا للفكر الغربي بصلة ،و من هنا حدثت قطيعة بين ما هو حدث فني جمالي تراثي و بين ما هو إجرائي منهجي حداثي .
لذلك يدعو حمودة إلى إضفاء صفة الشرعية على الأدوات المنهجية المطبقة على النصوص التراثية ،وذلك باستنباطها من مجالها الفكري ألا وهو التراث العربي، حتى نتمكن من الوصول إلى نتائج إيجابية وعلمية مثلما توصلت إليه الثقافة الغربية، نتيجة لشرعية أدواتها الإجرائية وهي حسب حمودة " شرعية نفتقدها عند الحداثيين العرب الذين أعطونا فكرا لقيطا مجهول النسب بالـرغم من محاولاتهم المستميتة في تأصيله داخل الـواقع الثقافي العربي،بالعودة إلى التراث لإبراز بعض جوانبه الحداثية "(3) .ومـن هــنا يدعـو حـمودة إلى تصحيح الخطأ الذي ارتكب في حق التراث وهو التعامل معه كخــرقة بالية ، وجب علينا الاستغناء عنها و تعويضها بفـــكر أكثر تطورا ، الشيء الذي دفع بالعقل العربي بصفة عامة إلى الوقوع في شرك الاستلاب الثقافي ، و ضياع البعد القيمي للتراث و الـفكر العربي بصفة عامة و اندثاره في إطار ذلك الموقف السالب حيث يقول " أخطأنا حينما ربـــطنا بين التحديث وإدارة ظهورنا بالكامل لمنجزات العقل العربي ، و هو ما يسمونه بلغة الحداثيين البراقة القطيعة المعرفية مع الماضي على أساس أن الحداثة لا تتم إلا بتحقيق القطيعة المعرفية مع التراث باختصار مؤلم أخطأنا حينما جمعــنا بين الانبهار بالعقل الغربي و منجزاته و بين احتقار العقل، العربي و التنكر لمنجزاته و التقليل الكامل بشأنه"(4) .
و لتصحيح موقفنا الخاطئ و معالجة هذه الحالة المرضية يدعونا حمودة إلى محاولة التعلم من الغرب والاستفادة منه لا الالتحام الكلي به ، لأن الفكر العربي أو أي فكر آخر لا يستطيع أن يعيش منعزلا ، فالتأثير والتأثر قانون جبري يساعد على تطوير ثقافتنا و انتشالها من براثن التبعية العمياء للغرب ،وهذه الفكرة لا تتحقق إلا إذا استطعنا التخلص مــــن الـكراهة الــــداخلية للتراث لأنه يحمل مواقف نقدية نستطيع من خـلال جمعها ومحاولة تكييفها والواقع الفكري المعاصر من تكوين نظرية عـربية" فالنقد العـربي والبلاغة العربية قدما نظرية نـقدية ولغوية ربما لا تكون متكاملة في أي من المجالين ، ولكنهما نظريتان لا تنقصهما العلمية التي كانت طعم الحداثيين العرب والذي التهموه في انبهار وحماس واضحين وأنهما يقدمان في جزئياتهما المتناثرة عبر أربعة قرون أو خمسة مكونات نــظرية لغوية و نقدية كان من الممكن مع القليل من التزاوج مع الفكر الآخر الـحديث والــــمعاصر أن يطور إلى نظريتين كاملتين"(5) .
فالقطيعة المعرفية التي سنها رواد الحداثة مع التراث أدت إلى ضياع الفكر العربي و اغـترابه عـــن تربته الأصلية و بالتالي انـــطفأ وهـــج شعلته العلمية ، ما أدى بالحداثيين إلى نبذه و التحول عنه لصالح الفكر الغربي.
فالتراث غني و زاخر بمختلف المواقف النقدية المشابهة للأفكار الغربية الراهنة بل أن معظم آراء دوسوسير عالم اللغويات نجد ما يماثلها في أراء الجرجاني والجاحظ وغيرهم، ويؤكد حمودة في أكثر من موضع أن الفكر التراثي استطاع أن يؤسس نظرية في اللغة وفي الأدب تــــرقي إلى مستوى النظريات الغربية: فهل " يختلف ما قدمه العقل العربي في الدراسات البلاغية عبر خمسة قرون عن ذلك المفهوم للنظرية ... و بدقة و بتحديد أكثر ألا ينطبق كل ذلك عـلى محاضرات دي سوسير عالم اللغويات العامة في القرن العشرين " (6)
و السؤال الذي يطرح نفسه و بشدة انطلاقا من هذه الفكرة هو إذا كانت الــــمناهج الغربية الحداثية لها ما يقــابلها في الـــتراث العربي فلماذا إذن يثور عبد العزيز حمودة على امتثال المفكرين العرب لهذه المناهج ؟ فأين يتجلى جانب التغريب في هذه الممارسة ؟ و لماذا يدين حمودة رجوع الحداثيين الـــعرب عند دفاعهم عـــن مناهجهم الغربية للتراث ؟ و رغم أن هذه التساؤلات تحيلنا إلى المفارقة التي وقع فيها حمودة و تكشف لنا عن موقفه المتناقض، إلا أننا لا نستطيع إنـــكار قيمة الــجهد الذي بذله هذا الناقد من اجل بلورة نـظرية عـربـية أصـيلة أساسها هو الـتراث العربي .

