تمر الصحف الخاصة في مصر اليوم بأزمات مالية وإدارية عديدة باتت تهدد استمرار وجودها في أيدي القراء والمثقفين وعلى ستاندات بيع الصحف في المكتبات، خاصة أن الواقع يشير أن بعض الصحف الخاصة في مصر سبقت لبنان، في إيقاف إصدارها الورقي والاكتفاء بموقع إلكتروني لها على شبكة الإنترنت، من أجل مواجهة الأزمات المالية التي تمر بها. "التحرير" مثالاً فجريدة التحرير التي توقف إصدارها الورقي في الأول من سبتمبر 2015، وقالت في بيان وقتها "لقد عُنينا خلال هذه الفترة التي تبلغ 28 شهرًا بالحفاظ على استمرار نشرها"، وتابعت "في ظل انصراف أغلب قطاعات المجتمع عن قراءة الصحف المطبوعة -خصوصًا الشباب- واتجاههم إلى الحصول على معلوماتهم من الصحافة الإلكترونية، فقد دعا ذلك مجلس الإدارة إلى اتخاذ هذا القرار". وتبع هذا البيان موجة من الاعتراضات سواء في الوسط الصحفي أو لدى القراء، لذلك تم تدشين هاشتاغ "
#لا_لإغلاق_جريدة_التحرير"، لاحقاً أصدرت نقابة الصحفيين المصرية بيانا، جاء فيه أن مجلس النقابة يعلن "رفضه الكامل للإجراءات التي اتخذها "أكمل قرطام" مالك جريدة التحرير والتي تستهدف إغلاقها وتشريد الصحفيين العاملين بها"، وأكدت فيه على "التزامه (مجلس النقابة) الكامل بالحفاظ على حقوق الزملاء". "البديل" تلحق بزميلتها لم يمضِ سوى شهرين بعد ذلك، إلا أن فوجئ الوسط الصحفي بخبر إعلان توقف الإصدار الورقي من جريدة البديل، التي تحولت إلى موقع إلكتروني أيضاً، حسبما قال البيان الصادر من مجلس الإدارة، الذي ورد فيه "أن العزوف الذي يشهده سوق الصحافة المصرية المطبوعة اليوم بعدما بات الأغلب يستخدم العالم الإلكتروني في كل اهتماماته.. لذلك قررنا في مجلس إدارة البديل بعد التشاور، التوقف بشكل مؤقت عن الإصدار الورقي الأسبوعي، بحيث يكون آخر عدد هو العدد رقم 92 الذي يصدر في 18 نوفمبر 2015". "المصري اليوم" على الطريق من جانبها، لم تسلم جريدة "المصري اليوم" (تصدر بنسخة ورقية وتملك موقعاً إلكترونيًّا) من هذه الموجة -الأزمة المالية- حيث بدأت الإدارة الاستغناء عن
هافينتجون بوست :
الصحفيين بشكل تدرجي خلال العام الماضي، لكن خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من نفس العام بدأ الصحفيون اتخاذ خطوات تصعيدية لمواجهة الإدارة انتهت بشطب اسم "فتحي أبو حطب" مدير عام مؤسسة المصري اليوم من جدول نقابة الصحفيين بسبب عدم استجابته لمطالب النقابة في حل أزمات الجريدة مع الصحفيين. اعتصام صحفيي "الشروق" وهناك 12 صحفيًّا من جريدة الشروق (تصدر بنسخة ورقية وتملك موقعاً إلكترونيًّا)، طالبتهم الجريدة بإنهاء عملهم والموافقة على عمل تسوية، وهو ما رفضوه، ما جعلهم يدخلون في أزمة مع الجريدة منذ منتصف العام الماضي، انتهت بدخولهم في اعتصام مفتوح بمقر الجريدة وفقا للبيان الصادر عنهم. وحال الصحف المذكورة لا يعتبر حصريًّا، وإنما هنالك عدد آخر من الصحف المصرية تعاني نفس المشاكل والأزمات. ولعل وضع الصحف المصرية ليس استثناءً، حيث إن الصحف اللبنانية تعاني نفس المشاكل التي ظهرت على السطح مؤخراً، وباتت تهدد صحفاً عريقة مثل "السفير" و"الديار" بالاحتجاب عن الإصدار الورقي والاكتفاء بالنشر الإلكتروني. التكنولوجيا تفرض نفسها من جانبه ، حذر الكاتب الصحفى خالد صلاح، رئيس مجلس إدارة وتحرير "اليوم السابع" (تصدر بنسخة ورقية وتملك موقعاً إلكترونياً) يحذر من ظاهرة تعاظم دور الصحافة الإلكترونية مقابل تراجع الاهتمام بالصحافة الورقية ويطالب بالتحرك السريع من كافة المؤسسات الصحفية المصرية سواء القومية أو الحزبية أو الخاصة للتعامل معها. إذ يقول: "الواقع الآن يؤكد أن الصحف الإلكترونية تتسابق على نيل رضا فيسبوك، والحصول على البركة من غوغل، هذا المنطق طبيعي الآن ومفهوم ومبرر، نظراً للأداء الأسطورى لهذه المواقع ونجاحها المطلق فى السيطرة على مستخدمى الإنترنت، فهذه المواقع وحدها قد تمنحك بركة وعظمة فورية، ثم هي قادرة في الوقت نفسه أن تسحق المواقع والمؤسسات الصحفية إذا غضبت عليها فتتركها رماداً تذروه الرياح" بحسب ما ذكر موقع هافينتجون بوست . وتابع "الصحف قد تكسب شهرة سبقها بنشر الأخبار، وقد تكسب انتشاراً لاسيما فى فضاء الإنترنت، لكنها حتماً تخسر خسارة فادحة بانصراف القراء إلى مطالعة المحتوى نفسه على منصة عملاقة أخرى اسمها فيسبوك أو تويتر أو غوغل نيوز.. لكنك لا تكسب زوّاراً بعدد يليق بالمحتوى الذي اجتهدت للانفراد به، قد تكسب (شير) لكنك لن تكسب إعلاناتٍ جديدة على موقع الصحيفة، وحدهما فيسبوك أو غوغل وغيرهما، من محركات بحث وشبكات تواصل تربح بلا تعب أو جهد من هرولة الصحف للنشر على هذه المواقع العملاقة". إن لم تطور الصحف المطبوعة نفسها سوف تختفي في دراسة بحثية بعنوان "العوامل المؤثرة على مستقبل الصحافة الإلكترونية في مصر من 2015 حتى 2030"، تؤكد صاحبتها الدكتورة والباحثة "سماح عبد الرازق" أن انتشار الصحافة الإلكترونية في السنوات الأخيرة، يرجع إلى ارتفاع معدلات استخدام الإنترنت في مصر، بالإضافة إلى سرعتها في نقل الخبر. وأكت في بحثها: "أنه في كل الأحوال لا بد أن نضع في الجريدة المطبوعة ما يبرر وجودها، فإذا لم تطور الصحف المطبوعة من محتواها وتركز على المحتوى الحصري والتحليلات والقصص الإخباربة والبحث فيما وراء الأخبار فستختفي هذه الصحف"، وعلى حد تعبيرها "ستفقد الصحف المطبوعة مبرر وجودها، فحتى كبار السن الذين يمثلون الجمهور الأكبر للصحف المطبوعة أصبح بعضهم يتعامل مع التكنولوجيا الحديثة"