لعطار ، حسن بن محمد (1182 – 1250هـ /1768 – 1834م)
ولد بالقاهرة وإن كانت جذوره ترجع إلى مملكة المغرب
أعانه والده الذي كان يعمل بالعطارة على التعلم بالأزهر وألحقه به
جَدّ َ في التحصيل حتى أجازه أساتذته للتدريس والفتوى في زمن قصير.
وصنَّفع الشعر وفصول النثر والمقامات، وألَّف في المنطق والفلك والطب والطبيعة والكيمياء والهندسة، وقام بتدريس الجغرافيا والتاريخ بالأزهر وخارج الأزهر
ولما داهمت الحملة الفرنسية مصر لم يطق البقاء بالقاهرة؛ ففر إلى أسيوط حيث وجد الأمن لكن أرهقه السعي لكسب رزقه، وما قاساه من أهوال الطاعون الذي انتشر بأسيوط، فصرع الآلاف وأفزع الباقين.
ولذلك عاد إلي القاهرة
جمع بين الثقافتين العربية والغربية بعد اتصاله بعلماء الحملة الفرنسية ، حيث كان يرى في مجيء الحملة على مصر مكسباً علمياً وبركة لأنها فتحت أعين العلماء على حقائق خفية.
بعد أن تعددت ثورات الشعب المصري علي الحملة الفرنسية ،سافر إلى مكة للحج، ثم سافر منها إلى معان، ثم الخليل فالقدس بفلسطين، ورحل إلى الشام، فأقام بدمشق في المدرسة البدرية، ثم رحل إلى ألبانيا حيث استقر بمدينة أشكور مدة، وأخيرًا عاد إلى القاهرة بعد جلاء الفرنسيين
أجاد الفرنسية والتركية والألبانية ، ولهذا أسند إليه محمد علي إنشاء جريدة الوقائع المصرية والإشراف على تحريرها في بدء صدورها .
فكان حسن العطار يقول: "إن بلادنا لا بد أن تتغير أحوالها ويتجدد بها من المعارف ما ليس فيها"
ثم أسند إليه منصب (شيخ الأزهر ) سنة 1246هـ ، وظل هكذا حتى وفاته سنة 1250هـ
من مصنفاته :
-حاشية على الجواهر المنتظمات في عقود المقولات
- حاشية على التهذيب للخبيصي
- موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب
- ديوان العطار
- حاشية جمع الجوامع في أصول الفقه
- رسالة في كيفية العمل بالأسطرلاب والربعين المقنطر والمجيب والبسائط -وهي آلات رصد فلكية- (ذكر هذه الرسالة علي باشا مبارك في ترجمته للمؤلف في الخطط التوفيقية)
- رسائل في الرمل والزيراجة والطب والتشريح وغير ذلك.
- جمع وترتيب ديوان ابن سهل الأندلسي.
- شرح كتاب الكامل للمبرد، أشار إليه المؤلف في قصيدته الطائية في وصفه لجمال الطبيعة بدمشق
-----------
ومن أشهر تلاميذ الشيخ حسن العطار من طلبة الأزهر تلميذه النجيب ( رفاعة رافع الطهطاوي المولود 1801 والمتوفي 1873)
و حسن العطار الذي قربه إليه وأحاطه برعايته،لما آنسه فيه من ذكاء وكان رفاعة يتردد على بيت شيخه يقرأ عليه بعض كتب العلوم الحديثة، وكان يتلو على شيخه ما نظمه من قصائد شعرية، فيلقى منه التشجيع وحسن التوجي
ثم إن الشيخ حسن العطار أشار بإرسال رفاعة الطهطاوي إلى فرنسا، وأشار عليه بتدوين كل ما يشاهده أو يعرفه أو يسمع عنه في فرنسا فكانت نتيجة التوجيهات أن ألَّف الطهطاوي كتابه (تخليص الإبريز في تلخيص باريز).
وبعد عودته عمل الطهطاوي مترجما ورئيسا لمدرسة اللغات الجديدة ورئيسا لتحرير الجريدة الرسمية(الوقائع المصرية). غير ان عمله الذي أشهره عبر التاريخ كان الترجمة و تأليف الكتب
القويسني
اسمه : حسن بن درويش بن عبد الله بن مطاوع القويسني
من مواليد قويسنا بمحافظة المنوفية .
