الأهرام يواصل حملة الكشف عن السرقات العلمية عبر‏4‏ مواقع للدوريات العلمية ارتفاع عدد المخالفين إلي‏6

في دراسة عن النشر العلمي‏,‏ يصف أحد العلماء الانتحال العلمي والنشر المزدوج بأنهما مثل داء السرطان والذي كلما تم اكتشافه مبكرا وعلاجه سلم الجسد من مضاعفات المرض‏.‏

والجسد هنا هو المجلات العلمية والمؤسسات البحثية والتعليمية والتي يجب أن تتحلي بقدر رفيع من الشفافية والمحاسبة. وبالتالي لا تعجب إذا علمت أن رئيس جمهورية المجر' بال شميت' استقال العام الماضي من منصبه وتم سحب درجة الدكتوراه منه لثبوت اتهامه بالانتحال العلمي كما استقالت مطلع هذا العام وزيرة التعليم الألمانية أنيت تشافان ومن قبلها وزير الدفاع كارل تيودور لنفس السبب. إنها دول تعلي من المصلحة العامة ومن سلامة المؤسسات البحثية علي حساب الفرد وليس العكس.
وتأكيدا علي أهمية تلك القضية والتي أثرناها الأسبوع الماضي برصد25 أستاذا وباحثا بالجامعات والمراكز البحثية المصرية متهمين من قبل' السيفير' أكبر وأهم دار نشر للمجلات العلمية في العالم- بالسرقة ومخالفة قواعد النشر, ونظرا للتجاهل التام من قبل وزارتي البحث العلمي والتعليم العالي لما نشرناه والحفاوة البالغة التي تلقيناها من قبل قطاع كبير من العلماء والباحثين والذين أتاحوا لنا كما هائلا من المعلومات, نواصل هذا الأسبوع مناقشة نفس الملف الشائك, حيث قمنا بتكرار نفس طريقة البحث عبر مواقع دور النشر العلمية بكتابة كلمتيEgypt وretracted للكشف عن المقالات التي قدمها علماء وباحثون مصريون وتم سحبها بعد النشر بالمجلات الدولية التابعة لدور نشر مثلSpringer وWiley وهما ثاني وثالث أهم دور نشر علمية بالترتيب حيث تطرح كل منهما كما هائلا ومتنوعا من المجلات العلمية في كافة العلوم الأساسية والتطبيقية مثل الرياضيات وعلوم الحاسب والدراسات الطبية والزراعة والكيمياء وعلوم الفلك كما أن لتلك الدور مواقع تسمي بالمكتبات الإلكترونية والتي يمكن من خلالها الحصول علي أي دراسة مجانا أو بمقابل مادي. إضافة لذلك قمنا بذات الرصد عبر محرك البحثPubMed للدراسات الطبية وGoogleScholar التابع لشركة جوجول والمخصص للأبحاث العلمية الدولية حيث يمكن من خلاله الوصول مباشرة إلي الدراسة محل البحث وتتيح جوجل أيضا خدمة التنبيه في حالة العثور مستقبلا علي أي دراسة مخالفة لقواعد النشر. ولقد راعينا أثناء عملية الفرز استبعاد الأبحاث التي كشفناها الأسبوع الماضي.
ولعل أهم النتائج الصادمة التي توصلنا لها بعد أيام من قراءة التقارير هو إدانة رؤساء المجلات العلمية لـ40 أستاذا وباحثا مصريا بمخالفة قواعد النشر. وبإضافة ما رصدناه الأسبوع الماضي فإن عدد البحوث التي تم سحبها هي41 دراسة بسبب إدانة65 باحثا وعالما جميعهم مذكورون بالاسم والتخصص والكليات أو المراكز البحثية التي يتبعون لها بل وعناوين بريدهم الإلكتروني. وطبقا لتقارير الإدانة والتي تنوعت أسبابها مابين الانتحال العلمي أو النشر المزدوج أو الأخطاء العلمية فلقد ظهر تقريران لدار نشر' سبرينجر' بدون تحديد أسباب سحب المقالتين.
ومن أغرب حالات النشر المزدوج ما قام به ن. س. بقسم المسالك البولية بطب الإسكندرية والذي كان يجري دراسته بجامعة توكوشيما باليابان عن أثر الموجات الكهرومغناطيسية للهاتف المحمول علي خصوبة ذكور الأرانب ثم قرر الباحث أن يكتب نفس الدراسة3 مرات مع إضافة بعض التغييرات الطفيفة في العنوان والمحتوي وإرسالها إلي مجلات علمية تابعة لدور النشر' نيتشر' و'ويلي' ومجلة علمية ثالثة لدراسات المسالك. وكما ذكر بتقرير الإدانة بدار نشر ويلي فإن التحليل الإحصائي المستقل والذي أجري عبر برامج متخصصة أظهر أن الدراسات الثالثة والتي نشرت تباعا خلال شهري نوفمبر وديسمبر2009 اعتمدت جميعها علي نفس التجربة العلمية وبالرجوع إلي الجامعة اليابانية الراعية للبحث للتأكد من مدي دقة المعلومات بالتجربة العلمية تبين أن حتي هذا الأمر مشكوك فيه, كما طالب الأساتذة اليابانيون بسحب أسمائهم من الدراسات المشتركة مع الباحث المصري مما يضعف من درجات الثقة في المحتوي العلمي والمعلومات المكتوبة.
