الهجرة المعاكسة.. تدفع «إسرائيل» إلى الزوال
قرابة مليون يهودي هاجروا من الكيان الصهيوني في السنوات الأخيرة جريدة الشعب - إعداد: إبراهيم شعيب
بدأت الهجرة المعاكسة فى «إسرائيل» منذ عام 2004؛ ففى ذلك العام غادر نحو 16 ألف إسرائيلى وفق تقرير «دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية» الذى أجرته عن الهجرة اليهودية من «إسرائيل». وأغلبهم يشكل الكوادر المثقفة وأصحاب الشهادات العليا من أطباء ومهندسين وعلماء وغيرهم.
وفى استطلاع للرأى نشرته صحيفة «هاآرتس» هذا العام، فإن 37% من الإسرائيليين يفكرون فى الهجرة والعيش فى دول أخرى.
ولدى سؤال هؤلاء عن سبب رغبتهم فى المغادرة، أفادوا بأن الدافع وراء ذلك ليست أمنية فقط، بل اقتصادية فى الأساس؛ إذ إن الوضع الاقتصادى فى «إسرائيل» سيئ للغاية، وهم يفضلون البحث عن مكان تكون فيه فرص العمل أكبر ومستوى الدخل فيه مرتفعا.
إضافة إلى أن فشل «إسرائيل» فى تحقيق السلام مع العرب أصبح يشكل فى نظر هؤلاء خطرا على حياتهم ومستقبلهم، خصوصا فى ظل الاعتداءات اليومية لدولتهم على الفلسطينيين والعرب.
وفى مقال سابق نشرته صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية بتاريخ 1 مايو عام 2013م تحت عنوان «لدى وطن بديل»، أشار فيه كاتب المقال -وهو يهودى هاجر من «إسرائيل» مع عائلته منذ 5 سنوات، ردا على مقال يوسف حاييم برنر أحد قادة الفكر الصهيونى الذى بعنوان «لا يوجد وطن بديل»- إلى أن مقالة برنر أثبتت عكس ما قال؛ إذ يوجد فى الواقع أمام اليهود أوطان بديلة. والدليل على ذلك أن ثلثى اليهود يعيشون فى أوطانهم الأصلية لا فى «إسرائيل»، منهم 850 ألف يهودى هاجروا من إسرائيل خلال السنوات الـ10 الأخيرة.
وفى بحث أجراه «سيرجيو ديلى بيرجولا» -وهو بروفيسور يُدرس فى الجامعة العبرية فى القدس المحتلة- أظهر أن 14 ألف صهيونى قد غادروا «إسرائيل» فى سنة 2012 ولم يعودوا إليها، وأشار مباشرة إلى أنه من الأمور التى تزيد ضغوط الهجرة، أن كثيرا من الإسرائيليين قد اتخذوا إجراءات تمهيدية للمغادرة فى نهاية الأمر؛ إذ أظهرت -وبرأى صاحب البحث- إحدى عمليات المسح أن ما يُقارب 60% من الإسرائيليين قد أجروا اتصالات أو هم عازمون على الاتصال بسفارة أجنبية يطالبون فيها بجنسية أو جواز سفر، ويضيف أن نحو 100 ألف إسرائيلى لديهم جوازات سفر ألمانية.
والجدير ذكره أن الحكومة الإسرائيلية تعتبر المهاجر نهائيا هو المواطن الذى يغادر إسرائيل لأى سبب كان ولا يعود ولو مرة واحدة خلال أربع سنوات.
وأيضا فى آخر استطلاع للرأى أجرته جماعة تُطلق على نفسها اسم «شبيبة هرتسل» أظهر أن منسوب الخوف على مستقبل «إسرائيل» ارتفع فى وسط الشباب «الإسرائيلى» بنسبة 71% بعد ما تسمى ثورات «الربيع العربى»، إضافة إلى الوضع الاقتصادى فى «إسرائيل» الذى يكسر روح مواطنيها ويجعلهم يُفكرون فى الهجرة.
