خالد جمعة
مَشَتِ الكَلْبَةُ الصَّغِيْرَةُ في الغَابَةِ وهي حزينةٌ، لأنَّها اكْتَشَفَتْ أنَّها لا تَسْتَطيعُ المَشْيَ مِثْلَ باقي الكِلابْ، وهذا لأنَّها وُلِدَتْ بِثَلاثَةِ أَرْجُلْ. جَلَسَتْ الكَلْبَةُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَهيَ تَبْكيْ، فَقَالتْ لَهَا الشَّجَرَةُ: لماذا تَبْكِيْنْ؟ فَرَدَّتْ الكَلْبَةُ: لأَنّنِي لا أَمْلُكُ أَرْبَعَةَ أَرْجُلٍ مِثْلَ بَقِيَّةِ الكِلابْ، إنَّ لي ثَلاثَةٌ فَقَطْ.
قالتْ لها الشّجَرَةُ: بَسِيْطَةْ!! خُذِيْ غُصْنَاً مِنْ أَغْصَاني، وَضَعِيْهِ مَكَانَ رِجْلِكِ المَفْقُوْدَةْ، وبهذا يُصْبِحُ لدَيْكِ أَرْبَعَةَ أَرْجُلْ. أَخَذَتْ الكَلْبَةُ غُصْنَ الشَّجَرَةِ وَوَضَعَتْهُ مَكَانَ رِجْلِهَا المَفْقُوْدَةِ وَمَشَتْ في الغابةِ بعد أن شَكَرَتْ الشجرةْ. لكِنَّ الحيواناتِ أَخَذَتْ تَضْحَكُ مِنْهِا، فقد كانِ مَنْظَرَاً غَرِيباً، كلبةٌ بثلاثةِ أرجلٍ وغصنِ شجرةْ.
عادَ الحُزْنُ للكلبةِ من جَدِيْدْ، فَمَرّتْ من جَنْبِهَا أُمُّ أَرْبعةٍ وأربعين، ولَمَّا عَرِفَتْ سبَبَ حُزْنِها عَرَضَتْ عَلَيْهَا أن تُعْطِيَها رِجلاً من أرجُلِها الأربعةِ والأربعين، لكنّ الكلبةَ شَكَرَتْها ورَفَضَتْ أَخْذَ رِجْلِهَا لأَنّهَا صغيرةٌ عليها، ومَشَتْ بعد أن رَفَعَتْ الغُصنَ الذي يُضْحِكُ الحيواناتِ منها. فَقَابَلَها وحيدُ القرنْ، ولما عَرِفَ سبَبَ حُزْنِها، قالْ: خُذي جُزءاً من قَرْنِي إذا شِئْتِ، وَضَعِيْهِ مَكَانَ رِجْلِكِ فَهْوَ سَيَنْمُو ثانيةً عندي ولن أخسرَ شيئاً، فأخذتْ الكلبةُ قَرْنَهُ وهي سعيدةٌ، وَوَضَعَتْهُ مكانَ رِجْلِها المفقودةْ، لكنَّها كلّما مرَّتْ على حيوانٍ ضَحِكَ وقال: أوَّلُ مرّةٍ أرى رِجْلاً من قرنِ وحيدِ القَرْن.. ها ها ها ها..
رَفَعَتْ الكلبةُ القرنَ وجَلَسَتْ تَبْكي، وبينما هي كذلك، إِذْ لَمَحَتْ غُرَاباً يُحَاوِلُ أن يطيرْ، ولا يستطيعُ لأنَّ جَنَاحَهُ عَالِقٌ في فَرْعِ شجرةٍ كَثِيْفْ، اتَّجَهَتْ الكلبةُ إلى فرعِ الشّجرةِ وهَزَّتْهُ بأسْنَانِها، لأنَّهُ كانَ قريباً من الأَرْضِ، فَأَفْلَتَ الغُرَابُ وطَارَ إلى السَّماءْ، وعادَ إليها لِيَشْكُرَهَا، فوَجَدَها حَزِيْنَةً فقالْ: أَأَقُولُ لكِ لماذا أنتِ حزينةْ؟ لأنَّ لَكِ ثلاثةُ أَرْجُلْ!! صَحّْ؟؟
فقالتْ الكَلْبَةُ بِدَهْشَةٍ: صَحّْ!! ولكن كيفَ عَرَفْتْ؟؟ قال الغُرابُ: لأنّني كنتُ أطيرُ فَوْقَكِ منذُ أن وضعتِ غُصْنَ الشجرةِ مكانَ رِجْلِكِ المفقودةْ، ورأيتُ كلَّ شيءْ، وعندما حاولتُ الهُبُوطَ لأكلِّمَكِ عَلِقَ جَنَاحِي في ذلكَ الغُصنِ إلى أن ساعَدْتِني على الإفْلاتْ. قالتْ الكلبةُ: أنا سعيدةٌ لأنَّكَ طِرْتَ من جديدْ، ولكنني حزينةٌ لأنني لستُ مِثْلَ باقي الكِلابْ.
قالَ الغُرابُ: وهلْ تَظُنِّيْنَ أنَّ باقي الكلابِ مثلَ بَعْضِها؟؟ قالتْ الكلبةُ: نَعَمْ.. والنُّمُورُ مثلَ بَعْضِها.. والغِرْبَانُ مثلَ بَعْضِها.. ضَحِكَ الغُرابُ من سَذَاجَةِ الكَلبةِ الصَّغِيْرةْ وقالْ: أنتِ مُخْطِئَةٌ، فَابْنُ عَمِّي مثلاً لهُ رِيْشٌ أَبْيَضٌ على رَأْسِهِ، وأبي مِنْقَارُهُ أَعْوَجْ، وأُختي جَنَاحَاها قَصِيْرَان وأنَا رِيْشِيَ خَفِيْفٌ.. فليسَ هُناكَ أَحَدٌ مِثْلَ الآخَرْ.. قالتْ الكلبةُ: ماذا تَقْصِدْ؟؟
قالَ الغرابُ: أقْصِدُ أنَّكِ إذا نَظَرْتِ إلى الكلابِ تجدينَ كلَّ كلبٍ مُخْتَلِفٍ عن الآخرْ، في الذَّيْلِ، في الأسْنَانِ، في لَوْنِ الشَّعْرِ، في الحَجْمِ، وأنتِ مختلفةٌ عَنْهُمْ لأنّ لكِ ثلاثةُ أَرْجُلْ، هذه هي كلُّ الحِكَايَةْ.
بَدَأتْ الإبْتِسَامَةُ تَرْتَسِمُ على وَجْهِ الكَلْبَةِ وفَكَّرَتْ أنَّ ما يَقُولُهُ الغرابُ حَقِيقِيٌّ، وخُصُوصاً أنّ أحداً لم يضحكْ عَلَيها حينما كانتْ تَسِيْرُ على أَرْجُلِها الثَّلاثْ، لكنهم ضَحِكوا عليها عندما حاولتْ أن تَضَعَ شيئاً مكانَ الرِّْجْلِ المفقودةْ. لِذا عَادَتْ إلى بَيْتِها وهي سَعِيْدَةْ، ولم تَنْسَ أن تُعِيْدَ قَرْنَ وحيدِ القرنِ وغُصْنَ الشجرةِ فهيَ لم تَعُدْ بِحَاجَةٍ إليهُما.