نشأ كفيف البصر لكنه جد وثابرعلي الدرس والتحصيل للعلوم الشرعية حتى صار في طليعة علماء عصره .
اشتهر بلقب البرهان الشافعي حيث كان حجة في الفقه الشافعي .
مال للتصوف واستغرق فيه لدرجة الشطحات وكان إذا ما استغرق في التأمل الصوفي لا يدري بما حوله ويظل فيما يشبه الغيبوبة ، حتى إذا جاء وقت درسه أفاق وقرأه
اختير شيخاً للأزهر 1252هـ
وظل في منصبه حتى وفاته.1254هـ
توفي 1254هـ/ 1838م ودفن بمسجد الشيخ علي البيومي بالحسينية بالقاهرة
من مؤلفاته :
-شرح السلم المرونق لعبدالرحمن بن محمد الصغير الأخضري من علماء القرن العاشر الهجري
-رسالة في المواريث.
السفطي ، أحمد عبد الجواد
(ت 1263هـ - 1847م)
ولد بقرية سَفْط العُرْفَا بمركز الفشن بمحافظة بني سويف
قدم إلى القاهرة ليلتحق بالجامع الأزهر ويتلقي العلوم على كبار مشايخه
و بالأزهر درس على العلماء المبرزين في عهده وفي مقدمتهم:
1- الشيخ محمد بن محمد السنباوي، الشهير بالأمير الكبير المتوفى سنة 1232هـ الذي أجازه بجميع ما دوَّنه في ثبته
2- الشيخ الشنواني المتوفى سنة 1233هـ وهو الشيخ الثالث عشر للأزهر
3- الإمام الدمهوجي المتوفى سنة 1246هـ، وهو الشيخ الخامس عشر للأزهر،
ثم اشتغل بالتدريس في الأزهر فاتسعت حلقته وكثر روادها .وكانت حلقة درسه من أكبر حلقات الدرس بالجامع الأزهر
تولى مشيخة الأزهر 1254هـ وظل شيخاً للأزهر حتى وفاته .
اشتهر بالصائم لكثرة صيامه ، وعُرف بالعفة والصلاح كما كان شاعراً موهوباً .
ودفن بقرافة المجاورين
الباجوري ، إبراهيم محمد (1198 – 1277هـ/1784 – 1860م)
وبعض المراجع تسميه البيجوري وهو خطأ
ولد بمدينة الباجور بمحافظة المنوفية
قدم الأزهر 1212هـ وتلقى العلم على كبار علمائه ،ولما احتلَّ الفرنسيون القاهرة سنة 1213هـ ترك القاهرة إلى الجيزة فترة يسيرة، ثم عاد إليها عندما رحلت الحملة الفرنسية سنة 1216هـ
وثابر في الدراسات وتلقي العلوم من علماء الأزهر مثل: الشيخ محمد الأمير الكبير الذي أجازه بجميع ما ورد في ثبته، والشيخ الإمام عبد الله الشرقاوي شيخ الجامع الأزهر، والشيخ الإمام حسن القويسني، والسيد داود القلعاوي، لكن أكثر تلقيه كان عن الشيخ الإمام حسن القويسني، والشيخ محمد الفضالي
وبعد أن تصدر للتدريس معهم كان يقضي وقته من أول النهار حتى صلاة العشاء في الدراسة والتأليف . وفي فترة وجيزة ظهرت عليه آيات النجابة فدرَّس وألَّف في فنون عديدة،
تخرَّج على يد الإمام الباجوري طائفة من علماء الأزهر الأعلام، ومن أبرزهم رفاعة الطهطاوي، الذي لازمه مدة، ودرس عليه شرح الأشموني وتفسير الجلالين.