حالة ثانية شديدة الفداحة كما ظهر بتقرير دار نشر ويلي عام2010 ضد س. أ. أستاذة التخدير بطب الأزهر والاستشاري بإحدي المستشفيات السعودية والتي أدانها التقرير بإجراء الدراسة دون الحصول علي موافقة مرضي مستشفي أمفيا بهولندا رغم إدعائها عكس ذلك بالأوراق. كما أن ذات الأستاذة كتبت وسلمت الدراسة دون معرفة وموافقة الأساتذة الهولنديين والمضافة أسماؤهم كشركاء في الدراسة. ونوه التقرير إلي أنهم فشلوا في الحصول علي أي رد من الأستاذة المدانة.
ومن مجمل الحالات التي رصدناها علي مدار أسبوعين والتي تقدر بحوالي41 دراسة يتضح أن39% من أسباب سحب المقالات يرجع إلي اقتراف الباحث السرقة والانتحال العلمي, و41% بسبب النشر المزدوج وهو للأسف من الأخطاء العلمية التي يتم التعامل معها في مصر بقدر كبير من التهوين خاصة إذا كانت النصوص الأولي قد نشرت في المجلات العلمية المصرية والتي يصف إحداها القائم بأعمال رئيس أكاديمية البحث العلمي بأنها' مغمورة' كما ذكر منذ أيام بمجموعة إبن سينا للتواصل بين العلماء علي شبكة جوجل. وفي حقيقة الأمر فإن87% من المجلات العلمية المصرية والتي يبلغ عددها الكلي600 مجلة غير مدرجة أصلا علي شبكة النشر الدولي وبالتالي لايعلم عنها المجتمع الدولي أي شيء ولايمكن الاستشهاد بها أو التأكد من عدم وجود مخالفات نشر في محتواها عبر البرامج الإلكترونية, إن وجودها علي حالتها تلك لايسهم في ارتقاء تصنيف الجامعات المصرية دوليا, إنها باختصار المحتوي العلمي المجهول دوليا والذي لايعني إلا عددا قليلا ومحدودا من القائمين عليها. في المقابل فإن الـ13% الباقية من تلك الدوريات المصرية(80 مجلة) مدرجة اليوم علي شبكة النشر الدولي وتطبق المعايير العالمية وهو جهد كبير ساهمت به علي مدار سنوات طويلة الشبكة القومية للمعلومات التابعة لأكاديمية البحث العلمي من خلال التدريب وتقديم الدعم الفني وتوفير برامج كشف السرقات العلمية للمجلات المحلية. هذا الجهد أتي بثماره من خلال ارتقاء تصنيف العديد من المجلات العلمية المصرية وبالتالي زيادة عدد البحوث المصرية, المنشورة دوليا مما أسهم في ارتقاء تصنيف جامعة القاهرة وجامعات أخري. في المقابل فقد كشف أيضا عن العديد من المخالفات في قواعد النشر والتي لم تواجه بالقدر الكافي من الحزم خاصة وأنه لاتوجد عقوبة قانونية لمخالفة قواعد النشر حيث يترك الأمر طبقا لتقدير كل جامعة. الأسوأ من ذلك هو غياب برامج تعليم أخلاقيات الكتابة والنشر العلمي لطلبة الجامعات وعدم وجود توافر البرامج الإلكترونية لكشف السرقات العلمية بالكليات وأخيرا تفشي ظاهرة مكاتب إعداد وكتابة رسائل الماجستير والدكتوراه والتي تعلن عن نفسها صراحة عبر صفحاتها علي الفيسبوك.
نعيد ونؤكد أن كافة تقارير الإدانة متاحة علي الملأ عبر الشبكة العنكبوتية, ويمكن الرجوع إلي المواقع المذكورة. إن بقاء تلك التقارير هو إهانة لسمعة مصر العلمية ومن الأجدي أن ينتفض المجتمع العلمي ومتخذو القرار فيقاضون المجلات الدولية إن امتلكوا أدلة البراءة أو يصلحوا من ذلك الخلل المشين في منظومتي التعليم العالي والبحث العلمي والذي يسمح لفئة من المنتمين إلي البحث العلمي والتعليم العالي بإهالة التراب علي الجامعات المصرية والقامات من علمائنا الأجلاء والذين يفنون حياتهم من أجل رفعة هذا الوطن.