وأظهرت الدراسات أن معظم سكان دولة الاحتلال الذين يفكرون فى ترك «إسرائيل» يرغبون فى الذهاب إلى أمريكا، والباقين إلى أوروبا؛ إذ إن معظمهم من أصول أوروبية، وهم أصلا دخلاء على إسرائيل؛ فمنذ نشأة هذا الكيان كان اليهود العرب من المهاجرين الأوائل إليها؛ فبعد تفجير الاستخبارات الصهيونية محلاتهم فى البلدان العربية التى كانوا فيها، وإحراقها هربوا إلى «إسرائيل» معتقدين أنهم أصبحوا مستهدفين من شعوب تلك المنطقة وأنظمتها، ومن ثم فإن من جاء من أوروبا وأمريكا عددهم كان ضئيلا فى البداية نسبة إلى عدد المهاجرين العرب الذين بلغت نسبتهم حينها 75%.
وسبق لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق أن اعتبرت موضوع الهجرة المعاكسة لليهود بمنزلة زلزال يهدد الكيان الإسرائيلى أكثر من أى تهديد أمنى وعسكرى آخر، حتى من سلاح القنبلة النووية. رغم أنها والحكومات المتعاقبة والحالية لم تستطع أن تفعل شيئا تجاه تلك الظاهرة، خصوصا فيما يخص الوضع الاقتصادى؛ فهى لم تستطع أن تؤمن فرص عمل جديدة على الرغم من الدعم المالى وغيره من الولايات المتحدة الأمريكية لها.
حتى إن اليهود خارج «إسرائيل» بدءوا يغيرون أمزجتهم تجاه الانتماء إلى دولة «الميعاد»؛ فالمزاج فى الولايات المتحدة، على سبيل المثال، لم يعد يؤمن بفكرة أرض الميعاد، ولا بفكرة القدوم إلى إسرائيل، ولو على سبيل السياحة، كما يقول ديفيد عزقول المهندس الذى غادر «إسرائيل» منذ أكثر من 12 عاما، ويضيف أن ينابيع «إسرائيل» اليهودية فى الخارج آيلة إلى جفاف، بل زوال أكيد، خصوصا مع اتجاه اليهود هناك إلى الزواج المختلط من غير اليهود، الذى -حسب رأيه- سوف ينهى أجل اليهود فى الخارج. حتى إن الباحث الصهيونى يعقوب إلياف وصف ذلك بأنه «الهولوكوست» الصامت الأكثر رعبا لإسرائيل من «الهولوكوست» السابق.
هذا ويعتبر المهاجرون «الإسرائيليون» أمن عائلاتهم وسلامتهم ودمهم أغلى من كل ما تقدمه حكومة «إسرائيل» أو تعدهم بتقديمه؛ فقد لمسوا لمس اليد التهديدات اليومية التى تتربص بهم هناك على الصعيدين الأمنى والاجتماعى، ومن ثم فإن جهنم الغرب بالنسبة لهم أفضل من جنة «إسرائيل».
أضف إلى ذلك الصراع النفسى الذى يعيشه هؤلاء من ازدواجية الانتماء. وأقصد بذلك الانتماء إلى الوطن الأصلى الذى جاءوا منه، والوطن البديل الذى هو «إسرائيل»، ومن ثم خلق هذا الازدواج مشكلات نفسية جمة لدى هؤلاء، خصوصا بعد إصرار الحكومات اليمينية المتعاقبة على مواطنيهم، على أن يكون ولاؤهم لـ«إسرائيل» فقط؛ ما أدى إلى مشكلات مختلفة مع البلاد الأصلية لهؤلاء، واستدعى ذلك تلك الحكومات إلى الكف عن السير فى هذا الطلب.
لا شك أن المجتمع «الإسرائيلى» بدأ يتفكك من الداخل، وبدأت مع هذا التفكك عملية فقدان العنصر الأساسى لمقومات الدولة، وهو «الشعب»، وخلال فترة زمنية قد تطول أو تقصر ستجد «دولة» بدون شعبها، وأن عملية العد العكسى لهذا الكيان بدأت؛ فلا القوة العسكرية المتفوقة ستبنى مستقبلا له، ولا سياسة الدعم الدولى ستُجدى نفعا، وعملية الموت البطىء بدأت، وإن السنين القادمة لناظرها قريب.