تولى الباجوري مشيخة الأزهر في شهر شعبان سنة 1263هـ الموافق يوليو سنة 1847مـ
ولم يمنعه تولي المشيخة من مباشرة التدريس مع القيام بشؤون الأزهر
في آخر حياته مرض و لم يستطع القيام بأعباء مشيخة الأزهر حيث حدثت أحداث جسيمة بالأزهر لم يستطع السيطرة عليها، وكان والي مصر سعيد باشا يؤدي فريضة الحج، وأقام عنه نوابًا أربعة، فرأى هؤلاء النُّواب أنه من الاحترام للإمام الباجوري أن لا يُعيَّنوا أحدًا مكانه في المشيخة، وأن يولُّوا أربعة وكلاء يقومون بإدارة شؤون الأزهر تحت رياسة الشيخ مصطفى العروسي، وهؤلاء المشايخ تم اختيارهم عن طريق الانتخاب، وهم:
الشيخ أحمد كيوه العدوي المالكي،
والشيخ إسماعيل الحلبي الحنفي،
والشيخ خليفة الفشني الشافعي،
والشيخ مصطفى الصاوي الشافعي،
واستمر هؤلاء يقومون بعملهم كلجنة نائبة عن الإمام الباجوري في إدارة شؤون الأزهر
وامتدت مهمة هذه اللجنة بعد وفاة الشيخ الباجوري طوال خمس سنوات أخرى (1277 – 1281هـ).
من مؤلفات الشيخ الباجوري :
-تحفة المريد على جوهرة التوحيد ( وهي حاشية على متن الجوهرة لمؤلفها برهان الدين اللقاني، المتوفى سنة 1041هـ.
- منح الفتاح على ضوء المصباح في النكاح، فقه شافعي.
- فتح الخبير اللطيف شرح نظم الترصيف في فن التصريف.
- حاشية على المواهب اللدنية على الشمائل المحمدية، للترمذي.
- الدرر الحسان على فتح الرحمن فيما يحصل به الإسلام والإيمان للزبيدي.
- حاشية على متن السنوسية، المسماة أم البراهين، لأبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي الحسيني المتوفى سنة 895هـ.
- حاشية على تحقيق (المقام على كفاية العوام فيما يجب عليهم من علم الكلام) للفضالي المتوفى سنة 1236هـ.
- حاشية على (شرح السعد للعقائد النسفية) لعمر بن محمد النسفي، المتوفى سنة 537هـ.
- فتح القريب المجيد على شرح (بداية المريد في علم التوحيد) للشيخ محمد السباعي، فرغ الباجوري من تأليفه سنة 1224هـ، توجد منه نسختان خطيتان بدار الكتب المصرية رقم (22954 ب)، (23050 ب).
- رسالة موجزة في علم التوحيد، مطبوعة مع مجموعة أمهات المتون.
- حاشية على التحفة الخيرية على الشنشورية، في علم الفرائض (المواريث).
- حاشية على فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب، ويسمى أيضًا القول المختار في شرح غاية الاختصار لابن قاسم الغزي.
- تحفة البشر، تعليقات على مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم لابن حجر الهيثمي، المتوفى سنة 974هـ، توجد منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية رقم (13021ج).
- تعليق على الكشاف في تفسير القرآن الكريم.
- حاشية الباجوري على قصيدة البردة للبوصيري.
- حاشية على قصيدة بانت سعاد لكعب بن زهير.
- حاشية على متن السمرقندية في علم البيان.
- حاشية على متن السلم في المنطق.
- حاشية على مختصر السنوسي في المنطق.
- حاشية على المنهج في الفقه، مات قبل أن يتمها.
- حاشية على جمع الجوامع في أصول الفقه للسبكي، لم يتمها.
العروسي ، مصطفى بن محمد بن أحمد بن موسى
(1213 – 1293هـ/ 1799 – 1876م
فقيه شافعي ولد بالقاهرة وتلقى العلم على يد والده .
لما ضعف شيخ الأزهر ابراهيم الباجوري بسبب كبر سنه جري تعيين الشيخ مصطفي العروسي كرئيس للجنة القيام بشؤون الأزهر،
واستمر هذا الوضع إلى سنة 1281هـ أي إلي ما بعد وفاة شيخ الأزهر الباجوري بسنوات
وفي سنة 1281هـ تولى الشيخ مصطفي العروسي مشيخة الأزهر 1281هـ
وكانت مشيخة الأزهر قد تولاها من قبله أبوه وجده.