الهوامش :
(1) -عبد العزيز حمودة : المرايا المحدبة من البينوية إلى التفكيك ، عالم المعرفة 323، ابريل 1998 ، ص86 - 87 .
2-عبد العزيز حمودة : المرايا المحدبة ص : ص 74
3-عبد العزيز حمودة : المرايا المحدبة ص : ص 74
4-عبد العزيز حمودة: المرايا المقعرة نحو نظرية نقدية عربية, عالم المعرفة, جمادي الأول 1422 أغسطس 2001, العدد 272، ص30
5- المرجع نفسه: ص186
6-عبد العزيز حمودة : المرايا المحدبة ص 198

دراسة رائعة للأستاذة نصيرة مصابحية الاستاذة بالمركز الجامعي بسوق اهراس دمت متألقة ومرحبا بك فى منتدى الشاعر عبد القوى الاعلامى وقد تشرفنا جميعا بقدومك يادكتورة

الاستاذة نصيرة مصابحية
شكرا لك على مواضيعك الادبية الراقية
وانا اتفق مع الدكتور حمودة فى جزئية

اقتباس :

(3) .ومـن هــنا يدعـو حـمودة إلى تصحيح الخطأ الذي ارتكب في حق التراث وهو التعامل معه كخــرقة بالية ، وجب علينا الاستغناء عنها و تعويضها بفـــكر أكثر تطورا ، الشيء الذي دفع بالعقل العربي بصفة عامة إلى الوقوع في شرك الاستلاب الثقافي ، و ضياع البعد القيمي للتراث و الـفكر العربي بصفة عامة و اندثاره في إطار ذلك الموقف السالب حيث يقول " أخطأنا حينما ربـــطنا بين التحديث وإدارة ظهورنا بالكامل لمنجزات العقل العربي ، و هو ما يسمونه بلغة الحداثيين البراقة القطيعة المعرفية مع الماضي على أساس أن الحداثة لا تتم إلا بتحقيق القطيعة المعرفية مع التراث باختصار مؤلم أخطأنا حينما جمعــنا بين الانبهار بالعقل الغربي و منجزاته و بين احتقار العقل، العربي و التنكر لمنجزاته و التقليل الكامل بشأن

لان التراث هو الرصيد المعرفى والثقافى والوقود الدافع لاى حضارة ولنسأل الصين على ذلك وبلاد الشرق الاقصى المتقدمة كل حضاراتها الحديثة قائمة على التراث العلمى والانسانى لهذه البلدان

الأستاذة نصيرة مصابحية
موضوع قيم وأثريت به عقولنا
بارك الله فيك أستاذة

شكرا للنقل الغاوي ولا تحرمنا جديدك

شكرا للأستاذه العالمة

بحث رائع