قرأت حول هرمان هسه في كتاب اللامنتمي، وقرأت عن اللامنتمي في كتاب العالميّة الإسلاميّة الثّانية، هكذا قادني القدر إلى دميان وسنكلير، لكن لماذا الرّواية الّتي كان بطلها سنكلير تعنون باسم دميان ؟
سنكلير يرمز إلى هسه .. الباحث عن نفسه، كما يعبّر في بداية كتابه: " لم أكن أريد إلاّ أن أعيش وفق الدّوافع الحقيقيّة الّتي تنبع من داخلي، فلما كان الأمر بعذه الصّعوبة؟ " وهذه المقدّمة القصيرة هي أكثر ما مسّ روحي من الرّواية - وما مسّها كثير - لقد أردتُ دائمًا أن أعيش حياة طبيعيّة، الحياة الّتي خُلقت من أجلها، الحياة الّتي تنبع من داخلي بعيدًا عن أيّ تشويه مدني أو ثقافيّ، أردتُ الذّهاب إلى بقعة بكر من الكرة الأرضيّة علّ روحي تعود بكرًا .
وسنكلير أراد ذلك أيضًا، وهسه، لكنّ ونلسون يقول بأنّه لم يجد الإجابة في أيّ من رواياته، أمّا أنا فأتخيّل بأنّه لو عرف محمّدًا لوجد لديه الكثير، إنّ هسه يفتّش عن الدّين، لكنّه لا يجد الدّين الّذي يبحث عنه في المسيحيّة، لأنّه يبحث عمّا هو أقرب للإنسان، وهو يعبّر عن ذلك على لسان دميان في قوله: " بالطّريقة ذاتها يمتدحون الله كأب للحياة كلّها، ولكنّهم، ببساطة، يرفضون قول كلمة واحدة عن حياتنا الجنسيّة الّتي يقوم عليها كلّ شيء، ويصفونها بالخطيئة كلّما أمكنهم ذلك، على أساس أنّها من عمل الشّيطان "، أجد في هذه الجملة فيضًا من التقدير لغريزة الإنسان الّتي حقّرتها الكنيسة، وهذا ما يعبّر عنه بيجوفتش بقوله أنّ المسيحية هي دين الرّوح في كتابه الإسلام بين الشرق والغرب .
أمّا نبيّ الإسلام محمّد فقد كان يشجّع النّاس على الحياة وفق الطّبيعة الّتي جبلهم الله عليها، لكنّ دعوته تلك لم تكن مبتذلة ولا إباحيّة، بل ضبط الإسلام الغريزة بالزّواج تقديسًا وتكريمًا لها من العبث وحرّم اللهو بها خارج الميثاق الإلهي، إنّها الممازجة الخلاّقة بين الرّوح والجسد، وهسه كان يبحث عن شيء كهذا .
وجد سنكلير خلاصه الرّوحي في امرأتين، الأولى هي بياتريس، الفتاة البريئة الطّاهر الّتي رأى طهر العالم المفقود متمثّلاً فيها، وتغيّرت حياته مباشرة دون أن يتحدّث معها، توقّف عن ارتياد الحانات والإسراف في الشّرب والحياة المبتذلة، أمّا المرأة الثّانية فهي إيڤا، كانت لسنكلير أمّه وحلمه ومسيحه وغريزته الجسديّة وأمانه الرّوحي، وقد افترقا قبل أن يتّصلا جسديًا، ولا أفهم لماذا اختار هسه بأن تكون إيفا أكبر من سنكلير، إنّ في الأمر سرًا عميقًا ما يشبه السرّ الّذي جعل لمحمّد زوجة مثل خديجة، كم أحبّ فلسفة هسه لعلاقة المرأة بالرّجل في هذه الرّواية .
وأحب دميان كذلك، قرأتُ في هامش الرّواية بأنّه اسم محرف عن demon أيّ الرّوح الشّيطانيّة، أو ما يشبه ذلك، لكنّ دميان لم يكن شيطانًا، لقد كان إنسانًا متطرّفًا في إنسانيته، وكثيرًا ما يحوّلنا التطرّف هذا إلى شياطين في منظومة القيم الخاصّة بالآخرين، نجد دميان يقدّس شخصيّة قابيل الذي قتل شقيقه هابيل، ويحاول دفع سنكلير للتفكير بالقصّة من زاوية أخرى، لأنّ الإنسانيّة تعني أن نخطئ، وقد قال لسنكلير ذات مرّة : " لا أعني بأن تقتل أو تغتصب فتاة، ولكن فكّر في المسموح مرّة أخرى " .
الموسيقى الّتي يعزفها بستريوس في الرّواية خدشت قلبي أيضًا، تمنّيت لو كان باستطاعتي الجلوس على مقعد خشبي بالقرب منه والاستماع إليه وإلى سنكلير دون أن يرونني، إنّ بستريوس يرمز إلى الإنسان الّذي يريد صناعة المستقبل، لكنّه متعلّق بالماضي، لذلك هو يصنع الأنبياء والكهنة الّذين بدورهم يصنعون المستقبل .
" الطّائر يكافح للخروج من البيضة، البيضة هي العالم، والّذي يريد أن يُولد عليه أولاً أن يدمّر عالمًا ... الطّائر يطير إلى الله "
منقوووووووووووووووووول