الشيخ مصطفي العروسي كان قوي الشخصية حريصًا على النظام والدقة، فخافه الطلاب وهابه المشايخ والأمراء، وكان حريصًا على مقتضيات الشريعة الإسلامية دون تراخ
حارب البدع والخرافات ، ومنع شحاذة بعض الناس بأسلوب قراءة القرآن في الطرق
ثم حرم غير الأكْفَاء من التدريس في الجامع الأزهر، حيث كان يرى أن التدريس بالأزهر يجب ألا يكون إلا لمن توافر فيه العلم، والثقافة، والخلق، والأدب
ثم عزم على عقد امتحان لمن يتصدى للتدريس في الأزهر ، فخافه الشيوخ والطلبة وأوعزوا إلى الخديوي إسماعيل لعزله فوافقهم على ذلك 1287هـ .
لقد جاء قرار الخديوي إسماعيل عام 1287هـ بعزل الشيخ العروسي من منصب المشيخة دون تقديم أسباب أو مبررات لذلك العزل، وكانت هذه الحادثة هي المرة الأولى من نوعها، ويعود ذلك إلى ظلم الخديوي إسماعيل، الذي ربما خشي من احتمال سعي الشيخ العروسي لعزله بعد ما زادت المظالم وديون الدولة المصرية بلا رابط في عهده، واشتكى الناس من شظف العيش في حين يعيش الخديوي الفاسد حياة من الترف والاسراف لا تتلاءم مع حالة شعبه.
من مؤلفاته :
نتائج الأفكار القدسية
- كشف الغمة في تقييد معاني أدعية سيد الأمة
- العقود الفرائد في بيان معاني العقائد
- أحكام المفاكهات في أنواع الفنون والمتفرقات
- الأنوار البهية في بيان أحقية مذهب الشافعية .
- حاشية على شرح الشيخ زكريا الأنصاري للرسالة القشيرية في التصوف (أربعة أجزاء).
- الفوائد المستحسنة فيما يتعلق بالبسملة والحمدلة.
- القول الفصل في مذهب ذوي الفضل.
- الهداية بالولاية فيما يتعلق بقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ} [الحج: 52].
العباسي ، محمد بن محمد أمين المهدي
(1243 – 1315هـ/1827 –1898م)
وُلِدَ بالإسكندرية سنة 1243هـ. وكان مولده بعد دخول جده الأول في دين الإسلام على يد الشيخ محمد الحنفي ببضع سنوات.(انظر الهامش#1)
وفي طفولته حضر إلي القاهرة 1256هـ وأقبل على حفظ القرآن فأتم حفظه ، وقرأ على الشيخ إبراهيم السقا الشافعي، وعلى الشيخ خليل الرشيدي الحنفي، وغيرهم.
تعيينه مفتياً للديار المصرية :
عارف بك الذي تولى القضاء بمصر كانت له صلة صداقة بالشيخ محمد أمين المهدي
فلما ذهب الأمير إبراهيم باشا بن محمد علي باشا إلى القسطنطينية ليتسلم من السلطان (مرسوم ولاية إبراهيم على مصر )، قابله عارف بك -وكان إذ ذاك شيخًا للإسلام- فأوصاه خيرًا بذرية الشيخ محمد أمين المهدي، وأن يولي منهم من يصلح لمنصب أبيه
ولما تولي إبراهيم باشا ولاية مصر حرص علي إرضاء شيخ الإسلام،
وتفصيل ذلك أن إبراهيم باشا فعزل مفتي مصر ( الشيخ أحمد التميمي الخليلي ) من منصب (مفتي مصر ) وأصدر أمرًا بأن يتولَّى الشيخ محمد المهدي منصب الإفتاء في 15-11-1264هـ الموافق 12-10-1848م
وكان توليته لمنصب مفتي مصر بالرغم من أنه لم يزل شاباً صغير اً في نحو الحادي والعشرين من عمره، ولما يتأهل لهذا المنصب الكبير،
، ومن الغريب أن الوالي إبراهيم باشا استدعاه لولاية هذا المنصب -الإفتاء- والشيخ محمد المهدي جالس في حلقة أستاذه الشيخ السقا يتلقى عنه العلم. (
#2)
والإمام الشيخ محمد المهدي العباسي كان يتمتع بذكاء حاد، وبتحصيل علمي وافر، ولكن حداثة سنه جعلت ولايته لهذا المنصب غريبة،
ولما خلع الوالي على الشيخ محمد المهدي خلعة هذا المنصب، عقد له مجلسًا بالقلعة حضره حسين باشا المنسترلي والشيخ الإمام مصطفى العروسي وغيرهما، فاتفقوا على إقامة أمين للفتوى يقوم بشؤونها حتى يتأهل لها صاحبها ويباشرها بنفسه، واختاروا لهذه الأمانة الشيخ خليل الرشيدي.
ونزل الشيخ محمد المهدي العباسي من القلعة في موكب كبير من العلماء والأمراء، ووفد عليه كبار القوم والعلماء للتهنئة ومدحه الشعراء
ولقد كانت ولايته منصب الإفتاء حافزًا له على الانكباب على القراءة والبحث والدرس حتى بلغ مكانة الصدارة بين العلماء، وأصبح جديرًا كل الجدارة بمنصب الإفتاء، وجلس للتدريس بالأزهر، فقرأ كتاب الدر المختار، وهو من أهم مصادر الفقه الحنفي، كما قرأ عدة من أمهات الكتب، وباشر أمور الفتوى عن جدارة واستحقاق.
أخلاقه وشجاعته :
اشتهر بالعفة والأمانة والدقة، واشتهر بين الناس بالحزم والعزم، وعدم ممالأة الحكام، فكانت لا تأخذه في الله لومة لائم، وكان شديد المحافظة على كرامته وكرامة منصبه الكبير.
ومن أوضح الأمثلة على ذلك وقوفه في وجه الوالي (عباس الأول) فقد طمع هذا الوالي في الاستيلاء على ثروات المنتسبين لأسرة محمد علي التي ورثوها عن جدهم هذا، وكانت حجته أن محمد علي عندما وفد إلى مصر كان لا يملك شيئًا، فكل ما خلفه لذريته إنما هو من مال الأمة ويجب رده إليها ووضعه بيد حاكم الأمة لينفقه في مصالحها، وهي كلمة حق يراد بها باطل، وأراد حمل المفتي على إصدار فتوى تؤيد رأيه فرفض الشيخ الفتوى بذلك وأصرَّ على الامتناع، فهدده بالعقاب الرادع فلم يأبه له،ولم يحفل بما تعرض له من إرهاب
ولما مات عباس الأول انجلت المحنة فكان موقف الشيخ محمد المهدي سببًا في علو قدره، وسمو مكانته، عند الولاة والحكام من أسرة محمد علي
فكان يشفع للمظلومين لدى الحُكَّام حتى قبل ولايته لمشيخة الأزهر، ومن ذلك أن ( مصطفى العروسي) استصدر وهو شيخ للأزهر أمرًا من الخديوي إسماعيل بنفي الشيخ (حسن العدوي) إلى إسنا، وكاد هذا النفي يتم لولا أنه استغاث بالشيخ المهدي، فأغاثه وذهب إلى الخديوي متشفعًا وألَحَّ في الرجاء حتى ألغي الخديوي اسماعيل قراره وأصدر قرار بالعفو عن الشيخ العدوي.
وكان الحكام يستشيرون الشيخ الإمام المهدي في معضلات الأمور حتى غير العلمية منها، لما ألفوه فيه من غزارة العلم، وجودة الرأي، وصدق النصيحة والتقوى والصلاح.
وكان بيته مفتوحًا أمام جميع الراغبين، ولم تخل مائدته يومًا من الطاعمين.
ولايته منصب شيخ الأزهر :
لما تم عزل الشيخ مصطفى العروسي من المشيخة تطلع إليها الشيخ العدوي، ولكن الخديوي إسماعيل ولَّى الشيخ محمد المهدي شيخًا للأزهر مع بقائه في منصب الإفتاء، وبهذا كان أول من جمع بين المنصبين، وقد كرَّمه الخديوي إسماعيل فخلع عليه الخلع وأحاطه بالتجلة والاحترام.
وكان الإمام الشيخ محمد المهدي أول من تولى مشيخة الأزهر من فقهاء المذهب الحنفي
وقد باشر عمله بحزم وعزم وتدبر، فبدأ تنظيم شؤون الأزهر الإدارية والمالية، فأعاد لأهل الأزهر كل ما لهم من المرتبات الشهرية والسنوية، وكان حازمًا في إنفاق أموال الأوقاف على مستحقيها بالأزهر، مع التقيد بشروط الواقفين دون تلاعب من الحكام، ولم يزل الإمام الشيخ قائمًا بعمله في المشيخة والإفتاء حتى قامت الثورة العرابية
عزله سنة 1299هـ :
لم يتجاوب الشيخ محمد المهدي مع الثوار فطلب عرابي من الخديوي عزله، فأجاب طلبه في شهر المحرم من سنة 1299هـ الموافق ديسمبر 1881م، وولَّى بدله الشيخ الإمام الإنبابي، وانفرد الشيخ المهدي العباسي بالإفتاء فقط
ولما اشتدت الثورة العرابية كتب العلماء وقواد الثورة قرارًا بعزل الخديوي، وطلبوا منه توقيعه فرفض، ولعله كان يرى أن الذي يملك عزل الخديوي هو الخليفة العثماني وحده، فانحرف عنه العرابيون ووضعوه تحت الرقابة، فاحتجب في داره التي كانت واقعة على الخليج بالقرب من مدرسة الفخري المشهورة بجامع البنات، وتحاشى الناس زيارته فكان لا يخرج من بيته إلا لصلاة الجمعة في أقرب مسجد إليه.
ولايته منصب شيخ الأزهر للمرة الثانية :
ولما عاد الخديوي إلى الحكم بعد انتهاء الثورة العرابية، عرف للشيخ الإمام وفاءه، فلما ذهب العلماء لتهنئة الخديوي ذهب الإمام الشيخ محمد المهدي العباسي معهم فخصه من دونهم بمزيد من الترحيب والرعاية، وكان بينهم الإنبابي شيخ الأزهر، فلما رأى ذلك خشي أن يعزله الخديوي ليعيد الشيخ الإمام العباسي فاستقال بعد أيام، فأصدر الخديوي قرارًا بإعادة الشيخ المهدي العباسي إلى منصب شيخ الأزهر إلى جانب بقائه في الإفتاء، وقد حفظ لنا تيمور باشا نص هذا القرار
إستقالته سنة 1304هـ :
ظل الشيخ يباشر عمله في تولي مشيخة الأزهر مرة أخرى حتى سنة 1304هـ ففي هذه السنة وصل إلي علم الخديوي أن جماعة من الكبراء يجتمعون للسمر في بيت الإمام الشيخ المهدي العباسي، فيتكلمون في الأمور السياسية، ويُظهرون سخطهم على الاحتلال البريطاني وعلى ممالأة الحكومة المصرية له
ثم استقبل الخديوي شيخ الأزهر في إحدى المناسبات الاعتيادية فتجهم الخديوي له، ولما هَمَّ الإمام المهدي بالانصراف قال له الخديوي: " يا حضرة الأستاذ الأجدر بالإنسان أن يشتغل بأمور نفسه، ولا يتدخل فيما لا يعنيه ويجمع الجمعيات بداره "
، فقال له الشيخ الإمام: "إنني ضعفت عن حمل أثقال الأزهر، وأرجو أن تعفوني منه. "
ولم يكن الخديوي يتوقع منه هذا الرد، فغضب وقال مُسْتَفْهِمًا: ومن الإفتاء أيضًا؟
فقال له الإمام: نعم، ومن الإفتاء أيضًا
ثم انصرف شيخ الأزهر وعندئذ أمر الخديوي بإعادة الشيخ الإنبابي لمنصب شيخ الأزهر مرة أخرى، وإقامة الشيخ محمد البنا في الإفتاء.
وقيل أن سبب عزله الحقيقي كان حنق الخديوي عليه بسبب إصداره فتاوى أضرت الخديوي الذي ضاق به وجعله لا يبرح بيته.
أما مدة ولايته الإفتاء فكانت أربعين عامًا من سنة 1264 هـ إلى سنة 1304هـ.
وكانت مدة ولاية الشيخ المهدي العباسي لمشيخة الأزهر ثمانية عشر عامًا، وكان أول من تولى هذا المنصب مرتين:
الأولى 1287هـ لكنه عُزل من منصبه 1299هـ لعدم تجاوبه مع الثورة العرابية وامتناعه عن التوقيع على عزل الخديوي توفيق .
ولما فشلت الثورة كوفئ من قبل الخديوي إسماعيل بإعادته لمنصب شيخ الأزهر مرة أخرى وظل هكذا حتى استقال 1304هـ
استصداره أمرًا بوضع قانون تنظيم امتحان مَنْ يريد التدريس بالأزهر :
استصدر الإمام الشيخ محمد المهدي العباسي أمرًا من الخديوي بوضع قانون للتدريس فاستجاب له، وكان الأمر قبله قائمًا على أن من آنس في نفسه القدرة على التدريس تصدى له، فألقى درسًا بحضرة شيوخه، فإذا أذنوا له ظل قائمًا بعمله، وكان هذا الأسلوب يفتح ثغرات في النفوذ إلى منصب التدريس، ولهذا اندس بين العلماء من لا يستحق هذه المنزلة.
فكان الشيخ الإمام المهدي العباسي هو أوَّل من سَنَّ قانونًا بتنظيم الامتحان، وقد راعى في هذا القانون الأخذ بأطراف من التقاليد القديمة، مع ما جدد فيه ومع الدقة والحزم ومراعاة الأمانة المطلقة في الامتحان.
اقتضى قانون الامتحان تعيين ستة من أكابر العلماء الموثوق بأمانتهم وعلمهم، من كل مذهب اثنان إلا مذهب ابن حنبل لندرة طلبته، وجعل الامتحان في أحد عشر علمًا من العلوم المتداولة بالأزهر، وهي: التفسير، والحديث، والتوحيد، والفقه، وأصول الفقه، والنحو والصرف، والمعاني والبيان والبديع، والمنطق، ومن كان يريد أداء الامتحان لا بد أن يكون قد درس هذه الفنون بالجامع الأزهر، وأن يكون دارسًا لمصادرها الكبرى، مثل السعد في البلاغة، وجمع الجوامع في أصول الفقه، وعليه أن يُقدِّم طلبًا لشيخ الأزهر يذكر فيه أنه يريد الدخول في زمرة العلماء المدرسين وأنه حضر كذا وكذا من الفنون، وحضر مختصر السعد وابتدأ في جمع الجوامع مثلا فيؤخر الشيخ ذلك الطلب حتى يستخبر عن أحواله ممن يعرف حقيقة أمره، ثم يكتب إلى مشايخه لإبداء رأيهم فيه ولا بد أن يشهد له جمع من المشايخ أقلهم ثمانية، ثم يعين له من كل فن درسًا، ويُلقي الطالب الدرس المطلوب بوصفه أستاذًا، ويمثل العلماء دور الطلبة فيسألونه ويجيب، ولا يحضر المجلس غيرهم، فإذا أجاب في كل فن نال التقدير من الدرجة الأولى، وإذا أجاب في أكثر الفنون كتب من الدرجة الثانية، وإذا أجاب في الأقل كُتب من الدرجة الثالثة، والأغلبية العظمى من الناجحين نالوا الدرجة الثالثة، وقليل منهم من نال الدرجة الثانية، وأقل من القليل أو النادر من نال الدرجة الأولى، وعدد ممن كانوا يتقدمون لا ينجحون إلا بعد عدة محاولات، وكان من المستحسن ألا يُقبل طلب في الامتحان أكثر من ستة في العام، فإذا زادت الطلبات لأداء الامتحان اختار الشيخ عددًا منهم ويتم الاختيار على أساس الشهرة بالعلم أو كبر السن، والذي يظفر بالدرجة الأولى في الامتحان يرسله الأزهر إلى المعية الخديوية، فتكتب له شهادة تشريف مُتَوَّجة بخاتم الخديوي الأعظم تكون مع الناجح الممتاز، ويمنحه الخديوي خلعة، ويمنحه شريطًا مزينًا بالقصب يضعه في عمامته، ويكتب للجهات المختصة باحترامه، وينال تخفيضًا في أجرة السفر بالقطارات.
وصفه :
كان ربْعَة أقرب إلى الطول، مليح الوجه، منوَّر الشيبة، معتدل القامة، ذا هيبة ووقار.
مؤلفاته:
- الفتاوى المهدية في الوقائع المصرية، وتضمُّ علمًا غزيرًا وثروة فقهية طائلة، وهي مطبوعة بالقاهرة سنة 1301هـ في ثمانية أجزاء كبيرة.
- (رسالة في تحقيق ما استتر من تلفيق) في الفقه الحنفي.
- رسالة في مسألة الحرام على مذهب الحنفية.
الأوسمة التي حصل عليها :
كان للشيخ محمد المهدي العباسي مكانة سامية حيث منحه الباب العالي كسوة التشريف من الدرجة الأولى، كما منحه الوسام العثماني الأول في 21 من صفر سنة 1310هـ الموافق 13 -9-1892م.
وفاته:
أصيب بالفالج
بعد أن لازمه المرض أربع سنوات توفي ليلة الأربعاء 13-7-1315هـ الموافق 7 -12-1897م ، عن اثنتين وسبعين سنة،، فأذَّن المؤذن على المآذن إعلامًا بوفاته، وحزن الناس لموته حزنًا شديدًا، وتكاثرت الحشود على داره للاشتراك في تشييع جنازته حتى بلغ عدد المشيعين زهاء أربعين ألفً
ودُفن بزاوية الأستاذ الشيخ الإمام الحفني إلى جوار أبيه وجده، بقرافة المجاورين
ورثاه كثير من شعراء عصره (
#3)
وترك ثروة طائلة ورثها عن أبيه وجده ونمَّاها
الهوامش :
---------------------
#1)- نبذة عن الجد الأول للإمام محمد المهدي العباسي:
كان مسيحيًّا إلا أنه أسْلَم على يد الشيخ الإمام محمد الحفني وهو يافع، وتسمي بمحمد المهدي فضمَّهُ الشيخ الحفني إلى أسرته، وأقبل على درس علوم الإسلام، وحفظ القرآن الكريم والتتلمذ على الشيخ الحفني، وعلى أخيه الشيخ يوسف وغيرهما مثل الشيخ علي الصعيدي العدوي، والشيخ عطية الأجهوري، والشيخ الدردير، وأخذ يُدَرِّس الكُتُب الصعاب في المعقول والمنقول بالتحقيق والتدقيق حتى صار من خيار العلماء وعلت منزلته بينهم
فلما توفي شيخ الأزهر الشرقاوي أجمع كبار العلماء على ترشيحه لمشيخة الأزهر، ولكن الوالي محمد علي باشا اختار الشيخ الشنواني شيخاً للأزهر
، تزوج محمد المهدي وأنجب الشيخ (محمد أمين) وكان من العلماء المرموقين، وتولَّى منصب الإفتاء.
الشيخ ( محمد أمين ) هذا تزوج وأنجب شيخ الأزهر (محمد) المشار إليه في هذه الترجمة
#2)- لا ينتقص هذا التصرف مكانة الشيخ المهدي، فإن علمه وصلاحه وتقواه رفعته إلى أكبر من منصب الإفتاء، فصار شيخًا للأزهر سنة 1287هـ.
#3)- قد جمع الشيخ الموصلي هذه المراثي في كتاب سماه (المراثي الموصلية في العلماء المصرية) جمع فيها بعض المراثي التي قيلت في بعض العلماء الذين ماتوا في سنة وفاة شيخ الأزهر الإمام المهدي العباسي.
--------------------
المصادر:
http://dar-alifta.gov.eg/ViewScientist.aspx?ID=39
- الأزهر في اثني عشر عامًا، نشر إدارة الأزهر.
- الأعلام للزركلي 7/75.
- الخطط التوفيقية 17/ 10.
- شيوخ الأزهر، تأليف: أشرف فوزي.
- كنز الجوهر في تاريخ الأزهر، تأليف: سليمان رصد الحنفي الزياتي.
- مرآة العصر في تاريخ ورسوم أكابر الرجال بمصر، تأليف: إلياس زخورة ص 225.
- مشيخة الأزهر منذ إنشائها حتى الآن، تأليف علي عبد العظيم.